|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#431
|
||||
|
||||
![]() التزويج على العمل يعمل شرح حديث قصة الواهبة نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التزويج على العمل يعمل. حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله! إني قد وهبت نفسي لك. فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله! زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك، فالتمس شيئاً. قال: لا أجد شيئاً. قال: فالتمس ولو خاتماً من حديد. فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فهل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في التزويج على العمل يعمل ] فقد ذكر فيما مضى التزويج على المهر الذي هو مال يدفع للمرأة، وهنا في هذه الترجمة ترجم بحصول العمل الذي يعتبر في مقابلة مال؛ لأنه قد يكون الرجل ليس عنده مال ولكن عنده قدرة على أن يعمل عملاً. فيكون عمله هذا صداقاً لها مقابل الأجرة التي كان سيعطاها. وقد جاء في القرآن في قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع الرجل الصالح أنه قال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ [القصص:27] فهو عقد على عمل. وهنا في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج هذا الرجل على أن يعلمها شيئاً من القرآن، أي: على عمل يقدمه لها وهو تعليمها شيئاً من القرآن، فدل هذا على أن المهر يمكن أن يكون عملاً وأن يكون منفعة بدلاً من كونه عيناً أو نقوداً. فحديث سهل بن سعد موافق للترجمة من جهة أنه زوجه على عمل يعمله لها. معنى الباء في قوله: (زوجتكها بما معك من القرآن) قوله: [ (زوجتكها بما معك) ] الباء هنا للمعاوضة وليست للسببية، أي: في مقابل ما معك من القرآن تعلمها إياه. وليست الباء للسببية بمعنى أنه زوجه إكراماً له بغير صداق بسبب ما معه من القرآن؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لما كان هناك حاجة إلى أن يسأله التماس القليل قائلاً: [ (وهل معك شيء من القرآن؟) ]. فالمقصود أن هذه المنفعة يمكن أن تكون مهراً حيث لا يوجد المهر، فالذي يبدو هو أنه لا يصار إلى اتخاذ العمل مهراً إلا عند الحاجة، لأن المال هو المقدم فإذا كان الرجل معدماً فإنه يصار إلى العمل. وفي الحديث دليل على تسهيل أمر الزواج وتسهيل الوصول إليه بأي طريق، فلو كان الرجل معدماً وليس عنده مال ولكنه عمل عملاً للزوجة فإنه يستحل به فرجها ولا تدفع له أجرة في مقابل عمله، بل هذا العمل في مقابل زواجه بها، فالباء في الحديث هي للمعاوضة، والمعنى أنه يعلمها شيئاً من القرآن عوضاً عن زواجه بها، وليست للسببية كما قال بعض أهل العلم: إنه زوجه إكراماً له. يعني: بسبب ما معه من القرآن أكرمه فزوجه. فالصداق لابد منه. الزواج بالهبة من الخصائص النبوية قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله! إني قد وهبت نفسي لك) ]. معناه: وهبت نفسها له ليتزوجها، والزواج بالهبة من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في القرآن: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، فدل على أن ذلك من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على ما كان عليه نساء الصحابة من الرغبة الشديدة والحرص على الاتصال بالرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن زواج الرسول بالمرأة شرف عظيم لها؛ لأنها تكون بذلك أماً للمؤمنين، وتحصل شرفاً لاتصالها بالنبي عليه الصلاة والسلام وكونها من أزواجه، وهذا هو الذي دعاها إلى أن تعمل هذا العمل وأن تقدم هذه الرغبة وأن تظهر هذه الرغبة وتعرض نفسها على الرسول صلى الله عليه وسلم واهبة نفسها له. فالزواج بالهبة لا يكون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، وغيره ليس له أن يتزوج إلا بصداق. جواز عرض المرأة على الرجل الصالح ليتزوجها وقلة المهر ثم إن في الحديث جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها، ولكن بمهر لا هبة، وكذلك يجوز عرض الرجل بنته على الرجل الصالح، كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه حيث عرض حفصة على أبي بكر و عثمان ، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ فقامت قياماً طويلاً ]. أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما رد عليها بشيء، بل سكت، ولما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً قال رجل من الحاضرين: [ يا رسول الله! زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة ] وهذا من الأدب؛ لأنه قال: [ إن لم تكن لك بها حاجة ]. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [ (هل عندك من شيء تصدقها إياه؟) ] فقال: ما عندي إلا إزاري. قال: [ (إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك) ]، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من قلة ذات اليد وعدم الجدة، وأن الواحد منهم لا يجد الشيء اليسير. ثم قال له: [ التمس شيئاً فقال: لا أجد شيئاً، فقال له: [ التمس ولو خاتماً من حديد ]، يعني: ولو كان الملتمس خاتماً من حديد، أي: ولو كان شيئاً قليلاً. فذهب الرجل فلم يجد شيئاً حتى خاتم الحديد، وهذا كله يدلنا على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من قلة ذات اليد، فكثير منهم لم يكونوا من أهل اليسار، وإنما كانوا من ذوي القلة. حكم التحلي بالحديد وقد جاء ما يدل على أن الحديد لا يتحلى به، وأنه حلية أهل النار، فلعل قوله: [ (التمس ولو خاتماً من حديد) ] كان قبل التحريم، أو أنه بعد التحريم، ولكنه يمكن أن يحول إلى شيء آخر، ولا يستعمل حلية للرجال ولا للنساء. وليس منه لبس الساعة في اليد، فالساعة فيها حديد، لكن ليس المقصود منها الزينة فحسب، بل يراد بها معرفة الوقت. قوله: [ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فهل معك من القرآن شيء؟) قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا. لسور سماها ]. أي: سأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن كونه معه شيء من القرآن فأخبره بأن معه سوراً، وعد تلك السور، فقال صلى الله عليه وسلم: [ (قد زوجتكها بما معك من القرآن) ] والباء -كما عرفنا- للمعاوضة، فجعل ما معه من القرآن على أن يعلمها إياه صداقاً لها، وليست للسببية بأن يكون الزواج بدون المهر إكراماً له لحفظه شيئاً من القرآن الكريم. تراجم رجال إسناد حديث قصة الواهبة نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم بن دينار ]. هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد ]. هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو العباس ، ويقال: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس سوى اثنين: أحدهما هذا، والثاني: عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فكل منهما يقال له: أبو العباس. وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد . فهو من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند الإمام أبي داود ؛ لأن أعلى إسناد عنده هو الرباعيات، وليس عنده ثلاثي، فالثلاثيات هي عند البخاري ، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً ليس بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إلا ثلاثة أشخاص، وعند الترمذي حديث واحد ثلاثي، وعند ابن ماجة خمسة أحاديث ثلاثية كلها بإسناد واحد وهو ضعيف. وبقية الأئمة -الذين هم: مسلم و أبو داود و النسائي - أعلى ما عندهم الرباعيات، فبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أشخاص، وهذا الذي معنا في هذا الإسناد هو من أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث الواهبة نفسها من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج الباهلي عن عسل عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو هذه القصة -لم يذكر الإزار والخاتم- فقال: [ (ما تحفظ من القرآن؟ قال: سورة البقرة أو التي تليها. قال: فقم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها أنه سأله عما يحفظه فقال: سورة البقرة أو التي تليها. يعني آل عمران فقال له: [ (قم فعملها عشرين آية وهي امرأتك) ]. وهذا فيه تسمية السورة المحفوظة، وفيه تحديد المقدار الذي يعلم من أجل الزواج، ولكن هذا الحديث الذي فيه التحديد غير ثابت؛ لأن في إسناده عسلاً وهو ضعيف. تراجم رجال إسناد حديث الواهبة نفسها من طريق ثانية قوله: [ حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ]. أحمد بن حفص بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي حفص بن عبد الله ]. حفص بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني إبراهيم بن طهمان ]. إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج بن الحجاج الباهلي ]. الحجاج بن الحجاج الباهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عسل ]. هو عسل بن سفيان التميمي أبو قرة البصري ، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن عطاء بن أبي رباح ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث الواهبة نفسها من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ثنا أبي ثنا محمد بن راشد عن مكحول . نحو خبر سهل. قال: وكان مكحول يقول: ليس ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن مكحول وقال: [ نحو حديث سهل ] يعني المتقدم قبل حديث أبي هريرة ، وفيه [ كان مكحول يقول: ليس ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. فإذا كان المقصود به هبة المرأة نفسها فإنه -كما قال- ليس ذلك لأحد بعد رسول الله. وأما إذا كان المراد التزوج على العمل فإن ذلك ليس خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في تزويجه الرجل بما معه من القرآن، بل يصح الزواج بالعمل حيث لا يمكن الحصول على المال، فكلام مكحول الذي ذكره هنا أنه ليس ذلك لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فيه تفصيل: فإن كان يراد به الهبة فهذا صحيح، وإن كان يراد به الزواج على العمل فهذا ليس بصحيح. تراجم رجال إسناد حديث الواهبة نفسها من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ ثنا أبي ]. أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ ثنا محمد بن راشد ]. محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن مكحول ]. هو مكحول الشامي ، وهو ثقة كثير الإرسال، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. من تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات شرح حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات. حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه (في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق فقال: لها الصداق كاملاً وعليها العدة ولها الميراث. فقال معقل بن سنان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى به في بروع بنت واشق) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات ]. والزواج بغير تسمية الصداق يصح، ولكنه يرجع في ذلك إلى مهر المثل، وإذا كان الشخص قد تزوج ومات ولم يفرض صداقاً فإن الحكم أنه يكون لها صداق المثل وعليها العدة ولها الميراث. ومعنى مهر المثل أن ينظر إلى مهر قريباتها كأخواتها ونحوهن ممن تزوج في زمنها فتعطى مثلهن، ولا ينظر إلى مهر أمها وجدتها، لأن وقت زواجهما بعيد. وأورد أبو داود حديثاً ذُكر فيه أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سئل عن رجل تزوج ومات ولم يكن فرض لزوجته صداقاً ولم يدخل بها، فاجتهد ابن مسعود في المسألة وأفتى فقال: عليها العدة ولها الميراث ولها الصداق كاملاً. قال ذلك باجتهاده. وسيأتي في رواية بعد هذه أنهم اختلفوا عليه شهراً أو مرات، أي ترددوا عليه يريدون الحكم، ولم يكن يعمل نصاً حتى يحكم به ويبني عليه، ولكنه بعد أن كثر الترداد والقضية واقعة وهم بحاجة إلى حل وبحاجة إلى فتوى اجتهد. فهذا يدل على الاجتهاد، لكن الاجتهاد حيث لا نص، وأما إذا كان النص موجوداً فإنه لا اجتهاد مع النص، وإنما الاجتهاد يكون مع عدم النص أو عدم معرفة المجتهد الذي استفتي بالنص. فلما اجتهد عبد الله رضي الله تعالى عنه وأفتى قام معقل بن سنان وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بما قضيت به. يعني: بمثل ما قضيت به، فهذا الذي قضيت به هو الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعناه أن اجتهاد ابن مسعود رضي الله عنه وقع موافقاً للصواب، حيث وافق قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدل هذا على أن المرأة إذا تزوجها إنسان ثم مات عنها ولم يدخل بها فإنه يكون عليها العدة -أي: عدة الوفاة- ولها الميراث ولها صداق المثل. والحديث هنا هو حديث معقل بن سنان يروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي ، وقد أخرج له النسائي في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن فراس ]. هو فراس بن يحيى ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث قضاء رسول الله في بروع بنت واشق من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون و ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه، وساق عثمان مثله ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، حيث قال: [ مثله ] يعني أنه مطابق له في اللفظ والمعنى. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون و ابن مهدي عن سفيان ]. هؤلاء جميعاً مر ذكرهم. [ عن منصور ]. هو ابن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود ، وقد مر ذكره. شرح حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس و أبي حسان عن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتي في رجل -بهذا الخبر-، قال: فاختلفوا إليه شهراً -أو قال: مرات- قال: فإني أقول فيها: إن لها صداقاً كصداق نسائها لا وكس ولا شطط، وإن لها الميراث وعليها العدة، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان. فقام ناس من أشجع فيهم الجراح و أبو سنان فقالوا: يا ابن مسعود ! نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق -وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي - كما قضيت. قال: ففرح عبد الله بن مسعود فرحاً شديداً حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى وفيه التفصيل في القصة، حيث ذكر فيه أن ابن مسعود رضي الله عنه كانوا يختلفون عليه شهراً، يترددون عليه وهو يؤخرهم حتى يجتهد ويبحث لعله يجد نصاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فلما رأى المدة طالت وهم بحاجة إلى أن ينفذوا الشيء الذي لابد من تنفيذه اجتهد وقال بعد اجتهاده: أقول فيها كذا، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يك خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان من ذلك. فقام جماعة من أشجع فيهم الجراح و أبو سنان فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بمثل ما قضيت في بروع بنت واشق . ففرح فرحاً شديداً لموافقة قضائه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومثل هذه القصة ما حصل لعمر رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام وكان وقع فيها الطاعون، فلقيه أمراء الأجناد وفيهم أبو عبيدة بن الجراح ، فاختلف الصحابة رضي الله عنهم في المشورة عليه، فبعضهم أشار عليه بأن يدخل وبعضهم أشار عليه بأن يرجع، فالذين أشاروا عليه بالدخول قالوا: لقد جئت لغرض فامض إليه، ولا تفر من قدر الله. والذين أشاروا عليه بالرجوع قالوا: لا تعرض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للموت. أي: بسبب الطاعون. فاستشار عمر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار فاختلفوا كذلك، فبعد ذلك استقر رأيه على أن يرجع، فقال: إني مصبح على ظهر. فقال له أبو عبيدة : تفر من قدر الله؟! قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! نفر من قدر الله إلى قدر الله. وكان عبد الرحمن بن عوف معهم ولكنه ما كان حاضراً وقت المشاورة، فلما علم بهذا الذي حصل قال: عندي علم فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع بأرض لستم فيها فلا تدخلوها) ففرح عمر رضي الله عنه بموافقة اجتهاده ما جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ]. هو عبيد الله بن عمر القواريري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خلاس ]. هو خلاس بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبي حسان ]. هو أبو حسان الأعرج ، وهو مسلم بن عبد الله ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عتبة بن مسعود ]. عبد الله بن عتبة بن مسعود ، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي وغيره، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ أن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود قد مر ذكره. شرح حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بامرأة دون تسمية الصداق قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ]. محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ و محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ و عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب السحبستاني القشيري ، صدوق، أخرج له أبو داود وحده. [ قال محمد : حدثني أبو الأصبغ الجزري عبد العزيز بن يحيى ]. محمد هو ابن المثنى ، و أبو الأصبغ الجزري هو عبد العزيز بن يحيى ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني الباهلي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد ]. هو خالد بن أبي يزيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن زيد بن أبي أنيسة ]. هو زيد بن أبي أنيسة الجزري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مرثد بن عبد الله ]. مرثد بن عبد الله هو أبو الخير اليزني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد بلغ عدد رجاله ثمانية، وهو إسناد طويل. زيادة (خير النكاح أيسره) في حديث التزويج دون تسمية صداق [ قال أبو داود : وزاد عمر بن الخطاب -وحديثه أتم- في أول هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خير النكاح أيسره) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل ثم ساق الحديث ]. ذكر هنا أن في أول الحديث عن عمر بن الخطاب الذي هو الشيخ الثالث لأبي داود [ (خير النكاح أيسره) ] يعني: ما كان بيسر وسهولة، بأن يكون بدون مغالاة وبدون حصول أمور تترتب على الزواج فيها مشقة وفيها تحميل الزوج ما لا يطيقه. تضعيف أبي داود لحديث التزويج دون تسمية صداق [ قال أبو داود : يخاف أن يكون هذا الحديث ملزقاً؛ لأن الأمر على غير هذا ]. أي: يخاف أن يكون هذا الحديث ملحقاً؛ لأن الأمر كان على غير هذا، أي: فيما يتعلق بتصرف المريض بأن يخرج من ماله ويخص به بعض الورثة؛ فالأمر على غير ذلك. وهذا -كما هو معلوم- عمل صحابي ليس مضافاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتصرف المريض ليس مطلقاً بحيث يتصرف في ماله عند الموت بأن يعطي أحداً ويحرم غيره، أو يعطي المال لبعض الورثة ويترك بعضهم ويحرمهم من الميراث؛ إذ إن الأمر على غير هذا. الأسئلة حكم تحديد المهور من قبل الولاة والحكام السؤال: هل لولي أمر المسلمين أن يحدد المهر؟ الجواب: التحديد ما أعلم فيه شيئاً يدل عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما حدد، والخلفاء الراشدون ما حددوا، وما نعلم فيه تحديداً، ولكن الناس إذا اتفقوا على شيء ورأوا المصلحة في ذلك فلهم ذلك، أما أن يفرض عليهم وأن يلزموا بمقدار معين ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه شيء، فالذي يظهر أنه لا يصح ذلك. حكم طلب الرجل من زوجته إعفاءه من المهر بعد الدخول السؤال: هل يجوز للرجل أن يطلب من امرأته إعفاءه من المهر بعد الدخول عليها؟ الجواب: إذا طابت بذلك نفساً فلا بأس، كما قال الله عز وجل: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4]، أما إذا لم يكن هناك طيب نفس ولم يكن هناك اطمئنان إلى ذلك فلا يصح. حكم التضمخ بالزعفران السؤال: هل النهي عن الزعفران في حق الرجال دون النساء أم نهي عنه الرجال والنساء جميعاً؟ الجواب: النهي للرجال فقط، والتزعفر هو كون الإنسان يتضمخ بالزعفران."
__________________
|
#432
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [244] الحلقة (275) شرح سنن أبي داود [244] الزواج أحد الجوانب التي تناولها التشريع الإسلامي، وقد جعل الله عز وجل له من المكانة شيئاً عظيماً، فسن أن يبدأ فيه بخطبة الحاجة، وأوجب للمرأة الصداق عند الزواج، تكرمة لها ونحلة، إلا أنه قد يعقد الرجل الزواج بالمرأة دون تسمية الصداق، وقد بين الشرع أحكامه في مثل هذه الحالة، وإذا تزوج الرجل امرأة جديدة على امرأة عنده فعليه أن يبيت عندها ثلاثاً إذا كانت ثيباً وسبعاً إذا كانت بكراً. خطبة النكاح شرح حديث خطبة الحاجة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خطبة النكاح. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره. ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص و أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطبة الحاجة: (إن الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:71]). لم يقل محمد بن سليمان : إن ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في خطبة النكاح ] أي: بين يديه وبين يدي عقده والمقصود بها هذا الذي جاء في الحديث من حمد الله عز وجل والاستعانة به واستغفاره والثناء عليه والتعوذ من شرور النفس، وأن من هدى الله فهو المهتدي، ومن يضلل فإنه لا هادي له. وهذه الخطبة هي من الأمور المستحبة، فلو حصل النكاح بدونها فإنه يصح، ولكن الأولى أن يؤتى بها؛ لأن فيها ذكراً لله عز وجل وثناءً عليه، وتقديم العقد بحمد الله وبالثناء عليه لاشك في أنه من الأمور المهمة والأمور المفيدة، ولكنه ليس بفرض ولا واجب، ولكنه من الأمور المستحبة، ولو وجد العقد بدونه فإنه يصح، ولا يكون الإنسان بتركه قد ترك أمراً واجباً. وقد وردت هذه الخطبة في الأحاديث بألفاظ مختلفة، منها ما هو أقل ومنها ما فيه زيادة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره بألفاظ قد جاء في بعض الروايات زيادات عليها، يعني مثل زيادة (نحمده) وكذلك زيادة (ومن سيئات أعمالنا) وهي ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الرواية التي جاءت عند أبي داود ليس فيها ذلك الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كاملاً، وينبغي أن يؤتى به كاملاً، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم يؤتى بالآيات: آية في أول سورة النساء، وآية في وسط سورة آل عمران، وآية في آخر سورة الأحزاب. ثم إن ما جاء في بعض الروايات من خطبة الحاجة في النكاح وغيره لا يعني أن كل خطبة من الخطب يستحب أن تبدأ بهذا اللفظ وحده وأن لا تبدأ بألفاظ أخرى، ولكن هذا يحمل على الغالب، وإلا فإنه قد جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم البدء بغير ذلك، كما سبق أن مر بنا في كتاب الاستسقاء، فقد ورد فيه ذكر البدء (بالحمد لله رب العالمين)، وليس فيه ذكر هذا الذي جاء في هذا الحديث. وعلى هذا فيكون الإكثار منه بناءً على الغالب، فهو الذي ينبغي قوله غالباً، ولكن لا يقال: إنه لا يؤتى بشيء سواه، وإنه اللفظ الذي يؤتى به فحسب. وفي الحديث جاءت الأفعال المضارعة بنون الجمع في أولها إلا قوله: [ (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ] وذلك لأن الشهادة لا تصح إلا من قائلها ذاته، فلا يصح قولها عن الغير، أما العون المغفرة والعياذ بالله فيصح طلبها للنفس وللغير فلذلك أتى فيها بنون الجمع في أول المضارع. تراجم رجال إسناد حديث خطبة الحاجة قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبيدة ]. هو أبو عبيدة عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ولكن لم يصح سماعه من أبيه. [ عن عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى ]. قوله: [ ح ] هي للتحول من إسناد إلى إسناد. و محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . وقوله: [ المعنى ]. يعني أن المعنى واحد وإن كانت الألفاظ مختلفة فيما جاء في الطريقين. [ ثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق قد مر ذكره. [ عن أبي الأحوص ]. هو عوف بن مالك الجشمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ و أبي عبيدة عن عبد الله ]. أبو عبيدة وعبد الله قد مر ذكرهما في الإسناد السابق. قوله: [ قال: لم يقل محمد بن سليمان : إن ]. أي: لم يقل محمد بن سليمان : (إن الحمد لله) وإنما قال: (الحمد لله نحمده ونستعينه...). شرح حديث تعليم خطبة الحاجة من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار ثنا أبو عاصم ثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا تشهد.. ذكر نحوه، وقال بعد قوله: ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها نحو الرواية السابقة، وفيها بعد قوله: (أشهد أن محمداً عبده ورسوله) زيادة [ (أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ] وهذه زيادة جاءت من هذه الطريق، وقد ضعفها الألباني ، ولعل السبب في ذلك هو أحد الرواة الذين جاءوا في الإسناد، وهو عمران بن داود القطان ، فإن فيه كلاماً كما قال المنذري . وقوله: [ (ومن يعصمها) ] فيه الإتيان بالضمير (هما) العائد على الله جل جلاله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثله في الحديث (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وقد جاء في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لخطيب قوم (بئس خطيب القوم أنت) حين جمع بينهما، وحمل على أن الخطب الأصل فيها التفصيل لا الإجمال، فلذلك زجره. تراجم رجال إسناد حديث تعليم خطبة الحاجة من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. هو محمد بن بشار المقلب ببندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ ثنا أبو عاصم ]. هو أبو عاصم النبيل ، وهو الضحاك بن مخلد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ثنا عمران ]. هو عمران بن داود القطان ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد ربه ]. هو عبد ربه بن سعيد الأنصاري ، أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عياض ]. هو عمرو بن الأسود ، حمصي سكن داريا، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره. شرح حديث جواز ترك خطبة الحاجة في النكاح قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار ثنا بدل بن المحبر -وكنيته أبو المغير - ثنا شعبة عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي عن إسماعيل بن إبراهيم عن رجل من بني سليم قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد ]. أورد أبو داود حديث رجل من بني سليم مبهم أنه خطب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب -يعني عمة النبي صلى الله عليه وسلم- فأنكحه ولم يتشهد. ومعناه أنه ما ذكر الخطبة التي جاءت في حديث ابن مسعود ، فيستدل به على أنه ليس بلازم أن يؤتى بالخطبة بين يدي عقد النكاح؛ لأنه هنا قال: ولم يتشهد. لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو مجهول ومن هو مقبول. ثم إنه قد اختلف في المرأة، وذكر الاختلاف البخاري في التاريخ الكبير، ففي بعض الروايات [ خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عمته فأنكحني... ] وفي بعضها (ألا أنكحك أمامة بنت ربيعة بن الحارث؟). وعلى كل حال فالحديث ضعيف وغير ثابت؛ لأن في إسناده من هو مجهول. تراجم رجال إسناد حديث جواز ترك خطبة الحاجة في النكاح قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار مر ذكره. [ ثنا بدل بن المحبر ]. بدل بن المحبر ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ ثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي ]. العلاء ابن أخي شعيب الرازي مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن إسماعيل بن إبراهيم ]. إسماعيل بن إبراهيم مجهول، أخرج له أبو داود أيضاً. [ عن رجل من بني سليم ]. هذا رجل مبهم، وهو من الصحابة، والإبهام في الصحابة لا يؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، وإنما الجهالة تؤثر في غيرهم، فالإبهام في غيرهم يؤثر والإبهام في الصحابة لا يؤثر، بل يكفي أن يعرف أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يسم. وقد سماه الحافظ ابن حجر في المبهمات فقال: عباد بن شيبان السلمي . تزويج الصغار شرح حديث عائشة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي بنت ست قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تزويج الصغار. حدثنا سليمان بن حرب و أبو كامل قالا: ثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا بنت سبع سنين -قال سليمان : أو ست- ودخل بي وأنا بنت تسع) ]. أورد أبو داود [ باب في تزويج الصغار ] يعني اللاتي لم يبلغن، وسبق أن مر أن الاستئذان يكون للبكر ويكون للثيب، وأن الثيب تنطق بما تريد والبكر يكفي أن تسكت وأن تصمت، ولا يلزم في حقها ما يلزم في حق الثيب من النطق، وهنا ذكر هذه الترجمة، وهي (تزويج الصغار) يعني اللاتي لم يبلغن. وقد ذكر بعض أهل العلم أن للولي -سواء أكان أباً أم غيره، ومن العلماء من يخص ذلك بالأب والجد- أن له إذا جاء كفؤ وخشي فواته عليها ورأى في تزويجها مصلحة لها أن يزوجها بدون استئذان؛ لأن الصغيرة ليست لها معرفة بالقبول والرد، ومن يصلح ومن لا يصلح. ثم اختلفوا، فمنهم من قال: إن لها إذا بلغت أن تفسخ إذا لم ترد. ومنهم من قال: ليس لها ذلك. والذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا حصل كفؤ وهي لم تبلغ وخيف فواته وكان في تزويجها به مصلحة لها فإن ذلك سائغ، لكن يبدو أنها إذا بلغت ولم تطب نفسها ولم ترض به فإن لها الخيار، ولكن التجويز لمراعاة حظها ولمراعاة مصلحتها في كونها لا تميز ولا تعرف من يصلح ومن لا يصلح، ووليها يرى أن هذا فيه مصلحة لها وأنه غنيمة لها. وأورد أبو داود حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست أو سبع ودخل بها وهي ابنة تسع، وبعض العلماء قال: إن هذا السن -الذي هو التسع- يكون معه الإدراك ويكون معه البلوغ، فبعض النساء تدرك وتبلغ في هذا السن. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن الشافعي رأى جدة عمرها إحدى وعشرون سنة، أي: أنها حملت لتسع وولدت لعشر، ثم حصل لبنتها مثل ما حصل لها، فلما ولدت بنتها صارت جدة وعمرها إحدى وعشرون. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي بنت ست قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو كامل ]. هو أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ ثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. المقام عند البكر شرح حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة بعد زواجه بها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المقام عند البكر. حدثنا زهير بن حرب ثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً ثم قال: (ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [ باب في المقام عند البكر ]. فالرجل قد يتزوج ثيباً أو بكراً، فالثيب يقيم عندها ثلاثة أيام أو ثلاث ليالٍ، والبكر يقيم عندها سبعاً، وإذا كان له أكثر من زوجة فإنه يقيم عند الثيب ثلاثاً ثم يقسم، وإذا كان تزوج بكراً يقيم عندها سبعاً ثم يبدأ بالقسمة بين الزوجات. وجاء التفريق بين الثيبات والأبكار لأن البكر زواجها شيء جديد عليها، فهي بحاجة إلى زيادة مدة يكون بها الاستئناس والاطمئنان، بخلاف الثيب، فإنها قد تعودت وسبق لها الزواج، فجاءت الشريعة بتقليل المدة في حقها. وقد أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها مكث عندها ثلاثاً وقال: [ (إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) ] ومعناه أن حقها ثلاث، وأنه إذا تركها بعد الثلاث فإنه يقسم ويأتي إليها بعدما ينتهي دور الزوجات السابقات. فإذا زاد على الثلاث وأتى بالسبع لها فإنه يسبع لسائر نسائه. ولا شك أن الحظ والأولى لها أن يقيم عندها ثلاثاً ثم يرجع إليها بعد فترة قريبة، بخلاف ما إذا سبع لها، فإنه لا يأتيها إلا بعد مدة طويلة، فإذا كان عنده زوجتان فسيأتيها بعد أسبوعين، وإذا كان عنده ثلاث فسيأتيها بعد ثلاثة أسابيع، فكونه يقيم عندها ثلاثاً ثم يقسم لا شك أن هذا أولى لها من أن يسبع لها ثم تطول عليها المدة، فلا يرجع إليها إلا بعد مدة طويلة. فهذا الحديث يدل على أن الثيب يقام عندها ثلاث، وفيه إشارة إلى أن البكر يقام عندها سبع، وأنه إن أعطى الثيب المدة التي حددت لها فإنه يقسم لنسائه بعدها، وإن زادها على الثلاث إلى السبع فإنه يسبع لنسائه ويرجع إليها بعد مدة طويلة. وقوله: [ (ليس بك على أهلك هوان) ]. يعني: أنت عزيزة، أي: ليست هينة عند أهلها ولا عنده صلى الله عليه وسلم، ولكن الحكم هو هكذا، فإن أرادت أن تقف عند الثلاث فإنه يبدأ بالقسمة ويرجع إليها، ولكنه لا يقسم لهن ثلاثاً، فبعد أن يجلس عندها ثلاثاً يبدأ بالقسمة يوماً يوماً، لكنه إذا تجاوز الثلاث إلى السبع فإنه يسبع للنساء بالقسمة. تراجم رجال إسناد حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة بعد زواجه بها قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ ثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد البصري القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن أبي بكر ]. هو محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن أبي بكر ]. هو عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، فقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب . وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو الذي ذكره ابن القيم مع بقية الفقهاء السبعة في أول كتاب (إعلام الموقعين عن رب العالمين) وليس (أعلام الموقعين)؛ لأن (أعلام) جمع علم، والكتاب ليس كتاب تراجم حتى يكون عنوانه (أعلام الموقعين) وإنما هو إعلام وإخبار للمفتين والمخبرين عن الشرع والمفتين بأحكام الشريعة، أي: الذين يفتون ويكتبون الفتاوى في بيان أحكام الشريعة. ففي أول الكتاب ذكر الفقهاء في الأقطار، فذكر أن المدينة فيها كذا وكذا، ومكة فيها كذا وكذا، من الصحابة كذا ومن التابعين كذا، ولما جاء عند ذكر المدينة ذكر جماعة من الفقهاء في عصر التابعين وذكر الفقهاء السبعة، وجعل السابع أبا بكر هذا الذي معنا، وذكر بيتين من الشعر يشمل الثاني منهما السبعة، حيث قال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجه فهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، و عروة بن الزبير و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و سعيد بن المسيب و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و سليمان بن يسار ، و خارجة بن زيد . [ عن أم سلمة ]. هي أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. والإسناد فيه راويان قد يظن أنهما أخوان؛ لأن الأول محمد بن أبي بكر والثاني عبد الملك بن أبي بكر وقد يظن أن هذا يروي عن أخيه، بينما في الحقيقة الأول هو محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم والثاني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . التسبيع عند البكر ليس عذراً في ترك الجماعة وهنا نشير إلى أن إقامة الزوج عند البكر سبعاً ليس فيه رخصة له بترك صلاة الجماعة كما هو مشتهر عند البعض، حيث يقيم عندها كالمحبوس فلا يخرج من باب الدار، وإنما المقصود من إعطائه هذا الحق أنه إذا كان متزوجاً لا يأتي إلى نسائه إلا بعد سبع، وكذلك حتى لو لم يكن عنده نساء فهذه المدة وهذا الأسبوع يجلس فيه عندها قبل أن يسافر أو يفارقها إلى مكان بعيد. شرح حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً عند صفية بعد زواجه بها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية و عثمان بن أبي شيبة عن هشيم عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفية رضي الله عنها أقام عندها ثلاثا. زاد عثمان : وكانت ثيبا). وقال: حدثني هشيم قال: أخبرنا حميد قال: أخبرنا أنس ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله تعالى عنها -وكانت من سبي خيبر، وقد كان أعتقها وجعل عتقها صداقها صلى الله عليه وسلم - أقام عندها ثلاثاً، وهذا يدل على أن الثيب يقام عندها ثلاثاً، مثلما تقدم في حديث أم سلمة . وهذا الحديث غير مطابق للترجمة، فليس فيه ذكر السبع ولا ذكر الأبكار، وإنما فيه ذكر المقام عند الثيب وأنه ثلاث، وهو موافق لما جاء في حديث أم سلمة من جهة التثليث في حق الثيب، وليس فيه ذكر التسبيع. والحديث ذكره أبو داود من طريقين: الطريق الأولى بالعنعنة، والطريق الثانية بالتصريح بالتحديث، فهشيم من المدلسين، وفي الطريق الثانية التي هي طريق عثمان بن أبي شيبة صرح بالتحديث، حيث قال: [ أخبرنا حميد ]. قوله: [ زاد عثمان : (وكانت ثيباً) وقال: حدثني هشيم قال: أخبرنا حميد قال: أخبرنا أنس ]. يعني: قال عثمان بن أبي شيبة الذي هو شيخ أبي داود في الإسناد الثاني: [ حدثني هشيم قال: أخبرنا حميد ]. فهشيم مدلس، وهنا صرح بالتحديث، وأما رواية وهب بن بقية السابقة فهشيم يروي فيها بالعنعنة، فالطريق الثانية فيها زوال احتمال التدليس الذي يكون من هشيم ؛ لأنه صرح بالتحديث في طريق عثمان بن أبي شيبة ، و هشيم من المدلسين، ولهذا مثل به العراقي في الألفية حيث قال: وفي الصحيح عدة كالأعمش وكهشيم بعده وفتش فهذا هشيم بن بشير الواسطي هو من المدلسين وهو من رجال الصحيح، بل من رجال الكتب الستة.
__________________
|
#433
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً عند صفية بعد زواجه بها قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ و عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي ، وقد أخرج له النسائي في عمل يوم والليلة. [ عن هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أنس في مقام الرجل عند البكر والثيب بعد الزواج قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا هشيم و إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً. ولو قلت: إنه رفعه لصدقت، ولكنه قال: السنة كذلك) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه [ (إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً) ] يعني: يقيم عند البكر سبعاً ثم يبدأ بالقسمة [ (وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً) ثم يبدأ بالقسمة. وهذا الحديث هو الذي يطابق الترجمة [ باب المقام عند الأبكار ] يعني أنه سبع، وفيه التفصيل بين الثيبات والأبكار بأن الثيب يقيم عندها ثلاثاً والبكر يقيم عندها سبعاً، ومعنى ذلك أنه يقيم عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً ولا يذهب إلى غيرها من زوجاته في أيامها ليلاً أو نهارا ًإلا لزيارة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. وإذا تزوج بكراً على بكر في ليلة واحدة فإنه يقسم بينهما من الليلة الأولى. قوله: [ ولو قلت: إنه رفعه لصدقت ]. يعني: لو قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصدقت، ولكنه لم يقل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: [ السنة كذلك ] ومعلوم أن هذا من قبيل المرفوع حكماً مثل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وبعض الروايات جاء فيها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا فيه المحافظة على الألفاظ مع بيان أن قوله: [ السنة كذلك ] يساوي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأنه لا فرق بين المرفوع حكماً الذي هو (من السنة كذا) والمرفوع تصريحاً الذي هو (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا). والقائل: [ ولو قلت: إنه رفعه لصدقت، ولكنه قال: السنة كذلك ] هو أبو قلابة ، وهذا يبين لنا أن قول الصحابي: (من السنة) حكمه حكم الرفع. تراجم رجال إسناد حديث أنس في مقام الرجل عند البكر والثيب بعد الزواج قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا هشيم و إسماعيل بن علية ]. ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره. الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً شرح حديث زواج علي بفاطمة رضي الله تعالى عنهما قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً. حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني قال: حدثنا عبدة قال: حدثنا سعيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما تزوج علي فاطمة رضي الله عنهما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها شيئاً. قال: ما عندي شيء. قال: أين درعك الحطمية؟) ]. أورد أبو داود: [ باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً ] يعني: قبل أن ينقدها شيئاً من المهر. وقد عرفنا أنه لا يلزم في العقد ذكر الصداق، وأنه يصح العقد بدون ذكر الصداق، ويمكن الدخول دون أن يدفع الصداق كله أو بعضه، ولا بأس بذلك، فإذا لم يكن هناك شيء مسمى تعين مهر المثل، فللإنسان أن يدخل بامرأته دون أن يكون المهر قد سلم، ولا بأس بذلك، ولكن كونه يدفع لها المهر كله أو بعضه لا شك أنه هو الأولى، وأما من حيث الصحة فإنه يصح أن يعقد عليها دون أن يسمى الصداق ويرجع في ذلك إلى مهر المثل، ويمكن أن يدخل بها قبل أن يحصل تسليمها الصداق. وأورد حديث ابن عباس أنه قال: [ (لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها شيئاً. قال: ما عندي شيء. قال: أين درعك الحطمية؟) ]. أي: أعطها أياها. ويحتمل أن يكون معنى قوله: [ لما تزوج علي فاطمة ] أنه عقد عليها ودخل بها، ويحتمل أن يكون معناه أنه عقد ولم يدخل بها. ثم إن المهر واجب لابد منه في النكاح، لكن لا يلزم قبل النكاح وإن كان مستحباً إعطاؤها شيئاً منه أو كله قبل الدخول. وقوله: [ (ما عندي شيء) ] يحتمل أن يكون المراد به أنه ليس عنده شيء أبداً، ويحتمل أنه لم يكن عنده شيء يذكر، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم له عن درعه الحطمية بعد قوله: [ (ما عندي شيء) ] محمول على أن علياً ظن أن مثل الدرع لا يعطى مهراً، والدرع الحطمية ذات قيمة، فإذا ملكتها كانت مهراً لها. تراجم رجال إسناد حديث زواج علي بفاطمة رضي الله تعالى عنهما قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ]. إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبدة ]. هو عبدة بن سليمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث منع النبي صلى الله عليه وسلم علياً من الدخول بفاطمة قبل إصداقها درعه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا كثير بن عبيد الحمصي قال: حدثنا أبو حيوة عن شعيب -يعني ابن أبي حمزة - قال: حدثنا غيلان بن أنس قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أن علياً رضي الله عنه لما تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنها أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعطيها شيئاً، فقال: يا رسول الله! ليس لي شيء. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها درعك. فأعطاها درعه ثم دخل بها) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في قصة علي وزواجه من فاطمة رضي الله تعالى عنهما، وأنه لما أراد علي أن يدخل بها منعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئاً، [ (فقال: يا رسول الله! ليس لي شيء. فقال له: أعطها درعك) ]. وهذا مثل الذي قبله، إلا أن هذا فيه ذكر المنع، وأنه منعه من أن يدخل بها إلا بعد أن يعطيها شيئاً. والإسناد فيه غيلان بن أنس ، وهو مقبول، وحديث المقبول لا يقبل إلا بالمتابعة. تراجم رجال إسناد حديث منع النبي صلى الله عليه وسلم علياً من الدخول بفاطمة قبل إصداقها درعه قوله: [ حدثنا كثير بن عبيد الحمصي ]. كثير بن عبيد الحمصي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو حيوة ]. هو شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن شعيب -يعني ابن أبي حمزة ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا غيلان بن أنس ]. هو غيلان بن أنس أبو يزيد الدمشقي ، وهو مقبول، أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و ابن ماجة . [ حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ]. محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث في أول إسناده أربعة شاميون ثلاثة منهم حمصيون والرابع دمشقي. إسناد آخر لحديث منع علي من الدخول بفاطمة قبل الصداق وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا كثير -يعني ابن عبيد - قال: حدثنا أبو حيوة عن شعيب عن غيلان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله ]. في هذا الإسناد ذكر عكرمة و ابن عباس ، وقد مر ذكر تراجم رجاله جميعاً. شرح حديث عائشة في إدخال امرأة على زوجها قبل أن يصدقها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا شريك عن منصور عن طلحة عن خيثمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً) قال أبو داود : و خيثمة لم يسمع من عائشة ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً، ومعناه أنه ما قدم لها شيئاً من صداقها، وهذا فيه دليل على أنه يمكَّن من الدخول بدون أن يعطيها شيئاً، لكن الحديث غير صحيح؛ لأن فيه انقطاعاً بين خيثمة و عائشة . تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إدخال امرأة على زوجها قبل أن يصدقها قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق، اختلط لما ولي القضاء، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طلحة ]. هو طلحة بن مصرف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خيثمة ]. هو خيثمة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها. الأسئلة حكم ترك تسمية المهر اكتفاءً بطلب الولي من الزوج تجهيز البيت وبذل الذهب السؤال: في بلادنا عندما يخطب الرجل المرأة أول ما يتكلم معه فيه أهل المرأة هو الذهب والبيت، ولا يتكلمون في المهر أو الصداق، بل إن المهر يكتب في عقد الزواج فقط ولا تقبضه الزوجة ولا أهلها، فهل الذهب الذي يشتريه الزوج للزوجة يقوم مقام المهر؟ الجواب: إذا كان اتفق على أن ذلك هو المهر فهو المهر، فما يعطي الرجل المرأة من الذهب عند الزواج هو من جملة صداقها، سواء كان معه شيء أم لمن يكن معه شيء، فإذا كان هناك شيء يكتب عند العقد فهو صداق، وكل ما أعطيته من أجل الزواج فهو صداق. حكم مراجعة المطلقة الرجعية بعد مضي خمسة أشهر السؤال: رجل طلق زوجته الطلقة الثانية وافترقا لمدة خمسة أشهر، ثم راجعها بدون عقد جديد، فهل هذا عمل صحيح؟ الجواب: هذا لا يجوز أبداً، إلا إذا روجعت في العدة، وهي ثلاث حيض، وبعض النساء قد تطول المدة عندها بين الحيضتين وقد تبلغ هذا المقدار، فالمرأة التي تحيض عدتها ثلاث حيض، فإذا كانت المراجعة في حدود الثلاث الحيض فإنها مراجعة صحيحة، وأما إذا انتهت الثلاث الحيض وخرجت من العدة فإنها تعتبر أجنبية عنه ويكون خاطباً من الخطاب يتقدم لخطبتها. وأما إذا كانت المراجعة في العدة فهي زوجته، ولهذا لو مات أحدهما عن الآخر ورثه صاحبه ما دامت المرأة في العدة، وإذا خرجت من العدة صارت أجنبية، فإن أراد أن يرجع إليها يكون خاطباً من الخطاب. وذلك مثل ما حصل في قصة معقل بن يسار الذي نزل فيه قوله تعالى: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوف [البقرة:232] فإن زوج أخته طلقها ثم تركها حتى خرجت من العدة، فجاء يخطبها فأقسم أخوها على أن لا يزوجها إياه فنزلت الآية. فإذا كانت المراجعة في داخل العدة فهي صحيحة، وإن كانت بعد العدة فإنه لا بد من عقد زواج. فإذا صح أنه راجعها بعد انتهاء عدتها في تلك الخمسة الأشهر فإن نكاحهما نكاح شبهة وحينئذٍ يجب تجديد العقد. تابع الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً شرح حديث (أيما امرأت نكحت على صداق أو حباء أو عدة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن معمر قال: حدثنا محمد بن بكر البرساني قال: أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذا الحديث تحت ترجمة [ باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً ] وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته) ]. والحديث يدل على أن ما كان قبل العقد وقبل الزواج أعطيته المرأة أو أعطي من أجلها، سواء أكان صداقاً أم حباءً -وهو المنحة أو العطية أو الهبة- أم عدة فإنه يكون لها، وما كان بعد عصمة النكاح فإنه يكون لمن أعطيه ولمن جعل له. ومقتضى هذا الحديث أن كل ما دفع من أجل الزواج فإنه يكون لها ولو أعطي لغيرها أو خصص لغيرها، وما كان بعد ذلك -أي: بعد الزواج وبعد العقد- فإنه لمن جعل له، سواء أبوها أو أخوها أو أمها أو أي أحد من قرابتها؛ لأن ما حصل بعد ذلك فإنه يكون من الإكرام ومن الإحسان وليس مرتبطاً بالزواج لأنه حصل بعد الزواج، وما كان قبل الزواج فإنه يكون لها، سواء خصص لها أو لغيرها، فإنه يكون كله لها وليس لأحد منه شيء، هذا هو مقتضى هذا الحديث. والحديث فيه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وهو مدلس، وقد جاء من طريقه بالعنعنة، فضعفه الشيخ الألباني رحمه الله من أجل تدليس ابن جريج ومن أجل عنعنته. ويبقى المعنى أنه إذا اشترط الولي شيئاً لنفسه فإنه لا يجوز ذلك؛ لأنه يؤدي إلى العضل وإلى تفويت الزواج عليها بسبب العراقيل التي تكون في الطريق إليها من قبل ذلك الولي الذي يشترط لنفسه شيئاً. أما إذا أعطي من غير اشتراط بل كان إكراماً فإنه لا بأس بذلك، سواء أكان قبل العقد أم بعده. وأما الاشتراط فإنه لا يليق ولا يسوغ، واللائق بالرجل أن يحرص على تزويج موليته وتسهيل الزواج لها، وأن يحذر من وضع العراقيل التي تحول دون ذلك أو التي تبعد الخطاب وتبعد من يرغب في الزواج عن التقدم للمرأة إذا عرف منه الجشع والطمع، فيئول الأمر إلى أن تفوت الفرصة على موليته، وهذا ليس من النصح للمولية، بل النصح لها يكون بتمكينها من الزواج من الكفء الذي يتقدم لها ولا يسعى لتحصيل شيء منه، وإنما المهم في الأمر أن يسعى في إسعادها وفي راحتها وفي إعفافها وفي تمكينها من الزواج. فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه إذا أعطي وإذا أكرم بشيء فإن له ذلك، وإذا كان ذلك بشرط فإنه لا يسوغ له مثل هذا العمل، وهو لا يليق بذوي الأخلاق الكريمة والشيم والمروءة. وإذا اشترط شيئاً فأعطيه فالذي يظهر أنه يكون للمرأة وأما ما يحصل من بعض الناس، حيث يدفع المهر في الظاهر للبنت ثم بعد ذلك يأخذه الأب أو الأخ فهذا غير صحيح، والواجب على الولي أن يدفع تلك الأمانة إلى المرأة ولا يبخس منها شيئاً، بل الذي ينبغي أن يزيد لها من ماله ويساعدها، لا أن يدفعه الجشع إلى أخذ حقها، وإن أخذ شيئاً منه فقد قال بعض أهل العلم بجواز ذلك لحديث (أنت ومالك لأبيك) قالوا: ويد الأب مبسوطة على مال ولده. إلا أنه مع ذلك يكون اللائق به أن لا يأخذ من مال ابنته شيئاً. تراجم رجال إسناد حديث (أيما امرأت نكحت على صداق أو حباء أو عدة...) قوله: [ حدثنا محمد بن معمر ]. هو محمد بن معمر البحراني ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن بكر البرساني ]. محمد بن بكر البرساني صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة مدلس، وهو علة هذا الإسناد، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام. والإسناد إذا استقام إلى عمرو بن شعيب فإنه يكون حسناً؛ لأن عمراً صدوق وأبوه صدوق، ومن يكون بهذا الوصف يكون حديثه حسناً، فإذا استقام الحديث إلى عمرو بن شعيب ولم يبق إلا الراوية عن أبيه عن جده فإنه يكون من قبيل الحسن، وأما إذا كان هناك علة قبل ذلك فإن المعتبر تلك العلة، والعلة هنا تدليس ابن جريج الذي يروي عن عمرو بن شعيب ، و شعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو ولا يروي عن أبيه محمد بن عبد الله ؛ لأنه لو كانت الرواية عن محمد بن عبد الله لكان الحديث مرسلاً؛ لأن محمداً ليس بصحابي، ولكن ذكر الحافظ أنه صح سماع شعيب من جده عبد الله. ولهذا يأتي في بعض الأحاديث وبعض الأسانيد (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ) فيحصل النص على الجد وأنه عبد الله ، فيكون عبد الله بن عمرو هو جد أبي عمرو بن شعيب ؛ لأنه جد شعيب و شعيب أبوه محمد ، فعمرو يروي عن أبيه، وأما شعيب فإنه يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص ، وليست روايته عن أبيه محمد ."
__________________
|
#434
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [245] الحلقة (276) شرح سنن أبي داود [245] من الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج التهنئة للمتزوج، وذلك باللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن من أحكامه ما يتعلق بالزواج بالحبلى من الزنى وما يترتب على ذلك، ومن أحكامه المهمة كذلك القسم بين الزوجات في حق من كان له أكثر من زوجة، فيقسم لهن في المبيت ويراعي حقوقهن في سفر وحضر، وليتق الله تعالى في ذلك. ما يقال للمتزوج شرح حديث الدعاء للمتزوج عند الزواج قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب ما يقال للمتزوج: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب ما يقال للمتزوج ] يعني: ما يفاتح به عند اللقاء به من الدعاء له عند الزواج، فإنه يدعى له بهذا الدعاء الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقوله: [ (بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) ] هذا هو الذي يقال للمتزوج، وفي الجاهلية كانوا يقولون: بالرفاء والبنين. فهذه تهنئة أهل الجاهلية، وهذا هو الدعاء الذي كان في الجاهلية، ومعناه أن تحصل السعادة ويحصل الوئام والوفاق والسكون والهدوء، وكذلك يحصل البنون، ولكن جاء الإسلام بترك هذه التهنئة والإتيان بما هو خير منها، وهو [ (بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) ]، فيدعي له بالبركة وأن يحصل الوئام والوفاق والجمع بينهما على خير، وهذا هو الذي يريده المتزوج؛ لأن كل خير يحصل بذلك يدخل في هذا العموم، سواء أكان بالبنين أم بغير البنين، فهو دعاء جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه الخير وفيه البركة. وقوله: [ (رفأ) ] يعني: هنأه ودعا له، والرفء قيل: إن المقصود به السكون، أي: سكون روعه وحصول هدوئه، وأنه يحصل السكن بهذا الزواج. والله تعالى قد امتن على العباد بالزواج ليسكن الأزواج إلى الزوجات فقال: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]. وقيل: إنه من الوئام والوفاق، مأخوذ من رفأ الثوب إذ لمَّ أطرافه، وإذا كان خرق فإنه يرفأ، بمعنى أنه يضم بعضه إلى بعض، فيكون فيه بدل التمزق رفؤه ووصل بعضه ببعض، فالزواج يراد به أن يكون فيه الوئام ويكون فيه الاجتماع على ما هو خير. وينبغي أن يلتزم بهذا الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التهنئة بحصول المال والأولاد ونحو ذلك فهي شبيهة بتهنئة أهل الجاهلية. وهذه التهنئة تقال للرجل عند العقد وبعد العقد وبعد الزواج. تراجم رجال إسناد حديث الدعاء للمتزوج عند الزواج قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل ]. هو سهيل بن أبي صالح ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويروي البخاري عنه مقروناً بغيره. [ عن أبيه ]. هو أبو صالح السمان ، واسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، ويقال: الزيات ؛ لأنه كان يجلب السمن والزيت، فقيل له: السمان ، وقيل له: الزيات ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى شرح حديث بصرة في زواجه بامرأة وجدها حبلى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى. حدثنا مخلد بن خالد و الحسن بن علي و محمد بن أبي السري المعنى، قالوا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار -قال ابن أبي السري : من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يقل من الأنصار: ثم اتفقوا- يقال له: بصرة رضي الله عنه قال: (تزوجت امرأة بكراً في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فإذا ولدت -قال الحسن - فاجلدها. وقال ابن أبي السري : فاجلدوها. أو قال: فحدوها) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى ] أي: ما الحكم؟ ومعلوم أن المرأة إذا كانت حبلى لا يجوز العقد عليها ولا يجوز وطؤها ما دام في بطنها حمل، فليس للإنسان أن يسقي ماءه زرع غيره، ولا يجوز له ذلك. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث رجل اسمه بصرة قال: [ (تزوجت امرأة بكراً في سترها) ]. ومعناه أنه تزوجها على أنها بكر لم تتزوج من قبل وما دخل عليها زوج، فوجدها حبلى، ومعلوم أن حمل البكر التي لم يسبق لها زواج هو من سفاح، ووطؤها مع وجود الحمل لا يجوز؛ لأنه سقي لزرع غيره ولو كان ذلك الحمل إنما حصل عن طريق الحرام، فإنه لا يجوز له، ولو عقد عليها وحصل منه الجماع فإنه يكون قد استحل فرجها فيكون لها الصداق بما استباح من فرجها. وقد جاء في الحديث أيضاً أن الولد يكون عبداً له، ومعلوم أن ولد الزنا لا يكون عبداً لأحد، وإنما هو حر وليس عليه عبودية لأحد، ولكن إذا صح الحديث فيحمل على أنه يحسن إليه ويربيه ويتولى خدمته، فيكون بمثابة العبد، وأما كونه يكون مملوكاً رقيقاً له فإن ذلك لا يصح، والعلماء قد اتفقوا على أن ابن الزنا حر وليس عبداً لأحد. قوله: [ (فإذا ولدت قال الحسن : فاجلدها) ]. كونه يجلدها ويتولى جلدها غير مستقيم؛ لأن الذي يتولى الجلد هو السلطان، والحدود يقيمها الولاة، فالحديث غير صحيح، وهو ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن ما جاء فيه لا يعول عليه، أما مسألة الصداق بكونه استحل فرجها فإن ذلك لا بأس به. تراجم رجال إسناد حديث بصرة في زواجه بامرأة وجدها حبلى [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ و الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و محمد بن أبي السري ]. هو محمد بن المتوكل ، وهو صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ المعنى ]. أي أن رواية هؤلاء الثلاثة متفقة في المعنى مع اختلاف الألفاظ. [ قالوا: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وهو ثقة مدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن صفوان بن سليم ]. صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب تابعي ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بصرة ]. بصرة صحابي، وقد أخرج حديثه أبو داود وحده. والإسناد فيه ابن جريج ، وهو مدلس، وقد جاء أنه رواه عن شخص آخر ضعيف بينه وبين صفوان ، فالحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل تدليس ابن جريج . طرق مرسلة لحديث بصرة وتراجم رجالها [ قال أبو داود : روى هذا الحديث قتادة عن سعيد بن يزيد عن ابن المسيب. ورواه يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن سعيد بن المسيب ، و عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب ، أرسلوه كلهم، وفي حديث يحيى بن أبي كثير أن بصرة بن أكثم نكح امرأة. وكلهم قال في حديثه: جعل الولد عبداً له ]. هنا ذكر طرقاً أخرى كلها مرسلة، والمتصلة هي الطريق الأولى، ولكنها ضعيفة كما عرفنا، والإرسال علة أخرى، فالحديث ضعيف لا تقوم به الحجة. قوله: [ روى هذا الحديث قتادة]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن يزيد ]. سعيد بن يزيد قال عنه أبو حاتم : شيخ لم يرو عنه إلا قتادة . أخرج له النسائي . [ ورواه يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن نعيم ]. يزيد بن نعيم مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ و عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب ]. عطاء الخرساني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. الحكم على حديث بصرة وبيان وجه مخالفته للإجماع قوله: [ أرسلوه كلهم ]. أي: ما رفعوه. والإرسال في الحديث علة، والإسناد الأول المتصل فيه ضعف، فالحديث ضعيف من الجهتين: من جهة الإرسال ومن جهة التدليس، وفيه ضعيف في الطريق الأولى بين ابن جريج وبين شيخه صفوان بن سليم ، والطرق الأخرى مرسلة، ومعلوم أن المرسل ليس بحجة، وإضافة التابعي شيئاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل. قوله: [ وفي حديث يحيى بن أبي كثير أن بصرة بن أكثم نكح امرأة. وكلهم قال في حديثه: جعل الولد عبداً له ]. أي: كلهم متفقون على هذه الرواية التي فيها جعل الولد عبداً له، ومعلوم أن هذا خلاف ما أُجمع عليه من أن ولد الزنا يكون حراً وليس هو بعبد لأحد. شرح حديث بصرة في نكاح الحبلى من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا علي -يعني ابن المبارك - عن يحيى عن يزيد بن نعيم عن سعيد بن المسيب أن رجلاً يقال له بصرة بن أكثم رضي الله عنه نكح امرأة. فذكر معناه، زاد: وفرق بينهما. وحديث ابن جريج أتم ]. ثم أورد الحديث من طريق أخرى مرسلة؛ لأن سعيد بن المسيب يخبر أن رجلاً فعل كذا وكذا، وهو من قبيل المرسل كالطرق السابقة التي قبله. قوله: [ زاد: وفرق بينهما ]. يعني أنه أبطل هذا النكاح وفرق بينهما، ومعلوم أن العقد على الحبلى لا يصح. قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا علي -يعني ابن المبارك - ]. علي بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير ، وقد مر ذكره. [ عن يزيد بن نعيم ], يزيد بن نعيم مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . الأسئلة حكم زواج الزاني بمن زنى بها بعد حملها السؤال: رجل زنى بامرأة -نسأل الله العافية- وعندما علم أنها حبلى تزوج بها، فما حكم النكاح؟ الجواب: لا يصح ذلك، فلا يعقد على حامل، ولو كان العاقد عليها هو الزاني نفسه؛ ولو كان لأنه إذا تزوجها فمعناه أنه سينسب الولد إليه، ومعلوم أن الولد جاء من سفاح وما جاء من نكاح، فلا يجوز العقد عليها ولا يجوز التزوج بها وهي حامل، لكن يمكن أن يتزوج بها إذا وضعت، فيمكن للزاني أن يتزوج بالزانية، فبدلاً من أن يفعلوا ذلك بالحرام يفعلونه بالحلال، ويعف أحدهما الآخر. نسب ولد لزنا السؤال: لمن ينسب ولد الزنا؟ الجواب: أولاد الزنا لا ينسبون لأحد، وإنما يذكر لهم نسب يناسب، بأن يقال -مثلاً: فلان ابن عبد الله أو ابن عبد الرحمن؛ إذ كل الخلق عباد الله تعالى. فيذكر له نسب يتميز به، ولا ينسب إلى الزاني ولا إلى غير الزاني، فالزاني لا ينسب إليه الولد ولا يحصل على ولد بالزنا، وليس له إلا الحجر كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. حكم من وجد امرأته حبلى بعد الزواج فأراد سترها السؤال: إذا وجد الرجل المرأة حبلى فأراد أن يسترها فهل له أن يمسكها؟ الجواب: لا يمسكها زوجها إذا وجدها حبلى؛ إذ لا يصح العقد على من كان في بطنها ولد، وليس للمرء أن يسقي ماءه زرع غيره، لكن لو كانت غير حامل بأن وجدها ثيباً بعد أن تزوجها فإن العقد يصح وله أن يجامعها؛ لأن هذا يختلف عن الذي قبله في كونه يسقي ماءه زرع غيره. القسم بين النساء شرح حديث (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في القسم بين النساء. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل). أورد أبو داود رحمه الله [ باب القسم بين النساء ] أي: بين الزوجات، وذلك بأن يعدل بينهن في المبيت والنفقة والعشرة، وأما ما يكون في القلب فهذا لا يملكه الإنسان، وهو إلى الله عز وجل، لكن ليس له أن يميل إلى من يحبها ومن يودها، وإنما عليه أن يعدل في المبيت وفي النفقة في كل شيء يملكه أو يقدر عليه، أما ما يقوم في القلوب فإنه لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، ولكن على الإنسان أن لا يميل إلى واحدة عن واحدة، وإنما يعطي كل ذات حق حقها دون أن يسيء إلى واحدة من زوجاته. فالقسم بين النساء يكون فيما يملكه الإنسان، وإذا كان في القلب ميل إلى إحداهما أو إلى إحداهن فإن الإنسان عليه أن يتقي الله عز وجل حتى لا يترتب على ذلك الميل أن يجحف في حق الباقيات وأن ينقصهن حقوقهن وأن يبخس شيئاً مما يقدر عليه في حقهن، بل عليه العدل بينهن والتسوية بينهن. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) ] لأن الجزاء من جنس العمل، فهو يأتي يوم القيامة وشقه مائل لأنه مال في الدنيا إلى واحدة دون الثانية، وهذا في الشيء الذي يقدر عليه الإنسان فتصرف فيه تصرفاً لا يسوغ له، فإنه يأتي وشقه مائل. تراجم رجال إسناد حديث (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن النضر بن أنس ]. قتادة مر ذكره، و النضر بن أنس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشير بن نهيك ]. بشير بن نهيك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره رضي الله عنه. شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) قال أبو داود : يعني القلب ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين النساء فيعدل بينهن ويقول: [ (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) ]. وقوله: [ قال أبو داود : يعني القلب ] يعني: ما يكون في القلب من زيادة المودة لإحدى الزوجات على غيرها من الزوجات، فإن هذا لا يملكه إلا الله عز وجل، وهذا وإن كان موجوداً في قلوب الرجال إلا أن الواجب عليهم مع ذلك العدل، وأن يحذروا من أن يقعوا في الميل الذي يؤدي إلى بخس الحقوق وإلى الجور وعدم القسط والعدل. والحديث أورده أبو داود بهذا الإسناد وهو إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، والشيخ الألباني رحمه الله جود إسناده في التعليق على المشكاة، وفي الإرواء ضعفه وقال: إنه من رواية حماد بن سلمة ، وقد جاء من رواية حماد بن زيد و إسماعيل بن علية من طريق مرسلة، قال: وهذان مقدمان على حماد بن سلمة . فيكون الحديث مرسلاً. لكن القاعدة أنه إذا تعارض الوصل والإرسال وكان من وصل ثقةً، فإن الوصل زيادة من الثقة وهي مقبولة. فالذي يظهر صحة الحديث وثبوته، ولا يؤثر كون بعض الرواة أرسلوه؛ لأنه ما دام قد جاء من طريق صحيحة مستقيمة مسنداً ومتصلاً فإنه يعتبر صحيحاً، وعلى القاعدة المشهورة عند المحدثين أنه إذا تعارض الوصل والإرسال فإن الوصل من الثقة مقدم؛ لأن مع الواصل زيادة ليست مع المرسل، وتكون مقبولة، وهي زيادة من ثقة. وقد ذكر الحافظ في البلوغ أن ابن حبان و الحاكم صححاه، وذكر أن الترمذي صحح إرساله، والحديث مستقيم لا إشكال فيه ولا خفاء في معناه. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن يزيد الخطمي ]. عبد الله بن يزيد الخطمي صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد - عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (يا ابن أختي! كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة رضي الله عنها حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا رسول الله! يومي لعائشة : فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها. قالت: نقول: في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها -أراه قال- وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا [النساء:128]). أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة بن الزبير يا ابن أختي. و عروة بن الزبير بن العوام هو أخو عبد الله بن الزبير ، وهي خالتهما. قالت: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم) ] أي: في القسم بين النساء في المبيت والمكث، كان يسوي بينهن، فالواحدة لها يومها وليلتها، وكان في اليوم الذي يكون عند واحدة يطوف على نسائه، فيدنو منهن ويتحدث إليهن من غير مسيس، أي: من غير أن يحصل جماع أو استمتاع، وإنما كان يؤنسهن ويدخل السرور عليهن ويتفقد أحوالهن، فكان نساؤه لا يفقدنه، بل يرينه في كل يوم، حتى يأتي إلى صاحبة النوبة فيستقر عندها ويعطيها ما تستحق في نوبتها صلى الله عليه وسلم. فعائشة رضي الله عنها وأرضاها بينت أنه كان يقسم بين نسائه، وأنه لم يكن يفضل بعضهن على بعض. ولما أسنت سودة بنت زمعة رضي الله عنها -وكان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل الهجرة بعدما ماتت خديجة وهاجرت معه- فلما أسنت وفرقت -أي: خشيت- أن النبي صلى الله عليه وسلم يفارقها، أرادت أن تبقى في عصمته وأن تظفر بهذا الشرف والفضل الذي هو كونها أماً للمؤمنين وزوجة من زوجات سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أهب نوبتي لعائشة . فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن المرأة إذا تنازلت عن حقها في القسم لواحدة من الزوجات فإن ذلك يصح، ولكن بشرط أن يقبل الزوج، وليس معنى ذلك أنها تهب نوبتها لمن لا يرتضيها الزوج ولا يريد أن يكون لها ذلك الحق الذي هو المبيت عندها ليلتين، وإنما يكون ذلك بالاتفاق، فهي تهب وهو يقبل. فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقسم لعائشة ليلتين. فسودة بنت زمعة رضي الله عنها تنازلت عن حقها في مبيته عندها وقسمه صلى الله عليه وسلم، ولكنها بقيت في عصمته، وكان يؤنسها ويدخل عليها كما يدخل على سائر نسائه، ولكن الليلة التي تنازلت عنها لعائشة كان يعطيها لعائشة ، فكان يقسم لعائشة ليلتين ولكل واحدة من زوجاته الباقيات ليلة واحدة صلى الله عليه وسلم. قوله: [قالت نقول: في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها -أراه قال- وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا [النساء:128] ]. أي: أن هذه الآية نزلت في مثل هذه الحال، وهي قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [النساء:128]. والمقصود من ذلك أن المرأة إذا خافت النشوز من زوجها وأرادت أن تبقى في عصمته وأن لا يطلقها فإنه يمكن أن تتفق معه على أن تتنازل عن حقها لغيرها وأن تبقى في عصمته. ومعلوم أن هذه مصلحة وفائدة قد تختارها المرأة وتقدمها على أن تكون مطلقة، أو تكون ذات أولاد ثم يطلقها فتتزوج وتتشتت وتبتعد عن أولادها، فتتنازل عن حقها وترضى بأن تبقى في عصمته ولا يكون لها نصيب في القسم، ولا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد - ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها. شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين و محمد بن عيسى المعنى، قالا: حدثنا عباد بن عباد عن عاصم عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا بعدما نزلت تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51] قالت معاذة : فقلت لها: ما كنت تقولين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إلي لم أؤثر أحداً على نفسي) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه بعدما نزل قول الله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51] كان يستأذنهن إذا كان في يوم الواحدة منهن، فقالت لها معاذة : ما كنت تقولين إذا استأذنك؟ قالت: كنت أقول: (إن كان ذلك إلي لم أؤثر أحداً على نفسي) ]. أي أنها لا تؤثر برسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً على نفسها رضي الله تعالى عنها وأرضاها. ولم يكن القسم واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يقسم بينهن إحساناً منه وإكراماً لهن، والآية تدل على ذلك. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا...) قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى أبو جعفر ، وهو ابن الطباع ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا عباد بن عباد ]. عباد بن عباد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذة ]. هي معاذة العدوية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها. شرح حديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه في مكثه عند عائشة في مرضه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار قال: حدثني أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى النساء -تعني في مرضه- فاجتمعن، فقال: إني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإن رأيتن أن تأذنّ لي فأكون عند عائشة فعلتن. فأذنَّ له) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصابه المرض ولم يتمكن من الطواف على نسائه في بيوتهن والقسم بينهن استأذنهن في أن يبقى في بيت عائشة فأذنَّ له بذلك صلى الله عليه وسلم. وكان من حقه صلى الله عليه وسلم أن يكون عند من يريد، ولكن هذا من كرمه ومن حسن عشرته لنسائه وإحسانه إليهن وتطييب نفوسهن رضي الله عنهن وأرضاهن، فأذنَّ له، فكان في بيت عائشة حتى توفي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في بيتها. تراجم رجال إسناد حديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه في مكثه عند عائشة في مرضه قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار ]. مرحوم بن عبد العزيز العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو عمران الجوني ]. هو عبد الملك بن حبيب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن بابنوس ]. يزيد بن بابنوس مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي . [ عن عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها. شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها وهبت يومها لعائشة) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فالتي تخرج لها القرعة يسافر بها معه، وهذا يدل على مشروعية القرعة وأنها سائغة، ويدلنا على أن الإنسان إذا أراد سفراً لا يختار واحدة من نسائه ويسافر بها، وإنما يقرع بين نسائه، والتي تخرج لها القرعة يسافر بها، وإذا سافر بها معه فإنه لا يحسب تلك المدة التي في السفر للنساء الباقيات، بل إذا جاء يقسم بينهن، فكل واحدة يبيت عندها ليلة، ولا يحسب المدة التي كان فيها في السفر ثم يعطي كل واحدة مقدار هذه المدة."
__________________
|
#435
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [246] الحلقة (278) شرح سنن أبي داود [246] للزواج في الإسلام حرمة عظيمة، وقد عظم الله حق الزوج على زوجته، كما عظم حق الزوجة على زوجها، وأوجب عليه نفقتها وكسوتها، فيجب على كل من الزوجين أن يحفظ حق الآخر كما أمره الله تعالى. حق الزوج على المرأة شرح حديث (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حق الزوج على المرأة. حدثنا عمرو بن عون أخبرنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن حصين عن الشعبي عن قيس بن سعد قال: (أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له. قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت -يا رسول الله- أحق أن نسجد لك. قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا. قال: فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) ]. أورد الإمام أبو داود هنا [ باب في حق الزوج على المرأة ] يعني حق الزوج على زوجته، ثم ذكر بعد ذلك العكس، أي: حق الزوجة على زوجها. وكل من الزوجين له على الآخر حقوق، وقد جاءت السنة ببيان ذلك، وقد بدأ المصنف رحمه الله بحق الزوج على امرأته، وهذا الحق هو أنها تسمع له وتطيع فيما هو له في غير معصية، وتقوم بشئون بيته وتربية أولاده في بيته والقرار في بيته وعدم الخروج إلا بإذنه، وغير ذلك من الأمور التي هي مطلوبة من النساء للرجال. وقد بدأ أبو داود رحمه الله بحديث قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما الذي فيه بيان عظيم حق الزوج على زوجته، وأن الأمر عظيم؛ إذ بين صلى الله عليه وسلم أنه لو كان آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها، وذلك لعظيم حقه عليها، وهذا يدلنا على عظم حق الزوج على الزوجة، وأن على الزوجة أن تحرص على تأدية ذلك الحق العظيم الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم عظيم شأنه بأنه لو كان آمراً أحداً من البشر أن يسجد لأحد من البشر لأمر الزوجات أن يسجدن لأزواجهن، والسجود لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ولكن هذا فيه بيان عظيم شأن حق الزوج على زوجته. فقيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما ذكر أنه جاء الحيرة -وهي بلدة من بلاد فارس- فرآهم يسجدون لمرزبان لهم، والمرزبان هو الزعيم والكبير والقائد والمرجع، فلما رأى أن هذا يكون من المخلوقين للمخلوق قال: أحق من يفعل ذلك معه من المخلوقين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بهذا الذي شاهده وبهذا الذي رآه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)] قال: قلت: لا. قال: [ (فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق) ]. يعني: للرجال على النساء وللأزواج على الزوجات من الحق، أي: من عظيم الحق. فذلك الحق عظيم، يدل على عظمه هذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر لا يكون؛ أنه لو كان سائغاً لكان الأولى والأحق به الزوج. والحديث فيه هذه الجملة التي فيها [ (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟) ] ولم تأت من غير هذا الطريق، وهذا الطريق فيه شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، فهي مما تفرد به ولم يتابع عليه، فتكون غير صحيحة. وأما باقي الحديث فقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه. وأما ما يفعله بعض الناس الجهلة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى المحبة والتعظيم فهو غير صحيح وغير جائز. والمحبة تكون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه واتباع سنته وعدم الخروج عليها وعدم مخالفتها، والنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه شيء يدل على ذلك، فتعظيمه يكون بمحبته واتباعه والسير على منهاجه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره، وأن لا يعبد الله إلا وفقاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي يجب ويتعين، ولا يجوز تجاوز الحد بأن يصرف للرسول صلى الله عليه وسلم شيء لا يجوز صرفه له، مثل الركوع أو السجود أو الصلاة إلى قبره وما إلى ذلك، فكل ذلك غير سائغ وغير جائز. تراجم رجال إسناد حديث (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ...) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسحاق بن يوسف ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حصين ]. هو حصين بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن سعد ]. هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما يذكر عن قيس هذا رضي الله عنه أنه كان من أطول الرجال، وذكر الحافظ في الفتح أن رجلاً من الروم قال: إنه طويل وإنه يريد أن يطاول غيره، فقالوا لقيس رضي الله تعالى عنه في ذلك فأعطاهم سراويله ليلبسه ذلك الرومي، فلما لبسه صار أسفله في الأرض وأعلاه على أنفه. شرح حديث (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه بيان وجوب إجابة المرأة لزوجها إذا دعاها لحاجته إليها، وأن عليها أن تستجيب ولو كانت مشتغلة بعمل من الأعمال المهمة، فإن لم تجبه وبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، وهذا يدلنا على عظم هذا الذنب؛ لأنه يلعن عليه، فدل ذلك على عظمه وعلى خطورته، وأن من حق الزوج على الزوجة أن تجيبه إذا دعاها لحاجته إليها، ولو كانت في حاجة مهمة فإنها تستجيب له وتلبي طلبه، وهذا يدلنا على عظم شأن حق الزوج على زوجته. قوله: [ (فلم تأته) ] يعني: لم تجبه إلى طلبه [ (فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة) ] أي أن هذه الزوجة الممتنعة التي لم تلب الطلب لزوجها فبات وهو غضبان عليها فإن الملائكة تلعنها حتى تصبح. وقوله: [ (فبات غضبان) ] قيد اللعن بهذا، أي: أما إذا لم يغضب عليها وإنما عذرها وتركها على ما هي عليه وما وجد منه غضب فإنها لا تستحق اللعن. وإذا كانت المرأة حائضاً وكان بحاجة إلى الاستمتاع بها في غير الفرج فإن عليها أن تجيبه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه...) قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي ]. محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم ]. هو سلمان الأشجعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. حق المرأة على زوجها شرح حديث (ما حق زوجة أحدنا عليه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حق المرأة على زوجها. حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد أخبرنا أبو قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو: اكتسبت- ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت). قال أبو داود : ولا تقبح: أن تقول: قبحك الله ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب في حق المرأة على زوجها ] وهي عكس الترجمة السابقة في حق الزوج على المرأة، فهنا حق المرأة على الزوج. وحق المرأة على الزوج أنه يطعمها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف، هذا هو حق الزوجة على زوجها. وأورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: [ ما حق زوجة أحدنا عليه ]. وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحرص على معرفة الأحكام والواجبات عليهم حتى يقوموا بتأديتها وحتى يقوموا بما هو مطلوب منهم فيها؛ لأنه سأل عما يجب للزوجات على الأزواج، حتى يقوم الأزواج بتأدية ذلك الحق الذي عليهم. وهذا يدل على ما كانوا عليه من الحرص على معرفة ما هو واجب عليهم وما هو مطلوب منهم حتى يؤدوه ويقوموا بإيصاله إلى من يستحقه. فبين له عليه الصلاة والسلام فقال: [ (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو: اكتسبت- ولا تضرب الوجه) ] يعني: إذا ضرب الضرب السائغ الذي هو مأذون له فيه فإنه لا يضرب الوجه، وذلك لأن الوجه فيه العينان وفيه الأنف وفيه الأذنان وفيه الفم واللسان، فيترتب على ذلك تعطيل شيء من هذه المنافع إذا حصل التعدي على المرأة بالضرب في وجهها. ثم إن الوجه لا يضرب في جميع الأحوال، وذلك في حق الرجال وحق النساء، والحديث هو في معاملة الرجال للنساء، ولكنه يشمل غير النساء، كما في تأديب الأولاد ونحو ذلك، فيتقى الوجه لما يخشى أن يترتب على ضربه من تعطيل المنافع التي فيه. وعليه فإنه يقال للاعبي الملاكمة: لا تضربوا الوجوه، فالنهي عام يشمل كل الأحوال، ومنها الأمور الرياضية. وقد جاء في الحديث تعليل ذلك بأن الله تعالى خلق آدم على صورته، وهذا الحديث اختلف في تفسيره على أقوال، منها أن الضمير يرجع إلى الله، وأن المقصود منه أنه متكلم سميع بصير، وإن كان ما يضاف إلى الله عز وجل يختلف عما يضاف إلى المخلوقين. وقيل: إن الضمير يرجع إلى آدم، وهو أنه خلق أول ما خلق على هيئته التي هو عليها طوله ستون ذراعاً، ولم يكن خلق على هيئة صغيرة وكبر شيئاً فشيئاً كما تنمو ذريته، وإنما خلق أول ما خلق وطوله ستون ذراعاً، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمشهور عند علماء أهل السنة وعند أهل الحديث أن الضمير يرجع إلى الله، وأن الله عز وجل يوصف بأن له صورة، ولكن تلك الصورة هي على الوجه اللائق بكماله وجلاله، والله تعالى لا يشابه المخلوقين في صفاتهم، والمخلوقون لا يشابهون الله عز وجل في صفاته، بل صفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوقين تليق بضعفهم وافتقارهم، والصورة هي الصفة. [ ولا تقبح ] أي: بأن يخاطبها بما هو قبيح وبما هو غير لائق، ومن ذلك أن يقول: قبحك الله. فإن التقبيح يدخل فيه (قبحك الله) ويدخل فيه كل وصف لا يليق ولو كان غير لفظ التقبيح. قوله: [ (ولا تهجر إلا في البيت) ]. يعني: عندما يهجر الإنسان امرأته الهجر المشروع الذي يسوغ له فإنه لا يهجر إلا في البيت، وليس معنى ذلك أنه يهجر البيت فلا يأتي إليها في البيت، وإنما المعنى أنه يكون معها ولكنه يهجرها في المضجع، فلا يجامعها تأديباً لها إذا كان الأمر يقتضي ذلك. وقوله: [ (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت) ] ليس معناه أنه لا يطعمها إلا إذا طعم، ولا يلبسها إلا إذا لبس هو، بل المراد أنه كما يطعم نفسه ويلبس نفسه فإنه يطعمها ويكسوها، وليس بلازم أنه لا يكون ذلك إلا عندما يفعله هو، وإنما يقدم لها الشيء المطلوب منه الواجب لها عليه. ومعلوم أنه غالباً ما يأكل أهل البيت في وقت واحد، فليس المعنى أنه لابد من أن يكون هذا مع هذا. فالمهم أن يحصل لها الطعام وتقدم لها النفقة وتقدم لها الكسوة، أو تعطى النقود التي تشتري بها ما تحتاج إليه من الكسوة، فالمهم أن يكسوها ويطعمها. وحد ذلك هو المعروف، فالنفقة بالمعروف، وكل بحسبه، كما قال الله عز وجل: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]. والنفقة حق واجب على الزوج لزوجته حضر أو غاب، فإذا لم يجد الزوج في وقت فأنفقت المرأة على نفسها أو اقترضت لتنفق على نفسها فإن الزوج يلزم بدفع ما اقترضته أو ما أنفقته على نفسها. تراجم رجال إسناد حديث (ما حق زوجة أحدنا عليه) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا أبو قزعة الباهلي ]. هو سويد بن حجير ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن حكيم بن معاوية ]. حكيم بن معاوية صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو معاوية بن حيدة ، صحابي أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. شرح حديث (نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا بهز بن حكيم حدثني أبي عن جدي رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! نساؤنا! ما نأتي منهن وما نذر؟ قال: ائت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ولا تضرب) قال أبو داود : روى شعبة (تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت) ]. أورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر ] يعني: كيف يكون الاستمتاع بهن؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الاستمتاع يكون في محل الحرث، وهو الفرج على أي حال وفي أي اتجاه، سواء كان من أمامها أم من ورائها، فالمهم أن يكون في محل الحرث، كما قال الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] فبين صلى الله عليه وسلم أن الاستمتاع والانتفاع إنما يكون في محله، ولكنه ليس مقيداً بجهة معينة، بل على أي جهة وعلى أي حال ما دام أنه في الفرج. قوله: [ (وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا كتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب) ]. هذا مثل الذي قبله، فليس للرجل أن يضرب امرأته، وإذا احتاج إلى الضرب فإنه يضربها ضرباً غير مبرح، وذلك هو الذي جاء فيه الإذن بقوله تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]. وقوله: [ قال أبو داود : روى شعبة (تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت) ]. هذه طريق ثانية للحديث، وفيها مثل ما في قبلها. تراجم رجال إسناد حديث (نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر) قوله: [ حدثنا ابن بشار ]. هو محمد بن بشار ، الملقب ببندار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بهز بن حكيم ]. بهز بن حكيم صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ حدثني أبي عن جدي ]. أبوه وجده قد مر ذكرهما، والحديث من رواية من روى عن أبيه عن جده. شرح حديث (أطعموهن مما تأكلون) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرني أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري حدثنا عمر بن عبد الله بن رزين حدثنا سفيان بن حسين عن داود الوراق عن سعيد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية القشيري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فقلت: (ما تقول في نسائنا؟ قال: أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون، ولا تضربوهن، ولا تقبحوهن) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله فيه ذكر الكسوة والإطعام والنهي عن الضرب وعن التقبيح. ولكن -كما عرفنا- جاء في القرآن ما يدل على جواز الضرب، ولكن هذا الضرب إنما يكون على وجه لا يلحق ضرراً بالمرأة المضروبة، وإنما يحصل به المقصود ولا يحصل معه ضرر يعود عليها في جسمها بالعيب أو بالضرر. تراجم رجال إسناد حديث (أطعموهن مما تأكلون) قوله: [ أخبرني أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري ]. أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عمر بن عبد الله بن رزين ]. عمر بن عبد الله بن رزين صدوق له غرائب، أخرج له مسلم و أبو داود. [ حدثنا سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن داود الوراق ]. داود الوراق مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سعيد ]. هو سعيد بن حكيم ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . والرواية هنا فيها ثلاثة أوجه كما ذكر في عون المعبود، وجه أن سعيداً يروي عن أبيه عن جده، ووجه أنه يروي عن أخيه بهز عن أبيه عن جده، ووجه أن الرواية إنما هي عن بهز مباشرة عن أبيه عن جده. وهذه الرواية هي مثل رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وكلتا الروايتين أصحابهما صدوقون، وعليه فإذا صح السند إلى بهز و عمرو فإن الحديث يكون حسناً. على أن المنذري قد ذكر أن نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مختلف فيها. ضرب النساء شرح حديث (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ضرب النساء. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع) قال حماد : يعني: النكاح ]. أورد أبو داود : [ باب في ضرب النساء ] وضرب النساء جاء به القرآن، ولكنه على وجه لا يكون مؤثراً ولا يكون مبرحاً، وإنما يحصل به التأديب من غير مضرة، ولو أمكن أن يصار في التأديب إلى غير الضرب وأن تحصل معالجة الأمر بدونه فلا شك في أن ذلك أولى، ولكن إذا احتيج إليه فليكن على وجه لا يؤثر ولا يلحق ضرراً بالمرأة المضروبة. وأورد أبو داود حديث أبي حرة عن عمه رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع) ]. وقوله: [ قال حماد : يعني النكاح ]. أي أن الهجر في المضجع هو أن لا يجامعها، فينام معها في الفراش لكن لا يجامعها، والحديث يتعلق بالهجر ولا يتعلق بالضرب، ولكن سيأتي ما يتعلق بالضرب. تراجم رجال إسناد حديث (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد عن علي بن زيد ]. موسى بن إسماعيل و حماد مر ذكرهما و علي بن زيد هو ابن جدعان ، وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي حرة الرقاشي ]. قيل: اسمه حنيفة . وقيل: حكيم . ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن عمه ]. قيل: اسمه حذيم بن حنيفة . وقيل: عمر بن حمزة . وهو صحابي له حديث واحد. شرح حديث (لا تضربوا إماء الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي خلف و أحمد بن عمرو بن السرح قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله -قال ابن السرح : عبيد الله بن عبد الله - عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تضربوا إماء الله. فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن. فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم) ]. أورد أبو داود حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تضربوا إماء الله) ] فهذا نهي عن الضرب، فجاء عمر رضي الله عنه وقال: [ (ذئرن النساء على أزواجهن) ] ومعناه أنهن تجرأن عليهم وحصل منهن تطاول يحتجن معه إلى التأديب. (فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في ضربهن) وهذا يدل على أن الترخيص جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في القرآن وَاضْرِبُوهُنَّ . وفي قوله: [ ذأرن النساء ] جمع بين الضمير والاسم الظاهر، وهي اللغة التي يسمونها (لغة أكلوني البراغيث) وقد جاء بها القرآن والحديث، وذلك في قول الله عز وجل: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواَ [الأنبياء:3] وفي الحديث (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) فهي لغة من اللغات. قوله: [ فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن ]. معناه أنه بعد ما حصل الترخيص حصل الضرب، فجاء النساء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون أزواجهن لحصول الضرب منهم، فقال صلى الله عليه وسلم في حق ضاربي زوجاتهم: [ (ليس أولئك بخياركم) ] يعني الذين يضربون النساء. فالضرب وإن كان مرخصاً فيه إلا أنه لا ينبغي أن يصار إليه إلا للضرورة، وليس المعنى أنه حين وجدت الرخصة يتهاون بالضرب ويحصل إيذاؤهن بالضرب، وإنما يصار إلى الضرب عند الضرورة إليه، كالكي بالنسبة للعلاج لا يصار إليه إلا عند الضرورة وعند الحاجة. تراجم رجال إسناد حديث (لا تضربوا إماء الله) قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي خلف و أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عبد الله ]. هو عبد الله بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال ابن السرح : عبيد الله بن عبد الله ]. عبيد الله هو أخو عبد الله ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب ]. إياس بن عبد الله بن أبي ذباب مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . شرح حديث (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن عبد الرحمن المسلي عن الأشعث بن قيس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته) ]. أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته) ] يعني أن له هذا الحق وأنه لا يعترض عليه، وقد يكون المعنى أنه لا يسأل عن الأسباب، إذ قد يكون الإفصاح عنها فيه حرج عليه. ولكن الحديث غير ثابت؛ لأن فيه عبد الله المسلي ، وهو مقبول، فالحديث غير صحيح، والضرب لا يصار إليه إلا عند الضرورة ومع حصوله يكون خفيفاً وسهلاً وغير مبرح. تراجم رجال إسناد حديث (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود بن عبد الله الأودي ]. داود بن عبد الله الأودي ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن المسلي ]. عبد الرحمن المسلي مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الأشعث بن قيس ]. الأشعث بن قيس رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن الخطاب ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة."
__________________
|
#436
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [247] الحلقة (279) شرح سنن أبي داود [247] من الأحكام الشرعية المتعلقة بتصرفات المكلف ما يتعلق بنظره إلى الأجنبية؛ إذ قد حرم الشرع النظر إليها واعتبره زناً مكتوباً على ابن آدم، ولما كان المرء قد ينظر إلى الأجنبية فجأة دون قصد جعل الشرع الإثم مرفوعاً عنه فيها وحرم عليها ما سوى نظرة الفجأة، ومن الأحكام الشرعية في تصرفات المكلف تجاه المرأة ما يتعلق بالسبية حين تصير في يد من صارت نصيبه، وحيئذٍ فقد أباح الشرع له أن يملكها وأن يطأها بعد أن يستبرئها بحيضة، وبعد أن تضع إن كانت حاملاً ولا يجوز له وطؤها قبل ذلك. ما يؤمر به من غض البصر شرح حديث جرير رضي الله تعالى عنه في نظر الفجأة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به من غض البصر. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة عن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك). أورد أبو داود [ باب ما يؤمر به من غض البصر ]. وغض الأبصار مطلوب من الرجال والنساء، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] ثم قال في الآية التي بعدها: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] فغض البصر مطلوب، فالرجال يغضون الأبصار عن النساء، والنساء يغضضن الأبصار عن الرجال. وأورد أبو داود حديث جرير رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: (اصرف بصرك)، ومعناه أن الإنسان إذا وقع بصره على امرأة فجأة من غير اختيار فإنه لا يواصل ويستمر، وإنما عليه أن يصرف بصره ذلك الذي حصل اتفاقاً من غير قصد، وهو معذور فيه، وأما إذا أمعن النظر وداوم واستمر فإن هذا يكون مؤاخذاً عليه ومنهياً عنه. وذكر النظر في كتاب النكاح لعله لكون النظر منه ما هو مشروع، وهو النظر إلى المخطوبة ومنه ما هو غير مشروع. تراجم رجال إسناد حديث جرير رضي الله تعالى عنه في نظر الفجأة قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سعيد ]. هو عمرو بن سعيد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي زرعة ]. هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا تتبع النظرة النظرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري أخبرنا شريك عن أبي ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وهو يوضح قوله: (اصرف بصرك). ومعنى الحديث أن النظرة الأولى التي حصلت من غير قصد ومن غير اختيار هو معذور فيها، ولا يواصل ويتبع النظرة النظرة؛ لأن الأولى حصلت وهو معذور فيها، وليست له التي تليها؛ لأنها تكون بقصد وذلك لا يسوغ، فالحديث الثاني يوضح الحديث الأول. تراجم رجال إسناد حديث (لا تتبع النظرة النظرة) قوله: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ]. إسماعيل بن موسى الفزاري صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ أخبرنا شريك ]. شريك مر ذكره. [ عن أبي ربيعة الإيادي ]. قيل: اسمه عمر بن ربيعة ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن ابن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها) ] والمباشرة هي المس واتصال الجسم بالجسم، بمعنى أنها تلمسها أو تضع يدها على جسمها لتدرك مدى نعومتها، فهذا هو المقصود من المباشرة؛ وذلك لأن هناك نظراً وهناك مباشرة، فالنظر يكون بإطلاق البصر إليها، وأما المباشرة فتكون بوضع اليد على جسمها لتعرف المرأة بالملامسة مدى نعومة الجسم، فليس للمرأة أن تفعل ذلك من أجل أن تصفها لزوجها أو تصفها لأحد من الناس كأنه ينظر إليها. لكن إذا أرسل الرجل إحدى محارمه لتنظر إلى امرأة وتصفها له ليخطبها فذلك لا بأس به لأنه قد تعلق به غرض صحيح مشروع. تراجم رجال إسناد حديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. قد مر ذكره. [ عن الأعمش ]. الأعمش مر ذكره. [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة الكوفي ، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث إتيان الرجل زوجته إن رأى امرأة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش رضي الله عنها فقضى حاجته منها، ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم: إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله؛ فإنه يضمر ما في نفسه) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب أم المؤمنين فقضى حاجته منها ثم قال لأصحابه: [ (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله؛ فإن ذلك يضمر ما في نفسه) ]. ومعناه أن ذلك الذي معها هو موجود مع أهله، فيقضي حاجته مما أحل الله ولا يطلق بصره وينظر إلى ما حرم الله. فإذا وجدت منه الشهوة ووجدت منه الرغبة لكونه رأى شيئاً -سواء بقصد أو بغير قصد- فالمشروع في حقه أن يقضي حاجته من أهله؛ لأنه بذلك يضمر ما في نفسه، أي أنه يحصل إضعاف الشهوة وإضعاف القوة التي فيه، هذا هو المقصود بالإضمار، فهو من الضمور الذي هو ضد القوة والنشاط. تراجم رجال إسناد حديث إتيان الرجل زوجته إن رأى امرأة قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث من رباعيات أبي داود ؛ لأن بين أبي داود فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص. شرح حديث (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر أخبرنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تُمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه) ]. قول ابن عباس [ ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ] المقصود باللمم صغائر الذنوب، يشير بذلك إلى قول الله عز وجل: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] يعني الذنوب التي هي صغائر، ومعلوم أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، فابن عباس رضي الله تعالى عنه يبين أن اللمم الذي جاء ذكره في القرآن الكريم يفسر بما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم [ (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة) ]. قال صلى الله عليه وسلم: [ (فزنا العينين النظر) ]، فسمى مقدمة الزنا زنا وأطلق على المقدمة اسم النهاية، وذلك لأن النظر ومداومة إطلاق النظر قد يتبعه وقد يترتب عليه حصول الزنا. قال: [ (وزنا اللسان المنطق) ] يعني الكلام، وذلك بأن يأتي بكلام فيه تعريض أو فيه تصريح أو ما إلى ذلك، فهو مقدمة ووسيلة إلى الزنا. قال: [ (والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) ]، فما يكون من الفرج هو النهاية، فإذا حصل الزنا -والعياذ بالله- فإنه يكون قد حصل التصديق لهذه المقدمات ولهذه الوسائل ولهذه البدايات، فصارت النهاية وقوع الجريمة ووقوع الضرر الكبير ووقوع الجرم العظيم الذي هو الزنا. وقوله: [ (أو يكذبه) ] يعني: فلا يحصل شيء، وإنما تنتهي المسألة عند الصغائر، لكن الصغائر قد تلتحق بالكبائر، وذلك بكون الإنسان يداوم ويصر عليها، فإنها تضخم وتعظم حتى تلتحق بالكبائر، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. فالكبيرة مع الاستغفار تتضاءل وتضمحل وتتلاشى، والصغيرة مع الإصرار تضخم وتعظم؛ لأن صاحبها ليس عنده اكتراث وليس عنده خوف من الله عز وجل، فهو مصر عليها ومداوم عليها، فقد تلتحق بالكبائر. والصغائر يكفرها اجتناب الكبائر، كما في جاء في الحديث (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر). وقوله: [ (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا) ] الكتابة هنا كتابة قدرية؛ لأن الكتابة تكون شرعية وتكون قدرية كونية، والكتابة القدرية الكونية هي التي في اللوح المحفوظ، فما كتب الله في اللوح المحفوظ فإنه يقع، وما قدر الله أن يكون فإنه لابد من أن يكون، أما الكتابة الشرعية فمثل قول الله عز وجل: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45] يعني: فرضنا وأوجبنا وحكمنا بأن النفس بالنفس، ولكن الكتابة المذكورة في الحديث كتابة قدرية. والمقصود بقوله: [ (ابن آدم) ] فيه أقوال، والذي يظهر أن المقصود بذلك من كان كتب عليه ذلك، ولا يعني أن كل بني آدم كتب عليهم ذلك، فإن من عباد الله ومن خلق الله ومن أولياء الله من يعصمه الله عز وجل من ذلك، فالكتابة ليست على كل أحد، والعموم فيها ليس بمراد على الإطلاق؛ لأن من بني آدم رسل الله، ومنهم الصديقون، ومنهم أولياء الله عز وجل الذين يبتعدون ويحرصون على الابتعاد عن الصغائر فضلاً عن الكبائر، وعلى هذا فيكون المراد بابن آدم من حصل منه ذلك، أما من عصمه الله ومن وفقه الله فلم يكن من أهل الزنا فإنه لا يحصل منه ذلك، وليس مكتوباً عليه؛ لأن المكتوب لابد من أن يقع، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وقد يقال: إذا كانت هذه الأمور مكتوبة على ابن آدم لا محالة فهل يحاسب على فعله؟ والجواب: نعم يحاسب على فعله؛ لأن كل شيء مكتوب على ابن آدم، فالكفر مكتوب على ابن آدم، والإسلام مكتوب على ابن آدم، وكل ما يقع ويحصل في الوجود لبني آدم مكتوب على ابن آدم، لكن لا يحصل ذلك الذي كتب عليه من غير اختياره ومن غير إرادته، وليس هو مجبوراً على ذلك، فالله كتب والعبد اكتسب، ولهذا يمدح ويذم، ولو كان الإنسان ليس له إرادة ولا مشيئة فكيف يمدح وكيف يذم وكيف يعاقب ويجازى على الإحسان إحساناً وعلى الإساءة عقوبة؟! ذلك لأن الإنسان له اكتساب في هذا من ناحية أنه مختار وعنده إرادة وعنده مشيئة، وأما كون الإنسان مجبوراً على أفعاله فهذا ليس بصحيح، فمذهب الجبرية باطل، ومذهب القدرية الذين يقولون: إن العباد يخلقون أفعالهم والله ما قدرها عليهم كذلك باطل، والحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فالله تعالى قدر، وهو خالق كل شيء، وما قدره الله لابد له من أن يوجد، والعبد له إرادة ومشيئة واختيار، ولهذا يفرق بين الشيء الذي يكون من إرادة الإنسان والذي ليس من إرادة الإنسان، ولهذا يعرفون الفاعل في علم النحو فيقولون: اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث. فالإنسان إذا قيل عنه: أكل وشرب فالأكل فعل للإنسان مضاف إليه، لكن الأكل والشرب الذي يحصل للإنسان قد قدره الله تعالى وكتبه، وما شاء الله كان، وكل شيء وقع ووجد عرفنا أنه مقدر؛ لأنه ما شاء الله كان، لكن هل يقع والإنسان مجبور عليه وليس له إرادة وليس له اختيار؟! لا، بل له إرادة وله اختيار وله مشيئة تدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث، وقيام الحدث به ليس من فعله، كأن يقال: مرض فلان ومات فلان. فالمرض ليس فعلاً له، بل هو شيء خارج عن إرادة الإنسان، وقولنا: (مات فلان) فلان فيه فاعل، وهو ما فعل الموت، ولكن قام به الموت، والله تعالى هو الذي خلقه فيه وأوجده. ففرق بين (أكل وشرب) وبين (مرض) وفرق بين الذي يتصرف بأعضائه وبين من ترتعش يده، فالذي ترتعش يده ليس ذلك من فعله، وضربه وأكله وشربه من فعله، ففعله يستحق عليه العقوبة إذا كان سيئاً، وأما الشيء الذي ليس من فعله فلا يعاقب عليه الإنسان. فإذا كان إنسان يضرب الناس ويؤذيهم فأتى إليه أحد ليؤاخذه على هذا فإنه إذا ضربه من أجل أن يمتنع لأنه قادر على ذلك فضربه عمل صحيح، لكن لا يؤتى إلى شخص ترتعش يده فيضرب ويقال له: أوقف حركة يدك. لأن هذا ليس من فعل الإنسان، ولكن يوصف الإنسان بأنه مرتعش أو أن فيه وصف كذا وكذا. فالشيء الذي ليس فيه للإنسان إرادة من مثل هذا القبيل. فالجبرية يقولون: إن الإنسان ليس له إرادة، وإنه مثل الأشجار التي تحركها الرياح ومثل الريشة التي تطير في الهواء، فحركاته ليست باختياره. وهذا جانب. ويقابله جانب المعتزلة القائلين بخلق أفعال العباد، والذين يقولون: إن الله ما قدر أفعال العباد، وإن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم. ولهذا قيل: إنهم مجوس هذه الأمة. والحق وسط، فالله تعالى خالق ومريد، وإذا أراد الشيء كان، والعبد مختار ومكتسب، فيمدح ويذم على ما يحصل منه من الكسب، ويثاب ويعاقب على ما يحصل منه من الكسب، ولكن لا تخرج مشيئته وإرادته عن مشيئة الله وإرادته، كما قال الله عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله بعض أصحابه عن العمل هل هو فيما يستقبل أو في أمر قد فرغ منه أخبرهم أنه في أمر قد فرغ منه، قالوا: ففيم العمل؟! فقال: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، فأهل السعادة ييسرون لعمل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرون لعمل أهل الشقاوة). تراجم رجال إسناد حديث (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن ثور ]. هو محمد بن ثور الصنعاني ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن طاوس ]. هو عبد الله بن طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ مما قال أبو هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، والحديث من رواية صحابي عن صحابي. شرح حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا) قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لكل ابن آدم حظه من الزنا -بهذه القصة- قال: واليدان تزنيان، فزناهما البطش، والرجلان تزنيان فزناهما المشي، والفم يزني فزناه القبل) ]. أورد أبو داود حديثاً بالمعنى الذي سبق في حديث أبي هريرة وفيه: [(واليدان تزنيان فزناهما البطش)] يعني التناول والمس وما إلى ذلك. قال: [ (والرجلان تزنيان، فزناهما المشي) ]. يعني المشي إلى المعصية وإلى الفاحشة وإلى البحث عنها والسعي للوصول إليها. فالعين تنظر، واليد تلمس وتمد، والرجل تمشي، واللسان يتكلم، وكل ذلك فيما يتعلق بالفاحشة، والنهاية الفرج، فإن وجد منه تصديق ذلك انتهت تلك إلى غاية سيئة، وإن لم تحصل تلك الغاية فإن الفرج يتخلف عن الوقوع في الفاحشة. وتلك المقدمات إذا لم يصر الإنسان عليها ولم يسع إلى الفاحشة ولم يجتهد في الوصول إليها فإنها تكفر، وأما إذا كان الإنسان مصراً ينتهز الفرص التي تؤدي إلى الفاحشة ويتحينها حتى يقع فيها ولم يتركها إلا بسبب العجز عن الوصول إليها فإن تلك الأفعال التي يفعلها من كلام أو لمس أو مشي فإنه يؤاخذ بها؛ لأن هذه أعمال وحركات مقصودة ومتعمدة. تراجم رجال إسناد حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و البخاري روى له مقروناً. [ عن أبيه ]. هو أبو صالح السمان ، اسمه ذكوان ولقبه السمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
__________________
|
#437
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا) من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه القصة، قال: (والأذن زناها الاستماع) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه زيادة أن الأذن زناها الاستماع، أي: الاستماع إلى ما يتعلق بالفاحشة. قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن القعقاع بن حكيم ]. القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي صالح عن أبي هريرة ]. قد مر ذكرهما. وطء السبايا شرح حديث أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في وطء السبايا. حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث يوم حنين بعثاً إلى أوطاس، فلقوا عدوهم فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحرجوا من غشيانهم من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله تعالى في ذلك وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] أي: فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي وطأ السبايا، أي: المرأة المسبية، والمراد الكلام في وطئها وجماعها لمن تكون نصيبه من السبي ولمن تكون له، فإنه يطؤها بعد استبرائها، فإن كانت حاملاً فبوضع حملها، وإن كانت تحيض فبحيضة، وإن كانت لا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر، وقد جاءت الأحاديث في ذكر الحيض وفي ذكر الحمل، وجاء ذكر الوطء بعد انقضاء عدتها التي هي وضع الحمل أو حصول حيضة واحدة، وإذا كانت غير حامل ولا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر. وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه لما كان يوم حنين وحصل الانتصار على الأعداء وطفروا بالسبايا كأن بعض الصحابة تحرجوا من وطئهن من أجل أنهن ذوات أزواج، ومن المعلوم أن ذوات الأزواج أبضاعهن لأزواجهن، ليس لأحد أن يطأهن، فهن محرمات، وقد حرم الله عز وجل نكاح المحصنة، والمحصنة تأتي بمعنى المتزوجة، كما أنها تأتي بمعنى العفيفة. فلما تحرجوا أنزل الله عز وجل هذه الآية وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] أي أن ذوات الأزواج هن حرام عليكم، ويستثنى من ذلك ملك اليمين؛ لأن المرأة إذا سبيت وهي ذات زوج انفصل الزواج وانقطع، ولم يكن لزوجها حق فيها بعد أن سبيت، فبعد ذلك تعتد، فإذا كانت حاملاً فبالوضع، وإذا كانت تحيض فبحيضة حتى يتحقق من أنها سليمة من الحمل. فقول الله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24] معناه: المتزوجات. فالله تعالى قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ... [النساء:23] ثم قال في الآية بعدها: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] فالمحصنة ذات الزوج التي سبيت تنتهي علاقتها بزوجها ويكون لمن صارت نصيبه من السبي. فملك اليمين مستثنى من تحريم ذوات الأزواج في قوله تعالى: (( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ )) لأن المحرمات ذكرهن الله عز وجل في قوله: (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ... )) الآية وختم ذلك بقوله تعالى: (( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ )) واستثني من ذلك ملك اليمين، فإنها توطأ وإن كانت ذات زوج؛ لأن علاقتها بزوجها انتهت بسبيها. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ،ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. هو يزيد بن زريع ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح أبي الخليل ]. صالح أبو الخليل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي علقمة الهاشمي ]. أبو علقمة الهاشمي ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث همه صلى الله عليه وسلم بلعن واطئ سبية حامل قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا مسكين حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في غزوة فرأى امرأة مجحا، فقال: لعل صاحبها ألم بها. قالوا: نعم. فقال: لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟! وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟!) ]. أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى امرأة مجحاً، وهي الحامل التي قربت ولادتها، فقال: [ (لعله ألم بها) ] أي: لعل صاحبها ألم بها، يعني الذي هي نصيبه من السبي، قالوا: نعم. أي أنه وطئها. فقال صلى الله عليه وسلم: [ (لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟! وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟!) ] والمقصود من ذلك أن المسبية إذا كانت حاملاً لا توطأ حتى تلد، وإذا كانت حائلاً لا توطأ حتى تحيض حيضة فقال: (كيف يورثه وهو لا يحل له؟! وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟) وذلك إذا وطئها ومضى على الوطء أكثر من ستة أشهر -وهي أقل مدة الحمل- فقد يكون ذلك الحمل منه هو، وعلى ذلك كيف يكون ولده عبداً له فيستخدمه وهو لا يحل له؟! وإن كان ليس منه فكيف يورثه ويصير ولداً له؟! وقوله: [ (لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره) ] معناه أنه يدوم لعنه ويستمر لعنه ويستمر معه حتى يصل إلى قبره، وفيه دلالة على أن ذلك الفعل من الكبائر. تراجم رجال إسناد حديث هم النبي صلى الله عليه وسلم بلعن واطئ سبية حامل قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا مسكين ]. هو مسكين بن بكير الحواني ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له صحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن خمير ]. يزيد ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ]. عبد الرحمن بن جبير بن نفير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو جبير بن نفير ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الدرداء ]. واسمه عويمر رضي الله عنه، أخرج له صحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا توطأ حامل حتى تضع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -ورفعه- أنه قال في سبايا أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال في سبايا أوطاس: [ (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) أي أن الذي تكون هي نصيبه من السبي لا يطؤها حتى تضع حملها، وإذا كانت غير ذات حمل وهي تحيض فلا توطأ حتى تحيض حيضة، وليس المقصود من ذلك أن لزوجها الأول حقاً وأن العدة من أجل زوجها، بل المقصود من ذلك الاطمئنان إلى براءة رحمها بأن ليس فيه حمل. وأما الاستمتاع بالمسبية فيما دون الفرج قبل انقضاء المدة فالذي يبدو أنه لا بأس بذلك؛ لأن المحذور هو أن يحصل منه سقي زرع غيره، وكذلك يخشى أن يكون هناك حمل فيطؤها قبل أن تعتد أو قبل أن تحيض حيضة، فيكون هناك اشتباه في أنه منه أو من الأول، فمعنى ذلك أنه يطمئن إلى أن الحمل للأول فتترك حتى تلد، أو يعلم أنها ليست بذات حمل من الأول فتوطأ بعد استبراء، فالذي يبدو أن الاستمتاع بما دون الفرج دون أن يصل إلى فرجها شيء لا بأس به؛ لأن المنع هو من الوطء، وعلى كل فالحائض -كما هو معلوم- يجوز الاستمتاع بها دون الفرج. تراجم رجال إسناد حديث (لا توطأ حامل حتى تضع) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، ساء حفظه لأنه ولي القضاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قيس بن وهب ]. قيس بن وهب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي الوداك ]. هو جبر بن نوف ، صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا البخاري . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قد مر ذكره. وقوله: [ ورفعه ] يعني أنه أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أو: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأن كلمة (رفعه) تعني أنه أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ المرفوع ما أضيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام. شرح حديث النهي عن وطء الحامل من غير مالكها ووطء السبية قبل استبرائها وبيع المغنم قبل القسمة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: قام فينا خطيباً قال: أما إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم حنين، قال: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره -يعني إتيان الحبالى-، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم) ]. أورد أبو داود حديث رويفع بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنه خطب فقال: لا أقول إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره) ]. والمقصود من ذلك إتيان النساء الحبالى، وسواء أكان ذلك الحمل عن طريق زواج، كما يكون في المسبيات، أو كان عن طريق الزنا، فليس لأحد أن يطأ ذات حمل، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، والمراد أن يطأ المرأة؛ لأن الولد الذي في بطنها لغيره، فماؤه الذي يضعه في فرجها هو بمثابة الماء الذي يسقى به الزرع. وبعض أهل العلم قال: إن هذا يدل على أن الولد ينفعه الماء الذي يحصل للمرأة الموطوءة وفي بطنها حمل. ومنهم من يقول: إن المقصود من ذلك كون مائه يقع على شيء ليس له، وليس بلازم أن يستفيد منه الجنين الذي في البطن بسبب الجماع الذي يحصل لأمه، فالمقصود من ذلك منع وطء ذات الحمل، ويكون ذلك بمثابة سقي زرع غيره، سواء انتفع الجنين بهذا الوطء أو لم ينتفع، فإنه يصدق عليه أنه سقى ماءه زرع غيره. وقوله: [ (يؤمن بالله واليوم الآخر) ] ذكر الإيمان بالله وذكر الإيمان باليوم الآخر، وهما من أصول الإيمان الستة التي هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وذكر الإيمان بالله لأنه أساس الإيمان، وكل ما يؤمن به بعد الإيمان بالله تابع للإيمان بالله، ولهذا قال في ذكر أركان الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) فما بعد الله عز وجل مضاف إليه، والذي لا يؤمن بالله لا يؤمن بالكتب ولا بالرسل، وذكر اليوم الآخر مع الإيمان بالله تذكيراً بالمعاد وتذكيراً بالثواب والعقاب، فإذا كان في أمر محمود فإنه يصير من باب الترغيب في العمل الصالح من أجل أن يحصل ثوابه، وإذا كان في أمر محرم فإنه يكون ترهيباً من ذلك العمل لئلا يحصل الجزاء عليه عذاباً وعقاباً، وهنا من باب التحذير، فمعناه أنه لا يجوز، وهنا تذكير له باليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء، وأن الإنسان يعاقب على ما يحصل منه في الدار الآخرة. قوله: [ (ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها) ]. هذا من الأمور التي يجيء فيها التحذير؛ فلا يحل للمرء أن يقع على سبية حتى يستبرئها، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت غير حامل فبكونها تحيض حيضة. وقوله: [ (ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم) ] أي: يقسم على الغانمين، وعند ذلك يبيع الشيء الذي يكون له. وقوله: [ قام فينا خطيباً ] فاعل (قام) هو رويفع ، والقائل هو حنش الصنعاني . تراجم رجال إسناد حديث النهي عن وطء الحامل من غير مالكها ووطء السبية قبل استبرائها وبيع المغنم قبل القسمة قوله: [ حدثنا النفيلي ]. النفيلي قد مر ذكره. هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مرزوق ]. هو أبو مرزوق المصري التجيبي ، واسمه حبيب بن الشهيد ، ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن حنش الصنعاني ]. حنش الصنعاني أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن رويفع بن ثابت ]. هو رويفع بن ثابت رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . شرح حديث استبراء المسبية وذكر الزيادات فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية عن ابن إسحاق بهذا الحديث قال: (حتى يستبرئها بحيضة) زاد فيه: (بحيضة) وهو وهم من أبي معاوية ، وهو صحيح في حديث أبي سعيد رضي الله عنه، زاد: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه) قال أبو داود : الحيضة ليست بمحفوظة، وهو وهم من أبي معاوية ]. قوله: [ بهذا الحديث ]. أي: بهذا الحديث الذي تقدم. وقوله: [ (يستبرئها) ] يدخل فيه ما إذا كانت حاملاً وما إذا كانت حائلاً، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت حائلاً فبكونها تحيض حيضة. وهنا زاد [ بحيضة ] وعلى هذا تخرج ذات الحمل، ويتعلق الأمر بغير الحامل، وهي الحائل، فهي التي تستبرأ إذاً بحيضة. وذكر أبو داود هنا أن هذا غير محفوظ، وأن الوهم فيه من أبي معاوية الذي قال: [ بحيضة ]، وغيره قالوا: [ (حتى يتسبرئها) فيشمل من كانت حاملاً ومن كانت حائلاً، وتقييده بحيضة يخرج منه من كانت ذات حمل، ويخرج كذلك التي لا تحيض إما لكبر السن أو لصغرها. وقوله: [ وهو صحيح في حديث أبي سعيد ]. أي: صحيح ثابت كونها تستبرأ بحيضة، ولكن في حق غير الحامل. وقوله: [ زاد: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه) ]. يعني: إذا صارت هزيلة بسبب استخدامها وبسبب ركوبها ردها فيه، وهذا فيما إذا كان غير مضطر إليها، أما إذا كان مضطراً إلى ركوبها فإنه يجوز له ذلك. قوله: [ (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه) ]. الذي قبله يتعلق الركوب، فكذلك اللبس، أي: أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا بلي رده، وإذا كان مضطراً إلى ذلك فله ذلك، وإنما المنع فيما إذا كان غير مضطر. تراجم رجال إسناد حديث استبراء المسبية [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق بهذا الحديث ]. ابن إسحاق مر ذكره. الأسئلة حكم نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي السؤال: ما حكم نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي بغير شهوة؟ الجواب: لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل سواء بشهوة أو بغير شهوة، وأما ما ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد فإن نظرها ذلك كان عن بعد ليس فيه تمييز، أي إنما هو سواد وحركات ليس فيها تمييز الأشخاص، بخلاف النظر إلى شخص ورؤية صفاته وما إلى ذلك. وقد يحصل أنه يدخل على النساء رجل كفيف البصر ليعلمهن، كما قد يحصل ذلك في بعض الجامعات، وحينئذٍ يستفدن منه بدون النظر إليه؛ إذ ليس من لازم الاستفادة أن تنظر الطالبة إليه، بل تغض بصرها عنه وتسمع كلامه. ضابط الفرق بين المعصية الكبيرة والصغيرة السؤال: ما الضابط الذي نفرق به بين الكبائر والصغائر؟ الجواب: الكبائر والصغائر ذكر في الفرق بينها أقوال، ولكن أقربها وأشهرها أن الكبيرة ما توعد عليها بلعنة أو غضب أو نار أو حبوط عمل أو نحو ذلك، وما لم يكن كذلك فإنه يكون من الصغائر. مرتبة جرم النظر إلى الأجنبية السؤال: هل النظر إلى الأجنبية يعد من الصغائر؟ الجواب: نعم يعد من الصغائر، ويكفر باجتناب الزنا إذا تركه الإنسان خوفاً من الله عز وجل، وأما إذا ترك الزنا عجزاً ولعدم القدرة مع كونه يبذل الوسع ويتحين الفرص للوقوع في الجريمة، فإن عمله لا يكفره عدم فعل الزنا."
__________________
|
#438
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [248] الحلقة (280) شرح سنن أبي داود [248] العشرة الزوجية يكتنفها كثير من الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاشرة والجماع، فإن الشرع قد جعل لهذا الأمر آداباً قويمة، فشرع للرجل أن يدعو عند إرادة جماع زوجته بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد جماعها فله أن يقضي حاجته من أي جهة منها مادام الوطء في الفرج، وحرم على الرجل أن يقضي حاجته منها في الفرج في زمن الحيض، فإن فعل فعليه أن يتصدق بدينار أو نصفه كفارة عن ذنبه. جامع النكاح شرح حديث ما يدعو به من تزوج امرأة أو اشترى خادماً أو بعيراً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في جامع النكاح. حدثنا عثمان بن أبي شيبة و عبد الله بن سعيد قالا: حدثنا أبو خالد -يعني سليمان بن حيان - عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل: اللهم! إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه. وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك). قال أبو داود : زاد أبو سعيد : (ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة في المرأة والخادم) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [ باب في جامع النكاح]. ويقصد بهذه الترجمة أموراً متفرقة في النكاح، لأن ما سيورده ليس في موضوع واحد أو في مسألة واحدة، وإنما هو في مسائل متفرقة وفي أمور متفرقة يجمعها أنها في النكاح. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) ]، فهذا دعاء يدعى به في أول الزواج وعند شراء الدابة وعند شراء شراء خادم، أي: عبد مملوك، سواء أكان ذكراً أم أنثى، فإنه يدعو بهذا الدعاء، وقد جاء في رواية أحد شيخي أبو داود في هذا الإسناد -وهو أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد - أنه يأخذ بناصية الزوجة والخادم أو الخادمة ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه). فيكون الإنسان من البداية قد سأل الله من الشر، يسأله من خير هذه الزوجة أو خير هذه الأمة أو العبد وخير ما جبل عليه -أي: ما طبع عليه وجعل فيه من الصفات ومن الأخلاق- وتعوذ به من شر ما يتصف به وما جبل عليه من الأخلاق السيئة ومن الأمور المنكرة. قال: [ (وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك) ]. يعني: مثل الدعاء الذي دعا به بالنسبة للزوجة والعبد. قوله: [ زاد أبو سعيد : (ثم ليأخذ بناصيتها وليدعو بالبركة) ]. هذا زيادة على ما تقدم، فقد تقدم أنه يدعو بالخير ويستعيذ من الشر، وهنا شيئان زيادة على ما تقدم، فزيادة أبي سعيد فيها وضع اليد على الناصية بالنسبة للزوجة والخادم أو العبد أو الأمة، وفيها -أيضاً- أن يدعو بالبركة. وكذلك السيارة والسائق ونحوهما يدعى بالبركة فيهم ويسأل الله تعالى خيرهم ويستعاذ به من شرهم. تراجم رجال إسناد حديث ما يدعو به من تزوج امرأة أو اشترى خادماً أو بعيراً قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فإنه أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ و عبد الله بن سعيد ]. هو عبد الله بن سعيد الأشج أبو سعيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو خالد -يعني سليمان بن حيان - ]. هو سليمان حيان الأحمر ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن، ويقال في ترجمة ابن عجلان : إن أمه حملت به أربع سنين. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق أيضا، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ما يدعو به المرء عند الجماع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو أن أحدكم إذا أرد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا وجنب الشيطان ما رزقتنا. ثم قدر أن يكون بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً)]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. ثم قدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً) وهذا يدل على مشروعية هذا الدعاء وعظيم شأنه، وأن الإنسان يدعو بهذا الدعاء ليظهر ما جاء فيه من سلامة الولد من الشيطان ومن أن يكون من أولياء الشياطين. فالحديث يدل على مشروعية هذا الدعاء عند الجماع. وقوله: [ (لم يضره شيطان أبداً) ] ليس المقصود به أنه لا سبيل للشيطان عليه، وأنه يكون معصوماً؛ فإن العصمة ليست لأحد بعد رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام، وإنما المراد أنه يسلم من تسلطه عليه وكونه يصير من أوليائه، وإلا فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يسلم منه في الجملة، أما أن يصير معصوماً؛ فإن هذا لا يكون لأحد بعد رسل الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم. تراجم رجال إسناد حديث ما يدعو به المرء عند الجماع قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن أبي الجعد ]. سالم بن أبي الجعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (ملعون من أتى امرأة في دبرها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن وكيع عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ملعون من أتى امرأته في دبرها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ملعون من أتى امرأته في دبرها) ] وهذا يدلنا على تحريم وطء النساء في أدبارهن، وعلى أنه من الكبائر؛ لأنه جاء اللعن عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أحسن ما قيل في ضابط الكبيرة أنها ما كان عليه حد في الدنيا، أو توعد عليه بلعنة، أو غضب، أو نار، أو إحباط عمل، وما إلى ذلك من الأوصاف التي تدل على عظم الذنب وعلى شدة جرم ذلك الذنب. فالحديث يدل على تحريم وطء النساء في أدبارهن وأنه من الكبائر؛ حيث ورد اللعن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده رجل مجهول، وهو الحارث بن مخلد ، ولكن الحديث جاء من طريق أخرى عن عقبة بن عامر بإسناد حسن، فيكون هذا من شواهد الحديث، وعلى هذا فيكون الحديث ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (ملعون من أتى امرأة في دبرها) قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري أبو السري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. و هناد ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه ابن السري وكنيته أبو السري ، فوافقت كنيته اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، فمن المهم في علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه إذا ذكر بكنيته وهو مشهور بنسبته فقد يظن أن هذا شخص آخر، فيظن أن فيه تصحيفاً، مثل هناد بن السري ، فإذا قيل: هناد أبو السري فالذي لا يعرف أن كنيته أبو السري وهو يعرف أنه هناد بن السري يظن أن (ابن) صحفت إلى (أبو)، مع أن هذا صحيح وهذا صحيح، فإن قيل: هناد بن السري فصحيح، وإن قيل: هناد أبو السري فصحيح. وقد يذكر الشخص -مثلاً- باسمه واسم أبيه، وقد يذكر بكنيته، فلا يتنبه لكون صاحب الكنية هو صاحب الاسم، وذلك مثل قولهم: عبد الله بن سعيد ثم يقولون: أبو سعيد . فالذي لا يعرف يقول: ابن سعيد؛ لأنه عبد الله بن سعيد وهو أبو سعيد ، وافقت كنيته اسم أبيه. [ عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و البخاري إنما أخرج له مقروناً. [ عن الحارث بن مخلد ]. الحارث بن مخلد مجهول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث الإنكار على اليهود في زعمهم أن الجماع في الفرج من الوراء يجعل الولد أحول قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر أنه قال سمعت جابراً رضي الله عنه يقول: (إن اليهود يقولون: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول. فأنزل الله سبحانه وتعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن اليهود يقولون: إن الرجل إذا جامع امرأته في فرجها من ورائها فإن الولد يكون أحول. فأنزل الله عز وجل الآية. والحول هو أن يكون السواد في طرف العين لا في وسطها، فيكون إلى جهة اليمين أو جهة الشمال، جهة الأنف أو جهة الأذن، هذا هو الحول، فهم يقولون: إنه إذا أتاها في فرجها من ورائها فإن الولد يكون أحول. فأنزل الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] يعني: من جميع الجهات، وذلك سائغ ومشروع، وما يزعمونه من أن الولد يكون أحول ليس بصحيح. تراجم رجال إسناد حديث الإنكار على اليهود في زعمهم أن الجماع في الفرج من الوراء يجعل الولد أحول قوله: [ حدثنا ابن بشار ]. هو محمد بن بشار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن ]. هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان الثوري ، وقد مر ذكره. [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث سبب نزول قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن ابن عمر رضي الله عنهما -والله يغفر له- أوهم، إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني. حتى شري أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]) أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات. يعني بذلك موضع الولد ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن ابن عمر رضي الله عنه أوهم -والله تعالى يغفر له-، إنما كان هذا الحي من الأنصار، وكانوا مع اليهود في المدينة، وكانوا يعتقدون أن عندهم علماً لأنهم أهل كتاب، وكان اليهود يأتون النساء على حرف، أي: جنوبهن، فكانوا يفعلون مثلهم، ولما قدم المهاجرون وكانوا يأتون النساء في القبل من جميع الجهات، سواء أكن على جنوبهن أم مستلقيات أم على هيئة غير ذلك، ثم إنه تزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار، ولما أراد أن يجامعها على تلك الهيئة التي كانوا قد اعتادوها أنكرت عليه ذلك وأخبرته بالذي هم معتادون عليه، فأنزل الله عز وجل نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] يعني أنهم يأتونهن من جميع الجهات مقبلات ومدبرات ومستلقيات، بشرط أن يكون ذلك في الفرج، أي: في موضع الحرث الذي هو موضع زرع الولد، والذي يطلب منه الولد، فجاءت الآية مبينة ومقررة لما كان عليه المهاجرون من النكاح على جميع الأوجه ما دام أنه في الفرج وليس في الدبر. وقوله: [ أوهم ابن عمر ] رضي الله عنهما لم يذكر فيه الشيء الذي حصل فيه الوهم، ولعله جاء عنه شيء على خلاف ما كان يعتقده ويعرفه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولا يصح عنه أنه كان يقول بجواز وطء النساء في الأدبار. وقوله: [ حتى شري أمرهما ] معناه: ذاع وانتشر. تراجم رجال إسناد حديث سبب نزول قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم...) قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ ]. عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن محمد -يعني ابن سلمة - ]. هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. يروي أبي داود ؛ لأن أبا داود رحمه الله عن شيخين كل منهما يقال له: محمد بن سلمة، وأحدهما من شيوخه والثاني من شيوخ شيوخه، فالذي من شيوخه محمد بن سلمة المرادي المصري ، فإذا جاء محمد بن سلمة غير منسوب وهو من شيوخ أبي داود فالمراد به المصري ، وإذا جاء محمد بن سلمة غير منسوب وهو من شيوخ شيوخ أبي داود فالمراد به الحراني الباهلي ؛ لأنه لا يروي عنه أبو داود مباشرة، بل يروي عنه بواسطة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبان بن صالح ]. أبان بن صالح ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس رضي الله عنهما قد مر ذكره. حكم إتيان الحائض ومباشرتها شرح حديث ما يباح من التعامل مع الحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إتيان الحائض ومباشرتها: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فأنزل الله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح. فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرج فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبعث في آثارهما فظننا أنه لم يجد عليهما) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب في إتيان الحيض ومباشرتها ] يعني جماعها، وذلك حرام لا يجوز، ومباشرتها في غير الفرج جائزة على قول بعض أهل العلم، وبعضهم يجعل المباشرة جائزة فيما فوق الإزار. والحديث الذي أورده أبو داود هنا يدل على أن المباشرة تكون مطلقاً، سواء من فوق الإزار أو دونه، بشرط أن لا يكون هناك جماع في الفرج الذي هو محل الحيض ومحل الدم. فالمقصود من الترجمة أن إتيان النساء وجماعهن لا يجوز في الحيض، وأما أن يستمتع بها فيما دون فرجها فذلك سائغ وجائز. وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن اليهود كان عندهم تشدد وتعنت وغلو، وذلك أن المرأة فيهم كانت إذا حاضت أبعدوها عنهم، فلم يساكنوها ولم يجالسوها ولم يؤاكلوها، ولا تكون معهم حتى تطهر من الحيض، وهذا غلو. ويقابل هذا فعل النصارى ، فإنهم يجامعون الحائض، فاليهود في طرف والنصارى في طرف، فالنصارى يخالطونها، بل يجامعونها ولا يتركون شيئاً، ولا يفرقون بين كونها حائضاً أو غير حائض، واليهود يبتعدون عنها ولا يساكنونها ولا يجالسونها ولا يجامعونها، أي: لا يجتمعون بها أو يساكنونها، فالمقصود بالمجامعة هنا الاجتماع، وليس الجماع الذي هو الوطء. فجاء الإسلام وسطاً بين هؤلاء وأولئك، وذلك أن الحائض تبقى مع الناس في البيوت فيؤاكلونها ويشاربونها، ويبيتون معها، ويستمتع بها الزوج في غير الفرج، فليس عندهم إفراط هؤلاء ولا تفريط أولئك، وإنما عندهم التوسط، وهذا من أمثلة وسطية هذه الأمة بين اليهود و النصارى . وقوله: [ (فأنزل الله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ )[البقرة:222] إلى آخر الآية ]. يعني أن الدم الذي يكون في فروج النساء بسبب الحيض هو أذى نجس وقذر ومنتن، والأذى موجود فيه من وجوه متعددة، ولذلك قال تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] يعني: في حال حيضهن اعتزلوا محل الحيض. وليس المقصود بالاعتزال اعتزالهن مطلقاً كما تفعله اليهود، حيث إنهم يخرجونها من البيت ولا يساكنونها ولا يكونون معها. وقوله: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح) ]. أي: ساكنوهن وكونوا معهن في البيوت. وقوله: (واصنعوا معهن كل شيء إلا النكاح)، أي أن الحائض تؤاكل وتشارب وتضاجع وتباشر، ولكن في غير الفرج، فيستمتع الزوج بها ويقضي حاجته منها في غير الفرج الذي هو محل النجاسة الموجودة بسبب الحيض. قوله: (فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه). يشيرون بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وصفوه بالرسالة؛ لأنهم لا يؤمنون به صلى الله عليه وسلم، وهم -بلا شك- كافرون به وبعيسى وبموسى وبكل الرسل؛ لأن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء، كما جاء في القرآن، فقد قال تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105] وهم إنما كذبوا رسولهم نوحاً، فبتكذيبهم الواحد صاروا مكذبين لجميع الرسل، ومن كذب رسولاً واحداً كذب جميع الرسل، وإذا كانوا يقولون إنهم أتباع موسى فموسى هو الذي أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم مكذبون لموسى عليه الصلاة والسلام. فمن كذب نبياً من الأنبياء فهو كاليهود الذين لا يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو يقولون: هو نبي إلى العرب خاصة. وهذا كذب وتكذيب؛ لأنه رسول للناس كافة، فهو تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم وفي نفس الوقت هو تكذيب لموسى ولعيسى ولسائر الأنبياء. قوله: (فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا. أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما). أي: جاء عباد بن بشر و أسيد بن حضير رضي الله عنهما فكلماه عن اليهود وقالا: أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: غضب. فلما تمعر وجهه ظنوا أنه وجد عليهما وغضب وأن في نفسه عليهما شيئاً. فخرج فاستقبلتهما هدية لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى الهدية جاءت بعث في أثرهما يطلبهما حتى يأخذا نصيبهما من هذه الهدية، فعند ذلك اعتقد الصحابة الذين كانوا عنده أنه ما وجد عليهما. فقولهم أولاً: (ظننا) معناه: حسبنا. وقولهم (ظننا) في المرة الثانية معناه اليقين، فالظن يأتي بمعنى الحسبان ويأتي بمعنى اليقين، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:46] يعني: يعتقدون ويجزمون. والمعنى أنه لما دعاهما وأراد أن يشاركاه في هذه الهدية وسقاهما من ذلك اللبن عرف الصحابة وتحققوا أنه لم يجد عليهما عليه الصلاة والسلام. و عباد بن بشر و أسيد بن حضير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما اللذان حصلت لهما الكرامة التي جاءت في الحديث الصحيح أنهما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فكان معهما نور أمامهما يضيء لهما الطريق، ولما افترقا وذهب كل منهما إلى بيته انقسم ذلك النور إلى قسمين، فصار كل واحد منهما معه جزء من ذلك النور، وهذا ثابت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من كرامات الأولياء التي يثبتها أهل السنة والجماعة، فإنهم يصدقون بكرامات الأولياء ويثبتونها إذا وقعت لأولياء الله حقاً وإذا حصلت من وجه يصح، أما الأشياء التي تضاف إلى من تدعى لهم الولاية ويزعم بأنهم أولياء ويؤتى بأكاذيب ويؤتى بترهات وسخافات تضاف إليهم ويقال عنها إنها كرامات، فهذه من الأمور المنكرة. وأهل السنة والجماعة يصدقون بكل ما ثبت من الكرامات لأولياء الله، مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان على منهاجهم وعلى منوالهم، ولكنهم ينكرون الأشياء التي ليس لها أساس، والأشياء التي لا تليق ولا تصلح وهي مخالفة لدين الإسلام، بل قد يكون بعضها شركاً بالله عز وجل، ويعتقد أنها كرامة من الكرامات، كمن يزعم أن فلاناً ولي يستغاث به في حال شدة وفي حال كربة، ثم بعد ذلك يقول: إنه جاء إلى ذلك الولي، وإنه خلصه من هذه الشدة. فهذا شرك بالله عز وجل، حيث يستغيث بغير الله، وهذا لا يعتبر كرامة، بل يعتبر ابتلاءً وامتحاناً.
__________________
|
#439
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث ما يباح من التعامل مع الحائض قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت البناني ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث من رباعيات أبي داود ؛ فهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، حيث يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهم هنا موسى بن إسماعيل و حماد بن سلمة و ثابت البناني و أنس بن مالك. حكم إتيان الحائض بعد الطهر قبل الاغتسال السؤال: هل يجوز إتيان المرأة الحائض بعد الطهر وقبل الاغتسال؟ الجواب: الذي يظهر أنه لا يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] يعني يطهرن من الحيض فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ [البقرة:222] يعني: إذا اغتسلن. وذلك لأن بقية الأذى موجودة حتى يحصل الاغتسال فتزول آثار الأذى، ولذلك قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] أي: يطهرن من الحيض، (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) بعد طهرهن فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] . شرح حديث عائشة (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً الهجري قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده، وإن أصاب -تعني ثوبه- منه شيء غسل مكانه ولم يعده، وصلى فيه) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [ (كنت أبيت أنا ورسول الله في الشعار الواحد) ] أي: في ثوب واحد أو في غطاء واحد يغطي جسديهما فيتصل جسده بجسدها، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار هو الثوب الذي وراءه، كما جاء ذكرهما في حق الأنصار في يوم حنين لما قالوا ما قالوا في كون الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الغنائم للذين أسلموا قريباً ولم يعطهم شيئاً، فجمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم وتكلم معهم بالكلام الذي أرضاهم وصار خيراً لهم مما فاتهم، وقال لهم: (الأنصار شعار والناس دثار) فالشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار هو الذي يكون وراءه أو فوقه. وهذا فيه بيان المخالفة لما كان عليه اليهود الذين لا يجامعونها -أي: يجتمعون معها في البيوت- ولا يضاجعونها، بل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكون وإياها في شعار واحد، وربما وقع على جسده عليه الصلاة والسلام شيء من الدم الذي يكون منها، وربما حصل لثوبه كذلك، وكان إذا حصل شيء من ذلك فإنه يغسل مكان الدم من جسده صلى الله عليه وسلم أو من ثوبه ثم يصلي فيه، وهذا يدلنا على أن الثوب إذا وقعت عليه النجاسة وكان محلها معلوماً فإنه يغسل الجزء الذي فيه النجاسة وحده ويكفي ذلك، ولهذا قالت عائشة : [ غسل مكانه -تعني الثوب- ولم يعده ] أي: ما تجاوز إلى غسل الباقي، ثم يصلي فيه. فالنجاسة إذا كانت معلومة من الثوب فإنه يغسل ذلك الجزء الذي فيه النجاسة، لكن إذا تحقق أن في الثوب نجساً وجهل مكان النجاسة فعند ذلك يجب غسله كله؛ لأنه لن يحصل التحقق حينئذٍ من الطهارة إلا بغسله كله؛ لأنه لو غسل جزءاً منه فيمكن أن تكون النجاسة في جزء ثان، لكن حيث تحقق مكان النجاسة فإنه يكفي غسل مكان النجاسة، كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها. وقولها: [ وأنا حائض طامث ] الطامث هي الحائض، فهو تأكيد. تراجم رجال إسناد حديث عائشة (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن صبح ]. جابر بن صبح صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ سمعت خلاساً الهجري ]. هو خلاس بن عمرو الهجري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عائشة رضي الله عنها ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء و مسدد قالا: حدثنا حفص عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عن خالته ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر ثم يباشرها) ]. أورد أبو داود حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها، وهو الذي استدل به بعض أهل العلم على أن المباشرة للحائض إنما تكون فوق الإزار وليست فيما تحت الإزار؛ وقد قال جماعة كثيرون من أهل العلم بمقتضى هذا الحديث، وبعضهم أخذ بمقتضى حديث أنس المتقدم في أنه يصنع كل شيء إلا النكاح. ومن العلماء من رأى أن المباشرة تكون في جميع جسد المرأة غير محل الحرث، أي: يباشرها ويقضي حاجته منها بالمباشرة في غير محل الحرث؛ لأن قوله: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) معناه أنهم يباشرونهن ولا يمتنعون إلا من النكاح. تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ قالا: حدثنا حفص ]. حفص هو ابن غياث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني ]. الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شداد ]. عبد الله بن شداد ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعده العجلي من كبار التابعين الثقات، أخرج له صحاب الكتب الستة. [ عن خالته ميمونة ]. هي خالته ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. كفارة من أتى حائضاً شرح حديث: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كفارة من أتى حائضاً. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة غيره عن سعيد حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) ]. أورد أبو داود [ باب في كفارة من أتى حائضاً ]. يعني: ما هي الكفارة التي تجب عليه لتلافي ذلك الذنب الذي وقع فيه؟ فإتيان النساء في الحيض في فروجهن لا يجوز، ولهذا قال تعالى: (( قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ))[البقرة:222] يعني: اجتنبوا جماعهن في حال حيضهن، وذلك في الفروج. فبعد أن أورد المصنف ما يدل على تحريم نكاح المرأة وهي حائض وأنه يفعل كل شيء إلا النكاح ذكر أن من عصى وحصل منه ذلك الأمر المحرم فإن عليه كفارة، وهذه الكفارة جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: [ (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) ] فهذه كفارة إتيان الحائض. وقيل: إن التفاوت بين الدينار ونصفه هو أنه إذا كان في حال إقبال الدم وشدته وكثرته فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان في حال إدباره وقلته فإنه يتصدق بنصف دينار. وقيل: إن هذا لعله يكون في حال اليسار وعدم اليسار، وأنه إذا كان موسراً فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان بخلاف ذلك يتصدق بنصفه، والحاصل أنه ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكفارة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يجامع امرأته في حال حيضها في فرجها، وإنما يستمتع بها في غير الفرج، وإذا حصل منه الجماع فإن عليه هذه الكفارة التي هي التصدق بدينار أو بنصف دينار. تراجم رجال إسناد حديث (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة ]. مسدد و يحيى مر ذكرهما، و شعبة هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ غيره عن سعيد ]. قوله: [ غيره ] معناه أن يحيى حدثه عن غير شعبة عن سعيد، فمعناه أن عنده طريقين: طريقاً فيه شعبة وطريقاً فيه سعيد. وسعيد يحتمل أنه ابن مرزبان وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و الترمذي و ابن ماجة ، ويحتمل أنه سعيد بن عامر الضبعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعلى كل فالإسناد ثابت، لأنه جاء من طريق شعبة عن الحكم . [ حدثني الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ]. عبد الحميد بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مقسم ]. هو مقسم مولى ابن عباس ، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره. شرح حديث: (إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان - عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إذا أصابها في الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس ، وفيه التفصيل، فإذا أصابها في الدم ففيه دينار، وإذا أصابها في انقطاعه ففيه نصف دينار، فالتفاوت هو في حال شدته وحال انتهائه، وبعض أهل العلم قال بهذا التفريق، والشيخ الألباني رحمه الله قال: إنه صحيح موقوفاً. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار) قوله: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر ]. عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان - ]. جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن علي بن الحكم البناني ]. علي بن الحكم البناني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي الحسن الجزري ]. أبو الحسن الجزري مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن مقسم عن ابن عباس ]. مقسم و ابن عباس قد مر ذكرهما. والإسناد فيه هذا المجهول، ولا أعرف وجه تصحيح الألباني له. فالشيخ الألباني رحمه الله يصحح الموقوف والمرفوع، إلا أنه قال: إن هذا صحيح موقوفاً. لكن فيه أبو الحسن الجزري ، وهو مجهول. وقد أعل المنذري الحديث المرفوع بالاضطراب، ولكن مجيئه موقوفاً ومجيئه مرفوعاً لا يؤثر، والموقوف هنا وجدنا أنه غير مستقيم من حيث الإسناد، وأما المرفوع فهو مستقيم الإسناد. الأسئلة دلالة الكرامات الجارية لأهل البدع السؤال: هل ما يحصل من الأمور الخارجة عن العادة لمن يأتي بالبدع الفعلية أو العقدية كالأشاعرة يكون لهم ذلك كرامات أم أنه استدراج؟ الجواب: إذا وقع ذلك لأحد فيه استقامة ولكن عنده شيء من الخطأ فيمكن أن يكون كرامة من الله عز وجل له، ولكن قد يروج لأهل البدع بسبب هذه الكرامات، بل قد تكون مختلقة وليس لها أساس من الصحة، فمثل هذه لا تعتبر كرامة، وإنما هي ابتلاء وامتحان، وقد تكون زوراً وكذباً. حكم من أنكر حصول الكرامات مطلقاً السؤال: عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالكرامات وحصولها لمن كان ولياً حقاً، فما حكم من أنكرها مطلقاً؟ الجواب: الذي ينكر الكرامات مطلقاً ماذا سيقول في الأحاديث الكثيرة التي جاءت بإثباتها، فالمعتزلة ينكرون الكرامات، ولكن الكرامات الثابتة التي جاءت بأسانيد صحيحة كيف تنكر؟! فهي في الأصل ثابتة بلا شك، والمعروف أن الذين أنكروها منهم المعتزلة. دعاء الجماع يكون من الزوجين السؤال: ذكر الدعاء عند الجماع هل يكون من الرجل والمرأة أو من الرجل فقط؟ الجواب: الذي يبدو أنه يكون منهما جميعاً، فكل منهما يدعو. ابتداء عدة من تأخر عنها خبر وفاة زوجها السؤال: إذا مات رجل عن زوجته ولم تعلم الزوجة بخبر وفاته إلا بعد شهر فمن متى تبدأ العدة؟ الجواب: العدة تبدأ من الوفاة، ولا تبدأ من العلم، بل قد تخرج من العدة ولا تعلم إلا بعد خروجها منها، فتكون قد خرجت من العدة؛ لأن المقصود بالعدة هو المدة التي تكون من وفاته إلى انتهاء العدة، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت غير حامل فبأربعة أشهر وعشر، فقد لا يبلغها خبر وفاته إلا بعد مضي أربعة أشهر وعشر، وبذلك تكون قد خرجت من العدة، فالعدة لا تبدأ من العلم، إنما تبدأ من الوفاة. حكم الرقية في الماء ليشربه المريض السؤال: ما حكم الرقية في الماء ليشربه المريض؟ الجواب: لا بأس بذلك، فالرقية في الماء أو في الأشياء الرطبة التي يعلق فيها الريق لا بأس بها. وجه الاستدلال على جواز السلم بمنع مباشرة المرأة المرأة لتنعتها لزوجها السؤال: ورد في الحديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها) قال الخطابي : فيه دلالة على أن الحيوان قد يضبط بالصفة ضبط حصر وإحاطة، واستدلوا به على جواز السلم في الحيوان. فما معنى هذا الكلام؟ وأين موضع الاستشهاد من الحديث؟ الجواب: أي أن الحديث (لا تباشر المرأة لتنعتها لزوجها كأنما يراها) معناه وصف الحيوان، فقد يوصف الحيوان وصفاً دقيقاً يجعل الإنسان كأنه يراه ويشاهده. الموقف تجاه تساهل العامة في النظر المحرم السؤال: إذا سمع العامة من الناس أن النظر إلى النساء من الصغائر أدى ذلك إلى تساهلهم واستخفافهم، فهل لنا أن نقول: إن هذا ذنب كبير وعظيم درءاً لهذه المفسدة؟ الجواب: نقول: هذا ذنب من الذنوب. ولكن لا نقول: إنه كبير وعظيم. بل نقول: هذا ذنب من الذنوب التي على الإنسان أن يحذرها وأن يبتعد عنها؛ لأنه وسيلة إلى أمر خطير وإلى أمر عظيم. حكم معرفة براءة الرحم بواسطة الأجهزة الطبية السؤال: هل معرفة براءة الرحم بواسطة الطب الحديث معتبرة شرعاً؟ الجواب: المعتبر ما جاء في الشرع، وهو وجود الحيضة، ولا تسلك مسالك أخرى غير ما جاء به الشرع، فالطريق المعتبر هو الاستبراء الذي جاء به الشرع، أما القيام بعمل التحاليل الطبية لمعرفة كونها حاملاً أو لا فغير صحيح، بل المعتبر هو ما جاء به الشرع. حكم وطء الإماء في هذا الزمن إن وجدن السؤال: انتشر عند الكثير أن هناك إماء في بعض البلدان مثل موريتانيا، فهل يجوز الآن وطؤهن؟ الجواب: إذا كان أولئك الإماء تناسلهن متسلسل فوطؤهن مشروع، وأما إن كان تسلسل رقهن غير معلوم فالاحتياط عدم الاسترقاق في مثل هذا، لكن كون الإنسان عليه رقبة ويوجد مثل هذه العبودية ويسعى إلى تخليص صاحبها فإنه يحصل بذلك الكفارة؛ لأنه سعى في تخليصها، سواء أكان التخليص من رق شرعي أم من رق غير شرعي؛ لأنه قد يكون هناك رق غير شرعي، بأن يكون المرء منهوباً أو أخذ وغذي ثم استعبدوه. معنى زواج المسيار السؤال: ما معنى زواج المسيار؟ الجواب: زواج المسيار هو أن الإنسان قد يكون عنده زوجة ويريد أن يتزوج امرأة أخرى سراً ولا يقسم لها في المبيت، بل يزورها زيارة في النهار ويخفي ذلك عن زوجته حتى لا تدري بأنه متزوج بأخرى، فيبيت عند زوجته كل ليلة ويتفق مع هذه أن يتزوجها على أن يأتي إليها في النهار ساعة أو ساعتين، والزواج -كما هو معلوم- مطلوب فيه أن يعلن وأن يشهر وألا يخفى."
__________________
|
#440
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [249] الحلقة (281) شرح سنن أبي داود [249] من الأحكام الشرعية المتعلقة بالعشرة الزوجية: أحكام العزل عن المرأة حال الجماع، فقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة أن يعزلوا حين رغبوا في وطء الإماء، وكرهوا حصول الولد الذي يفوت به بيع الأمة، وكذب اليهود في زعمهم أن العزل موءودة صغرى، إذ إن ما قدره الله تعالى لابد من أن يكون، ولكن لا يجوز للرجل فعله مع زوجته الحرة إلا بإذنها، ولا مع زوجته الأمة إلا بإذن مواليها، ويجوز له فعله مع أمته بغير إذنها. ومما يتعلق بالمعاشرة النهي عن تحدث الرجل أو المرأة بما جرى بينهما حال الجماع، فإن تلك الأمور أسرار لا يجوز إفشاؤها. ما جاء في العزل شرح حديث أبي سعيد في العزل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في العزل. حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن قزعة عن أبي سعيد رضي الله عنه، ذكر ذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم -يعني العزل- قال: (فلم يفعل أحدكم؟ -ولم يقل: فلا يفعل أحدكم- فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) قال أبو داود : قزعة مولى زياد ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [ باب ما جاء في العزل ] والعزل هو العزل عن النساء، بحيث يجامع الإنسان المرأة، فإذا جاء وقت خروج المني ينزع ويفرغ خارج الفرج، فهذا هو العزل، وكانوا إذا حصلوا على السبي واشتهوا الوقاع يخافون أن تحمل الأمة بسبب الوقاع فتكون أم ولد، وحينئذ لا يتمكنون من بيعها، فكانوا يعزلون حتى لا يحصل الحمل الذي تصير به الأمة أم ولد تعتق بعد الموت. والعزل جاء في السنة ما يدل على أنه سائغ وأنه لا بأس به، فقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن). والعزل من الأمة لا بأس به، وأما من الحرة فإنه لا بد فيه من إذنها؛ لأن لها حق الجماع ولها الحق في تحصيل الولد، وكذلك الأمة المزوجة لا يعزل عنها إلا بإذن مواليها؛ لأن لهم الحق في ذلك، ولأن الولد يكون تابعاً للأم في الرق، فإذنهم معتبر في ذلك، وعلى هذا فأمة الرجل له أن يعزل عنها، والأمة المزوجة ليس لزوجها أن يعزل عنها إلا بإذن مواليها، لأن الولد منه يكون رقيقاً لهم، فلهم حق في الولد، وحينئذ فلا يعزل إلا بإذنهم، إلا إذا اشترط أن يكون الولد ليس لهم فله ما اشترط. وأورد أبو داود هنا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم العزل فقال: [ (فلم يفعل أحدكم؟) ] ولم يقل: لا يفعل أحدكم ذلك. ثم قال: [ (فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) ]، يعني: ما من نفس كتب الله عز وجل وقدر وقضى أنها توجد إلا ولا بد من أن توجد، فالشيء الذي قدره الله لا بد من أن يوجد، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وفي الحديث: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العزل يراد من ورائه عدم الحمل، وإذا كان الله قدر أن يوجد الحمل فإنه يوجد ولو وجد العزل، وذلك بأن تنطلق قطرة مع حرصه على أن لا يخرج شيء فيكون منها الحمل، ولهذا جاء في صحيح مسلم (ليس من كل الماء يكون الولد) ومعناه أن الحمل لا يأتي من جميع المني، وإنما قطرة واحدة من المني ونقطة يسيرة يكون بها الحمل. فإذاً: هذا الذي يعزل إذا كان الله أراد أن يوجد له الولد فإنه قد تنطلق منه قطرة يكون منها الولد ولو حصل منه العزل. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في العزل قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ]. إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن أبي نجيح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قزعة ]. هو قزعة مولى زياد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بنسبته وكنيته، فكنيته أبو سعيد ونسبته الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث تكذيب اليهود في أن العزل وأد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثه أن رفاعة حدثه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن لي جارية وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل موءودة الصغرى. قال: كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن لي جارية، وإني أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل. أي أنه يعزل عنها لئلا تحمل، فيخشى أن تحمل؛ لأنها إذا حملت صارت أم ولد، فيفوت عليه بيعها أو التصرف فيها بالبيع، قال: وإن اليهود يقولون: إنها الموءودة الصغرى. فقال صلى الله عليه وسلم: (كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه) ]. يعني: إذا كان الله عز وجل أراد أن يخلقه فلا يستطيع أحد أن يصرف ما قدره الله عز وجل وأراده؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال الشاعر: فما شئتَ كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن فالشيء الذي قدر وكتب لا سبيل إلى رده، ولا يستطيع الإنسان أن يصرفه. وقولهم: إنها الموءودة الصغرى معناه أنهم يقصدون بذلك أنه لما انعقد السبب -وهو الجماع الذي هو سبب وجود الولد- ثم إنه عزل من أجل عدم حصول الولد فإنه يكون كأنه قضى عليه بعد أن انعقد سببه، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأنه قد يوجد السبب ولا يوجد المسبب، والوأد إنما هو وأد البنت الحية، بأن يدفنها وهي حية ويتخلص منها، فهذه هي الموءودة التي كانوا يئدونها في الجاهلية، وذكرها القرآن في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9] فالرسول صلى الله عليه وسلم كذبهم، وقال: إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الولد فإنه لا أحد يستطيع أن يصرف وأن يمنع وأن يحول بين وجود ذلك الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء شاءه الله لا بد من وجوده، وكل شيء لم يشأه الله لا سبيل إلى وجوده. وقوله: [ (وأنا أريد ما يريد الرجال) ] أي: من الوقاع والاستمتاع، ولا يريد الولد خشية أن تصير أم ولد فلا يتمكن من بيعها، وكذلك -أيضاً- يريد ما يريد الرجال من الاستفادة منها في بيعها إذا أراد، فهو يريدها من ناحية الاستمتاع ولا يريد ولداً يمنعه من البيع. تراجم رجال إسناد حديث تكذيب اليهود في أن العزل وأد قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. أبان هو ابن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ]. محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثه أن رفاعة ]. رفاعة مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قد مر ذكره. وكون رفاعة مقبولاً لا يؤثر، لأن الحديث بمعنى الأحاديث الأخرى. شرح حديث السؤال عن العزل في غزوة بني المصطلق قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فجلست إليه فسألته عن العزل، فقال أبو سعيد : (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبياً من سبي العرب، فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة، وأحببنا الفداء، فأردنا أن نعزل، ثم قلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله عن ذلك! فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله في كونهم كانوا يعزلون من أجل أن لا تحمل المرأة، وهذا الفعل الذي فعلوه -وهو العزل- لا يكون صاداً وراداً لما قدر الله تعالى أن يكون؛ لأن الحمل قد يوجد مع العزل -كما ذكرنا- بانطلاق قطرة يسيرة يكون بها الحمل مع حرص الرجل أن لا تنطلق هذه القطرة منه ثم يخرج ما يخرج خارج الفرج، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس من كل الماء يكون الولد)، أي: فهذا الذي لا تريدونه إذا كان الله عز وجل قدره فإنه لا سبيل إلى صده ولا سبيل إلى رده. قوله: [ (فأصبنا سبياً من سبي العرب) ] هذا يدل على أن العرب يسبون كما يسبى غيرهم. قوله: [ (فاشتهينا النساء) ]، يعني الاستمتاع بهن [ (واشتد علينا العزبة) ] وهي عدم التمكن من الاستمتاع بالأهل، وذلك لأنهم مسافرون، ولكنهم حصلوا هذا السبي وقد اشتهوا. قوله: [ (وأحببنا الفداء) ] يقصد بذلك أنهم أحبوا أن يأخذوا قيمة السبي إذا احتاجوا إلى ذلك، واستمتاعهم بهن يفضي إلى أن يحملن، وإذا حملن لا يتمكنون من البيع، فلا يحصلون القيمة التي تكون في مقابل بيعهن. قوله: [ (فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا) ]. يعني: فعلكم هذا الذي تفعلون من أجل أنه لا يحصل حمل لا يرد الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه إذا قدر الله أن يكون فإنه لا بد من أن يكون. تراجم رجال إسناد حديث السؤال عن العزل في غزوة بني المصطلق قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الفقيه المحدث الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ]. ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن محيريز ]. هو عبد الله بن محيريز ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. قد مر ذكره رضي الله تعالى عنه. شرح حديث (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إن لي جارية أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل. فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها. قال: فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حملت. قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار كان له جارية، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد الاستمتاع بها، وإني أخشى أن تحمل -وإذا حملت صارت أم ولد- فقال: [ (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) ] يعني: إن كان الله كتب أنه يوجد ولد فسيكون. فما لبث إلا فترة من الزمان ثم جاء وقال: إنها حملت. فقال له صلى الله عليه وسلم: إني قد أخبرتك أن ما قدره الله لا بد من أن يكون. فهو دال على أن العزل جائز، وأن العزل لا يمنع حصول الولد، فقد يوجد الولد مع العزل، والشيء الذي قدر الله تعالى أن يكون لا بد من وجوده ولا بد من حصوله، وهو دليل على جواز العزل. وكذلك يجوز للمرأة إذا كانت مضطرة إلى أن تعمل على تأخير الحمل لأمر يقتضي ذلك كأن تكون مريضة ويشق عليها الحمل، أو أن الحمل يتتابع عليها ولا تستطيع أن تقوم بتربية أبنائها، فإنها إذا كانت تلد في كل سنة فإنها تحتاج إلى أن تحمل هذا وتحمل هذا، فقد تلد مولوداً والذي قبله لا يستطيع المشي، فلا تستطيع أن تحملهم؛ فكونها تتخذ الشيء الذي يؤخر الحمل زمناً يسيراً ولا يقطعه حتى تتمكن من تربيتهم، أو أن تتابع الحمل يضرها في جسمها وفي صحتها؛ فلا بأس بذلك. أقول: لا مانع من اتخاذ شيء يؤخر الحمل، والذي لا يجوز هو تحديده أو قطعه، وذلك بأن يقول: أنا أريد كذا وكذا ولداً وبعد ذلك لا أريد شيئاً، فيقطع النسل أو يعمل على قطعه، فهذا هو الذي لا يجوز، كما أنه لا يجوز منع الحمل باتخاذ الحبوب ونحوه خشية النفقة على الأولاد؛ لأن الله تعالى هو الذي يرزق، وقد يكون وجودهم سبباً في تحصيل الرزق من الله تعالى. تراجم رجال إسناد حديث (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا الفضل بن دكين ]. الفضل بن دكين هو أبو نعيم ، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بكنيته أحياناً فيقال: أبو نعيم . وأحياناً يأتي باسمه كما هنا، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله شرح حديث أبي هريرة في النهي عن التحدث بما يكون بين الرجل وأهله قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله. حدثنا مسدد حدثنا بشر حدثنا الجريري . ح: وحدثنا مؤمل حدثنا إسماعيل. ح: وحدثنا موسى حدثنا حماد كلهم عن الجريري عن أبي نضرة قال: حدثني شيخ من طفاوة قال: تثويت أبا هريرة رضي الله عنه بالمدينة، فلم أر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه، فبينما أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصاً أو نوى وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه، فقال: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: قلت: بلى. قال: (بينا أنا أوعك في المسجد إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى دخل المسجد، فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ -ثلاث مرات- فقال رجل: يا رسول الله! هو ذا يوعك في جانب المسجد. فأقبل يمشي حتى انتهى إلي، فوضع يده علي فقال لي معروفاً، فنهضت فانطلقت، فانطلق يمشي حتى أتى مقامه الذي يصلي فيه، فأقبل عليهم ومعه صفان من رجال وصف من نساء -أو صفان من نساء وصف من رجال- فقال: إن نسَّاني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم وليصفق النساء. قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينس من صلاته شيئاً، فقال: مجالسكم مجالسكم -زاد موسى ها هنا: ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد. ثم اتفقوا- ثم أقبل على الرجال فقال: هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم. قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول فعلت كذا فعلت كذا! قال: فسكتوا. قال: فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟ فسكتن، فجثت فتاة -قال مؤمل في حديثه: فتاة كعاب -على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليراها ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله! إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثن. فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ فقال: إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه. ألا وإن طيب الرجال ما ظهر ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه. قال أبو داود : ومن ها هنا حفظته عن مؤمل و موسى ألا لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة، إلا إلى ولد أو والد) وذكر ثالثة فأنسيتها، وهو في حديث مسدد ، ولكني لم أتقنه كما أحب، وقال موسى : حدثنا حماد عن الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله ]. يعني كونه يتحدث بما يجري بينه وبين أهله عند الجماع. هذا هو المقصود من الترجمة، فالإنسان لا يتحدث بما يجري بينه وبين أهله، ولا يخبر بما يرى منها ولا تخبر بما ترى منه، وإنما الواجب هو الإمساك عن ذلك وعدم التعرض له بأي حال من الأحوال. وأورد أبو داود في هذه الترجمة حديثاً ضعيفاً فيه رجل مجهول، وهو الطفاوي ، والحديث لا يحتج به، ولكن فيه بعض الأشياء جاءت في بعض الأحاديث الصحيحة، مثل مسألة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، ومسألة طيب النساء وطيب الرجال، فقد جاء ما يدل عليها، ولكن الحديث نفسه فيه هذا الرجل المجهول، فالشيء الذي لم يكن ثابتاً من وجوه أخرى غير هذا الحديث فإنه لا يعول عليه ولا يحتج به لحصول الجهالة في أحد رواته. قوله: [ تثويت أبا هريرة ] أي: صرت ضيفاً عنده. قوله: [ فلم أر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه ]. هذا إخبار عن المشاهدة والمعاينة لما صار ضيفاً عنده، فكان يراه مشمراً في العبادة وقائماً على إكرام الضيف وخدمته والسعي للإحسان إليه. قوله: [ فبينا أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصاً أو نوى، وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها، حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه ]. معناه أنه كان على سرير ومعه كيس فيه حصا، وكان يأخذ من هذا الكيس ويسبح ويرمي الحصا، ثم بعد ذلك رمى بالكيس إلى الجارية فجمعت الحصا وجعلته في الكيس وأعادته إليه ليسبح فيما بعد. وكما هو معلوم فإنه ما ثبت شيء في السنة في التسبيح بالحصا أو التسبيح بالنوى أو ما إلى ذلك، وهذا الحديث -كما هو معلوم- ضعيف؛ لأنه ما جاء إلا بهذا الإسناد الضعيف، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على التسبيح بالحصا لا من فعله ولا من إقراره صلى الله عليه وسلم، فهذا الذي جاء في الحديث لا يحتج به؛ لأن الحديث ضعيف. وأما السبحة فإنّ التسبيح بها مثل التسبيح بالحصا، وما جاء شيء يدل عليه، فمن أهل العلم من يقول: إنها بدعة. وأقل أحوالها أن يقال: إنها خلاف الأولى. فلا ينبغي للإنسان أن يستعملها، وإنما يسبح بأصابعه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح بأصابعه. ثم إن في استعمال السبحة محذوراً من جهة أخرى، وهو أن الإنسان تكون في يده السبحة، فقد يحركها ساهياً لاهياً، فمن يراه يظن أنه يسبح، فيكون محموداً بما لم يفعل، فاللائق بالمسلم أن لا يستعمل ذلك، وإنما يسبح بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسبح به. ومن الآثار التي وردت في التسبيح بالحصا أثر عبد الله بن مسعود الذي فيه أنه دخل المسجد يوماً من الأيام ووجد أناساً متحلقين وفي أيديهم حصا، وفيهم رجل يقول: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة. فيسبحون ويهللون، فوقف على رءوسهم وقال: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة. فقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير. أي إن قصدنا في هذا العمل طيب، فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه! فهذا أثر ثابت عن عبد الله بن مسعود ، أنكر عليهم هذا الفعل، وهو كونهم يسبحون تسبيحاً جماعياً بالحصا، وكل ذلك خلاف السنة، وقال: إن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، فإما أنكم أحسن منهم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة. وقد فهموا أنه لا يمكن أن يكونوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقيت الثانية، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة، فعند ذلك قالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير. فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه. ثم قال: عدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء. وكون الإنسان يفعل هذا الفعل ليحصي ذكره بهذه الطريقة ليس بصحيح، فالله عز وجل يحصي ولا تخفى عليه خافية، والإنسان إذا سبح بدون حصا وبدون أن يعد بشيء لا يشرع لا يضيع أجره عند الله عز وجل، فليسبح ما شاء بدون أن يعد، والله تعالى يأجره على تسبيحه وتهليله وذكره لله سبحانه وتعالى. قوله: [ (فقال: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟! قال: قلت: بلى. قال: بينا أنا أوعك في المسجد إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل المسجد، فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ ثلاث مرات، فقال رجل: يا رسول الله! هو ذا يوعك في جانب المسجد. فأقبل يمشي حتى انتهى إلي، فوضع يده علي فقال لي معروفا، فنهضت، فانطلق يمشي حتى أتى مقامه الذي يصلي فيه) ]. أي أن أبا هريرة رضي الله عنه قال لضيفه الطفاوي الذي هو مجهول: ألا أحدثك حديثاً بما كان عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بلى. فقال: إني كنت في المسجد أوعك، أي: كان فيه ألم ومرض، فكان يوعك بسبب هذا المرض، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى المسجد فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ يعني أبا هريرة ، فهو يسأل عنه، وكان المسجد فيه جماعة، فقال له رجل: هو ذاك يوعك. فقصده النبي صلى الله عليه وسلم وذهب إليه حتى جاء إليه فوضع يده عليه وقال معروفاً، أي: قال له قولاً معروفاً، ثم إنه انطلق ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاء إلى مقامه الذي يصلي فيه. قوله: [ فأقبل عليهم ومعه صفان من رجال وصف من نساء، أو صفان من نساء وصف من رجال ]. معناه أن معه رجالاً ونساء، صفان من رجال وصف من نساء أو العكس، شك من الراوي. قوله: [ (فقال: إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم وليصفق النساء) ]. وهنا قابل بين القوم وبين النساء، فيكون المقصود بالقوم الرجال، وهذا كما جاء في القرآن في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11] فمقابلة القوم بالنساء تدل على أن المقصود بهم الرجال، وهنا في الحديث ذكر القوم في مقابلة النساء، فإذاً: يكون المقصود بهم الرجال. فـ(القوم) قد يراد بهم الرجال دون النساء إذا قوبلوا بالنساء، ويأتي ذكر القوم ويراد بهم مجموع الرجال والنساء، وهذا كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ [البقرة:54]، وقومه الرجال والنساء. قوله: [ (فليسبح القوم وليصفق النساء) ]. التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى، وإنما كان التسبيح للرجال والتصفيق للنساء لئلا يحصل الافتتان بأصواتهن، فيكون شأنهن عند التنبيه التصفيق، والرجال يسبحون فيقولون: سبحان الله. وهذا من الأحكام التي يفرق بها بين الرجال والنساء، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاءت نصوص تميز بين الرجال والنساء بأن الرحال يفعلون كذا وال تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في النهي عن التحدث بما يكون بين الرجل وأهله قوله: [ وقال موسى : حدثنا حماد عن الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي ]. يعني أن الإسناد الذي فيه موسى بن إسماعيل -وهو الطريق الثالث من الطرق الثلاث- ما قال فيه: شيخ من طفاوة. وإنما قال: الطفاوي فهذا هو الفرق بين الإسنادين؛ لأن الشيخين الأولين قالا: شيخ من طفاوة. وأما موسى بن إسماعيل فإنه قال: الطفاوي . نسبة إلى طفاوة. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا بشر ]. هو بشر بن المفضل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا مؤمل ]. هو مؤمل بن هشام اليشكري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا موسى ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وقد مر ذكره. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ كلهم عن الجريري عن أبي نضرة ]. الجريري هو سعيد بن إياس ، وأبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني شيخ من طفاوة ]. هذا الطفاوي مجهول لا يعرف الأسئلة حكم تطيب الرجل من طيب امرأته السؤال: هل يجوز للرجل أن يتطيب من طيب امرأته؟ الجواب: يجوز، ولا يعد تشبهاً بالنساء، ولا شك أن طيب الرجال هو الذي ينبغي للرجل أن يستعمله. حكم الائتمام بالمسبوق السؤال: هل تصح إمامة المسبوق؟ الجواب: يصح ذلك، فما دام أنه وجد المسبوق يصلي ودخل معه ووافق على أن يكون إماماً له وما رده، فلا بأس بذلك. حكم استعمال الحناء للنساء والرجال السؤال: هل يدخل في طيب النساء الحناء، فإن النساء يفعلنه في بلادنا في أرجلهن وأيديهن، فهل هو مما ظهر لونه وخفي ريحه؟ الجواب: الحناء ليس من الطيب، بل يتجمل به في الأيدي والأرجل، وتستعمله النساء فقط ولا يستعمله الرجال، وهو لا يستعمل للطيب، وإنما يستعمل للتجمل من ناحية اللون، والرجال يمكن لهم أن يستعملوه إذا كان يحتاجونه علاجاً. وقد يقال: إذا كان الحناء من أمور النساء فكيف يجوز للرجال أن يغيروا الشيب به؟! والجواب: أن النساء يستعملنه من أجل التجمل به في أيديهن وأرجلهن، وأما كونه يغير الشيب بالحناء والكتم فهذا لا بأس به، لأنه ليس كالتجمل الذي هو من خصائص النساء. حكم التنفل عند الإقامة السؤال: إذا كنت أصلي تحية المسجد فأقيمت الصلاة وأنا أصلي السنة، فمتى يجب علي قطعها ومتى لا يجب؟ الجواب: إذا كان المرء في أول صلاته النافلة فإنه يقطعها، وإذا كان في آخرها فإنه يتمها، والذي يبدو أن الركعة هي الحد الفاصل، فإذا جاوز الركعة الأولى فإنه يكون في آخرها، وأما إذا كان في الركعة الأولى فيقطعها. حكم وطء سبايا جهاد الدفع في هذا العصر السؤال: المجاهدون في الشيشان إذا حصلوا على غنائم وكان من ضمن تلك الغنائم النساء، فهل يعتبرن سبايا فيجوز وطؤهن إذا استبرئن بحيضة؟ الجواب: لا جهاد فيه سبي في هذا الزمان؛ لأن الجهاد الذي فيه السبي هو في وقت كون المسلمين أقوياء يذهبون إلى الكفار ليدعوهم إلى الدخول في الدين، وإذا لم يدخلوا فإنهم يأخذون منهم الجزية، وإذا لم يدفعوا الجزية قاتلوهم وسبوا نساءهم. وأما في هذا الزمان فالقوة للكفار على المسلمين، فالكفار أقوى من المسلمين، فهم الذين يستطيعون أن يأخذوا من شاءوا من المسلمات، فالضرر على المسلمين لا على الكفار. حكم من ينوي القصر مؤتماً بمقيم السؤال: رجل صلى مأموماً ونوى القصر ولكن الإمام أتم، فما حكمه؟ الجواب: ما دام أنه مسافر صلى خلف إمام أتم فإنه يجب عليه أن يتم، ولا يجوز له أن يقصر ولو كان قد نوى القصر، وتغيير النية هنا لا يؤثر."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |