تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 42 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         جرائم الرافضة.. في الحرمين على مر العصور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          المستشارة فاطمة عبد الرؤوف: العلاقات الأسرية خير معين للأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13156 - عددالزوار : 348136 )           »          الحياة الإيمانية والحياة المادية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 84 )           »          وَتِلْكَ عَادٌ... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 209 )           »          معركة شذونة.. وادي لكة.. وادي برباط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 139 )           »          أخــــــــــلاق إسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 578 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2536 )           »          من أساليب التربية في القرآن الكريم ، أسلوب الحكيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 162 )           »          موقظة في تعريف عقد البيع في الفقه الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 118 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #411  
قديم 20-01-2023, 10:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النُّورِ
الحلقة (411)
صــ 61 إلى صــ 70



[ ص: 61 ] ومعنى الآية : ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ; وفيهم قولان .

أحدهما : أنه أراد الذكور دون الإناث ، قاله ابن عمر .

والثاني : الذكور والإناث ، رواه أبو حصين عن أبي عبد الرحمن . ومعنى الكلام : ليستأذنكم مماليككم في الدخول عليكم . قال القاضي أبو يعلى : والأظهر أن يكون المراد : العبيد الصغار والإماء الصغار ، لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته ، فكيف يضاف إلى الصبيان الذين هم غير مكلفين؟!

قوله تعالى: والذين لم يبلغوا الحلم وقرأ عبد الوارث : " الحلم " بإسكان اللام منكم أي : من أحراركم من الرجال والنساء ثلاث مرات أي : ثلاثة أوقات ; ثم بينها فقال : من قبل صلاة الفجر وذلك لأن الإنسان قد يبيت عريانا ، أو على حالة لا يحب أن يطلع عليه فيها وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة أي : القائلة ومن بعد صلاة العشاء حين يأوي الرجل إلى زوجته ، ثلاث عورات قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : " ثلاث عورات " برفع الثاء من " ثلاث " ، والمعنى : هذه الأوقات هي ثلاث عورات ، لأن الإنسان يضع فيها ثيابه ، فربما بدت عورته . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " ثلاث عورات " بنصب الثاء ; قال أبو علي : وجعلوه بدلا من قوله : ثلاث مرات والأوقات ليست عورات ، ولكن المعنى : أنها أوقات ثلاث عورات ، فلما حذف المضاف أعرب [بإعراب المحذوف] . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وسعيد بن جبير ، والأعمش : " عورات " بفتح الواو ، ليس عليكم يعني : المؤمنين الأحرار ولا عليهم يعني : الخدم [ ص: 62 ] والغلمان جناح أي : حرج بعدهن أي : بعد مضي هذه الأوقات أن لا يستأذنوا ، فرفع الحرج عن الفريقين ، طوافون عليكم أي : هم طوافون عليكم بعضكم على بعض أي : يطوف بعضكم وهم المماليك على بعض وهم الأحرار .

فصل

وأكثر علماء المفسرين على أن هذه الآية محكمة ، وممن روي عنه ذلك ابن عباس ، والقاسم بن محمد ، وجابر بن زيد ، والشعبي . وحكي عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة بقوله : وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ; والأول أصح ، لأن معنى هذه الآية : وإذا بلغ الأطفال منكم ، أو من الأحرار الحلم ، فليستأذنوا ، أي : في جميع الأوقات في الدخول عليكم كما استأذن الذين من قبلهم يعني : كما استأذن الأحرار الكبار ، الذين هم قبلهم في الوجود ، وهم الذين أمروا بالاستئذان على كل حال ; فالبالغ يستأذن في كل وقت ، والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث .

قوله تعالى: والقواعد من النساء قال ابن قتيبة : يعني : العجز ، واحدها : قاعد ، ويقال : إنما قيل لها : قاعد ، لقعودها عن الحيض والولد ، وقد تقعد عن الحيض والولد ومثلها يرجو النكاح ، ولا أراها سميت قاعدا إلا بالقعود ، لأنها إذا أسنت عجزت عن التصرف وكثرة الحركة ، وأطالت القعود ، فقيل لها : " قاعد " بلا هاء ، ليدل حذف الهاء على أنه قعود كبر ، كما قالوا : " امرأة حامل " ، ليدلوا بحذف الهاء على أنه حمل حبل ، وقالوا في غير ذلك : قاعدة في بيتها ، وحاملة على ظهرها .

قوله تعالى: أن يضعن ثيابهن أي : عند الرجال ; ويعني بالثياب: [ ص: 63 ] الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار ، هذا المراد بالثياب ، لا جميع الثياب ، غير متبرجات بزينة أي : من غير أن يردن بوضع الجلباب أن ترى زينتهن ; والتبرج : إظهار المرأة محاسنها ، وأن يستعففن فلا يضعن تلك الثياب خير لهن ، قال ابن قتيبة : والعرب تقول : امرأة واضع : إذا كبرت فوضعت الخمار ، ولا يكون هذا إلا في الهرمة . قال القاضي أبو يعلى : وفي هذه الآية دلالة على أنه يباح [للعجوز] كشف وجهها ويديها بين يدي الرجال ، وأما شعرها ، فيحرم النظر إليه كشعر الشابة .
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون

قوله تعالى: ليس على الأعمى حرج في سبب نزولها خمسة أقوال .

أحدها : أنه لما نزل قوله تعالى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء : 29] تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعمي والعرج ، وقالوا : الطعام أفضل الأموال ، وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، [ ص: 64 ] والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والمريض لا يستوفي الطعام ، فنزلت هذه الآية . ، قاله ابن عباس .

والثاني : أن ناسا كانوا إذا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم ، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا ، فكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون : نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن المسيب .

والثالث : أن العرجان والعميان كانوا يمتنعون عن مؤاكلة الأصحاء ، لأن الناس يتقذرونهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير ، والضحاك .

والرابع : أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمون المريض والزمن ، ذهبوا به إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم وبعض من سمى الله عز وجل في هذه الآية ، فكان أهل الزمانة يتحرجون من أكل ذلك الطعام لأنه أطعمهم غير مالكه ، فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد .

والخامس : أنها نزلت في إسقاط الجهاد عن أهل الزمانة المذكورين في الآية ، قاله الحسن ، وابن يزيد .

[ ص: 65 ] فعلى القول الأول يكون معنى الآية : ليس عليكم في الأعمى حرج أن تأكلوا معه ، ولا في الأعرج وتكون " على " بمعنى " في " ، ذكره ابن جرير ، وكذلك يخرج [معنى الآية] على كل قول بما يليق به . وقد كان جماعة من المفسرين يذهبون إلى أن آخر الكلام " ولا على المريض حرج " وأن ما بعده مستأنف لا تعلق له به ، وهو يقوي قول الحسن ، وابن زيد .

قوله تعالى: أن تأكلوا من بيوتكم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنها بيوت الأولاد .

والثاني : البيوت التي يسكنونها وهم فيها عيال غيرهم ، فيكون الخطاب لأهل الرجل وولده وخادمه ومن يشتمل عليه منزله ، ونسبها إليهم لأنهم سكانها .

والثالث : أنها بيوتهم ، والمراد أكلهم من مال عيالهم وأزواجهم ، لأن بيت المرأة كبيت الرجل .

وإنما أباح الأكل من بيوت القرابات المذكورين ، لجريان العادة ببذل طعامهم لهم ; فإن كان الطعام وراء حرز ، لم يجز هتك الحرز .

قوله تعالى: أو ما ملكتم مفاتحه فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه الوكيل ، لا بأس أن يأكل اليسير ، وهو معنى قول ابن عباس . وقرأها سعيد بن جبير ، وأبو العالية : " ملكتم " بضم الميم وتشديد اللام مع كسرها على ما لم يسم فاعله ، وفسرها سعيد فقال : يعني القهرمان الذي بيده المفاتيح .

وقرأ أنس بن مالك ، وقتادة ، وابن يعمر : " مفتاحه " بكسر الميم على التوحيد .

والثاني : بيت الإنسان الذي يملكه ، وهو معنى قول قتادة .

والثالث : بيوت العبيد ، قاله الضحاك .

[ ص: 66 ] قوله تعالى:

أو صديقكم

قال ابن عباس : نزلت هذه في الحارث بن عمرو ، خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا ، وخلف مالك بن زيد على أهله ، فلما رجع وجده مجهودا ، فقال : تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك ، فنزلت هذه الآية . وكان الحسن وقتادة يريان الأكل من طعام الصديق بغير استئذان جائزا .

قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا في سبب نزول هذه [الآية] ثلاثة أقوال .

أحدها : أن حيا من بني كنانة يقال لهم : بنو ليث كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده ، فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة والضحاك .

والثاني : أن قوما من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم ، فنزلت هذه الآية ، ورخص لهم أن يأكلوا جميعا أو أشتاتا ، قاله عكرمة .

والثالث : أن المسلمين كانوا يتحرجون من مؤاكلة أهل الضر خوفا من أن يستأثروا عليهم ، ومن الاجتماع على الطعام ، لاختلاف الناس في مأكلهم وزيادة بعضهم على بعض ، فوسع عليهم ، وقيل : ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أي : مجتمعين أو أشتاتا أي : متفرقين ، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: فإذا دخلتم بيوتا فيها ثلاثة أقوال .

[ ص: 67 ] أحدها : أنها بيوت أنفسكم ، فسلموا على أهاليكم وعيالكم ، قال جابر بن عبد الله ، وطاوس ، وقتادة .

والثاني : أنها المساجد ، فسلموا على من فيها ، قاله ابن عباس .

والثالث : بيوت الغير ; فالمعنى : إذا دخلتم بيوت غيركم فسلموا عليهم ، قاله الحسن .

قوله تعالى: تحية قال الزجاج : هي منصوبة على المصدر ، لأن قوله : فسلموا بمعنى : فحيوا وليحي بعضكم بعضا تحية ، من عند الله قال مقاتل : مباركة بالأجر ، طيبة أي : حسنة .
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم

قوله تعالى: وإذا كانوا معه يعني : مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر جامع أي : على أمر طاعة يجتمعون عليها ، نحو الجهاد والجمعة والعيد ونحو ذلك لم يذهبوا حتى يستأذنوه قال المفسرون : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر [ ص: 68 ] يوم الجمعة ، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر ، لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يراه ، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن ، فيأذن لمن شاء منهم ، فالأمر إليه في ذلك . قال مجاهد : وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده .

قوله تعالى: واستغفر لهم الله أي : لخروجهم عن الجماعة إن رأيت لهم عذرا .
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم . ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم

قوله تعالى: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه نهي عن التعرض لإسخاط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه إذا دعا على شخص فدعوته موجبة ، قاله ابن عباس .

والثاني : أنهم أمروا أن يقولوا : يا رسول الله ، ونهوا أن يقولوا : يا محمد ، قاله سعيد بن جبير ، وعلقمة ، والأسود ، وعكرمة ، ومجاهد .

والثالث : أنه نهي لهم عن الإبطاء إذا أمرهم والتأخر إذا دعاهم ، حكاه الماوردي .

وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، وأبو المتوكل ، ومعاذ القارئ : " دعاء الرسول نبيكم " بياء مشددة ونون قبل الباء .

قوله تعالى: قد يعلم الله الذين يتسللون التسلل : الخروج في خفية .

[ ص: 69 ] واللواذ : أن يستتر بشيء مخافة من يراه . والمراد بقوله قد يعلم التهديد بالمجازاة . قال الفراء : كان المنافقون يشهدون الجمعة فيذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبهم بالآيات التي أنزلت فيهم ، فإن خفي لأحدهم القيام قام ، فذلك قوله : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا أي : يلوذ هذا بهذا ، أي : يستتر ذا بذا .

وإنما قال : لواذا لأنها مصدر " لاوذت " ، ولو كان مصدرا لـ " لذت " لقلت : لذت لياذا ، كما تقول : قمت قياما . وكذلك قال ثعلب : وقع البناء على لاوذ ملاوذة ، ولو بني على لاذ يلوذ ، لقيل : لياذا . وقيل : هذا كان في حفر الخندق ، كان المنافقون ينصرفون عن غير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مختفين .

قوله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره في هاء الكناية قولان .

أحدهما : أنها ترجع إلى الله عز وجل ، قاله مجاهد .

والثاني : إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله قتادة .

وفي " عن " قولان .

أحدهما : [أنها] زائدة ، قاله الأخفش . والثاني : أن معنى " يخالفون " : يعرضون عن أمره .

وفي الفتنة هاهنا ثلاثة أقوال .

أحدها : الضلالة ، قاله ابن عباس . والثاني : بلاء في الدنيا ، قاله مجاهد . والثالث : كفر ، قاله السدي ، ومقاتل .

[ ص: 70 ] قوله تعالى: أو يصيبهم عذاب أليم فيه قولان .

أحدهما : القتل في الدنيا . والثاني : عذاب جهنم في الآخرة .

قوله تعالى: قد يعلم ما أنتم عليه أي : ما في أنفسكم ، وما تنطوي عليه ضمائركم من الإيمان والنفاق ; وهذا تنبيه على الجزاء على ذلك .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #412  
قديم 20-01-2023, 10:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْفُرْقَانِ
الحلقة (412)
صــ 71 إلى صــ 80



[ ص: 71 ] سُورَةُ الْفُرْقَانِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا . وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يَخْلُقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَقَتَادَةُ فِي آخَرِينَ : هِيَ مَكِّيَّةٌ . وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا : إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِلَى قَوْلِهِ : غَفُورًا رَحِيمًا [الْفُرْقَانِ : 68-70] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: تَبَارَكَ قَدْ شَرَحْنَاهُ فِي (الْأَعْرَافِ : 45) وَالْفَرْقَانُ : الْقُرْآنُ ، سُمِّيَ فُرْقَانًا ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ .

وَالْمُرَادُ بِعَبْدِهِ : مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِيَكُونَ فِيهِ قَوْلَانِ .

[ ص: 72 ] أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ عَبْدِهِ ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ . وَالثَّانِي : عَنِ الْقُرْآنِ ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلْعَالَمِينَ يَعْنِي الْجِنَّ وَالْإِنْسَ نَذِيرًا [أَيْ] : مُخَوِّفًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا : سَوَّاهُ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ ، فَلَا خَلَلَ فِيهِ وَلَا تَفَاوُتَ . وَالثَّانِي : قَدَّرَ لَهُ مَا يُصْلِحُهُ وَيُقِيمُهُ . وَالثَّالِثُ : قَدَّرَ لَهُ تَقْدِيرًا مِنَ الْأَجَلِ وَالرِّزْقِ .

ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ ، فَقَالَ : وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً يَعْنِي : الْأَصْنَامَ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يَخْلُقُونَ أَيْ : وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا أَيْ : دَفْعَ ضُرٍّ ، وَلَا جَرَّ نَفْعٍ ، لِأَنَّهَا جَمَادٌ لَا قُدْرَةَ لَهَا ، وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا أَيْ : لَا تَمْلِكُ أَنْ تُمِيتَ أَحَدًا ، وَلَا أَنْ تُحَيِيَ أَحَدًا ، وَلَا أَنْ تَبْعَثَ أَحَدًا مِنَ الْأَمْوَاتِ ; وَالْمَعْنَى : كَيْفَ يَعْبُدُونَ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ ، وَيَتْرُكُونَ عِبَادَةَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ؟!
وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما

قوله تعالى: وقال الذين كفروا يعني : مشركي قريش ; وقال مقاتل : هو قول النضر بن الحارث من بني عبد الدار إن هذا أي : ما هذا ، يعنون القرآن إلا إفك أي : كذب افتراه أي : اختلقه من تلقاء نفسه وأعانه عليه قوم آخرون قال مجاهد : يعنون اليهود ; وقال مقاتل أشاروا إلى عداس [ ص: 73 ] مولى حويطب ، ويسار غلام عامر بن الحضرمي ، وجبر مولى لعامر أيضا ، وكان الثلاثة من أهل الكتاب .

قوله تعالى: فقد جاءوا ظلما وزورا قال الزجاج : المعنى : فقد جاءوا بظلم وزور ، فلما سقطت الباء ، أفضى الفعل فنصب ، والزور : الكذب . وقالوا أساطير الأولين المعنى : وقالوا : الذي جاء به أساطير الأولين ; وقد بينا ذلك في (الأنعام : 25) . قال المفسرون : والذي قال هذا هو النضر بن الحارث .

ومعنى اكتتبها أمر أن تكتب له . وقرأ ابن مسعود ، وإبراهيم النخعي ، وطلحة بن مصرف : " اكتتبها " برفع التاء الأولى وكسر الثانية ، والابتداء على قراءتهم برفع الهمزة ، فهي تملى عليه أي : تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها ، لأنه لم يكن كاتبا ، بكرة وأصيلا أي : غدوة وعشيا . قل لهم يا محمد : أنزله يعني : القرآن الذي يعلم السر أي : لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض .
وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا

قوله تعالى: وقالوا يعني المشركين مال هذا الرسول يأكل الطعام أنكروا أن يكون الرسول بشرا يأكل الطعام ويمشي في الطرق كما يمشي سائر الناس يطلب المعيشة ; والمعنى : أنه ليس بملك ولا ملك ، لأن الملائكة لا تأكل ، والملوك لا تتبذل في الأسواق ، فعجبوا أن يكون مساويا للبشر لا يتميز عليهم [ ص: 74 ] بشيء ; وإنما جعله الله بشرا ليكون مجانسا للذين أرسل إليهم ، ولم يجعله ملكا يمتنع من المشي في الأسواق ، لأن ذلك من فعل الجبابرة ، ولأنه أمر بدعائهم ، فاحتاج أن يمشي بينهم .

قوله تعالى: لولا أنزل إليه ملك وذلك أنهم قالوا له : سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك ويجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا ، فذلك قوله : أو يلقى إليه كنز أي : ينزل إليه كنز من السماء أو تكون له جنة يأكل منها أي : بستان يأكل من ثماره . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : " يأكل منها " بالياء ، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم . وقرأ حمزة ، والكسائي : " نأكل " بالنون ، قال أبو علي : المعنى : يكون له علينا مزية في الفضل بأكلنا من جنته . وباقي الآية مفسر في (بني إسرائيل : 47) .

قوله تعالى: انظر يا محمد كيف ضربوا لك الأمثال حين مثلوك بالمسحور ، وبالكاهن والمجنون والشاعر فضلوا بهذا عن الهدى فلا يستطيعون سبيلا فيه قولان .

أحدهما : لا يستطيعون مخرجا من الأمثال التي ضربوها ، قاله مجاهد ، والمعنى أنهم كذبوا ولم يجدوا على قولهم حجة وبرهانا . وقال الفراء : لا يستطيعون في أمرك حيلة .

والثاني : سبيلا إلى الطاعة ، قاله السدي .
تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا . بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا [ ص: 75 ] مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا

ثم أخبر أنه لو شاء لأعطاه خيرا مما قالوا في الدنيا ، وهو قوله : خيرا من ذلك يعني : لو شئت لأعطيتك في الدنيا خيرا مما قالوا ، لأنه قد شاء أن يعطيه ذلك في الآخرة . ويجعل لك قصورا قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " ويجعل لك قصورا " برفع اللام . وقرأ أبو عمرو ، ونافع ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : " ويجعل " بجزم اللام . فمن قرأ بالجزم ، كان المعنى : إن يشأ يجعل لك جنات ويجعل [لك] قصورا . ومن رفع ، فعلى الاستثناء [المعنى] : ويجعل لك قصورا في الآخرة . وقد سبق معنى " أعتدنا " [النساء : 37] ومعنى " السعير " [النساء:10] .

قوله تعالى: إذا رأتهم من مكان بعيد قال السدي عن أشياخه : من مسيرة مائة عام .

فإن قيل : السعير مذكر ، فكيف قال : " إذا رأتهم " ؟

فالجواب : أنه أراد بالسعير النار .

قوله تعالى: سمعوا لها تغيظا فيه قولان .

أحدهما : غليان تغيظ ، قاله الزجاج . قال المفسرون : والمعنى أنها تتغيظ عليهم ، فيسمعون صوت تغيظها وزفيرها كالغضبان إذا غلا صدره من الغيظ .

والثاني : يسمعون فيها تغيظ المعذبين وزفيرهم ، حكاه ابن قتيبة .

قوله تعالى: وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا قال المفسرون : تضيق عليهم كما يضيق الزج على الرمح ، وهم قد قرنوا مع الشياطين ، والثبور : الهلكة . وقرأ عاصم الجحدري ، وابن السميفع : " ثبورا " بفتح الثاء .

[ ص: 76 ] قوله تعالى: وادعوا ثبورا كثيرا قال الزجاج : الثبور مصدر ، فهو للقليل والكثير على لفظ الواحد ، كما تقول ضربته ضربا كثيرا ، والمعنى : هلاكهم أكثر من أن يدعوا مرة واحدة وروى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول من يكسى من أهل النار يوم القيامة إبليس ، يكسى حلة من النار فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه ، وذريته خلفه وهو يقول : وا ثبوراه ، وهم ينادون : يا ثبورهم ، حتى يقفوا على النار ، فينادي : يا ثبوراه ، وينادون : يا ثبورهم ، فيقول الله عز وجل : لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا .
قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا . لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا

قوله تعالى: قل أذلك يعني : السعير خير أم جنة الخلد وهذا تنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين ، لا على أن في السعير خيرا . وقال الزجاج : قد وقع التساوي بين الجنة والنار في أنهما منزلان ، فلذلك وقع التفضيل بينهما .

[ ص: 77 ] قوله تعالى: كانت لهم جزاء أي : ثوابا ومصيرا أي : مرجعا .

قوله تعالى: كان على ربك المشار إليه ، إما الدخول وإما الخلود وعدا وعدهم الله إياه على ألسنة الرسل .

وفي معنى مسؤولا قولان .

أحدهما : مطلوبا . وفي الطالب له قولان . أحدهما : أنهم المؤمنون ، سألوا الله في الدنيا إنجاز ما وعدهم [به] . والثاني : أن الملائكة سألته ذلك لهم ، وهو قوله : ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم [غافر:8] .

والثاني : أن معنى المسؤول : الواجب .
ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل . قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا . وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا

قوله تعالى: ويوم يحشرهم قرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم : " يحشرهم " " فيقول " بالياء فيهما . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي، [ ص: 78 ] وأبو بكر عن عاصم : " نحشرهم " بالنون " فيقول " بالياء . وقرأ ابن عامر : " نحشرهم " " فنقول " بالنون فيهما جميعا ; يعني : المشركين ، وما يعبدون قال مجاهد : يعني عيسى وعزيرا والملائكة . وقال عكرمة ، والضحاك : يعني الأصنام ، فيأذن الله للأصنام في الكلام ، ويخاطبها فيقول أأنتم أضللتم عبادي أي : أمرتموهم بعبادتكم أم هم ضلوا السبيل أي : أخطأوا الطريق . قالوا يعني الأصنام سبحانك نزهوا الله تعالى أن يعبد غيره ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء نواليهم ; والمعنى : ما كان ينبغي لنا أن نعبد نحن غيرك ، فكيف ندعو إلى عبادتنا؟! فدل هذا الجواب على أنهم لم يأمروا بعبادتهم . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وابن جبير ، والحسن ، وقتادة ، وأبو جعفر ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : " أن نتخذ " برفع النون وفتح الخاء . ثم ذكروا سبب تركهم الإيمان ، فقالوا : ولكن متعتهم أي : أطلت لهم العمر وأوسعت لهم الرزق حتى نسوا الذكر أي : تركوا الإيمان بالقرآن والاتعاظ به وكانوا قوما بورا قال ابن عباس : هلكي . وقال في رواية أخرى ، البور : [في] لغة أزد عمان : الفاسد . قال ابن قتيبة : هو من بار يبور : إذا هلك وبطل ، يقال : بار الطعام : إذا كسد ، وبارت الأيم : إذا لم يرغب فيها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من بوار الأيم ، قال : وقال أبو عبيدة : يقال : رجل بور ، وقوم بور ، لا يجمع ولا يثنى ، واحتج بقول الشاعر :

[ ص: 79 ]
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور


وقد سمعنا بـ " رجل بائر " ، ورأيناهم ربما جمعوا " فاعلا " على " فعل " ، نحو عائذ وعوذ ، وشارف وشرف . قال المفسرون : فيقال للكفار حينئذ فقد كذبوكم أي : فقد كذبكم المعبودون في قولكم : إنهم آلهة . وقرأ سعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومعاذ القارئ ، وابن شنبوذ عن قنبل : " بما يقولون " بالياء ; والمعنى : كذبوكم بقولهم : سبحانك ما كان ينبغي لنا الآية ; هذا قول الأكثرين . وقال ابن زيد : الخطاب للمؤمنين ; فالمعنى : فقد كذبكم المشركون بما تقولون : إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: ( فما يستطعيون صرفا ولا نصرا ) قرأ الأكثرون بالياء . وفيه وجهان .

أحدهما : فما يستطيع المعبودون صرفا للعذاب عنكم ولا نصرا لكم .

والثاني : فما يستطيع الكفار صرفا لعذاب الله عنهم ولا نصرا لأنفسهم .

وقرأ حفص عن عاصم : " تستطيعون " بالتاء ; والخطاب للكفار . وحكى ابن قتيبة عن يونس البصري أنه قال : الصرف : الحيلة من قولهم : إنه ليتصرف .

قوله تعالى: ومن يظلم منكم أي : بالشرك نذقه في الآخرة .

وقرأ عاصم الجحدري ، والضحاك ، وأبو الجوزاء [وقتادة] : " يذقه " بالياء عذابا كبيرا أي : شديدا . وما أرسلنا قبلك من المرسلين قال الزجاج : في الآية محذوف، [ ص: 80 ] تقديره : وما أرسلنا قبلك رسلا من المرسلين ، فحذفت " رسلا " لأن قوله : من المرسلين يدل عليها .

قوله تعالى: إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق أي : إنهم كانوا على مثل حالك ، فكيف تكون بدعا منهم؟!

فإن قيل : لم كسرت " إنهم " هاهنا ، وفتحت في [ (براءة : 54) في ] قوله : أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم فقد بينا هنالك علة فتح تلك ; فأما كسر هذه ، فذكر ابن الأنباري فيه وجهين .

أحدهما : أن تكون فيها واو حال مضمرة ، فكسرت بعدها " إن " للاستئناف ، فيكون التقدير : إلا وإنهم ليأكلون الطعام ، فأضمرت الواو هاهنا كما أضمرت في قوله أو هم قائلون [الأعراف:4] ، والتأويل : أو وهم قائلون .

والثاني : أن تكون كسرت لإضمار " من " قبلها ، فيكون التقدير : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا من إنهم ليأكلون ، قال الشاعر :
فظلوا ومنهم دمعه سابق له وآخر يثني دمعة العين بالمهل


أراد : من دمعه .

قوله تعالى: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة الفتنة : الابتلاء والاختبار .

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه افتتان الفقير بالغني ، يقول : لو شاء لجعلني غنيا ، والأعمى بالبصير ، والسقيم بالصحيح ، قاله الحسن .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #413  
قديم 20-01-2023, 10:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْفُرْقَانِ
الحلقة (413)
صــ 81 إلى صــ 90





[ ص: 81 ] والثاني : ابتلاء الشريف بالوضيع ، والعربي بالمولى ، فإذا أراد الشريف أن يسلم فرأى الوضيع قد سبقه بالإسلام أنف فأقام على كفره ، قاله ابن السائب .

والثالث : أن المستهزئين من قريش كانوا إذا رأوا فقراء المؤمنين ، قالوا : انظروا إلى أتباع محمد من موالينا ورذالتنا ، قاله مقاتل .

فعلى الأول : يكون الخطاب بقوله : أتصبرون لأهل البلاء . وعلى الثاني : للرؤساء ، فيكون المعنى : أتصبرون على سبق الموالي والأتباع . وعلى الثالث : للفقراء ; فالمعنى : أتصبرون على أذى الكفار واستهزائهم ، والمعنى : قد علمتم ما وعد الصابرون ، وكان ربك بصيرا بمن يصبر وبمن يجزع .
وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنـزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا . وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا

قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا أي : لا يخافون البعث لولا أي : هلا أنزل علينا الملائكة فكانوا رسلا إلينا وأخبرونا بصدقك، [ ص: 82 ] أو نرى ربنا فيخبرنا أنك رسوله ، لقد استكبروا في أنفسهم أي : تكبروا حين سألوا هذه الآيات وعتوا عتوا كبيرا قال الزجاج : العتو في اللغة : مجاوزة القدر في الظلم .

قوله تعالى: يوم يرون الملائكة فيه قولان .

أحدهما : عند الموت . والثاني : يوم القيامة .

قال الزجاج : وانتصب اليوم على معنى : لا بشرى للمجرمين يوم يرون الملائكة ، و يومئذ مؤكد لـ يوم يرون الملائكة ; والمعنى أنهم يمنعون البشرى في ذلك اليوم ; ويجوز أن يكون " يوم " منصوبا على معنى : اذكر يوم يرون الملائكة ، ثم أخبر فقال : لا بشرى ، والمجرمون هاهنا : الكفار .

قوله تعالى: ويقولون حجرا محجورا وقرأ قتادة ، والضحاك ، ومعاذ القارئ : " حجرا " بضم الحاء . قال الزجاج : وأصل الحجر في اللغة : ما حجرت عليه ، أي : منعت من أن يوصل إليه ، ومنه حجر القضاة على الأيتام .

وفي القائلين لهذا قولان .

أحدهما : أنهم الملائكة يقولون للكفار : حجرا محجورا ، أي : حراما محرما . وفيما حرموه عليهم قولان . أحدهما : البشرى ، فالمعنى : حرام محرم أن تكون لكم البشرى ، قاله الضحاك ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج . والثاني : أن تدخلوا الجنة ، قاله مجاهد .

والثاني : أنه قول المشركين إذا عاينوا العذاب ، ومعناه الاستعاذة من الملائكة ، روي عن مجاهد أيضا . وقال ابن فارس : كان الرجل إذا لقي من يخافه في الشهر الحرام ، قال : حجرا ، أي : حرام عليك أذاي ، فإذا رأى [ ص: 83 ] المشركون الملائكة يوم القيامة ، قالوا : حجرا محجورا ، يظنون أنه ينفعهم كما كان ينفعهم في الدنيا .

قوله تعالى: وقدمنا قال ابن قتيبة : أي : قصدنا وعمدنا ، والأصل أن من أراد القدوم إلى موضع عمد له وقصده .

قوله تعالى: إلى ما عملوا من عمل [أي] من أعمال الخير فجعلناه هباء لأن العمل لا يتقبل مع الشرك .

وفي الهباء خمسة أقوال .

أحدها : أنه ما رأيته يتطاير في الشمس التي تدخل من الكوة مثل الغبار ، قاله علي عليه السلام ، والحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، واللغويون ; والمعنى أن الله أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء .

والثاني : أنه الماء المهراق ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثالث : أنه ما تنسفه الرياح وتذريه من التراب وحطام الشجر ، رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس .

والرابع : أنه الشرر الذي يطير من النار إذا أضرمت ، فإذا وقع لم يكن شيئا رواه عطية عن ابن عباس ،

والخامس : أنه ما يسطع من حوافر الدواب ، قاله مقاتل . والمنثور : المتفرق .

قوله تعالى: أصحاب الجنة يومئذ أي : يوم القيامة ، خير مستقرا [ ص: 84 ] أفضل منزلا من المشركين وأحسن مقيلا قال الزجاج : المقيل : المقام وقت القائلة ، وهو النوم نصف النهار . وقال الأزهري : القيلولة عند العرب : الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن مع ذلك نوم . وقال ابن مسعود ، وابن عباس : لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار .
ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا . ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا . لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا

قوله تعالى: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا هذا معطوف على قوله : يوم يرون الملائكة ، وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : " تشقق " بالتشديد ، فأدغموا التاء في الشين ، لأن الأصل : تتشقق . قال الفراء : المعنى : تتشقق السماء عن الغمام ، وتنزل فيه الملائكة ، و " على " و " عن " و " الباء " في هذا الموضع بمعنى واحد ، لأن العرب تقول : رميت عن القوس ، وبالقوس ، وعلى القوس ; والمعنى واحد . وقال أبو علي الفارسي : المعنى : تتشقق السماء وعليها غمام ، كما تقول : ركب الأمير بسلاحه ، وخرج بثيابه ، وإنما تتشقق السماء لنزول الملائكة . قال ابن عباس : تتشقق السماء عن الغمام ، وهو الغيم الأبيض ، وتنزل الملائكة في الغمام . وقال مقاتل : المراد بالسماء : السماوات ، تتشقق عن الغمام ، وهو غمام أبيض كهيئة الضباب ، فتنزل الملائكة عند انشقاقها .

وقرأ ابن كثير : " وننزل " بنونين : الأولى مضمومة ، والثانية ساكنة، [ ص: 85 ] واللام مضمومة ، و " الملائكة " نصبا . وقرأ عاصم الجحدري ، وأبو عمران الجوني : " ونزل " بنون واحدة مفتوحة ونصب الزاي وتشديدها وفتح اللام ونصب " الملائكة " . وقرأ ابن يعمر : " ونزل " بفتح النون واللام والزاي والتخفيف " الملائكة " بالرفع .

قوله تعالى: الملك يومئذ الحق للرحمن قال الزجاج : المعنى : الملك الذي هو الملك حقا للرحمن . فأما العسير ، فهو العصب الشديد يشتد على الكفار ، ويهون على المؤمنين فيكون كمقدار صلاة مكتوبة .

قوله تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها : أن أبي بن خلف كان يحضر [عند] رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجالسه من غير أن يؤمن به ، فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك ، فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس .

والثاني : أن عقبة دعا قوما فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام فأكلوا ، وأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل ، وقال : " لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " ، فشهد بذلك عقبة ، فبلغ ذلك أبي بن خلف ، وكان خليلا له ، فقال : صبوت يا عقبة؟! فقال : لا والله ، ولكنه أبى أن يأكل حتى قلت ذلك ، وليس من نفسي ، فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد .

[ ص: 86 ] والثالث : أن عقبة كان خليلا لأمية بن خلف ، فأسلم عقبة ، فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا ، فكفر وارتد لرضا أمية ، فنزلت هذه الآية ، قاله الشعبي .

فأما الظالم [المذكور] هاهنا ، فهو الكافر ، وفيه قولان .

أحدهما : أنه أبي بن خلف ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : عقبة بن أبي معيط ، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة .

قال عطاء : يأكل يديه حتى تذهبا إلى المرفقين ، ثم تنبتان ، فلا يزال هكذا كلما نبتت يده أكلها ندامة على ما فعل .

قوله تعالى: يا ليتني اتخذت الأكثرون يسكنون " يا ليتني " وأبو عمرو يحركها ; قال أبو علي : والأصل التحريك ، لأنها بإزاء الكاف التي للخطاب ، إلا أن حرف اللين تكره فيه الحركة ، ولذلك أسكن من أسكن ; والمعنى : ليتني اتبعته فاتخذت معه طريقا إلى الهدى .

قوله تعالى: ليتني لم أتخذ فلانا في المشار إليه أربعة أقوال .

أحدها : أنه عنى أبي بن خلف ، قاله ابن عباس . والثاني : عقبة بن أبي معيط ، قاله أبو مالك . والثالث : الشيطان ، قاله مجاهد . والرابع : أمية بن خلف ، قاله السدي .

فإن قيل : إنما يكنى من يخاف المبادأة أو يحتاج إلى المداجاة ، فما وجه الكناية؟

فالجواب : أنه أراد بالظالم : كل ظالم ، وأراد بفلان : كل من أطيع في معصية وأرضي بسخط الله ، وإن كانت الآية نزلت في شخص ، قاله ابن قتيبة .

[ ص: 87 ] قوله تعالى: لقد أضلني عن الذكر أي : صرفني عن القرآن والإيمان به بعد إذ جاءني مع الرسول ، وهاهنا تم الكلام . ثم قال الله تعالى : وكان الشيطان للإنسان يعني : الكافر خذولا يتبرأ [منه] في الآخرة .
وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا

قوله تعالى: وقال الرسول يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهذا عند كثير من العلماء أنه يقوله يوم القيامة ; فالمعنى : ويقول الرسول يومئذ . وذهب آخرون ، منهم مقاتل ، إلى أن الرسول قال ذلك شاكيا من قومه إلى الله تعالى حين كذبوه . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، [وأبو عمرو] : " إن قومي اتخذوا " بتحريك الياء ; وأسكنها عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي .

وفي المراد بقوله : مهجورا قولان .

أحدهما : متروكا لا يلتفتون إليه ولا يؤمنون به ، وهذا معنى قول ابن عباس ، ومقاتل .

[ ص: 88 ] والثاني : هجروا فيه ، أي : جعلوه كالهذيان ، ومنه يقال : فلان يهجر في منامه ، أي : يهذي ، قاله ابن قتيبة . وقال الزجاج : الهجر : ما لا ينتفع به من القول . قال المفسرون : فعزاه الله عز وجل ، فقال : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا أي : كما جعلنا لك أعداء من مشركي قومك ، جعلنا لكل نبي عدوا من كفار قومه ; والمعنى : لا يكبرن هذا عليك ، فلك بالأنبياء أسوة ، وكفى بربك هاديا ونصيرا يمنعك من عدوك . قال الزجاج : والباء في قوله : بربك زائدة ; فالمعنى : كفى ربك هاديا ونصيرا .
وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا . ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا

قوله تعالى: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة أي : كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور ، فقال الله عز وجل : كذلك أي : أنزلناه كذلك متفرقا ، لأن معنى ما قالوا : لم نزل عليه متفرقا؟ فقيل : إنما أنزلناه كذلك لنثبت به فؤادك أي : لنقوي به قلبك فتزداد بصيرة ، وذلك أنه كان يأتيه الوحي في كل أمر وحادثة ، فكان أقوى لقلبه وأنور لبصيرته وأبعد لاستيحاشه ، ورتلناه ترتيلا أي : أنزلناه على الترتيل ، وهو التمكث الذي يضاد العجلة .

قوله تعالى: ولا يأتونك يعني المشركين بمثل يضربونه لك في مخاصمتك وإبطال أمرك إلا جئناك بالحق أي : بالذي هو الحق لترد به كيدهم وأحسن تفسيرا من مثلهم ; والتفسير : البيان والكشف .

قال مقاتل : ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة ، فقال : الذين يحشرون على [ ص: 89 ] وجوههم وذلك أن كفار مكة قالوا : إن محمدا وأصحابه شر خلق الله ، فنزلت هذه الآية .

قوله تعالى: أولئك شر مكانا أي : منزلا ومصيرا وأضل سبيلا دينا وطريقا من المؤمنين .
ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا . فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما . وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا

قوله تعالى: اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا .

إن قيل : إنما عاينوا الآيات بعد [وجود] الرسالة ، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟

فالجواب : أنهم كانوا مكذبين أنبياء الله وكتبه المتقدمة ، ومن كذب نبيا فقد كذب سائر الأنبياء ولهذا قال : وقوم نوح لما كذبوا الرسل ، وقال الزجاج : يجوز أن يكون المراد به نوح وحده ، وقد ذكر بلفظ الجنس ، كما يقال : فلان يركب الدواب ، وإن لم يركب إلا دابة واحدة ; وقد شرحنا هذا في (هود : 59) عند قوله : وعصوا رسله . وقد سبق معنى التدمير [الأعراف : 137] .

قوله تعالى: وأصحاب الرس في الرس ثلاثة أقوال .

أحدها : أنها بئر كانت تسمى الرس ، قاله ابن عباس في رواية العوفي .

[ ص: 90 ] وقال في رواية عكرمة : هي بئر بأذربيجان . وزعم ابن السائب أنها بئر دون اليمامة . وقال السدي : بئر بأنطاكية .

والثاني : أن الرس قرية من قرى اليمامة ، قاله قتادة .

والثالث : أنها المعدن ، قاله أبو عبيدة ، وابن قتيبة .

وفي تسميتها بالرس قولان .

أحدهما : أنهم رسوا نبيهم في البئر ، قاله عكرمة . قال الزجاج : رسوه ، أي : دسوه فيها .

والثاني : أن كل ركية لم تطو فهي رس ، قاله ابن قتيبة .

واختلفوا في أصحاب الرس على خمسة أقوال .

أحدها : أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة ، فبعث الله تعالى إليهم نبيا من ولد يهوذا بن يعقوب ، فحفروا له بئرا وألقوه فيها ، فهلكوا ، قاله علي عليه السلام .

والثاني : أنهم قوم كان لهم نبي يقال له : حنظلة بن صفوان ، فقتلوا نبيهم فأهلكهم الله ، قاله سعيد بن جبير .

والثالث : أنهم كانوا أهل بئر ينزلون عليها ، وكانت لهم مواش ، وكانوا يعبدون الأصنام ، فبعث الله إليهم شعيبا ، فتمادوا في طغيانهم ، فانهارت البئر ، فخسف بهم وبمنازلهم ، قاله وهب بن منبه .

والرابع : أنهم الذين قتلوا حبيبا النجار ، قتلوه في بئر لهم ، وهو الذي قال : يا قوم اتبعوا المرسلين [يس:20] ، قاله السدي .

والخامس : أنهم قوم قتلوا نبيهم وأكلوه وأول من عمل السحر نساؤهم ، قاله ابن السائب .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #414  
قديم 20-01-2023, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْفُرْقَانِ
الحلقة (414)
صــ 91 إلى صــ 100




[ ص: 91 ] قوله تعالى: وقرونا المعنى : وأهلكنا قرونا بين ذلك كثيرا أي : بين عاد وأصحاب الرس . وقد سبق بيان القرن [الأنعام : 6] . وفي هذه القصص تهديد لقريش .

قوله تعالى: وكلا ضربنا له الأمثال أي : أعذرنا إليه بالموعظة وإقامة الحجة وكلا تبرنا قال الزجاج : التتبير : التدمير ، وكل شيء كسرته وفتتته فقد تبرته ، وكسارته : التبر ، ومن هذا قيل لمكسور الزجاج : التبر ، وكذلك تبر الذهب .
ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا . وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا . أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا

قوله تعالى: ولقد أتوا يعني كفار مكة على القرية التي أمطرت مطر السوء يعني قرية قوم لوط التي رميت بالحجارة أفلم يكونوا يرونها في أسفارهم فيعتبروا؟! ثم أخبر بالذي جرأهم على التكذيب ، فقال : بل كانوا لا يرجون نشورا أي : لا يخافون بعثا ، هذا قول المفسرين . وقال الزجاج : الذي عليه أهل اللغة أن الرجاء ليس بمعنى الخوف ، وإنما المعنى : بل كانوا لا يرجون ثواب عمل الخير ، فركبوا المعاصي .

[ ص: 92 ] قوله تعالى: وإذا رأوك إن يتخذونك أي : ما يتخذونك إلا هزوا أي : مهزوءا به . ثم ذكر ما يقولون من الاستهزاء : أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا أي : ليصرفنا عن عبادة آلهتنا لولا أن صبرنا عليها أي : على عبادتها ; قال الله تعالى : وسوف يعلمون حين يرون العذاب في الآخرة من أضل أي : من أخطأ طريقا عن الهدى ، أهم ، أم المؤمنون .

ثم عجب نبيه من جهلهم حين عبدوا ما دعاهم إليه الهوى ، فقال : أرأيت من اتخذ إلهه هواه قال ابن عباس : كان أحدهم يعبد الحجر ، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر . وقال قتادة : هو الكافر لا يهوى شيئا إلا ركبه .

وقال ابن قتيبة : المعنى يتبع هواه ويدع الحق ، فهو له كالإله .

قوله تعالى: أفأنت تكون عليه وكيلا أي : حفيظا يحفظه من اتباع هواه . وزعم الكلبي أن هذه الآية منسوخة بآية القتال .

قوله تعالى: أم تحسب أن أكثرهم يسمعون يعني أهل مكة ; والمراد : يسمعون سماع طالب الإفهام أو يعقلون ما يعاينون من الحجج والأعلام إن هم إلا كالأنعام وفي وجه تشبيههم بالأنعام قولان .

أحدهما : أن الأنعام تسمع الصوت ولا تفقه القول .

والثاني : أنه ليس لها هم إلا المأكل والمشرب .

قوله تعالى: بل هم أضل سبيلا لأن البهائم تهتدي لمراعيها وتنقاد لأربابها وتقبل على المحسن إليها ، وهم على خلاف ذلك .
ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا [ ص: 93 ] وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا

قوله تعالى: ألم تر إلى ربك أي : إلى فعل ربك . وقال الزجاج : معناه : ألم تعلم ، فهو من رؤية القلب ، ويجوز أن يكون من رؤية العين ; فالمعنى : ألم تر إلى الظل كيف مده ربك؟ والظل من وقت طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس ولو شاء لجعله ساكنا أي : ثابتا دائما لا يزول ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فالشمس دليل على الظل ، فلولا الشمس ما عرف أنه شيء ، كما أنه لولا النور ما عرفت الظلمة ، فكل الأشياء تعرف بأضدادها .

قوله تعالى: ثم قبضناه إلينا يعني : الظل قبضا يسيرا وفيه قولان .

أحدهما : سريعا ، قاله ابن عباس . والثاني : خفيا ، قاله مجاهد .

وفي وقت قبض الظل قولان . أحدهما : عند طلوع الشمس يقبض الظل وتجمع أجزاؤه المنبسطة بتسليط الشمس عليه حتى تنسخه شيئا فشيئا والثاني : عند غروب الشمس تقبض أجزاء الظل بعد غروبها ، ويخلف كل جزء منه جزءا من الظلام .

قوله تعالى: وهو الذي جعل لكم الليل لباسا أي : ساترا بظلمته ، لأن ظلمته تغشى الأشخاص وتشتمل عليها اشتمال اللباس على لابسه والنوم [ ص: 94 ] سباتا قال ابن قتيبة : أي : راحة ، ومنه يوم السبت ، لأن الخلق اجتمع يوم الجمعة ، وكان الفراغ منه في يوم السبت ، فقيل لبني إسرائيل : استريحوا في هذا اليوم ولا تعملوا فيه شيئا ، فسمي يوم السبت ، أي : يوم الراحة ، وأصل السبت : التمدد ، ومن تمدد استراح . وقال ابن الأنباري : أصل السبت : القطع ; فالمعنى : وجعلنا النوم قطعا لأعمالكم .

قوله تعالى: وجعل النهار نشورا فيه قولان . أحدهما : تنتشرون فيه لابتغاء الرزق ، قاله ابن عباس . والثاني : تنشر الروح باليقظة كما تنشر بالبعث ، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: وهو الذي أرسل الرياح قد شرحناه في (الأعراف : 75) إلى قوله : وأنزلنا من السماء ماء طهورا يعني : المطر . قال الأزهري : الطهور في اللغة : الطاهر المطهر . والطهور ما يتطهر به ، كالوضوء الذي يتوضأ به ، والفطور الذي يفطر عليه .

قوله تعالى: لنحيي به بلدة ميتا وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وأبو جعفر : " ميتا " بالتشديد . قال الزجاج : لفظ البلدة مؤنث ، وإنما قيل : " ميتا " لأن معنى البلدة والبلد سواء . وقال غيره : إنما قال : " ميتا " ، لأنه أراد بالبلدة المكان . وقد سبق معنى صفة البلدة بالموت [الأعراف : 57] ومعنى : ونسقيه [الفرقان : 49]؟؟؟ . وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء ، والضحاك ، والأعمش ، وابن أبي عبلة : " ونسقيه " بفتح النون . فأما الأناسي ، فقال الزجاج : هو جمع إنسي ، مثل كرسي وكراسي ; ويجوز أن يكون جمع إنسان ، وتكون الياء بدلا من النون ، الأصل : أناسين مثل سراحين . وقرأ أبو مجلز، [ ص: 95 ] والضحاك ، وأبو العالية ، وعاصم الجحدري : " وأناسي " بتخفيف الياء .

قوله تعالى: ولقد صرفناه يعني المطر بينهم مرة لهذه البلدة ، ومرة لهذه ليذكروا أي : ليتفكروا في نعم الله عليهم فيحمدوه . وقرأ حمزة ، والكسائي : " ليذكروا " خفيفة الذال . قال أبو علي : يذكر في معنى يتذكر ، فأبى أكثر الناس إلا كفورا وهم الذين يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، كفروا بنعمة الله . ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا المعنى : إنا بعثناك إلى جميع القرى لعظم كرامتك ، فلا تطع الكافرين وذلك أن كفار مكة دعوه إلى دين آبائهم ، وجاهدهم به أي بالقرآن جهادا كبيرا أي : تاما شديدا .
وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا . وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا

قوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين قال الزجاج : أي : خلى بينهما ; تقول : مرجت الدابة وأمرجتها : إذا خليتها ترعى ، ومنه الحديث : " مرجت [ ص: 96 ] عهودهم وأماناتهم " أي : اختلطت . قال المفسرون : والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما ، فما يلتقيان ، ولا يختلط الملح بالعذب ، ولا العذب بالملح ، وهو قوله : هذا يعني : أحد البحرين عذب أي : طيب ; يقال : عذب الماء يعذب عذوبة ، فهو عذب . قال الزجاج : والفرات صفة للعذب ، وهو أشد الماء عذوبة ، والأجاج صفة للملح ، وهو : المر الشديد المرارة . وقال ابن قتيبة : هو أشد الماء ملوحة ، وقيل : هو الذي يخالطه مرارة ، ويقال : ماء ملح ، ولا يقال : مالح ، والبرزخ : الحاجز . وفي هذا الحاجز قولان .

أحدهما : أنه مانع من قدرة الله تعالى ، قاله الأكثرون . قال الزجاج : فهما في مرأى العين مختلطان ، وفي قدرة الله منفصلان لا يختلط أحدهما بالآخر . قال أبو سليمان الدمشقي : ورأيت عند عبادان من سواد البصرة الماء العذب ينحدر في دجلة نحو البحر ، ويأتي المد من البحر ، فيلتقيان ، فلا يختلط أحد الماءين بالآخر ، يرى ماء البحر إلى الخضرة الشديدة ، وماء دجلة إلى الحمرة الخفيفة ، فيأتي المستقي فيغرف من ماء دجلة عذبا لا يخالطه شيء ، وإلى جانبه ماء البحر في مكان واحد .

والثاني : أن الحاجز : الأرض واليبس ، وهو قول الحسن ; والأول أصح .

قوله تعالى: وحجرا محجورا قال الفراء : أي : حراما محرما أن يغلب أحدهما صاحبه .

[ ص: 97 ] قوله تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشرا أي : من النطفة بشرا ، أي : إنسانا فجعله نسبا وصهرا أي : ذا نسب وصهر . قال علي عليه السلام : النسب : ما لا يحل نكاحه ، والصهر : ما يحل نكاحه . وقال الضحاك : النسب سبع ، وهو قوله : حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله : وبنات الأخت ، والصهر خمس ، وهو قوله : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم إلى قوله : من أصلابكم [النساء : 23] . وقال طاوس : الرضاعة من الصهر . وقال ابن قتيبة : " نسبا " أي : قرابة النسب ، " وصهرا " أي : قرابة النكاح . وكل شيء من قبل الزوج ، مثل الأب والأخ ، فهم الأحماء ، واحدهم حما ، مثل : قفا ، وحمو مثل أبو ، وحمء مهموز ساكن الميم ، وحم مثل أب . وحماة المرأة : أم زوجها ، لا لغة فيها غير هذه وكل شيء من قبل المرأة ، فهم الأختان . والصهر يجمع ذلك كله . وحكى



ابن فارس عن الخليل ، أنه قال : لا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان ، ولأهل بيت المرأة إلا أصهار . ومن العرب من يجعلهم أصهارا كلهم . والصهر : إذابة الشيء . وذكر الماوردي أن المناكح سميت صهرا ، لاختلاط الناس بها كما يختلط الشيء إذا صهر .

قوله تعالى: وكان الكافر على ربه ظهيرا فيه أربعة أقوال .

أحدها : معينا للشيطان على ربه ، لأن عبادته للأصنام معاونة للشيطان .

والثاني : معينا للمشركين على أن لا يوحدوا الله تعالى .

والثالث : معينا على أولياء ربه .

والرابع : وكان الكافر على ربه هينا ذليلا ، من قولك : ظهرت بفلان : إذا جعلته وراء ظهرك ولم تلتفت إليه . قالوا : والمراد بالكافر هاهنا أبو جهل .
[ ص: 98 ] وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا . وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا . وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا

قوله تعالى: ما أسألكم عليه أي : على القرآن وتبليغ الوحي من أجر وهذا توكيد لصدقه ، لأنه لو سألهم شيئا من أموالهم لاتهموه ، إلا من شاء معناه : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بإنفاق ماله في مرضاته ، فعل ذلك ، فكأنه قال : لا أسألكم لنفسي . وقد سبق تفسير الكلمات التي تلي هذه [آل عمران : 159 ، البقرة : 30 ، الأعراف : 54] إلى قوله : فاسأل به خبيرا ، و " به " بمعنى : " عنه " ، قال [علقمة بن عبدة] :

فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب

وفي هاء " به " ثلاثة أقوال .

أحدها : أنها ترجع إلى الله عز وجل . والثاني : إلى اسمه الرحمن ، لأنهم قالوا : لا نعرف الرحمن . والثالث : إلى ما ذكر من خلق السماوات والأرض وغير ذلك .

وفي " الخبير " أربعة أقوال .

أحدها : أنه جبريل ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الله عز وجل ، والمعنى: [ ص: 99 ] سلني فأنا الخبير ، قاله مجاهد . والثالث : [أنه] القرآن ، قاله شمر . والرابع : مسلمة أهل الكتاب ، قاله أبو سليمان ، وهذا يخرج على قولهم : لا نعرف الرحمن ، فقيل : سلوا مسلمة أهل الكتاب ، فإن الله تعالى خاطب موسى في التوراة باسمه الرحمن ، فعلى هذا ، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سواه .

قوله تعالى: وإذا قيل لهم يعني كفار مكة اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن قال المفسرون : إنهم قالوا : لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ، فأنكروا أن يكون من أسماء الله تعالى ، أنسجد لما تأمرنا وقرأ حمزة ، والكسائي : " يأمرنا " بالياء ، أي : لما يأمرنا به محمد ، وهذا استفهام إنكار ، ومعناه : لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بالسجود له ، وزادهم ذكر الرحمن نفورا أي : تباعدا من الإيمان .
تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا . وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا

قوله تعالى: تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا قد شرحناه في (الحجر : 16) . والمراد بالسراج : الشمس . وقرأ حمزة ، والكسائي : " سرجا " بضم السين والراء وإسقاط الألف . قال الزجاج : أراد : الشمس : والكواكب العظام ; ويجوز " سرجا " بتسكين الراء ، مثل رسل ورسل . قال الماوردي : لما اقترن بضوء الشمس وهج حرها ، جعلها لأجل الحرارة سراجا ، ولما عدم ذلك في القمر جعله نورا .

قوله تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة فيه قولان .

أحدهما : أن كل واحد منهما يخالف الآخر في اللون ، فهذا أبيض ، وهذا [ ص: 100 ] أسود ، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس ، وابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال قتادة .

والثاني : أن كل واحد منهما يخلف صاحبه ، رواه عمرو بن قيس الملائي عن مجاهد ، وبه قال ابن زيد وأهل اللغة ، وأنشدوا قول زهير :


بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم


أي : إذا ذهبت طائفة جاءت طائفة .

قوله تعالى: لمن أراد أن يذكر أي : يتعظ ويعتبر باختلافهما . وقرأ حمزة : " يذكر " خفيفة الذال مضمومة الكاف ، وهي في معنى : يتذكر ، أو أراد شكر الله تعالى فيهما .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #415  
قديم 20-01-2023, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْفُرْقَانِ
الحلقة (415)
صــ 101 إلى صــ 110





وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما

[ ص: 101 ] قوله تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون وقرأ علي ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وابن السميفع : " يمشون " برفع الياء وفتح الميم والشين وبالتشديد .

وقال ابن قتيبة : إنما نسبهم إليه لاصطفائه إياهم كقوله : ناقة الله [الأعراف : 73] ، ومعنى " هونا " مشيا رويدا ، ومنه يقال : أحبب حبيبك هونا ما . وقال مجاهد : يمشون بالوقار والسكينة . وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما أي : سدادا . وقال الحسن : لا يجهلون على أحد ، وإن جهل عليهم حلموا . وقال مقاتل بن حيان : " قالوا سلاما " أي : قولا يسلمون فيه من الإثم . وهذه الآية محكمة عند الأكثرين . وزعم قوم أن المراد بها أنهم يقولون للكفار : ليس بيننا وبينكم غير السلام ، ثم نسخت بآية السيف .

[ ص: 102 ] قوله تعالى: والذين يبيتون لربهم قال الزجاج : كل من أدركه الليل فقد بات ، نام أو لم ينم ; يقال : بات فلان قلقا ، إنما المبيت إدراك الليل .

قوله تعالى: كان غراما فيه خمسة أقوال متقارب معانيها .

أحدها : دائما ، رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : موجعا ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : ملحا ، قاله ابن السائب ; وقال ابن جريج : لا يفارق . والرابع : هلاكا ، قاله أبو عبيدة . والخامس : أن الغرام في اللغة : أشد العذاب ، قال الشاعر :

ويوم النسار ويوم الجفا ر كانا عذابا وكانا غراما

قاله الزجاج .

قوله تعالى: ساءت مستقرا أي : بئس موضع الاستقرار وموضع الإقامة هي .

قوله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : " يقتروا " مفتوحة الياء مكسورة التاء وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " يقتروا " بفتح الياء وضم التاء . وقرأ نافع ، وابن عامر : " يقتروا " بضم الياء وكسر التاء .

وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما : أن الإسراف : مجاوزة الحد في النفقة ، والإقتار : التقصير عما لا بد [ ص: 103 ] منه ، ويدل على هذا قول عمر بن الخطاب : كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى .

والثاني : [أن] الإسراف : الإنفاق في معصية الله وإن قل ، والإقتار : منع حق الله تعالى ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن جريج في آخرين .

قوله تعالى: وكان يعني الإنفاق بين ذلك أي : بين الإسراف والإقتار قواما أي : عدلا ; قال ثعلب : القوام ، بفتح القاف : الاستقامة والعدل ، وبكسرها : ما يدوم عليه الأمر ويستقر .
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا . إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما

قوله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها : ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت : ثم أي؟ قال : " أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك " ، قلت: [ ص: 104 ] ثم أي؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ، فأنزل الله تعالى تصديقها والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية .

والثاني : أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت هذه الآية ، إلى قوله : غفورا رحيما أخرجه مسلم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثالث : أن وحشيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أتيتك مستجيرا فأجرني حتى أسمع كلام الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد كنت أحب أن أراك على غير جوار ، فأما إذا أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله ، قال : فإني أشركت بالله وقتلت التي حرم الله وزنيت ، فهل يقبل الله مني توبة؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية ، فتلاها عليه ، فقال : أرى شرطا ، فلعلي لا أعمل صالحا ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء:48] ، فدعاه فتلاها عليه ، فقال : ولعلي ممن لا يشاء [الله] ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية [الزمر : 53] ، فقال : نعم ، الآن لا أرى شرطا ، فأسلم ، رواه عطاء عن ابن عباس ; وهذا وحشي هو قاتل حمزة ; وفي هذا الحديث المذكور عنه نظر ، وهو بعيد الصحة ، والمحفوظ في إسلامه غير هذا ، وأنه قدم [ ص: 105 ] مع رسل الطائف فأسلم من غير اشتراط . وقوله : يدعون معناه : يعبدون . وقد سبق بيان قتل النفس بالحق في (الأنعام : 151) .

قوله تعالى: يلق أثاما وقرأ سعيد بن جبير ، وأبو المتوكل : " يلق " برفع الياء وفتح اللام وتشديد القاف مفتوحة . قال ابن عباس : يلق جزاء . وقال مجاهد ، وعكرمة : وهو واد في جهنم . وقال ابن قتيبة : يلق عقوبة ، وأنشد :


[جزى الله ابن عروة حيث أمسى عقوقا] والعقوق له أثام؟؟؟
قال الزجاج : وقوله : يلق أثاما جزما على الجزاء . قال أبو عمرو الشيباني : يقال : قد لقي أثام ذلك ، أي : جزاء ذلك ، وسيبويه والخليل يذهبان إلى أن معناه : يلق جزاء الأثام . قال سيبويه : وإنما جزم " يضاعف له العذاب " لأن مضاعفة العذاب لقي الآثام ، فلذلك جزمت ، كما قال الشاعر :


متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا


لأن الإتيان هو الإلمام ، فجزم " تلمم " لأنه بمعنى " تأتي . وقرأ الحسن : " يضعف " ، وهو جيد بالغ ; تقول : ضاعفت الشيء وضعفته . وقرأ عاصم : " يضاعف " بالرفع على تفسير " يلق أثاما " كأن قائلا قال : ما لقي الأثام؟ فقيل : يضاعف للآثم العذاب . وقرأ أبو المتوكل ، وقتادة ، وأبو حيوة : " يضعف " برفع الياء وسكون الضاد وفتح العين خفيفة من غير ألف . وقرأ أبو حصين الأسدي ، والعمري عن أبي جعفر مثله ، إلا أن العين مكسورة ، و " العذاب " بالنصب .

[ ص: 106 ] قوله تعالى: ويخلد وقرأ أبو حيوة ، وقتادة ، والأعمش : " ويخلد " برفع الياء وسكون الخاء وفتح اللام مخففة . وقرأ عاصم الجحدري ، وابن يعمر ، وأبو المتوكل مثله ، إلا أنهم شددوا اللام .

فصل

ولعلماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية قولان .

أحدهما : أنها منسوخة ; وفي ناسخها ثلاثة أقوال . أحدها : أنه قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم [النساء : 93] ، قاله ابن عباس . وكان يقول " هذه مكية ، والتي في " النساء " مدنية . والثاني : أنها نسخت بقوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك الآية [النساء : 48] . والثالث : أن الأولى نسخت بالثانية ، وهي قوله : إلا من تاب .

والقول الثاني : أنها محكمة ; والخلود إنما كان لانضمام الشرك إلى القتل والزنا . وفساد القول الأول ظاهر ، لأن القتل لا يوجب تخليدا عند الأكثرين ; وقد بيناه في سورة (النساء : 93) ، والشرك لا يغفر إذا مات المشرك عليه ، والاستثناء ليس بنسخ .

قوله تعالى: إلا من تاب قال ابن عباس : قرأنا على عهد رسول الله سنتين . " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر " ثم نزلت " إلا من تاب " فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بشيء فرحه بها ، وبـ إنا فتحنا لك فتحا مبينا [الفتح : 1]

[ ص: 107 ] قوله تعالى: فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات اختلفوا في كيفية هذا التبديل وفي زمان كونه ، فقال ابن عباس : يبدل الله شركهم إيمانا وقتلهم إمساكا ، وزناهم إحصانا ; وهذا يدل على أنه يكون في الدنيا ، وممن ذهب إلى هذا المعنى سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد . والثاني أن هذا يكون في الآخرة ، قاله سلمان رضي الله عنه ، وسعيد بن المسيب ، وعلي بن الحسين .

وقال عمرو بن ميمون : يبدل الله سيئات المؤمن إذا غفرها له حسنات ، حتى إن العبد يتمنى أن تكون سيئاته أكثر مما هي . وعن الحسن كالقولين . وروي عن الحسن أنه قال : ود قوم يوم القيامة أنهم كانوا في الدنيا استكثروا من الذنوب ; فقيل : من هم؟ قال : هم الذين قال الله تعالى فيهم : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، ويؤكد هذا القول حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل يوم القيامة ، فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فتعرض عليه صغار ذنوبه وتنحى عنه كبارها ، فيقال : عملت يوم كذا ، كذا وكذا ، وهو مقر لا ينكر ، وهو مشفق من الكبار ، فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة " ، أخرجه مسلم في " صحيحه " .
[ ص: 108 ] ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا . والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا . والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما

قوله تعالى: ومن تاب ظاهر هذه التوبة أنها عن الذنوب المذكورة . وقال ابن عباس : يعني : ممن لم يقتل ولم يزن ، وعمل صالحا فإني قد قدمتهم وفضلتهم على من قاتل نبيي واستحل محارمي .

قوله تعالى: فإنه يتوب إلى الله متابا قال ابن الأنباري : معناه : من أراد التوبة وقصد حقيقتها ، فينبغي له أن يريد الله بها ولا يخلط بها ما يفسدها ; وهذا كما يقول الرجل من تجر فإنه يتجر في البز ومن ناظر فإنه يناظر في النحو ، أي : من أراد ذلك ، فينبغي أن يقصد هذا الفن ; قال : ويجوز أن يكون معنى [هذه] الآية : ومن تاب وعمل صالحا ، فإن ثوابه وجزاءه يعظمان له عند ربه الذي أراد بتوبته ، فلما كان قوله : فإنه يتوب إلى الله متابا يؤدي عن هذا المعنى ، كفى منه ، وهذا كما يقول الرجل للرجل : إذا تكلمت فاعلم [ ص: 109 ] أنك تكلم الوزير ، أي : تكلم من يعرف كلامك ويجازيك ، ومثله قوله تعالى: إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت [يونس : 71] أي : فإني أتوكل على من ينصرني ولا يسلمني . وقال قوم : معنى الآية : فإنه يرجع إلى الله مرجعا يقبله منه .

قوله تعالى: والذين لا يشهدون الزور فيه ثمانية أقوال .

أحدها : أنه الصنم ; روى الضحاك عن ابن عباس أن الزور صنم كان للمشركين . والثاني : أنه الغناء ، قاله محمد بن الحنفية ، ومكحول ; وروى ليث عن مجاهد قال : لا يسمعون الغناء . والثالث : الشرك ، قاله الضحاك ، وأبو مالك . والرابع : لعب كان لهم في الجاهلية ، قاله عكرمة . والخامس : الكذب ، قاله قتادة ، وابن جريج . والسادس : شهادة الزور ، قاله علي بن أبي طلحة . والسابع : أعياد المشركين ، قاله الربيع بن أنس . والثامن : مجالس الخنا ، قاله عمرو بن قيس .

[ ص: 110 ] وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال .

أحدها : المعاصي قاله الحسن . والثاني : أذى المشركين إياهم ، قاله مجاهد . والثالث : الباطل ، قاله قتادة . والرابع : الشرك ، قاله الضحاك . والخامس : إذا ذكروا النكاح كنوا عنه ، قاله مجاهد . وقال محمد بن علي : إذا ذكروا الفروج كنوا عنها .

قوله تعالى: مروا كراما فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : مروا حلماء ، قاله ابن السائب . والثاني : مروا معرضين عنه ، قاله مقاتل . والثالث : أن المعنى : إذا مروا باللغو جاوزوه ، قاله الفراء .

قوله تعالى: والذين إذا ذكروا أي : وعظوا بآيات ربهم وهي القرآن لم يخروا عليها صما وعميانا قال ابن قتيبة : لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها ، عمي لم يروها . وقال غيره من أهل اللغة : لم يثبتوا على حالتهم الأولى كأنهم لم يسمعوا ولم يروا ، وإن لم يكونوا خروا حقيقة ; تقول العرب : شتمت فلانا فقام يبكي ، وقعد يندب ، وأقبل يعتذر ، وظل يتحير ، وإن لم يكن قام ولا قعد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #416  
قديم 20-01-2023, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (416)
صــ 111 إلى صــ 120





[ ص: 111 ] قوله تعالى: هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : " وذرياتنا " على الجمع . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، [وحفص] عن عاصم : " وذريتنا " على التوحيد ، قرة أعين وقرأ ابن مسعود ، وأبو حيوة : " قرات أعين " يعنون : من يعمل بطاعتك فتقر به أعيننا في الدنيا والآخرة . وسئل الحسن عن قوله : " قرة أعين " في الدنيا أم في الآخرة؟ قال : لا ، بل في الدنيا ، وأي شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله ، والله ما طلب القوم إلا أن يطاع الله فتقر أعينهم . قال الفراء : إنما قال : " قرة " لأنها فعل ، والفعل لا يكاد يجمع ، ألا ترى إلى قوله : وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان : 14] فلم يجمعه ; والقرة مصدر ، تقول : قرت عينه قرة ، ولو قيل : قرة عين أو قرات أعين كان صوابا . وقال غيره : أصل القرة من البرد ، لأن العرب تتأذى بالحر ، وتستروح إلى البرد .

قوله تعالى: واجعلنا للمتقين إماما فيه قولان .

أحدهما : اجعلنا أئمة يقتدى بنا ، قاله ابن عباس . وقال غيره : هذا من الواحد الذي يراد به الجمع ، كقوله : إنا رسول رب العالمين [الشعراء : 16] ، وقوله : فإنهم عدو لي [الشعراء : 77] .

والثاني : اجعلنا مؤتمين بالمتقين مقتدين بهم ، قاله مجاهد ; فعلى هذا يكون الكلام من المقلوب ، فيكون المعنى : واجعل المتقين لنا إماما .
[ ص: 112 ] أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما . خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما

قوله تعالى: أولئك يجزون الغرفة قال ابن عباس : يعني الجنة . وقال غيره : الغرفة : كل بناء عال مرتفع ، والمراد غرف الجنة ، وهي من الزبرجد والدر والياقوت ، بما صبروا على دينهم وعلى أذى المشركين .

قوله تعالى: ويلقون فيها قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : " ويلقون " بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " ويلقون " بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف ، تحية وسلاما قال ابن عباس : يحيي بعضهم بعضا بالسلام ، ويرسل إليهم الرب عز وجل بالسلام . وقال مقاتل : " تحية " يعني السلام ، " وسلاما " أي : سلم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم .

قوله تعالى: قل ما يعبأ بكم ربي فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : ما يصنع بكم! قاله ابن عباس . والثاني : أي وزن يكون لكم عنده ; تقول : ما عبأت بفلان ، أي : ما كان له عندي وزن ولا قدر ، قاله الزجاج . والثالث : ما يعبأ بعذابكم ، قاله ابن قتيبة .

وفي قوله : لولا دعاؤكم أربعة أقوال .

أحدها : لولا إيمانكم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

[ ص: 113 ] والثاني : لولا عبادتكم ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه ، قاله مجاهد ; والمراد نفع الخلق ، لأن الله تعالى غير محتاج .

والرابع : لولا توحيدكم ، حكاه الزجاج . وعلى قول الأكثرين ليس في الآية إضمار ; وقال ابن قتيبة : فيها إضمار تقديره : ما يعبأ بعذابكم لولا ما تدعونه من الشريك والولد ، ويوضح ذلك [قوله] : فسوف يكون لزاما يعني : العذاب ، ومثله قول الشاعر :


من شاء دلى النفس في هوة ضنك ولكن من له بالمضيق


أي : بالخروج من المضيق . وهل هذا خطاب للمؤمنين ، أو للكفار؟ فيه قولان .

فأما قوله تعالى: فقد كذبتم فهو خطاب لأهل مكة حين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسوف يكون يعني : تكذيبكم لزاما أي : عذابا لازما [لكم] ; وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه قتلهم يوم بدر ، فقتلوا يومئذ ، واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم ، وهذا مذهب ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومجاهد في آخرين . والثاني : أنه الموت ، قاله ابن عباس . والثالث : أن اللزام : القتال ، قاله ابن زيد .
[ ص: 114 ] سُورَةُ الشُّعَرَاءِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا ، إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ ، مِنْ قَوْلِهِ : وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشُّعَرَاءِ : 224] إِلَى آخِرِهَا ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةُ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

طسم . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ . إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ . فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: طسم قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَنَافِعٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ : " طسم " بِفَتْحِ الطَّاءِ وَإِدْغَامِ النُّونِ مِنْ هِجَاءِ " سِين " عِنْدَ الْمِيمِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ ، وَأَبَانُ ، وَالْمُفَضَّلُ : " طسم " وَ " طس " [النَّمْلِ] بِإِمَالَةِ الطَّاءِ فِيهِمَا .

وَأَظْهَرَ النُّونَ مِنْ هِجَاءِ " سِين " عِنْدَ الْمِيمِ حَمْزَةُ هَاهُنَا وَفِي (الْقَصَصِ) .

[ ص: 115 ] وَفِي مَعْنَى " طسم " أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا : أَنَّهَا حُرُوفٌ مِنْ كَلِمَاتٍ ، ثُمَّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا : [مَا] رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " طسم " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الطَّاءُ : طُورُ سَيْنَاءَ ، وَالسِّينُ : الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ ، وَالْمِيمُ : مَكَّةُ " . وَالثَّانِي : [أَنَّ] الطَّاءَ : طَيْبَةُ ، وَسِينَ : بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، وَمِيمَ : مَكَّةُ ، [رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ] . وَالثَّالِثُ : الطَّاءُ : شَجَرَةُ طُوبَى ، وَالسِّينُ : سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ، وَالْمِيمُ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ .

وَالثَّانِي : أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ بَيَّنَّا كَيْفَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي فَاتِحَةِ مَرْيَمَ . وَقَالَ الْقُرَظِيُّ : أَقْسَمَ اللَّهُ بِطُولِهِ وَسَنَائِهِ وَمُلْكِهِ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ اسْمٌ لِلسُّورَةِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ ، وَأَبُو رَوْقٍ . وَمَا بَعْدَ [ ص: 116 ] هَذَا قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [الْمَائِدَةِ : 15 ، الْكَهْفِ : 6] إِلَى قَوْلِهِ : أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَالْمَعْنَى : لَعَلَّكَ قَاتِلٌ نَفْسَكَ لِتَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ .

ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ مَا يَضْطَرُّهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ لَفَعَلَ ، فَقَالَ : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ وَقَرَأَ أَبُو رَزِينٍ ، وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ : " إِنْ يَشَأْ يُنَزِّلْ " بِالْيَاءِ فِيهِمَا ، عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ جَعَلَ الْفِعْلَ أَوَّلًا لِلْأَعْنَاقِ ، ثُمَّ جَعَلَ " خَاضِعِينَ " لِلرِّجَالِ ، لِأَنَّ الْأَعْنَاقَ إِذَا خَضَعَتْ فَأَرْبَابُهَا خَاضِعُونَ . وَقِيلَ : لَمَّا وَصَفَ الْأَعْنَاقَ بِالْخُضُوعِ ، وَهُوَ مِنْ صِفَات بَنِي آدَمَ ، أَخْرَجَ الْفِعْلَ مَخْرَجَ الْآدَمِيِّينَ كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ : وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يُوسُفَ : 4] ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدَةَ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : قَوْلُهُ : " فَظَلَّتْ " مَعْنَاهُ : فَتَظَلُّ ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَقَعُ فِيهِ لَفْظُ الْمَاضِي فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ ، كَقَوْلِكَ : إِنْ تَأْتِنِي أَكْرَمْتُكَ ، مَعْنَاهُ : أُكْرِمْكَ ; وَإِنَّمَا قَالَ : " خَاضِعِينَ " لِأَنَّ خُضُوعَ الْأَعْنَاقِ هُوَ خُضُوعُ أَصْحَابِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخُضُوعَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِخُضُوعِ الْأَعْنَاقِ ، جَازَ أَنْ يُخْبِرَ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :


رَأَتْ مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي كَمَا أَخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلَالِ


فَلَمَّا كَانَتِ السُّنُونَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَرٍّ ، أَخْبَرَ عَنِ السِّنِينَ ، وَإِنْ كَانَ أَضَافَ إِلَيْهَا الْمُرُورَ . قَالَ : وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ يَعْنِي بِالْأَعْنَاقِ كُبَرَاءَهُمْ وَرُؤَسَاءَهُمْ . وَجَاءَ فِي [ ص: 117 ] اللُّغَةِ أَنَّ أَعْنَاقَهُمْ جَمَاعَاتُهُمْ ; يُقَالُ : جَاءَنِي عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ ، أَيْ : جَمَاعَةٌ . وَمَا بَعْدَ هَذَا قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [الْأَنْبِيَاءِ : 2] إِلَى قَوْلِهِ : أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ يَعْنِي الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَبَاتٌ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : مِنْ كُلِّ جِنْسٍ حَسَنٍ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : الزَّوْجُ : النَّوْعُ ، وَالْكَرِيمُ : الْمَحْمُودُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذَلِكَ الْإِنْبَاتِ لآيَةً تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أَيْ : مَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ يُؤْمِنُ فِي عِلْمِ اللَّهِ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِهِ الرَّحِيمُ بِأَوْلِيَائِهِ .
وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين . قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون . ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون . قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين . أن أرسل معنا بني إسرائيل قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين . ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل

قوله تعالى: وإذ نادى المعنى : واتل هذه القصة على قومك .

قوله تعالى: أن يكذبون ياء " يكذبون " محذوفة ، ومثلها أن يقتلون [الشعراء : 14] سيهدين [الشعراء : 62] فهو يهدين [الشعراء : 78] [ ص: 118 ] ويسقين [الشعراء:79] فهو يشفين [الشعراء : 80] ثم يحيين [الشعراء : 81] كذبون [الشعراء : 117] وأطيعون [الشعراء : 108] فهذه ثمان آيات أثبتهن في الحالين يعقوب .

قوله تعالى: ويضيق صدري أي بتكذيبهم إياي ولا ينطلق لساني للعقدة التي كانت بلسانه . وقرأ يعقوب : " ويضيق " " ولا ينطلق " بنصب القاف فيهما ، فأرسل إلى هارون المعنى : ليعينني ، فحذف ، لأن في الكلام دليلا عليه . ولهم علي ذنب وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه ; والمعنى : ولهم علي دعوى ذنب فأخاف أن يقتلون به قال كلا وهو ردع وزجر عن الإقامة على هذا الظن ; والمعنى : لن يقتلوك لأني لا أسلطهم عليك ، فاذهبا يعني : أنت وأخوك بآياتنا وهي : ما أعطاهما من المعجزة إنا يعني نفسه عز وجل معكم فأجراها مجرى الجماعة مستمعون نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به .

قوله تعالى: إنا رسول رب العالمين قال ابن قتيبة : الرسول يكون بمعنى الجميع ، كقوله : هؤلاء ضيفي [الحجر : 68] وقوله : ثم نخرجكم طفلا [الحج : 5] . وقال الزجاج : المعنى : إنا رسالة رب العالمين ، أي : ذوو رسالة رب العالمين ، قال الشاعر :


لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول


أي : برسالة .

[ ص: 119 ] قوله تعالى: أن أرسل المعنى : بأن أرسل معنا بني إسرائيل أي : أطلقهم من الاستعباد ، فأتياه فبلغاه الرسالة ، فـ قال ألم نربك فينا وليدا أي : صبيا صغيرا ولبثت فينا من عمرك سنين وفيها ثلاثة أقوال .

أحدها : ثماني عشرة سنة ، قاله ابن عباس . والثاني : أربعون سنة ، قاله ابن السائب . والثالث : ثلاثون سنة ، قاله مقاتل . والمعنى : فجازيتنا على أن ربيناك أن كفرت نعمتنا ، وقتلت منا نفسا ، وهو قوله : وفعلت فعلتك وهي قتل النفس . قال الفراء . وإنما نصبت الفاء ، لأنها مرة واحدة ، ولو أريد بها مثل الجلسة والمشية جاز كسرها .

وفي قوله : وأنت من الكافرين قولان .

أحدهما : من الكافرين لنعمتي ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والضحاك ، وابن زيد .

والثاني : من الكافرين بإلهك ، كنت معنا على ديننا الذي تعيب ، قاله الحسن ، والسدي . فعلى الأول : وأنت من الكافرين الآن . وعلى الثاني : وكنت .

وفي قوله : وأنا من الضالين ثلاثة أقوال .

أحدها : من الجاهلين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة . وقال بعض المفسرين : المعنى : إني كنت جاهلا لم يأتني من الله شيء .

والثاني : من الخاطئين ; والمعنى : إني قتلت النفس خطأ ، قاله ابن زيد .

والثالث : من الناسين ، ومثله : أن تضل إحداهما [البقرة : 282] ، قاله أبو عبيدة .

قوله تعالى: ففررت منكم أي : ذهبت من بينكم لما خفتكم على [ ص: 120 ] نفسي إلى مدين ، وقرأ عاصم الجحدري ، والضحاك ، وابن يعمر : (لما) بكسر اللام وتخفيف الميم ، فوهب لي ربي حكما وفيه قولان .

أحدهما : النبوة ، قاله ابن السائب . والثاني : العلم والفهم ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: وتلك نعمة تمنها علي يعني التربية أن عبدت بني إسرائيل أي : اتخذتهم عبيدا ; يقال : عبدت فلانا وأعبدته واستعبدته : إذا اتخذته عبدا .

وفي " أن " وجهان .

أحدهما : أن تكون في موضع رفع على البدل من " نعمة " .

والثاني : أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض ، تقديره : لأن عبدت ، أو لتعبيدك .

واختلف العلماء في تفسير الآية ، ففسرها قوم على الإنكار ، وقوم على الإقرار .

فمن فسرها على الإنكار قال معنى الكلام : أوتلك نعمة؟! على طريق الاستفهام ، ومثله هذا ربي [الأنعام : 76] ، وقوله : فهم الخالدون [الأنبياء : 34] ، وأنشدوا :


[لم أنس يوم الرحيل وقفتها وجفنها من دموعها شرق]


وقولها والركاب سائرة تتركنا هكذا وتنطلق




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #417  
قديم 20-01-2023, 10:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (417)
صــ 121 إلى صــ 130






[ ص: 121 ] وهذا قول جماعة منهم . ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال .

أحدها : أن فرعون أخذ أموال بني إسرائيل واستعبدهم وأنفق على موسى منها ، فأبطل موسى النعمة لأنها أموال بني إسرائيل ، قاله الحسن .

والثاني : أن المعنى : إنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكفلني أهلي ، وكانت أمي تستغني عن قذفي في اليم ، فكأنك تمن علي بما كان بلاؤك سببا له ، وهذا قول المبرد ، والزجاج ، والأزهري .

والثالث : أن المعنى : تمن علي بإحسانك إلي خاصة ، وتنسى إساءتك بتعبيدك بني إسرائيل؟! قاله مقاتل .

والرابع : أن المعنى : كيف تمن علي بالتربية وقد استعبدت قومي؟! ومن أهين قومه فقد ذل ، فقد حبط إحسانك إلي بتعبيدك قومي ، حكاه الثعلبي .

فأما من فسرها على الإقرار ، فإنه قال : عدها موسى نعمة حيث رباه ولم يقتله ولا استعبده . فالمعنى : هي لعمري نعمة إذ ربيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل ; فـ " أن " تدل على المحذوف ، ومثله في الكلام- أن تضرب بعض عبيدك وتترك الآخر ، فيقول المتروك : هذه نعمة علي أن ضربت فلانا وتركتني ، ثم تحذف " وتركتني " لأن المعنى معروف ، هذا قول الفراء .
قال فرعون وما رب العالمين . قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون . قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون . قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون

[ ص: 122 ] قوله تعالى: قال فرعون وما رب العالمين سأله عن ماهية من لا ماهية له ، فأجابه بما يدل عليه من مصنوعاته .

وفي قوله : إن كنتم موقنين قولان .

أحدهما : أنه خلق السماوات والأرض .

والثاني : إن كنتم موقنين أن ما تعاينونه كما تعاينونه ، فكذلك ، فأيقنوا أن رب العالمين رب السماوات والأرض . قال يعني : فرعون لمن حوله من أشراف قومه ألا تستمعون معجبا لهم .

فإن قيل : فأين جوابهم؟

فالجواب : أنه أراد ألا تستمعون قول موسى؟ فرد موسى ، لأنه المراد [ ص: 123 ] بالجواب ، ثم زاد في البيان بقوله : ربكم ورب آبائكم الأولين ، فأعرض فرعون عن جوابه ونسبه إلى الجنون ، فلم يحفل موسى بقول فرعون ، واشتغل بتأكيد الحجة ، فـ قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون أي : إن كنتم ذوي عقول ، لم يخف عليكم ما أقول .
قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين . قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين . فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين . قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون . قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم . فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون . لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين . قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون . فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون . فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون

قوله تعالى: أولو جئتك بشيء مبين أي : بأمر ظاهر تعرف به صدقي أتسجنني؟! وما بعد هذا مفسر في (الأعراف : 107) إلى قوله : فجمع [ ص: 124 ] السحرة لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة ، وكان عيدا لهم ، وقيل للناس يعني أهل مصر . وذهب ابن زيد إلى أن اجتماعهم كان بالإسكندرية .

قوله تعالى: لعلنا نتبع السحرة قال الأكثرون : أرادوا سحرة فرعون ; فالمعنى : لعلنا نتبعهم على أمرهم . وقال بعضهم : أرادوا موسى وهارون ، وإنما قالوا ذلك استهزاء . قال ابن جرير : و " لعل " هاهنا بمعنى " كي " . وقوله : بعزة فرعون أي : بعظمته .
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين . قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين

قوله تعالى: فلسوف تعلمون قال الزجاج : اللام دخلت للتوكيد .

قوله تعالى: لا ضير أي : لا ضرر . قال ابن قتيبة : هو من ضاره يضوره ويضيره ; بمعنى : ضره . والمعنى : لا ضرر علينا فيما ينالنا في الدنيا ، لأنا ننقلب إلى ربنا في الآخرة مؤملين غفرانه .

قوله تعالى: أن كنا أي : لأن كنا أول المؤمنين بآيات موسى في هذه الحال .
وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون . فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون . وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون . فأخرجناهم [ ص: 125 ] من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم . كذلك وأورثناها بني إسرائيل

قوله تعالى: إنكم متبعون أي : يتبعكم فرعون وقومه .

قوله تعالى: إن هؤلاء المعنى : وقال فرعون إن هؤلاء ، يعني بني إسرائيل لشرذمة قال ابن قتيبة : أي : طائفة . قال الزجاج : والشرذمة في كلام العرب : القليل . قال المفسرون : وكانوا ستمائة ألف ، وإنما استقلهم بالإضافة إلى جنده وكان جنده لا يحصى .

قوله تعالى: وإنهم لنا لغائظون تقول : غاظني الشيء ، إذا أغضبك .

قال ابن جرير : وذكر أن غيظهم كان لقتل الملائكة من قتلت من أبكارهم .

قال : ويحتمل أن غيظهم لذهابهم بالعواري التي استعاروها من حليهم ، ويحتمل أن يكون لفراقهم إياهم وخروجهم من أرضهم على كره منهم .

قوله تعالى: وإنا لجميع حاذرون قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " حذرون " بغير ألف . وقرأ الباقون : " حاذرون " بألف . وهل بينهما فرق؟ فيه قولان .

أحدهما : أن الحاذر : المستعد ، والحذر : المتيقظ . وجاء في التفسير أن معنى حاذرين : مؤدون ، أي : ذوو أداة ، وهي السلاح ، لأنها أداة الحرب .

والثاني : أنهما لغتان معناهما واحد ; قال أبو عبيدة : يقال : رجل حذر وحذر وحاذر . والمقام الكريم : المنزل الحسن .

وفي قوله : كذلك قولان .

أحدهما : كذلك أفعل بمن عصاني ، قاله ابن السائب . والثاني : الأمر كذلك أي : كما وصفنا ، قاله الزجاج .

[ ص: 126 ] قوله تعالى: وأورثناها بني إسرائيل وذلك أن الله تعالى ردهم إلى مصر بعد غرق فرعون ، وأعطاهم ما كان لفرعون وقومه من المساكن والأموال .

وقال ابن جرير الطبري : إنما جعل ديار آل فرعون ملكا لبني إسرائيل ولم يرددهم إليها لكنه جعل مساكنهم الشام .
فأتبعوهم مشرقين . فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين . فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين . وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى: فأتبعوهم قال ابن قتيبة : لحقوهم مشرقين أي : حين شرقت الشمس ، أي طلعت ، يقال : أشرقنا : دخلنا في الشروق ، كما يقال : أمسينا وأصبحنا . وقرأ الحسن ، وأيوب السختياني : " فاتبعوهم " بالتشديد .

قوله تعالى: فلما تراءى الجمعان وقرأ أبو رجاء ، والنخعي ، والأعمش : " تراأى " ؟؟ بكسر الراء وفتح الهمزة ، أي : تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه .

قوله تعالى: كلا أي : لن يدركونا إن معي ربي سيهدين أي : سيدلني على طريق النجاة .

قوله تعالى: فانفلق فيه إضمار " فضرب فانفلق " ، أي : انشق الماء اثني عشر طريقا فكان كل فرق أي : كل جزء انفرق منه . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وعاصم الجحدري : " كل فلق " باللام ، كالطود وهو الجبل .

[ ص: 127 ] قوله تعالى: وأزلفنا ثم الآخرين أي : قربنا الآخرين من الغرق ، وهم أصحاب فرعون . وقال أبو عبيدة : " أزلفنا " أي : جمعنا . قال الزجاج : وكلا القولين حسن ، لأن جمعهم تقريب بعضهم من بعض ، وأصل الزلفى في كلام العرب : القربى . وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وأبو رجاء ، والضحاك ، وابن يعمر : " أزلقنا " بقاف ، وكذلك قرأوا : وأزلفت الجنة [الشعراء : 90] بقاف [أيضا] .

قوله تعالى: إن في ذلك لآية يعني : في إهلاك فرعون وقومه عبرة لمن بعدهم وما كان أكثرهم مؤمنين أي : لم يكن أكثر أهل مصر مؤمنين ، إنما آمنت آسية ، وخربيل مؤمن آل فرعون ، وفنة الماشطة ، ومريم- امرأة دلت موسى على عظام يوسف- ، هذا قول مقاتل . وما أخللنا به من تفسير كلمات في قصة موسى ، فقد سبق بيانها ، وكذلك ما يفقد ذكره في مكان ، فهو إما أن يكون قد سبق ، وإما أن يكون ظاهرا ، فتنبه لهذا .
واتل عليهم نبأ إبراهيم . إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين . قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون . قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون . أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين . الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا [ ص: 128 ] مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين . والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين

قوله تعالى: هل يسمعونكم والمعنى : هل يسمعون دعاءكم . وقرأ سعيد بن جبير ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : " هل يسمعونكم " بضم الياء وكسر الميم ، إذ تدعون قال الزجاج : إن شئت بينت الذال ، وإن شئت أدغمتها في التاء وهو أجود في العربية ، لقرب الذال من التاء .

قوله تعالى: أو ينفعونكم أي : إن عبدتموهم أو يضرون إن لم تعبدوهم؟ فأخبروا عن تقليد آبائهم .

قوله تعالى: فإنهم عدو لي فيه وجهان .

أحدهما : أن لفظه لفظ الواحد والمراد به الجميع ; فالمعنى : فإنهم أعداء لي .

والثاني : فإن كل معبود لكم عدو لي .

فإن قيل : ما وجه وصف الجماد بالعداوة؟

فالجواب : من وجهين . أحدهما : أن معناه : فإنهم عدو لي يوم القيامة إن عبدتهم . والثاني : أنه من المقلوب ; والمعنى : فإني عدو لهم ، لأن من عاديته عاداك ، قاله ابن قتيبة .

وفي قوله إلا رب العالمين قولان .

أحدهما : أنه استثناء من الجنس ، لأنه علم أنهم كانوا يعبدون الله مع آلهتهم ، قاله ابن زيد .

والثاني : أنه من غير الجنس ; والمعنى : لكن رب العالمين [ليس كذلك] ، قاله أكثر النحويين .

[ ص: 129 ] قوله تعالى: الذي خلقني فهو يهدين أي : إلى الرشد ، لا ما تعبدون ، والذي هو يطعمني ويسقين أي : هو رازقي الطعام والشراب .

فإن قيل : لم قال : " مرضت " ، ولم يقل " أمرضني " ؟

فالجواب : أنه أراد الثناء على ربه فأضاف إليه الخير المحض ، لأنه لو قال : " أمرضني " لعد قومه ذلك عيبا ، فاستعمل حسن الأدب ; ونظيره قصة الخضر حين قال في العيب : فأردت [الكهف:79] ، وفي الخير المحض : فأراد ربك [الكهف : 82] .

فإن قيل : فهذا يرده قوله : والذي يميتني .

فالجواب : أن القوم كانوا لا ينكرون الموت ، وإنما يجعلون له سببا سوى تقدير الله عز وجل ، فأضافه إبراهيم إلى الله عز وجل ، وقوله : ثم يحيين يعني للبعث ، [وهو] أمر لا يقرون به ، وإنما قاله استدلالا عليهم ; والمعنى : أن ما وافقتموني عليه موجب لصحة قولي فيما خالفتموني فيه .

قوله تعالى: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يعني : ما يجري على مثلي من الزلل ; والمفسرون يقولون : إنما عنى الكلمات الثلاث التي ذكرناها في (الأنبياء : 63) ، يوم الدين يعني : يوم الحشر والحساب ; وهذا احتجاج على قومه أنه لا تصلح الإلهية إلا لمن فعل هذه الأفعال .
رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين . واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم . واغفر [ ص: 130 ] لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون . يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم

قوله تعالى: هب لي حكما فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : النبوة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : اللب ، قاله عكرمة . والثالث : الفهم والعلم ، قاله مقاتل . وقد بينا قوله : وألحقني بالصالحين في سورة (يوسف : 101) ، وبينا معنى لسان صدق في (مريم : 50) والمراد بالآخرين : الذين يأتون بعده إلى يوم القيامة .

قوله تعالى: واغفر لأبي قال الحسن : بلغني أن أمه كانت مسلمة على دينه ، فلذلك لم يذكرها .

فإن قيل : فقد قال : اغفر لي ولوالدي [إبراهيم : 41] .

قيل : أكثر الذكر إنما جرى لأبيه ، فيجوز أن يسأل الغفران لأمه وهي مؤمنة ، فأما أبوه فلا شك في كفره . وقد بينا سبب استغفاره لأبيه في (براءة : 113) ، وذكرنا معنى الخزي في (آل عمران : 192) .

قوله تعالى : يوم يبعثون يعني : الخلائق .

قوله تعالى: إلا من أتى الله بقلب سليم فيه ستة أقوال .

أحدها : سليم من الشرك ، قاله الحسن ، وابن زيد .

والثاني : سليم من الشك ، قاله مجاهد .

والثالث : سليم ، أي : صحيح ، وهو قلب المؤمن ، لأن قلب الكافر والمنافق مريض ، قاله سعيد بن المسيب .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #418  
قديم 20-01-2023, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (418)
صــ 131 إلى صــ 140





[ ص: 131 ] والرابع : أن السليم في اللغة : اللديغ ، فالمعنى : كاللديغ من خوف الله تعالى ، قاله الجنيد .

والخامس : سليم من آفات المال والبنين ، قاله الحسين بن الفضل .

والسادس : سليم من البدعة ، مطمئن على السنة ، حكاه الثعلبي .

وأزلفت الجنة للمتقين . وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون . من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون . وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون . تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين . وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين . ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين . إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى : وأزلفت الجنة للمتقين أي : قربت إليهم حتى نظروا إليها ، وبرزت الجحيم أي : أظهرت للغاوين وهم الضالون ، وقيل لهم على وجه التوبيخ أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أي : يمنعونكم من العذاب ، أو يمتنعون منه .

قوله تعالى: فكبكبوا قال السدي : هم المشركون . قال ابن قتيبة : ألقوا على رؤوسهم ، وأصل الحرف " كببوا " من قولك : كببت الإناء ، فأبدل من الباء الوسطى كافا ، استثقالا لاجتماع ثلاث باءات ، كما قالوا : " كمكموا " من " الكمة " ، والأصل : " كمموا " . وقال الزجاج : [ ص: 132 ] معناه : طرح بعضهم على بعض ; وحقيقة ذلك في اللغة تكرير الانكباب ، كأنه إذا ألقي ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر فيها .

وفي الغاوين ثلاثة أقوال .

أحدها : المشركون ، قاله ابن عباس .

والثاني : الشياطين ، قاله قتادة ، ومقاتل .

والثالث : الآلهة ، قاله السدي . وجنود إبليس أتباعه من الجن والإنس . قالوا وهم فيها يختصمون يعني : هم وآلهتهم ، تالله إن كنا قال الفراء : لقد كنا . وقال الزجاج : ما كنا إلا في ضلال .

قوله تعالى : إذ نسويكم أي : نعدلكم بالله في العبادة ، وما أضلنا إلا المجرمون فيهم قولان .

أحدهما : الشياطين . والثاني : أولوهم الذين اقتدوا بهم ، قال عكرمة : إبليس وابن آدم القاتل .

قوله تعالى : فما لنا من شافعين هذا قولهم إذا شفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون . وروى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل يقول في الجنة : ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في الجحيم ، فيقول الله عز وجل : أخرجوا له صديقه إلى الجنة ، فيقول من بقي [في النار] : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " ؟ . والحميم : القريب الذي توده ويودك والمعنى : ما لنا [ ص: 133 ] من ذي قرابة يهمه أمرنا ، فلو أن لنا كرة أي : رجعة إلى الدنيا فنكون من المؤمنين لتحل لنا الشفاعة كما حلت للموحدين .
كذبت قوم نوح المرسلين . إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين . فاتقوا الله وأطيعون

قوله تعالى: كذبت قوم نوح قال الزجاج : القوم مذكرون ; والمعنى : كذبت جماعة قوم نوح .

قوله تعالى: إذ قال لهم أخوهم نوح كانت الأخوة من جهة النسب بينهم ، لا من جهة الدين ، ألا تتقون عذاب الله بتوحيده وطاعته ، إني لكم رسول أمين على الرسالة فيما بيني وبين ربكم . وما أسألكم عليه من أجر أي : على الدعاء إلى التوحيد .
قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون . قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون . وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين . قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين [ ص: 134 ] قوله تعالى: واتبعك الأرذلون وقرأ يعقوب بفتح الهمزة وتسكين التاء وضم العين : " وأتباعك الأرذلون " ، وفيهم ثلاثة أقوال .

أحدها : الحاكة ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني : الحاكة والأساكفة ; قاله عكرمة .

والثالث : المساكين الذين ليس لهم مال ولا عز ، قاله عطاء . وهذا جهل منهم ، لأن الصناعات لا تضر في باب الديانات .

قوله تعالى: وما علمي بما كانوا يعملون أي : لم أعلم أعمالهم وصنائعهم ، ولم أكلف ذلك ، إنما كلفت أن أدعوهم ، إن حسابهم فيما يعملون إلا على ربي لو تشعرون بذلك ما عبتموهم في صنائعهم ، وما أنا بطارد المؤمنين أي : ما أنا بالذي لا أقبل إيمانهم لزعمكم أنهم الأرذلون .

وفي قوله : لتكونن من المرجومين ثلاثة أقوال .

أحدها : من المشتومين ، قاله الضحاك . والثاني : من المضروبين بالحجارة ، قاله قتادة . والثالث : من المقتولين بالرجم ، قاله مقاتل .
قال رب إن قومي كذبون . فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون . ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين . وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى: فافتح بيني وبينهم أي : اقض بيني وبينهم قضاء ، يعني : بالعذاب ونجني ومن معي من ذلك العذاب . والفلك قد تقدم بيانه [البقرة : 164] . والمشحون : المملوء ، يقال : شحنت الإناء : إذا ملأته ; وكانت [ ص: 135 ] سفينة نوح قد ملئت من الناس والطير والحيوان كله ، ثم أغرقنا بعد بعد نجاة نوح ومن معه الباقين .
كذبت عاد المرسلين . إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين . أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون . وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون . واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين . وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم

قوله تعالى: أتبنون بكل ريع وقرأ عاصم الجحدري ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة : " بكل ريع " بفتح الراء . قال الفراء : هما لغتان . ثم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه المكان المرتفع ; روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : بكل شرف . قال الزجاج : هو في اللغة : الموضع المرتفع من الأرض .

والثاني : أنه الطريق ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال قتادة .

والثالث : الفج بين الجبلين ، قاله مجاهد . والآية : العلامة .

وفيما أراد بهذا البناء ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه أراد : تبنون ما لا تسكنون ، رواه عطاء عن ابن عباس ; والمعنى أنه جعل بناءهم ما يستغنون عنه عبثا .

والثاني : بروج الحمام ، قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد .

[ ص: 136 ] والثالث : أنهم كانوا يبنون في المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم ، وهو معنى قول الضحاك .

قوله تعالى: وتتخذون مصانع فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : قصور مشيدة ، قاله مجاهد . والثاني : مصانع الماء تحت الأرض ، قاله قتادة . والثالث : بروج الحمام ، قاله السدي .

وفي قوله : لعلكم تخلدون قولان :

أحدهما : كأنكم تخلدون ، قاله ابن عباس ، وأبو مالك .

والثاني : كيما تخلدوا ، قاله الفراء ، وابن قتيبة . وقرأ عكرمة ، والنخعي ، وقتادة ، وابن يعمر : " تخلدون " برفع التاء [وتسكين الخاء وفتح اللام مخففة . وقرأ عاصم الجحدري ، وأبو حصين] : " تخلدون " بفتح الخاء وتشديد اللام .

قوله تعالى: وإذا بطشتم بطشتم جبارين المعنى : إذا ضربتم ضربتم بالسياط ضرب الجبارين ، وإذا عاقبتم قتلتم ; وإنما أنكر عليهم ذلك ، لأنه صدر عن ظلم ، إذ لو ضربوا بالسيف أو بالسوط في حق ما ليموا .
وفي قوله : عذاب يوم عظيم قولان .
أحدهما : ما عذبوا به في الدنيا . والثاني : عذاب جهنم .
[ ص: 137 ] قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين . إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين . فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم . كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون . إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

قوله تعالى: إن هذا إلا خلق الأولين قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي : " خلق " بفتح الخاء وتسكين اللام ; قال ابن قتيبة : أرادوا اختلافهم وكذبهم ، يقال : خلقت الحديث واختلقته ، أي : افتعلته ، قال الفراء : والعرب تقول للخرافات : أحاديث الخلق . وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، [وخلف ، ونافع] : " خلق الأولين] بضم الخاء واللام . وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، وعاصم الجحدري : " خلق " برفع الخاء وتسكين اللام ; والمعنى : عادتهم وشأنهم قال قتادة : قالوا [له] : هكذا كان الناس يعيشون ما عاشوا ، ثم يموتون ، ولا بعث لهم ولا حساب .

قوله تعالى: وما نحن بمعذبين أي : على ما نفعله في الدنيا .
أتتركون في ما ها هنا آمنين في جنات وعيون . وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين . الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون

[ ص: 138 ] قوله تعالى: أتتركون في ما ها هنا أي : فيما أعطاكم الله في الدنيا آمنين من الموت والعذاب .

قوله تعالى: طلعها هضيم الطلع : الثمر . وفي الهضيم سبعة أقوال .

أحدها : أنه الذي قد أينع وبلغ ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : أنه الذي يتهشم تهشما ، قاله مجاهد . والثالث : أنه الذي ليس له نوى ، قاله الحسن . والرابع : أنه المذنب من الرطب ، قاله سعيد بن جبير . والخامس : اللين ، قاله قتادة ، والفراء . والسادس : أنه الحمل الكثير الذي يركب بعضه بعضا ، قاله الضحاك . والسابع : أنه الطلع قبل أن ينشق عنه [القشر] وينفتح ، يريد أنه منضم مكتنز ، ومنه قيل : رجل أهضم الكشحين ، إذا كان منضمهما ، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " فرهين " . وقرأ الباقون : " فارهين " بألف . قال ابن قتيبة : " فرهين " : أشرين بطرين ، ويقال : الهاء فيه مبدلة من حاء ، أي : فرحين ، و " الفرح " قد يكون السرور ، وقد يكون الأشر ، ومنه قوله : إن الله لا يحب الفرحين [القصص : 76] أي : الأشرين ، ومن قرأ : " فارهين " فهي لغة أخرى ، يقال : فره وفاره ، كما يقال : فرح وفارح ، ويقال : فارهين أي : حاذقين ; قال عكرمة : حاذقين بنحتها .

[ ص: 139 ] قوله تعالى: ولا تطيعوا أمر المسرفين قال ابن عباس : يعني : المشركين . وقال مقاتل : هم التسعة الذين عقروا الناقة .
قالوا إنما أنت من المسحرين . ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم . ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين . فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم . كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون . إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

قوله تعالى: إنما أنت من المسحرين قال الزجاج : أي : ممن له سحر ، والسحر : الرئة ، والمعنى : أنت بشر مثلنا . وجائز أن يكون من المفعلين من السحر ; والمعنى : ممن قد سحر مرة بعد مرة .

قوله تعالى: لها شرب أي : حظ من الماء . قال ابن عباس : لها شرب معروف لا تحضروه معها ، ولكم شرب لا تحضر معكم ، فكانت إذا كان يومهم حضروا الماء فاقتسموه ، وإذا كان يومها شربت الماء كله . وقال قتادة : كانت إذا كان يوم شربها ، شربت ماءهم أول النهار ، وسقتهم اللبن آخر النهار . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وابن أبي عبلة : " لها شرب " بضم الشين .

[ ص: 140 ] قوله تعالى: فأصبحوا نادمين قال ابن عباس : ندموا حين رأوا العذاب على عقرها ، وعذابهم كان بالصيحة .
أتأتون الذكران من العالمين . وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين . قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين . ثم دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين . إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى: أتأتون الذكران وهو جمع ذكر من العالمين أي : من بني آدم ، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم [قال الزجاج : وقرأ ابن مسعود : " ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم " ] يعني به الفروج . وقال مجاهد : تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال .

قوله تعالى: بل أنتم قوم عادون أي : ظالمون معتدون . قالوا لئن لم تنته يا لوط أي : لئن لم تسكت عن نهينا لتكونن من المخرجين من بلدنا . قال إني لعملكم يعني : إتيان الرجال من القالين قال ابن قتيبة : أي : من المبغضين ، يقال : قليت الرجل : إذا أبغضته .

قوله تعالى: رب نجني وأهلي مما يعملون أي : من عقوبة عملهم ، فنجيناه وأهله وقد ذكرناهم في (هود : 80) ، (إلا عجوزا) يعني : امرأته في الغابرين أي : الباقين في العذاب . ثم دمرنا الآخرين أهلكناهم بالخسف والحصب ، وهو قوله : وأمطرنا عليهم مطرا يعني الحجارة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #419  
قديم 20-01-2023, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (419)
صــ 141 إلى صــ 150





[ ص: 141 ] كذب أصحاب الأيكة المرسلين . إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

قوله تعالى: كذب أصحاب الأيكة قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : " أصحاب ليكة " هاهنا ، وفي (ص : 13) بغير همز والتاء مفتوحة ; وقرأ الباقون : " الأيكة " بالهمز فيهما والألف . وقد سبق هذا الحرف [الحجر : 78] . إذ قال لهم شعيب إن قيل : لم لم يقل : أخوهم ، كما قال في (الأعراف : 85)؟ فالجواب : أن شعيبا لم يكن من نسل أصحاب الأيكة ، فلذلك لم يقل : أخوهم ، وإنما أرسل إليهم بعد أن أرسل إلى مدين ، وهو من نسل مدين ، فلذلك قال هناك : أخوهم ، هذا قول مقاتل بن سليمان . وقد ذكرنا في سورة (هود : 94) عن محمد بن كعب القرظي ، أن أهل مدين عذبوا بعذاب الظلة ، فإن كانوا غير أصحاب الأيكة كما زعم مقاتل ، فقد تساووا في العذاب ، وإن كان أصحاب مدين هم أصحاب الأيكة ، وهو مذهب ابن جرير الطبري كان حذف ذكر الأخ تخفيفا ، والله أعلم .
[ ص: 142 ] أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين . وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين . واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين

قوله تعالى: ولا تكونوا من المخسرين أي : من الناقصين للكيل ، يقال : أخسرت الكيل والوزن : إذا نقصته . وقد ذكرنا القسطاس في (بني إسرائيل : 35) .

قوله تعالى: واتقوا الذي خلقكم والجبلة أي : وخلق الجبلة .

وقيل : المعنى : واذكروا ما نزل بالجبلة الأولين . وقرأ الحسن ، وأبو مجلز ، وأبو رجاء ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة : " والجبلة " برفع الجيم والباء جميعا مشددة اللام . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك ، وعاصم الجحدري : بكسر الجيم وتسكين الباء وتخفيف اللام . قال ابن قتيبة : الجبلة : الخلق ، يقال : جبل فلان على كذا ، أي : خلق ، قال الشاعر :
والموت أعظم حادث مما يمر على الجبلة

قالوا إنما أنت من المسحرين . وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين . قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه [ ص: 143 ] فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم . إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى: فأسقط علينا كسفا قال ابن قتيبة : أي: قطعة من السماء ، و " كسف " جمع " كسفة " ، [كما] يقال : قطع وقطعة .

قوله تعالى: ربي أعلم بما تعملون أي : من نقصان الكيل والميزان ; والمعنى : إنه يجازيكم إن شاء ، وليس عذابكم بيدي ، فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة قال المفسرون : بعث الله عليهم حرا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية ، فبعث الله عليهم سحابة أظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها بردا ، ونادى بعضهم بعضا ، حتى إذا اجتمعوا تحتها ، أرسل الله عليهم نارا ، فكان ذلك من أعظم العذاب . والظلة : السحابة التي أظلتهم .
وإنه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين . أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ولو نزلناه على بعض الأعجمين . فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين

قوله تعالى: وإنه يعني القرآن لتنزيل رب العالمين . نزل به [ ص: 144 ] الروح الأمين قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : " نزل به " خفيفا " الروح الأمين " بالرفع . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " نزل " مشددة الزاي " الروح الأمين " بالنصب . والمراد بالروح الأمين جبريل ، وهو أمين على وحي الله تعالى إلى أنبيائه ، على قلبك قال الزجاج : معناه : نزل عليك فوعاه قلبك ، فثبت ، فلا تنساه أبدا .

قوله تعالى: لتكون من المنذرين أي : ممن أنذر بآيات الله المكذبين ، بلسان عربي مبين قال ابن عباس : بلسان قريش ليفهموا ما فيه .

قوله تعالى: وإنه لفي زبر الأولين وقرأ الأعمش : " زبر " بتسكين الباء . وفي هاء الكناية قولان .

أحدهما : أنها ترجع إلى القرآن ; والمعنى : وإن ذكر القرآن وخبره ، هذا قول الأكثرين .

والثاني : أنها تعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل . والزبر : الكتب .

قوله تعالى: أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : " أو لم يكن لهم " بالياء " آية " بالنصب . وقرأ ابن عامر ، وابن أبي عبلة : " تكن " بالتاء " آية " بالرفع . وقرأ أبو عمران الجوني ، وقتادة : " تكن " بالتاء " آية " بالنصب قال الزجاج: إذا قلت " يكن " بالياء ، فالاختيار نصب " آية " ويكون " أن " اسم كان ، ويكون " آية " خبر كان ، المعنى : أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل أن النبي صلى الله عليه وسلم حق ، وأن نبوته حق؟! " آية " أي : علامة موضحة ، لأن العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل [ ص: 145 ] وجدوا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . ومن قرأ " أو لم تكن " بالتاء " آية " جعل " آية " هي الاسم ، و " أن يعلمه " خبر " تكن " .

ويجوز أيضا " أو لم تكن " بالتاء " آية " بالنصب ، كقوله : ثم لم تكن فتنتهم [الأنعام : 23] وقرأ الشعبي ، والضحاك ، وعاصم الجحدري : " أن تعلمه " بالتاء .

قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن هذا لزمانه ، وإنا لنجد في التوراة صفته ، فكان ذلك آية لهم على صدقه .

قوله تعالى: على بعض الأعجمين قال الزجاج : هو جمع أعجم ، والأنثى عجماء ، والأعجم : الذي لا يفصح ، وكذلك الأعجمي ; فأما العجمي : فالذي من جنس العجم ، أفصح أو لم يفصح .

قوله تعالى: ما كانوا به مؤمنين أي : لو قرأه عليهم أعجمي لقالوا : نفقه هذا ، فلم يؤمنوا .
كذلك سلكناه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون [ ص: 146 ] فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون . أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون . ذكرى وما كنا ظالمين

قوله تعالى: كذلك سلكناه قد شرحناه في (الحجر : 12) . والمجرمون هاهنا : المشركون .

قوله تعالى: لا يؤمنون به قال الفراء : المعنى : كي لا يؤمنوا . فأما العذاب الأليم ، فهو عند الموت . فيقولوا عند نزول العذاب هل نحن منظرون أي : مؤخرون لنؤمن ونصدق . قال مقاتل : فلما أوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعذاب ، قالوا : فمتى هو؟ تكذيبا به ، فقال الله تعالى : أفبعذابنا يستعجلون .

قوله تعالى: أفرأيت إن متعناهم سنين قال عكرمة : عمر الدنيا .

قوله تعالى: ثم جاءهم ما كانوا يوعدون أي : من العذاب . وما أهلكنا من قرية بالعذاب في الدنيا إلا لها منذرون يعني : رسلا تنذرهم العذاب . ذكرى أي : موعظة وتذكيرا .
وما تنزلت به الشياطين . وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون

قوله تعالى: وما تنزلت به الشياطين سبب نزولها أن قريشا قالت : إنما [ ص: 147 ] تجيء بالقرآن الشياطين فتلقيه على [لسان] محمد ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل .
قوله تعالى: وما ينبغي لهم أي : أن ينزلوا بالقرآن وما يستطيعون أن يأتوا به من السماء ، لأنهم قد حيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب . إنهم عن السمع أي : عن الاستماع للوحي من السماء لمعزولون فكيف ينزلون به؟! وقال عطاء : عن سماع القرآن لمحجوبون ، لأنهم يرجمون بالنجوم .
فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين . وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين . فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم . الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين . إنه هو السميع العليم

قوله تعالى: فلا تدع مع الله إلها آخر قال ابن عباس : يحذر به غيره ، يقول : أنت أكرم الخلق علي ، ولو اتخذت من دوني إلها لعذبتك .

قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله وأنذر عشيرتك الأقربين فقال : " يا معشر قريش : اشتروا أنفسكم من الله ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت ما أغني عنك من الله شيئا " .

[ ص: 148 ] وفي بعض الألفاظ : " سلوني من مالي ما شئتم " . وفي لفظ : " غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها " . ومعنى قوله " عشيرتك الأقربين : رهطك الأدنين . فإن عصوك يعني : العشيرة فقل إني بريء مما تعملون من الكفر . وتوكل على العزيز الرحيم أي : ثق به وفوض أمرك إليه ، فهو عزيز في نقمته ، رحيم لم يعجل بالعقوبة . وقرأ نافع ، وابن عامر : " فتوكل " بالفاء ، وكذلك [هو] في مصاحف أهل المدينة والشام الذي يراك حين تقوم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : حين تقوم إلى الصلاة ، قاله ابن عباس ، ومقاتل ، والثاني : حين تقوم من مقامك ، قاله أبو الجوزاء . والثالث : حين تخلو ، قاله الحسن .

قوله تعالى: وتقلبك أي : ونرى تقلبك في الساجدين وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها : وتقلبك في أصلاب الأنبياء حتى أخرجك ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثاني : وتقلبك في الركوع والسجود والقيام مع المصلين في الجماعة ; والمعنى : يراك وحدك ويراك في الجماعة ، وهذا قول الأكثرين منهم قتادة .

[ ص: 149 ] والثالث : وتصرفك في ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين ، قاله الحسن .
هل أنبئكم على من تنزل الشياطين . تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون

قوله تعالى: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين هذا رد عليهم حين قالوا : إنما يأتيه بالقرآن الشياطين . فأما الأفاك فهو الكذاب ، والأثيم : الفاجر ; قال قتادة : وهم الكهنة .

قوله تعالى: يلقون السمع أي : يلقون ما سمعوه من السماء إلى الكهنة .

وفي قوله : وأكثرهم كاذبون قولان .

أحدهما : أنهم الشياطين . والثاني : الكهنة .
والشعراء يتبعهم الغاوون . ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون . إلا الذين آمنوا وعملوا [ ص: 150 ] الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

قوله تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون وقرأ نافع : " يتبعهم " بسكون التاء ; والوجهان حسنان ، يقال : تبعت واتبعت ، مثل حقرت واحتقرت .

وروى العوفي عن ابن عباس ، قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تهاجيا ، فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه ، فقال الله : والشعراء يتبعهم الغاوون . وفي رواية أخرى عن ابن عباس ، قال : هم شعراء المشركين . قال مقاتل : منهم عبد الله بن الزبعرى ، وأبو سفيان بن حرب ، وهبيرة ابن أبي وهب المخزومي في آخرين ، قالوا : نحن نقول مثل قول محمد ، وقالوا الشعر ، فاجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم ويروون عنهم .

وفي الغاوين ثلاثة أقوال .

أحدها : الشياطين ، قاله مجاهد ، وقتادة . والثاني : السفهاء ، قاله الضحاك . والثالث : المشركون ، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: ألم تر أنهم في كل واد يهيمون هذا مثل بمن يهيم في الأودية ; والمعنى أنهم يأخذون في كل فن من لغو وكذب وغير ذلك ; فيمدحون بباطل ويذمون بباطل ، ويقولون : فعلنا ، ولم يفعلوا .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #420  
قديم 20-01-2023, 11:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (420)
صــ 151 إلى صــ 160






[ ص: 151 ] قوله تعالى: إلا الذين آمنوا قال ابن عباس : لما نزل ذم الشعراء ، جاء كعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، فقالوا : يا رسول الله ، أنزل الله هذا وهو يعلم أنا شعراء ، فنزلت هذه الآية . قال المفسرون : وهذا الاستثناء لشعراء المسلمين الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذموا من هجاء ، وذكروا الله كثيرا أي : لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ولم يجعلوا الشعر همهم . وقال ابن زيد : وذكروا الله في شعرهم . وقيل : المراد بالذكر : الشعر في طاعة الله عز وجل .

قوله تعالى: وانتصروا أي : من المشركين من بعد ما ظلموا لأن المشركين بدؤوا بالهجاء . ثم أوعد شعراء المشركين ، فقال : وسيعلم الذين ظلموا أي : أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أي منقلب [ ص: 152 ] ينقلبون قال الزجاج : " أي " منصوبة بقوله : ينقلبون لا بقوله : " سيعلم " لأن " أيا " وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها . ومعنى الكلام : إنهم ينقلبون إلى نار يخلدون فيها .

وقرأ ابن مسعود ، ومجاهد عن ابن عباس ، وأبو المتوكل ، وأبو رجاء : " أي متقلب يتقلبون " بتاءين مفتوحتين وبقافين على كل واحدة منهما نقطتان وتشديد اللام فيهما . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس ، وأبو العالية ، وأبو مجلز ، وأبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري : " أي منفلت ينفلتون " بالفاء فيهما وبنونين ساكنين وبتاءين . وكان شريح يقول : سيعلم الظالمون حظ من نقصوا ، إن الظالم ينتظر العقاب ، وإن المظلوم ينتظر النصر .
[ ص: 153 ] سُورَةُ النَّمْلِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ . هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ . وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ . فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

قَوْلُهُ تَعَالَى : طس فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا : أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ ، قَالَ : هُوَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ . [ ص: 154 ] وَالثَّانِي : اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآَنِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

وَالثَّالِثُ : الطَّاءُ مِنَ اللَّطِيفِ ، وَالسِّينِ مِنَ السَّمِيعِ ، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكِتَابٍ مُبِينٍ وَقَرَأَ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ ، وَأَبُو عِمْرَانَ ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : " وَكِتَابٌ مُبِينٌ " بِالرَّفْعِ فِيهِمَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبُشْرَى أَيْ : بُشْرَى بِمَا فِيهِ مِنَ الثَّوَابِ لِلْمُصَدِّقِينَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ أَيْ : حَبَّبْنَا إِلَيْهِمْ قَبِيحَ فِعْلِهِمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ التَّزْيِينِ وَالْعَمَهِ فِي (الْبَقَرَةِ : 15 ، 212) . وَسُوءُ الْعَذَابِ : شَدِيدُهُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: هُمُ الأَخْسَرُونَ لِأَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَصَارُوا إِلَى النَّارِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : أَيْ : يُلْقَى عَلَيْكَ فَتَتَلَقَّاهُ أَنْتَ ، أَيْ : تَأْخُذُهُ . إِذْ قَالَ مُوسَى الْمَعْنَى : اذْكُرْ إِذْ قَالَ مُوسَى .

قَالَ تَعَالَى : بِشِهَابٍ قَبَسٍ قَرَأَ عَاصِمٌ ، وَحَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَيَعْقُوبُ إِلَّا زَيْدًا : " بِشِهَابٍ " بِالتَّنْوِينِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ عَلَى الْإِضَافَةِ غَيْر َمُنَوَّنٍ . قَالَ الزَّجَّاجُ : مَنْ نَوَّنَ الشِّهَابَ ، وَجَعَلَ الْقَبَسَ مِنْ صِفَةِ الشِّهَابِ ، وَكُلُّ أَبْيَضٍ ذِي نُورٍ ، فَهُوَ شِهَابٌ . فَأَمَّا مَنْ أَضَافَ ، فَقَالَ الْفَرَّاءُ : هَذَا مِمَّا يُضَافُ إِلَى نَفْسِهِ إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَسْمَاءُ ، كَقَوْلِهِ : وَلَدَارُ الآخِرَةِ [يُوسُفَ : 109] . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : الشِّهَابُ : النَّارُ ، وَالْقَبَسُ : النَّارُ تَقْبِسُ ، يُقَالُ : قَبَسَتِ النَّارُ قَبَسًا ، وَاسْمُ مَا قَبَسْتَ : قَبَسٌ .

[ ص: 155 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: تَصْطَلُونَ أَيْ : تَسْتَدْفِئُونَ ، وَكَانَ الزَّمَان شِتَاءً .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جَاءَهَا أَيْ : جَاءَ مُوسَى النَّارَ ، وَإِنَّمَا كَانَ نُورًا فَاعْتَقَدَهُ نَارًا ، نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا : أَنَّ الْمَعْنَى : قَدَّسَ مَنْ فِي النَّارِ ، وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ ; وَالْمَعْنَى : قَدَّسَ مَنْ نَادَاهُ مِنَ النَّارِ ، لَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحِلُّ فِي شَيْءٍ .

وَالثَّانِي : أَنَّ " مِنْ " زَائِدَةٌ ; وَالْمَعْنَى : بُورِكَتِ النَّارُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْمَعْنَى : بُورِكَ عَلَى مَنْ فِي النَّارِ ، أَوْ فِيمَنْ فِي النَّارِ ; قَالَ الْفَرَّاءُ : وَالْعَرَبُ تَقُولُ : بَارَكَهُ اللَّهُ ، وَبَارَكَ عَلَيْهِ ، وَبَارَكَ فِيهِ ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : بُورِكَ مَنْ فِي طَلَبِ النَّارِ ، وَهُوَ مُوسَى ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ . وَهَذِهِ تَحِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى بِالْبَرَكَةِ ، كَمَا حَيَّا إِبْرَاهِيمَ بِالْبَرَكَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ ، فَقَالُوا : رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [هُودٍ : 73] .

فَخَرَجَ فِي قَوْلِهِ : بُورِكَ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا : قَدَّسَ . وَالثَّانِي : مِنَ الْبَرَكَةِ .

وَفِي قَوْلِهِ : وَمَنْ حَوْلَهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا : الْمَلَائِكَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ . وَالثَّانِي : مُوسَى وَالْمَلَائِكَةُ ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ . وَالثَّالِثُ : مُوسَى ; فَالْمَعْنَى : بُورِكَ فِيمَنْ يَطْلُبُهَا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا .
يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم . وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد [ ص: 156 ] سوء فإني غفور رحيم . وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين

قوله تعالى: إنه أنا الله الهاء عماد في قول أهل اللغة ; وعلى قول السدي : هي كناية عن المنادي ، لأن موسى قال : من هذا الذي يناديني؟ فقيل : إنه أنا الله

قوله تعالى: وألق عصاك في الآية محذوف ، تقديره : فألقاها فصارت حية ، فلما رآها تهتز كأنها جان قال الفراء : الجان : الحية التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة .

قوله تعالى: ولم يعقب فيه قولان .

أحدهما : لم يلتفت ، قاله قتادة . والثاني : لم يرجع ، قاله ابن قتيبة ، والزجاج قال ابن قتيبة : وأهل النظر يرون أنه مأخوذ من العقب .

قوله تعالى: إني لا يخاف لدي المرسلون : أي : لا يخافون عندي . وقيل : المراد : في الموضع الذي يوحي إليهم فيه ، فكأنه نبهه على أن من أمنه الله بالنبوة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حية .

وفي قوله : إلا من ظلم ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه استثناء صحيح ، قاله الحسن ، وقتادة ، ومقاتل ; والمعنى : إلا من ظلم منهم فإنه يخاف . قال ابن قتيبة : علم الله تعالى أن موسى مستشعر [ ص: 157 ] خيفة من ذنبه في الرجل الذي وكزه ، فقال : إلا من ظلم ثم بدل حسنا أي : توبة وندما ، فإنه يخاف ، وإني غفور رحيم .

والثاني : أنه استثناء منقطع ; والمعنى : لكن من ظلم فإنه يخاف ، قاله ابن السائب ، والزجاج . وقال الفراء : " من " مستثناة من الذين تركوا في الكلام ، كأنه قال : لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم ، إلا من ظلم ، فتكون " من " مستثناة . وقال ابن جرير : في الآية محذوف ، تقديره : إلا من ظلم ، فمن ظلم ثم بدل حسنا .

والثالث : أن " إلا " بمعنى الواو ، فهو كقوله : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم [البقرة : 150] ، حكاه الفراء عن بعض النحويين ، ولم يرضه .

وقرأ أبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وعاصم الجحدري ، وابن يعمر : " ألا من ظلم " بفتح الهمزة وتخفيف اللام .

وللمفسرين في المراد بالظلم هاهنا قولان .

أحدهما : المعاصي . والثاني : الشرك . ومعنى " حسنا " :توبة وندما .

وقرأ ابن مسعود ، والضحاك ، وأبو رجاء ، والأعمش ، وابن السميفع ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : " حسنا " بفتح الحاء والسين . بعد سوء أي : بعد إساءة . وقيل : الإشارة بهذا إلى أن موسى وإن كان [قد] ظلم نفسه بقتل القبطي ، فإن الله يغفر له ، لأنه ندم على ذلك وتاب .

[ ص: 158 ] قوله تعالى: وأدخل يدك في جيبك الجيب حيث جيب من القميص ، أي : قطع . قال ابن جرير : إنما أمر بإدخاله يده في جيبه ، لأنه كان عليه حينئذ مدرعة من صوف ليس لها كم . والسوء : البرص .

قوله تعالى: في تسع آيات قاله الزجاج : " في " من صلة قوله : وألق عصاك وأدخل يدك ، فالتأويل : أظهر هاتين الآيتين في تسع آيات . و " في " بمعنى " من " ، فتأويله : من تسع آيات ; تقول : خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان ، أي : منها فحلان . وقد شرحنا الآيات في (بني إسرائيل : 101) .

قوله تعالى: إلى فرعون وقومه أي : مرسلا إلى فرعون وقومه ، فحذف ذلك لأنه معروف . فلما جاءتهم آياتنا مبصرة أي : بينة واضحة ، وهو كقوله : وآتينا ثمود الناقة مبصرة [الإسراء : 59] وقد شرحناه .

قوله تعالى: قالوا هذا أي : هذا الذي نراه عيانا سحر مبين . وجحدوا بها أي : أنكروها واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله ، ظلما أي : شركا وعلوا أي : تكبرا . قال الزجاج : المعنى : وجحدوا بها ظلما وعلوا ، أي : ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى وهم يعلمون أنها من عند الله .
[ ص: 159 ] ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين . وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون . حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين

قوله تعالى: ولقد آتينا داود وسليمان علما قال المفسرون : علما بالقضاء وبكلام الطير والدواب وتسبيح الجبال وقالا الحمد لله الذي فضلنا بالنبوة والكتاب وإلانة الحديد وتسخير الشياطين والجن والإنس على كثير من عباده المؤمنين قال مقاتل : كان داود أشد تعبدا من سليمان ، وكان سليمان أعظم ملكا منه وأفطن .

قوله تعالى: وورث سليمان داود أي : ورث نبوته وعلمه وملكه ، وكان لداود تسعة عشر ذكرا ، فخص سليمان بذلك ، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيها سواء .

قوله تعالى: وقال يعني سليمان لبني إسرائيل يا أيها الناس علمنا منطق الطير قرأ أبي بن كعب : " علمنا " بفتح العين واللام . قال الفراء : " منطق الطير " : كلام الطير كالمنطق إذا فهم ، قال الشاعر :

[ ص: 160 ]
عجبت لها أنى يكون غناؤها فصيحا ولم تفغر ( تفتح ) بمنطقها فما


ومعنى الآية : فهمنا ما تقول الطير . قال قتادة : والنمل من الطير . وأوتينا من كل شيء قال الزجاج : أي : من كل شيء يجوز أن يؤتاه الأنبياء والناس .

وقال مقاتل : أعطينا الملك والنبوة والكتاب والرياح ومنطق الطير ، وسخرت لنا الجن والشياطين .

وروى جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : أعطي سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سبعمائة سنة وستة أشهر ، وملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع ، وأعطي علم كل شيء ومنطق كل شيء ، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة ، فذلك قوله : علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء

قوله تعالى: إن هذا يعني : الذي أعطينا لهو الفضل المبين أي : الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا . وحشر لسليمان جنوده أي : جمع له كل صنف من جنده على حدة ، وهذا كان في مسير له ، فهم يوزعون قال مجاهد : يحبس أولهم على آخرهم . قال ابن قتيبة : وأصل الوزع : الكف والمنع . يقال : وزعت الرجل ، أي : كففته ، ووازع الجيش : الذي يكفهم عن التفرق ، ويرد من شذ منهم .

قوله تعالى: حتى إذا أتوا أي : أشرفوا على واد النمل وفي موضعه قولان .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 433.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 427.65 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]