تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 44 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4975 - عددالزوار : 2093364 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4554 - عددالزوار : 1368369 )           »          لا يصح جمع قضاء رمضان مع ست شوال بنية واحدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          What is the ruling on one who discloses secrets ما حكم من يفشي الأسرار ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          ما حكم من يفشي الأسرار ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان " معناه وصحته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          متى يبدأ المسلم صيام ستة من شوال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          $ هل يحصل الفضل لمن صام ثلاث من الست من شوال مع البيض بنية واحدة ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ماعلاج البقع الحمراء مع انتفاخ على الرقبة والأكتاف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أعاني من ثقل بالساقين وألم مبرح يمتد إلى قدمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #431  
قديم 03-05-2023, 04:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (431)
صــ 202إلى صــ 216

7821 - حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ يَفْرَغُ ، فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، مِنَ الْقِرَاءَةِ وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ : "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ : "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعِيَاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ! اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِيِّ يُوسُفَ ! اللَّهُمَّ الْعَنْ لَحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصِيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ! " . ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) .
القول في تأويل قوله ( ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ( 129 ) ) [ ص: 203 ]

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ليس لك يا محمد ، من الأمر شيء ، ولله جميع ما بين أقطار السماوات والأرض من مشرق الشمس إلى مغربها ، دونك ودونهم ، يحكم فيهم بما يشاء ، ويقضي فيهم ما أحب ، فيتوب على من أحب من خلقه العاصين أمره ونهيه ، ثم يغفر له ، ويعاقب من شاء منهم على جرمه فينتقم منه ، وهو الغفور الذي يستر ذنوب من أحب أن يستر عليه ذنوبه من خلقه بفضله عليهم بالعفو والصفح ، والرحيم بهم في تركه عقوبتهم عاجلا على عظيم ما يأتون من المآثم . كما : -

7822 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "والله غفور رحيم " ، أي يغفر الذنوب ، ويرحم العباد ، على ما فيهم .
[ ص: 204 ] القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ( 130 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، لا تأكلوا الربا في إسلامكم بعد إذ هداكم له ، كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم .

وكان أكلهم ذلك في جاهليتهم : أن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل ، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه ، فيقول له الذي عليه المال : أخر عنى دينك وأزيدك على مالك . فيفعلان ذلك . فذلك هو "الربا أضعافا مضاعفة " ، فنهاهم الله عز وجل في إسلامهم عنه ، . كما : -

7823 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : كانت ثقيف تداين في بني المغيرة في الجاهلية ، فإذا حل الأجل قالوا : نزيدكم وتؤخرون ؟ فنزلت : " لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " .

7824 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " ، أي : لا تأكلوا في الإسلام إذ هداكم الله له ، ما كنتم تأكلون إذ أنتم على غيره ، مما لا يحل لكم في دينكم .

7825 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " قال : ربا الجاهلية .

7826 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول [ ص: 205 ] في قوله : "لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " ، قال : كان أبي يقول : إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن . يكون للرجل فضل دين ، فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له : تقضيني أو تزيدني ؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضى ، وإلا حوله إلى السن التي فوق ذلك إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية ، ثم حقة ، ثم جذعة ، ثم رباعيا ، ثم هكذا إلى فوق وفي العين يأتيه ، فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل ، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضا ، فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين ، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة ، يضعفها له كل سنة أو يقضيه . قال : فهذا قوله : "لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " .

وأما قوله : "واتقوا الله لعلكم تفلحون " ، فإنه يعني : واتقوا الله أيها المؤمنون ، في أمر الربا فلا تأكلوه ، وفي غيره مما أمركم به أو نهاكم عنه ، وأطيعوه فيه "لعلكم تفلحون " ، يقول : لتنجحوا فتنجوا من عقابه ، وتدركوا ما رغبكم فيه من ثوابه والخلود في جنانه ، كما : -

7827 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "واتقوا الله لعلكم تفلحون " ، أي : فأطيعوا الله لعلكم أن تنجوا مما حذركم من عذابه ، وتدركوا ما رغبكم فيه من ثوابه .
[ ص: 206 ] القول في تأويل قوله ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( 131 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين : واتقوا ، أيها المؤمنون ، النار أن تصلوها بأكلكم الربا بعد نهيي إياكم عنه التي أعددتها لمن كفر بي ، فتدخلوا مدخلهم بعد إيمانكم بي ، بخلافكم أمري ، وترككم طاعتي . كما : -

7828 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " واتقوا النار التي أعدت للكافرين " ، التي جعلت دارا لمن كفر بي .
القول في تأويل قوله ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ( 132 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وأطيعوا الله ، أيها المؤمنون ، فيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الأشياء ، وفيما أمركم به الرسول . يقول : وأطيعوا الرسول أيضا كذلك "لعلكم ترحمون " ، يقول : لترحموا فلا تعذبوا .

وقد قيل إن ذلك معاتبة من الله عز وجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خالفوا أمره يوم أحد ، فأخلوا بمراكزهم التي أمروا بالثبات عليها .

ذكر من قال ذلك :

7829 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " [ ص: 207 ] وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون " ، معاتبة للذين عصوا رسوله حين أمرهم بالذي أمرهم به في ذلك اليوم وفي غيره - يعني : في يوم أحد .
القول في تأويل قوله ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ( 133 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "وسارعوا " ، وبادروا وسابقوا "إلى مغفرة من ربكم " ، يعني : إلى ما يستر عليكم ذنوبكم من رحمته ، وما يغطيها عليكم من عفوه عن عقوبتكم عليها "وجنة عرضها السماوات والأرض " ، يعني : وسارعوا أيضا إلى جنة عرضها السماوات والأرض .

ذكر أن معنى ذلك : وجنة عرضها كعرض السماوات السبع والأرضين السبع ، إذا ضم بعضها إلى بعض .

ذكر من قال ذلك :

7830 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "وجنة عرضها السماوات والأرض " ، قال : قال ابن عباس : تقرن السماوات السبع والأرضون السبع ، كما تقرن الثياب بعضها إلى بعض ، فذاك عرض الجنة .

وإنما قيل : "وجنة عرضها السماوات والأرض " ، فوصف عرضها بالسماوات والأرضين ، والمعنى ما وصفنا : من وصف عرضها بعرض السماوات والأرض ، [ ص: 208 ] تشبيها به في السعة والعظم ، كما قيل : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ سورة لقمان : 28 ] ، يعني : إلا كبعث نفس واحدة ، وكما قال الشاعر :


كأن عذيرهم بجنوب سلى نعام قاق في بلد قفار


أي : عذير نعام ، وكما قال الآخر :


حسبت بغام راحلتي عناقا! وما هي ، ويب غيرك بالعناق


يريد صوت عناق .

قال أبو جعفر : وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : [ ص: 209 ] هذه الجنة عرضها السماوات والأرض ، فأين النار ؟ فقال : هذا النهار إذا جاء ، أين الليل .

ذكر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره .

7831 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مسلم بن خالد ، عن ابن خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد ، عن يعلى بن مرة قال : لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص ، شيخا كبيرا قد فند . قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل ، فناول الصحيفة رجلا عن يساره . قال : قلت : من صاحبكم الذي يقرأ ؟ قالوا : معاوية . فإذا كتاب صاحبي : "إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، فأين النار ؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله! فأين الليل إذا جاء النهار ؟ [ ص: 210 ]

7832 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : [ ص: 211 ] حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن "جنة عرضها السماوات والأرض " ، أين النار ؟ قال : أرأيتم إذا جاء الليل ، أين يكون النهار ؟ "فقالوا : اللهم نزعت بمثله من التوراة ! .

7833 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : أن عمر أتاه ثلاثة نفر من أهل نجران ، فسألوه وعنده أصحابه فقالوا : أرأيت قوله : " وجنة عرضها السماوات والأرض " ، فأين النار ؟ فأحجم الناس ، فقال عمر : "أرأيتم إذا جاء الليل ، أين يكون النهار ؟ وإذا جاء النهار ، أين يكون الليل ؟ " فقالوا : نزعت مثلها من التوراة .

7834 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : أخبرنا شعبة ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن طارق بن شهاب ، عن عمر بنحوه ، في الثلاثة الرهط الذين أتوا عمر فسألوه : عن جنة عرضها كعرض السماوات والأرض ، بمثل حديث قيس بن مسلم . [ ص: 212 ]

7835 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا جعفر بن عون قال : أخبرنا الأعمش ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال : تقولون : "جنة عرضها السماوات والأرض " ، أين تكون النار ؟ فقال له عمر : أرأيت النهار إذا جاء أين يكون الليل ؟ أرأيت الليل إذا جاء ، أين يكون النهار ؟ فقال : إنه لمثلها في التوراة ، فقال له صاحبه : لم أخبرته ؟ فقال له صاحبه : دعه ، إنه بكل موقن .

7836 - حدثني أحمد بن حازم قال : أخبرنا أبو نعيم قال : حدثنا جعفر بن برقان قال : حدثنا يزيد بن الأصم : أن رجلا من أهل الكتاب أتى ابن عباس فقال : تقولون "جنة عرضها السماوات والأرض " ، فأين النار ؟ فقال ابن عباس : أرأيت الليل إذا جاء ، أين يكون النهار ؟ وإذا جاء النهار ، أين يكون الليل ؟ [ ص: 213 ]

قال أبو جعفر : وأما قوله : "أعدت للمتقين " فإنه يعني : إن الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرضين السبع ، أعدها الله للمتقين ، الذين اتقوا الله فأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم ، فلم يتعدوا حدوده ، ولم يقصروا في واجب حقه عليهم فيضيعوه . كما : -

7837 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " ، أي : دارا لمن أطاعني وأطاع رسولي .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ( 134 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " الذين ينفقون في السراء والضراء " ، أعدت الجنة التي عرضها السماوات والأرض للمتقين ، وهم المنفقون أموالهم في سبيل الله ، إما في صرفه على محتاج ، وإما في تقوية مضعف على النهوض لجهاده في سبيل الله .

وأما قوله : "في السراء " ، فإنه يعني : في حال السرور ، بكثرة المال ورخاء العيش [ ص: 214 ] "والسراء " مصدر من قولهم "سرني هذا الأمر مسرة وسرورا "

"والضراء " مصدر من قولهم : "قد ضر فلان فهو يضر " ، إذا أصابه الضر ، وذلك إذا أصابه الضيق ، والجهد في عيشه .

7838 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " الذين ينفقون في السراء والضراء " ، يقول : في العسر واليسر .

فأخبر جل ثناؤه أن الجنة التي وصف صفتها ، لمن اتقاه وأنفق ماله في حال الرخاء والسعة ، وفي حال الضيق والشدة ، في سبيله .

وقوله : "والكاظمين الغيظ " ، يعني : والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه .

يقال منه : "كظم فلان غيظه " ، إذا تجرعه ، فحفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه ، باستمكانها ممن غاظها ، وانتصارها ممن ظلمها .

وأصل ذلك من "كظم القربة " ، يقال منه : "كظمت القربة " ، إذا ملأتها ماء . و "فلان كظيم ومكظوم " ، إذا كان ممتلئا غما وحزنا . ومنه قول الله عز وجل ، ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) [ سورة يوسف : 84 ] يعني : ممتلئ من الحزن . ومنه قيل لمجاري المياه : "الكظائم " ، لامتلائها بالماء . ومنه قيل : "أخذت بكظمه " يعني : بمجاري نفسه . [ ص: 215 ]

و"الغيظ " مصدر من قول القائل : "غاظني فلان فهو يغيظني غيظا " ، وذلك إذا أحفظه وأغضبه .

وأما قوله : " والعافين عن الناس " ، فإنه يعني : والصافحين عن الناس عقوبة ذنوبهم إليهم وهم على الانتقام منهم قادرون ، فتاركوها لهم .

وأما قوله : " والله يحب المحسنين " ، فإنه يعني : فإن الله يحب من عمل بهذه الأمور التي وصف أنه أعد للعاملين بها الجنة التي عرضها السماوات والأرض ، والعاملون بها هم "المحسنون " ، وإحسانهم ، هو عملهم بها ، . كما : -

7839 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "الذين ينفقون في السراء والضراء " الآية : " والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " ، أي : وذلك الإحسان ، وأنا أحب من عمل به .

7840 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " ، قوم أنفقوا في العسر واليسر ، والجهد والرخاء ، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل ، ولا قوة إلا بالله . فنعمت والله يا ابن آدم ، الجرعة تجترعها من صبر وأنت مغيظ ، وأنت مظلوم .

7841 - حدثني موسى بن عبد الرحمن قال : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثنا محرز أبو رجاء ، عن الحسن قال : يقال يوم القيامة : ليقم من كان له على الله أجر . فما يقوم إلا إنسان عفا ، ثم قرأ هذه الآية : " والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " . [ ص: 216 ]

7842 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم ، عن رجل من أهل الشام يقال له عبد الجليل ، عن عم له ، عن أبي هريرة في قوله : " والكاظمين الغيظ " : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ، ملأه الله أمنا وإيمانا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #432  
قديم 03-05-2023, 04:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (432)
صــ 217إلى صــ 231


7843 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "والكاظمين الغيظ " إلى "والله يحب المحسنين " ، ف " والكاظمين الغيظ " كقوله : ( وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) [ ص: 217 ] [ سورة الشورى : 37 ] ، يغضبون في الأمر لو وقعوا به كان حراما ، فيغفرون ويعفون ، يلتمسون بذلك وجه الله "والعافين عن الناس " كقوله : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) [ سورة النور : 22 ] ، يقول : لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة شيئا واعفوا واصفحوا .
القول في تأويل قوله ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ( 135 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " والذين إذا فعلوا فاحشة " ، أن الجنة التي وصف صفتها أعدت للمتقين ، المنفقين في السراء والضراء ، والذين إذا فعلوا فاحشة . وجميع هذه النعوت من صفة "المتقين " ، الذين قال تعالى ذكره : " وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " ، كما : -

7844 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت البناني قال : سمعت الحسن قرأ هذه الآية : "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " ، ثم قرأ : "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " إلى "أجر العاملين " ، فقال : إن هذين النعتين لنعت رجل واحد .

7845 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم " ، قال : هذان ذنبان ، "الفاحشة " ، ذنب ، "وظلموا أنفسهم " ذنب . [ ص: 218 ]

وأما "الفاحشة " ، فهي صفة لمتروك ، ومعنى الكلام : والذين إذا فعلوا فعلة فاحشة .

ومعنى "الفاحشة " ، الفعلة القبيحة الخارجة عما أذن الله عز وجل فيه . وأصل "الفحش " : القبح ، والخروج عن الحد والمقدار في كل شيء . ومنه قيل للطويل المفرط الطول : "إنه لفاحش الطول " ، يراد به : قبيح الطول ، خارج عن المقدار المستحسن . ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد : "كلام فاحش " ، وقيل للمتكلم به : "أفحش في كلامه " ، إذا نطق بفحش .

وقيل : إن "الفاحشة " في هذا الموضع ، معني بها الزنا .

ذكر من قال ذلك :

7846 - حدثنا العباس بن عبد العظيم قال : حدثنا حبان قال : حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن جابر : "والذين إذا فعلوا فاحشة " ، قال : زنى القوم ورب الكعبة .

7847 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " والذين إذا فعلوا فاحشة " ، أما "الفاحشة " ، فالزنا .

وقوله : " أو ظلموا أنفسهم " ، يعني به : فعلوا بأنفسهم غير الذي كان ينبغي لهم أن يفعلوا بها . والذي فعلوا من ذلك ، ركوبهم من معصية الله ما أوجبوا لها به عقوبته ، كما : -

7848 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قوله : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم " ، قال : الظلم من الفاحشة ، والفاحشة من الظلم . [ ص: 219 ]

وقوله : "ذكروا الله " ، يعني بذلك : ذكروا وعيد الله على ما أتوا من معصيتهم إياه " فاستغفروا لذنوبهم " ، يقول : فسألوا ربهم أن يستر عليهم ذنوبهم بصفحه لهم عن العقوبة عليها " ومن يغفر الذنوب إلا الله " ، يقول : وهل يغفر الذنوب - أي يعفو عن راكبها فيسترها عليه - إلا الله " ولم يصروا على ما فعلوا " ، يقول : ولم يقيموا على ذنوبهم التي أتوها ، ومعصيتهم التي ركبوها " وهم يعلمون " ، يقول : لم يقيموا على ذنوبهم عامدين للمقام عليها ، وهم يعلمون أن الله قد تقدم بالنهي عنها ، وأوعد عليها العقوبة من ركبها .

وذكر أن هذه الآية أنزلت خصوصا بتخفيفها ويسرها أمتنا ، مما كانت بنو إسرائيل ممتحنة به من عظيم البلاء في ذنوبها .

7849 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبى رباح : أنهم قالوا : يا نبي الله ، بنو إسرائيل أكرم على الله منا! كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه : "اجدع أذنك " ، "اجدع أنفك " ، "افعل "! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " إلى قوله : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أخبركم بخير من ذلك " ؟ فقرأ هؤلاء الآيات .

7850 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني عمر بن أبي خليفة العبدي قال : حدثنا علي بن زيد بن جدعان قال : قال ابن مسعود : كانت [ ص: 220 ] بنو إسرائيل إذا أذنبوا أصبح مكتوبا على بابه الذنب وكفارته ، فأعطينا خيرا من ذلك ، هذه الآية .

7851 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت البناني قال : لما نزلت : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه " ، بكى إبليس فزعا من هذه الآية .

7852 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني قال : بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم " ، بكى .

7853 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت عثمان مولى آل أبي عقيل الثقفي قال : سمعت علي بن ربيعة يحدث ، عن رجل من فزارة يقال له أسماء - : وابن أسماء - ، عن علي قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا نفعني الله بما شاء أن ينفعني [ منه ] ، فحدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما من عبد - قال شعبة : وأحسبه قال : مسلم - يذنب ذنبا ، ثم يتوضأ ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله لذلك الذنب [ إلا غفر له ] وقال شعبة : وقرأ إحدى هاتين الآيتين : ( من يعمل سوءا يجز به ) ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) . [ ص: 221 ]

7854 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي وحدثنا الفضل بن إسحاق قال : حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان ، عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن علي بن ربيعة الوالبي ، عن أسماء بن الحكم الفزاري ، عن علي بن أبي طالب قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته . وحدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من رجل يذنب ذنبا ثم يتوضأ ، ثم يصلي قال أحدهما : ركعتين ، وقال الآخر : "ثم يصلي ويستغفر الله ، إلا غفر له " . [ ص: 222 ]

7855 - حدثنا الزبير بن بكار قال : حدثني سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أخيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب أنه قال : ما حدثني أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سألته أن يقسم لي بالله لهو سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أبا بكر ، فإنه كان لا يكذب . قال علي رضي الله عنه : فحدثني أبو بكر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من عبد يذنب ذنبا ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتوضأ ، ثم يصلي ركعتين ، ويستغفر الله من ذنبه ذلك ، إلا غفره الله له .

وأما قوله " ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " ، فإنه كما بينا تأويله .

وبنحو ذلك كان أهل التأويل يقولون :

7856 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق : " والذين إذا فعلوا فاحشة " ، أي إن أتوا فاحشة "أو ظلموا أنفسهم " بمعصية ، [ ص: 223 ] ذكروا نهي الله عنها ، وما حرم الله عليهم ، فاستغفروا لها ، وعرفوا أنه لا يغفر الذنوب إلا هو .

وأما قوله : " ومن يغفر الذنوب إلا الله " ، فإن اسم "الله " مرفوع ولا جحد قبله ، وإنما يرفع ما بعد "إلا " بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد ، كقول القائل : "ما في الدار أحد إلا أخوك " . فأما إذا قيل : "قام القوم إلا أباك " ، فإن وجه الكلام في "الأب " النصب . و "من " بصلته في قوله : " ومن يغفر الذنوب إلا الله " ، معرفة . فإن ذلك إنما جاء رفعا ، لأن معنى الكلام : وهل يغفر الذنوب أحد أو : ما يغفر الذنوب أحد إلا الله . فرفع ما بعد "إلا " من [ اسم ] الله ، على تأويل الكلام لا على لفظه .

وأما قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون "; فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويل "الإصرار " ، ومعنى هذه الكلمة .

فقال بعضهم : معنى ذلك : لم يثبتوا على ما أتوا من الذنوب ولم يقيموا عليه ، ولكنهم تابوا واستغفروا ، كما وصفهم الله به .

ذكر من قال ذلك :

7857 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، فإياكم والإصرار ، فإنما هلك المصرون ، الماضون قدما ، لا تنهاهم مخافة الله عن حرام حرمه الله عليهم ، ولا يتوبون من ذنب أصابوه ، حتى أتاهم الموت وهم على ذلك . [ ص: 224 ]

7858 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ؟ قال : قدما قدما في معاصي الله!! لا تنهاهم مخافة الله ، حتى جاءهم أمر الله .

7859 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، أي : لم يقيموا على معصيتي ، كفعل من أشرك بي ، فيما عملوا به من كفر بي .

وقال آخرون : معنى ذلك : لم يواقعوا الذنب إذا هموا به .

ذكر من قال ذلك :

7860 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا " ، قال : إتيان العبد ذنبا إصرار ، حتى يتوب .

7861 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ولم يصروا على ما فعلوا " ، قال : لم يواقعوا .

وقال آخرون : معنى "الإصرار " ، السكوت على الذنب وترك الاستغفار .

ذكر من قال ذلك :

7862 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، أما "يصروا " فيسكتوا ولا يستغفروا . [ ص: 225 ]

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا ، قول من قال : "الإصرار " ، الإقامة على الذنب عامدا ، وترك التوبة منه . ولا معنى لقول من قال : "الإصرار على الذنب هو مواقعته " ، لأن الله عز وجل مدح بترك الإصرار على الذنب مواقع الذنب ، فقال : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، ولو كان المواقع الذنب مصرا بمواقعته إياه ، لم يكن للاستغفار وجه مفهوم . لأن الاستغفار من الذنب إنما هو التوبة منه والندم ، ولا يعرف للاستغفار من ذنب لم يواقعه صاحبه ، وجه .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة " .

7863 - حدثني بذلك الحسين بن يزيد السبيعي قال : حدثنا عبد الحميد الحماني ، عن عثمان بن واقد ، عن أبي نصيرة ، عن مولى لأبي بكر ، عن أبي بكر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 226 ]

فلو كان مواقع الذنب مصرا ، لم يكن لقوله "ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة " ، معنى لأن مواقعة الذنب إذا كانت هي الإصرار ، فلا يزيل الاسم الذي لزمه معنى غيره ، كما لا يزيل عن الزاني اسم "زان " وعن القاتل اسم "قاتل " ، توبته منه ، ولا معنى غيرها . وقد أبان هذا الخبر أن المستغفر من ذنبه غير مصر عليه ، فمعلوم بذلك أن "الإصرار " غير المواقعة ، وأنه المقام عليه ، على ما قلنا قبل .

واختلف أهل التأويل ، في تأويل قوله : " وهم يعلمون " .

فقال بعضهم : معناه : وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا .

ذكر من قال ذلك :

7864 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما "وهم يعلمون " ، فيعلمون أنهم قد أذنبوا ، ثم أقاموا فلم يستغفروا .

وقال آخرون : معنى ذلك : وهم يعلمون أن الذي أتوا معصية لله .

ذكر من قال ذلك :

7865 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "وهم يعلمون " ، قال : يعلمون ما حرمت عليهم من عبادة غيري .

قال أبو جعفر : وقد تقدم بياننا أولى ذلك بالصواب . [ ص: 227 ]
القول في تأويل قوله ( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ( 136 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "أولئك " ، الذين ذكر أنه أعد لهم الجنة التي عرضها السماوات والأرض ، من المتقين ، ووصفهم بما وصفهم به . ثم قال : هؤلاء الذين هذه صفتهم "جزاؤهم " ، يعني ثوابهم من أعمالهم التي وصفهم تعالى ذكره أنهم عملوها ، "مغفرة من ربهم " ، يقول : عفو لهم من الله عن عقوبتهم على ما سلف من ذنوبهم ، ولهم على ما أطاعوا الله فيه من أعمالهم بالحسن منها "جنات " ، وهي البساتين "تجري من تحتها الأنهار " ، يقول : تجري خلال أشجارها الأنهار وفي أسافلها ، جزاء لهم على صالح أعمالهم "خالدين فيها " يعني : دائمي المقام في هذه الجنات التي وصفها "ونعم أجر العاملين " ، يعني : ونعم جزاء العاملين لله ، الجنات التي وصفها ، كما : -

7866 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين " ، أي ثواب المطيعين .
[ ص: 228 ] القول في تأويل قوله ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( 137 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " قد خلت من قبلكم سنن " ، مضت وسلفت مني فيمن كان قبلكم ، يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به ، من نحو قوم عاد وثمود وقوم هود وقوم لوط ، وغيرهم من سلاف الأمم قبلكم "سنن " ، يعني : مثلات سير بها فيهم وفيمن كذبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم ، بإمهالي أهل التكذيب بهم ، واستدراجي إياهم ، حتى بلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم ، ثم أحللت بهم عقوبتي ، وأنزلت بساحتهم نقمي ، فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرا " فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، يقول : فسيروا - أيها الظانون ، أن إدالتي من أدلت من أهل الشرك يوم أحد على محمد وأصحابه ، لغير استدراج مني لمن أشرك بي ، وكفر برسلي ، وخالف أمري - في ديار الأمم الذين كانوا قبلكم ، ممن كان على مثل الذي عليه هؤلاء المكذبون برسولي والجاحدون وحدانيتي ، فانظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي ، وما الذي آل إليه غب خلافهم أمري ، وإنكارهم وحدانيتي ، فتعلموا عند ذلك أن إدالتي من أدلت من المشركين على نبيي محمد وأصحابه بأحد ، إنما هي استدراج وإمهال ليبلغ الكتاب أجله الذي أجلت لهم . [ ص: 229 ] ثم إما أن يؤول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الذين سلفوا قبلهم : من تعجيل العقوبة عليهم ، أو ينيبوا إلى طاعتي واتباع رسولي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7867 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، فقال : ألم تسيروا في الأرض فتنظروا كيف عذب الله قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح ، والأمم التي عذب الله عز وجل ؟

7868 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن " ، يقول : في الكفار والمؤمنين ، والخير والشر .

7869 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قد خلت من قبلكم سنن " ، في المؤمنين والكفار .

7870 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : استقبل ذكر المصيبة التي نزلت بهم يعني بالمسلمين يوم أحد والبلاء الذي أصابهم ، والتمحيص لما كان فيهم ، واتخاذه الشهداء منهم ، فقال تعزية لهم وتعريفا لهم فيما صنعوا ، وما هو صانع بهم : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، أي : قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي : عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين ، فسيروا في الأرض تروا مثلات قد مضت فيهم ، ولمن كان على مثل ما هم عليه من ذلك [ ص: 230 ] مني ، وإن أمليت لهم ، أي : لئلا تظنوا أن نقمتي انقطعت عن عدوكم وعدوي ، للدولة التي أدلتها‌‌ عليكم بها ، لأبتليكم بذلك ، لأعلم ما عندكم .

7871 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، يقول : متعهم في الدنيا قليلا ثم صيرهم إلى النار .

قال أبو جعفر : وأما "السنن " فإنها جمع "سنة " ، "والسنة " ، هي المثال المتبع ، والإمام المؤتم به . يقال منه : "سن فلان فينا سنة حسنة ، وسن سنة سيئة " ، إذا عمل عملا اتبع عليه من خير وشر ، ومنه قول لبيد بن ربيعة :


من معشر سنت لهم آباؤهم ، ولكل قوم سنة وإمامها


[ ص: 231 ]

وقول سليمان بن قتة :


وإن الألى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا


وقال ابن زيد في ذلك ما : -

7872 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن " ، قال : أمثال .
القول في تأويل قوله عز وجل ( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ( 138 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أشير إليه ب "هذا " .

فقال بعضهم : عنى بقوله "هذا " ، القرآن .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #433  
قديم 03-05-2023, 04:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (433)
صــ 232إلى صــ 236




ذكر من قال ذلك :

7873 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا [ ص: 232 ] عباد ، عن الحسن في قوله : " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين " ، قال : هذا القرآن .

7874 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة . قوله : " هذا بيان للناس " ، وهو هذا القرآن ، جعله الله بيانا للناس عامة ، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا .

7875 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال في قوله : " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين " ، خاصة .

7876 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن جريج في قوله : " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين " ، خاصة .

وقال آخرون : إنما أشير بقوله "هذا " ، إلى قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبه المكذبين " ، ثم قال : هذا الذي عرفتكم ، يا معشر أصحاب محمد ، بيان للناس .

ذكر من قال ذلك :

7877 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق بذلك .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : قوله : "هذا " ، إشارة إلى ما تقدم هذه الآية من تذكير الله جل ثناؤه المؤمنين ، وتعريفهم حدوده ، وحضهم على لزوم طاعته والصبر على جهاد أعدائه وأعدائهم . لأن قوله : "هذا " ، إشارة إلى حاضر : إما مرئي وإما مسموع ، وهو في هذا الموضع إلى حاضر مسموع من الآيات المتقدمة .

فمعنى الكلام : هذا الذي أوضحت لكم وعرفتكموه ، بيان للناس يعني ب "البيان " ، الشرح والتفسير ، كما : - [ ص: 233 ]

7878 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " هذا بيان للناس " ، أي : هذا تفسير للناس إن قبلوه .

7879 - حدثنا أحمد بن حازم والمثني قالا حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن بيان ، عن الشعبي : " هذا بيان للناس " ، قال : من العمى .

7880 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن الشعبي ، مثله .

وأما قوله : "وهدى وموعظة " ، فإنه يعني ب "الهدى " ، الدلالة على سبيل الحق ومنهج الدين و ب "الموعظة " ، التذكرة للصواب والرشاد ، كما : -

7881 - حدثنا أحمد بن حازم والمثنى قالا : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن بيان ، عن الشعبي : "وهدى " ، قال : من الضلالة "وموعظة " ، من الجهل .

7882 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن بيان ، عن الشعبي مثله .

7883 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "للمتقين " ، أي : لمن أطاعني وعرف أمري .
[ ص: 234 ] القول في تأويل قوله ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ( 139 ) )

قال أبو جعفر : وهذا من الله تعالى ذكره تعزية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أصابهم من الجراح والقتل بأحد .

قال : "ولا تهنوا ولا تحزنوا " ، يا أصحاب محمد ، يعني : ولا تضعفوا بالذي نالكم من عدوكم بأحد ، من القتل والقروح - عن جهاد عدوكم وحربهم .

من قول القائل : "وهن فلان في هذا الأمر فهو يهن وهنا " .

"ولا تحزنوا " ، ولا تأسوا فتجزعوا على ما أصابكم من المصيبة يومئذ ، فإنكم " وأنتم الأعلون " ، يعني : الظاهرون عليهم ، ولكم العقبى في الظفر والنصرة عليهم "إن كنتم مؤمنين " ، يقول : إن كنتم مصدقي نبيي محمد صلى الله عليه وسلم فيما يعدكم ، وفيما ينبئكم من الخبر عما يئول إليه أمركم وأمرهم . كما : -

7884 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري قال : كثر في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم القتل والجراح ، حتى خلص إلى كل امرئ منهم البأس ، فأنزل الله عز وجل القرآن ، فآسى فيه المؤمنين بأحسن ما آسى به قوما من المسلمين كانوا قبلهم من الأمم الماضية ، فقال : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " إلى قوله : "لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " .

7885 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ، يعزي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كما تسمعون ، ويحثهم على قتال عدوهم ، وينهاهم عن العجز والوهن في طلب عدوهم في سبيل الله . [ ص: 235 ]

7886 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ، قال : يأمر محمدا ، يقول : "ولا تهنوا " ، أن تمضوا في سبيل الله .

7887 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ولا تهنوا " ، ولا تضعفوا .

7888 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

7889 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : " ولا تهنوا ولا تحزنوا " ، يقول : ولا تضعفوا .

7890 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "ولا تهنوا " ، قال ابن جريج : ولا تضعفوا في أمر عدوكم ، " ولا تحزنوا وأنتم الأعلون " ، قال : انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ، فقالوا : ما فعل فلان ؟ ما فعل فلان ؟ فنعى بعضهم بعضا ، وتحدثوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فكانوا في هم وحزن . فبينما هم كذلك ، إذ علا خالد بن الوليد الجبل بخيل المشركين فوقهم ، وهم أسفل في الشعب . فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم فرحوا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم لا قوة لنا إلا بك ، وليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر "! . قال : وثاب نفر من المسلمين رماة ، فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله ، وعلا المسلمون الجبل . فذلك قوله : " وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .

7891 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "ولا تهنوا " ، أي : لا تضعفوا "ولا تحزنوا " ، ولا تأسوا على ما أصابكم ، "وأنتم الأعلون " ، [ ص: 236 ] أي : لكم تكون العاقبة والظهور "إن كنتم مؤمنين " إن كنتم صدقتم نبيي بما جاءكم به عني .

7892 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم لا يعلون علينا " . فأنزل الله عز وجل : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .
القول في تأويل قوله ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله )

قال أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز والمدينة والبصرة : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) ، كلاهما بفتح "القاف " ، بمعنى : إن يمسسكم القتل والجراح ، يا معشر أصحاب محمد ، فقد مس القوم من أعدائكم من المشركين قرح قتل وجراح مثله .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) . [ كلاهما بضم القاف ] . [ ص: 237 ]

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، بفتح "القاف " في الحرفين ، لإجماع أهل التأويل على أن معناه : القتل والجراح ، فذلك يدل على أن القراءة هي الفتح .

وكان بعض أهل العربية يزعم أن "القرح " و "القرح " لغتان بمعنى واحد . والمعروف عند أهل العلم بكلام العرب ما قلنا .

ذكر من قال : إن "القرح " ، الجراح والقتل .

7893 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، قال : جراح وقتل .

7894 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

7895 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، قال : إن يقتلوا منكم يوم أحد ، فقد قتلتم منهم يوم بدر .

7896 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، والقرح الجراحة ، وذاكم يوم أحد ، فشا في أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم يومئذ القتل والجراحة ، فأخبرهم الله عز وجل أن القوم قد أصابهم من ذلك مثل الذي أصابكم ، وأن الذي أصابكم عقوبة . [ ص: 238 ]

7897 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، قال : ذلك يوم أحد ، فشا في المسلمين الجراح ، وفشا فيهم القتل ، فذلك قوله : "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، يقول : إن كان أصابكم قرح فقد أصاب عدوكم مثله يعزي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويحثهم على القتال .

7898 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، والقرح هي الجراحات .

7899 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "إن يمسسكم قرح " أي : جراح "فقد مس القوم قرح مثله " ، أي : جراح مثلها .

7900 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : نام المسلمون وبهم الكلوم يعني يوم أحد قال عكرمة : وفيهم أنزلت : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، وفيهم أنزلت : ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ) [ سورة النساء : 104 ] .

وأما تأويل قوله : " إن يمسسكم قرح " ، فإنه : إن يصبكم . كما : -

7901 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إن يمسسكم " ، إن يصبكم .
[ ص: 239 ] القول في تأويل قوله ( وتلك الأيام نداولها بين الناس )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره [ بقوله ] " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، أيام بدر وأحد .

ويعني بقوله : " نداولها بين الناس " ، نجعلها دولا بين الناس مصرفة . ويعني ب "الناس " ، المسلمين والمشركين . وذلك أن الله عز وجل أدال المسلمين من المشركين ببدر ، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين . وأدال المشركين من المسلمين بأحد ، فقتلوا منهم سبعين ، سوى من جرحوا منهم .

يقال منه : "أدال الله فلانا من فلان ، فهو يديله منه إدالة " ، إذا ظفر به فانتصر منه مما كان نال منه المدال منه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7902 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، قال جعل الله الأيام دولا ، أدال الكفار يوم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

7903 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، إنه والله لولا الدول ما أوذي المؤمنون ، ولكن قد يدال للكافر من المؤمن ، ويبتلى المؤمن بالكافر ، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه ، ويعلم الصادق من الكاذب .

7904 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، فأظهر الله عز وجل [ ص: 240 ] نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه على المشركين يوم بدر ، وأظهر عليهم عدوهم يوم أحد . وقد يدال الكافر من المؤمن ، ويبتلى المؤمن بالكافر ، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه ، ويعلم الصادق من الكاذب . وأما من ابتلى منهم من المسلمين يوم أحد ، فكان عقوبة بمعصيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

7905 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، يوما لكم ، ويوما عليكم .

7906 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : " نداولها بين الناس " ، قال : أدال المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد .

7907 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، فإنه كان يوم أحد بيوم بدر ، قتل المؤمنون يوم أحد ، اتخذ الله منهم شهداء ، وغلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر المشركين ، فجعل له الدولة عليهم .

7908 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما كان قتال أحد وأصاب المسلمين ما أصاب ، صعد النبي صلى الله عليه وسلم الجبل ، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد ! يا محمد! ألا تخرج ؟ ألا تخرج ؟ الحرب سجال : يوم لنا ويوم لكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أجيبوه ، فقالوا : لا سواء ، لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار! فقال أبو سفيان : لنا عزى ولا عزى لكم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم . فقال أبو سفيان : اعل هبل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : الله أعلى وأجل! فقال أبو سفيان : موعدكم وموعدنا بدر الصغرى قال عكرمة : وفيهم أنزلت : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " .

7909 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : حدثنا ابن المبارك ، [ ص: 241 ] عن ابن جريج ، عن ابن عباس ، في قوله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، فإنه أدال على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد .

7910 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، أي نصرفها للناس ، للبلاء والتمحيص .

7911 - حدثني إبراهيم بن عبد الله قال : أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن ابن عون ، عن محمد في قول الله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، قال : يعني الأمراء .
القول في تأويل قوله ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ( 140 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء نداولها بين الناس .

ولو لم يكن في الكلام "واو " ، لكان قوله : "ليعلم " متصلا بما قبله ، وكان "وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، ليعلم الله الذين آمنوا . ولكن لما دخلت "الواو " فيه ، آذنت بأن الكلام متصل بما قبلها ، وأن بعدها خبرا مطلوبا ، واللام التي في قوله : "وليعلم " ، به متعلقة . [ ص: 242 ]

فإن قال قائل : وكيف قيل : "وليعلم الله الذين آمنوا " معرفة ، وأنت لا تستجيز في الكلام : "قد سألت فعلمت عبد الله " ، وأنت تريد : علمت شخصه ، إلا أن تريد : علمت صفته وما هو ؟

قيل : إن ذلك إنما جاز مع "الذين " ، لأن في "الذين " تأويل "من " و "أي " ، وكذلك جائز مثله في "الألف واللام " ، كما قال تعالى ذكره : ( فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) [ سورة العنكبوت : 3 ] ، لأن في "الألف واللام " من تأويل "أي " ، و "من " ، مثل الذي في "الذي " . ولو جعل مع الاسم المعرفة اسما فيه دلالة على "أي " ، جاز ، كما يقال : "سألت لأعلم عبد الله من عمرو " ، ويراد بذلك : لأعرف هذا من هذا .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : وليعلم الله الذين آمنوا منكم ، أيها القوم ، من الذين نافقوا منكم ، نداول بين الناس فاستغنى بقوله : "وليعلم الله الذين آمنوا منكم " ، عن ذكر قوله : "من الذين نافقوا " ، لدلالة الكلام عليه . إذ كان في قوله : "الذين آمنوا " تأويل "أي " على ما وصفنا . فكأنه قيل : وليعلم الله أيكم المؤمن ، كما قال جل ثناؤه : ( لنعلم أي الحزبين أحصى ) [ سورة الكهف : 12 ] غير أن "الألف واللام " ، و "الذي " و "من " إذا وضعت مع العلم موضع "أي " ، نصبت بوقوع العلم عليه ، كما قيل : "وليعلمن الكاذبين " ، فأما "أي " فإنها ترفع .

قال أبو جعفر : وأما قوله : "ويتخذ منكم شهداء " ، فإنه يعني : " [ ص: 243 ] وليعلم الله الذين آمنوا " وليتخذ منكم شهداء ، أي : ليكرم منكم بالشهادة من أراد أن يكرمه بها .

"والشهداء " جمع "شهيد " ، كما : -

7912 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، أي : ليميز بين المؤمنين والمنافقين ، وليكرم من أكرم من أهل الإيمان بالشهادة .

7913 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة على ابن جريج في قوله : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، قال : فإن المسلمين كانوا يسألون ربهم : "ربنا أرنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ، ونبليك فيه خيرا ، ونلتمس فيه الشهادة "! فلقوا المشركين يوم أحد ، فاتخذ منهم شهداء .

7914 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، فكرم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم ، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله .

7915 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، قال : قال ابن عباس : كانوا يسألون الشهادة ، فلقوا المشركين يوم أحد ، فاتخذ منهم شهداء .

7916 - حدثني عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوما كيوم بدر ، يبلون فيه خيرا ، ويرزقون فيه الشهادة ، ويرزقون الجنة والحياة والرزق ، فلقوا المشركين [ ص: 244 ] يوم أحد ، فاتخذ الله منهم شهداء ، وهم الذين ذكرهم الله عز وجل فقال : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات ) الآية ، [ سورة البقرة : 154 ] .

قال أبو جعفر : وأما قوله : "والله لا يحب الظالمين " ، فإنه يعني به : الذين ظلموا أنفسهم بمعصيتهم ربهم ، كما : -

7917 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " والله لا يحب الظالمين " ، أي : المنافقين الذي يظهرون بألسنتهم الطاعة ، وقلوبهم مصرة على المعصية .
القول في تأويل قوله ( وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ( 141 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، وليختبر الله الذين صدقوا الله ورسوله ، فيبتليهم بإدالة المشركين منهم ، حتى يتبين المؤمن منهم المخلص الصحيح الإيمان ، من المنافق . كما : -

7918 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، قال : ليبتلي . [ ص: 245 ]

7919 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

7920 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، قال : ليمحص الله المؤمن حتى يصدق .

7921 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، يقول : يبتلي المؤمنين .

7922 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، قال : يبتليهم .

7923 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " ، فكان تمحيصا للمؤمنين ، ومحقا للكافرين .

7924 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، " وليمحص الله الذين آمنوا " ، أي يختبر الذين آمنوا ، حتى يخلصهم بالبلاء الذي نزل بهم ، وكيف صبرهم ويقينهم .

7925 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " ، قال : يمحق من محق في الدنيا ، وكان بقية من يمحق في الآخرة في النار .

وأما قوله : " ويمحق الكافرين " ، فإنه يعني به : أنه ينقصهم ويفنيهم .

يقال منه : "محق فلان هذا الطعام " ، إذا نقصه أو أفناه ، "يمحقه محقا " ، ومنه قيل لمحاق القمر : "محاق " ، وذلك نقصانه وفناؤه ، كما : -

7926 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 246 ] ابن جريج قال : قال ابن عباس : "ويمحق الكافرين " ، قال : ينقصهم .

7927 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " ويمحق الكافرين " ، قال : يمحق الكافر حتى يكذبه .

7928 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ويمحق الكافرين " ، أي : يبطل من المنافقين قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، حتى يظهر منهم كفرهم الذي يستترون به منكم .
القول في تأويل قوله ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ( 142 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "أم حسبتم " ، يا معشر أصحاب محمد ، وظننتم "أن تدخلوا الجنة " ، وتنالوا كرامة ربكم ، وشرف المنازل عنده "ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم " ، يقول : ولما يتبين لعبادي المؤمنين ، المجاهد منكم في سبيل الله ، على ما أمره به .

وقد بينت معنى قوله : " ولما يعلم الله " ، "وليعلم الله " ، وما أشبه ذلك ، بأدلته فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته . .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #434  
قديم 03-05-2023, 04:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (434)
صــ 246إلى صــ 261





وقوله : " ويعلم الصابرين " ، يعني : الصابرين عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من جرح وألم ومكروه . كما : - [ ص: 247 ]

7929 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " وتصيبوا من ثوابي الكرامة ، ولم أختبركم بالشدة ، وأبتليكم بالمكاره ، حتى أعلم صدق ذلك منكم الإيمان بي ، والصبر على ما أصابكم في .

ونصب " ويعلم الصابرين " ، على الصرف . و "الصرف " ، أن يجتمع فعلان ببعض حروف النسق ، وفي أوله ما لا يحسن إعادته مع حرف النسق ، فينصب الذي بعد حرف العطف على الصرف ، لأنه مصروف عن معنى الأول ، ولكن يكون مع جحد أو استفهام أو نهي في أول الكلام . وذلك كقولهم : "لا يسعني شيء ويضيق عنك " ، لأن "لا " التي مع "يسعني " لا يحسن إعادتها مع قوله : "ويضيق عنك " ، فلذلك نصب . .

والقرأة في هذا الحرف على النصب .

وقد روي عن الحسن أنه كان يقرأ : ( ويعلم الصابرين ) ، فيكسر "الميم " من "يعلم " ، لأنه كان ينوي جزمها على العطف به على قوله : " ولما يعلم الله " .
[ ص: 248 ] القول في تأويل قوله ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ( 143 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ولقد كنتم تمنون الموت " ، ولقد كنتم ، يا معشر أصحاب محمد " تمنون الموت " ، يعني أسباب الموت ، وذلك : القتال "فقد رأيتموه " ، فقد رأيتم ما كنتم تمنونه - و "الهاء " في قوله "رأيتموه " عائدة على "الموت " ، والمعنى : [ القتال ] "وأنتم تنظرون " ، يعني : قد رأيتموه بمرأى منكم ومنظر ، أي بقرب منكم .

وكان بعض أهل العربية يزعم أنه قيل : " وأنتم تنظرون " ، على وجه التوكيد للكلام ، كما يقال : "رأيته عيانا " و "رأيته بعيني ، وسمعته بأذني " .

قال أبو جعفر : وإنما قيل : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، لأن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يشهد بدرا ، كانوا يتمنون قبل أحد يوما مثل يوم بدر ، فيبلوا الله من أنفسهم خيرا ، وينالوا من الأجر مثل ما نال أهل بدر . فلما كان يوم أحد فر بعضهم ، وصبر بعضهم حتى أوفى بما كان عاهد الله قبل ذلك ، فعاتب الله من فر منهم فقال : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، الآية ، وأثنى على الصابرين منهم والموفين بعهدهم .

ذكر الأخبار بما ذكرنا من ذلك :

7930 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، قال : غاب رجال عن بدر ، فكانوا [ ص: 249 ] يتمنون مثل يوم بدر أن يلقوه ، فيصيبوا من الخير والأجر مثل ما أصاب أهل بدر . فلما كان يوم أحد ، ولى من ولى منهم ، فعاتبهم الله أو : فعابهم ، أو : فعيبهم على ذلك . شك أبو عاصم .

7931 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه - إلا أنه قال : "فعاتبهم الله على ذلك " ، ولم يشك .

7932 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أناس من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطى الله أهل بدر من الفضل والشرف والأجر ، فكان يتمنون أن يرزقوا قتالا فيقاتلوا ، فسيق إليهم القتال حتى كان في ناحية المدينة يوم أحد ، فقال الله عز وجل كما تسمعون : "ولقد كنتم تمنون الموت " ، حتى بلغ "الشاكرين " .

7933 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، قال : كانوا يتمنون أن يلقوا المشركين فيقاتلوهم ، فلما لقوهم يوم أحد ولوا .

7934 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : إن أناسا من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطاهم الله من الفضل ، فكانوا يتمنون أن يروا قتالا فيقاتلوا ، فسيق إليهم القتال حتى كان بناحية المدينة يوم أحد ، فأنزل الله عز وجل : "ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، الآية .

7935 - حدثني محمد بن بشار قال : حدثنا هوذة قال : حدثنا عوف ، [ ص: 250 ] عن الحسن قال : بلغني أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : "لإن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم لنفعلن ولنفعلن " ، فابتلوا بذلك ، فلا والله ما كلهم صدق الله ، فأنزل الله عز وجل . " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " .

7936 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهدوا بدرا ، فلما رأوا فضيلة أهل بدر قالوا : "اللهم إنا نسألك أن ترينا يوما كيوم بدر نبليك فيه خيرا "! فرأوا أحدا ، فقال لهم : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " .

7937 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أي : لقد كنتم تمنون الشهادة على الذي أنتم عليه من الحق قبل أن تلقوا عدوكم يعني الذين استنهضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على خروجه بهم إلى عدوهم ، لما فاتهم من الحضور في اليوم الذي كان قبله ببدر ، رغبة في الشهادة التي قد فاتتهم به . يقول : " فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أي : الموت بالسيوف في أيدي الرجال ، قد خلى بينكم وبينهم ، وأنتم تنظرون إليهم ، فصددتم عنهم .
[ ص: 251 ]

القول في تأويل قوله ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ( 144 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وما محمد إلا رسول كبعض رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه ، داعيا إلى الله وإلى طاعته ، الذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم الله إليه . يقول جل ثناؤه : فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما هو فيما الله به صانع من قبضه إليه عند انقضاء مدة أجله ، كسائر رسله إلى خلقه الذين مضوا قبله ، وماتوا عند انقضاء مدة آجالهم .

ثم قال لأصحاب محمد ، معاتبهم على ما كان منهم من الهلع والجزع حين قيل لهم بأحد : "إن محمدا قتل " ، ومقبحا إليهم انصراف من انصرف منهم عن عدوهم وانهزامه عنهم : أفإن مات محمد ، أيها القوم ، لانقضاء مدة أجله ، أو قتله عدو "انقلبتم على أعقابكم " ، يعني : ارتددتم عن دينكم الذي بعث الله محمدا بالدعاء إليه ورجعتم عنه كفارا بالله بعد الإيمان به ، وبعد ما قد وضحت لكم صحة ما دعاكم محمد إليه ، وحقيقة ما جاءكم به من عند ربه "ومن ينقلب على عقبيه " ، يعني بذلك : ومن يرتدد منكم عن دينه ويرجع كافرا بعد إيمانه ، [ ص: 252 ] "فلن يضر الله شيئا " يقول : فلن يوهن ذلك عزة الله ولا سلطانه ، ولا يدخل بذلك نقص في ملكه ، بل نفسه يضر بردته ، وحظ نفسه ينقص بكفره " وسيجزي الله الشاكرين " ، يقول : وسيثيب الله من شكره على توفيقه وهدايته إياه لدينه ، بثبوته على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إن هو مات أو قتل ، واستقامته على منهاجه ، وتمسكه بدينه وملته بعده . كما : -

7938 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي في قوله : "وسيجزي الله الشاكرين " ، الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه . فكان علي رضي الله عنه يقول : كان أبو بكر أمين الشاكرين ، وأمين أحباء الله ، وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله .

7939 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن العلاء بن بدر قال : إن أبا بكر أمين الشاكرين . وتلا هذه الآية : " وسيجزي الله الشاكرين " .

7940 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وسيجزي الله الشاكرين " ، أي : من أطاعه وعمل بأمره .

وذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن انهزم عنه بأحد من أصحابه . [ ص: 253 ]

ذكر الأخبار الواردة بذلك :

7941 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " إلى قوله : " وسيجزي الله الشاكرين " ، ذاكم يوم أحد ، حين أصابهم القرح والقتل ، ثم تناعوا نبي الله صلى الله عليه وسلم تفئة ذلك ، فقال أناس : "لو كان نبيا ما قتل "! وقال أناس من علية أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم : "قاتلوا على ما قاتل عليه محمد نبيكم حتى يفتح الله لكم أو تلحقوا به "! فقال الله عز وجل : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، يقول : إن مات نبيكم أو قتل ، ارتددتم كفارا بعد إيمانكم .

7942 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بنحوه وزاد فيه ، قال الربيع : وذكر لنا والله أعلم ، أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان ، أشعرت أن محمدا قد قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل ، فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم . فأنزل الله عز وجل : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، يقول : ارتددتم كفارا بعد إيمانكم . [ ص: 254 ]

7943 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما برز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد إليهم - يعني : إلى المشركين - أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال : "لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم ، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم " . وأمر عليهم عبد الله بن جبير ، أخا خوات بن جبير .

ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم ، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان . فلما رأى ذلك خالد بن الوليد ، وهو على خيل المشركين ، كر . فرمته الرماة فانقمع . فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه ، بادروا الغنيمة ، فقال بعضهم : "لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "! فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر . فلما رأى خالد قلة الرماة ، صاح في خيله ثم حمل ، فقتل الرماة وحمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل ، تنادوا ، فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم . .

فأتى ابن قميئة الحارثي - أحد بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة - فرمى [ ص: 255 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته ، وشجه في وجهه فأثقله ، وتفرق عنه أصحابه ، ودخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها . وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : "إلي عباد الله! إلي عباد الله! " ، فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فجعلوا يسيرون بين يديه ، فلم يقف أحد إلا طلحة وسهل بن حنيف . فحماه طلحة ، فرمي بسهم في يده فيبست يده .

وأقبل أبي بن خلف الجمحي - وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أنا أقتله - فقال : يا كذاب ، أين تفر ؟ فحمل عليه ، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في جيب الدرع ، فجرح جرحا خفيفا ، فوقع يخور خوار الثور . فاحتملوه وقالوا : ليس بك جراحة! ، [ فما يجزعك ] ؟ قال : أليس قال : "لأقتلنك " ؟ لو كانت لجميع ربيعة ومضر لقتلتهم! ولم يلبث إلا يوما وبعض يوم حتى مات من ذلك الجرح .

وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فقال بعض أصحاب الصخرة : "ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي ، فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان !! يا قوم ، إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم " . قال أنس بن النضر : "يا قوم ، إن كان محمد قد قتل ، فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم إنى أعتذر إليك مما [ ص: 256 ] يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء "! ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل .

وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس ، حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة . فلما رأوه ، وضع رجل سهما في قوسه فأراد أن يرميه ، فقال : "أنا رسول الله "! ففرحوا حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع به . فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا .

فقال الله عز وجل للذين قالوا : إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى قومكم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " .

7944 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن ينقلب على عقبيه " ، قال : يرتد .

7945 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه : أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل! فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل ، فقد بلغ! فقاتلوا عن دينكم .

7946 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع ، أخو بني عدي بن النجار قال : انتهى [ ص: 257 ] أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر ، وطلحة بن عبد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل محمد رسول الله! قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله! واستقبل القوم فقاتل حتى قتل وبه سمي أنس بن مالك .

7947 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : نادى مناد يوم أحد حين هزم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : "ألا إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى دينكم الأول "! فأنزل الله عز وجل : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، الآية .

7948 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : ألقي في أفواه المسلمين يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فنزلت هذه الآية : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية .

7949 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة ، والناس يفرون ، ورجل قائم على الطريق يسألهم : "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم ، فيقولون : "والله ما ندري ما فعل "! فقال : "والذي نفسي بيده ، لإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قتل ، لنعطينهم بأيدينا ، إنهم لعشائرنا وإخواننا "! وقالوا : "إن محمدا إن كان حيا لم يهزم ، ولكنه قتل "! فترخصوا في الفرار حينئذ . فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، الآية كلها . [ ص: 258 ]

7950 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية ، ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق ، قالوا يوم فر الناس عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وشج فوق حاجبه وكسرت رباعيته : "قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول "! فذلك قوله : "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " .

7951 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، قال : ما بينكم وبين أن تدعوا الإسلام وتنقلبوا على أعقابكم إلا أن يموت محمد أو يقتل! فسوف يكون أحد هذين : فسوف يموت ، أو يقتل .

7952 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، إلى قوله : " وسيجزي الله الشاكرين " ، أي : لقول الناس : "قتل محمد " ، وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوهم أي : أفإن مات نبيكم أو قتل ، رجعتم عن دينكم كفارا كما كنتم ، وتركتم جهاد عدوكم وكتاب الله ، وما قد خلف نبيه من دينه معكم وعندكم ، وقد بين لكم فيما جاءكم عني أنه ميت ومفارقكم ؟ "ومن ينقلب على عقبيه " ، أي : يرجع عن دينه "فلن يضر الله شيئا " ، أي : لن ينقص ذلك من عز الله ولا ملكه ولا سلطانه .

7953 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : قال : أهل المرض والارتياب والنفاق ، حين فر الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم : "قد قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول "! فنزلت هذه الآية . [ ص: 259 ]

قال أبو جعفر : ومعنى الكلام : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفتنقلبون على أعقابكم ، إن مات محمد أو قتل ؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا فجعل الاستفهام في حرف الجزاء ، ومعناه أن يكون في جوابه . وكذلك كل استفهام دخل على جزاء ، فمعناه أن يكون في جوابه . لأن الجواب خبر يقوم بنفسه ، والجزاء شرط لذلك الخبر ، ثم يجزم جوابه وهو كذلك ومعناه الرفع ، لمجيئه بعد الجزاء ، كما قال الشاعر :


حلفت له إن تدلج الليل لا يزل أمامك بيت من بيوتي سائر


فمعنى "لا يزل " رفع ، ولكنه جزم لمجيئه بعد الجزاء ، فصار كالجواب . ومثله : ( أفإن مت فهم الخالدون ) [ سورة الأنبياء : 34 ] و ( فكيف تتقون إن كفرتم ) [ سورة المزمل : 17 ] ، ولو كان مكان "فهم الخالدون " ، "يخلدون " ، وقيل : "أفإن مت يخلدوا " ، جاز الرفع فيه والجزم . وكذلك لو كان مكان "انقلبتم " ، "تنقلبوا " ، جاز الرفع والجزم ، لما وصفت قبل . وتركت إعادة الاستفهام ثانية مع قوله : "انقلبتم " ، اكتفاء بالاستفهام في أول الكلام ، وأن الاستفهام في أوله دال على موضعه ومكانه .

وقد كان بعض القرأة يختار في قوله : ( أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون [ ص: 260 ] ) [ سورة الإسراء : 82 - سورة الصافات : 16 - سورة الواقعة : 47 ] ، ترك إعادة الاستفهام مع "أإنا " ، اكتفاء بالاستفهام في قوله : "أإذا كنا ترابا " ، ويستشهد على صحة وجه ذلك بإجماع القرأة على تركهم إعادة الاستفهام مع قوله : "انقلبتم " ، اكتفاء بالاستفهام في قوله : "أفإن مات " ، إذ كان دالا على معنى الكلام وموضع الاستفهام منه . وكان يفعل مثل ذلك في جميع القرآن .

وسنأتي على الصواب من القول في ذلك إن شاء الله إذا انتهينا إليه .
القول في تأويل قوله ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وما يموت محمد ولا غيره من خلق الله إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله الله غاية لحياته وبقائه ، فإذا بلغ ذلك من الأجل الذي كتبه الله له ، وأذن له بالموت ، فحينئذ يموت . فأما قبل ذلك ، فلن يموت بكيد كائد ولا بحيلة محتال ، كما : -

7954 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا " ، أي : إن لمحمد أجلا هو بالغه ، إذا أذن الله له في ذلك كان . [ ص: 261 ]

وقد قيل إن معنى ذلك : وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله .

وقد اختلف أهل العربية في معنى الناصب قوله : "كتابا مؤجلا " .

فقال بعض نحويي البصرة : هو توكيد ، ونصبه على : "كتب الله كتابا مؤجلا " . قال : وكذلك كل شيء في القرآن من قوله : ( حقا ) إنما هو : أحق ذلك حقا " . وكذلك : ( وعد الله ) ( رحمة من ربك ) ، ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) ( كتاب الله عليكم ) ، إنما هو : صنع الله هكذا صنعا . فهكذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا ، فإنه كثير .

وقال بعض نحويي الكوفة في قوله : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " ، معناه : كتب الله آجال النفوس ، ثم قيل : "كتابا مؤجلا " ، فأخرج قوله : "كتابا مؤجلا " ، نصبا من المعنى الذي في الكلام ، إذ كان قوله : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " ، قد أدى عن معنى : "كتب " ، قال : وكذلك سائر ما في القرآن من نظائر ذلك ، فهو على هذا النحو .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #435  
قديم 03-05-2023, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (435)
صــ 262إلى صــ 276





وقال آخرون منهم : قول القائل : "زيد قائم حقا " ، بمعنى : "أقول زيد قائم حقا " ، لأن كل كلام "قول " ، فأدى المقول عن "القول " ، ثم خرج ما بعده منه ، كما تقول : "أقول قولا حقا " ، وكذلك "ظنا " و "يقينا " وكذلك : "وعد الله " ، وما أشبهه . [ ص: 262 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أن كل ذلك منصوب على المصدر من معنى الكلام الذي قبله ، لأن في كل ما قبل المصادر التي هي مخالفة ألفاظها ألفاظ ما قبلها من الكلام ، معاني ألفاظ المصادر وإن خالفها في اللفظ ، فنصبها من معاني ما قبلها دون ألفاظه .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين ( 145 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : من يرد منكم ، أيها المؤمنون ، بعمله جزاء منه بعض أعراض الدنيا ، دون ما عند الله من الكرامة لمن ابتغى بعمله ما عنده "نؤته منها " ، يقول : نعطه منها ، يعني من الدنيا ، يعني أنه يعطيه منها ما قسم له فيها من رزق أيام حياته ، ثم لا نصيب له في كرامة الله التي أعدها لمن أطاعه وطلب ما عنده في الآخرة " ومن يرد ثواب الآخرة " ، يقول : ومن يرد منكم بعمله جزاء منه ثواب الآخرة ، يعني : ما عند الله من كرامته التي أعدها للعاملين له في الآخرة "نؤته منها " ، يقول : نعطه منها ، يعني من الآخرة . والمعنى : من كرامة الله التي خص بها أهل طاعته في الآخرة . فخرج الكلام على الدنيا والآخرة ، والمعنى ما فيهما . كما : -

7955 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها " ، أي : فمن كان منكم يريد الدنيا ، ليست له رغبة في الآخرة ، نؤته ما قسم له منها من رزق ، ولا حظ له في [ ص: 263 ] الآخرة ومن يرد ثواب الآخرة نوته منها " ما وعده ، مع ما يجري عليه من رزقه في دنياه .

وأما قوله : " وسنجزي الشاكرين " ، يقول : وسأثيب من شكر لي ما أوليته من إحساني إليه بطاعته إياي ، وانتهائه إلى أمري ، وتجنبه محارمي في الآخرة مثل الذي وعدت أوليائي من الكرامة على شكرهم إياي .

وقال ابن إسحاق في ذلك بما : -

7956 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وسنجزي الشاكرين " ، أي : ذلك جزاء الشاكرين ، يعني بذلك ، إعطاء الله إياه ما وعده في الآخرة ، مع ما يجري عليه من الرزق في الدنيا .
القول في تأويل قوله تعالى ( وكأين من نبي )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك :

فقرأه بعضهم : ( وكأين ) ، بهمز "الألف " وتشديد "الياء " .

وقرأه آخرون بمد "الألف " وتخفيف "الياء "

وهما قراءتان مشهورتان في قرأة المسلمين ، ولغتان معروفتان ، لا اختلاف في معناهما ، فبأي القراءتين قرأ ذلك قارئ فمصيب . لاتفاق معنى ذلك ، وشهرتهما في كلام العرب . ومعناه : وكم من نبي .
[ ص: 264 ] القول في تأويل قوله ( قاتل معه ربيون كثير )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : "قتل معه ربيون " .

فقرأ ذلك جماعة من قرأة الحجاز والبصرة : ( قتل ) ، بضم القاف .

وقرأه جماعة أخر بفتح "القاف " و "بالألف " . وهي قراءة جماعة من قرأة الحجاز والكوفة .

قال أبو جعفر : فأما من قرأ ( قاتل ) ، فإنه اختار ذلك ، لأنه قال : لو قتلوا لم يكن لقوله : "فما وهنوا " ، وجه معروف . لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا .

وأما الذين قرأوا ذلك : ( قتل ) ، فإنهم قالوا : إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم ، وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقى من الربيين ممن لم يقتل .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب ، قراءة من قرأ بضم "القاف " : ( قتل معه ربيون كثير ) لأن الله عز وجل إنما عاتب بهذه الآية والآيات التي قبلها من قوله : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) الذين انهزموا يوم أحد ، وتركوا القتال ، أو سمعوا الصائح يصيح : "إن محمدا قد قتل " . فعذلهم الله عز وجل على فرارهم وتركهم القتال فقال : أفإن مات محمد أو قتل ، أيها المؤمنون ، ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم ؟ ثم أخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم ، وقال لهم : هلا فعلتم كما كان [ ص: 265 ] أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم من المضي على منهاج نبيهم ، والقتال على دينه أعداء دين الله ، على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم ولم تهنوا ولم تضعفوا ، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم ، ولكنهم صبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم ؟ وبذلك من التأويل جاء تأويل المتأولين .

وأما "الربيون " ، فإنهم مرفوعون بقوله : "معه " لا بقوله : "قتل " . وإنما تأويل الكلام : وكأين من نبي قتل ، ومعه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله . وفي الكلام إضمار "واو " ، لأنها "واو " تدل على معنى حال قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أنه اجتزأ بدلالة ما ذكر من الكلام عليها من ذكرها ، وذلك كقول القائل في الكلام : "قتل الأمير معه جيش عظيم " ، بمعنى : قتل ومعه جيش عظيم .

وأما "الربيون " ، فإن أهل العربية اختلفوا في معناه .

فقال بعض نحويي البصرة : هم الذين يعبدون الرب ، واحدهم "ربي " .

وقال بعض نحويي الكوفة : لو كانوا منسوبين إلى عبادة الرب لكانوا "ربيون " بفتح "الراء " ، ولكنه : العلماء ، والألوف .

و "الربيون " عندنا ، الجماعات الكثيرة ، واحدهم "ربي " ، وهم الجماعة .

واختلف أهل التأويل في معناه . [ ص: 266 ]

فقال بعضهم مثل ما قلنا .

ذكر من قال ذلك :

7957 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : الربيون : الألوف .

7958 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، مثله .

7959 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري وابن عيينة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله ، مثله .

7960 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عمرو عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، مثله .

7961 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عوف عمن حدثه ، عن ابن عباس في قوله : "ربيون كثير " ، قال : جموع كثيرة .

7962 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " قاتل معه ربيون كثير " قال : جموع .

7963 - حدثني حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " قال : الألوف .

وقال آخرون بما : -

7964 - حدثني به سليمان بن عبد الجبار قال : حدثنا محمد بن الصلت [ ص: 267 ] قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " قال : علماء كثير .

7965 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عوف ، عن الحسن في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " ، قال : فقهاء علماء .

7966 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية . عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " قال : الجموع الكثيرة قال يعقوب : وكذلك قرأها إسماعيل : ( قتل معه ربيون كثير ) .

7967 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " يقول : جموع كثيرة .

7968 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " ( قتل معه ربيون كثير ) " ، قال : علماء كثير وقال قتادة : جموع كثيرة .

7969 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة في قوله : " ربيون كثير " ، قال : جموع كثيرة .

7970 - حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة ، مثله .

7971 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ( قتل معه ربيون كثير ) " قال : جموع كثيرة .

7972 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 268 ]

7973 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ( قتل معه ربيون كثير ) " يقول : جموع كثيرة .

7974 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " ، يقول : جموع كثيرة ، قتل نبيهم .

7975 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن جعفر بن حبان والمبارك ، عن الحسن في قوله : "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير " ، قال جعفر : علماء صبروا وقال ابن المبارك : أتقياء صبر .

7976 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ( قتل معه ربيون كثير " يعني الجموع الكثيرة ، قتل نبيهم .

7977 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " قاتل معه ربيون كثير " ، يقول : جموع كثيرة .

7978 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : "وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " قال : وكأين من نبي أصابه القتل ، ومعه جماعات .

7979 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " ، الربيون : هم الجموع الكثيرة .

وقال آخرون : الربيون ، الأتباع . [ ص: 269 ]

ذكر من قال ذلك :

7980 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " ، قال : "الربيون " الأتباع ، و "الربانيون " الولاة ، و "الربيون " الرعية . وبهذا عاتبهم الله حين انهزموا عنه ، حين صاح الشيطان : "إن محمدا قد قتل " قال : كانت الهزيمة عند صياحه في [ سه صاح ] : أيها الناس ، إن محمدا رسول الله قد قتل ، فارجعوا إلى عشائركم يؤمنوكم! .
القول في تأويل قوله ( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ( 146 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله " ، فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله ، ولا لقتل من قتل منهم ، عن حرب أعداء الله ، ولا نكلوا عن جهادهم " وما ضعفوا " ، يقول : وما ضعفت قواهم لقتل نبيهم " وما استكانوا " ، يعني وما ذلوا فيتخشعوا لعدوهم بالدخول في دينهم ومداهنتهم فيه خيفة منهم ، ولكن مضوا قدما على بصائرهم ومنهاج نبيهم ، صبرا على أمر الله وأمر نبيهم ، وطاعة لله واتباعا لتنزيله ووحيه [ ص: 270 ] " والله يحب الصابرين " ، يقول : والله يحب هؤلاء وأمثالهم من الصابرين لأمره وطاعته وطاعة رسوله في جهاد عدوه ، لا من فشل ففر عن عدوه ، ولا من انقلب على عقبيه فذل لعدوه لأن قتل نبيه أو مات ، ولا من دخله وهن عن عدوه ، وضعف لفقد نبيه .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7981 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا " ، يقول : ما عجزوا وما تضعضعوا لقتل نبيهم "وما استكانوا " يقول : ما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم ، بل قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله .

7982 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا " ، يقول : ما عجزوا وما ضعفوا لقتل نبيهم "وما استكانوا " ، يقول : وما ارتدوا عن بصيرتهم ، قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى لحقوا بالله .

7983 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فما وهنوا " ، فما وهن الربيون " لما أصابهم في سبيل الله " من قتل النبي صلى الله عليه وسلم " وما ضعفوا " ، يقول : ما ضعفوا في سبيل الله لقتل النبي " وما استكانوا " ، يقول : ما ذلوا حين قال رسول الله صلى الله عليه [ ص: 271 ] وسلم : "اللهم ليس لهم أن يعلونا " - و ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) .

7984 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "فما وهنوا " لفقد نبيهم "وما ضعفوا " ، عن عدوهم "وما استكانوا " ، لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم ، وذلك الصبر "والله يحب الصابرين " .

7985 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : "وما استكانوا " ، قال : تخشعوا .

7986 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " وما استكانوا " ، قال : ما استكانوا لعدوهم " والله يحب الصابرين " .
القول في تأويل قوله ( وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ( 147 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وما كان قولهم " ، وما كان قول الربيين - و "الهاء والميم " من ذكر أسماء الربيين - " إلا أن قالوا " ، يعني : ما كان لهم قول سوى هذا القول ، إذ قتل نبيهم وقوله : " ربنا اغفر لنا ذنوبنا " ، يقول : لم يعتصموا ، إذ قتل نبيهم ، إلا بالصبر على ما أصابهم ، ومجاهدة عدوهم ، وبمسألة [ ص: 272 ] ربهم المغفرة والنصر على عدوهم . ومعنى الكلام : وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا . .

وأما "الإسراف " ، فإنه الإفراط في الشيء : يقال منه : "أسرف فلان في هذا الأمر " ، إذا تجاوز مقداره فأفرط .

ومعناه هاهنا : اغفر لنا ذنوبنا : الصغار منها ، وما أسرفنا فيه منها فتخطينا إلى العظام . وكان معنى الكلام : اغفر لنا ذنوبنا ، الصغائر منها والكبائر . كما : -

7987 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قول الله : " وإسرافنا في أمرنا " ، قال : خطايانا .

7988 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وإسرافنا في أمرنا " ، خطايانا وظلمنا أنفسنا .

7989 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد الله بن سليمان قال : سمعت الضحاك في قوله : " وإسرافنا في أمرنا " ، يعني : الخطايا الكبار .

7990 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم قال : الكبائر .

7991 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " وإسرافنا في أمرنا ، قال : خطايانا .

7992 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإسرافنا في أمرنا ، يقول : خطايانا . [ ص: 273 ]

وأما قوله : " وثبت أقدامنا " ، فإنه يقول : اجعلنا ممن يثبت لحرب عدوك وقتالهم ، ولا تجعلنا ممن ينهزم فيفر منهم ولا يثبت قدمه في مكان واحد لحربهم " وانصرنا على القوم الكافرين " ، يقول : وانصرنا على الذين جحدوا وحدانيتك ونبوة نبيك . .

قال أبو جعفر : وإنما هذا تأنيب من الله عز وجل عباده الذين فروا عن العدو يوم أحد وتركوا قتالهم ، وتأديب لهم . يقول : الله عز وجل : هلا فعلتم إذ قيل لكم : "قتل نبيكم " - كما فعل هؤلاء الربيون ، الذين كانوا قبلكم من أتباع الأنبياء إذ قتلت أنبياؤهم . فصبرتم لعدوكم صبرهم ، ولم تضعفوا وتستكينوا لعدوكم ، فتحاولوا الارتداد على أعقابكم ، كما لم يضعف هؤلاء الربيون ولم يستكينوا لعدوهم ، وسألتم ربكم النصر والظفر كما سألوا ، فينصركم الله عليهم كما نصروا ، فإن الله يحب من صبر لأمره وعلى جهاد عدوه ، فيعطيه النصر والظفر على عدوه ؟ . كما : -

7993 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " ، أي : فقولوا كما قالوا ، واعلموا أنما ذلك بذنوب منكم ، واستغفروا كما استغفروا ، وامضوا على دينكم كما مضوا على دينهم ، ولا ترتدوا على أعقابكم راجعين ، واسألوه كما سألوه أن يثبت أقدامكم ، واستنصروه كما استنصروه على القوم الكافرين . فكل هذا من قولهم قد كان وقد قتل نبيهم ، فلم يفعلوا كما فعلتم .

قال أبو جعفر : والقراءة التي هي القراءة في قوله : ( وما كان قولهم ) النصب لإجماع قرأة الأمصار على ذلك نقلا مستفيضا وراثة عن الحجة . [ ص: 274 ] وإنما اختير النصب في "القول " ، لأن "أن " لا تكون إلا معرفة ، فكانت أولى بأن تكون هي الاسم ، دون الأسماء التي قد تكون معرفة أحيانا ونكرة أحيانا ، ولذلك اختير النصب في كل اسم ولي "كان " إذا كان بعده "أن " الخفيفة : كقوله : ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه ) [ سورة العنكبوت : 24 ] وقوله : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا ) [ سورة الأنعام : 23 ] فأما إذا كان الذي يلي "كان " اسما معرفة ، والذي بعده مثله ، فسواء الرفع والنصب في الذي ولي "كان " . فإن جعلت الذي ولي "كان " هو الاسم ، رفعته ونصبت الذي بعده . وإن جعلت الذي ولي "كان " هو الخبر ، نصبته ورفعت الذي بعده ، وذلك كقوله جل ثناؤه : ( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى ) [ سورة الروم : 10 ] إن جعلت "العاقبة " الاسم رفعتها ، وجعلت "السوءى " هي الخبر منصوبة . وإن جعلت "العاقبة " الخبر ، نصبت فقلت : "ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى " ، وجعلت "السوءى " هي الاسم ، فكانت مرفوعة ، وكما قال الشاعر :


لقد علم الأقوام ما كان داءها بثهلان إلا الخزي ممن يقودها


وروي أيضا : "ما كان داؤها بثهلان إلا الخزي " ، نصبا ورفعا على ما قد [ ص: 275 ] بينت . ولو فعل مثل ذلك مع "أن " كان جائزا ، غير أن أفصح الكلام ما وصفت عند العرب .
القول في تأويل قوله ( فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ( 148 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : فأعطى الله الذين وصفهم بما وصفهم ، من الصبر على طاعة الله بعد مقتل أنبيائهم ، وعلى جهاد عدوهم ، والاستعانة بالله في أمورهم ، واقتفائهم مناهج إمامهم على ما أبلوا في الله - " ثواب الدنيا " ، يعني : جزاء في الدنيا ، وذلك : النصر على عدوهم وعدو الله ، والظفر ، والفتح عليهم ، والتمكين لهم في البلاد " وحسن ثواب الآخرة " ، يعني : وخير جزاء الآخرة على ما أسلفوا في الدنيا من أعمالهم الصالحة ، وذلك : الجنة ونعيمها ، كما : -

7994 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا " ، فقرأ حتى بلغ : " والله يحب المحسنين " ، أي والله ، لآتاهم الله الفتح والظهور والتمكين والنصر على عدوهم في الدنيا "وحسن ثواب الآخرة " ، يقول : حسن الثواب في الآخرة ، هي الجنة .

7995 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " وما كان قولهم " ، ثم ذكر نحوه .

7996 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : " فآتاهم الله ثواب الدنيا " ، قال : النصر والغنيمة " وحسن ثواب الآخرة " ، قال : رضوان الله ورحمته . [ ص: 276 ]

7997 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " فآتاهم الله ثواب الدنيا " ، الظهور على عدوهم " وحسن ثواب الآخرة " ، الجنة وما أعد فيها وقوله : "والله يحب المحسنين " ، يقول تعالى ذكره : فعل الله ذلك بهم بإحسانهم ، فإنه يحب المحسنين ، وهم الذين يفعلون مثل الذي وصف عنهم تعالى ذكره أنهم فعلوه حين قتل نبيهم .
القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ( 149 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله في وعد الله ووعيده وأمره ونهيه " إن تطيعوا الذين كفروا " ، يعني : الذين جحدوا نبوة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى - فيما يأمرونكم به وفيما ينهونكم عنه - فتقبلوا رأيهم في ذلك وتنتصحوهم فيما يزعمون أنهم لكم فيه ناصحون " يردوكم على أعقابكم " ، يقول : يحملوكم على الردة بعد الإيمان ، والكفر بالله وآياته وبرسوله بعد الإسلام " فتنقلبوا خاسرين " ، يقول : فترجعوا عن إيمانكم ودينكم الذي هداكم الله له "خاسرين " ، يعني : هالكين ، قد خسرتم أنفسكم ، وضللتم عن دينكم ، وذهبت دنياكم وآخرتكم . .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #436  
قديم 03-05-2023, 04:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (436)
صــ 277إلى صــ 291





. [ ص: 277 ]

ينهى بذلك أهل الإيمان بالله أن يطيعوا أهل الكفر في آرائهم ، وينتصحوهم في أديانهم . كما : -

7998 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين " ، أي : عن دينكم : فتذهب دنياكم وآخرتكم .

7999 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا " ، قال ابن جريج : يقول : لا تنتصحوا اليهود والنصارى على دينكم ، ولا تصدقوهم بشيء في دينكم .

8000 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين " ، يقول : إن تطيعوا أبا سفيان ، يردكم كفارا .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ( 150 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : أن الله مسددكم ، أيها المؤمنون ، فمنقذكم من طاعة الذين كفروا . [ ص: 278 ]

وإنما قيل : " بل الله مولاكم " ، لأن في قوله : " إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم " ، نهيا لهم عن طاعتهم ، فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا لا تطيعوا الذين كفروا فيردوكم على أعقابكم ، ثم ابتدأ الخبر فقال : " بل الله مولاكم " ، فأطيعوه ، دون الذين كفروا ، فهو خير من نصر . ولذلك رفع اسم "الله " ، ولو كان منصوبا على معنى : بل أطيعوا الله مولاكم ، دون الذين كفروا كان وجها صحيحا .

ويعني بقوله : " بل الله مولاكم " ، وليكم وناصركم على أعدائكم الذين كفروا ، " وهو خير الناصرين " ، لا من فررتم إليه من اليهود وأهل الكفر بالله . فبالله الذي هو ناصركم ومولاكم فاعتصموا ، وإياه فاستنصروا ، دون غيره ممن يبغيكم الغوائل ، ويرصدكم بالمكاره ، كما : -

8001 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " بل الله مولاكم " ، إن كان ما تقولون بألسنتكم صدقا في قلوبكم " وهو خير الناصرين " ، أي : فاعتصموا به ولا تستنصروا بغيره ، ولا ترجعوا على أعقابكم مرتدين عن دينكم .
[ ص: 279 ] القول في تأويل قوله ( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ( 151 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : سيلقي الله ، أيها المؤمنون " في قلوب الذين كفروا " بربهم ، وجحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ممن حاربكم بأحد " الرعب " ، وهو الجزع والهلع "بما أشركوا بالله " ، يعني : بشركهم بالله وعبادتهم الأصنام ، وطاعتهم الشيطان التي لم أجعل لهم بها حجة وهي "السلطان " التي أخبر عز وجل أنه لم ينزله بكفرهم وشركهم .

وهذا وعد من الله جل ثناؤه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر على أعدائهم ، والفلج عليهم ، ما استقاموا على عهده ، وتمسكوا بطاعته . ثم أخبرهم ما هو فاعل بأعدائهم بعد مصيرهم إليه ، فقال جل ثناؤه : " ومأواهم النار " ، يعني : ومرجعهم الذي يرجعون إليه يوم القيامة ، النار " وبئس مثوى الظالمين " ، يقول : وبئس مقام الظالمين - الذين ظلموا أنفسهم باكتسابهم ما أوجب لها عقاب الله - النار ، كما : -

8002 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين " ، إني سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب الذي به كنت أنصركم عليهم ، بما أشركوا بي ما لم أجعل لهم به حجة ، أي : فلا تظنوا أن لهم عاقبة نصر ولا ظهور عليكم ، ما اعتصمتم واتبعتم أمري ، للمصيبة التي أصابتكم [ ص: 280 ] منهم بذنوب قدمتموها لأنفسكم ، خالفتم بها أمري ، وعصيتم فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم .

8003 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة ، انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق . ثم إنهم ندموا فقالوا : بئس ما صنعتم ، إنكم قتلتموهم ، حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم! ارجعوا فاستأصلوهم! فقذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب ، فانهزموا . فلقوا أعرابيا ، فجعلوا له جعلا وقالوا له : إن لقيت محمدا فأخبره بما قد جمعنا لهم . فأخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ، فأنزل الله عز وجل في ذلك ، فذكر أبا سفيان حين أراد أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وما قذف في قلبه من الرعب فقال : "سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله " .
[ ص: 281 ] القول في تأويل قوله ( ولقد صدقكم الله وعده )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " ولقد صدقكم الله " ، أيها المؤمنون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأحد وعده الذي وعدهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

و"الوعد " الذي كان وعدهم على لسانه بأحد ، قوله للرماة : "اثبتوا مكانكم ولا تبرحوا ، وإن رأيتمونا قد هزمناهم ، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم " . وكان وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم النصر يومئذ إن انتهوا إلى أمره ، كالذي : -

8004 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما برز رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد ، أمر الرماة ، فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال : "لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم ، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم ، " وأمر عليهم عبد الله بن جبير ، أخا خوات بن جبير . ثم إن طلحة بن عثمان ، صاحب لواء المشركين ، قام فقال : يا معشر أصحاب محمد ، إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة! فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة! أو يعجلني بسيفه إلى النار ؟ فقام إليه علي بن أبي طالب فقال : والذي نفسي بيده ، لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار ، أو يعجلني بسيفك إلى الجنة! فضربه علي فقطع رجله ، فسقط ، فانكشفت عورته ، فقال : أنشدك الله والرحم ، ابن عم! فتركه . [ ص: 282 ] فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال لعلي أصحابه : ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته ، فاستحييت منه .

ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم ، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان . فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين حمل ، فرمته الرماة ، فانقمع . فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه ، بادروا الغنيمة ، فقال بعضهم : لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم! . فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر . فلما رأى خالد قلة الرماة صاح في خيله ، ثم حمل فقتل الرماة ، ثم حمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل ، تنادوا فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم . .

8005 - حدثنا هارون بن إسحاق قال : حدثنا مصعب بن المقدام قال : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : لما كان يوم أحد ولقينا المشركين ، أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا بإزاء الرماة ، وأمر عليهم عبد الله بن جبير ، أخا خوات بن جبير ، وقال لهم : " لا تبرحوا مكانكم ، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا " . فلما التقى القوم ، هزم المشركون حتى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهن وبدت خلاخلهن ، فجعلوا يقولون : "الغنيمة ، الغنيمة "! قال عبد الله : مهلا! أما علمتم ما عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأبوا ، فانطلقوا ، فلما أتوهم صرف الله وجوههم ، فأصيب من المسلمين سبعون قتيلا . [ ص: 283 ]

8006 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، بنحوه .

8007 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه " ، فإن أبا سفيان أقبل في ثلاث ليال خلون من شوال حتى نزل أحدا ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن في الناس ، فاجتمعوا ، وأمر على الخيل الزبير بن العوام ، ومعه يومئذ المقداد بن الأسود الكندي . وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء رجلا من قريش يقال له : مصعب بن عمير . وخرج حمزة بن عبد المطلب بالحسر ، وبعث حمزة بين يديه . وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وقال : "استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتى أوذنك " . وأمر بخيل أخرى ، فكانوا من جانب آخر ، فقال : "لا تبرحوا حتى أوذنكم " . وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير أن يحمل ، فحمل على خالد بن الوليد فهزمه ومن معه ، كما قال : "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، وإن الله وعد المؤمنين أن ينصرهم وأنه معهم .

8008 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني [ ص: 284 ] محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علمائنا - في قصة ذكرها عن أحد - ذكر أن كلهم قد حدث ببعضها ، وأن حديثهم اجتمع فيما ساق من الحديث ، فكان فيما ذكر في ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وقال : "لا يقاتلن أحد ، حتى نأمره بالقتال " . وقد سرحت قريش الظهر والكراع ، في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين ، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال : أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب! وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة رجل ، وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها ، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير ، أخا بني عمرو بن عوف ، وهو يومئذ معلم بثياب بيض ، والرماة خمسون رجلا [ ص: 285 ] وقال : "انضح عنا الخيل بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا! إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك ، لا نؤتين من قبلك " . فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض . واقتتلوا ، حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس ، وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبى طالب ، في رجال من المسلمين . فأنزل الله عز وجل نصره وصدقهم وعده ، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم ، وكانت الهزيمة لا شك فيها .

8009 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده قال : قال الزبير : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند ابنة عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ، ما دون إحداهن قليل ولا كثير ، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه [ ص: 286 ] يريدون النهب ، وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من أدبارنا . وصرخ صارخ : "ألا إن محمدا قد قتل "! فانكفأنا ، وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء ، حتى ما يدنو منه أحد من القوم .

8010 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : " ولقد صدقكم الله وعده " ، أي : لقد وفيت لكم بما وعدتكم من النصر على عدوكم .

8011 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " ولقد صدقكم الله وعده " ، وذلك يوم أحد ، قال لهم : "إنكم ستظهرون ، فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئا ، حتى تفرغوا "! فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وعصوا ، ووقعوا في الغنائم ، ونسوا عهده الذي عهده إليهم ، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به .
[ ص: 287 ] القول في تأويل قوله ( إذ تحسونهم بإذنه )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولقد وفى الله لكم ، أيها المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بما وعدكم من النصر على عدوكم بأحد ، حين " تحسونهم " ، يعني : حين تقتلونهم .

يقال منه : "حسه يحسه حسا " ، إذا قتله ، كما : -

8012 - حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن عيسى قال : حدثني عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف في قوله : " إذ تحسونهم بإذنه " ، قال : الحس : القتل .

8013 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه قال : سمعت عبيد الله بن عبد الله يقول في قول الله عز وجل : " إذ تحسونهم " ، قال : القتل .

8014 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 288 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إذ تحسونهم بإذنه " ، قال : تقتلونهم .

8015 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم " ، أي : قتلا بإذنه .

8016 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " إذ تحسونهم " ، يقول : إذ تقتلونهم .

8017 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " إذ تحسونهم بإذنه " ، والحس القتل .

8018 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه " ، يقول : تقتلونهم .

8019 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذ تحسونهم " بالسيوف : أي القتل .

8020 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن : " إذ تحسونهم بإذنه " ، يعني : القتل .

8021 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : " إذ تحسونهم بإذنه " ، يقول : تقتلونهم .

وأما قوله : "بإذنه " ، فإنه يعني : بحكمي وقضائي لكم بذلك ، وتسليطي إياكم عليهم ، كما : - [ ص: 289 ]

8022 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : إذ تحسونهم بإذني ، وتسليطي أيديكم عليهم ، وكفي أيديهم عنكم .
القول في تأويل قوله ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "حتى إذا فشلتم " ، حتى إذا جبنتم وضعفتم "وتنازعتم في الأمر " ، يقول : واختلفتم في أمر الله ، يقول : وعصيتم وخالفتم نبيكم ، فتركتم أمره وما عهد إليكم . وإنما يعني بذلك الرماة الذين كان أمرهم صلى الله عليه وسلم بلزوم مركزهم ومقعدهم من فم الشعب بأحد بإزاء خالد بن الوليد ومن كان معه من فرسان المشركين ، الذين ذكرنا قبل أمرهم .

وأما قوله : " من بعد ما أراكم ما تحبون " ، فإنه يعني بذلك : من بعد الذي أراكم الله ، أيها المؤمنون بمحمد ، من النصر والظفر بالمشركين ، وذلك هو الهزيمة التي كانوا هزموهم عن نسائهم وأموالهم قبل ترك الرماة مقاعدهم التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعدهم فيها ، وقبل خروج خيل المشركين على المؤمنين من ورائهم .

وبنحو الذي قلنا تظاهرت الأخبار عن أهل التأويل . [ ص: 290 ]

وقد مضى ذكر بعض من قال : وسنذكر قول بعض من لم يذكر قوله فيما مضى .

ذكر من قال ذلك :

8023 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر " ، أي اختلفتم في الأمر " وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، وذاكم يوم أحد ، عهد إليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بأمر فنسوا العهد ، وجاوزوا ، وخالفوا ما أمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقذف عليهم عدوهم ، بعد ما أراهم من عدوهم ما يحبون .

8024 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ناسا من الناس - يعني : يوم أحد - فكانوا من ورائهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كونوا هاهنا ، فردوا وجه من فر منا ، وكونوا حرسا لنا من قبل ظهورنا " . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هزم القوم هو وأصحابه ، قال الذين كانوا جعلوا من ورائهم ، بعضهم لبعض ، لما رأوا النساء مصعدات في الجبل ورأوا الغنائم ، [ ص: 291 ] قالوا : "انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوا الغنيمة قبل أن تسبقوا إليها "! وقالت طائفة أخرى : "بل نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنثبت مكاننا "! فذلك قوله : " منكم من يريد الدنيا " ، للذين أرادوا الغنيمة " ومنكم من يريد الآخرة " ، للذين قالوا : "نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونثبت مكاننا " . فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، فكان فشلا حين تنازعوا بينهم يقول : "وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، كانوا قد رأوا الفتح والغنيمة .

8025 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " حتى إذا فشلتم " ، يقول : جبنتم عن عدوكم "وتنازعتم في الأمر " ، يقول : اختلفتم " وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، وذلك يوم أحد قال لهم : "إنكم ستظهرون ، فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئا حتى تفرغوا " ، فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وعصوا ، ووقعوا في الغنائم ، ونسوا عهده الذي عهده إليهم ، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به ، فانقذف عليهم عدوهم ، من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون .

8026 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : حتى إذا فشلتم ، قال ابن جريج ، قال ابن عباس : الفشل : الجبن .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #437  
قديم 03-05-2023, 04:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (437)
صــ 292إلى صــ 306




8027 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، من الفتح . [ ص: 292 ]

8028 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "حتى إذا فشلتم " ، أي تخاذلتم "وتنازعتم في الأمر " ، أي : اختلفتم في أمري "وعصيتم " ، أي : تركتم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم; وما عهد إليكم ، يعني الرماة "من بعد ما أراكم ما تحبون " ، أي : الفتح لا شك فيه ، وهزيمة القوم عن نسائهم وأموالهم .

8029 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن المبارك ، عن الحسن : "من بعد ما أراكم ما تحبون " ، يعني : من الفتح .

قال أبو جعفر : وقيل معنى قوله : " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " حتى إذا تنازعتم في الأمر فشلتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون وأنه من المقدم الذي معناه التأخير ، وإن "الواو " دخلت في ذلك ، ومعناها السقوط ، كما يقال ، ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) [ سورة الصافات : 103 - 104 ] معناه : ناديناه . وهذا مقول في : ( حتى إذا ) وفي ( فلما أن ) . [ لم يأت في غير هذين ] . ومنه قول الله عز وجل : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ثم قال واقترب الوعد الحق ) [ سورة الأنبياء : 96 - 97 ] . [ ص: 293 ] ومعناه : اقترب ، كما قال الشاعر :


حتى إذا قملت بطونكم ورأيتم أبناءكم شبوا وقلبتم ظهر المجن لنا
إن اللئيم العاجز الخب


القول في تأويل قوله ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "منكم من يريد الدنيا ، الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب من أحد لخيل المشركين ، ولحقوا بعسكر المسلمين طلب النهب إذ رأوا هزيمة المشركين " ومنكم من يريد الآخرة " ، يعني بذلك : الذين ثبتوا من الرماة في مقاعدهم التي [ ص: 294 ] أقعدهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا أمره ، محافظة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابتغاء ما عند الله من الثواب بذلك من فعلهم والدار الآخرة . كما : -

8030 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فالذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدنيا ، والذين بقوا وقالوا : "لا نخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، أرادوا الآخرة .

8031 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس مثله .

8032 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد طائفة من المسلمين ، فقال : "كونوا مسلحة للناس " ، بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها ، وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم . فلما لقي نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبا سفيان ومن معه من المشركين ، هزمهم نبي الله صلى الله عليه وسلم! فلما رأى المسلحة أن الله عز وجل هزم المشركين ، انطلق بعضهم وهم يتنادون : "الغنيمة! الغنيمة! لا تفتكم "! وثبت بعضهم مكانهم ، وقالوا : لا نريم موضعنا حتى يأذن لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم! . ففي ذلك نزل : "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فكان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يوم أحد . [ ص: 295 ]

8033 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : لما هزم الله المشركين يوم أحد ، قال الرماة : "أدركوا الناس ونبي الله صلى الله عليه وسلم لا يسبقوكم إلى الغنائم ، فتكون لهم دونكم "! وقال بعضهم : "لا نريم حتى يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم " . فنزلت : "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، قال : ابن جريج ، قال ابن مسعود : ما علمنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يومئذ .

8034 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن المبارك ، عن الحسن : " منكم من يريد الدنيا " ، هؤلاء الذين يجترون الغنائم " ومنكم من يريد الآخرة " ، الذين يتبعونهم يقتلونهم .

8035 - حدثنا الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي عن عبد خير قال : قال عبد الله : ما كنت أرى أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " .

8036 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن عبد خير قال : قال ابن مسعود : ما كنت أظن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أحدا يريد الدنيا ، حتى قال الله ما قال .

8037 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع [ ص: 296 ] قال : قال عبد الله بن مسعود لما رآهم وقعوا في الغنائم : ما كنت أحسب أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان اليوم .

8038 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يومئذ .

8039 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " منكم من يريد الدنيا " ، أي : الذين أرادوا النهب رغبة في الدنيا وترك ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة " ومنكم من يريد الآخرة " ، أي : الذي جاهدوا في الله لم يخالفوا إلى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا رغبة فيها ، رجاء ما عند الله من حسن ثوابه في الآخرة .
القول في تأويل قوله ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ثم صرفكم ، أيها المؤمنون ، عن المشركين بعد ما أراكم ما تحبون فيهم وفي أنفسكم ، من هزيمتكم إياهم وظهوركم عليهم ، فرد وجوهكم عنهم لمعصيتكم أمر رسولي ، ومخالفتكم طاعته ، وإيثاركم الدنيا على الآخرة ، [ ص: 297 ] - عقوبة لكم على ما فعلتم ، "ليبتليكم " ، يقول : ليختبركم ، فيتميز المنافق منكم من المخلص الصادق في إيمانه منكم . كما : -

8040 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم ذكر حين مال عليهم خالد بن الوليد : "ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " .

8041 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن في قوله : "ثم صرفكم عنهم " ، قال : صرف القوم عنهم ، فقتل من المسلمين بعدة من أسروا يوم بدر ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه ، وكان يمسح الدم عن وجهه ويقول : "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم " ؟ فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء ) [ سورة آل عمران : 128 ] ، الآية . فقالوا : أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدنا النصر ؟ فأنزل الله عز وجل : " ولقد صدقكم الله وعده " إلى قوله : " ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم " .

8042 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : " ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " ، أي : صرفكم عنهم ليختبركم ، وذلك ببعض ذنوبكم .
[ ص: 298 ] القول في تأويل قوله ( ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين ( 152 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ولقد عفا عنكم " ، ولقد عفا الله أيها المخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتاركون طاعته فيما تقدم به إليكم من لزوم الموضع الذي أمركم بلزومه عنكم ، فصفح لكم من عقوبة ذنبكم الذي أتيتموه ، عما هو أعظم مما عاقبكم به من هزيمة أعدائكم إياكم ، وصرف وجوهكم عنهم ، إذ لم يستأصل جمعكم ، كما : -

8043 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن ، في قوله : " ولقد عفا عنكم " ، قال : قال الحسن ، وصفق بيديه : وكيف عفا عنهم ، وقد قتل منهم سبعون ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه ؟ قال : ثم يقول : قال الله عز وجل : "قد عفوت عنكم إذ عصيتموني ، أن لا أكون استأصلتكم " . قال : ثم يقول الحسن : هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سبيل الله غضاب لله ، يقاتلون أعداء الله ، نهوا عن شيء فصنعوه ، فوالله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم ، فأفسق الفاسقين اليوم يتجرثم كل كبيرة ، ويركب كل داهية ، ويسحب عليها ثيابه ، ويزعم أن لا بأس عليه!! فسوف يعلم .

8044 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " ولقد عفا عنكم " ، قال : لم يستأصلكم . [ ص: 299 ]

8045 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد عفا عنكم " ، ولقد عفا الله عن عظيم ذلك ، لم يهلككم بما أتيتم من معصية نبيكم ، ولكن عدت بفضلي عليكم .

وأما قوله : " والله ذو فضل على المؤمنين " ، فإنه يعني : والله ذو طول على أهل الإيمان به وبرسوله ، بعفوه لهم عن كثير ما يستوجبون به العقوبة عليه من ذنوبهم ، فإن عاقبهم على بعض ذلك ، فذو إحسان إليهم بجميل أياديه عندهم . كما : -

8046 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " ، يقول : وكذلك من الله على المؤمنين ، أن عاقبهم ببعض الذنوب في عاجل الدنيا أدبا وموعظة ، فإنه غير مستأصل لكل ما فيهم من الحق له عليهم ، لما أصابوا من معصيته ، رحمة لهم وعائدة عليهم ، لما فيهم من الإيمان .
القول في تأويل قوله ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولقد عفا عنكم ، أيها المؤمنون ، إذ لم يستأصلكم ، إهلاكا منه جمعكم بذنوبكم وهربكم " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد " . [ ص: 300 ]

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه عامة قرأة الحجاز والعراق والشام سوى الحسن البصري : ( إذ تصعدون ) بضم "التاء " وكسر "العين " . وبه القراءة عندنا ، لإجماع الحجة من القرأة على القراءة به ، واستنكارهم ما خالفه .

وروي عن الحسن البصري أنه كان يقرأه : ( إذ تصعدون ) بفتح "التاء " و "العين " .

8047 - حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال : حدثنا القاسم بن سلام قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن .

فأما الذين قرأوا : ( تصعدون ) بضم "التاء " وكسر "العين " ، فإنهم وجهوا معنى ذلك إلى أن القوم حين انهزموا عن عدوهم ، أخذوا في الوادي هاربين . وذكروا أن ذلك في قراءة أبي : ( إذ تصعدون في الوادي ) .

8048 - حدثنا [ بذلك ] أحمد بن يوسف قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن هارون .

قالوا : فالهرب في مستوى الأرض وبطون الأودية والشعاب : "إصعاد " ، لا صعود . قالوا وإنما يكون "الصعود " على الجبال والسلاليم والدرج ، لأن معنى "الصعود " ، الارتقاء والارتفاع على الشيء علوا . قالوا : فأما الأخذ في مستوى الأرض والهبوط ، فإنما هو "إصعاد " ، كما يقال : "أصعدنا من مكة " ، إذا ابتدأت في السفر منها والخروج "وأصعدنا [ ص: 301 ] من الكوفة إلى خراسان " ، بمعنى : خرجنا منها سفرا إليها ، وابتدأنا منها الخروج إليها .

قالوا : وإنما جاء تأويل أكثر أهل التأويل ، بأن القوم أخذوا عند انهزامهم عن عدوهم في بطن الوادي .

ذكر من قال ذلك :

8049 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولا تلوون على أحد " ، ذاكم يوم أحد ، أصعدوا في الوادي فرارا ، ونبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم في أخراهم : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله"! .

قال أبو جعفر : وأما الحسن ، فإني أراه ذهب في قراءته : "إذ تصعدون" بفتح"التاء" و"العين" ، إلى أن القوم حين انهزموا عن المشركين صعدوا الجبل . وقد قال ذلك عدد من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8050 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما شد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم ، دخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله"! فذكر الله صعودهم على الجبل ، ثم ذكر دعاء نبي الله صلى الله عليه وسلم إياهم ، فقال : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " . [ ص: 302 ]

8051 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يصعدون في الجبل ، والرسول يدعوهم في أخراهم .

8052 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

8053 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس ، قوله : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد " ، قال صعدوا في أحد فرارا .

قال أبو جعفر : وقد ذكرنا أن أولى القراءتين بالصواب ، قراءة من قرأ : "إذ تصعدون" ، بضم "التاء" وكسر "العين" ، بمعنى : السبق والهرب في مستوى الأرض ، أو في المهابط ، لإجماع الحجة على أن ذلك هو القراءة الصحيحة . ففي إجماعها على ذلك ، الدليل الواضح على أن أولى التأويلين بالآية ، تأويل من قال : "أصعدوا في الوادي ومضوا فيه" ، دون قول من قال : "صعدوا على الجبل" .

قال أبو جعفر : وأما قوله : " ولا تلوون على أحد " ، فإنه يعني : ولا تعطفون على أحد منكم ، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا من عدوكم مصعدين في الوادي .

ويعني بقوله : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكم أيها المؤمنون به من أصحابه"في أخراكم" ، يعني : أنه يناديكم من خلفكم : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله" ! . كما : - [ ص: 303 ]

8054 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، إلي عباد الله ارجعوا ، إلي عباد الله ارجعوا! .

8055 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، رأوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم : "إلي عباد الله"!

8056 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي مثله .

8057 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : أنبهم الله بالفرار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وهو يدعوهم ، لا يعطفون عليه لدعائه إياهم ، فقال : "إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " .

8058 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، هذا يوم أحد حين انكشف الناس عنه .
القول في تأويل قوله ( فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون ( 153 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فأثابكم غما بغم " ، يعني : فجازاكم بفراركم عن نبيكم ، وفشلكم عن عدوكم ، ومعصيتكم ربكم "غما بغم" ، يقول : غما على غم .

[ ص: 304 ]

وسمى العقوبة التي عاقبهم بها من تسليط عدوهم عليهم حتى نال منهم ما نال"ثوابا" ، إذ كان عوضا من عملهم الذي سخطه ولم يرضه منهم ، فدل بذلك جل ثناؤه أن كل عوض كان لمعوض من شيء من العمل ، خيرا كان أو شرا أو العوض الذي بذله رجل لرجل ، أو يد سلفت له إليه ، فإنه مستحق اسم "ثواب" ، كان ذلك العوض تكرمة أو عقوبة ، ونظير ذلك قول الشاعر :


أخاف زيادا أن يكون عطاؤه أداهم سودا أو محدرجة سمرا
فجعل"العطاء" القيود . وذلك كقول القائل لآخر سلف إليه منه مكروه : "لأجازينك على فعلك ، ولأثيبنك ثوابك" .

وأما قوله : "غما بغم" ، فإنه قيل : "غما بغم" ، معناه : غما على غم ، كما قيل : ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) [ سورة طه : 71 ] ، بمعنى : ولأصلبنكم على جذوع النخل . وإنما جاز ذلك ، لأن معنى قول القائل : "أثابك الله غما على غم" ، جزاك الله [ ص: 305 ] غما بعد غم تقدمه ، فكان كذلك معنى : "فأثابكم غما بغم" ، لأن معناه : فجزاكم الله غما بعقب غم تقدمه ، وهو نظير قول القائل : "نزلت ببني فلان ، ونزلت على بني فلان" ، "وضربته بالسيف وعلى السيف" .

واختلف أهل التأويل في الغم الذي أثيب القوم على الغم ، وما كان غمهم الأول والثاني؟

فقال بعضهم : "أما الغم الأول ، فكان ما تحدث به القوم أن نبيهم صلى الله عليه وسلم قد قتل . وأما الغم الآخر ، فإنه كان ما نالهم من القتل والجراح" .

ذكر من قال ذلك :

8059 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فأثابكم غما بغم " ، كانوا تحدثوا يومئذ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أصيب ، وكان الغم الآخر قتل أصحابهم والجراحات التي أصابتهم . قال : وذكر لنا أنه قتل يومئذ سبعون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ستة وستون رجلا من الأنصار ، وأربعة من المهاجرين وقوله : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ، يقول : ما فاتكم من غنيمة القوم"ولا ما أصابكم" ، في أنفسكم من القتل والجراحات .

8060 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "فأثابكم غما بغم" ، قال : فرة بعد فرة : الأولى حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل ، والثانية حين رجع الكفار ، فضربوهم مدبرين ، حتى قتلوا منهم سبعين رجلا ثم انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يصعدون في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم . [ ص: 306 ]

8061 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

وقال آخرون : "بل غمهم الأول كان قتل من قتل منهم وجرح من جرح منهم . والغم الثاني كان من سماعهم صوت القائل : "قتل محمد " ، صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

8062 - حدثنا الحسين بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " غما بغم " ، قال : الغم الأول : الجراح والقتل ، والغم الثاني حين سمعوا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد قتل . فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل ، وما كانوا يرجون من الغنيمة ، وذلك حين يقول : " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " .

8063 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فأثابكم غما بغم " ، قال : الغم الأول الجراح والقتل ، والغم الآخر حين سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل . فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل ، وما كانوا يرجون من الغنيمة ، وذلك حين يقول الله : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " .

وقال آخرون : "بل الغم الأول ما كان فاتهم من الفتح والغنيمة ، والثاني إشراف أبي سفيان عليهم في الشعب . وذلك أن أبا سفيان - فيما زعم بعض أهل السير - لما أصاب من المسلمين ما أصاب ، وهرب المسلمون ، جاء حتى أشرف عليهم وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب أحد ، الذي كانوا ولوا إليه عند الهزيمة ، فخافوا أن يصطلمهم أبو سفيان وأصحابه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #438  
قديم 03-05-2023, 04:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (438)
صــ 307إلى صــ 321





[ ص: 307 ]

ذكر الخبر بذلك :

8064 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة . فلما رأوه ، وضع رجل سهما في قوسه ، فأراد أن يرميه ، فقال : "أنا رسول الله!" ، ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ، وفرح رسول الله حين رأى أن في أصحابه من يمتنع . فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا .

فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم ، فلما نظروا إليه ، نسوا ذلك الذي كانوا عليه ، وهمهم أبو سفيان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس لهم أن يعلونا ، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد"! ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم ، فقال أبو سفيان يومئذ : "اعل هبل! حنظلة بحنظلة ، ويوم بيوم بدر "! وقتلوا يومئذ حنظلة بن الراهب ، وكان جنبا فغسلته الملائكة ، وكان حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر وقال أبو سفيان : "لنا العزى ، ولا عزى لكم"! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : "قل الله مولانا ولا مولى لكم"! فقالأبو سفيان : فيكم محمد؟ قالوا : نعم! قال : "أما إنها قد كانت فيكم مثلة ، ما أمرت بها ، ولا نهيت عنها ، ولا سرتني ، ولا ساءتني"! فذكر الله إشراف أبي سفيان عليهم فقال : " فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، الغم الأول : ما فاتهم من الغنيمة والفتح ، والغم الثاني : [ ص: 308 ] إشراف العدو عليهم " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " ، من الغنيمة"ولا ما أصابكم" من القتل حين تذكرون . فشغلهم أبو سفيان .

8065 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني ابن شهاب الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علمائنا ، فيما ذكروا من حديث أحد ، قالوا : كان المسلمون في ذلك اليوم - لما أصابهم فيه من شدة البلاء - أثلاثا ، ثلث قتيل ، وثلث جريح ، وثلث منهزم ، وقد بلغته الحرب حتى ما يدري ما يصنع وحتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدث بالحجارة حتى وقع لشقه ، وأصيبت رباعيته ، وشج في وجهه ، وكلمت شفته ، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص . وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه لواؤه حتى قتل ، وكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي ، وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجع إلى قريش فقال : "قتلت محمدا " .

8066 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : فكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس : "قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم" كما حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن [ ص: 309 ] إسحاق قال : حدثني ابن شهاب الزهري كعب بن مالك أخو بني سلمة قال : عرفت عينيه تزهران تحت المغفر ، فناديت بأعلى صوتي : "يا معشر المسلمين : أبشروا ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم"! فأشار إلي رسول الله أن أنصت . فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ، ونهض نحو الشعب ، معه علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، والحارث بن الصمة ، في رهط من المسلمين . .

قال : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ومعه أولئك النفر من أصحابه ، إذ علت عالية من قريش الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا"! فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين ، حتى أهبطوهم عن الجبل . ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدن ، فظاهر بين درعين ، فلما ذهب لينهض ، فلم يستطع ، جلس تحته طلحة بن عبيد الله ، فنهض حتى استوى عليها . .

ثم إن أبا سفيان حين أراد الانصراف ، أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى [ ص: 310 ] صوته : "أنعمت فعال! إن الحرب سجال ، يوم بيوم بدر ، اعل هبل" ، أي : أظهر دينك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : "قم فأجبه ، فقل : الله أعلى وأجل! لا سواء! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار"! فلما أجاب عمر رضي الله عنه أبا سفيان ، قال له أبو سفيان : "هلم إلي يا عمر "! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ائته فانظر ما شأنه"؟ فجاءه ، فقال له أبو سفيان : أنشدك الله يا عمر ، أقتلنا محمدا؟ فقال عمر : اللهم لا وإنه ليسمع كلامك الآن! . فقال : أنت أصدق عندي من ابن قميئة وأبر! لقول ابن قميئة لهم : إني قتلت محمدا ثم نادى أبو سفيان ، فقال : إنه قد كان في قتلاكم مثلة ، والله ما رضيت ولا سخطت ، ولا نهيت ولا أمرت . [ ص: 311 ]

8067 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق : " فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، أي : كربا بعد كرب ، قتل من قتل من إخوانكم ، وعلو عدوكم عليكم ، وما وقع في أنفسكم من قول من قال : "قتل نبيكم" ، فكان ذلك مما تتابع عليكم غما بغم " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " ، من ظهوركم على عدوكم بعد أن رأيتموه بأعينكم"ولا ما أصابكم" من قتل إخوانكم ، حتى فرجت بذلك الكرب عنكم" والله خبير بما تعملون " ، وكان الذي فرج به عنهم ما كانوا فيه من الكرب والغم الذي أصابهم ، أن الله عز وجل رد عنهم كذبة الشيطان بقتل نبيهم . فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا بين أظهرهم ، هان عليهم ما فاتهم من القوم بعد الظهور عليهم ، والمصيبة التي أصابتهم في إخوانهم ، حين صرف الله القتل عن نبيهم صلى الله عليه وسلم .

8068 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " فأثابكم غما بغم " ، قال ابن جريج ، قال مجاهد : أصاب الناس حزن وغم على ما أصابهم في أصحابهم الذين قتلوا . فلما تولجوا في الشعب وهم مصابون ، وقف أبو سفيان وأصحابه بباب الشعب ، فظن المؤمنون أنهم سوف يميلون عليهم [ ص: 312 ] فيقتلونهم أيضا ، فأصابهم حزن في ذلك أيضا أنساهم حزنهم في أصحابهم ، فذلك قوله : " فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " قال ابن جريج ، قوله : " على ما فاتكم " ، يقول : على ما فاتكم من غنائم القوم"ولا ما أصابكم" ، في أنفسكم .

8069 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج . قال : أخبرني عبد الله بن كثير ، عن عبيد بن عمير قال : جاء أبو سفيان بن حرب ومن معه ، حتى وقف بالشعب ، ثم نادى : أفي القوم ابن أبي كبشة؟ فسكتوا ، فقال أبو سفيان : قتل ورب الكعبة! ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فسكتوا ، فقال : قتل ورب الكعبة! ثم قال : أفي القوم عمر بن الخطاب؟ فسكتوا ، فقال : قتل ورب الكعبة! ثم قال أبو سفيان : اعل هبل ، يوم بيوم بدر ، وحنظلة بحنظلة ، وأنتم واجدون في القوم مثلا لم يكن عن رأي سراتنا وخيارنا ، ولم نكرهه حين رأيناه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : قم فناد فقل : الله أعلى وأجل! نعم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أبو بكر ، وها أنا ذا! لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ! .

وقال آخرون في ذلك بما : - [ ص: 313 ]

8070 - حدثني به محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " ، فرجعوا فقالوا : والله لنأتينهم ، ثم لنقتلنهم! قد جرحوا منا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلا; فإنما أصابكم الذي أصابكم من أجل أنكم عصيتموني ! فبينما هم كذلك إذ أتاهم القوم قد ائتشبوا وقد اخترطوا سيوفهم ، فكان غم الهزيمة وغمهم حين أتوهم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ، من القتل "ولا ما أصابكم" ، من الجراحة"فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا" الآية ، وهو يوم أحد .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ، قول من قال : "معنى قوله : " فأثابكم غما بغم " أيها المؤمنون ، بحرمان الله إياكم غنيمة المشركين والظفر بهم ، والنصر عليهم ، وما أصابكم من القتل والجراح يومئذ - بعد الذي كان قد أراكم في كل ذلك ما تحبون - بمعصيتكم ربكم وخلافكم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم ، غم ظنكم أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قتل ، وميل العدو عليكم بعد فلولكم منهم . .

والذي يدل على أن ذلك أولى بتأويل الآية مما خالفه ، قوله : [ ص: 314 ] " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، والفائت ، لا شك أنه هو ما كانوا رجوا الوصول إليه من غيرهم ، إما من ظهور عليهم بغلبهم ، وإما من غنيمة يحتازونها وأن قوله : " ولا ما أصابكم " ، هو ما أصابهم : إما في أبدانهم ، وإما في إخوانهم .

فإن كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن"الغم" الثاني هو معنى غير هذين . لأن الله عز وجل أخبر عباده المؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه أثابهم غما بغم لئلا يحزنهم ما نالهم من الغم الناشئ عما فاتهم من غيرهم ، ولا ما أصابهم قبل ذلك في أنفسهم ، وهو الغم الأول ، على ما قد بيناه قبل .

وأما قوله : " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، فإن تأويله على ما قد بينت ، من أنه : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " ، فلم تدركوه مما كنتم ترجون إدراكه من عدوكم بالظفر عليهم والظهور ، وحيازة غنائمهم "ولا ما أصابكم" ، في أنفسكم . من جرح من جرح وقتل من قتل من إخوانكم .

وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه قبل على السبيل التي اختلفوا فيه ، كما : -

8071 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، قال : على ما فاتكم من الغنيمة التي كنتم ترجون "ولا تحزنوا على ما أصابكم" ، من الهزيمة .

وأما قوله : " والله خبير بما تعملون " ، فإنه يعني جل ثناؤه : والله بالذي تعملون ، أيها المؤمنون - من إصعادكم في الوادي هربا من عدوكم ، وانهزامكم [ ص: 315 ] منهم ، وترككم نبيكم وهو يدعوكم في أخراكم ، وحزنكم على ما فاتكم من عدوكم وما أصابكم في أنفسكم ذو خبرة وعلم ، وهو محص ذلك كله عليكم ، حتى يجازيكم به : المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، أو يعفو عنه .
القول في تأويل قوله ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ثم أنزل الله ، أيها المؤمنون من بعد الغم الذي أثابكم ربكم بعد غم تقدمه قبله "أمنة" ، وهي الأمان ، على أهل الإخلاص منكم واليقين ، دون أهل النفاق والشك .

ثم بين جل ثناؤه ، عن"الأمنة" التي أنزلها عليهم ، ما هي؟ فقال"نعاسا" ، بنصب"النعاس" على الإبدال من"الأمنة" .

ثم اختلفت القرأة في قراءة قوله : "يغشى" .

فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والمدينة والبصرة وبعض الكوفيين بالتذكير بالياء : ( يغشى ) .

وقرأ جماعة من قرأة الكوفيين بالتأنيث : ( تغشى ) بالتاء .

وذهب الذين قرأوا ذلك بالتذكير ، إلى أن النعاس هو الذي يغشى الطائفة من [ ص: 316 ] المؤمنين دون الأمنة ، فذكره بتذكير "النعاس" .

وذهب الذين قرأوا ذلك بالتأنيث ، إلى أن الأمنة هي التي تغشاهم فأنثوه لتأنيث "الأمنة" .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، غير مختلفتين في معنى ولا غيره . لأن "الأمنة" في هذا الموضع هي النعاس ، والنعاس هو الأمنة . فسواء ذلك ، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب الحق في قراءته . وكذلك جميع ما في القرآن من نظائره من نحو قوله : ( " إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل تغلي في البطون" ) [ سورة الدخان : 43 - 45 ] و ( " ألم يك نطفة من مني تمنى" ) [ سورة القيامة : 37 ] ، ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط ) [ سورة مريم : 25 ] . .

فإن قال قائل : وما كان السبب الذي من أجله افترقت الطائفتان اللتان ذكرهما الله عز وجل فيما افترقتا فيه من صفتهما ، فأمنت إحداهما بنفسها حتى نعست ، وأهمت الأخرى أنفسها حتى ظنت بالله غير الحق ظن الجاهلية؟

قيل : كان سبب ذلك فيما ذكر لنا ، كما : -

8072 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أن المشركين انصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين ، فواعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بدرا من قابل ، فقال نعم! نعم! فتخوف المسلمون أن ينزلوا المدينة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال : [ ص: 317 ] "انظر ، فإن رأيتهم قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم ، فإن القوم ذاهبون ، وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا أثقالهم ، فإن القوم ينزلون المدينة ، فاتقوا الله واصبروا" ووطنهم على القتال . فلما أبصرهم الرسول قعدوا على الأثقال سراعا عجالا نادى بأعلى صوته بذهابهم . فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فناموا ، وبقي أناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم . فقال الله جل وعز ، يذكر حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم إن كانوا ركبوا الأثقال فإنهم منطلقون فناموا : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " .

8073 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : أمنهم يومئذ بنعاس غشاهم . وإنما ينعس من يأمن" يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " .

8074 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، عن أبي طلحة قال : كنت فيمن أنزل عليه النعاس يوم أحد أمنة ، حتى سقط من يدي مرارا قال أبو جعفر : يعني سوطه ، أو سيفه .

8075 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد ، فجعلت ما أرى أحدا من القوم إلا تحت حجفته يميد من النعاس . . [ ص: 318 ]

8076 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عمران ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : كنت فيمن صب عليه النعاس يوم أحد .

8077 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك : عن أبي طلحة : أنه كان يومئذ ممن غشيه النعاس ، قال : كان السيف يسقط من يدي ثم آخذه ، من النعاس .

8078 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ذكر لنا ، والله أعلم ، عن أنس : أن أبا طلحة حدثهم : أنه كان يومئذ ممن غشيه النعاس ، قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ، ويسقط والطائفة الأخرى المنافقون ، ليس لهم همة إلا أنفسهم ، " يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " ، الآية كلها .

8079 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال : حدثنا ضرار بن صرد قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، عن أبيه قال : سألت عبد الرحمن بن عوف عن قول الله عز وجل : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا " . قال : ألقي علينا النوم يوم أحد .

8080 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا " ، الآية ، وذاكم يوم أحد ، كانوا يومئذ فريقين ، فأما المؤمنون فغشاهم الله النعاس أمنة منه ورحمة .

8081 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، نحوه .

8082 - حدثنا المثني قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن [ ص: 319 ] أبيه ، عن الربيع ، قوله : " أمنة نعاسا " ، قال : ألقي عليهم النعاس ، فكان ذلك أمنة لهم .

8083 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين قال : قال عبد الله : النعاس في القتال أمنة ، والنعاس في الصلاة من الشيطان .

8084 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا " ، قال : أنزل النعاس أمنة منه على أهل اليقين به ، فهم نيام لا يخافون .

8085 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " أمنة نعاسا " ، قال : ألقى الله عليهم النعاس ، فكان"أمنة لهم" . وذكر أن أبا طلحة قال : ألقي علي النعاس يومئذ ، فكنت أنعس حتى يسقط سيفي من يدي .

8086 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا إسحاق بن إدريس قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، عن أبي طلحة وهشام بن عروة ، عن عروة ، عن الزبير ، أنهما قالا لقد رفعنا رءوسنا يوم أحد ، فجعلنا ننظر ، فما منهم من أحد إلا وهو يميل بجنب حجفته . قال : وتلا هذه الآية : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا " .
[ ص: 320 ] القول في تأويل قوله ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "وطائفة منكم" ، أيها المؤمنون"قد أهمتهم أنفسهم" ، يقول : هم المنافقون لا هم لهم غير أنفسهم ، فهم من حذر القتل على أنفسهم ، وخوف المنية عليها في شغل ، قد طار عن أعينهم الكرى ، يظنون بالله الظنون الكاذبة ، ظن الجاهلية من أهل الشرك بالله ، شكا في أمر الله ، وتكذيبا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ومحسبة منهم أن الله خاذل نبيه ومعل عليه أهل الكفر به ، يقولون : هل لنا من الأمر من شيء . كالذي : -

8087 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : والطائفة الأخرى : المنافقون ، ليس لهم هم إلا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق ، يظنون بالله غير الحق ظنونا كاذبة ، إنما هم أهل شك وريبة في أمر الله : ( يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) .

8088 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : والطائفة الأخرى المنافقون ، ليس لهم همة إلا أنفسهم ، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ، ( يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) قال الله عز وجل : ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) الآية .

8089 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : [ ص: 321 ] " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " ، قال : أهل النفاق قد أهمتهم أنفسهم تخوف القتل ، وذلك أنهم لا يرجون عاقبة .

8090 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " إلى آخر الآية ، قال : هؤلاء المنافقون .

وأما قوله : "ظن الجاهلية" ، فإنه يعني أهل الشرك . كالذي : -

8091 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ظن الجاهلية " ، قال : ظن أهل الشرك .

8092 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " ظن الجاهلية " ، قال : ظن أهل الشرك .

قال أبو جعفر : وفي رفع قوله : "وطائفة" ، وجهان .

أحدهما ، أن تكون مرفوعة بالعائد من ذكرها في قوله : "قد أهمتهم" .

والآخر : بقوله : "يظنون بالله غير الحق" ، ولو كانت منصوبة كان جائزا ، وكانت"الواو" ، في قوله : "وطائفة" ، ظرفا للفعل ، بمعنى : وأهمت طائفة أنفسهم ، كما قال ( والسماء بنيناها بأيد ) [ سورة الذاريات : 47 ] .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #439  
قديم 03-05-2023, 05:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (439)
صــ 322إلى صــ 336




القول في تأويل قوله ( يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك الطائفة المنافقة التي قد أهمتهم أنفسهم ، يقولون : ليس لنا من الأمر من شيء ، قل إن الأمر كله لله ، ولو كان لنا من الأمر شيء ما خرجنا لقتال من قاتلنا فقتلونا . كما : -

8093 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قيل لعبد الله بن أبي : قتل بنو الخزرج اليوم! قال : وهل لنا من الأمر من شيء؟ قيل إن الأمر كله لله! .

وهذا أمر مبتدأ من الله عز وجل ، يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لهؤلاء المنافقين : " إن الأمر كله لله " ، يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف يحب .

ثم عاد إلى الخبر عن ذكر نفاق المنافقين ، فقال : " يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك " يقول : يخفي ، يا محمد ، هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك صفتهم ، في أنفسهم من الكفر والشك في الله ، ما لا يبدون لك . ثم أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم على ما كانوا يخفونه بينهم من نفاقهم ، والحسرة التي أصابتهم على حضورهم مع المسلمين مشهدهم بأحد ، فقال مخبرا عن قيلهم الكفر وإعلانهم النفاق بينهم : " يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا " ، يعني بذلك ، أن هؤلاء المنافقين يقولون : لو كان الخروج إلى حرب من خرجنا لحربه من المشركين إلينا ، ما خرجنا [ ص: 323 ] إليهم ، ولا قتل منا أحد في الموضع الذي قتلوا فيه بأحد .

وذكر أن ممن قال هذا القول ، معتب بن قشير ، أخو بني عمرو بن عوف .

ذكر الخبر بذلك :

8094 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير قال : والله إني لأسمع قول معتب بن قشير ، أخي بني عمرو بن عوف ، والنعاس يغشاني ، ما أسمعه إلا كالحلم حين قال : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا !

8095 - حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثني أبي ، عن ابن إسحاق قال : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، بمثله .

قال أبو جعفر : واختلفت القراء في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق : ( قل إن الأمر كله ) ، بنصب"الكل" على وجه النعت ل"الأمر" والصفة له .



وقرأه بعض قرأة أهل البصرة : ( قل إن الأمر كله لله ) برفع"الكل" ، على توجيه"الكل" إلى أنه اسم ، وقوله"لله" خبره ، كقول القائل : "إن الأمر بعضه لعبد الله . .

وقد يجوز أن يكون"الكل" في قراءة من قرأه بالنصب ، منصوبا على البدل .

[ ص: 324 ]

قال أبو جعفر : والقراءة التي هي القراءة عندنا ، النصب في"الكل" لإجماع أكثر القرأة عليه ، من غير أن تكون القراءة الأخرى خطأ في معنى أو عربية . ولو كانت القراءة بالرفع في ذلك مستفيضة في القرأة ، لكانت سواء عندي القراءة بأي ذلك قرئ ، لاتفاق معاني ذلك بأي وجهيه قرئ .
القول في تأويل قوله ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ( 154 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : قل ، يا محمد ، للذين وصفت لك صفتهم من المنافقين : لو كنتم في بيوتكم لم تشهدوا مع المؤمنين مشهدهم ، ولم تحضروا معهم حرب أعدائهم من المشركين ، فيظهر للمؤمنين ما كنتم تخفونه من نفاقكم ، وتكتمونه من شككم في دينكم" لبرز الذين كتب عليهم القتل " ، يقول : لظهر للموضع الذي كتب عليه مصرعه فيه ، من قد كتب عليه القتل منهم ، ولخرج من بيته إليه حتى يصرع في الموضع الذي كتب عليه أن يصرع فيه . .

وأما قوله : " وليبتلي الله ما في صدوركم " ، فإنه يعني به : وليبتلي الله ما في صدوركم ، أيها المنافقون ، كنتم تبرزون من بيوتكم إلى مضاجعكم .

[ ص: 325 ]

ويعني بقوله : " وليبتلي الله ما في صدوركم " ، وليختبر الله الذي في صدوركم من الشك ، فيميزكم بما يظهره للمؤمنين من نفاقكم من المؤمنين .

وقد دللنا فيما مضى على أن معاني نظائر قوله : " ليبتلي الله " و"وليعلم الله" وما أشبه ذلك ، وإن كان في ظاهر الكلام مضافا إلى الله الوصف به ، فمراد به أولياؤه وأهل طاعته وأن معنى ذلك : وليختبر أولياء الله ، وأهل طاعته الذي في صدوركم من الشك والمرض ، فيعرفوكم ، [ فيميزوكم ] من أهل الإخلاص واليقين" وليمحص ما في قلوبكم " ، يقول وليتبينوا ما في قلوبكم من الاعتقاد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من العداوة أو الولاية .

" والله عليم بذات الصدور " ، يقول : والله ذو علم بالذي في صدور خلقه من خير وشر ، وإيمان وكفر ، لا يخفى عليه شيء من أمورهم ، سرائرها علانيتها ، وهو لجميع ذلك حافظ ، حتى يجازي جميعهم جزاءهم على قدر استحقاقهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن إسحاق يقول :

8096 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ذكر الله تلاومهم - يعني : تلاوم المنافقين - وحسرتهم على ما أصابهم ، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل : " لو كنتم في بيوتكم " ، لم تحضروا هذا الموضع الذي أظهر الله جل ثناؤه فيه منكم ما أظهر من سرائركم ، لأخرج الذي كتب عليهم القتل إلى موطن غيره يصرعون فيه ، حتى يبتلي به ما في صدوركم" وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور " ، أي لا يخفى عليه ما في صدورهم ، [ ص: 326 ] مما استخفوا به منكم .

8097 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا الحارث بن مسلم ، عن بحر السقاء ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن قال : سئل عن قوله : " قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " ، قال : كتب الله على المؤمنين أن يقاتلوا في سبيله ، وليس كل من يقاتل يقتل ، ولكن يقتل من كتب الله عليه القتل .
القول في تأويل قوله ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ( 155 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين ولوا عن المشركين ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وانهزموا عنهم .

وقوله : "تولوا" ، "تفعلوا" ، من قولهم : "ولى فلان ظهره" .

[ ص: 327 ]

وقوله : " يوم التقى الجمعان " ، يعني : يوم التقى جمع المشركين والمسلمين بأحد "إنما استزلهم الشيطان" ، أي : إنما دعاهم إلى الزلة الشيطان .

وقوله"استزل""استفعل" من"الزلة" . و"الزلة" ، هي الخطيئة .

"ببعض ما كسبوا" ، يعني ببعض ما عملوا من الذنوب . "ولقد عفا الله عنهم" ، يقول : ولقد تجاوز الله عن عقوبة ذنوبهم فصفح لهم عنه" إن الله غفور " ، يعني به : مغط على ذنوب من آمن به واتبع رسوله ، بعفوه عن عقوبته إياهم عليها"حليم" ، يعني أنه ذو أناة لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة .

ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين عنوا بهذه الآية .

فقال بعضهم : عني بها كل من ولى الدبر عن المشركين بأحد .

ذكر من قال ذلك :

8098 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم بن كليب ، عن أبيه قال : خطب عمر يوم الجمعة فقرأ"آل عمران" ، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها ، فلما انتهى إلى قوله : "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" ، قال : لما كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى ، والناس يقولون : "قتل محمد "! فقلت : لا أجد أحدا يقول : "قتل محمد " ، إلا قتلته! . حتى اجتمعنا على الجبل ، فنزلت : [ ص: 328 ] إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية كلها .

8099 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية ، وذلك يوم أحد ، ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تولوا عن القتال وعن نبي الله يومئذ ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه ، فأنزل الله عز وجل ما تسمعون : أنه قد تجاوز لهم عن ذلك وعفا عنهم .

8100 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية ، فذكر نحو قول قتادة .

وقال آخرون : بل عني بذلك خاص ممن ولى الدبر يومئذ ، قالوا : وإنما عنى به الذين لحقوا بالمدينة منهم دون غيرهم .

ذكر من قال ذلك :

8101 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما انهزموا يومئذ تفرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 329 ] أصحابه ، فدخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها ، فذكر الله عز وجل الذين انهزموا فدخلوا المدينة فقال : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية .

وقال آخرون : بل نزل ذلك في رجال بأعيانهم معروفين .

ذكر من قال ذلك :

8102 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عكرمة قوله : "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" ، قال : نزلت في رافع بن المعلى وغيره من الأنصار ، وأبي حذيفة بن عتبة ورجل آخر قال ابن جريج : وقوله : " إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم " ، إذ لم يعاقبهم .

8103 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : فر عثمان بن عفان ، وعقبة بن عثمان ، وسعد بن عثمان - رجلان من الأنصار - حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص - فأقاموا به ثلاثا ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : لقد ذهبتم فيها عريضة !!

8104 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا " الآية ، [ ص: 330 ] والذين استزلهم الشيطان : عثمان بن عفان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان ، الأنصاريان ، ثم الزرقيان .

وأما قوله : "ولقد عفا الله عنهم" ، فإن معناه : ولقد تجاوز الله عن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ، أن يعاقبهم بتوليهم عن عدوهم . كما : -

8105 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قوله : " ولقد عفا الله عنهم " ، يقول : "ولقد عفا الله عنهم" ، إذ لم يعاقبهم .

8106 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله في توليهم يوم أحد : " ولقد عفا الله عنهم " ، فلا أدري أذلك العفو عن تلك العصابة ، أم عفو عن المسلمين كلهم؟ .

وقد بينا تأويل قوله : "إن الله غفور حليم" ، فيما مضى .
القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاء به محمد من عند الله ، لا تكونوا كمن كفر بالله وبرسوله ، فجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال لإخوانه من أهل الكفر" إذا ضربوا في الأرض " [ ص: 331 ] فخرجوا من بلادهم سفرا في تجارة"أو كانوا غزى" ، يقول : أو كان خروجهم من بلادهم غزاة فهلكوا فماتوا في سفرهم ، أو قتلوا في غزوهم" لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا " ، يخبر بذلك عن قول هؤلاء الكفار أنهم يقولون لمن غزا منهم فقتل ، أو مات في سفر خرج فيه في طاعة الله ، أو تجارة : لو لم يكونوا خرجوا من عندنا ، وكانوا أقاموا في بلادهم ما ماتوا وما قتلوا" ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم " ، يعني : أنهم يقولون ذلك ، كي يجعل الله قولهم ذلك حزنا في قلوبهم وغما ، ويجهلون أن ذلك إلى الله جل ثناؤه وبيده .

وقد قيل : إن الذين نهى الله المؤمنين بهذه الآية أن يتشبهوا بهم فيما نهاهم عنه من سوء اليقين بالله ، هم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه .

ذكر من قال ذلك :

8107 - حدثني محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ياأيها الذين آمنو لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية ، قال : هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي .

8108 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى " ، قول المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول .

8109 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون في ذلك : هم جميع المنافقين .

ذكر من قال ذلك :

8110 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " [ ص: 332 ] يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية ، أي : لا تكونوا كالمنافقين الذين ينهون إخوانهم عن الجهاد في سبيل الله والضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله ، ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا : لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا .

وأما قوله : "إذا ضربوا في الأرض" ، فإنه اختلف في تأويله . فقال بعضهم : هو السفر في التجارة ، والسير في الأرض لطلب المعيشة .

ذكر من قال ذلك :

8111 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إذا ضربوا في الأرض " ، وهي التجارة .

وقال آخرون : بل هو السير في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

8112 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذا ضربوا في الأرض " ، الضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله .

وأصل"الضرب في الأرض" ، الإبعاد فيها سيرا .

وأما قوله : "أو كانوا غزى" ، فإنه يعني : أو كانوا غزاة في سبيل الله .

و"الغزى" جمع"غاز" ، جمع على"فعل" كما يجمع"شاهد""شهد" ، و"قائل""قول" ، . وقد ينشد بيت رؤبة :

[ ص: 333 ]
فاليوم قد نهنهني تنهنهي وأول حلم ليس بالمسفه وقول : إلا ده فلا ده
وينشد أيضا :


وقولهم : إلا ده فلا ده


وإنما قيل : " لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى " ، فأصحب ماضي الفعل ، الحرف الذي لا يصحب مع الماضي منه إلا المستقبل ، فقيل : " وقالوا لإخوانهم " ، ثم قيل : " إذا ضربوا" ، وإنما يقال في الكلام : "أكرمتك إذ زرتني" ، ولا يقال : "أكرمتك إذا زرتني" . لأن"القول" الذي في قوله : "وقالوا لإخوانهم" ، وإن كان في لفظ الماضي فإنه بمعنى [ ص: 334 ] المستقبل . وذلك أن العرب تذهب ب"الذين" مذهب الجزاء ، وتعاملها في ذلك معاملة"من" و"ما" ، لتقارب معاني ذلك في كثير من الأشياء ، وإن جميعهن أشياء مجهولات غير موقتات توقيت"عمرو" و"زيد" . .

فلما كان ذلك كذلك وكان صحيحا في الكلام فصيحا أن يقال للرجل : "أكرم من أكرمك""وأكرم كل رجل أكرمك" ، فيكون الكلام خارجا بلفظ الماضي مع"من" ، و"كل" ، مجهولين ومعناه الاستقبال ، إذ كان الموصوف بالفعل غير مؤقت ، وكان"الذين" في قوله : "لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض" ، غير موقتين ، أجريت مجرى"من" و"ما" في ترجمتها التي تذهب مذهب الجزاء ، وإخراج صلاتها بألفاظ الماضي من الأفعال وهي بمعنى الاستقبال ، كما قال الشاعر في"ما" :


وإني لآتيكم تشكر ما مضى من الأمر واستيجاب ما كان في غد


فقال : "ما كان في غد" ، وهو يريد : ما يكون في غد . ولو كان أراد الماضي لقال : "ما كان في أمس" ، ولم يجز له أن يقول : "ما كان في غد" .

ولو كان"الذي" موقتا ، لم يجز أن يقال ذلك . خطأ أن يقال : "لتكرمن [ ص: 335 ] هذا الذي أكرمك إذا زرته" ، لأن"الذي" هاهنا موقت ، فقد خرج من معنى الجزاء ، ولو لم يكن في الكلام"هذا" ، لكان جائزا فصيحا ، لأن"الذي" يصير حينئذ مجهولا غير موقت . ومن ذلك قول الله عز وجل : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) [ سورة الحج : 25 ] فرد"يصدون" على"كفروا" ، لأن"الذين" غير موقتة . فقوله : "كفروا" ، وإن كان في لفظ ماض ، فمعناه الاستقبال ، وكذلك قوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ) [ سورة مريم : 60 ] وقوله : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) [ سورة المائدة : 34 ] ، معناه : إلا الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم وإلا من يتوب ويؤمن . ونظائر ذلك في القرآن والكلام كثير ، والعلة في كل ذلك واحدة . .

وأما قوله : "ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم" ، فإنه يعني بذلك : حزنا في قلوبهم ، كما : -

8113 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "في قلوبهم" ، قال : يحزنهم قولهم ، لا ينفعهم شيئا .

8114 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

8115 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم " ، لقلة اليقين بربهم جل ثناؤه .

[ ص: 336 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير ( 156 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( والله يحيي ويميت ) والله المعجل الموت لمن يشاء من حيث يشاء ، والمميت من يشاء كلما شاء ، دون غيره من سائر خلقه .

وهذا من الله عز وجل ترغيب لعباده المؤمنين على جهاد عدوه والصبر على قتالهم ، وإخراج هيبتهم من صدورهم ، وإن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم وأعداء الله وإعلام منه لهم أن الإماتة والإحياء بيده ، وأنه لن يموت أحد ولا يقتل إلا بعد فناء أجله الذي كتب له ونهي منه لهم إذ كان كذلك ، أن يجزعوا لموت من مات منهم أو قتل من قتل منهم في حرب المشركين .

ثم قال جل ثناؤه : " والله بما تعملون بصير " ، يقول : إن الله يرى ما تعملون من خير وشر ، فاتقوه أيها المؤمنون ، إنه محص ذلك كله ، حتى يجازي كل عامل بعمله على قدر استحقاقه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال ابن إسحاق .

8116 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " والله يحيي ويميت " ، أي : يعجل ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء من آجالهم بقدرته .







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #440  
قديم 03-05-2023, 05:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (440)
صــ 337إلى صــ 351





[ ص: 337 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ( 157 ) )

قال أبو جعفر : يخاطب جل ثناؤه عباده المؤمنين ، يقول لهم : لا تكونوا ، أيها المؤمنون ، في شك من أن الأمور كلها بيد الله ، وأن إليه الإحياء والإماتة ، كما شك المنافقون في ذلك ، ولكن جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الله ، على يقين منكم بأنه لا يقتل في حرب ولا يموت في سفر إلا من بلغ أجله وحانت وفاته . ثم وعدهم على جهادهم في سبيله المغفرة والرحمة ، وأخبرهم أن موتا في سبيل الله وقتلا في الله ، خير لهم مما يجمعون في الدنيا من حطامها ورغيد عيشها الذي من أجله يتثاقلون عن الجهاد في سبيل الله ، ويتأخرون عن لقاء العدو ، كما : -

8117 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ، أي : إن الموت كائن لا بد منه ، فموت في سبيل الله أو قتل ، خير لو علموا فأيقنوا مما يجمعون في الدنيا التي لها يتأخرون عن الجهاد ، تخوفا من الموت والقتل لما جمعوا من زهرة الدنيا ، وزهادة في الآخرة . .

قال أبو جعفر : وإنما قال الله عز وجل : " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ، وابتدأ الكلام : "ولئن متم أو قتلتم" بحذف جواب"لئن" ، لأن في قوله : [ ص: 338 ] " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " معنى جواب للجزاء ، وذلك أنه وعد خرج مخرج الخبر .

فتأويل الكلام : ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم ، ليغفرن الله لكم وليرحمنكم فدل على ذلك بقوله : " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ، وجمع مع الدلالة به عليه ، الخبر عن فضل ذلك على ما يؤثرونه من الدنيا وما يجمعون فيها .

وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة ، أنه إن قيل : كيف يكون : " لمغفرة من الله ورحمة " جوابا لقوله : " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم "؟ فإن الوجه فيه أن يقال فيه كأنه قال : ولئن متم أو قتلتم فذلك لكم رحمة من الله ومغفرة ، إذ كان ذلك في سبيلي ، فقال : "لمغفرة من الله ورحمة ، " يقول : لذلك خير مما تجمعون ، يعني : لتلك المغفرة والرحمة خير مما تجمعون .

ودخلت اللام في قوله : "لمغفرة من الله" ، لدخولها في قوله : و"لئن" ، كما قيل : ( ولئن نصروهم ليولن الأدبار ) [ سورة الحشر : 12 ]
[ ص: 339 ] القول في تأويل قوله ( ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ( 158 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولئن متم أو قتلتم ، أيها المؤمنون ، فإن إلى الله مرجعكم ومحشركم ، فيجازيكم بأعمالكم ، فآثروا ما يقربكم من الله ويوجب لكم رضاه ، ويقربكم من الجنة ، من الجهاد في سبيل الله والعمل بطاعته ، على الركون إلى الدنيا وما تجمعون فيها من حطامها الذي هو غير باق لكم ، بل هو زائل عنكم ، وعلى ترك طاعة الله والجهاد ، فإن ذلك يبعدكم عن ربكم ، ويوجب لكم سخطه ، ويقربكم من النار .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق :

8118 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولئن متم أو قتلتم " ، أي ذلك كان" لإلى الله تحشرون " ، أي : أن إلى الله المرجع ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا تغتروا بها ، وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه منه ، آثر عندكم منها .

وأدخلت"اللام" في قوله : "لإلى الله تحشرون" ، لدخولها في قوله : "ولئن" . ولو كانت"اللام" مؤخرة إلى قوله : "تحشرون" ، لأحدثت"النون" الثقيلة فيه ، كما تقول في الكلام : "لئن أحسنت إلي لأحسنن إليك" بنون مثقلة . فكان كذلك قوله : ولئن متم أو قتلتم لتحشرن إلى الله ، ولكن لما حيل بين"اللام" وبين"تحشرون" بالصفة ، أدخلت في الصفة ، وسلمت"تحشرون" ، [ ص: 340 ] فلم تدخلها"النون" الثقيلة ، كما تقول في الكلام : "لئن أحسنت إلي لإليك أحسن" ، بغير"نون" مثقلة .
القول في تأويل قوله ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "فبما رحمة من الله" ، فبرحمة من الله ، و"ما" صلة . وقد بينت وجه دخولها في الكلام في قوله : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) [ سورة البقرة : 26 ] . والعرب تجعل"ما" صلة في المعرفة والنكرة ، كما قال : ( فبما نقضهم ميثاقهم ) [ سورة النساء : 155\ سورة المائدة : 13 ] ، والمعنى : فبنقضهم ميثاقهم . وهذا في المعرفة . وقال في النكرة : ( عما قليل ليصبحن نادمين ) [ سورة المؤمنون : 40 ] ، والمعنى : عن قليل . وربما جعلت اسما وهي في مذهب صلة ، فيرفع ما بعدها أحيانا على وجه الصلة ، ويخفض على إتباع الصلة ما قبلها ، كما قال الشاعر :


فكفى بنا فضلا على من غيرنا حب النبي محمد إيانا


إذا جعلت غير صلة رفعت بإضمار"هو" ، وإن خفضت أتبعت"من" ، فأعربته . فذلك حكمه على ما وصفنا مع النكرات . [ ص: 341 ]

فأما إذا كانت الصلة معرفة ، كان الفصيح من الكلام الإتباع ، كما قيل : "فبما نقضهم ميثاقهم" ، والرفع جائز في العربية .

وبنحو ما قلنا في قوله : "فبما رحمة من الله لنت لهم" ، قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8119 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " فبما رحمة من الله لنت لهم " ، يقول : فبرحمة من الله لنت لهم .

وأما قوله : "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" ، فإنه يعني ب"الفظ" الجافي ، وب"الغليظ القلب" ، القاسي القلب ، غير ذي رحمة ولا رأفة . وكذلك كانت صفته صلى الله عليه وسلم ، كما وصفه الله به : ( بالمؤمنين رءوف رحيم ) [ سورة التوبة : 128 ] .

فتأويل الكلام : فبرحمة الله ، يا محمد ، ورأفته بك وبمن آمن بك من أصحابك"لنت لهم" ، لتباعك وأصحابك ، فسهلت لهم خلائقك ، وحسنت لهم أخلاقك ، حتى احتملت أذى من نالك منهم أذاه ، وعفوت عن ذي الجرم منهم جرمه ، وأغضيت عن كثير ممن لو جفوت به وأغلظت عليه لتركك ففارقك ولم يتبعك ولا ما بعثت به من الرحمة ، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم ، فبرحمة من الله لنت لهم . كما : -

8120 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " ، أي والله ، لطهره الله من الفظاظة والغلظة ، وجعله قريبا رحيما بالمؤمنين رءوفا وذكر لنا أن نعت محمد صلى [ ص: 342 ] الله عليه وسلم في التوراة : " ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح" .

8121 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، بنحوه .

8122 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " ، قال : ذكر لينه لهم وصبره عليهم لضعفهم ، وقلة صبرهم على الغلظة لو كانت منه في كل ما خالفوا فيه مما افترض عليهم من طاعة نبيهم .

وأما قوله : "لانفضوا من حولك" ، فإنه يعني : لتفرقوا عنك . كما : -

8123 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : قوله : " لانفضوا من حولك " ، قال : انصرفوا عنك .

8124 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " لانفضوا من حولك " ، أي : لتركوك .
[ ص: 343 ] القول في تأويل قوله ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ( 159 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فاعف عنهم " ، فتجاوز ، يا محمد ، عن تباعك وأصحابك من المؤمنين بك وبما جئت به من عندي ، ما نالك من أذاهم ومكروه في نفسك" واستغفر لهم ، وادع ربك لهم بالمغفرة لما أتوا من جرم ، واستحقوا عليه عقوبة منه . كما : -

8125 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "فاعف عنهم" ، أي : فتجاوز عنهم"واستغفر لهم" ، ذنوب من قارف من أهل الإيمان منهم .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله أمر تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم ، وما المعنى الذي أمره أن يشاورهم فيه؟

فقال بعضهم : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : " وشاورهم في الأمر " ، بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب وعند لقاء العدو ، تطييبا منه بذلك أنفسهم ، وتألفا لهم على دينهم ، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم ، وإن كان الله عز وجل قد أغناه بتدبيره له أموره ، وسياسته إياه وتقويمه أسبابه عنهم .

ذكر من قال ذلك :

8126 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " ، [ ص: 344 ] أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء ، لأنه أطيب لأنفس القوم وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضا وأرادوا بذلك وجه الله ، عزم لهم على أرشده .

8127 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " وشاورهم في الأمر " ، قال : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء ، لأنه أطيب لأنفسهم .

8128 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وشاورهم في الأمر " ، أي : لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم ، وإن كنت عنهم غنيا ، تؤلفهم بذلك على دينهم .

وقال آخرون : بل أمره بذلك في ذلك . ليبين له الرأي وأصوب الأمور في التدبير ، لما علم في المشورة تعالى ذكره من الفضل .

ذكر من قال ذلك :

8129 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم قوله : " وشاورهم في الأمر " ، قال : ما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشورة ، إلا لما علم فيها من الفضل .

8130 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن إياس بن دغفل ، عن الحسن : ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم .

وقال آخرون : إنما أمره الله بمشاورة أصحابه فيما أمره بمشاورتهم فيه ، مع [ ص: 345 ] إغنائه بتقويمه إياه وتدبيره أسبابه عن آرائهم ، ليتبعه المؤمنون من بعده فيما حزبهم من أمر دينهم ، ويستنوا بسنته في ذلك ، ويحتذوا المثال الذي رأوه يفعله في حياته من مشاورته في أموره مع المنزلة التي هو بها من الله أصحابه وتباعه في الأمر ينزل بهم من أمر دينهم ودنياهم ، فيتشاوروا بينهم ثم يصدروا عما اجتمع عليه ملأهم . لأن المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متبعين الحق في ذلك ، لم يخلهم الله عز وجل من لطفه وتوفيقه للصواب من الرأي والقول فيه . قالوا : وذلك نظير قوله عز وجل الذي مدح به أهل الإيمان : ( وأمرهم شورى بينهم ) [ سورة الشورى : 38 ] .

ذكر من قال ذلك :

8131 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال : قال سفيان بن عيينة في قوله : " وشاورهم في الأمر " ، قال : هي للمؤمنين ، أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه ، تألفا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان وتعريفا منه أمته مأتى الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها ، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم ، فيتشاوروا فيما بينهم ، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله . فأما النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الله كان يعرفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صواب ذلك . وأما أمته ، فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك ، على تصادق وتآخ للحق ، وإرادة [ ص: 346 ] جميعهم للصواب ، من غير ميل إلى هوى ، ولا حيد عن هدى ، فالله مسددهم وموفقهم .

وأما قوله : "فإذا عزمت فتوكل على الله" ، فإنه يعني : فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك ، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك ، فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به ، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك ، أو خالفها"وتوكل" ، فيما تأتي من أمورك وتدع ، وتحاول أو تزاول ، على ربك ، فثق به في كل ذلك ، وارض بقضائه في جميعه ، دون آراء سائر خلقه ومعونتهم" فإن الله يحب المتوكلين " ، وهم الراضون بقضائه ، والمستسلمون لحكمه فيهم ، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه . كما : -

8132 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ""فإذا عزمت" ، أي : على أمر جاءك مني ، أو أمر من دينك في جهاد عدوك لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك ، فامض على ما أمرت به ، على خلاف من خالفك وموافقة من وافقك و"توكل على الله" ، أي : ارض به من العباد"إن الله يحب المتوكلين " .

8133 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فإذا عزمت فتوكل على الله " ، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ، ويستقيم على أمر الله ، ويتوكل على الله .

8134 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " فإذا عزمت فتوكل على الله " ، الآية ، أمره الله إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل عليه .
[ ص: 347 ] القول في تأويل قوله ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 160 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : "إن ينصركم الله" ، أيها المؤمنون بالله ورسوله ، على من ناوأكم وعاداكم من أعدائه والكافرين به" فلا غالب لكم " من الناس ، يقول : فلن يغلبكم مع نصره إياكم أحد ، ولو اجتمع عليكم من بين أقطارها من خلقه ، فلا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم وكثرة عددهم ، ما كنتم على أمره واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله ، فإن الغلبة لكم والظفر ، دونهم" وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده " ، يعني : إن يخذلكم ربكم بخلافكم أمره وترككم طاعته وطاعة رسوله ، فيكلكم إلى أنفسكم"فمن ذا الذي ينصركم من بعده" ، يقول : فأيسوا من نصرة الناس ، فإنكم لا تجدون [ ناصرا ] من بعد خذلان الله إياكم إن خذلكم ، يقول : فلا تتركوا أمري وطاعتي وطاعة رسولي فتهلكوا بخذلاني إياكم" وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ، يعني : ولكن على ربكم ، أيها المؤمنون ، فتوكلوا دون سائر خلقه ، وبه فارضوا من جميع من دونه ، ولقضائه فاستسلموا ، وجاهدوا فيه أعداءه ، يكفكم بعونه ، ويمددكم بنصره . كما : -

8135 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : [ ص: 348 ] إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ، أي : إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس لن يضرك خذلان من خذلك ، وإن يخذلك فلن ينصرك الناس"فمن الذي ينصركم من بعده" ، أي : لا تترك أمري للناس ، وارفض [ أمر ] الناس لأمري ، وعلى الله ، [ لا على الناس ] ، فليتوكل المؤمنون .
القول في تأويل قوله ( وما كان لنبي أن يغل )

اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته جماعة من قرأة الحجاز والعراق : ( وما كان لنبي أن يغل ) ، بمعنى : أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم من أموال أعدائهم . واحتج بعض قارئي هذه القراءة : أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطيفة فقدت من مغانم القوم يوم بدر ، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم : "لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها!" ، ورووا في ذلك روايات ، فمنها ما : -

8136 - حدثنا به محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا خصيف قال : حدثنا مقسم قال : حدثني ابن عباس : أن هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " ، نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر ، قال : فقال بعض الناس : أخذها! قال : فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله عز وجل : "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" .

8137 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد قال : حدثنا [ ص: 349 ] خصيف قال : سألت سعيد بن جبير : كيف تقرأ هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " أو : "يغل"؟ قال : لا بل"يغل" ، فقد كان النبي والله يغل ويقتل .

8138 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس : " وما كان لنبي أن يغل " ، قال : كان ذلك في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر ، فقال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : "فلعل النبي أخذها"! فأنزل الله عز وجل : " وما كان لنبي أن يغل " [ قال سعيد : بلى والله ، إن النبي ليغل ويقتل ] .

8139 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خلاد ، عن زهير ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت قطيفة فقدت يوم بدر ، فقالوا : "أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم!" . فأنزل الله عز وجل : " وما كان لنبي أن يغل " . [ ص: 350 ]

8140 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مالك بن إسماعيل قال : حدثنا زهير قال : حدثنا خصيف ، عن سعيد بن جبير وعكرمة في قوله : "وما كان لنبي أن يغل" ، قالا يغل قال قال عكرمة أو غيره ، عن ابن عباس ، قال كانت قطيفة فقدت يوم بدر ، فقالوا : أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم"! قال : فأنزل الله هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " .

8141 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا قزعة بن سويد الباهلي ، عن حميد الأعرج ، عن سعيد بن جبير قال : نزلت هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " ، في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة .

8142 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن سليمان الأعمش قال : كان ابن مسعود يقرأ : ( وما كان لنبي أن يغل ) ، فقال ابن عباس : بلى ، ويقتل قال : فذكر ابن عباس أنه إنما كانت في قطيفة قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلها ، يوم بدر . فأنزل الله : " وما كان لنبي أن يغل " .

وقال آخرون ممن قرأ ذلك كذلك ، بفتح"الياء" وضم"الغين" : إنما نزلت هذه الآية في طلائع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجههم في وجه ، ثم غنم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم ، يعلمه فيها أن فعله الذي فعله خطأ ، وأن الواجب عليه في الحكم أن يقسم للطلائع مثل ما قسم لغيرهم ، ويعرفه الواجب عليه من الحكم فيما [ ص: 351 ] أفاء الله عليه من الغنائم ، وأنه ليس له أن يخص بشيء منها أحدا ممن شهد الوقعة - أو ممن كان ردءا لهم في غزوهم - دون أحد .

ذكر من قال ذلك :

8143 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " ، يقول : ما كان للنبي أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسم ، ولكن يقسم بالعدل ، ويأخذ فيه بأمر الله ، ويحكم فيه بما أنزل الله . يقول : ما كان الله ليجعل نبيا يغل من أصحابه ، فإذا فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استنوا به .

8144 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : أنه كان يقرأ : " ما كان لنبي أن يغل " ، قال : أن يعطي بعضا ، ويترك بعضا ، إذا أصاب مغنما .

8145 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع ، فغنم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عز وجل : " وما كان لنبي أن يغل " .

8146 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك : "ما كان لنبي أن يغل " ، يقول : ما كان لنبي أن يقسم لطائفة من أصحابه ويترك طائفة ، ولكن يعدل ويأخذ في ذلك بأمر الله عز وجل ، ويحكم فيه بما أنزل الله .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 23 ( الأعضاء 0 والزوار 23)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 420.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 415.09 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]