تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 44 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         نباتات منزلية تمتص رطوبة الصيف من البيت.. الصبار أبرزها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          طريقة عمل برجر الفول الصويا.. وجبة سريعة وصحية للنباتيين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          4 وسائل علمية لتكون أكثر لطفًا فى حياتك اليومية.. ابدأ بتحسين طاقتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصفة طبيعية بالقهوة والزبادى لبشرة صافية ومشرقة قبل المناسبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          3 عادات يومية تزيد من تساقط الشعر مع ارتفاع درجات الحرارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          6 خطوات فى روتين الإنقاذ السريع للبشرة قبل الخروج من المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تريندات ألوان الطلاء فى صيف 2025.. الأحمر مع الأصفر موضة ساخنة جدًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          طريقة عمل كرات اللحم بالبطاطس والمشروم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          وصفات طبيعية لتقشير اليدين بانتظام.. من السكر لزيت جوز الهند (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أبرز 5 تريندات ديكور منزلى في صيف 2025.. لو بتفكر تجدد بيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #431  
قديم 06-02-2023, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ
الحلقة (431)
صــ 261 إلى صــ 270






[ ص: 261 ] قوله تعالى: وليحملن أثقالهم أي: أوزار أنفسهم وأثقالا مع أثقالهم أي: أوزارا مع أوزارهم، وهي أوزار الذين أضلوهم، وهذا كقوله: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [النحل: 25] وليسألن يوم القيامة سؤال توبيخ وتقريع عما كانوا يفترون من الكذب على الله عز وجل; وقال مقاتل: عن قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله عز وجل .
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون . فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين .

قوله تعالى: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه في هذه القصة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أعلم أن الأنبياء قد ابتلوا قبله، وفيها وعيد شديد لمن أقام على الشرك، فإنهم وإن أمهلوا، فقد أمهل قوم نوح أكثر ثم أخذوا .

قوله تعالى: فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما اختلفوا في عمر نوح على خمسة أقوال .

أحدها: بعث بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس .

والثاني: أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وعاش بعد ذلك سبعين عاما، فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار .

[ ص: 262 ] والثالث : أنه بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة، قاله عون بن أبي شداد .

والرابع : أنه لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة، [ودعاهم ثلاثمائة سنة] ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، قاله قتادة . وقال وهب بن منبه: بعث لخمسين سنة .

والخامس: أن هذه الآية بينت مقدار عمره كله حكاه الماوردي .

فإن قيل: ما فائدة قوله: إلا خمسين عاما ، فهلا قال: تسعمائة وخمسين؟

فالجواب: أن المراد به تكثير العدد، وذكر الألف أفخم في اللفظ، وأعظم للعدد .

قال الزجاج: تأويل الاستثناء في كلام العرب: التوكيد، تقول: جاءني إخوتك إلا زيدا، فتؤكد أن الجماعة جاؤوا، وتنقص زيدا . واستثناء نصف الشيء قبيح جدا لا تتكلم به العرب، وإنما تتكلم بالاستثناء كما تتكلم بالنقصان، تقول: عندي درهم ينقص قيراطا، فلو قلت: ينقص نصفه، كان الأولى أن تقول: عندي نصف درهم، ولم يأت الاستثناء في كلام العرب إلا قليل من كثير .

قوله تعالى: فأخذهم الطوفان فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: الموت، روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: فأخذهم الطوفان قال: الموت .

[ ص: 263 ] والثاني: المطر، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة . قال ابن قتيبة : هو المطر الشديد .

والثالث : الغرق، قاله الضحاك .

قال الزجاج: الطوفان من كل شيء: ما كان كثيرا مطيفا بالجماعة كلها، فالغرق الذي يشتمل على المدن الكثيرة: طوفان، وكذلك القتل الذريع، والموت الجارف: طوفان .

قوله تعالى: وهم ظالمون قال ابن عباس: كافرون .

قوله تعالى: وجعلناها يعني السفينة، قال قتادة: أبقاها الله آية للناس بأعلى الجودي . قال أبو سليمان الدمشقي: وجائز أن يكون أراد: الفعلة التي فعلها بهم من الغرق (آية)، أي: عبرة للعالمين [بعدهم] .
وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون . وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين

قوله تعالى: وإبراهيم قال الزجاج: هو معطوف على نوح، والمعنى: أرسلنا إبراهيم .

قوله تعالى: ذلكم يعني عبادة الله خير لكم من عبادة الأوثان، [ ص: 264 ] إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم مما هو شر لكم; والمعنى: ولكنكم لا تعلمون . إنما تعبدون من دون الله أوثانا قال الفراء: " إنما " في هذا الموضع حرف واحد، وليست على معنى " الذي " ، وقوله: وتخلقون إفكا مردود على " إنما " ، كقولك: إنما تفعلون كذا، وإنما تفعلون كذا . وقال مقاتل: الأوثان: الأصنام . قال ابن قتيبة : واحدها وثن، وهو ما كان من حجارة أو جص .

قوله تعالى: وتخلقون إفكا وقرأ ابن السميفع، وأبو المتوكل: " وتختلقون " بزيادة تاء . ثم فيه قولان . أحدهما: تختلقون كذبا في زعمكم أنها آلهة . والثاني: تصنعون الأصنام; والمعنى: تعبدون أصناما أنتم تصنعونها . ثم بين عجزهم بقوله: لا يملكون لكم رزقا أي: لا يقدرون على أن يرزقوكم فابتغوا عند الله الرزق أي: فاطلبوا من الله، فإنه القادر على ذلك .

قوله تعالى: وإن تكذبوا هذا تهديد لقريش فقد كذب أمم من قبلكم والمعنى: فأهلكوا .
أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير . قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون . وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم

أولم يروا [قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر: [ ص: 265 ] " يروا " ] بالياء وقرأ حمزة، والكسائي: بالتاء . [وعن عاصم كالقراءتين] . وعنى بالكلام كفار مكة كيف يبدئ الله الخلق أي :كيف يخلقهم ابتداء من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة إلى أن يتم الخلق ثم يعيده أي: ثم هو يعيده في الآخرة عند البعث . وقال أبو عبيدة: مجازه: أولم يروا كيف استأنف الله الخلق الأول ثم يعيده . وفيه لغتان: أبدأ وأعاد، وكان مبدئا ومعيدا، وبدأ وعاد، وكان بادئا وعائدا .

قوله تعالى: إن ذلك على الله يسير يعني الخلق الأول والخلق الثاني .

قوله تعالى: قل سيروا في الأرض أي: انظروا إلى المخلوقات التي في الأرض، وابحثوا عنها هل تجدون لها خالقا غير الله، فإذا علموا أنه لا خالق لهم سواه، لزمتهم الحجة في الإعادة، وهو قوله: ثم الله ينشئ النشأة الآخرة أي: ثم الله ينشئهم عند البعث نشأة أخرى . وأكثر القراء قرؤوا: " النشأة " بتسكين الشين وترك المد . وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو : " النشاءة " بالمد .

قوله تعالى: يعذب من يشاء فيه قولان .

أحدهما: أنه في الآخرة بعد إنشائهم .

والثاني: أنه في الدنيا . ثم فيه خمسة أقوال حكاها الماوردي . أحدها: يعذب من يشاء بالحرص، ويرحم من يشاء بالقناعة . والثاني: يعذب بسوء الخلق ويرحم بحسن الخلق والثالث : يعذب بمتابعة البدعة، ويرحم بملازمة السنة . والرابع: يعذب بالانقطاع إلى الدنيا، ويرحم بالإعراض عنها . والخامس: يعذب من يشاء ببغض الناس له، ويرحم من يشاء بحب الناس له .

قوله تعالى: وإليه تقلبون أي: تردون . وما أنتم بمعجزين في الأرض فيه قولان حكاهما الزجاج .

[ ص: 266 ] أحدهما: وما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا أهل السماء بمعجزين في السماء .

والثاني: وما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا لو كنتم في السماء وقال قطرب: هذا كقولك: ما يفوتني فلان لا هاهنا ولا بالبصرة، أي: ولا بالبصرة لو صار إليها . قال مقاتل: والخطاب لكفار مكة; والمعنى: لا تسبقون الله حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة، وما لكم من دون الله من ولي أي: قريب ينفعكم ولا نصير يمنعكم من الله .

قوله تعالى: والذين كفروا بآيات الله ولقائه أي: بالقرآن والبعث أولئك يئسوا من رحمتي في الرحمة قولان . أحدهما: الجنة، قاله مقاتل . والثاني: العفو والمغفرة، قاله أبو سليمان . قال ابن جرير: وذلك في الآخرة عند رؤية العذاب .
فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون . وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين

ثم عاد الكلام إلى قصة إبراهيم، وهو قوله: فما كان جواب قومه أي: حين دعاهم إلى الله ونهاهم عن الأصنام إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه وهذا بيان لسفه أحلامهم حين قابلوا احتجاجه عليهم بهذا .

قوله تعالى: فأنجاه الله المعنى: فحرقوه فأنجاه الله . من النار .

قوله تعالى: إن في ذلك يشير إلى إنجائه إبراهيم .

قوله تعالى: وقال يعني إبراهيم إنما اتخذتم من دون الله أوثانا [ ص: 267 ] مودة بينكم قرأ ابن كثير، وأبو عمرو : " مودة بينكم " بالرفع والإضافة . قال الزجاج: " مودة " مرفوعة بإضمار " هي " ، كأنه قال: تلك مودة بينكم، أي: ألفتكم واجتماعكم على الأصنام مودة بينكم; والمعنى: إنما اتخذتم هذه الأوثان لتتوادوا بها في الحياة الدنيا . ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي .

وقرأ ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعكرمة، وابن أبي عبلة : " مودة " بالرفع " بينكم " بالنصب .

وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " مودة بينكم " قال أبو علي: المعنى: اتخذتم الأصنام للمودة، و " بينكم " نصب على الظرف، والعامل فيه المودة .

وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: " مودة بينكم " بنصب " مودة " مع الإضافة، وهذا على الاتساع في جعل الظرف اسما لما أضيف إليه .

قال المفسرون: معنى الكلام: إنما اتخذتموها لتتصل المودة بينكم واللقاء والاجتماع عندها، وأنتم تعلمون أنها لا تضر ولا تنفع، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض أي: يتبرأ القادة من الأتباع ويلعن بعضكم بعضا يلعن الأتباع القادة لأنهم زينوا لهم الكفر .
فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم . ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين . أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه [ ص: 268 ] إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين

قوله تعالى: فآمن له لوط أي: صدق بإبراهيم وقال يعني إبراهيم إني مهاجر إلى ربي فيه قولان . أحدهما: إلى رضى ربي . والثاني: إلى حيث أمرني ربي، فهاجر من سواد العراق إلى الشام وهجر قومه المشركين . ووهبنا له إسحاق بعد إسماعيل ويعقوب من إسحاق وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وذلك أن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد إبراهيم إلا من صلبه وآتيناه أجره في الدنيا فيه أربعة أقوال .

أحدها: الذكر الحسن، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني: الثناء الحسن والولد الصالح، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: العافية والعمل الحسن والثناء، فلست تلقى أحدا من أهل الملل إلا يتولاه، قاله قتادة، والرابع : أنه أري مكانه من الجنة، قاله السدي .

قوله تعالى: وإنه في الآخرة لمن الصالحين قد سبق بيانه [البقرة: 130] . قال ابن جرير: له هناك جزاء الصالحين غير منقوص من الآخرة بما أعطي في الدنيا من الأجر . وما بعد هذا قد سبق بيانه [الأعراف: 80] إلى قوله: وتقطعون السبيل وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم كانوا يعترضون من مر بهم لعملهم الخبيث، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنهم كانوا إذا جلسوا في مجالسهم يرمون ابن السبيل بالحجارة، فيقطعون سبيل المسافر، قاله مقاتل .

والثالث : أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال، حكاه الماوردي .

[ ص: 269 ] قوله تعالى: وتأتون في ناديكم المنكر قال ابن قتيبة : النادي: المجلس، والمنكر يجمع الفواحش من القول والفعل .

وللمفسرين في المراد بهذا المنكر أربعة أقوال .

أحدها: أنهم كانوا يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، فذلك المنكر، روته أم هانئ بنت أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال عكرمة، والسدي: كانوا يحذفون كل من مر بهم .

والثاني: لف القميص على اليد، وجر الإزار، وحل الأزرار، والحذف والرمي بالبندق، ولعب الحمام، والصفير، في خصال أخر رواها ميمون بن مهران عن ابن عباس .

والثالث : أنه الضراط، رواه عروة عن عائشة، وكذلك فسره القاسم بن محمد .

والرابع : أنه إتيان الرجال في مجالسهم، قاله مجاهد ، وقتادة وابن زيد .

[ ص: 270 ] وهذه الآية [تدل] على أنه لا ينبغي للمجتمعين أن يتعاشروا إلا على ما يقرب من الله عز وجل، ولا ينبغي أن يجتمعوا على الهزء واللعب .

قوله تعالى: رب انصرني أي: بتصديق قولي في العذاب .
ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين . قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون

قوله تعالى إنا مهلكو أهل هذه القرية يعنون قرية لوط .

قوله تعالى: لننجينه قرأ نافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وعاصم: " لننجينه " و " إنا منجوك " بتشديد الحرفين، وخففهما حمزة، والكسائي . وروى أبو بكر عن عاصم: " لننجينه " مشددة، و " إنا منجوك " مخففة ساكنة النون . وقد سبق شرح ما أخللنا بذكره [هود: 77] إلى قوله: إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا وهو الحصب والخسف .

قوله تعالى: ولقد تركنا منها في المكني عنها قولان .

أحدهما: أنها الفعلة التي فعل بهم; فعلى هذا في الآية ثلاثة أقوال . أحدها: أنها الحجارة التي أدركت أوائل هذه الأمة، قاله قتادة . والثاني: الماء الأسود على وجه الأرض، قاله مجاهد . والثالث: الخبر عما صنع بهم .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #432  
قديم 06-02-2023, 10:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الرُّومِ
الحلقة (432)
صــ 271 إلى صــ 280






[ ص: 271 ] والثاني: أنها القرية; فعلى هذا في المراد بالآية ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها آثار منازلهم الخربة، قاله ابن عباس .

والثاني: أن الآية في قريتهم إلى الآن أن أساسها أعلاها وسقوفها أسفلها، حكاه أبو سليمان الدمشقي .

والثالث : أن المعنى: تركناها آية، تقول: إن في السماء لآية، تريد أنها هي الآية قاله الفراء .
وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين . فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين

قوله تعالى: وارجوا اليوم الآخر قال المفسرون: اخشوا البعث الذي فيه جزاء الأعمال .
وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين . وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

قوله تعالى: وعادا وثمود قال الزجاج: المعنى: وأهلكنا عادا وثمود، لأن قبل هذا فأخذتهم الرجفة .

قوله تعالى: وقد تبين لكم من مساكنهم أي: ظهر لكم يا أهل مكة [ ص: 272 ] من منازلهم بالحجاز واليمن آية في هلاكهم، وكانوا مستبصرين قال الفراء: أي: ذوي بصائر . وقال الزجاج: أتوا ما أتوه وقد تبين لهم أن عاقبته عذابهم . وقال غيره: كانوا عند أنفسهم مستبصرين، يظنون أنهم على حق .

قوله تعالى: وما كانوا سابقين أي: ما كانوا يفوتون الله أن يفعل بهم ما يريد .

قوله تعالى: فكلا أخذنا بذنبه أي: عاقبنا بتكذيبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا يعني قوم لوط ومنهم من أخذته الصيحة يعني ثمود وقوم شعيب ومنهم من خسفنا به الأرض يعني قارون وأصحابه ومنهم من أغرقنا يعني قوم نوح وفرعون وما كان الله ليظلمهم فيعذبهم على غير ذنب ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالإقامة على المعاصي .
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون . إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون

قوله تعالى: مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء يعني الأصنام يتخذها المشركون أولياء يرجون نفعها ونصرها، فمثلهم في ضعف احتيالهم كمثل العنكبوت اتخذت بيتا قال ثعلب: والعنكبوت أنثى، وقد يذكرها بعض العرب، قال الشاعر:

[ ص: 273 ]
[على هطالهم منهم بيوت] كأن العنكبوت هو ابتناها

قوله تعالى: إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء أي: هو عالم بما عبدوه من دونه، لا يخفى عليه ذلك; والمعنى أنه يجازيهم على كفرهم . وتلك الأمثال يعني أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار; وقيل: إن " تلك " بمعنى " هذه " ، و العالمون : الذين يعقلون عن الله عز وجل .
خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين . اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

خلق الله السماوات والأرض بالحق أي: للحق، ولإظهار الحق .

قوله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر في المراد بالصلاة قولان .

أحدهما: أنها الصلاة المعروفة، قاله الأكثرون . وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعدا " .

[ ص: 274 ] والثاني: أن المراد بالصلاة: القرآن، قاله ابن عمر; ويدل على هذا قوله: ولا تجهر بصلاتك [الإسراء: 110] وقد شرحنا معنى الفحشاء والمنكر فيما سبق [البقرة : 168، النحل: 90] .

وفي معنى هذه الآية للعلماء ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الإنسان إذا أدى الصلاة كما ينبغي وتدبر ما يتلو فيها، نهته عن الفحشاء والمنكر، هذا مقتضاها وموجبها .

والثاني: أنها تنهاه ما دام فيها .

والثالث : أن المعنى: ينبغي أن تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر .

قوله تعالى: ولذكر الله أكبر فيه أربعة أقوال .

أحدها: ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، رواه ابن عمر عن [ ص: 275 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين .

والثاني: ولذكر الله أفضل من كل شيء سواه، وهذا مذهب أبي الدرداء، وسلمان، وقتادة .

والثالث : ولذكر الله في الصلاة أكبر مما نهاك عنه من الفحشاء والمنكر، قاله عبد الله بن عون .

والرابع : ولذكر الله العبد- ماكان في صلاته- أكبر من ذكر العبد لله، قاله ابن قتيبة .
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون

قوله تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن في التي هي أحسن ثلاثة أقوال . أحدها: أنها لا إله إلا الله، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني: أنها الكف عنهم إذا بذلوا الجزية، فإن أبوا قوتلوا، قاله مجاهد . والثالث: أنها القرآن والدعاء إلى الله بالآيات والحجج .

قوله تعالى: إلا الذين ظلموا منهم وهم الذين نصبوا الحرب وأبوا أن يؤدوا الجزية، فجادلوا هؤلاء بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وقولوا [ ص: 276 ] لمن أدى الجزية منهم إذا أخبركم بشيء مما في كتبهم آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم [الآية] وقد روى أبو هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم " [الآية] .

فصل

واختلف في نسخ هذه الآية على قولين . [ ص: 277 ] أحدهما: أنها نسخت بقوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إلى قوله: وهم صاغرون [التوبة: 29]، قاله قتادة، والكلبي .

والثاني: أنها ثابتة الحكم، وهو مذهب ابن زيد .
وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون . وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون

قوله تعالى: وكذلك أي: وكما أنزلنا الكتاب عليهم أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به يعني : مؤمني أهل الكتاب ومن هؤلاء يعني أهل مكة من يؤمن به وهم الذين أسلموا وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون قال قتادة: إنما يكون الجحد بعد المعرفة . قال مقاتل: وهم اليهود .

قوله تعالى: وما كنت تتلو من قبله من كتاب قال أبو عبيدة . مجازه: ما كنت تقرأ قبله كتابا، و " من " زائدة . فأما الهاء في " قبله " فهي عائدة إلى القرآن . والمعنى: ما كنت قارئا قبل الوحي ولا كاتبا، وهكذا كانت صفته في التوراة والإنجيل أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، وهذا يدل على أن الذي جاء به، من عند الله تعالى .

[ ص: 278 ] قوله تعالى: إذا لارتاب المبطلون أي: لو كنت قارئا كاتبا لشك اليهود فيك، ولقالوا: ليست هذه صفته في كتابنا . والمبطلون: الذين يأتون بالباطل، وفيهم ها هنا قولان . أحدهما: كفار قريش، قاله مجاهد . والثاني: كفار اليهود، قاله مقاتل .

قوله تعالى: بل هو آيات بينات في المكني عنه قولان .

أحدهما: أنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما: أن المعنى: بل وجدان أهل الكتاب في كتبهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ، وأنه أمي، آيات بينات في صدورهم، وهذا مذهب ابن عباس، والضحاك، وابن جريج . والثاني: أن المعنى: بل محمد ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب، لأنهم يجدونه بنعته وصفته، قاله قتادة .

والثاني: أنه القرآن والذين أوتوا العلم: المؤمنون الذين حملوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملوه بعده . وإنما أعطي الحفظ هذه الأمة، وكان من قبلهم لا يقرؤون كتابهم إلا نظرا، فإذا أطبقوه لم يحفظوا ما فيه سوى الأنبياء، وهذا قول الحسن .

وفي المراد بالظالمين هاهنا قولان . أحدهما: المشركون، قاله ابن عباس . والثاني: كفار اليهود، قاله مقاتل .
وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين . أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم [ ص: 279 ] يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون

قوله تعالى: وقالوا يعني كفار مكة لولا أنزل عليه آيات من ربه قرأ نافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وحفص عن عاصم: " آيات " على الجمع . وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: " آية " على التوحيد . وإنما أرادوا: كآيات الأنبياء قل إنما الآيات عند الله أي: هو القادر على إرسالها، وليست بيدي . وزعم بعض علماء التفسير أن قوله: وإنما أنا نذير مبين منسوخ بآية السيف .

ثم بين الله عز وجل أن القرآن يكفي من الآيات التي سألوها بقوله: أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب ؟! وذكر يحيى بن جعدة أن ناسا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتب قد كتبوها، فيها بعض ما يقول اليهود، فلما نظر إليها ألقاها وقال: " كفى بها حماقة قوم، أو ضلالة قوم، أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى قوم غيرهم " ، فنزلت: أولم يكفهم إلى آخر الآية .

قوله تعالى: قل كفى بالله قال المفسرون: لما كذبوا بالقرآن نزلت: [ ص: 280 ] قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يشهد لي أني رسوله، ويشهد عليكم بالتكذيب، وشهادة الله له: إثبات المعجزة له بإنزال الكتاب عليه، والذين آمنوا بالباطل قال ابن عباس: بغير الله . وقال مقاتل: بعبادة الشيطان .
ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون . يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون

قوله تعالى: ويستعجلونك بالعذاب قال مقاتل: نزلت في النضر بن الحارث حين قال: فأمطر علينا حجارة من السماء [الأنفال: 32] .

وفي [الأجل] المسمى أربعة أقوال . أحدها: أنه يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير . والثاني: أجل الحياة إلى حين الموت، وأجل الموت إلى حين البعث، قاله قتادة . والثالث: مدة أعمارهم، قاله الضحاك . والرابع: يوم بدر، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى: وليأتينهم يعني العذاب . وقرأ معاذ القارئ، وأبو نهيك، وابن أبي عبلة : " ولتأتينهم " بالتاء بغتة وهم لا يشعرون بإتيانه .

قوله تعالى: وإن جهنم لمحيطة بالكافرين أي: جامعة لهم .

قوله تعالى: ويقول ذوقوا قرأ ابن كثير: بالنون . وقرأ نافع: بالياء . فمن قرأ بالياء، أراد الملك الموكل بعذابهم; ومن قرأ بالنون فلأن ذلك لما كان بأمر الله تعالى جاز أن ينسب إليه . ومعنى ما كنتم تعملون أي: جزاء ما عملتم من الكفر والتكذيب .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #433  
قديم 06-02-2023, 10:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الرُّومِ
الحلقة (433)
صــ 281 إلى صــ 290





[ ص: 281 ] يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون . كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين . الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم

قوله تعالى: يا عبادي الذين آمنوا قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: " يا عبادي " بتحريك الياء . وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بإسكانها .

قوله تعالى: إن أرضي واسعة وقرأ ابن عامر وحده: " أرضي " بفتح الياء . وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه خطاب لمن [آمن] من أهل مكة، قيل لهم: " إن أرضي " يعني المدينة " واسعة " ، فلا تجاوروا الظلمة في أرض مكة، قاله أبو صالح عن ابن عباس; وكذلك قال مقاتل: نزلت في ضعفاء مسلمي مكة، [أي]: إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان، فأرض المدينة واسعة .

والثاني: أن المعنى: إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرجوا منها، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عطاء .

والثالث : إن رزقي لكم واسع، قاله مطرف بن عبد الله .

قوله تعالى: فإياي فاعبدون أثبت فيها الياء يعقوب في الحالين، وحذفها الباقون . قال الزجاج: أمرهم بالهجرة من الموضع الذي لا يمكنهم فيه عبادة الله إلى حيث تتهيأ لهم العبادة; ثم خوفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة، فقال: كل نفس ذائقة الموت المعنى: فلا تقيموا في دار الشرك خوفا من الموت ثم [ ص: 282 ] إلينا ترجعون بعد الموت فنجزيكم بأعمالكم، والأكثرون قرؤوا: " ترجعون " بالتاء على الخطاب; وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء .

قوله تعالى: لنبوئنهم [قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو ، وابن عامر: " لنبوئنهم " بالباء] أي: لننزلنهم . وقرأ حمزة، والكسائي، [وخلف]: " لنثوينهم " بالثاء، [وهو] من: ثويت بالمكان: إذا أقمت به قال الزجاج: [يقال]: ثوى الرجل: إذا أقام، وأثويته: إذا أنزلته منزلا يقيم فيه .

قوله تعالى: وكأين من دابة لا تحمل رزقها قال ابن عباس: لما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى المدينة، قالوا: يا رسول الله، نخرج إلى المدينة وليس لنا بها عقار ولا مال؟! فمن يؤوينا ويطعمنا؟ فنزلت هذه الآية . قال ابن قتيبة : ومعنى الآية: كم من دابة لا ترفع شيئا لغد، قال ابن عيينة: ليس يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة . [ ص: 283 ] قال المفسرون: وقوله: الله يرزقها أي: حيثما توجهت وإياكم أي: ويرزقكم إن هاجرتم إلى المدينة وهو السميع لقولكم: لا نجد ما ننفق بالمدينة العليم بما في قلوبكم .
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون . الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون

قوله تعالى: ولئن سألتهم يعني كفار مكة، وكانوا يقرون بأنه الخالق والرازق; وإنما أمره أن يقول: الحمد لله على إقرارهم، لأن ذلك يلزمهم الحجة فيوجب عليهم التوحيد بل أكثرهم لا يعقلون توحيد الله مع إقرارهم بأنه الخالق . والمراد بالأكثر: الجميع .
وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون . فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون .

قوله تعالى: وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب والمعنى: وما الحياة في هذه الدنيا إلا غرور ينقضي عن قليل وإن الدار الآخرة يعني الجنة لهي الحيوان قال أبو عبيدة: اللام في " لهي " زائدة للتوكيد، والحيوان والحياة واحد; والمعنى: لهي دار الحياة التي لا موت فيها، ولا تنغيص [ ص: 284 ] يشوبها كما يشوب الحياة الدنيا لو كانوا يعلمون أي: لو علموا لرغبوا عن الفاني في الباقي، ولكنهم لا يعلمون .

قوله تعالى: فإذا ركبوا في الفلك يعني المشركين دعوا الله مخلصين له الدين أي: أفردوه بالدعاء . قال مقاتل والدين بمعنى التوحيد; والمعنى أنهم لا يدعون من يدعونه شريكا له فلما نجاهم أي: خلصهم من أهوال البحر، وأفضوا إلى البر إذا هم يشركون في البر، وهذا إخبار عن عنادهم ليكفروا بما آتيناهم هذه لام الأمر، ومعناه التهديد والوعيد، كقوله: اعملوا ما شئتم [فصلت:40] والمعنى: ليجحدوا نعمة الله في إنجائه إياهم وليتمتعوا قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي بإسكان اللام على معنى الأمر; والمعنى: ليتمتعوا بباقي أعمارهم فسوف يعلمون عاقبة كفرهم . وقرأ الباقون بكسر اللام في " ليتمتعوا " ، فجعلوا اللامين بمعنى " كي " ، فتقديره: لكي يكفروا، ولكي يتمتعوا، فيكون معنى الكلام: إذا هم يشركون ليكفروا وليتمتعوا، أي: لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يتمتعون به في العاجلة من غير نصيب لهم في الآخرة .
أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون . ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين

قوله تعالى: أولم يروا يعني كفار مكة أنا جعلنا حرما آمنا يعني مكة; وقد شرحنا هذا المعنى في (القصص: 75) [ ص: 285 ] ويتخطف الناس من حولهم أي: أن العرب يسبي بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون أفبالباطل وفيه ثلاثة أقوال . أحدها: الشرك، قاله قتادة . والثاني: الأصنام، قاله ابن السائب . والثالث: الشيطان، قاله مقاتل .

قوله تعالى: يؤمنون وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وعاصم الجحدري: " تؤمنون وبنعمة الله تكفرون " بالتاء فيهما .

قوله تعالى: وبنعمة الله يعني: محمدا والإسلام; وقيل: بإنعام الله عليهم حين أطعمهم وآمنهم يكفرون ، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أي: زعم أن له شريكا وأنه أمر بالفواحش أو كذب بالحق لما جاءه يعني محمدا والقرآن أليس في جهنم مثوى للكافرين ؟! وهذا استفهام بمعنى التقرير، كقول جرير:


ألستم خير من ركب المطايا [وأندى العالمين بطون راح]

والذين جاهدوا فينا أي: قاتلوا أعداءنا لأجلنا لنهدينهم سبلنا أي: لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيمة; وقيل: لنزيدنهم هداية وإن الله لمع المحسنين بالنصرة والعون . قال ابن عباس: يريد بالمحسنين: الموحدين; وقال غيره: يريد المجاهدين . وقال ابن المبارك: من اعتاصت عليه مسألة، فليسأل أهل الثغور عنها، لقوله: لنهدينهم سبلنا .
[ ص: 286 ] سُورَةُ الرُّومِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الم . غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: غُلِبَتِ الرُّومُ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ فَارِسَ وَالرُّومِ حَرْبٌ فَغَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَفَرِحَ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ فَارِسَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِتَابٌ وَكَانُوا يَجْحَدُونَ الْبَعْثَ وَيَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَالرُّومُ أَصْحَابُ كِتَابٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَالنَّصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ، وَنَحْنُ أُمِّيُّونَ، وَقَدْ ظَهَرَ إِخْوَانُنَا مَنْ أَهْلِ فَارِسَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ [ ص: 287 ] الرُّومِ، فَإِنْ قَاتَلْتُمُونَا لَنَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَخَرَجَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالُوا: هَذَا كَلَامُ صَاحِبِكَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَنْزَلَ هَذَا، فَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: نُرَاهِنُكَ عَلَى أَنَّ الرُّومَ لَا تَغْلِبُ فَارِسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ، فَقَالُوا: الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ سِتٌّ، فَوَضَعُوا الرِّهَانَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الرِّهَانُ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ، فَلَامُوهُ وَقَالُوا: هَلَّا أَقْرَرْتَهَا كَمَا أَقَرَّهَا اللَّهُ؟! لَوْ شَاءَ أَنْ يَقُولَ: سِتًّا، لَقَالَ! فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ سِتٍّ، لَمْ تَظْهَرِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَأَخَذُوا الرِّهَانَ، فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ سَبْعٍ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ . وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ نَاحَبَ أَبُو بَكْرٍ قُرَيْشًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا احْتَطْتَ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ السَّبْعِ وَالتِّسْعِ " . وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ ضَرَبُوا الْأَجَلَ خَمْسَ سِنِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ثَلَاثُ سِنِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا الْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ " ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُمْ: أُزَايِدُكُمْ [ ص: 288 ] فِي الْخَطْرِ وَأَمُدُّ فِي الْأَجَلِ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ، فَفَعَلُوا، فَقَهَرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَأَخَذَ رِهَانَهُمْ .

وَفِي الَّذِي تَوَلَّى وَضْعَ الرِّهَانِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالثَّانِي: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، قَالَهُ السُّدِّيُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو رَجَاءٍ ، وَابْنُ السَّمَيْفَعِ: " فِي أَدَانِي الْأَرْضِ " بِأَلِفٍ مَفْتُوحَةِ الدَّالِ; أَيْ: أَقْرَبُ الْأَرْضِ أَرْضُ الرُّومِ إِلَى فَارِسَ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهِيَ طَرَفُ الشَّامِ .

وَفِي اسْمِ هَذَا الْمَكَانِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْجَزِيرَةُ، وَهِيَ أَقْرَبُ أَرْضِ الرُّومِ إِلَى فَارِسَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالثَّانِي; أَذَرِعَاتٌ وَكَسْكَرُ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ . وَالثَّالِثُ: الْأُرْدُنُّ وَفِلَسْطِينُ، قَالَهُ السُّدِّيُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُمْ يَعْنِي الرُّومَ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ وَقَرَأَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو رَجَاءٍ ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْأَعْمَشُ: " غَلْبِهِمْ " بِتَسْكِينِ اللَّامِ; أَيْ: مِنْ بَعْدِ غَلَبَةِ فَارِسَ إِيَّاهُمْ . وَالْغَلَبُ وَالْغَلَبَةُ لُغَتَانِ، سَيَغْلِبُونَ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ فِي الْبِضْعِ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي (يُوسُفَ: 42) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَهِيَ هَاهُنَا سَبْعُ سِنِينَ، وَهَذَا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَغْلِبَ الرُّومُ وَمِنْ بَعْدِ مَا غُلِبَتْ; وَالْمَعْنَى أَنَّ غَلَبَةَ الْغَالِبِ وَخِذْلَانَ الْمَغْلُوبِ، بِأَمْرِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ [ ص: 289 ] وَيَوْمَئِذٍ يَعْنِي يَوْمَ غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ لِلرُّومِ . وَكَانَ الْتِقَاءُ الْفَرِيقَيْنِ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ غَلَبَةِ فَارِسَ إِيَّاهُمْ، فَغَلَبَتْهُمُ الرُّومُ، وَجَاءَ جِبْرِيلُ يُخْبِرُ بِنَصْرِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقِيلَ: يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ .
وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون . يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون

قوله تعالى: وعد الله أي: وعد الله وعدا لا يخلف الله وعده أن الروم يظهرون على فارس ولكن أكثر الناس يعني كفار مكة لا يعلمون أن الله لا يخلف وعده في ذلك .

ثم وصف كفار مكة، فقال: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال عكرمة: هي المعايش . وقال الضحاك: يعلمون بنيان قصورها وتشقيق أنهارها . وقال الحسن: يعلمون متى زرعهم و[ متى] حصادهم، ولقد بلغ والله من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقر الدرهم بظفره فيخبرك بوزنه ولا يحسن يصلي .

قوله تعالى: وهم عن الآخرة هم غافلون لأنهم لا يؤمنون بها . قال الزجاج: وذكرهم ثانية يجري مجرى التوكيد، كما تقول: زيد هو عالم، وهو أوكد من قولك: زيد عالم .

قوله تعالى: أولم يتفكروا في أنفسهم قال الزجاج: معناه: أولم يتفكروا فيعلموا، فحذف " فيعلموا " لأن في الكلام دليلا [عليه] ومعنى إلا بالحق : [ ص: 290 ] إلا للحق، أي: لإقامة الحق وأجل مسمى وهو وقت الجزاء . وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون المعنى: لكافرون بلقاء ربهم، فقدمت الباء، لأنها متصلة بـ " كافرون " ; وما اتصل بخبر " إن " جاز أن يقدم قبل اللام، ويجوز أن تدخل اللام بعد مضي الخبر من غير خلاف بين النحويين، لا يجوز أن تقول: إن زيدا كافر لبالله، لأن اللام حقها أن تدخل على الابتداء أو الخبر، أو بين الابتداء والخبر، لأنها تؤكد الجملة . وقال مقاتل في قوله: وأجل مسمى : للسماوات والأرض أجل ينتهيان إليه، وهو يوم القيامة، وإن كثيرا من الناس يعني كفار مكة بلقاء ربهم أي: بالبعث لكافرون .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #434  
قديم 06-02-2023, 10:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الرُّومِ
الحلقة (434)
صــ 291 إلى صــ 300





أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون . ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون

قوله تعالى: أولم يسيروا في الأرض أي: أولم يسافروا فينظروا مصارع الأمم قبلهم كيف أهلكوا بتكذيبهم فيعتبروا .

قوله تعالى: وأثاروا الأرض أي: قلبوها للزراعة، ومنه قيل للبقرة: مثيرة . وقرأ أبي بن كعب ، ومعاذ القارئ، وأبو حيوة: " وآثروا الأرض " بمد الهمزة وفتح الثاء مرفوعة الراء، وعمروها أكثر مما عمروها أي: أكثر من عمارة أهل مكة، لطول أعمار أولئك وشدة قوتهم وجاءتهم رسلهم بالبينات أي: بالدلالات فما كان الله ليظلمهم بتعذيبهم على غير ذنب [ ص: 291 ] ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالكفر والتكذيب; ودل هذا على أنهم لم يؤمنوا فأهلكوا .

ثم أخبر عن عاقبتهم فقال: ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى يعني الخلة السيئة; وفيها قولان . أحدهما: أنها العذاب، قاله الحسن . والثاني: جهنم، قاله السدي .

قوله تعالى: أن كذبوا قال الفراء: معناه: لأن كذبوا، فلما ألقيت اللام كان نصبا . وقال الزجاج: لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم . وقيل: السوأى مصدر بمنزلة الإساءة; فالمعنى: ثم كان التكذيب آخر أمرهم، أي: ماتوا على ذلك، كأن الله تعالى جازاهم على إساءتهم أن طبع على قلوبهم حتى ماتوا على التكذيب عقوبة لهم . وقال مكي بن أبي طالب النحوي: " عاقبة " اسم كان، و " السوأى " خبرها، و " أن كذبوا " مفعول من أجله; ويجوز أن يكون " السوأى " مفعولة بـ " أساؤوا " ، و " أن كذبوا " خبر كان; ومن نصب " عاقبة " جعلها خبر " كان " و " السوأى " اسمها، ويجوز أن يكون " أن كذبوا " اسمها . وقرأ الأعمش: " أساؤوا السوء " برفع " السوء " .

قوله تعالى: الله يبدأ الخلق ثم يعيده أي: يخلقهم أولا، ثم يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا، ثم إليه ترجعون قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: " ترجعون " بالتاء; فعلى هذا يكون الكلام عائدا من الخبر إلى الخطاب وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: بالياء، لأن المتقدم ذكره غيبة، والمراد بذكر الرجوع: الجزاء على الأعمال، والخلق بمعنى المخلوقين، وإنما قال: يعيده على لفظ الخلق .
[ ص: 292 ] ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون . ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون . فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون

قوله تعالى: يبلس المجرمون قد شرحنا الإبلاس في (الأنعام: 44) .

قوله تعالى: ولم يكن لهم من شركائهم أي: [من] أوثانهم التي عبدوها شفعاء في القيامة وكانوا بشركائهم كافرين يتبرؤون منها وتتبرأ منهم .

قوله تعالى: يومئذ يتفرقون وذلك بعد الحساب ينصرف قوم إلى الجنة، وقوم إلى النار .

قوله تعالى: فهم في روضة الروضة: المكان المخضر من الأرض; وإنما خص الروضة، لأنها كانت أعجب الأشياء إلى العرب; قال أبو عبيدة: ليس شيء عند العرب أحسن من الرياض المعشبة ولا أطيب ريحا، قال الأعشى:


ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل يوما بأطيب منها نشر رائحة
ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل


قال المفسرون: والمراد بالروضة: رياض الجنة .

وفي معنى " يحبرون " أربعة أقوال .

[ ص: 293 ] أحدها: يكرمون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني: ينعمون، قاله مجاهد ، وقتادة . قال الزجاج: والحبرة في اللغة: كل نغمة حسنة .

والثالث : يفرحون، قاله السدي . وقال ابن قتيبة : " يحبرون " : يسرون، والحبرة: السرور .

والرابع : أن الحبر: السماع في الجنة، فإذا أهل الجنة في السماع، لم تبق شجرة إلا وردت، قاله يحيى بن أبي كثير . وسئل يحيى بن معاذ: أي الأصوات أحسن؟ فقال: مزامير أنس، في مقاصير قدس، بألحان تحميد، في رياض تمجيد في مقعد صدق عند مليك مقتدر [القمر: 55] .

قوله تعالى: فأولئك في العذاب محضرون أي: هم حاضرون العذاب أبدا لا يخفف عنهم .
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون . وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون

ثم ذكر ما تدرك به الجنة ويتباعد به من النار فقال: فسبحان الله حين تمسون قال المفسرون: المعنى: فصلوا لله حين تمسون، أي: حين تدخلون في المساء وحين تصبحون أي: تدخلون في الصباح، و تظهرون تدخلون في الظهيرة، وهي وقت الزوال، وعشيا أي: وسبحوه عشيا . وهذه الآية قد جمعت الصلوات، فقوله: حين تمسون يعني [به] [ ص: 294 ] صلاة المغرب والعشاء، وحين تصبحون يعني به صلاة الفجر، وعشيا العصر، وحين تظهرون الظهر .

قوله تعالى: وله الحمد في السماوات والأرض قال ابن عباس: يحمده أهل السموات وأهل الأرض ويصلون له .

قوله تعالى: يخرج الحي من الميت فيه أقوال قد ذكرناها في (آل عمران: 27)

قوله تعالى: ويحيي الأرض بعد موتها أي: يجعلها منبتة بعد أن كانت لا تنبت، وتلك حياتها وكذلك تخرجون قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو ، وابن عامر: " تخرجون " بضم التاء، وفتحها حمزة والكسائي; والمراد: تخرجون يوم القيامة من الأرض، أي: كما أحيا الأرض بالنبات يحييكم بالبعث .
ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون . ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين . ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون . ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [ ص: 295 ] وله من في السماوات والأرض كل له قانتون وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم . ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين

قوله تعالى: ومن آياته أي: من دلائل قدرته أن خلقكم من تراب يعني آدم، لأنه أصل البشر ثم إذا أنتم بشر من لحم ودم، يعني ذريته تنتشرون أي: تنبسطون في الأرض .

قوله تعالى: أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا فيه قولان .

أحدهما: أنه يعني بذلك آدم، خلق حواء من ضلعه، وهو معنى قول قتادة .

والثاني: أن المعنى: جعل لكم آدميات مثلكم، ولم يجعلهن من غير جنسكم، قاله الكلبي .

قوله تعالى: لتسكنوا إليها أي: لتأووا إلى الأزواج وجعل بينكم مودة ورحمة وذلك أن الزوجين يتوادان ويتراحمان من غير رحم بينهما إن في ذلك الذي ذكره من صنعه لآيات لقوم يتفكرون في قدرة الله وعظمته .

قوله تعالى: واختلاف ألسنتكم يعني اللغات من العربية والعجمية وغير ذلك وألوانكم لأن الخلق بين أسود وأبيض وأحمر، وهم ولد رجل واحد وامرأة واحدة . وقيل: المراد باختلاف الألسنة: اختلاف النغمات والأصوات، حتى إنه لا يشتبه صوت أخوين من أب وأم والمراد باختلاف الألوان: اختلاف [ ص: 296 ] الصور، فلا تشتبه صورتان مع التشاكل إن في ذلك لآيات للعالمين قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وحمزة، [والكسائي]، وأبو بكر عن عاصم: " للعالمين " بفتح اللام . وقرأ حفص عن عاصم: " للعالمين " بكسر اللام .

قوله تعالى: ومن آياته منامكم بالليل والنهار أي: نومكم . قال أبو عبيدة: المنام من مصادر النوم، بمنزلة قام يقوم قياما ومقاما، وقال يقول مقالا . قال المفسرون: وتقدير الآية: منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله وهو طلب الرزق بالنهار إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون سماع اعتبار [وتذكر] وتدبر . ومن آياته يريكم البرق قال اللغويون: إنما حذف " أن " لدلالة الكلام عليه، وأنشدوا:


[وما الدهر إلا تارتان فتارة أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح


ومعناه: فتارة أموت فيها]، وقال طرفة:


ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى [وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي]


أراد: أن أحضر . وقد شرحنا معنى الخوف والطمع في رؤية البرق في سورة (الرعد: 12) .

قوله تعالى: أن تقوم السماء والأرض أي: تدوما قائمتين بأمره ثم إذا دعاكم دعوة وهي نفخة إسرافيل الأخيرة في الصور بأمر الله عز وجل [ ص: 297 ] من الأرض أي: من قبوركم إذا أنتم تخرجون منها . وما بعد هذا قد سبق بيانه [البقرة: 116، العنكبوت: 19] إلى قوله: وهو أهون عليه وفيه أربعة أقوال .

أحدها: أن الإعادة أهون عليه من البداية، وكل هين عليه، قاله مجاهد ، وأبو العالية .

والثاني: أن أهون بمعنى " هين " ، فالمعنى: وهو هين عليه، وقد يوضع " أفعل " في موضع " فاعل " ، ومثله قولهم في الأذان الله أكبر، أي: الله كبير قال الفرزدق:


إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول


وقال معن بن أوس المزني:


لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تغدو المنية أول


أي: وإني لوجل، وقال غيره:


أصبحت أمنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لأميل


وأنشدوا أيضا:

[ ص: 298 ]
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد


أي: بواحد، هذا قول أبي عبيدة، وهو مروي عن الحسن، وقتادة . و[قد] قرأ أبي بن كعب، وأبو عمران الجوني، وجعفر بن محمد: " وهو هين عليه " .

والثالث : أنه خاطب العباد بما يعقلون، فأعلمهم أنه يجب أن يكون عندهم البعث أسهل من الابتداء في تقديرهم وحكمهم، فمن قدر على الإنشاء كان البعث أهون عليه، هذا اختيار الفراء، والمبرد، والزجاج، وهو قول مقاتل . وعلى هذه الأقوال الثلاثة تكون الهاء في " عليه " عائدة إلى الله تعالى .

والرابع أن الهاء تعود على المخلوق، لأنه خلقه نطفة ثم علقة ثم مضغة، ويوم القيامة يقول له كن فيكون، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وهو اختيار قطرب .

قوله تعالى: وله المثل الأعلى قال المفسرون: أي: له الصفة العليا في السماوات والأرض وهي أنه لا إله غيره .

قوله تعالى: ضرب لكم مثلا سبب نزولها أن أهل الجاهلية كانوا يلبون فيقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير، ومقاتل . ومعنى الآية: بين لكم أيها المشركون شبها، وذلك الشبه من أنفسكم ، ثم بينه فقال: هل لكم من ما ملكت أيمانكم أي: من عبيدكم من شركاء في ما رزقناكم من المال والأهل والعبيد، أي: هل يشارككم عبيدكم في أموالكم فأنتم فيه سواء أي: أنتم [ ص: 299 ] وشركاؤكم من عبيدكم سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم أي: كما تخافون أمثالكم من الأحرار، وأقرباءكم كالآباء والأبناء؟ قال ابن عباس: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا؟ وقال غيره: تخافونهم أن يقاسموكم أموالكم كما يفعل الشركاء؟ والمعنى: هل يرضى أحدكم أن يكون عبده شريكه في ماله وأهله حتى يساويه في التصرف في ذلك، فهو يخاف أن ينفرد في ماله بأمر يتصرف فيه كما يخاف غيره من الشركاء الأحرار؟! فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم، فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي؟! كذلك أي: كما بينا هذا المثل نفصل الآيات لقوم يعقلون عن الله . ثم بين أنهم إنما اتبعوا الهوى في إشراكهم، فقال: بل اتبع الذين ظلموا أي: أشركوا بالله أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وهذا يدل على أنهم إنما أشركوا بإضلال الله إياهم وما لهم من ناصرين أي: مانعين من عذاب الله .
فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون . وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون . أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت [ ص: 300 ] أيديهم إذا هم يقنطون . أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون

قوله تعالى: فأقم وجهك قال مقاتل: أخلص دينك الإسلام للدين أي: للتوحيد . وقال أبو سليمان الدمشقي: استقم بدينك نحو الجهة التي وجهك الله إليها . وقال غيره: سدد عملك . والوجه: ما يتوجه إليه، وعمل الإنسان ودينه: ما يتوجه إليه لتسديده وإقامته .

قوله تعالى: حنيفا قال الزجاج: الحنيف: الذي يميل إلى الشيء ولا يرجع عنه، كالحنف في الرجل، وهو ميلها إلى خارجها خلقة، لا يقدر الأحنف أن يرد حنفه . وقوله: فطرت الله منصوب، بمعنى: اتبع فطرة الله، لأن معنى فأقم وجهك : اتبع الدين القيم، واتبع فطرة الله، أي: دين الله . والفطرة: الخلقة التي خلق الله عليها البشر . وكذلك قوله عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة " ، أي: على الإيمان بالله . وقال مجاهد في قوله: فطرت الله التي فطر الناس عليها قال: الإسلام، وكذلك قال قتادة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #435  
قديم 06-02-2023, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الرُّومِ
الحلقة (435)
صــ 301 إلى صــ 310




والذي [ ص: 301 ] أشار إليه الزجاج أصح، وإليه ذهب ابن قتيبة ، فقال: فرق ما بيننا وبين أهل القدر في هذا الحديث، أن الفطرة عندهم: الإسلام، والفطرة عندنا: الإقرار بالله والمعرفة به، لا الإسلام، ومعنى الفطرة: ابتداء الخلقة، والكل أقروا حين قوله: ألست بربكم؟ قالوا بلى [الأعراف: 172] ولست واجدا أحدا إلا وهو مقر بأن له صانعا ومدبرا وإن عبد شيئا دونه وسماه بغير اسمه; فمعنى الحديث: إن كل مولود في العالم على ذلك العهد وذلك الإقرار الأول، وهو للفطرة، ثم يهود اليهود أبناءهم، أي: يعلمونهم ذلك، وليس الإقرار الأول مما يقع به حكم ولا ثواب; وقد ذكر نحو هذا أبو بكر الأثرم، واستدل عليه بأن الناس أجمعوا على أنه لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، ثم أجمعوا على أن اليهودي إذا مات له ولد صغير ورثه، وكذلك النصراني والمجوسي، ولو كان معنى الفطرة الإسلام، ما ورثه إلا المسلمون، ولا دفن إلا معهم; وإنما أراد بقوله عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة " أي: على تلك البداية التي أقروا له فيها بالوحدانية حين أخذهم من صلب آدم، فمنهم من جحد ذلك بعد إقراره . ومثل هذا الحديث [ ص: 302 ] حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء " ، وذلك أنه لم يدعهم يوم الميثاق إلا إلى حرف واحد، فأجابوه .

قوله تعالى: لا تبديل لخلق الله لفظه لفظ النفي ، ومعناه النهي; والتقدير: لا تبدلوا خلق الله . وفيه قولان . أحدهما: أنه خصاء البهائم، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه . والثاني: دين الله، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير، وقتادة، والنخعي في آخرين . وعن ابن عباس وعكرمة كالقولين .

قوله تعالى: ذلك الدين القيم يعني التوحيد المستقيم ولكن أكثر الناس يعني كفار مكة لا يعلمون توحيد الله .

[ ص: 303 ] قوله تعالى: منيبين إليه قال الزجاج: زعم جميع النحويين أن معنى هذا: فأقيموا وجوهكم منيبين، لأن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم تدخل معه فيها الأمة ومعنى " منيبين " : راجعين إليه في كل ما أمر، فلا يخرجون عن شيء من أمره . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [البقرة: 3، الأنعام: 159] إلى قوله: وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة وفيه قولان . أحدهما: أنه القحط، والرحمة: المطر . والثاني: أنه البلاء، والرحمة: العافية، إذا فريق منهم وهم المشركون . والمعنى: أن الكل يلتجؤون إليه في شدائدهم، ولا يلتفت المشركون حينئذ إلى أوثانهم .

قوله تعالى: ليكفروا بما آتيناهم قد شرحناه في آخر (العنكبوت: 67)، وقوله: فتمتعوا خطاب لهم بعد الإخبار عنهم .

قوله تعالى: أم أنزلنا عليهم أي: على هؤلاء المشركين سلطانا أي: حجة وكتابا من السماء فهو يتكلم بما كانوا به يشركون أي: يأمرهم بالشرك؟! وهذا استفهام إنكار، معناه: ليس الأمر كذلك .

قوله تعالى: وإذا أذقنا الناس قال مقاتل: يعني كفار مكة رحمة وهي المطر . والسيئة: الجوع والقحط . وقال ابن قتيبة : الرحمة: النعمة، والسيئة: المصيبة . قال المفسرون: وهذا الفرح المذكور هاهنا، هو فرح البطر الذي لا شكر فيه، والقنوط: اليأس من فضل الله، وهو خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر عند النعمة، ويرجو عند الشدة; وقد شرحناه في (بني إسرائيل: 26) إلى قوله: ذلك يعني إعطاء الحق خير أي: أفضل من الإمساك للذين يريدون وجه الله أي: يطلبون بأعمالهم ثواب الله .
[ ص: 304 ] وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون . الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون

قوله تعالى: وما آتيتم من ربا في هذه الآية أربعة أقوال .

أحدها: أن الربا هاهنا: أن يهدي الرجل للرجل الشيء يقصد أن يثيبه عليه أكثر من ذلك، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وطاووس، [والضحاك]، وقتادة، والقرظي . قال الضحاك: فهذا ليس فيه أجر ولا وزر . وقال قتادة: ذلك الذي لا يقبله الله ولا يجزي به . وليس فيه وزر .

والثاني: أنه الربا المحرم، قاله الحسن البصري .

والثالث : أن الرجل يعطي قرابته المال ليصير به غنيا، لا يقصد بذلك ثواب الله تعالى، قاله إبراهيم النخعي .

والرابع : أنه الرجل يعطي من يخدمه لأجل خدمته، لا لأجل الله تعالى، قاله الشعبي .

قوله تعالى: ليربو في أموال الناس وقرأ نافع، ويعقوب: [ " لتربو " ] بالتاء وسكون الواو، أي: [في] اجتلاب أموال الناس، واجتذابها فلا يربو عند الله أي: لا يزكو ولا يضاعف، لأنكم قصدتم زيادة العوض، ولم تقصدوا القربة .

وما آتيتم من زكاة أي: ما أعطيتم من صدقة لا تطلبون بها المكافأة، [ ص: 305 ] إنما تريدون بها ما عند الله، فأولئك هم المضعفون قال ابن قتيبة : الذين يجدون التضعيف والزيادة . وقال الزجاج: أي: ذوو الأضعاف من الحسنات، كما يقال: رجل مقو، أي: صاحب قوة، وموسر: صاحب يسار .
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون . قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون

قوله تعالى:

ظهر الفساد في البر والبحر في هذا الفساد أربعة أقوال . أحدها: نقصان البركة، قاله ابن عباس . والثاني: ارتكاب المعاصي، قاله أبو العالية . والثالث: الشرك، قاله قتادة، والسدي . والرابع: قحط المطر، قاله عطية .

فأما البر . فقال ابن عباس: البر: البرية التي ليس عندها نهر .

وفي البحر قولان .

أحدهما: أنه ما كان من المدائن والقرى على شط نهر، قاله ابن عباس . وقال عكرمة: لا أقول: بحركم هذا، ولكن كل قرية عامرة . وقال قتادة: المراد بالبر: أهل البوادي، وبالبحر: أهل القرى . وقال الزجاج: المراد بالبحر: مدن البحر على الأنهار، وكل ذي ماء فهو بحر .

والثاني: أن البحر: الماء المعروف . قال مجاهد: ظهور الفساد في البر: قتل [ ص: 306 ] ابن آدم أخاه، وفي البحر: ملك جائر يأخذ كل سفينة غصبا . وقيل لعطية: أي فساد في البحر؟ فقال: إذا قل المطر قل الغوص .

قوله تعالى: بما كسبت أيدي الناس أي: بما عملوا من المعاصي ليذيقهم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، وقتادة، وابن محيصن، وروح [عن يعقوب]، وقنبل عن ابن كثير: " لنذيقهم " بالنون بعض الذي عملوا أي: جزاء بعض أعمالهم; فالقحط جزاء، ونقصان البركة جزاء، ووقوع المعصية منهم جزاء معجل لمعاصيهم أيضا .

قوله تعالى: لعلهم يرجعون في المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم الذين أذيقوا الجزاء . ثم في معنى رجوعهم قولان . أحدهما: يرجعون عن المعاصي، قاله أبو العالية . والثاني: يرجعون إلى الحق، قاله إبراهيم .

والثاني: أنهم الذين يأتون بعدهم; فالمعنى: لعله يرجع من بعدهم، قاله الحسن .

قوله تعالى: قل سيروا في الأرض أي: سافروا فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل أي: الذين كانوا قبلكم; والمعنى: انظروا إلى مساكنهم وآثارهم كان أكثرهم مشركين المعنى: فأهلكوا بشركهم .

[ ص: 307 ] فأقم وجهك للدين أي: أقم قصدك لاتباع الدين القيم وهو الإسلام المستقيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يعني [يوم] القيامة لا يقدر أحد على رد ذلك اليوم، لأن الله تعالى قد قضى كونه يومئذ يصدعون أي: يتفرقون إلى الجنة والنار .
من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون . ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين .

من كفر فعليه كفره أي: جزاء كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون أي: يوطئون . وقال مجاهد: يسوون المضاجع في القبور، قال أبو عبيدة: " من " يقع على الواحد والاثنين والجمع من المذكر والمؤنث، ومجازها هاهنا مجاز الجميع، و " يمهد " بمعنى يكتسب ويعمل ويستعد .
ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين .

قوله تعالى: ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات تبشر بالمطر [ ص: 308 ] وليذيقكم من رحمته وهو الغيث والخصب ولتجري الفلك في البحر بتلك الرياح بأمره ولتبتغوا بالتجارة في البحر من فضله وهو الرزق; وكل هذا بالرياح .

قوله تعالى: فجاءوهم بالبينات أي: بالدلالات على صدقهم فانتقمنا من الذين أجرموا أي: عذبنا الذين كذبوهم وكان حقا علينا أي: واجبا هو أوجبه على نفسه نصر المؤمنين إنجاؤهم مع الرسل من عذاب المكذبين .
الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون . وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير . ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين . وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير . ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث [ ص: 309 ] فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون . فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون

قوله تعالى: يرسل الرياح وقرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء ، والنخعي، وطلحة بن مصرف، والأعمش: " يرسل الريح " بغير ألف .

قوله تعالى: فتثير سحابا أي: تزعجه فيبسطه الله في السماء كيف يشاء إن شاء بسطه مسيرة يوم أو يومين أو أقل أو أكثر ويجعله كسفا أي: قطعا متفرقة . والأكثرون فتحوا سين " كسفا " ; وقرأ أبو رزين، وقتادة، وابن عامر، وأبو جعفر، وابن أبي عبلة : بتسكينها; قال أبو علي: يمكن أن يكون مثل سدرة وسدر، فيكون معنى القراءتين واحدا فترى الودق يخرج من خلاله وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس، ومجاهد، وأبو العالية: " من خلله " ; وقد شرحناه في (النور: 43) فإذا أصاب به أي: بالودق; ومعنى يستبشرون يفرحون بالمطر، وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله وفي هذا التكرير ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه للتأكيد، كقوله: فسجد الملائكة كلهم أجمعون [الحجر: 30]، قاله الأخفش في آخرين .

والثاني: أن " قبل " الأولى للتنزيل، والثانية للمطر، قاله قطرب . قال ابن الأنباري: والمعنى: من قبل نزول المطر، من قبل المطر، وهذا مثلما يقول القائل: آتيك من قبل أن تتكلم، من قبل أن تطمئن في مجلسك، فلا تنكر الإعادة، لاختلاف الشيئين .

والثالث : أن الهاء في قوله: من قبله ترجع إلى الهدى وإن لم يتقدم له ذكر، فيكون المعنى: كانوا يقنطون من قبل نزول المطر، من قبل الهدى، [ ص: 310 ] فلما جاء الهدى والإسلام زال القنوط، ذكره ابن الأنباري عن أبي عمر الدوري وأبي جعفر بن قادم . والمبلسون: الآيسون وقد سبق الكلام في هذا [الأنعام: 44] .

فانظر إلى آثار رحمت الله قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم: " إلى أثر " . وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: " إلى آثار " على الجمع والمراد بالرحمة هاهنا: المطر، وأثرها: النبت; والمعنى: انظر إلى حسن تأثيره في الأرض كيف يحيي الأرض أي: كيف يجعلها تنبت بعد أن لم يكن فيها نبت . وقرأ عثمان بن عفان، وأبو رجاء ، وأبو عمران الجوني، وسليمان التيمي . " كيف تحيي " بتاء مرفوعة مكسورة الياء " الأرض " بفتح الضاد .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #436  
قديم 06-02-2023, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ لُقْمَانَ
الحلقة (436)
صــ 311 إلى صــ 320




قوله تعالى: ولئن أرسلنا ريحا [أي: ريحا] باردة مضرة، والريح إذا أتت على لفظ الواحد أريد بها العذاب، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند هبوب الريح: " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " فرأوه مصفرا [ ص: 311 ] يعني النبت، والهاء عائدة إلى الأثر . قال الزجاج: المعنى: فرأوا النبت قد اصفر وجف لظلوا من بعده يكفرون ومعناه: ليظلن، لأن معنى الكلام الشرط والجزاء، فهم يستبشرون بالغيث، ويكفرون إذا انقطع عنهم الغيث وجف النبت . وقال غيره: المراد برحمة الله: المطر . و " ظلوا " بمعنى صاروا " من بعده " أي: من بعد اصفرار النبت يجحدون ما سلف من النعمة . وما بعد هذا مفسر في سورة (النمل: 80، 81) إلى قوله: الله الذي خلقكم من ضعف وقد ذكرنا الكلام فيه في (الأنفال: 66) قال المفسرون: المعنى: خلقكم من ماء ذي ضعف، وهو المني ثم جعل من بعد ضعف يعني ضعف الطفولة قوة الشباب، ثم جعل من بعد قوة الشباب ضعف الكبر، وشيبة، يخلق ما يشاء أي: من ضعف وقوة وشباب وشيبة وهو العليم بتدبير خلقه القدير على ما يشاء .

ويوم تقوم الساعة قال الزجاج: الساعة في القرآن على معنى الساعة التي تقوم فيها القيامة، فلذلك لم تعرف أي ساعة هي .

قوله تعالى: يقسم المجرمون أي: يحلف المشركون ما لبثوا في القبور غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون قال ابن قتيبة : يقال: أفك الرجل: إذا عدل به عن الصدق، فالمعنى أنهم قد كذبوا في هذا الوقت كما كذبوا في الدنيا . وقال غيره: أراد الله تعالى أن يفضحهم يوم القيامة بين المؤمنين، فحلفوا على شيء يبين للمؤمنين كذبهم فيه، ويستدلون على كذبهم في الدنيا .

[ ص: 312 ] ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم بقوله: وقال الذين أوتوا العلم والإيمان وفيهم قولان . أحدهما: أنهم الملائكة . والثاني: المؤمنون .

قوله تعالى: لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فيه قولان .

أحدهما: أن فيه تقديما وتأخيرا، تقديره: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان بالله، قاله ابن جريج في جماعة من المفسرين .

والثاني: أنه على نظمه . ثم في معناه قولان . أحدهما: لقد لبثتم في علم الله، قاله الفراء . والثاني: لقد لبثتم في خبر الكتاب، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: فهذا يوم البعث أي: اليوم الذي كنتم تنكرونه ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون . فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر: " لا تنفع " بالتاء . وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بالياء، لأن التأنيث غير حقيقي .

قال ابن عباس: لا يقبل من الذين أشركوا عذر ولا توبة .

قوله تعالى: ولا هم يستعتبون أي: لا يطلب منهم العتبى والرجوع في الآخرة .
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون . كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون

قوله تعالى: ولئن جئتهم بآية أي: كعصا موسى ويده ليقولن الذين كفروا إن أنتم أي: ما أنتم يا محمد وأصحابك إلا مبطلون أي: أصحاب أباطيل، وهذا بيان لعنادهم . كذلك أي: كما طبع على قلوبهم حتى [ ص: 313 ] لا يصدقون الآيات يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون توحيد الله; فالسبب في امتناع الكفار من التوحيد، الطبع على قلوبهم .

قوله تعالى: فاصبر إن وعد الله بنصرك وإظهارك على عدوك حق . ولا يستخفنك وقرأ يعقوب إلا روحا وزيدا: " يستخفنك " بسكون النون . قال الزجاج: لا يستفزنك عن دينك الذين لا يوقنون أي: هم ضلال شاكون . وقال غيره: لا يوقنون بالبعث والجزاء . وزعم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة .
[ ص: 314 ] سُورَةُ لُقْمَانَ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ . وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مَكِّيَّةٌ سِوَى آيَتَيْنِ مِنْهَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ، وَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالَّتِي بَعْدَهَا [لُقْمَانَ: 27، 28]; وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: إِلَّا آيَةً نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [لُقْمَانَ: 4]، لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مَدَنِيَّتَانِ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1 الم . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [ ص: 315 ] وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنْ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ . خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ . هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلْقُ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ . وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: هُدًى وَرَحْمَةً وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَحْدَهُ: " وَرَحْمَةٌ " بِالرَّفْعِ . قَالَ الزَّجَّاجُ: الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ; وَالْمَعْنَى: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ فِي حَال الْهِدَايَةِ وَالرَّحْمَةِ; وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى إِضْمَارِ " هُوَ هُدًى وَرَحْمَةٌ " وَعَلَى مَعْنَى: " تِلْكَ هُدًى وَرَحْمَةٌ " . وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ مُفْتَتَحِ هَذِهِ السُّورَةِ [الْبَقَرَةِ: 1-5] إِلَى قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مُغَنِّيَةٍ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي شِرَاءِ الْقِيَانِ وَالْمُغَنِّيَاتِ . وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ [ ص: 316 ] تَاجِرًا إِلَى فَارِسَ، فَكَانَ يَشْتَرِي أَخْبَارَ الْأَعَاجِمِ فَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ رُسْتُمَ وَإِسْفِنْدِيارَ وَأَخْبَارِ الْأَكَاسِرَةِ، فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ وَيَتْرُكُونَ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ .

وَفِي الْمُرَادِ بِلَهْوِ الْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: [أَنَّهُ] الْغِنَاءُ . كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: هُوَ الْغِنَاءُ وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ; وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ . وَرَوَى ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: اللَّهْوُ: الطَّبْلُ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا أَلْهَى عَنِ اللَّهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَعَنْهُ مِثْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ الشِّرْكُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ .

وَالرَّابِعُ : الْبَاطِلُ، قَالَهُ عَطَاءٌ .

وَفِي مَعْنَى يَشْتَرِي قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: يَشْتَرِي بِمَالِهِ; وَحَدِيثُ النَّضْرِ يُعَضِّدُهُ . وَالثَّانِي: يَخْتَارُ وَيَسْتَحِبُّ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَمَطَرٌ .

[ ص: 317 ] وَإِنَّمَا قِيلَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ: لَهْوُ الْحَدِيثِ، لِأَنَّهَا تُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُضِلَّ الْمَعْنَى: لِيَصِيرَ أَمْرُهُ إِلَى الضَّلَالِ . وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْحَرْفَ فِي (الْحَجِّ: 9) .

وَقَرَأَ أَبُو رَزِينٍ، وَالْحَسَنُ، وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: " لِيُضِلَّ " بِضَمِّ الْيَاءِ، وَالْمَعْنَى: لِيُضِلَّ غَيْرَهُ، وَإِذَا أَضَلَّ غَيْرَهُ فَقَدْ ضَلَّ هُوَ أَيْضًا .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَتَّخِذَهَا قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَنَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: " وَيَتَّخِذُهَا " بِرَفْعِ الذَّالِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: بِنَصْبِ الذَّالِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: مَنْ نَصَبَ عَطَفَ عَلَى " لِيُضِلَّ " " وَيَتَّخِذَ " وَمَنْ رَفَعَ عَطَفَهُ عَلَى " مَنْ يَشْتَرِي " " وَيَتَّخِذُ " .

وَفِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَيَتَّخِذَهَا قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا الْآيَاتُ، وَالثَّانِي: السَّبِيلُ .

وَمَا بَعْدَ هَذَا مُفَسَّرٌ فِي مَوَاضِعَ قَدْ تَقَدَّمَتْ [الْإِسْرَاءِ: 46، الْأَنْعَامِ: 25، الْبَقَرَةِ: 25، الرَّعْدِ: 2، النَّحْلِ: 15، الشُّعَرَاءِ: 7]، إِلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ وَفِيهَا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: الْفَهْمُ وَالْعَقْلُ، قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ . وَالثَّانِي: النُّبُوَّةُ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ حَكِيمًا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ

وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا، قَالَهُ الشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَالسُّدِّيُّ . هَكَذَا حَكَاهُ [ ص: 318 ] عَنْهُمُ الْوَاحِدِيُّ، وَلَا يُعْرَفُ، إِلَّا أَنَّ هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ عِكْرِمَةُ; وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ .

وَفِي صِنَاعَتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ خَيَّاطًا، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ . وَالثَّانِي: رَاعِيًا، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ . وَالثَّالِثُ: نَجَّارًا، قَالَهُ خَالِدٌ الرَّبْعِيُّ .

فَأَمَّا صِفَتُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ لُقْمَانُ أَسْوَدَ مَنْ سُودَانِ مِصْرَ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ غَلِيظَ الشَّفَتَيْنِ مُشَقَّقَ الْقَدَمَيْنِ، وَكَانَ قَاضِيًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ الْمَعْنَى: وَقُلْنَا لَهُ: أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ [عَلَى] مَا أَعْطَاكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ أَيْ: إِنَّمَا يَفْعَلُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ النِّعْمَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ عِبَادَةِ خَلْقِهِ .
[ ص: 319 ] ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير . وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير . يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور

قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه قال مقاتل: نزلت في سعد بن أبي وقاص، وقد شرحنا ذلك في (العنكبوت: 8)

قوله تعالى: حملته أمه وهنا على وهن وقرأ الضحاك، وعاصم الجحدري: " وهنا على وهن " بفتح الهاء فيهما . قال الزجاج: أي: ضعفا على ضعف . والمعنى: لزمها بحملها إياه أن تضعف مرة بعد مرة . وموضع " أن " نصب بـ " وصينا " ; المعنى: ووصينا الإنسان أن اشكر لي ولوالديك، أي: وصيناه بشكرنا وشكر والديه .

قوله تعالى: وفصاله في عامين أي: فطامه يقع في انقضاء عامين . وقرأ إبراهيم النخعي، وأبو عمران، والأعمش: " وفصاله " بفتح الفاء . وقرأ أبي بن كعب، والحسن، وأبو رجاء ، وطلحة بن مصرف، وعاصم الجحدري، وقتادة; " وفصله " بفتح الفاء وسكون الصاد من غير ألف . والمراد: التنبيه على مشقة الوالدة بالرضاع بعد الحمل .

[ ص: 320 ] قوله تعالى: وإن جاهداك قد فسرنا ذلك في سورة (العنكبوت: 8) إلى قوله: وصاحبهما في الدنيا معروفا قال الزجاج: أي: مصاحبا معروفا، تقول صاحبه مصاحبا ومصاحبة; والمعروف: ما يستحسن من الأفعال .

قوله تعالى: واتبع سبيل من أناب إلي أي: من رجع إلي; وأهل التفسير يقولون: هذه الآية نزلت في سعد، وهو المخاطب بها .

وفي المراد بمن أناب ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه أبو بكر الصديق، قيل لسعد: اتبع سبيله في الإيمان، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء . وقال ابن إسحاق: أسلم على يدي أبي بكر [الصديق]: عثمان بن عفان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف .

والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن السائب .

والثالث : من سلك طريق محمد وأصحابه، ذكره الثعلبي .

ثم رجع إلى الخبر عن لقمان فقال: يا بني . وقال ابن جرير: وجه اعتراض هذه الآيات بين الخبرين عن وصية لقمان أن هذا مما أوصى به لقمان ابنه .

قوله تعالى: إنها إن تك مثقال حبة وقرأ نافع وحده: " مثقال حبة " برفع اللام .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #437  
قديم 06-02-2023, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ لُقْمَانَ
الحلقة (437)
صــ 321 إلى صــ 330







[ ص: 321 ] وفي سبب قول لقمان لابنه هذا قولان .

أحدهما: أن ابن لقمان قال لأبيه: أرأيت لو كانت حبة في قعر البحر أكان الله يعلمها؟ فأجابه بهذه الآية، قاله السدي .

والثاني: أنه قال: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد، كيف يعلمها الله؟ فأجابه بهذا، قاله مقاتل .

قال الزجاج: من قرأ برفع المثقال مع تأنيث " تك " فلأن " مثقال حبة من خردل " راجع إلى معنى: خردلة، فهي بمنزلة: إن تك حبة من خردل; ومن قرأ: " مثقال حبة " فعلى معنى: إن التي سألتني عنها إن تك مثقال حبة، وعلى معنى: إن فعلة الإنسان وإن صغرت يأت بها الله . وقد بينا معنى مثقال حبة من خردل في (الأنبياء: 47) .

قوله تعالى: فتكن في صخرة قال قتادة: في جبل . وقال السدي: هي الصخرة التي تحت الأرض السابعة، ليست في السموات ولا في الأرض .

وفي قوله: يأت بها الله ثلاثة أقوال .

أحدها: يعلمها الله، قاله أبو مالك . والثاني: يظهرها، قاله ابن قتيبة . والثالث: يأت بها الله في الآخرة للجزاء عليها .

[ ص: 322 ] إن الله لطيف قال الزجاج: لطيف باستخراجها خبير بمكانها . وهذا مثل لأعمال العباد، والمراد أن الله تعالى يأتي بأعمالهم يوم القيامة، من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

قوله تعالى: واصبر على ما أصابك أي: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأذى . وباقي الآية مفسر في (آل عمران: 186) .
ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير

قوله تعالى: ولا تصعر خدك للناس قرأ ابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب: " تصعر " بتشديد العين من غير ألف . وقرأ نافع، [وأبو عمرو]، وحمزة، والكسائي: بألف من غير تشديد . قال الفراء: هما لغتان، ومعناهما: الإعراض من الكبر . وقرأ أبي بن كعب، وأبو رجاء ، وابن السميفع، وعاصم الجحدري: " ولا تصعر " بإسكان الصاد وتخفيف العين من غير ألف . وقال الزجاج: معناه: لا تعرض عن الناس تكبرا; يقال: أصاب البعير صعر: إذا أصابه داء يلوي منه عنقه . وقال ابن عباس: هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر . وقال أبو العالية: ليكن الغني والفقير عندك في العلم سواء . وقال مجاهد: هو الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة، فيراه فيعرض عنه . وباقي الآية بعضه مفسر في (بني إسرائيل: 37 ) وبعضه في سورة (النساء: 36) .

[ ص: 323 ] قوله تعالى: واقصد في مشيك أي: ليكن مشيك قصدا، لا تخيلا ولا إسراعا . قال عطاء: امش بالوقار والسكينة .

قوله تعالى: واغضض من صوتك أي: انقص منه . قال الزجاج: ومنه قولهم غضضت بصري، وفلان يغض من فلان، أي: يقصر به .

إن أنكر الأصوات وقرأ أبو المتوكل، وابن أبي عبلة : " أن أنكر الأصوات " بفتح الهمزة . ومعنى " أنكر " : أقبح; تقول: أتانا فلان بوجه منكر، أي: قبيح . وقال المبرد: تأويله: أن الجهر بالصوت ليس بمحمود، وأنه داخل في باب الصوت المنكر . وقال ابن قتيبة : عرفه قبح رفع الأصوات في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير، لأنها عالية . قال ابن زيد: لو كان رفع الصوت خيرا، ما جعله الله للحمير . وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح لله عز وجل، إلا الحمار، فإنه ينهق بلا فائدة .

فإن قيل: كيف قال: لصوت ولم يقل: " لأصوات الحمير " ؟

فالجواب: أن لكل جنس صوتا، فكأنه قال: إن أنكر أصوات الأجناس صوت هذا الجنس .
ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنـزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير

قوله تعالى: وأسبغ عليكم أي: أوسع وأكمل نعمه قرأ نافع، [ ص: 324 ] وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم: " نعمه " ، أرادوا جميع ما أنعم به . وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: " نعمة " على التوحيد . قال الزجاج: هو ما أعطاهم من توحيده . وروى الضحاك عن ابن عباس، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! ما هذه النعمة الظاهرة والباطنة؟ فقال: " أما ما ظهر: فالإسلام، وما سوى الله من خلقك، وما أفضل عليك من الرزق . وأما ما بطن: فستر مساوئ عملك، ولم يفضحك " . وقال الضحاك: الباطنة المعرفة، والظاهرة: حسن الصورة، وامتداد القامة، وتسوية الأعضاء .
ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور . ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ . ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد . ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر [ ص: 325 ] يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم

قوله تعالى: ومن يسلم وجهه وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وقتادة: " ومن يسلم " بفتح السين وتشديد اللام . وذكر المفسرون أن قوله: ومن كفر فلا يحزنك كفره منسوخ بآية السيف، ولا يصح، لأنه تسلية عن الحزن، وذلك لا ينافي الأمر بالقتال . وما بعد هذا قد تقدم تفسير ألفاظه في مواضع [هود: 48، العنكبوت:61، البقرة:267] إلى قوله: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام وفي سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن أحبار اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت قول الله عز وجل: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [الإسراء: 85]، إيانا يريد، أم قومك؟ فقال: " كلا " فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء؟ فقال: " إنها في علم الله قليل " ، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني: أن المشركين قالوا في القرآن: إنما هو كلام [يوشك أن] ينفد وينقطع، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة .

[ ص: 326 ] ومعنى الآية: لو كانت شجر الأرض أقلاما، وكان البحر ومعه سبعة أبحر مدادا- وفي الكلام محذوف تقديره: فكتب بهذه الأقلام وهذه البحور كلمات الله- لتكسرت الأقلام ونفذت البحور، ولم تنفذ كلمات الله، أي: لم تنقطع .

فأما قوله: والبحر فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: " والبحر " بالرفع، ونصبه أبو عمرو . وقال الزجاج: من قرأ: " والبحر " بالنصب، فهو عطف على " ما " ; المعنى: ولو أن ما في الأرض، ولو أن البحر; والرفع حسن على معنى: والبحر هذه حاله . قال اليزيدي: ومعنى يمده من بعده : يزيد فيه; يقال: مد قدرك، أي: زد في مائها، وكذلك قال ابن قتيبة : " يمده " من المداد، لا من الإمداد، يقال: مددت دواتي بالمداد، وأمددته بالمال والرجال .
ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير . ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في [ ص: 327 ] الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير . ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور .

قوله تعالى: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة سبب نزولها أن أبي بن خلف في آخرين من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله خلقنا أطوارا: نطفة، علقة، مضغة، عظاما، لحما، ثم تزعم أنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة؟! فنزلت هذه الآية ومعناها: ما خلقكم أيها الناس جميعا في القدرة إلا كخلق نفس واحدة، ولا بعثكم جميعا في القدرة إلا كبعث نفس واحدة قاله مقاتل .

وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [آل عمران: 27، الرعد: 2، الحج: 62] إلى قوله: ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله قال ابن عباس: من نعمه جريان الفلك ليريكم من آياته أي: ليريكم من صنعته عجائبه في [ ص: 328 ] البحر، وابتغاء الرزق إن في ذلك لآيات لكل صبار قال مقاتل: أي: لكل صبور على أمر الله شكور في نعمه .

قوله تعالى: وإذا غشيهم يعني الكفار; وقال بعضهم: هو عام في الكفار والمسلمين موج كالظلل قال ابن قتيبة : وهي جمع ظلة، يراد أن بعضه فوق بعض، فله سواد من كثرته .

قوله تعالى: دعوا الله مخلصين له الدين وقد سبق شرح هذا [يونس: 22]; والمعنى أنهم لا يذكرون أصنامهم في شدائدهم إنما يذكرون الله وحده . وجاء في الحديث أن عكرمة بن أبي جهل لما هرب يوم الفتح من رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أهل السفينة: أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا، فقال عكرمة: ما هذا الذي تقولون؟ فقالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله، فقال: هذا إله محمد الذي كان يدعونا إليه، لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر غيره، ارجعوا بنا، فرجع فأسلم .

قوله تعالى: فمنهم مقتصد فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: مؤمن، قاله الحسن .

والثاني: مقتصد في قوله، وهو كافر، قاله مجاهد . يعني أنه يعترف بأن الله وحده القادر على إنجائه وإن كان مضمرا للشرك .

والثالث : أنه العادل في الوفاء بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد، قاله مقاتل .

فأما " الختار " فقال الحسن: هو الغدار . قال ابن قتيبة : الختر: أقبح الغدر وأشده .
[ ص: 329 ] يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور . إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير

قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم قال المفسرون: هذا خطاب لكفار مكة . وقوله: لا يجزي والد عن ولده أي: لا يقضي عنه شيئا من جنايته ومظالمه . قال مقاتل: وهذا يعني به الكفار . وقد شرحنا هذا في (البقرة: 48) . قال الزجاج: وقوله: هو جاز جاءت في المصاحف بغير ياء، والأصل " جازي " بضمة وتنوين . وذكر سيبويه والخليل أن الاختيار في الوقف هو " جاز " بغير ياء، هكذا وقف الفصحاء من العرب ليعلموا أن هذه الياء تسقط في الوصل . وزعم يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقف بياء، ولكن الاختيار اتباع المصحف .

قوله تعالى: إن وعد الله حق أي: بالبعث والجزاء فلا تغرنكم الحياة الدنيا بزينتها عن الإسلام والتزود للآخرة ولا يغرنكم بالله أي: بحلمه وإمهاله الغرور يعني: الشيطان، وهو الذي من شأنه أن يغر . قال الزجاج: " الغرور " على وزن الفعول، وفعول من أسماء المبالغة، يقال: فلان أكول: إذا كان كثير الأكل، وضروب: إذا كان كثير الضرب، فقيل للشيطان: غرور، لأنه يغر كثيرا . وقال ابن قتيبة : الغرور بفتح الغين: الشيطان، وبضمها: الباطل .

قوله تعالى: إن الله عنده علم الساعة سبب نزولها أن رجلا من [ ص: 330 ] أهل البادية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حبلى، فأخبرني ماذا تلد؟ وبلدنا مجدب، فأخبرني متى ينزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت، فأخبرني متى أموت؟ فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد

ومعنى الآية: إن الله عز وجل عنده علم الساعة متى تقوم، لا يعلم سواه ذلك وينزل الغيث وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر: " وينزل " بالتشديد، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، أليلا أم نهارا ويعلم ما في الأرحام لا يعلم سواه ما فيها، أذكرا أم أنثى، أبيض أو أسود وما تدري نفس ماذا تكسب غدا أخيرا أم شرا وما تدري نفس بأي أرض تموت أي: بأي مكان .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #438  
قديم 06-02-2023, 10:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ لُقْمَانَ
الحلقة (438)
صــ 331 إلى صــ 340





وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، [ ص: 331 ] وابن أبي عبلة : " بأية أرض " بتاء مكسورة . والمعنى: ليس أحد يعلم [أين] مضجعه من الأرض حتى يموت، أفي بر أو بحر أو سهل أو جبل . وقال أبو عبيدة: [يقال]: بأي أرض كنت، وبأية أرض كنت، لغتان . وقال الفراء: من قال: بأي أرض، اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يظهر في " أي " تأنيثا آخر . قال ابن عباس: هذه الخمس لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي [مرسل] مصطفى . قال الزجاج: فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه كفر بالقرآن لأنه خالفه .
[ ص: 332 ] سُورَةُ السَّجْدَةِ

وَتُسَمَّى سُورَةَ الْمَضَاجِعِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فِيهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ ثَلَاثُ آيَاتٍ، أَوَّلُهَا قَوْلُهُ: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا [السَّجْدَةِ: 18] وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِيهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ الْآيَةُ [السَّجْدَةِ: 16] . وَقَالَ غَيْرُهُمَا: فِيهَا خَمْسُ آيَاتٍ مَدَنِيَّاتٍ، أَوَّلُهَا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ [السَّجْدَةِ: 16] . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ . اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ [ ص: 333 ] وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ

قَوْلُهُ تَعَالَى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ قَالَ مُقَاتِلٌ: الْمَعْنَى: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

أَمْ يَقُولُونَ بَلْ يَقُولُونَ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ افْتَرَاهُ مُحَمَّدٌ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ يَعْنِي الْعَرَبَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَمَا بَعْدَهُ قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [الْأَعْرَافِ: 54] إِلَى قَوْلِهِ: مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ يَعْنِي الْكُفَّارَ; يَقُولُ: لَيْسَ لَكُمْ مَنْ دُونِ عَذَابِهِ مِنْ وَلِيٍّ، أَيْ: قَرِيبٌ يَمْنَعُكُمْ فَيَرُدُّ عَذَابَهُ عَنْكُمْ وَلا شَفِيعٍ يَشْفَعُ لَكُمْ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ فَتُؤْمِنُوا .
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون . ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون

قوله تعالى: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في معنى الآية قولان . أحدهما: يقضي القضاء من السماء فينزله مع الملائكة إلى الأرض ثم يعرج الملك إليه في يوم من أيام الدنيا، فيكون الملك قد قطع في يوم واحد من أيام الدنيا في نزوله وصعوده مسافة ألف سنة من مسيرة الآدمي .

والثاني: يدبر أمر الدنيا، مدة أيام الدنيا فينزل القضاء والقدر من [ ص: 334 ] السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه أي: يعود إليه الأمر والتدبير حين ينقطع أمر الأمراء وأحكام الحكام وينفرد الله تعالى بالأمر في يوم كان مقداره ألف سنة وذلك في [يوم] القيامة، لأن كل يوم من أيام الآخرة كألف سنة .

وقال مجاهد: يقضي أمر ألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إلى الملائكة، فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى، ثم كذلك أبدا .

وللمفسرين في المراد بالأمر ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الوحي، قاله السدي . والثاني: القضاء، قاله مقاتل . والثالث: أمر الدنيا .

و يعرج بمعنى يصعد . قال الزجاج: يقال: عرجت في السلم أعرج، وعرج الرجل يعرج: إذا صار أعرج .

وقرأ معاذ القارئ، وابن السميفع، وابن أبي عبلة : " ثم يعرج إليه " بياء مرفوعة وفتح الراء . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء: " يعرج " بياء مفتوحة وكسر الراء . وقرأ أبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: " ثم تعرج " بتاء مفتوحة ورفع الراء .

قوله تعالى: الذي أحسن كل شيء خلقه فيه خمسة أقوال .

أحدها: جعله حسنا . والثاني: أحكم كل شيء، رويا عن ابن عباس، وبالأول قال قتادة، وبالثاني قال مجاهد . والثالث: أحسنه، لم يتعلمه من أحد، كما يقال: فلان يحسن كذا: إذا علمه، قاله السدي، ومقاتل . والرابع: [ ص: 335 ] أن المعنى: ألهم خلقه كل ما يحتاجون إليه، كأنه أعلمهم كل ذلك وأحسنهم، قاله الفراء . والخامس: أحسن إلى كل شيء خلقه، حكاه الماوردي .

وفي قوله: خلقه قراءتان . قرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وابن عامر: " خلقه " ساكنة اللام . وقرأ الباقون بتحريك اللام . وقال الزجاج: فتحها على الفعل الماضي، وتسكينها على البدل، فيكون المعنى: أحسن خلق كل شيء خلقه . وقال أبو عبيدة: المعنى: أحسن خلق كل شيء، والعرب تفعل مثل هذا، يقدمون ويؤخرون .

قوله تعالى: وبدأ خلق الإنسان يعني آدم، ثم جعل نسله أي: ذريته وولده; وقد سبق شرح الآية [المؤمنون: 12] .

ثم رجع إلى آدم فقال: ثم سواه ونفخ فيه من روحه وقد سبق بيان ذلك [الحجر: 29] . ثم عاد إلى ذريته فقال: وجعل لكم السمع والأبصار أي: بعد كونكم نطفا .
وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون . قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون

قوله تعالى: وقالوا يعني منكري البعث أإذا ضللنا في الأرض وقرأ علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، وجعفر بن محمد، وأبو رجاء ، وأبو مجلز ، وحميد، وطلحة: " ضللنا " بضاد معجمة مفتوحة وكسر اللام الأولى . قال الفراء: ضللنا وضللنا لغتان، والمعنى: إذا صارت عظامنا ولحومنا ترابا [ ص: 336 ] كالأرض; تقول: ضل الماء في اللبن، وضل الشيء في الشيء: إذا أخفاه وغلب عليه، وقرأ أبو نهيك، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة : " ضللنا " [بضم] الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى وكسرها . وقرأ الحسن، وقتادة، ومعاذ القارئ: " صللنا " بصاد غير معجمة مفتوحة، وذكر لها الزجاج معنيين . أحدهما: أنتنا وتغيرنا وتغيرت صورنا; يقال: صل اللحم وأصل: إذا أنتن وتغير . والثاني: صرنا من جنس الصلة، وهي الأرض اليابسة .

قوله تعالى: أإنا لفي خلق جديد ؟! هذا استفهام إنكار .

قوله تعالى: الذي وكل بكم أي: بقبض أرواحكم ثم إلى ربكم ترجعون يوم الجزاء .

ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم أي: مطأطئوها حياء وندما، ربنا فيه إضمار : يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا أي: علمنا صحة ما كنا به مكذبين فارجعنا إلى الدنيا; وجواب " لو " متروك، تقديره: لو رأيت حالهم لرأيت ما يعتبر به، ولشاهدت العجب .
ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين . فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون . تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم [ ص: 337 ] ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون

قوله تعالى: ولكن حق القول مني أي: وجب وسبق; والقول هو قوله لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ص: 85] .

قوله تعالى: لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أي: من كفار الفريقين . فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا قال مقاتل: إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة: فذوقوا العذاب . وقال غيره: إذا اصطرخوا فيها قيل لهم: ذوقوا بما نسيتم، أي: بما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، إنا نسيناكم أي: تركناكم من الرحمة .

قوله تعالى: إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها أي: وعظوا بها خروا سجدا أي: سقطوا على وجوههم ساجدين . وقيل: المعنى: إنما يؤمن بفرائضنا من الصلوات الخمس الذين إذا ذكروا بها بالأذان والإقامة خروا سجدا .

قوله تعالى: تتجافى جنوبهم اختلفوا فيمن نزلت وفي الصلاة التي تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في المتهجدين بالليل; روى معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: تتجافى جنوبهم قال: قيام العبد من الليل وفي [ ص: 338 ] لفظ آخر أنه قال لمعاذ: " إن شئت أنبأتك بأبواب الخير " قال: قلت أجل يا رسول الله، قال: " الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله " ، ثم قرأ: " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " .

وكذلك قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية، وقتادة، وابن زيد أنها في [ ص: 339 ] قيام الليل . وقد روى العوفي عن ابن عباس قال: تتجافى جنوبهم لذكر الله، كلما استيقظوا ذكروا الله، إما في الصلاة، وإما في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكرون الله عز وجل .

والثاني: أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء، قاله أنس بن مالك .

والثالث : أنها نزلت في صلاة العشاء [كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامون حتى يصلوها، قاله ابن عباس .

والرابع : أنها صلاة العشاء] والصبح في جماعة، قاله أبو الدرداء، والضحاك .

ومعنى تتجافى : ترتفع . والمضاجع جمع مضجع، وهو الموضع الذي يضطجع عليه .

يدعون ربهم خوفا من عذابه وطمعا في رحمته [وثوابه] ومما رزقناهم ينفقون في الواجب والتطوع .

فلا تعلم نفس ما أخفي لهم وأسكن ياء " أخفي " حمزة، ويعقوب . قال الزجاج: في هذا دليل على أن المراد بالآية التي قبلها: الصلاة في جوف الليل، لأنه عمل يستسر الإنسان به، فجعل لفظ ما يجازى به " أخفي لهم " ، فإذا فتحت ياء " أخفي " ، فعلى تأويل الفعل الماضي، وإذا أسكنتها، فالمعنى: ما أخفي أنا لهم، إخبار عن الله تعالى; وكذلك قال الحسن البصري: أخفي لهم، بالخفية خفية، وبالعلانية علانية . وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، اقرؤوا إن شئتم: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم

[ ص: 340 ] قوله تعالى: من قرة أعين وقرأ أبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي، وقتادة: " من قرات أعين " [بألف] على الجمع .
أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون . وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون . ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون

قوله تعالى: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا في سبب نزولها قولان .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #439  
قديم 06-02-2023, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (439)
صــ 341 إلى صــ 350







أحدهما: أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال لعلي بن أبي طالب: أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملأ للكتيبة منك، فقال له علي: اسكت فإنما أنت فاسق، فنزلت هذه الآية، فعنى بالمؤمن عليا، وبالفاسق الوليد، [ ص: 341 ] رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عطاء بن يسار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومقاتل .

والثاني: أنها نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل، قاله شريك .

قوله تعالى: لا يستوون قال الزجاج: المعنى: لا يستوي المؤمنون والكافرون; ويجوز أن يكون لاثنين، لأن معنى الاثنين جماعة; وقد شهد الله بهذا الكلام لعلي عليه السلام بالإيمان وأنه في الجنة، لقوله: أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى . وقرأ ابن مسعود ، وطلحة بن مصرف: " جنة المأوى " على التوحيد .

قوله تعالى: نزلا وقرأ الحسن، والنخعي، والأعمش، وابن أبي عبلة : " نزلا " بتسكين الزاي . وما بعد هذا قد سبق بيانه [الحج: 22] إلى قوله: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى وفيه ستة أقوال .

أحدها: أنه ما أصابهم يوم بدر، رواه مسروق عن ابن مسعود، وبه قال قتادة، والسدي .

والثاني: سنون أخذوا بها، رواه أبو عبيدة عن ابن مسعود، وبه قال النخعي . وقال مقاتل: أخذوا بالجوع سبع سنين .

والثالث : مصائب الدنيا، قاله أبي بن كعب ، وابن عباس في رواية ابن أبي طلحة، وأبو العالية، والحسن، وقتادة، والضحاك .

والرابع : الحدود، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والخامس: عذاب القبر، قاله البراء .

والسادس: القتل والجوع، قاله مجاهد .

[ ص: 342 ] قوله تعالى: دون العذاب الأكبر أي: قبل العذاب الأكبر; وفيه قولان . أحدهما: أنه عذاب يوم القيامة، قاله ابن مسعود . والثاني: أنه القتل ببدر، قاله مقاتل .

قوله تعالى: لعلهم يرجعون قال أبو العالية: لعلهم يتوبون . وقال ابن مسعود : لعل من بقي منهم يتوب . وقال مقاتل: لكي يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان .

قوله تعالى: ومن أظلم قد فسرناه في (الكهف: 57) .

قوله تعالى: إنا من المجرمين منتقمون قال زيد بن رفيع: هم أصحاب القدر . وقال مقاتل: هم كفار مكة انتقم الله منهم بالقتل ببدر، وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، وعجل أرواحهم إلى النار .
ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل . وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون . أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات [ ص: 343 ] أفلا يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون . ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون

قوله تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب يعني التوراة فلا تكن في مرية من لقائه فيه أربعة أقوال .

أحدها: فلا تكن في مرية من لقاء موسى ربه، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والثاني: من لقاء موسى ليلة الإسراء، قاله أبو العالية، ومجاهد، وقتادة، وابن السائب .

والثالث : فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقي موسى، قاله الحسن .

والرابع : لا تكن في مرية من تلقي موسى كتاب الله بالرضى والقبول، قاله السدي . قال الزجاج: وقد قيل: فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب، فتكون الهاء للكتاب . وقال أبو علي الفارسي: المعنى: من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير الكتاب، وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل .

[ ص: 344 ] وفي قوله: وجعلناه هدى قولان . أحدهما: الكتاب، قاله الحسن . والثاني: موسى، قاله قتادة .

وجعلنا منهم أي: من بني إسرائيل أئمة أي: قادة في الخير يهدون بأمرنا أي: يدعون الناس إلى طاعة الله لما صبروا [قرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر: " لما صبروا " بفتح اللام وتشديد الميم . وقرأ حمزة، والكسائي: " لما " بكسر اللام خفيفة . وقرأ ابن مسعود : " بما " بباء مكان اللام; والمراد: صبرهم] على دينهم وأذى عدوهم وكانوا بآياتنا يوقنون أنها من الله عز وجل; وفيهم قولان . أحدهما: أنهم الأنبياء . والثاني: أنهم قوم صالحون سوى الأنبياء . وفي هذا تنبيه لقريش أنكم إن أطعتم جعلت منكم أئمة .

قوله تعالى: إن ربك هو يفصل بينهم أي: يقضي ويحكم; وفي المشار إليهم قولان . أحدهما: أنهم الأنبياء وأممهم . والثاني: المؤمنون والمشركون .

ثم خوف كفار مكة بقوله: أولم يهد لهم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: " نهد " بالنون . وقد سبق تفسيره في (طه: 128) .

أولم يروا أنا نسوق الماء يعني المطر والسيل إلى الأرض الجرز وهي التي لا تنبت- وقد ذكرناها في أول (الكهف: 8) - فإذا جاء الماء أنبت فيها ما يأكل الناس والأنعام .

ويقولون يعني كفار مكة متى هذا الفتح وفيه أربعة أقوال .

أحدها: أنه ما فتح يوم بدر; روى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: يوم بدر فتح للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت .

والثاني: أنه يوم القيامة، وهو يوم الحكم بالثواب والعقاب، قاله مجاهد .

[ ص: 345 ] والثالث : أنه اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب في الدنيا; قاله السدي .

والرابع : فتح مكة، قاله ابن السائب، والفراء، وابن قتيبة ; وقد اعترض على هذا القول، فقيل: كيف لا ينفع الكفار إيمانهم يوم الفتح، وقد أسلم جماعة وقبل إسلامهم يومئذ؟! فعنه جوابان .

أحدهما: لا ينفع من قتل من الكفار يومئذ إيمانهم بعد الموت; وقد ذكرناه عن ابن عباس . وقد ذكر أهل السير أن خالدا دخل يوم الفتح من غير الطريق التي دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو في آخرين فقاتلوه، فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم، فقتل أربعة وعشرين من قريش، وأربعة من هذيل، وانهزموا، فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألم أنه عن القتال " ؟ فقيل: إن خالدا قوتل فقاتل .

والثاني: لا ينفع الكفار ما أعطوا من الأمان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ ص: 346 ] " من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن " . قال الزجاج: يقال: آمنت فلانا إيمانا، فعلى هذا يكون المعنى: لا يدفع هذا الأمان عنهم عذاب الله . وهذا القول الذي قد دافعنا عنه ليس بالمختار، وإنما بينا وجهه لأنه قد قيل .

وقد خرج بما ذكرنا في الفتح قولان . أحدهما: أنه الحكم والقضاء، وهو الذي نختاره . والثاني: فتح البلد .

قوله تعالى: فأعرض عنهم وانتظر أي: انتظر عذابهم إنهم منتظرون بك حوادث الدهر . قال المفسرون: وهذه الآية منسوخة بآية السيف .
[ ص: 347 ] سُورَةُ الْأَحْزَابِ

وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا . وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا . مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَأَبَا الْأَعْوَرِ السِّلْمِيَّ، قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوَادَعَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ، فَنَزَلُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَمَعْتِبِ بْنِ قُشَيْرٍ، وَالْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ; فَتَكَلَّمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعُوهُ إِلَى أَمْرِهِمْ [ ص: 348 ] وَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ مُقَاتِلٌ: سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْفُضَ ذِكْرَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَيَقُولَ: إِنَّ لَهَا شَفَاعَةً، فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَنَزَلَتْ [هَذِهِ] الْآيَةُ . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: اطْرُدْ عَنَّا أَتْبَاعَكَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُمْ رَأْيًا .

فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى رَسُولَهُ بِالتَّقْوَى، وَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَّقِينَ؟! فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اسْتِدَامَةُ مَا هُوَ عَلَيْهِ . وَالثَّانِي: الْإِكْثَارُ مِمَّا هُوَ فِيهِ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ خِطَابٌ وُوجِهَ بِهِ، وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ .

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَأَرَادَ بِالْكَافِرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَبَا سُفْيَانَ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبَا الْأَعْوَرِ، وَبِالْمُنَافِقِينَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَطُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ . وَمَا بَعْدَ هَذَا قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ [النِّسَاءِ: 81] إِلَى قَوْلِهِ: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَفِي سَبَبِ نُزُولِهَا قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: لِمُحَمَّدٍ قَلْبَانِ، قَلْبٌ مَعَنَا، وَقَلْبٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .

[ ص: 349 ] وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ الْفِهْرِيِّ- كَذَا نَسَبَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ: جَمِيلُ بْنُ أَسَدٍ، وَيُكَنَّى: أَبَا مَعْمَرٍ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَبُو مَعْمَرِ بْنُ أَنَسٍ الْفِهْرِيُّ وَكَانَ لَبِيبًا حَافِظًا لِمَا سَمِعَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا حَفِظَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا وَلَهُ قَلْبَانِ فِي جَوْفِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ لِي قَلْبَيْنِ أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَهُزِمَ الْمُشْرِكُونَ وَفِيهِمْ يَوْمَئِذٍ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، تَلَقَّاهُ أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ مُعَلِّقٌ إِحْدَى نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ، وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَالُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: انْهَزَمُوا، قَالَ: فَمَا بَالُكَ إِحْدَى نَعْلَيْكَ فِي يَدِكَ وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِكَ؟ قَالَ: مَا شَعَرْتُ إِلَّا أَنَّهُمَا فِي رِجْلَيَّ، فَعَرَفُوا [يَوْمَئِذٍ] أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ قَلْبَانِ لَمَا نَسِيَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ; وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ . وَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي هَذَا قَوْلًا عَجِيبًا، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ ذَلِكَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ضُرِبَ لَهُ مَثَلٌ يَقُولُ: لَيْسَ ابْنُ رَجُلٍ آخَرَ ابْنَكَ . قَالَ الْأَخْفَشُ: " مِنْ " زَائِدَةٌ فِي قَوْلِهِ: " مِنْ قَلْبَيْنِ " .

[ ص: 350 ] قَالَ الزَّجَّاجُ: أَكْذَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ: لِي قَلْبَانِ، ثُمَّ قَرَّرَ بِهَذَا الْكَلَامِ مَا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، فَقَالَ: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَكُونُ أُمًّا، وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُطَلِّقُ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ أَيْ: مَا جَعَلَ مَنْ تَدْعُونَهُ ابْنًا- وَلَيْسَ بِوَلَدٍ فِي الْحَقِيقَةِ- ابْنًا ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ أَيْ: نَسَبُ مَنْ لَا حَقِيقَةَ لِنَسَبِهِ قَوْلٌ بِالْفَمِ لَا حَقِيقَةَ تَحْتَهُ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ أَيْ: لَا يَجْعَلُ غَيْرَ الِابْنِ ابْنًا وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ أَيْ: لِلسَّبِيلِ الْمُسْتَقِيمِ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #440  
قديم 06-02-2023, 11:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (440)
صــ 351 إلى صــ 360






[ ص: 351 ] وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَامْرَأَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ .

وَمَعْنَى الْكَلَامِ: مَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ كَأُمَّهَاتِكُمْ فِي التَّحْرِيمِ، إِنَّمَا قَوْلُكُمْ مَعْصِيَةٌ، وَفِيهِ كَفَّارَةٌ، وَأَزْوَاجُكُمْ لَكُمْ حَلَالٌ; وَسَنَشْرَحُ هَذَا فِي سُورَةِ (الْمُجَادَلَةِ) إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَذَكَرُوا أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ نَزَلَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، أَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَنَّاهُ قَبْلَ الْوَحْيِ ،فَلَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ قَالَ الْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ: تَزَوَّجَ مُحَمَّدٌ امْرَأَةَ ابْنِهِ وَهُوَ يَنْهَى النَّاسَ عَنْهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .


ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما . النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا

قوله تعالى: ادعوهم لآبائهم قال ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، حتى نزلت ادعوهم لآبائهم .

[ ص: 352 ] قوله تعالى: هو أقسط أي: أعدل، فإن لم تعلموا آباءهم أي: إن لم تعرفوا آباءهم فإخوانكم أي: فهم إخوانكم، فليقل أحدكم: يا أخي، ومواليكم قال الزجاج: أي: بنو عمكم ويجوز أن يكون ( مواليكم ) أولياءكم في الدين .

وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: فيما أخطأتم به قبل النهي، قاله مجاهد .

والثاني: في دعائكم من تدعونه إلى غير أبيه وأنتم ترونه كذلك، قاله قتادة .

والثالث : فيما سهوتم فيه، قاله حبيب بن أبي ثابت .

فعلى الأول يكون معنى قوله: ولكن ما تعمدت قلوبكم أي: بعد النهي . وعلى الثاني والثالث : ما تعمدت في دعاء الرجل إلى غير أبيه .

قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم أي: أحق، فله أن يحكم فيهم بما يشاء، قال ابن عباس: إذا دعاهم إلى شيء، ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعته أولى من طاعة أنفسهم; وهذا صحيح، فإن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، والرسول يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم .

[ ص: 353 ] قوله تعالى: وأزواجه أمهاتهم أي: في تحريم نكاحهن على التأبيد، ووجوب إجلالهن وتعظيمهن; ولا تجري عليهن أحكام الأمهات في كل شيء، إذ لو كان كذلك لما جاز لأحد أن يتزوج بناتهن، ولورثن المسلمين، ولجازت الخلوة بهن . وقد روى مسروق عن عائشة أن امرأة قالت: يا أماه، فقالت: لست لك بأم; إنما أنا أم رجالكم; فبان بهذا الحديث أن معنى الأمومة تحريم نكاحهن فقط . وقال مجاهد " وأزواجه أمهاتهم " وهو أب لهم . وما بعد هذا مفسر [ ص: 354 ] في آخر (الأنفال) إلى قوله تعالى: من المؤمنين والمهاجرين والمعنى أن ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من أن يرثوا بالإيمان والهجرة كما كانوا يفعلون قبل النسخ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا [وهذا استثناء ليس من الأول، والمعنى: لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفا] جائز، وذلك أن الله تعالى لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة، أباح الوصية للمعاقدين، فللإنسان أن يوصي لمن يتولاه بما أحب من ثلثه . فالمعروف ها هنا: الوصية .

قوله تعالى: كان ذلك يعني نسخ الميراث بالهجرة ورده إلى ذوي الأرحام في الكتاب يعني اللوح المحفوظ مسطورا أي: مكتوبا .
وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا . ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا

قوله تعالى: وإذ أخذنا المعنى: واذكر إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم أي: عهدهم; وفيه قولان .

أحدهما: أخذ ميثاق النبيين: أن يصدق بعضهم بعضا، قاله قتادة .

والثاني: أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادته، ويصدق بعضهم بعضا، وأن ينصحوا لقومهم، قاله مقاتل .

[ ص: 355 ] وهذا الميثاق أخذ منهم حين أخرجوا من ظهر آدم كالذر . قال أبي بن كعب : لما أخذ ميثاق الخلق خص النبيين بميثاق آخر .

فإن قيل: لم خص الأنبياء الخمسة بالذكر دون غيرهم من الأنبياء؟

فالجواب: أنه نبه بذلك على فضلهم، لأنهم أصحاب الكتب والشرائع; وقدم نبينا صلى الله عليه وسلم بيانا لفضله عليهم . قال قتادة: كان نبينا أول النبيين في الخلق .

وقوله: ميثاقا غليظا أي: شديدا على الوفاء بما حملوا . وذكر المفسرون أن ذلك العهد الشديد: اليمين بالله عز وجل .

[ ص: 356 ]

ليسأل الصادقين

يقول: أخذنا ميثاقهم لكي نسأل الصادقين، وهم الأنبياء عن صدقهم في تبليغهم . ومعنى سؤال الأنبياء- وهو يعلم صدقهم- تبكيت مكذبيهم . وها هنا تم الكلام . ثم أخبر بعد ذلك عما أعد للكافرين بالرسل .

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود وهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق .

الإشارة إلى القصة

ذكر أهل العلم بالسيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير، ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج لقتاله، ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليم، ففارقوهم على مثل ذلك . وتجهزت قريش ومن تبعهم من العرب، فكانوا أربعة آلاف، وخرجوا يقودهم أبو سفيان، ووافتهم بنو سليم بـ " مر الظهران " ، وخرجت بنو أسد، وفزارة، وأشجع، وبنو مرة، فكان جميع من وافى الخندق من القبائل عشرة آلاف، وهم الأحزاب; فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجهم من مكة، أخبر الناس خبرهم، وشاورهم، فأشار سلمان بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين، وعسكر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سفح " سلع " ، وجعل سلعا خلف ظهره; ودس أبو سفيان بن حرب حيي بن أخطب إلى بني قريظة يسألهم أن ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكونوا معهم عليه، فأجابوا، واشتد الخوف، وعظم البلاء، ثم جرت بينهم مناوشة وقتال، وحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص [ ص: 357 ] إليهم الكرب، وكان نعيم بن مسعود الأشجعي قد أسلم، فمشى بين قريش وقريظة وغطفان فخذل بينهم، فاستوحش كل منهم من صاحبه، واعتلت قريظة بالسبت فقالوا: لا نقاتل فيه، وهبت ليلة السبت ريح شديدة، فقال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله لستم بدار مقام، لقد هلك الخف والحافر، وأجدب الجناب، وأخلفتنا قريظة، ولقينا من الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل; فأصبحت العساكر قد أقشعت كلها . قال مجاهد: والريح التي أرسلت عليهم هي الصبا، حتى أكفأت قدورهم، ونزعت فساطيطهم . والجنود: الملائكة، ولم تقاتل يومئذ . وقيل: إن الملائكة جعلت تقلع أوتادهم وتطفئ نيرانهم وتكبر في جوانب عسكرهم، فاشتدت عليهم، فانهزموا من غير قتال .

قوله تعالى: لم تروها وقرأ النخعي، والجحدري، والجوني، وابن السميفع: " لم يروها " بالياء وكان الله بما تعملون بصيرا وقرأ أبو عمرو: [ " يعملون " ] بالياء .
إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا

[ ص: 358 ] قوله تعالى: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم أي: من فوق الوادي ومن أسفله وإذ زاغت الأبصار أي: مالت وعدلت، فلم تنظر إلى شيء إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب وبلغت القلوب الحناجر وهي جمع حنجرة . والحنجرة: جوف الحلقوم . قال قتادة: شخصت عن مكانها، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت . وقال غيره: المعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم; وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فيرتفع حينئذ القلب إلى الحنجرة، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس والفراء . وذهب ابن قتيبة إلى أن المعنى: كادت القلوب تبلغ الحلوق من الخوف وقال ابن الأنباري: " كاد " لا يضمر ولا يعرف معناه إذا لم ينطق به .

قوله تعالى: وتظنون بالله الظنونا قال الحسن: اختلفت ظنونهم، فظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون، وظن المؤمنون أنه ينصر .

قرأ ابن كثير، والكسائي، وحفص عن عاصم: " الظنونا " و " الرسولا " [الأحزاب: 66] و " السبيلا " [الأحزاب: 67] بألف إذا وقفوا عليهن، وبطرحها في الوصل . وقال هبيرة عن حفص عن عاصم: وصل أو وقف بألف . وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بالألف فيهن وصلا ووقفا . وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بغير ألف في وصل ولا وقف . قال الزجاج: والذي عليه حذاق النحويين والمتبعون السنة من قرائهم أن يقرؤوا: " الظنونا " ويقفون على الألف ولا يصلون; وإنما فعلوا ذلك، لأن أواخر الآيات عندهم فواصل يثبتون في آخرها الألف في الوقف .

قوله تعالى: هنالك أي: عند ذلك ابتلي المؤمنون أي: اختبروا بالقتال والحصر ليتبين المخلص من المنافق وزلزلوا أي: أزعجوا وحركوا [ ص: 359 ] بالخوف، فلم يوجدوا إلا صابرين . وقال الفراء: حركوا إلى الفتنة تحريكا، فعصموا .

قوله تعالى: وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض فيه قولان .

أحدهما: أنه الشرك، قاله الحسن . والثاني: النفاق، قاله قتادة، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا قال المفسرون: قالوا يومئذ: إن محمدا يعدنا أن نفتح مدائن كسرى وقيصر وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله! هذا والله الغرور . وزعم ابن السائب أن قائل هذا معتب بن قشير .
وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا . ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا . قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا

قوله تعالى: وإذ قالت طائفة منهم يعني من المنافقين . وفي القائلين لهذا منهم قولان . أحدهما: عبد الله بن أبي وأصحابه، قاله السدي . والثاني: بنو سالم من المنافقين، قاله مقاتل .

قوله تعالى: يا أهل يثرب قال أبو عبيدة: يثرب: اسم أرض، ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم في ناحية منها .

[ ص: 360 ] قوله تعالى: لا مقام لكم وقرأ حفص عن عاصم: " لا مقام " بضم الميم . قال الزجاج: من ضم الميم، فالمعنى: لا إقامة لكم; ومن فتحها، فالمعنى: لا مكان لكم تقيمون فيه . وهؤلاء كانوا يثبطون المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: فارجعوا أي: إلى المدينة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالمسلمين حتى عسكروا بـ " سلع " ، وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم، فقال المنافقون للناس: ليس لكم هاهنا مقام، لكثرة العدو، وهذا قول الجمهور . وحكى الماوردي قولين [آخرين]

أحدهما: لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب، قاله الحسن .

والثاني: لا مقام لكم على القتال، فارجعوا إلى طلب الأمان، قاله الكلبي .

قوله تعالى: ويستأذن فريق منهم النبي فيه قولان .

أحدهما: أنهم بنو حارثة، قاله ابن عباس . وقال مجاهد: بنو حارثة بن الحارث بن الخزرج . وقال السدي: إنما استأذنه رجلان من بني حارثة .

والثاني: بنو حارثة، وبنو سلمة بن جشم، قاله مقاتل .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 414.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 408.77 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]