|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث: (إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: التحصيب. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة، فمن شاء نزله، ومن شاء لم ينزل) . ]. قوله: باب: التحصيب، التحصيب هو النزول بالمحصب، والمحصب هو الذي يقال له: الأبطح والبطحاء، وهو بين مكة ومنى. أورد أبو داود حديث عائشة (أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما نزل المحصب؛ لأنه أسمح لخروجه) ] يعني: أنه نزل في ذلك المكان؛ لأنه متوسط بين مكة ومنى، فقبل الحج جاء ونزل فيه، ودخل وطاف وصلى فيه أربعة أيام يقصر الصلاة، وفي اليوم الثامن قبل الزوال ذهب إلى منى من المحصب وصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وبعد أن رمى الجمار في اليوم الثالث عشر، انصرف إلى الأبطح وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي آخر ليلة الرابع عشر نزل منه إلى الكعبة وطاف طواف الوداع ثم اتجه إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، فعائشة رضي الله عنها تقول: إنه نزل المحصب؛ لأنه أسمح لطريقه. قولها: (وليس بسنة) يعني: ليس بسنة من سنن الحج ولا من المشاعر ولا من الأماكن التي تقصد مثل منى وعرفة ومزدلفة، وإنما كان أسمح لطريقه وليس فيه سنة، فمن شاء نزل ومن شاء لم ينزل. وبعض أهل العلم قال: إنه يستحب أن ينزل الحاج في المحصب اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد نزله، ولكن عائشة رضي الله عنه تبين السبب في نزوله وأنه كان أسمح للطريق، لأنه جاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وذهب منه إلى مكة، ثم رجع إليه وذهب منه إلى منى، ثم بعد الحج نزل به، وذهب منه في آخر الليل إلى مكة وطاف طواف الوداع، وخرج إلى المدينة صلى الله عليه وسلم. والمحصب الآن هو المنطقة التي تقع قريبة من منى، التي يسمونها العدل الآن، فتلك المنطقة هي منقطة البطحاء أو الأبطح، وقد كان الناس إلى عهد قريب -لما كان الحجاج قليلين- يأتون وينزلون بالأبطح، وإذا جاء يوم ثمانية ارتحلوا إلى منى، ومنى ينزلون فيها كيف شاءوا، ليس فيها ازدحام. تراجم رجال إسناد حديث: (إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد القطان ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام عن أبيه عن عائشة ]. قد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث: (لم يأمرني رسول الله أن أنزله يعني المحصب ولكن ضربت قبته فنزل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة المعنى ح وحدثنا مسدد قالوا: حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار قال: قال أبو رافع رضي الله عنه: (لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنزله، ولكن ضربت قبته فنزله، قال مسدد : وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عثمان: يعني في الأبطح) ]. أورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله عنه: أنه قال: [ (لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزله، ولكن ضربت قبته فنزله) ] يعني: أنه هو الذي سبق واختار له المكان في المحصب فضرب القبة فيه، فنزل فيه صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أنه ليس هناك أمر بأن ينزل في المكان الفلاني فيكون سنة، وإنما عندما كان أبو رافع رضي الله عنه على متاعه وعلى شئونه صلى الله عليه وسلم، فكان أن ضرب القبة له في الأبطح -أي: المحصب- فنزله النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (لم يأمرني رسول الله أن أنزله يعني المحصب...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل و عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود ، والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة . [ وحدثنا مسدد ] هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، وحديثه أخرجه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صالح بن كيسان ]. صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو رافع ]. أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أسامة: (... نحن نازلون بخيف بني كنانة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (قلت: يا رسول الله! أين تنزل غداً؟ -في حجته - قال: هل ترك لنا عقيل منزلاً؟ ثم قال: نحن نازلون بخيف بني كنانة، حيث قاسمت قريش على الكفر، يعني: المحصب، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم). قال الزهري : والخيف الوادي ]. أورد أبو داود حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نزوله بمكة، وجاء في بعض الأحاديث: (أين تنزل بدارك بمكة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل ترك لنا عقيل من دور، أو هل ترك لنا عقيل من رباع) أي: دور. و عقيل هو ابن أبي طالب ، وذلك أن أبا طالب ورثه ابناه الكافران وهما طالب و عقيل ، و طالب قتل يوم بدر كافراً، فبقي عقيل هو الذي حاز الدار التي كان يسكنها أبو طالب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسكن مع أبي طالب فيها، ثم بعد ذلك حازها عقيل ، ولم يكن لعلي و جعفر شيء؛ لأنهما أسلما، ومن المعلوم كما في الحديث: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) وبعد ذلك أسلم عقيل رضي الله عنه، ولكنه كان قد ورث الدار في حال كفره، وتصرف في تلك الدار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وهل ترك لنا عقيل من دار) أي: أنه حازها وتصرف فيها وباعها. قوله: (نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر). خيف بني كنانة هو الأبطح، وفيه تقاسم بنو كنانة مع قريش على محاصرة بني هاشم. والمقصود أن نزوله عليه الصلاة والسلام في ذلك المكان الذي حصل فيه إظهار الكفر وإعلان الكفر ومعاداة أهله هو من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك إظهار قوة المسلمين كما قاله بعض أهل العلم، ولهذا قال بعضهم: إنه يستحب نزول المحصب؛ وذلك لكون النبي صلى الله عليه وسلم نزله. قوله: قال الزهري : والخيف الوادي. يعني: الخيف هو الوادي، وهو مكان منبسط في الأبطح، أما مسجد الخيف فهو في منى، وأما الخيف المذكور هنا فهو بين مكة ومنى، وهو خيف بني كنانة وهو الأبطح. تراجم رجال إسناد حديث أسامة: (... نحن نازلون بخيف بني كنانة...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ] هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن حسين ] هو علي بن حسين بن علي بن أبي طالب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن عثمان ] هو عمرو بن عثمان بن عفان وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أسامة بن زيد ] أسامة بن زيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أبي هريرة: (أن رسول الله قال حين أراد أن ينفر من منى: نحن نازلون غداً...) وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا عمر حدثنا أبو عمرو -يعني الأوزاعي - عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى: نحن نازلون غداً) فذكر نحوه ولم يذكر أوله، ولا ذكر الخيف: الوادي. ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة ، وهو قريب من الذي قبله. قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ] هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عمر ]. هو عمر بن عبد الواحد الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو عمرو يعني الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن أبي سلمة ] الزهري مر ذكره. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث ابن عمر في المبيت بالبطحاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى أبو سلمة حدثنا حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله و أيوب عن نافع : (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يهجع هجعة بالبطحاء، ثم يدخل مكة، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك.) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أنه كان يهجع هجعة) يعني: كان ينام في أول الليل. قوله: (ثم يدخل مكة ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك) ] يعني: يخبر؛ لأن الزعم هنا يراد به الخبر المحقق، وهذا يدل على نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالمحصب، وأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان ينزل بالمحصب قسطاً من الليل، ثم ينصرف منه للوداع. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في المبيت بالبطحاء قوله: [ حدثنا موسى أبو سلمة ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد ] هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكر بن عبد الله ] هو بكر بن عبد الله المزني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأيوب ] هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع أن ابن عمر ]. نافع مولى ابن عمر و ابن عمر قد مر ذكرهما. الفرق بين مكث الرسول صلى الله عليه وسلم ومكث ابن عمر بالمحصب إن الذي فعله ابن عمر هو بعد الحج؛ لأنه قال: (أن ابن عمر كان يهجع هجعة بالبطحاء ثم يدخل مكة)، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يبيت بالمحصب ليلة الرابع عشر، بل إنه جاءه بعد أن رمى الجمار بعد الزوال وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أربعة أوقات صلاها عليه الصلاة والسلام في خيف بني كنانة الذي هو المحصب. شرح حديث ابن عمر في المبيت بالبطحاء من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر وأيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع بها هجعة، ثم دخل مكة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله). أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو توضيح للذي قبله، وأنه كان ذلك عند الانصراف من منى. وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع أو نام بالبطحاء ثم ذهب لطواف الوداع، وكان ابن عمر يفعل ذلك. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عفان ]. عفان بن مسلم الصفار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر ، وأيوب عن نافع عن ابن عمر]. قد مر ذكرهم جميعاً. حكم من قدم شيئاً قبل شيء في حجه شرح حديث: (اذبح ولا حرج...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (وقف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع بمنى يسألونه، فجاء رجل فقال: يا رسول الله! إني لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذبح ولا حرج، وجاء رجل آخر فقال: يا رسول الله! لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج ، قال: فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: اصنع ولا حرج) ]. قوله: باب: فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه، والمقصود من ذلك ما يحصل يوم النحر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام رتب ترتيباً معيناً: رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، ولكن بعض أصحابه فعلوا يوم العيد فعلاً لا يتفق مع ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم، مما جعلهم يستفتونه، فقال بعضهم: (حلقت قبل أن أذبح قال: اذبح ولا حرج، وقال آخر: نحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: اصنع ولا حرج) يعني: افعل الشيء الذي بقي عليك، ولا حرج عليك في كونك قدمت غيره عليه، والسبب في السؤال هو كون فعلهم اختلف عن فعله صلى الله عليه وسلم، لأنه رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، فلما علموا ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم حصل من بعضهم أنه سأل: هل يترتب على مخالفتهم لترتيب النبي صلى الله عليه وسلم إثم أو فدية أو كفارة، فكان الجواب منه عليه الصلاة والسلام ألا حرج عليهم. وهذا يدل على أن التقديم والتأخير جائز؛ لأنه لو كان غير جائز لبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الفعل لا يجوز، وكونه أخبر بأن التقديم والتأخير سائغ، يدل على أن هذا حكم مستمر وليس مقصوراً على ذلك الزمان، حتى لو قدم ما حقه التأخير وهو عالم لا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (اذبح ولا حرج) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله ]. عيسى بن طلحة بن عبيد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (سعيت قبل أن أطوف فقال: لا حرج) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاجاً، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً، فكان يقول: لا حرج، لا حرج، إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك)]. أورد أبو داود حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً، فكان يقول: لا حرج)، قال بعض أهل العلم: إن السعي هو الذي يكون مع طواف القدوم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حرج)، لكن الذي يبدو والله أعلم أن هذا إنما يقصد به السعي هنا الذي يكون يوم النحر، فلو سعى الإنسان قبل أن يطوف، فإنه لا يلزمه أن يعيد السعي بعد الطواف؛ لأنه طاف بعده، بل عمله صحيح، ولكن السنة كون الإنسان يأتي بالطواف أولاً ثم يأتي بالسعي ثانياً، فيكون هذا في حق المتمتعين الذين عليهم طواف وسعي، وكذلك في حق القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم، فيكون عليهم بعد طواف الإفاضة السعي بين الصفا والمروة، فالذي يبدو أن هذا كله في أعمال يوم النحر؛ لأن التقديم والتأخير حصل في ذلك اليوم، واحد قدم وأخر، وأما ما قاله بعض أهل العلم: إن المقصود من ذلك أنه قدم السعي مع طواف القدوم، فهذا غير واضح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو نفسه سعى مع طواف القدوم، ولكن الذي يبدو ويظهر أن المقصود به هو طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة في حق المتمتعين، وكذلك في حق القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم؛ لأنه يتعين عليهم أن يسعوا بعد طواف الإفاضة. قوله: (فكان يقول: لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض مسلم). يعني: لا حرج في جواب الأسئلة المتعددة التي ذكرها. قوله: (إلا على رجل اقترض عرض مسلم وهو ظالم، فذلك هو الذي حرج وهلك) يعني: المقصود به من نال من عرض أخيه وهو ظالم له، والاقتراض هو القطع، يعني: تكلم في عرض أخيه وهو ظالم له، فالتقيد بقوله: (وهو ظالم له) يدل على أن الكلام في عرضه إذا كان لأمر سائغ ولأمر مشروع ، كجرح الرواة وتعديل الشهود، وكذلك في النصيحة والمشورة، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في معاوية : (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأبو جهم لا يضع العصاة عن عاتقه) وأمثال ذلك فإن هذا ليس بظلم، وإنما هو حق، وهذا الذي نال من عرض أخيه وهو ظالم هذا هو الذي أصابه الحرج وحصل له الحرج، وحصل له الهلاك، وذلك بحصول الإثم له. تراجم رجال إسناد حديث (سعيت قبل أن أطوف فقال: لا حرج) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني ] هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد بن علاقة ] زياد بن علاقة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسامة بن شريك ] أسامة بن شريك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. حكم السترة في مكة شرح حديث المطلب بن أبي وداعة في المرور بين يدي المصلي في الحرم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في مكة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة، قال سفيان : ليس بينه وبين الكعبة سترة) قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه قال: أخبرنا كثير عن أبيه، قال: فسألته، فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي. ]. قوله: باب: في مكة، يعني: هل مكة تتميز على غيرها في أنه لا يتخذ فيها السترة، وأنه يمر فيها بين المصلين ولا يحتاجون إلى سترة، أو أنها كغيرها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إلى عنزة في الأبطح، يعني: أنه اتخذ سترة في مكة. أورد أبو داود حديث المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه وفيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم) يعني: في جهة من جهات الكعبة. قوله: (والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة) يعني: لم يتخذ سترة. [ وقال سفيان : (ليس بينه وبين الكعبة سترة) قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه قال: أخبرنا كثير عن أبيه، فسألته فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي ]. الإسناد فيه من هو مبهم؛ ولهذا ضعف الحديث بهذا المبهم، فالحديث غير صحيح، ومكة كغيرها، وعلى الإنسان ألا يمر بين يدي المصلين، ويحرص على أن يبتعد، لكن في شدة الزحام الذي لا يمكن معه إلا المرور فإنه يمر، والإنسان يتقي الله ما استطاع، لكن لا يقال: إن الإنسان يمشي في أي مكان من الحرم، بحيث إذا رأى إنساناً يصلي مشى بينه وبين سترته، بحجة أن مكة لا يتخذ فيها سترة! فلم يثبت أن مكة لا يتخذ المصلي فيها سترة، بل النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ سترة في الأبطح. تراجم رجال إسناد حديث المطلب بن أبي وداعة في المرور بين يدي المصلي في الحرم قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ]. كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن بعض أهله عن جده ] جده هو المطلب بن أبي وداعة وهو صحابي، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه، قال: أخبرنا كثير عن أبيه قال: فسألته فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي ]. يعني: اتفق مع الذي قبله على أنه من بعض أهله. وجاء في رواية عند النسائي: قال: عن أبي عن جدي، وأبوه الذي هو كثير بن المطلب مقبول، لكن هذا فيه أنه قال: إني لم أسمعه من أبي، وإنما سمعته عن بعض أهلي، وهذا يدل على أن السماع من أبيه غير صحيح.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الأسئلة حكم لبس المحرم للشراب الذي يكون دون الكعبين قياساً على النعلين السؤال: لقد أفتيتم أن المحرم الذي يلبس الشراب دون الكعبين لأجل الألم الذي في قدميه لا حرج عليه ولا فدية، بخلاف إذا كان يلبس الشراب كاملة، لكن القطع للخفين لمن لم يجد النعلين قد نسخ في يوم عرفة؟ الجواب: نعم الخفان إذا قطعا وصارا دون الكعبين، صار شأنهما شأن النعلين، ومعنى ذلك أن الإنسان له أن يلبسهما، وأما فيما يتعلق بالخفين اللذين يغطيان الكعبين فعندما يحتاج الإنسان إليهما فإنه لا يقطعهما؛ لأنه جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في حجة الوداع قال: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) ولم يذكر القطع، فدل هذا على أن من عدم النعلين ولم يمكنه الحصول عليهما، فله أن يلبس الخفين ولو كان مغطياً للكعبين ولا يلزمه قطعهما، وأما إذا كان الخف موجوداً، وهو دون الكعبين، فإنه يصير حكمه حكم النعل، مثل ما لو قطع الخف وصار دون الكعبين، فالنبي صلى الله عليه وسلم أذن في استعماله؛ لأنه يصير مثل النعلين، وكذلك الشراب الذي يكون دون الكعبين. حكم طلب الحاجات من الأموات السؤال: ما حكم من يذهب من الحجاج إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الحاجات، وكذا لقبر البدوي وقبر زينب وغير ذلك من القبور؟ الجواب: لا تطلب الحاجات إلا من الله عز وجل، قال الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62]، فالله تعالى هو الذي يدعى، وهو الذي يرجى، والأموات يأتي الإنسان إليهم ليدعو لهم، لا يدعوهم، ويسأل الله لهم ولا يسأل منهم أشياء. والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى أهل البقيع دعا لهم وقال: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم سلفنا ونحن بالأثر، نسأل الله لنا ولكم العافية) وهذا دعاء. فكذلك إذا زار المسلم قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر الصاحبين الكريمين رضي الله عنهما، أو زار أي قبر من القبور فإنه يدعو للأموات ولا يدعوهم؛ لأن الدعاء عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله عز وجل، كما قال عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]. وقال عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة). فدلنا هذا على أن صاحب القبر عندما يزار لا يطلب منه شيء ولا يسأل منه شيء، وإنما يسأل الله له ويطلب من الله له. والنبي صلى الله عليه وسلم عندما يزوره الإنسان يسلم عليه ويدعو له، فيقول: صلى الله وسلم وبارك عليك، وجزاك أفضل ما جازى نبياً عن أمته، هذا دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا نقول: يا رسول الله المدد، يا رسول الله أغثني، يا رسول الله أنا أريد زوجة، يا رسول الله أنا أريد ولداً، يا رسول الله أنا أريد كذا؛ لأن هذه أمور تطلب من الله عز وجل، وحتى الشفاعة لا يطلبها الإنسان من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يطلبها من الله فيقول: اللهم شفع فيَّ نبيك، اللهم اجعلني من الفائزين بشفاعة نبيك، اللهم اجعلني من أتباعه السائرين على نهجه، وهكذا يسأل الله عز وجل أن يوفقه لفعل الخيرات، وأن يجنبه المنكرات التي هي من محدثات الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان. حكم طواف الوداع السؤال: ما حكم طواف الوداع إذا سافر الحاج بدونه؟ الجواب: يلزمه فدية، وهي شاة يذبحها بمكة ويوزعها على فقراء الحرم؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج. حكم ترك المرأة لطواف الإفاضة بسبب الحيض السؤال: طواف الإفاضة إذا تركته المرأة بسبب الحيض؟ الجواب: لا تعتبر حجت حتى ترجع وتطوف طواف الإفاضة، ولو كانت في أقصى الدنيا؛ لأنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولا يصح أن يطوف أحد عن أحد، ولا يجبر بشيء لا بقليل ولا بكثير، وإنما لابد من الإتيان به، وإذا كانت قد سافرت قبل أن تأتي به فتعتبر ما حجت حتى ترجع وتأتي به. حكم الإتيان بطواف الإفاضة في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة السؤال: هل تصح الإفاضة في اليوم الرابع عشر؟ الجواب: نعم تصح الإفاضة في اليوم الرابع عشر وبعده وقبله، لكن كون الإنسان يبادر إلى أن يأتي بهذا الركن أولى له، وإن أخر إلى حين السفر وطاف طواف الإفاضة وسافر بعده فإنه يغني عن الوداع ويجزئ عنه. حكم طواف الحامل والمحمول السؤال: إذا كان الحاج عنده طفل ولبى عنه، فهل الطواف يكون للحامل والمحمول أو لواحد؟ الجواب: إذا نوى أنه طائف هو وأن هذا المحمول معه طائف، فيكونان طافا معاً. حكم ترديد الأمي للأدعية والأذكار خلف من يأتي بها السؤال: أمي امرأة أمية فهل يجوز أن تقول ورائي الكلمات الضرورية في الطواف، مثل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [البقرة:158]، وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]رََبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ [البقرة:201]؟ الجواب: لا يصلح مثل هذا الشيء؛ لأنها تردد شيئاً لا تفهمه، ولكن تدعو بالأدعية والأسئلة التي كانت تسأل الله عز وجل إياها، وتذكر الله تعالى في طوافها وفي سعيها؛ لأن الطواف ليس له ذكر يخصه، وإنما ينبغي أن يعلمها بعض الأذكار وبعض الأدعية، ويمكن أن يقول لها: ادعي بما شئت واقرئي ما تحفظين من القرآن، ولو كانت لا تحفظ إلا الشيء اليسير القليل منه. حكم حلق أو تقصير المحرم لنفسه عند التحلل السؤال: يقول: إذا حلقت رأسي بيدي هل خالفت السنة؟ الجواب: لا، ليس هناك شيء يدل على خلاف السنة، فالإنسان إذا كان يستطيع أن يحلق رأسه بيده يفعل، وإذا حلقه غيره له يفعل، والمرأة كذلك تقصر لنفسها، وإن قصرت لها امرأة أخرى فلا بأس بذلك. حكم من توفي وصلت عليه النساء في بيته ولم يصل عليه الرجال السؤال: توفي رجل فصلى عليه النساء فقط في بيته ولم يصل عليه الرجال، هل يسقط فرض الكفاية بهن؟ الجواب: كيف يصلى عليه في بيته ولا يخرجونه من بيته؟! فالرجل يجهزه الرجال، وكيف جهزته النساء؟! المرأة لا تجهز الرجل، اللهم إلا إذا كانت الزوجة فإن لها أن تجهز زوجها، أما غير الزوجة فلا تجهز الرجل ولو كان أباها، وكذلك الرجل لا يجهز ابنته، وإنما تجهز المرأة المرأة ويجهز الرجال الرجل، ويمكن للزوج أن يجهز زوجته، والزوجة أن تجهز زوجها. والحاصل أن صلاة الجنازة فرض على الرجال، والنساء ليس من شأنهن الجماعة، وإذا كان هذا قد وقع فإنه يمكن أن يذهب بعض الرجال ويصلون عليه وهو في قبره. حكم استئذان أصحاب الديون في حج الفريضة السؤال: رجل عليه دين كبير ومتفرق لعدة أشخاص، ولا يستطيع أن يستأذنهم في أن يحج الفريضة، فهل يحج دون استئذان؟ الجواب: معلوم أن الذي يؤدى به الحج قليل بالنسبة للديون الكثيرة المتفرقة، ولا يحج إلا وقد استأذنهم، والأولى له ألا يحج، وأن يوفي بالمال الذي يريد أن يحج به بعضهم، حتى يقل دينه، وبدل أن يكون مديناً لعدة أشخاص فإنه يصير مديناً لشخص أو شخصين، وما دام ليست عنده القدرة المالية فليس عليه أن يحج، اللهم إلا إذا كانت هذه الديون مؤجلة ولم تحل، وهو يتمكن أن يوفي عند وقت الأجل، فلا بأس أن يحج. حكم الإحرام من جدة لمن جاء إليها زائراً للأقارب السؤال: هل يجوز للشخص أن يذهب من المدينة إلى جدة لزيارة الأقارب ثم يحرم من الحج منها؟ الجواب: إذا كانت نية الحج موجودة عنده وهو في المدينة فيجب عليه أن يحرم من ميقات المدينة، وأما إن كان ذاهباً إلى جدة وليس عنده عزم الحج، ولا يدري هل يحج أو لا، فإنه يذهب إلى جدة، وإذا جاء وقت الحج وحصل منه عزم على الحج فإنه يحرم من جده. وإذا كان سيمكث في جدة مدة طويلة، وهو عازم على الحج، فعليه أن يذهب إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر، ويكون متمتعاً، ثم يذهب إلى جدة، ويمكث فيها ما شاء الله أن يمكث، ثم بعد ذلك يذهب إلى مكة إذا جاء وقت الحج. حكم من أعطي مبلغاً ليحج عن غيره وبقي منه شيء فصرفه على أهله السؤال: رجل طلب منه أن يحج عن رجل قد توفي بعد أن أدى فريضة الحج، وأعطي مبلغاً من المال لأداء هذه الفريضة، فهو يريد أن يحج عن هذا الميت بنية خالصة لله عز وجل، مع ما يجد في نفسه من احتياجه إلى ما يزيد على هذا المال ليقوم به على مصالح أهله، فهل عمله هذا صحيح؟ الجواب: الشيء الذي يعطاه الإنسان ليحج عن غيره هو له، سواء كان على قدر كفايته أو زاد على ذلك، مادام أنه أتى بالحج على التمام والكمال، اللهم إلا إذا قالوا: حج من هذا المال وما بقي فأرجعه، فإنه يرجع لهم الباقي، ولكن الإنسان إذا كان قادراً على أن يحج بماله فالذي ينبغي له أن يحج بماله، وإن كان غير قادر على أن يحج بماله، وأراد أن يأخذ شيئاً ليحج به عن غيره من أجل أن يحج فإن هذا سائغ، وإنما الذي لا يسوغ كون الباعث له على الحج المال، وأما إذا كان لا يستطيع أن يحج بماله، ولكن أراد أن يحج ولو بمال غيره عن غيره فإن ذلك سائغ ومحمود، أما من حج ليأخذ فهذا مذموم؛ لأنه جعل الحج وسيلة إلى الدنيا والعكس هو الصحيح. حكم من أتى بعمرة التمتع من المدينة وليس من أهلها ثم رجع إليها لكونه يدرس بها السؤال: نويت أن أحج متمتعاً، فهل لي أن أذهب إلى مكة لأداء العمرة وأرجع بعد ذلك إلى المدينة، مع العلم أن المدينة ليست مدينتي ولكني أدرس بها؟ الجواب: إذا كان الإنسان مقيماً في المدينة فحكمه حكم أهل المدينة، وكون الإنسان يذهب من المدينة إلى مكة ليعتمر ثم يرجع إلى المدينة؛ ينقطع عنه التمتع، فإذا أراد أن يتمتع في الحج فعليه أن يأتي بعمرة ثانية، ويكون بذلك متمتعاً، فمن اعتمر ثم رجع إلى بلده الأصلي أو بلد إقامته الذي هو قاطن فيه، فإنه ينقطع عنه التمتع، فإذا أراد أن يحج متمتعاً فإنه يأتي بعمرة أخرى ثم يحج. واجب المسلم تجاه إخوانه في أيام الحج السؤال: ما واجبنا نحن معاشر طلاب العلم تجاه حجاج بيت الله إذا رأينا بعض المنكرات منهم، ونحن لا نستطيع التفاهم معهم بلغتهم؟ الجواب: الإنسان يحرص على أن يكون داعية إلى الله على بصيرة وعلى هدى، ويحرص على نفع إخوانه وتوجيههم وإرشادهم إلى الخير، وهذا أعظم شيء يحصلون عليه، وأنفس شيء يظفرون به أن يدلوا على الخير ويأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، والإنسان إذا كان يعرف لغة قوم ورأى منهم شيئاً يعرف أنه منكر وأنه غير جائز فإن عليه أن ينبههم وأن يفيدهم بلغتهم التي يتخاطبون بها، فيبلغهم ويبين لهم أن هذا منكر لا يجوز، وأن الواجب هو كذا وكذا، فالإنسان يحرص على نفع إخوانه، وأما إذا كان لا يفهم لغتهم وأمكن أن يتفاهم معهم بالإشارة فعل، وإلا رأى أحداً يفهم لغتهم وأرشده إلى أن ينبه هؤلاء الذين حصل منهم هذا الخطأ. الأمور المشروعة عند زيارة المدينة النبوية السؤال: ما هو المشروع فعله عند زيارة المدينة النبوية؟ الجواب: المدينة النبوية عندما يزورها الإنسان يشرع له خمسة أمور فقط: الأمر الأول: أن يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. الأمر الثاني: أن يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما. الأمر الثالث: أن يزور أهل البقيع ويدعو لهم. الأمر الرابع: أن يزور شهداء أحد ويدعو لهم. الأمر الخامس: أن يذهب إلى مسجد قباء ويصلي فيه. هذه أمور خمسة مشروعة في هذه المدينة زيارة مسجدين: وهما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء، وزيارة ثلاثة مقابر: قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصاحبين الكريمين، وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، وما سوى ذلك فإنه لا يزار، وليس في المدينة أماكن تزار شرعاً إلا هذه الأماكن الخمسة التي أشرت إليها. حكم من ترك المبيت والرمي عمداً بحجة قدرته على دفع الفدية السؤال: رجل يمتلك المال الكثير فوقف بعرفة وترك الرمي والمبيت عمداً بحجة أنه يستطيع دفع الفدية؟ الجواب: هذا من التلاعب في الحج، والإنسان عندما يأتي للحج يأتي به كما هو مطلوب منه، ومعلوم أن الحج مدته وجيزة جداً لا تبلغ أسبوعاً كاملاً، بل أقل من أسبوع؛ لأن الحج يبدأ من يوم ثمانية، ويمكن أيضاً لو بدأ حجة يوم عرفة ويوم العيد ويوم الحادي عشر والثاني عشر فتكون مدته أربعة أيام فقط، وإذا تعجل بعد الزوال من اليوم الثاني عشر فإنه يرمي ويودع ويمشي، أما كونه يقف بعرفة ثم يترك الرمي ويترك المبيت فهذا من التلاعب بالحج، والإنسان يأثم لكونه ترك هذه الواجبات تعمداً، وتجب عليه الفدية مع حصول الإثم؛ لأنه تعمد فعل الأمر الذي لا يسوغ ولا يجوز. حكم من انتقض وضوءه أثناء الطواف والسعي السؤال: ما حكم من يطوف بالبيت فانتقض وضوءه، هل إذا جدد الوضوء يبدأ من أول الطواف أو يبني على ما سبق، وكذلك لو انتقض وضوءه أثناء السعي؟ الجواب: الذي يبدو ويظهر أنه إذا حصل نقض الوضوء للطائف أنه يخرج ويتوضأ ثم يرجع ويستأنف من جديد؛ لأن الطواف مثل الصلاة، والإنسان إذا حصل له شيء في الصلاة وانتقض وضوءه فيها فإنه يتوضأ ويستأنفها، فكذلك الطواف. أما السعي فلا يشترط فيه الطهارة فيمكن أن يبني، وكذلك إذا قيمت الصلاة والإنسان يطوف أو وهو يسعى فإنه يصلي في مكانه ثم يواصل الطواف والسعي. حكم أخذ الأموال من زوار القبور السؤال: عندنا قبر يزوره الناس كثيراً، ولصاحب القبر أبناء وذرية يأخذون الأموال من زوار القبر، فما حكم هذه الأموال؟ الجواب: هذه الأموال التي يأخذونها هي من السحت المحرم، والواجب عليهم أن يتركوا ذلك، وأن يبحثوا عن مصادر رزق حلال، وهذا مصدر رزق حرام لا يجوز لهم ذلك، ولا يجوز لهم أن يدعوا الناس إلى الافتتان بالقبور؛ لأن كثيراً من البلاء الذي يحصل عند القبور إنما يحصل بسبب الذين يدعون الناس إلى أنفسهم من أجل أن يحصلوا على المال، ومن أجل أن يبتزوا أموال الناس، فهذا لا يسوغ ولا يجوز، بل عليهم أن يبحثوا عن رزق حلال يستفيدون منه في دينهم ودنياهم. الفرق بين الحكم بغير ما أنزل في القليل والكثير ومع الاستحلال وعدمه السؤال: هل استبدال الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية كفر في ذاته أم يحتاج إلى الاستحلال القلبي والاعتقاد بجواز ذلك؟ وهل هناك فرق بين الحكم مرة بغير ما أنزل الله وبين جعل القوانين تشريعاً عاماً مع اعتقاد عدم جواز ذلك؟ الجواب: يبدو أنه لا فرق بين الحكم في مسألة أو عشر أو مائة أو ألف أو أقل أو أكثر، فما دام الإنسان يعتبر نفسه أنه مخطئ وأنه فعل أمراً منكراً وأنه فعل معصية وهو خائف من الذنب فهذا كفر دون كفر، وأما مع الاستحلال ولو كان في مسألة واحدة وهو يستحل فيها الحكم بغير ما أنزل الله، ويعتبر ذلك حلالاً فإنه يكون كفراً أكبر."
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: (صيد وج وعضاهه حرام...) قوله: [ حدثنا حامد بن يحيى ]. حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الله بن الحارث ]. عبد الله بن الحارث ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي ]. محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي لين، أخرج له أبو داود . [عن أبيه]. وهو أيضاً لين، أخرج له أبو داود . [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبير ]. هو الزبير بن العوام رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة والله تعالى أعلم. الأسئلة الفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله المؤدي إلى الكفر وغير المؤدي إليه السؤال: إذا حكم المرء في مسألة واحدة بغير ما أنزل الله فهل يعد ذلك كفراً أم لابد أن يقرر القوانين الوضعية في جميع شئون الحياة؟ الجواب: لا فرق في الاستحلال بين مسألة واحدة ومسائل كثيرة، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله ولو في مسألة واحدة فإنه يكفر، وأما إذا كان غير مستحل فلا فرق بين كونه حكم بواحدة أو بألف أو بأربعة أو بعشرة وهو يعرف أنه مذنب وأنه مخطئ، فلا يكون كفراً. حكم وضع النوى مع التمر في وعاء واحد السؤال: هل هناك حديث فيه النهي عن وضع النوى مع التمر في صحن التمر؟ الجواب: ليس عندي علم في هذا، ولكن لا شك أن وضع التمر مع النوى في مكان واحد مع الشيء الذي يؤكل لا يجعل النفوس ترغبه وتشتهيه، وإنما يكون النوى على حدة والتمر يكون على حدة، ولا يجمع بين النوى والتمر في مكان واحد، لكن ما أعلم حديثاً في هذا، ولكنه كما هو معلوم ليس بجيد من ناحية الآداب، ومن ناحية كون الإنسان يقذره، وقد يجعل بعض الناس لا ترغب نفسه أن يأكل من ذلك التمر الذي وضع عليه النوى. حكم تسليم لقطة الحرم إلى مكتب المفقودات في الحرم السؤال: إذا وجد الإنسان لقطة في مكة وسلمها إلى مكتب المفقودات في الحرم المكي هل تبرأ ذمته؟ الجواب: لا شك أن ذمته تبرأ بهذا. حكم أخذ الإحرامات التي يرميها الناس بمنى السؤال: بعض الناس يأخذ الإحرامات المتبقية من منى التي يتركها الناس بعد رحيلهم؟ الجواب: إذا كانوا تركوها ورموها فيمكن أن تؤخذ؛ لأن الشيء الذي تركه أصحابه ولا يريدونه لا مانع من أخذه، هذا إذا كان متحققاً أنهم تركوه. التوفيق بين قول ابن عباس: (فأرسلت الأتان ترتع) وبين حديث: (لا يعضد شجرها) السؤال: قول ابن عباس : (فأرسلت الأتان ترتع) فيه ذكر الرعي، فكيف نوفق بين هذا وبين حديث: (لا يعضد شجرها)؟ الجواب: كون الإنسان يسرح بإبله وغنمه ويجعلها في أرض الحرم ويتردد في أرض الحرم لا شك أن هذا لا يجوز، وأما كون حيوان أو دابة ترتع ما فيه إشكال، وإنما الإشكال في كون الإنسان يتخذ من الحرم موطناً لرعي غنمه؛ لأنه بذلك يقضي على علف الحرم وعلى النبات الذي في الحرم. حكم الإجهاز على الحيوان الجريح للمحرم السؤال: إذا وجدت حيواناً مجروحاً في الحرم أو حال الإحرام بحيث إنه قد يموت قريباً، فهل يجوز أن أقتله، حتى ينتهي ألمه والموت رحمة له؟ الجواب: إذا كان الحيوان لا يؤكل ليس له أن يقتله، وإذا كان مأكول اللحم وهذا الجرح الذي فيه قد يؤدي إلى هلاكه وإلى أن يكون ميتة فيذبحه، لكن هذا لا يكون بمجرد أن فيه جرحاً يسيراً، وقد سبق أن مر بنا حديث فيما يتعلق بالهدي، وأن بعض الناس قد يقدم على ذبح الشيء الذي يؤكل لحمه، مع أن عنده قوة وعنده مناعة، والحديث مر بنا في سنن أبي داود وفي باب: الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ. عن ابن عباس قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاناً الأسلمي وبعث معه بثمان عشرة بدنة، فقال: أرأيت إن أزحف علي منها شيء؟ قال: تنحرها ثم تصبغ نعلها في دمها، ثم اضربها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أصحابك) ]. يعني: أنه إذا رخص له هو وأصحابه فيمكن إذا حصل فيها أي شيء أن يقدم على نحرها، لكن إذا كان ليس له فيها نصيب فمعناه أنه لا يذبحها إلا إذا خشي أن يحصل لها الهلاك وأن تكون ميتة. حكم إزالة الأشواك من المحرمين لأجل الجلوس في المكان الذي هي فيه السؤال: كنا ننصب خيمة بمنى في السنة الماضية فظهرت لنا أشواك في المكان الذي نريد أن ننصب فيه، فاختلفنا في إزالة هذه الأشواك من مكان الخيمة، ثم اتفقنا على إزالتها فأزلناها، فهل عملنا هذا صحيح؟ وهل يلزمنا شيء؟ الجواب: الشوك المؤذي يزال، لكن هل هو أشواك في شجر أو أنه شوك متناثر في الأرض؟ إذا كان متناثراً في الأرض فلا إشكال في إزالته، وأما إذا كان في شجر فالإنسان لا يقطع الشجر بل يتركه في مكانه. حكم قراءة القرآن للأموات السؤال: هل تجوز قراءة القرآن للأموات؟ الجواب: اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إن قراءة القرآن وإهداءها للأموات سائغة، ومنهم من قال: إن الأموات ينتفعون في حدود ما ورد، والذي ورد هو الصدقة والدعاء، وكذلك الصيام في حق من كان عليه صوم واجب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ، وأما الشيء الذي لم يرد فالأولى عدم فعله، ومن أراد أن ينفع موتاه فلينفعهم بالشيء الذي قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما الصدقة التي ينتفع بها الفقراء والمساكين، ويحصل ثوابها للأموات الذين أراد الإنسان أن يتصدق عنهم. معنى قول بعض السلف إن الله عز وجل بائن عن خلقه السؤال: ما معنى قول بعض السلف: إن الله عز وجل بائن عن خلقه؟ وما حكم هذه الكلمة؟ الجواب: (بائن من خلقه) يعني: أنه ليس حالاً في المخلوقات، ولا المخلوقات حالة فيه، هذا هو معناه، وهذا المعنى صحيح، فهذا كلام يوضح المعنى، وإضافته إلى الله عز وجل من باب الإخبار وليس من باب الصفات. إذاً: فهذه العبارة عبارة صحيحة ومعناها صحيح، وليست صفة من صفات الله، وإنما هي إخبار عن الله بأنه ليس حالاً في المخلوقات. حكم التلفظ بالنية في الصلاة السؤال: في الصلوات المكتوبة هل ينوي ويسمي الوقت ويقول: مقتدياً بهذا الإمام؟ الجواب: لا يقول شيئاً من ذلك، ولا يتلفظ بالنية، والتلفظ بالنية بدعة، وإنما ينوي بقلبه أنه يصلي الصلاة التي جاء من أجلها، فالإنسان عندما يسمع الأذان لصلاة العصر مثلاً، والمؤذن يقول: حي على الصلاة، يعني: تعالوا لصلاة العصر، فهو يتوضأ يريد بذلك الوضوء أن يصلي العصر، وكذلك يدخل المسجد ليصلي العصر، وإذا قامت الصلاة يريد صلاة العصر، فهو ينوي بقلبه أنه يصلي هذه الصلاة المكتوبة في هذا الوقت التي هي العصر، لكن لا يقول: نويت أن أصلي العصر أربعاً مقتدياً بهذا الإمام الله أكبر! هذه من الأمور المحدثة. حكم إعادة الرمي للجمرات لمن لم يتمكن من رؤية سقوط الحجر في المرمى السؤال: حججت قبل عامين وعند رميي لجمرة العقبة يوم النحر كان الزحام شديداً ولم أتمكن من رؤية سقوط الحجر في المرمى وذلك لبعد المسافة وشدة الزحام، فسألت أحد طلبة العلم فقال لي: أعد الرمي، وكان ذلك في اليوم الثاني عشر، فأعدت رمي جمرة العقبة بعد رميي ذلك اليوم، وكنت متعجلاً فانصرفت إلى مكة، فهل فعلي صحيح؟ الجواب: يصح ذلك إن شاء الله، ولكن إذا كان قد رمى ويغلب على ظنه الوقوع في المرمى فإنه يكفيه، أما إذا كان يغلب على ظنه عدم الوقوع، وإنما الوقوع على رءوس الناس فهذا هو الذي يلزمه الإعادة. وكونه تذكر أو ذكر بهذا الشيء الذي عليه فقضاه فلا يلزمه أنه يرجع ويرمي عن اليوم الحادي عشر وعن الثاني عشر، بل عليه هذا الشيء الذي فعله قضاءً، كما لو أنه نسي صلاة من الصلوات وبعد خمسة أيام تذكرها فإنه يقضيها فقط، ولا يقضي التي وراءها. حكم من يأخذ من ماء زمزم للبركة ويخلطه بغيره ويسقي به الناس السؤال: بعض الناس يأخذ من ماء زمزم إلى بلده للبركة، ويخلط فيه ماءً عادياً ويسقي الناس الذين يزورونه، فهل هذا يعتبر غشاً؟ الجواب: هذا ليس بطيب، يعني: كون الإنسان يأخذ من ماء زمزم ويضيف إليه أضعافه هذا ما يقال له: ماء زمزم، وقد يكون الغالب هو ذلك الماء الذي ليس من ماء زمزم، فيكون ماء زمزم مغموراً ليس له أثر، فعلى الإنسان أن يتزود من ماء زمزم ويصطحبه إلى بلده وأن يهديه لغيره ولا يضيف إليه شيئاً، ولا يلزم أن يسقي الكثير من الناس إذا كان لا يستطيع، بل يسقي بعضهم، ولا يلزم أن يعطي الواحد حتى يروى بل يعطيه شيئاً قليلاً. حكم من أحصر وليس معه هدي السؤال: إذا أحصر الإنسان وكان معه هدي فإنه ينحر هديه في المكان الذي أحصر فيه، لكن كيف يفعل إذا لم يكن معه هدي؟ الجواب: الإنسان الذي أحصر ويجب عليه هدي ولا يستطيعه، يصوم عشرة أيام مكان الهدي. حكم الحج عمن مات قبل أن يحج وهو قادر عليه السؤال: مات شاب وقد كان قادراً على الحج أثناء حياته، وأعطاني أهله مبلغاً من المال لأحج عنه، فهل يسقط عنه الفرض؟ وهل له أجر الحجة؟ وهل لي أنا أيضاً أجر الحج؟ وأيهما أفضل أن أحج عنه بهذا المال أم يتصدق عنه صدقة جارية؟ الجواب: إذا كان الإنسان عنده مال ولم يحج فإن الحج أو نفقة الحج واجبة في ماله، ومقدمة على الميراث؛ لأن هذا دين، فيحج عنه من ماله، وإن لم يكن له مال وتصدق عنه وحجج عنه فهذا شيء طيب لا بأس بذلك، والإنسان الذي حج عن غيره بالمال إذا كان أخذ المال من أجل أن يذهب إلى مكة ويطوف بالبيت ويقف في المشاعر، ويدعو الله عز وجل في تلك الأماكن، فهذا شيء محمود، وإن كان قادراً على المال وعنده المال فالذي ينبغي له أن يحج بماله ولا يحج بمال غيره، لكن من كان قادراً على أن يشهد الموسم وأن يحج مع الناس، ولكن أخذ المال طمعاً فيه، فهذا حج ليأخذ، فالأخذ هو غاية والحج وسيلة، فهذا يكون مذموماً؛ لأنه حج من أجل الدنيا والباعث له على الحج الدنيا، فأحدهما محمود وهو من أخذ ليحج والثاني مذموم وهو من حج ليأخذ. حكم من يحج أو يعتمر عن نفسه ويهب ثواب ذلك لغيره السؤال: هل يجوز أن أحج أو أعتمر وأهب ثواب حجتي أو عمرتي لوالديّ أو لأحد أقاربي؟ الشيخ: الإنسان له أن يحج عن غيره، أما أن يحج عن نفسه ويهب الثواب فلا، وإنما ينوي من الميقات أن الحج لفلان سواءً كان لأمه أو أبيه، فيكون الحج له وهو مأجور على كونه يحسن إلى غيره، ولكن كونه ينوي الحج عن نفسه ثم يهب الثواب لغيره فلا، وإنما عليه إذا أراد أن يحج عن غيره أن ينوي من الميقات بأن العمرة لأمه أو لأبيه أو لفلان بن فلان، فتكون له بهذه النية. عدم صحة دفن إسماعيل وأمه في الحجر السؤال: هل صحيح أن الحجر مدفون فيه إسماعيل وأمه هاجر؟ الجواب: هذا ليس بصحيح؛ لأن الحجر هو من البيت، وإسماعيل هو الذي بنى البيت هو وأبوه إبراهيم، والحجر داخل في البيت، فكيف يكون مدفوناً فيه؟! هذا غير صحيح. الرد على شبهة من أجاز الصلاة في المساجد التي فيها قبور بحجة وجود قبر الرسول في المسجد السؤال: هناك من يقول: الصلاة في المسجد الذي فيه قبر جائز، لأن المسجد النبوي فيه قبور وهي داخلة فيه فكيف يجاب عنه؟ الجواب: يمكن أن يقال: إن الإنسان لا يصلي في مكان أو في مسجد فيه قبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد، وعن بناء المساجد على القبور، وقد قال ابن القيم في زاد المعاد: إنه لا يجتمع في دين الإسلام قبر ومسجد والحكم للسابق منهما؛ فإن كان القبر موجوداً أولاً وأتي بالمسجد وبني عليه يهدم المسجد، وإن كان المسجد مبنياً أولاً وأدخل الميت في المسجد ينبش الميت ويخرج من المسجد ويبقى المسجد كما كان، ولا يجمع بين المسجد والقبر. والرسول صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته قبل أن يموت بخمس، ثبت في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) هذا قاله قبل وفاته بخمس ليال، يعني توفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين وقاله يوم الأربعاء. (ولما كان في النزع عليه الصلاة والسلام، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها وقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وهذه أحاديث محكمة لا تقبل النسخ بحال من الأحوال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها ومات، ولم ينزل وحي بعدها، فهو يقول: إن القبور لا تتخذ مساجد، بل هذا من آخر ما قاله صلى الله عليه وسلم في أواخر أيامه وأواخر لحظاته صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه محكم لا يقبل النسخ بحال من الأحوال، بل هو حكم ثابت مستقر، هذا هو شأن هذه الأحاديث التي تتعلق باتخاذ القبور مساجد. إذاً كل المساجد التي بنيت على القبور، أو دفن الموتى فيها لا يجوز اتخاذها مكاناً للصلاة. نأتي إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ونقول: هل الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في المسجد؟ وهل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بني على قبر؟ كان هناك قبور المشركين ولكنها نبشت وأخرجت، وكان له عليه الصلاة والسلام بيوت متميزة في شرق المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم لما توفي تشاور الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أين يدفنونه صلى الله عليه وسلم، فروى بعضهم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الأنبياء يدفنون حيث يموتون) أي: المكان الذي يموت فيه النبي يدفن فيه، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم مات في حجرة عائشة دفن في حجرة عائشة ، وكانت تلك الحجرة خارج المسجد، وكانت تحيض أم المؤمنين عائشة فيها، ويجامع أهله عليه الصلاة والسلام فيها، فهي ليست من المسجد، بل المسجد مستقل عن البيوت والبيوت مستقلة عن المسجد، فليس هذا المسجد مبنياً على قبر، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في المسجد وإنما دفن في بيته، وبقي الأمر على هذا الوضع، وبقيت الحجرات خارج المسجد في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وفي عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكذلك بقيت فترة من خلافة بني أمية، ثم إنه وسع المسجد وأدخل القبر في المسجد، فالصلاة فيه بألف صلاة، سواء دخل القبر أو لم يدخل. فلا يجوز أن تترك الأحاديث المحكمة التي لا تقبل النسخ بحال من الأحوال، بسبب عمل حصل من بني أمية بعد زمن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، حيث قاموا بإدخال القبر في المسجد، ولا يجوز أن يتخذ هذا العمل حجة في مقابل الأحاديث المحكمة، وإنما المعول عليه الأحاديث المحكمة، وأما هذا المسجد فالصلاة فيه بألف صلاة سواءً دخل القبر فيه أو لم يدخل. فهذا هو الجواب عن هذه الشبهة التي يتشبث بها بعض الناس. وينبغي على الناس أن يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما دفن في المسجد، وأن المسجد مستقل، وإنما دفن في بيته، وبعد ذلك أدخل القبر في جملة المسجد، فالمعول عليه ليس فعل بني أمية وإنما المعول عليه الأحاديث المحكمة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، والتي لا تقبل النسخ بحال من الأحوال. حكم أهل الفترة السؤال: ما هو القول الراجح في أهل الفترة؟ وما صحة حديث: (أبي وأبوك في النار) ؟ الجواب: أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالات هؤلاء أمرهم إلى الله عز وجل ويمتحنون يوم القيامة، ونتيجة الامتحان هي التي تكون النهاية مبنية عليها، إما يكون سعيداً وإما شقياً في ذلك الامتحان الذي يكون يوم القيامة، وقد ذكر العلماء الكلام على هذا في تفسير قول الله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]. وأما الذين بلغتهم الرسالة وعندهم علم عن أخبار الرسل ولم يكونوا على منهاجهم وقد عبدوا الأصنام، فإن هؤلاء كفار، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن أباه في النار وذلك في الحديث الذي فيه: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فرأى أنه تغير وتأثر، فقال: إن أبي وأباك في النار) والحديث في صحيح مسلم . وكذلك أمه ماتت كافرة، (والرسول صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له، ثم استأذن أن يزورها فأذن له) وزيارة الكفار جائزة ليس للدعاء لهم بل لتذكر الآخرة وتذكر الموت. إذاً: كون الرسول صلى الله عليه وسلم استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له يدل على أنها ماتت كافرة، وكذلك أبوه مات كافراً، وجده مات كافراً الذي هو عبد المطلب ، وكذلك أبو طالب لما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرض موته الإسلام حيث قال: (يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، وكان عنده رجلان كافران -أحدهما أسلم والثاني مات كافراً- فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب) ومات معلناً أنه على ملة عبد المطلب يعني: مات كافراً. حكم حج من أخر طواف الإفاضة إلى آخر ذي الحجة أو إلى محرم السؤال: من أخر طوف الإفاضة إلى اليوم الخامس والعشرين من ذي الحجة أو إلى شهر محرم لضرورة أو لغير ضرورة، هل يصح حجه؟ الجواب: الحج يصح، لكن لا يصلح أن يؤخر الطواف وهو ركن من أركان الحج؛ لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، والركن لا يتم الحج إلا به، فليس للإنسان أن يؤخره، وأما إذا كان هناك ضرورة أو مرض أو ما إلى ذلك أو كان في المستشفى، ثم أتي به بعد ذلك وطاف محمولاً أو ماشياً فإنه لا بأس به. وعلى كل فالطواف يصح منه في أي وقت؛ لأنه ليس له وقت مخصص، ولكن المبادرة إليه مطلوبة ولا ينبغي للإنسان أن يؤخره؛ لأنه إذا أخره أخر ركناً من أركان الحج، وقد يعرض له عارض فلا يكون قد حج. أفضلية مكة على سائر بقاع الأرض السؤال: هل صحيح أن مكة أفضل البقاع ما عدا المكان الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لم يأت عن النبي عليه الصلاة والسلام شيء يدل على هذا، وإنما جاء ما يدل على أن مكة هي أفضل البقاع، والرسول صلى الله عليه وسلم لما أخرج من مكة قال: (أما إنك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا أنني أخرجت منك لما خرجت) فهذا يدل على أن مكة هي أحب البلاد إلى الله وأنها خير البقاع وأفضل البقاع، ولهذا الصلاة هناك بمائة ألف صلاة. والجواب عن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، والحديث الذي يذكر فيه فضل المدينة على مكة وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام لما هاجر من مكة إلى المدينة قال: (اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني أحب البقاع إليك) فقالوا: هذا يدل على أن المدينة أفضل من مكة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أحب البقاع إلى الله). أولاً: هذا يخالف الحديث الصحيح الذي سبق: (إنك أحب بلاد الله إلى الله)، فمكة هي أحب البلاد إلى الله وليست المدينة. ثانياً: هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً من حيث المعنى هو فاسد؛ لأن هذا يقتضي أن يكون الأحب إلى الرسول غير الأحب إلى الله، والأصل أن ما كان أحب إلى الله فهو الأحب إلى رسول الله، ولا يقال: إن الله تعالى أحب إليه شيء والرسول يخالف ما يحبه الله فيكون الأحب إليه شيئاً آخر. إذاً: الحديث الصحيح: (أما إنك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا أنني أخرجت لما خرجت) والله تعالى يقول: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، ولهذا فُضِّلَ المهاجرون على الأنصار؛ لأن المهاجرين عندهم الهجرة وعندهم النصرة، ولهذا قال الله عز وجل: وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الحشر:8]، فعندهم المعنى الموجود في الأنصار وعندهم زيادة على ذلك وهي الهجرة، فكان المهاجرون رضي الله عنهم أفضل من الأنصار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وعلى هذا فالتفضيل من الأمور التي يتقيد فيها بالنصوص الشرعية، والنصوص الشرعية جاءت بتفضيل مكة على المدينة، وقد صحت بذلك الأحاديث ومنها ما ذكرت، وأما الحديث الذي ذكرته والذي يخالف ذلك فهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. حكم من وقف خارج حدود عرفة السؤال: رجل وقف خارج حدود عرفة جاهلاً بها أو متعمداً فماذا يلزمه؟ الجواب: إذا كان لم يدخل عرفة ولا لحظة وكان خارج الحدود سواءً كان عامداً أو جاهلاً، ثم طلع الفجر من يوم النحر ولم يكن في عرفة؛ فإنه لم يقف بعرفة، وعلى هذا ليس له حج؛ لأن الحج لابد فيه من الوقوف بعرفة، ويكون ذلك في وقت الوقوف الذي ينتهي بطلوع الفجر من ليلة النحر، ولهذا من الأمور المهمة للحجاج -وهي من أهم المهمات- أن الواحد منهم يتحقق أنه بعرفة، وأن ينظر للبنايات التي كتب عليها بمختلف اللغات تحديد أرض عرفة، فيكون في داخلها ولا يقف خارجها، والوقوف يحصل ولو بلحظة إذا كان في أرض عرفة، فهذا الذي يسأل إذا تحقق أنه لم يكن داخل الحدود ولا لحظة واحدة فإنه لا يعتبر وقف بعرفة، ولا يعتبر قد حج في ذلك العام."
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [234] الحلقة (265) شرح سنن أبي داود [234] لقد رفع الله عز وجل شأن بعض الأماكن وشرفها ومنها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وذكر منها مسجد المدينة النبوية، وكذلك حرم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة كما حرم إبراهيم مكة، فلا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا يحمل فيها السلاح لقتال. حكم إتيان المدينة وشد الرحال إليها شرح حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إتيان المدينة. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) ]. قوله: [ باب في إتيان المدينة ] أي: السفر إلى المدينة وشد الرحل لزيارة هذا المسجد الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم، وزيارة المدينة لا تلازم بينها وبين الحج؛ فإنه يمكن أن يأتي الإنسان للحج ويرجع إلى بلاده، ويمكن أن يأتي من بلاده للمدينة ويرجع إلى بلاده، ويمكن أن يأتي للحج ويزور المدينة، كل ذلك ممكن، فليس هناك ترابط وتلازم بين الحج وزيارة المدينة. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه في بيان المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [ (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) ] وهي المساجد التي بناها أنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأسست على التقوى من أول يوم. وحديث أبي هريرة يدل على أن السفر إلى بقعة من البقاع من أجل التقرب إلى الله عز وجل إنما يكون لهذه المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى. وقد قال بعض أهل العلم: إن الاستثناء ليس مقصوراً على السفر لمسجد من المساجد، وإنما المقصود البقع والأراضي، فلا تشد الرحال إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، فلا يذهب الإنسان إلى بقعة ولو لم يكن فيها مسجد ليتقرب إلى الله عز وجل في تلك البقعة، وهذا غير سائغ، وقد استدل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بعموم هذا الحديث على عدم السفر لأي بقعة من البقاع من أجل التقرب إلى الله عز و جل فيها، ففي رواية لهذا الحديث عند النسائي أن أبا هريرة رضي الله عنه ذهب إلى الطور، ولما رجع لقيه بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه فقال له: من أين جئت؟ قال: جئت من الطور، قال: لو علمت لم تسافر، قال: ولم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، فدل هذا على أن المقصود بذلك عموم البقع، وليس المقصود به خصوص المساجد، فالمستثنى ثلاثة مساجد من عموم البقع وعموم الأراضي؛ لأن هذا الحديث استدل به بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه على أبي هريرة فيما يتعلق بالذهاب إلى الطور، وقال: لو علمت قبل أن تذهب لم تذهب. والحديث أورده النسائي من حديث أبي هريرة عن بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه، وذلك في حديث طويل بسند صحيح عند النسائي برقم (1429). وهذه المساجد الثلاثة هي مساجد الأنبياء المتميزة على غيرها، وهي التي يسافر من أجلها، أما غيرها فإنه لا يسافر من أجله، ولا تشد الرحال من أجله، ولم يأت شيء يدل على خلاف ما دل عليه هذا الحديث، وهو قصر السفر للقربة على هذه المساجد الثلاثة التي هي مساجد الأنبياء. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب وهو ثقة من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. ما جاء في تحريم المدينة شرح حديث علي: (المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في تحريم المدينة. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: (ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور، فمن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف ومن والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب: تحريم المدينة ] المدينة حرام كما أن مكة حرام، ولا يوجد في الأرض أماكن محرمة توصف بهذا الوصف لا يصاد صيدها ولا يقطع شجرها إلا مكة والمدينة، وإبراهيم حرم مكة والنبي صلى الله عليه وسلم حرم المدينة، والمقصود من ذلك إظهار الحرمة، فإن إبراهيم أظهر حرمة مكة والتحريم إنما هو من الله، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أظهر حرمة المدينة والتحريم إنما هو من الله، وإضافة التحريم إلى إبراهيم لمكة؛ لأنه هو الذي أظهر حرمتها، وإضافة التحريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة؛ لأنه هو الذي أظهر حرمتها، والله هو الذي أوحى إليه بحرمتها. إذاً: مكة والمدينة هما الحرمان، وليس هناك أماكن أخرى محرمة، وما شاع على ألسنة بعض الناس من قولهم عن المسجد الأقصى: ثالث الحرمين لا يصح، وهذا إطلاق غير صحيح؛ لأن الحرمين ليس لهما ثالث، ومكة حرم والمدينة حرم، ومن جملة مكة المسجد الحرام، ومن جملة المدينة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: ليس هناك أماكن أخرى يقال لها: حرم إلا مكة والمدينة، فإنهما حرام وهما حرم، وقول بعض الناس: ثالث الحرمين لا يصلح ولا يستقيم، وإنما يقال: ثالث المساجد المقدسة، أي: المساجد المقدسة الثلاثة التي هي مساجد الأنبياء هو ثالثها، أما كونه ثالث الحرمين فهذا لا يستقيم؛ لأنه ليس هناك حرم ثالث، وإنما الحرم حرمان هما مكة والمدينة. والمدينة لا يقطع منها الشجر ولا يصاد الصيد، ومن دخلها يكون آمناً؛ لأنه في حرم. أورد أبو داود حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: [ (ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا القرآن وإلا ما في هذه الصحيفة) ] والصحيفة من جملة ما فيها: [ (المدينة حرام من عائر إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف ومن والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف) ]. هذا من الأدلة على جواز كتابة العلم، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يكتبون العلم، ومن الأدلة الدالة على ذلك كون علي رضي الله عنه كان عنده كتاب اشتمل على عدة مسائل من الحديث ومن العلم، ومما اشتملت عليه هذه الصحيفة ما جاء في هذا الحديث. والمقصود منه أن المدينة حرام من عائر إلى ثور. (عائر) هو عير، وهو ثور جبلان في المدينة، عير في جنوبها وثور جبل صغير شمال جبل أحد، هذا حد المدينة من جهة الجنوب والشمال، من الجنوب عير ومن الشمال ثور. وكونها حرماً أو حراماً أي: لا يقطع شجرها ولا يصاد صيدها، ولهذا جاءت الأحاديث في النهي عن ذلك، ومنها ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لو رأيت الظباء ترتع في المدينة ما ذعرتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها) فلا يزعج الصيد ولا ينفر، ومن باب أولى لا يقتل، وكذلك لا يقطع الشجر الذي ينبته الله، أما الشجر الذي ينبته الناس ويزرعه الناس فإنهم يحصدون زروعهم ويقطعون نباتهم الذي ينبتونه ويحتاجون إليه. قوله: [ (فمن أحدث فيها حدثاً) ] يعني: من أتى بأمر محدث لم يكن من الدين، ولذلك جاء في الحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). قوله: [ (أو آوى محدثاً) ] يعني: من آوى مَنْ أتى ببدع وأحدث في دين الله ما ليس منه، فإن المحدث والمؤوي له عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قوله: [ (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ] هذا دعاء، وفيه بيان خطورة هذا الأمر، وأنه أمر فضيع وأمر خطير وعظيم. قوله: [ (وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم) ] يعني: أنه إذا حصل الأمان من أحد من المؤمنين لشخص من الكفار، فإنه يعطى الأمان، ولو كان ذلك الذي أعطاه من أدنى الناس كالعبد، وكذلك النساء أيضاً لهن أن يؤمنَّ، كما في قصة علي بن أبي طالب مع أم هانئ في عام فتح مكة وفيها: (أن أم هاني جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنني أمنت فلاناً وإن علياً قال: إنه لا يتركه، فالنبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم قال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ). قوله: [ (فمن أخفر مسلماً) ] يعني: نقض عهده، أو حصل منه نقض العهد وعدم تمكينه من الشيء الذي التزم به. قوله: [ (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف) ] العدل قيل: هو الفريضة، والصرف: هو النافلة. قوله: [ (ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه) ] أي: إذا ادعى العبد أنه مولى لغير من أعتقه فإنه متوعد بهذا الوعيد الشديد؛ لأن الولاء إنما يكون لمن أعتق ولا يكون لغير المعتق، والولاء لا يتصرف فيه ببيع أو هبة أو ما إلى ذلك؛ لأنه شيء ثابت وشيء لازم. قوله: [ (بغير إذن مواليه) ] هذا ليس له مفهوم؛ لأن لا يصير مولى بالإذن؛ لأن الولاء لا يورث ولا يوهب ولا يباع، وليس لهم أن يأذنوا بأن الولاء يكون لفلان أو أن الولاء ليس لهم، بل هذا شيء لهم وهو كالنسب لا يباع ولا يوهب، وهو شيء ثابت ومستقر لمن وجدت منه نعمة العتق. إذاً: فالموالاة ثابتة بين العتيق والمعتق، بين المنعم والمنعم عليه، المنعم الذي هو المعتق، والمنعم عليه الذي هو العتيق، فهذا شيء ثابت ومستقر مثل ثبوت النسب واستقرار النسب، ولهذا جاء في الحديث: (الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يورث). تراجم رجال إسناد حديث علي: (المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم التيمي ]. هو إبراهيم بن يزيد التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو يزيد بن شريك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي حسان عن علي رضي الله عنه في هذه القصة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى وفيه من الزيادة قوله: [ (لا يختلى خلاها) ] يعني: لا يقطع حشيشها. قوله: [ (ولا ينفر صيدها) ] يعني: لا يزعج أو يشار إليه بأن يهرب، هذا منهي عنه، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لو رأيت الظباء ترتع في المدينة ما ذعرتها؛ لأن النبي صلى الله وسلم حرم ما بين لابتيها) يعني: أنه لا يتعرض لها بإيذاء ولا بتنفير، أقل شيء التنفير فكيف بما وراءه؟! كل ذلك ممنوع. قوله: [ (ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها) ] هذه الجملة تدل على أن المدينة مثل مكة فيما يتعلق باللقطة، وأنها لا تحل لمن يأخذها إلا أن ينشدها، بخلاف اللقطة في الأماكن الأخرى فإن صاحبها يعرفها حولاً كاملاً وبعد ذلك يتمولها ويتملكها، ولو جاء صاحبها فيما بعد ووصفها وصفاً يطابق وصفها، فإنه يعطيه إياها. وأما بالنسبة للقطة الحرمين مكة والمدينة فإنها تعرف دائماً، قيل: ولعل السر في ذلك أن مكة والمدينة يتردد عليها الناس في مختلف الأوقات، وقد تكون اللقطة لشخص جاء حاجاً أو زائراً وفقدت منه، وقد يأتي بعد سنتين أو ثلاث أو أربع فيحصل عليها، بخلاف الأماكن الأخرى فإنه لا يحصل عليها. قوله: [ (ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال) ]. لأن حمل السلاح للقتال بحيث لا يكون له مسوغ لا يجوز في أي مكان، وفي المدينة وفي مكة من باب أولى، ولكن إذا احتيج إلى حمل السلاح لأمر يقتضي ذلك فلا بأس بذلك. قوله: [ (ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره) ]. يعني: كونه يأخذ شيئاً لعلف البعير لا بأس، فيأخذ من ورقه ما يعلف به بعيره، وأما كونه يقطع الشجر ويقطع أصوله فهذا لا يجوز؛ لأن قطع الشجر فيه قضاء على منافعه وعلى فوائده، أما كونه يأخذ ما يعلف به بعيره من ورق الشجر الذي ينبت والذي يظهر مكانه فهذا هو الذي جاء به الإذن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها...) قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى ، الملقب الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الصمد ]. هو عبد الصمد بن عبد الوارث وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي حسان ]. هو أبو حسان الأعرج مسلم بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن علي ]. هو أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه وقد مر ذكره. وأبو حسان هو مسلم بن عبد الله مات سنة مائة وثلاثين، وعلي رضي الله عنه قتل سنة أربعين، وبين وفاتيهما تسعون سنة، فلا أدري هل أبو حسان هذا زاد عمره على مائة سنة، وإذا كان في هذا الحدود فسماعه من علي واضح، وأما إذا كان غير ذلك ففيه شيء، لكن لم أقف على تاريخ مدة عمره وتاريخ ولادته ومقدار حياته، وأما وفاته فذكروا أنها سنة مائة وثلاثين، وعلي رضي الله عنه قتل سنة أربعين، فبين وفاتيهما تسعون سنة، فإذا كان عمره مائة أو قريباً من المائة أو فوق المائة فالرواية ممكنة والإدراك ممكن، ولكن العلماء ذكروا هذا الحديث وصححوه، ومعنى هذا أنه كان معمراً والله أعلم. شرح حديث: (حمى رسول الله كل ناحية من المدينة بريداً بريداً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أن زيد بن الحباب حدثهم حدثنا سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان أخبرنا عبد الله بن أبي سفيان عن عدي بن زيد رضي الله عنه قال: (حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ناحية من المدينة بريداً بريداً، لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن زيد رضي الله عنه قال: [ (حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريداً بريداً، لا يخبط شجره ولا يعضد، إلا ما يساق به الجمل) ]. يعني: لا يقطع شجر المدينة إلا ما يعلف به الجمل، ويحتمل أن يكون المعنى من قوله: [ (إلا ما يساق به الجمل) ] أي: العصا التي يساق بها الجمل؛ لأن الجمال وغيرها تساق بالعصي، كما جاء في القرآن: وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي [طه:18] أي: بالعصا. والمقصود بالحمى هذا غير الحرم؛ لأن الحمى أوسع من الحرم، والمقصود به أن الشجر يترك لإبل الصدقة وللخيل، هذا هو المقصود منه، وقد جاء في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حول المدينة اثني عشر ميلاً حمى، والبريد هو اثنا عشر ميلاً؛ لأن البريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فيكون المجموع اثني عشر ميلاً. إذاً: الحمى خارج الحرم، أما ما كان داخل الحرم فحدوده من عير إلى ثور فهذا هو الحرم الذي جاء فيه التحريم، وأما الحمى فإنه زائد، والمقصود منه تخصيص هذه الأماكن لإبل الصدقة، والحمى كان في ذلك الوقت أما الآن ما فيه إلا الحرم؛ لأنه لا يوجد إبل صدقة ولا خيل، والصيد في الحمى لا بأس به؛ لأنه خارج الحرم؛ ولأن المقصود من تركه هو من أجل إبل الصدقة ومن أجل الخيل لترعى حول المدينة. تراجم رجال إسناد حديث: (حمى رسول الله كل ناحية من المدينة بريداً بريداً...) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان ]. سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا عبد الله بن أبي سفيان ]. عبد الله بن أبي سفيان وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن عدي بن زيد ]. عدي بن زيد رضي الله عنه، أخرج له أبو داود . وهذا الحديث ضعفه الألباني ، لكن معناه جاء في الأحاديث الصحيحة التي أشرت إليها، وهو أنه جعل حول المدينة اثني عشر ميلاً، والبريد هو اثنا عشر ميلاً، وهو مطابق لها ومماثل لها. شرح حديث: ( إن رسول الله حرم هذا الحرم وقال من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو سلمة حدثنا جرير -يعني: ابن حازم - حدثني يعلى بن حكيم عن سليمان بن أبي عبد الله قال: (رأيت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أخذ رجلاً يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلبه ثيابه، فجاء مواليه فكلموه فيه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم هذا الحرم وقال: من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه، فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه رأى غلاماً يصيد في الحرم فأخذ ثيابه، فجاء إليه أهله يطلبون منه أن يرد إليهم ثيابه، فقال: [ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم -يعني: المدينة- وقال: ) ؟ (من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه، فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه) ] يعني: أعطيكم ثمنه، أما الشيء الذي رخص له في أخذه فإنه يبقى له، وهذا يدلنا على أن الصيد وكذلك قطع الشجر لا يجوز في المدينة، وأن الجزاء هو السلب؛ لأنه لم يأت شيء يدل على أن المدينة صيدها يقوم، وأنه يكون ذا قيمة بالمماثلة أو بغير ذلك كما جاء بالنسبة لمكة، ولكن بالنسبة للمدينة يكون الجزاء هو السلب، وهذا هو الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم سواءً فيما يتعلق بالصيد أو فيما يتعلق بقطع الشجر. وهذا الحكم مستمر، ويمكن أن يعمل به الآن، لكن إذا كان يترتب على ذلك مفسدة وضرر فلا يقدم الإنسان عليه. تراجم رجال إسناد حديث: ( إن رسول الله حرم هذا الحرم وقال من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه...) قوله: [ حدثنا أبو سلمة ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير يعني: ابن حازم ]. جرير بن حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يعلى بن حكيم ]. يعلى بن حكيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن سليمان بن أبي عبد الله ]. سليمان بن أبي عبد الله هو مقبول، أخرج له أبو داود . [ رأيت سعد بن أبي وقاص ]. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه أخرجها أصحاب الكتب الستة.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث: (نهى رسول الله أن يقطع من شجر المدينة...) وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن مولى لسعد : (أن سعداً رضي الله عنه وجد عبيداً من عبيد المدينة يقطعون من شجر المدينة، فأخذ متاعهم وقال -يعني: لمواليهم-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى أن يقطع من شجر المدينة شيء، وقال: من قطع منه شيئاً فلمن أخذه سلبُه) ] . أورد أبو داود حديث سعد رضي الله عنه، وفيه: أن غلماناً كانوا يقطعون الشجر في المدينة فأخذ متاعهم، ولما جاء أولياؤهم يطالبون بها قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من قطع شيئاً فلمن أخذه سلبه) ] يعني: من وجد أحداً يفعل هذا الفعل فله سلبه ، والسلب هو أخذ ثيابه كما سبق أن مر في الحديث السابق قبل هذا. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح مولى التوأمة ] . صالح مولى التوأمة صدوق اختلط، أخرج أحاديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن مولى لسعد ]. مولى لسعد ، لم يذكر؛ لكن على كل جاء حديث في صحيح مسلم من طريق ابنه عامر بن سعد، وهو يدل على ما دل عليه هذا الحديث. [ أن سعداً ]. سعد رضي الله عنه مر ذكره. شرح حديث: (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله ولكن يهش هشاً رفيقاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان حدثنا محمد بن خالد أخبرني خارجة بن الحارث الجهني أخبرني أبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن يهش هشاً رفيقاً) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: [ (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يهش هشاً رفيقاً) ] هذا مثل الحديث الذي تقدم في الحمى وهو (لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل). قوله: (يعضد) يعني: يقطع. وقوله: (يخبط) يعني: كونه يضرب حتى يتساقط الورق. قوله: (ولكن يهش هشاً رفيقاً) يعني: يهش الشجر هشاً رفيقاً بحيث يتساقط الورق ولا ينقطع أغصان الشجر بسبب الخبط القوي؛ لأنه قد ينقطع الغصن بسبب الضرب الشديد، لكن إذا هش هشاً خفيفاً رفيقاً حصل المقصود الذي هو سقوط الورق، حتى تعلفه الإبل. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله ولكن يهش هشاً رفيقاً) قوله: [ حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان ]. محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان أخرج له أبو داود . [ حدثنا محمد بن خالد ]. محمد بن خالد مستور، بمعنى مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ أخبرني خارجة بن الحارث الجهني ]. خارجة بن الحارث الجهني وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود . [ أخبرني أبي ]. هو الحارث الجهني مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن رسول الله كان يأتي قباء ماشياً وراكباً ويصلي ركعتين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي قباء ماشياً وراكباً -زاد ابن نمير-: ويصلي ركعتين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء ماشياً وراكباً) ] يعني: كان أحياناً يأتي قباء راكباً وأحياناً ماشياً. قوله: (ويصلي ركعتين) هذا يدل على فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه، وأن زيارته لمن كان في المدينة ثابت من فعله صلى الله وسلم، وهذا هو فعله عليه الصلاة والسلام، وأيضاً ثابت من قوله عليه الصلاة والسلام حيث قال: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاةً كان كأجر عمرة) فهذا يدل على فضل قباء وفضل الصلاة فيه من قوله صلى الله عليه وسلم. والحديث الذي معنا يدل على ثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام. وجاء في بعض الأحاديث: (أنه كان يأتي قباء كل سبت). قوله: زاد ابن نمير : (ويصلي ركعتين) ]. يعني: جاء من طريق ابن نمير أنه كان يصلي فيه ركعتين، والحديث ثابت في الصحيحين أنه كان يزور قباء ماشياً وراكباً ويصلي فيه ركعتين. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يأتي قباء ماشياً وراكباً ويصلي ركعتين) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير ]. ابن نمير هو عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في زيارة القبور شرح حديث: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زيارة القبور. حدثنا محمد بن عوف حدثنا المقرئ حدثنا حيوة عن أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام). أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب زيارة القبور ] وهذه الترجمة لا توجد في كثير من نسخ أبي داود، وزيارة القبور تتعلق بكتاب الجنائز، وكتاب الجنائز كتاب مستقل سيأتي بعد عدة كتب، وإنما الموجود في أكثر النسخ ترجمة تحريم المدينة إلى آخر هذا الباب، وإنما المقصود من ذلك ذكر جملة من الأحاديث التي تتعلق بحرم المدينة. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) ] وهذا الحديث يدل على أن سلام المسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل إليه، ولكن ليس فيه دليل على أنه يسمع سلام المسلم، وإنما فيه دليل على أن الله يرد عليه روحه حتى يرد السلام، والسلام إنما يصل إليه عن طريق الملائكة الذين يبلغون الرسول صلى الله عليه وسلم السلام من قريب ومن بعيد، كما في الحديث: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام) ولهذا جاء عن علي بن الحسين رحمه الله: (أنه رأى رجلاً يأتي إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ألا أحدثك بحديث سمعته عن أبي عن جدي؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ثم قال: ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء. قوله: (تبلغني حيثما كنتم) يعني: بواسطة الملائكة. فالحديث ليس فيه نص على أن هذا خاص فيمن يسلم عليه عند قبره صلى الله عليه وسلم وأنه يسمعه، وإنما هو عام، والرسول صلى الله عليه وسلم يبلغه السلام بواسطة الملائكة سواء عن قرب أم بعد، سواء كان في مسجده وعند قبره أو في أي مكان من الأرض، وهذا يدخل فيه السلام والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله عليه روحي حتى أرد عليه السلام) قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ]. محمد بن عوف ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي . [ حدثنا المقرئ ]. هو عبد الله بن يزيد المقرئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حيوة ]. هو حيوة بن شريح المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صخر حميد بن زياد ]. أبو صخر حميد بن زياد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي ، والنسائي في مسند علي وابن ماجة. [ عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ]. يزيد بن عبد الله بن قسيط وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح قرأت على عبد الله بن نافع أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) ] يحتمل معنيين وكل منهما صحيح: يعني: لا يدفنون الموتى فيها؛ لأن الدفن في البيت من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الأنبياء يدفنون حيث يموتون) فدفن في بيته صلى الله عليه وسلم، والناس ليس لهم أن يدفنوا في بيوتهم وإنما يدفنون في المقابر. المعنى الثاني: أي: لا تجعلوها شبيهة بالمقابر التي هي ليست أماكن للصلاة، حيث تخلو من الصلاة ومن قراءة القرآن، والتعبد إلى الله عز وجل فيها، بل عليكم أن تأتوا بهذه العبادات فيها، وألا تجعلوها شبيهة بالمقابر التي ليست أماكن للصلاة. قوله: [ (ولا تتخذوا قبري عيداً) ] يعني: بتكرار الترداد عليه، ولهذا جاء بعده قوله: [ (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ] يعني: ليس الأمر مقصوراً على كونكم تأتون عند قبري، بل صلوا علي من أي مكان كنتم فيه؛ فإن صلاتكم تبلغني بواسطة الملائكة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام). تراجم رجال إسناد حديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ قرأت على عبد الله بن نافع ]. عبد الله بن نافع ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ أخبرني ابن أبي ذئب ]. ابن أبي ذئب مر ذكره. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. شرح حديث: (خرجنا مع رسول الله يريد قبور الشهداء...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حامد بن يحيى حدثنا محمد بن معن المدني أخبرني داود بن خالد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ربيعة -يعني: ابن الهدير - قال: ما سمعت طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً قط غير حديث واحد، قال: قلت: وما هو؟ قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد قبور الشهداء، حتى إذا أشرفنا على حرة واقم، فلما تدلينا منها وإذا قبور بمحنية، قال: قلنا: يا رسول الله! أقبور إخواننا هذه؟ قال: قبور أصحابنا، فلما جئنا قبور الشهداء قال: هذه قبور إخواننا) ]. أورد أبو داود حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه ذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبور شهداء أحد، وهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ومن معه الذين قتلوا في سبيل الله وهم يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ودفنوا هناك، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم. قوله: [ (فلما تدلينا وإذا قبور بمحنية) ]. محنية، يعني: في منعطف الوادي. قوله: [ (قال: قلنا: أقبور إخواننا هذه؟ قال: قبور أصحابنا) ] يعني: هؤلاء ليسوا هم الشهداء، ولكنهم غيرهم. قوله: [ (فلما جئنا قبور الشهداء قال: هذه قبور إخواننا) ] أي: الشهداء الذين استشهدوا في سبيل الله، وهم عمه حمزة رضي الله عنه ومن معه من الصحابة الذين قتلوا في سبيل الله وهم يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا الحديث يدل على قصد زيارة الشهداء والذهاب إليهم والدعاء لهم. تراجم رجال إسناد حديث: (خرجنا مع رسول الله يريد قبور الشهداء...) قوله: [ حدثنا حامد بن يحيى ]. حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا محمد بن معن المدني ]. محمد بن معن المدني وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ أخبرني داود بن خالد ]. داود بن خالد وهو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ]. ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربيعة يعني: ابن الهدير ]. ربيعة بن الهدير قيل: له رؤية، يعني: أنه صحابي، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري و أبو داود . [ قال: ما سمعت طلحة بن عبيد الله ]. طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن رسول الله أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها، فكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها، فكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك) ]. المقصود من ذلك أنه عند رجوعه من مكة كان ينزل بالبطحاء ويبيت بها ويصلي الفجر ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل المدينة ضحى، ولا يدخلها ليلاً ولا يطرق أهله ليلاً، وإنما يبيت في البطحاء، وهو الذي يقال له: المعرس، وسبق أن مر بنا حديث يتعلق بهذا في باب دخول مكة، وهو ليس له دخل بدخول مكة وإنما يتعلق بالمعرس, وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة عند خروجه حيث يحرم، وبعد ذلك يأتي وينزل بالمعرس، والحديث عن عبد الله بن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس). يعني: إذا خرج من المدينة إلى مكة كان يخرج من طريق الشجرة، يعني: من مسجد الشجرة، وإذا دخل، يعني: عندما يرجع إليها كان يدخل من طريق المعرس، وهو مكان في الوادي، قيل: إنه قريب من ذي الحليفة الذي هو الميقات. والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء ليلاً لا يدخل المدينة ليلاً وإنما يبيت ويصلي الفجر في البطحاء، وفي الضحى يدخل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وأحاديثه أخرجها أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن عبد الله بن عمر ]. نافع و ابن عمر قد مر ذكرهما. شرح أثر مالك: (لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعاً إلى المدينة...) وترجمة رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي قال: قال مالك : لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعاً إلى المدينة، حتى يصلي فيها ما بدا له؛ لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرس به ]. أورد المصنف رحمه الله أثراً عن مالك رحمة الله عليه أنه لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس؛ لأنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي إليه ويصلي به، ومعلوم كما مر في الحديث أنه كان لا يطرق أهله ليلاً بل كان يبيت ويصلي الفجر بالمعرس، وبعد ذلك يدخل إلى المدينة صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا القعنبي قال: قال مالك ]. مر ذكرهما. شرح أثر : (المعرس على ستة أميال من المدينة) وترجمة رجال إسناده [ قال: أبو داود سمعت محمد بن إسحاق المدني قال: المعرس على ستة أميال من المدينة ]. يعني: هذا أثر فيه بيان المعرس ومقدار المسافة بينه وبين المدينة وأنه على ستة أميال منها. ومحمد بن إسحاق المدني هذا هو المسيبي شيخ أبي داود وهو صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود. والمشهور بهذا الاسم هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي الذي يأتي ذكره كثيراً، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن ، ولكن المقصود بهذا المسيبي وهو شيخ أبي داود."
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [235] الحلقة (266) شرح سنن أبي داود [235] الأسئلة حكم سفر الولد لطلب الرزق دون إذن والديه السؤال: شاب في مقتبل عمره يعمل الآن في هذه البلاد، وقد غادر بلده وأهله غير راضين عنه، فيسأل يقول: إن الأبواب كلها مغلقة في وجهي فهل صحيح يا شيخ! أن رضا الوالدين ضروري من أجل توفيقي؟ وماذا أفعل حتى يرضيا عني، وجهوني جزاكم الله خيراً؟ الجواب: الإنسان يحرص على إرضاء الوالدين؛ لأن الوالدين حقهما كبير، وقد أوصى الله تعالى بحقهما وبالإحسان إليهما، وقرن ذلك بالأمر بعبادته، فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، فحق الوالدين عظيم، فعلى الإنسان أن يحرص على رضاهما، وعلى الإحسان إليهما والعطف عليهما، وعلى تطييب خاطرهما، لأن الوالد هو الذي جعله الله سبباً في وجود الولد، وهو الذي رباه، وهو الذي نشأه، وهو الذي أحسن إليه حتى بلغ مبلغ الرجال، فمن حقه عليه أن يكافئ الجميل بالجميل، والإحسان بالإحسان ولا يقابل الحسنة بالسيئة، وإنما يأتي بالحسنى، والله تعالى يقول: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، فمن أحسن يحسن إليه، ومن جازى بالمعروف كوفئ بالمعروف. وسفرك إذا كان من أجل أن تبحث عن الرزق، وأنك ما وجدت شيئاً في بلدك فأنت معذور، ولكن كان ينبغي عليك أن تطيب خاطر والديك باستئذانهما وإقناعهما، وبيان أنك بحاجة إلى أن تذهب وتسافر لتحصيل الرزق. كيفية التعامل مع من يسب الدين عند الخصومة السؤال: أنا في بلد يكثر فيه سب الدين نعوذ بالله، فماذا أفعل لو سُبَّ الدين أمامي؟ الجواب: ينبغي إذا وجد شيء من ذلك أن يبين خطورته، وأن الإنسان إذا حصل له غضب فلا يتجه إلى سب الدين، وإذا كان ولابد أن يسب فليتجه إلى غير الدين، فكون الإنسان يغضب من إنسان آخر ثم يسب الدين هذا سفه وقلة حياء، فالتوعية والتوجيه والنصح وبيان خطورة الأمر وما يترتب عليه هو الذي ينبغي أن يفعله الإنسان، وأما أن يعاقب أو يؤدب من يفعل ذلك فهو لا يملك هذا إلا أن يكون الذي حصل منه ذلك القول هو ممن هم تحت يده كأولاده، فله أن يؤدبهم وأن يزجرهم، لأنه صاحب يد عليهم، وأما إذا كان غير ذلك فما معه إلا النصح والتحذير من هذا الأمر. حكم ترك السلام على الجالسين في المقاهي للهو مع تركهم للصلاة السؤال: هل يترك الإنسان إلقاء السلام على الجالسين في المقاهي يشربون الدخان والشيشة ويلعبون بالورق والمؤذن ينادي؟ الجواب: إذا كان السلام معه نصح فهذا شيء طيب، فقبل أن ينصحهم يسلم ثم ينصحهم، وأما كونه يسلم عليهم ويمشي دون أن ينصح فلا، فإذا لم ينصحهم فعليه أن يعرض عنهم؛ لأنه إذا سلم عليهم ولم ينصحهم فمعنى ذلك أنهم لم يفعلوا شيئاً يستحقون أن ينبهوا عليه. حكم الإحرام بالعمرة من جدة لمن كان يعمل فيها السؤال: إذا ذهبت إلى جدة للعمل فهل يجوز لي أن أحرم منها في أي وقت؟ الجواب: إذا كان الإنسان سيسكن في جدة ويعمل فيها فحكمه كحكم أهل جدة، فيحرم من جدة كما يحرم أهل جدة. حكم الصلاة في ثوب به دم السؤال: ما حكم من صلى وبثوبه دم إنسان أو دم طير؟ الجواب: وجود النجاسة في ثوب الإنسان إذا لم يُعلم به إلا بعد فراغ الصلاة لا يؤثر، سواءٌ أكانت دماً أم بولاً أم أي شيء آخر من أنواع النجاسات، فما دام أنه لم يعلم إلا بعد الصلاة فإن صلاته تكون صحيحة ولا يلزمه أن يعيدها، فقد ثبت في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس صلاة، فجاءه جبريل وأخبره أن نعليه فيهما شيءٌ من الأذى، فخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو في الصلاة، فخلع الصحابة نعالهم، ولما فرغ قال: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك فعلت ففعلنا، فقال: إن جبريل جاءني وقال: كذا وكذا). فكونه صلى الله عليه وسلم خلع وأتم الصلاة يدل على صحة الصلاة؛ لأنه لم يعد ما مضى ولم يستأنف الصلاة من جديد بل أتم، وأزال ذلك الشيء الذي نبه عليه، فكذلك الإنسان إذا كان في الصلاة وعلم وهو في الصلاة أن هناك نجاسة في غترته أو في مشلحه أو ردائه أو في شيء يستطيع أن يتخلص منه فإنه يتخلص ويتم الصلاة، وإذا كان لا يتأتى له ذلك إلا بأن تظهر عورته فإنه يقطع الصلاة ويذهب يزيل النجاسة، أو يلبس ثوباً يستر به عورته ويصلي، فهذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد انتهاء الصلاة فإن صلاته صحيحة. حكم الاكتفاء بتطهير البول بالماء دون الصابون السؤال: من وقع على جسده شيء من البول فهل يكفيه الغسل بالماء أم لابد من الصابون؟ الجواب: يكفيه الماء ولا يلزم الناس بالصابون، ومَن ذا الذي يكون معهم الصابون في كل مكان وفي كل زمان؟! فالغسل إنما هو بالماء. حكم انتقاض الوضوء أثناء الطواف السؤال: من انتقض وضوؤه في الطواف وذهب ليتوضأ فهل يبدأ من جديد أم يبني على ما مضى من طوافه؟ الجواب: يستأنف من جديد؛ لأن الطواف مثل الصلاة، والإنسان لو انتقض وضوؤه في الصلاة فإنه يتوضأ ويستأنفها، فكذلك يستأنف الطواف. حكم تعليق الحاج صورته على صدره خشية أن يضيع السؤال: نرى بعض الحجاج يعلق صورته على صدره حتى لا يضيع، فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يصلح هذا، وينبغي عليه أن يخفيها، وهو لو ضاع فهي موجودة معه، سواءٌ أكانت ظاهرة أم خفية، فالذي ينبغي له أن يخفيها في جيبه، وأما أن تكون بارزة فهذا لا يصلح. حكم قص الأظافر وحلق الشعر في عشر ذي الحجة للمهدي والمتمتع السؤال: من أراد أن يهدي هل يلزمه ألا يقص أظافره، ولا يحلق شعره، ولا يتطيب خلال عشر ذي الحجة؟ وهل من كان متمتعاً له نفس الحكم؟ الجواب: إن كان المقصود بمن عليه الهدي من كان متمتعاً وعليه هدي فمثل هذا لا يمتنع من شيء بعد دخول العشر، والذي يمتنع بدخول العشر هو الذي يريد أن يضحي، وأما من كان متمتعاً فإنما يمتنع عند الإحرام عن ذلك، وأما قبل الإحرام فلا مانع ولو كان في عشر ذي الحجة، ولكن الذي يريد أن يضحي هو الذي لا يأخذ شيئاً من شعره، سواءٌ أراد الحج أو لم يرده، فإذا دخلت عشر ذي الحجة فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي. حكم من سلم قبل الإمام ناسياً ثم سلم بعده السؤال: مؤتم سلم قبل الإمام ناسياً ثم رجع مع الإمام وسلم التسليمة الثانية بعد الإمام، فما حكمه؟ الجواب: ما دام أنه أخطأ ثم رجع إلى الصواب وسلم بعد الإمام فليس عليه شيء. حكم اغتسال الحاج والمعتمر في المدينة وإحرامه عند الميقات السؤال: هل يمكن للحاج أو المعتمر أن يغتسل في المدينة ثم يحرم عند الميقات؟ الجواب: نعم يمكن له ذلك، وقد يكون هذا أستر له وأوسع وأهيأ، فالناس عندهم الماء في مساكنهم، وعندهم الاستعداد براحة وطمأنينة في مساكنهم في المدينة، فيفعلون هذا سواءٌ أكان السفر عن طريق الطائرة أو عن طريق السيارات، فيتجرد من ثيابه، ويقص شاربه، ويقلم أظفاره، ويحلق عانته، وينتف إبطيه، ولا يتعرض لراسه؛ لأنه سيحتاج إليه بالحلق أو التقصير، ولا يجوز له أن يتعرض للحية أبداً لا عند الإحرام ولا في أي زمان أو مكان؛ لأن إعفاءها واجب وحلقها حرام، وإذا استعد وتهيأ ولبس الإزار والرداء فإن كان سفره بالطائرات فإنه إذا ركب الطائرة وتحركت للإقلاع ينوي ويلبي؛ لأن الطائرة إذا طارت تتجاوز الميقات بسرعة، وإذا كان السفر بالسيارات فإنه إذا حاذى الميقات وأراد أن يواصل فإنه ينوي ويلبي عند محاذاة المسجد، وإن أراد أن ينزل إلى المسجد الذي في ذي الحليفة أو يصلي فيه ثم يحرم بعد ذلك فله ذلك. حكم قول: (أبي في الله) و ( أمي في الله) السؤال: ما حكم قولي: (أبي في الله) خاصة إذا كان له فضل علي بالإنفاق والتربية ونحو ذلك، وكذلك: (أمي في الله)، وهما ليسا كذلك في الحقيقة؟ الجواب: الأخوة في الله هي الكائنة شرعاً، وأما الأبوة أو الأمومة فليس هناك شيء يدل على هذا ويقتضيه، لكن للكبير أن يقول للصغير: (يا بني) وإن لم يكن ابنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنس بن مالك (يا بني)، وهذا من اللطف ومن المعاملة الحسنة للصغير، وكذلك للصغير أن يقول للكبير: (يا عم) وإن لم يكن عمه من النسب، كما جاء عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوم بدر أنه قال: كان عن يميني وعن شمالي شابان من الأنصار، فالتفت إلي أحدهما وقال: يا عم! أتعرف أبا جهل ؟ قلت: وماذا تريد؟ قال: إنه كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فقال هنا: مخاطباً عبد الرحمن بن عوف (يا عم)، وعبد الرحمن بن عوف من المهاجرين، وهذان الشابان من الأنصار، فقول الصغير للكبير: (يا عم) وقول الكبير للصغير: (يا بني) سائغ. حكم من بدأ السعي بالمروة ثم أسقط شوط الابتداء بها السؤال: شخص بدأ السعي من المروة، ثم لما كان في الشوط الرابع ذكر وعلم أنه لابد من أن يبتدئ من الصفا، فأسقط الشوط الأول وأكمل سعيه ثم انتهى بالمروة، فصار سعيه ثمانية أشواط، فما حكم هذا العمل؟ الجواب: هذا هو العمل الصحيح، فما دام أنه بدأ بالمروة وأخبر بأن البدء بها لا يجوز فأسقط ذلك الشوط ولم يعتبره وألغاه، واعتبر البدء بالصفا والختم بالمروة ما دام صنع كذلك فإنه قد عمل العمل الصحيح، وليس أمامه إلا هذا. زمن ابتداء أذكار الصباح والمساء وحكم قضائها السؤال: متى يبدأ وقت أذكار الصباح والمساء، وهل تقضى هذه الأذكار؟ الجواب: الصباح -كما هو معلوم- يبدأ من طلوع الفجر، والمساء يبدأ بعد الزوال، وينبغي أن يأتي بأذكار الصباح بعد الفجر، ويأتي بأذكار المساء آخر النهار، وكذلك تجوز قراءتها بعد المغرب؛ لأنه داخل في المساء أيضاً. وأما قضاؤها فكما هو معلوم أنها سنة يفوت محلها. حكم حج المرأة مع أقاربها من غير المحارم السؤال: امرأة عجوز تريد الحج مع بعض أقاربها وهم ليسوا محارم لها، علماً أنها أتت مع زوجها فأصيب بحادث، فهل لها أن تحج؟ الجواب: إذا كانت سافرت ومعها زوجها ثم حصل له حادث فيمكن أن تكمل الحج، وأما أن تبدأ وتنشيء السفر مع أجانب فلا يجوز لها، ولا يجب عليها الحج إذا لم يوجد لها محرم. حكم الذهاب إلى الأماكن التاريخيه للعظة والعبرة السؤال: هل يجوز الذهاب إلى الأماكن التاريخية بقصد الاعتبار، وعملاً بقوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ [الأنعام:11]؟ الجواب: بعض الأماكن التي هي تاريخية ويقولون عنها: إنها تاريخية وإنها آثار لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصدها، وإذا مر بها أسرع، فعندما مر بوادي محسر أسرع، وأيضاً ديار ثمود لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصدها، ولما ذهب إلى تبوك ومر بها أسرع وقنع رأسه صلى الله عليه وسلم حتى تجاوزها، فلا ينبغي للإنسان أن يسافر من أجل أن يطلع على ديار ثمود -مثلاً- وما إلى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسافر إليها، ولم يرشد إلى السفر إليها، ولما مر بها وهو في طريقه إلى تبوك أسرع إسراعاً شديداً حتى تجاوزها صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() مضاعفة الصلاة في بيت المقدس السؤال: كم تضاعف الصلاة في بيت المقدس؟ الجواب: ورد حديث أنها بخمسمائة صلاة فيما سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي. ما تصنعه المرأة إذا جاءها الحيض قبل الإحرام بالعمرة السؤال: جئت للحج ومعي زوجتي فأردنا أن ننطلق من المدينة إلى مكة لأداء العمرة -لأننا متمتعين- إلا أن زوجتي جاءتها الدورة، فكيف تصنع؟ الجواب: تستعد للإحرام وهي حائض، فتغتسل وتلبس الثياب وتنوي العمرة من الميقات وتلبي، وإذا وصلت مكة لا تدخل المسجد حتى تطهر، فإذا طهرت اغتسلت ثم تدخل وتطوف وتسعى وتقصر، وبذلك انتهت عمرتها، فلها أن تحرم وهي حائض ولا بأس بذلك، ولكنها لا تدخل المسجد حتى تطهر. حكم اعتبار أرض الجامعة الإسلامية وحي الفيصلية من الحرم المدني السؤال: هل الجامعة الإسلامية وحي الفيصلية من الحرم؟ الجواب: هذا ليس أمراً واضحاً، فليسا من الحل البين ولا من الحرم البين، والاحتياط للإنسان أن يعاملهما معاملة الحرم، وفي الحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيراً من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه). حكم تسمية مباني الجامعات وأراضيها بالحرم الجامعي السؤال: ما حكم تسمية الجامعة ومساكنها بالحرم الجامعي؟ الجواب: ليس بجيد أن يقال: الحرم الجامعي، إلا إذا كان المقصود به الحريم، مثل حريم البئر، فالبئر لها حريم يلحق بها إذا كانت قديمة وإذا كانت جديدة. وأما أن تكون التسمية بمعنى التحريم الذي حصل لمكة والمدينة فهذا لا يصلح. معنى المخيط الذي لا يجوز للمحرم لبسه السؤال: ما هي ضوابط المخيط الذي لا يجوز لبسه للمحرم؟ الجواب: المخيط مثل الثوب والطاقية والفنيلة والسراويل والجوارب، وسواءٌ أكانت الجوارب مخيطة أم غير مخيطة، فما دام أنها مُحيطة بالرجْل فإنها تمنع ولو لم تخط كأن تكون حيكت حياكة بدون خياطة، فإنه لا يجوز لبسها؛ لأنها محيطة بالعضو وهو الرجل، وكذلك فيما يتعلق باليدين، فلا يجوز للمحرم أن يستعمل القفازين. حكم الصلاة بين السواري السؤال: ما حكم الصلاة بين السواري؟ الجواب: الصلاة بين السواري إذا احتيج إليها بأن امتلأت الصفوف التي قبل السواري وبعدها فإنه يجوز أن يصلى بينها، لكن لا يصلي مجموعة بين الساريتين، وإذا كان المسجد لم يمتلئ فليس للإنسان أن يصلي بين السواري، بل يأتي إلى الكاملة الممتدة المتصلة التي لا تفصلها سواري ولا تقطعها فيصلي فيها. حكم الطواف مع وجود غلبة الظن بخروج الريح السؤال: كنت معتمراً في أواخر رمضان وفي أثناء الطواف غلب على ظني أنه قد خرج مني الريح، فأردت أن أخرج من المسجد للوضوء، لكن كان الزحام شديداً فمضيت في الطواف، فما حكم طوافي هذا؟ الجواب: إذا لم يتحقق المرء خروج الريح منه بأن يشم الرائحة أو يسمع صوتاً فلا يلزمه أن ينصرف، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يخيّل إليه أنه يجد شيئاً في الصلاة فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، وبما أنه لم يتحقق فالأصل الطهارة. موت العلماء من علامات الساعة السؤال: هل موت العلماء من علامات الساعة؟ الجواب: لا شك أن موت العلماء نقص كبير على المسلمين، وفقد العلماء فقد للعلم الذي معهم، وأما كون موتهم من علامات الساعة فقد ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا). وهذا لا شك دليل على أن موت العلماء من علامات الساعة، فرفع العلم -كما هو معلوم- إنما يكون بذهاب حملته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه، ولكن يقبض العلم بموت العلماء)، والحديث هذا يدل على أن موتهم من أشراط الساعة. حكم تقديم الحاج فدية عما يصدر منه من خطأ دون قصد السؤال: هل يمكن للحاج أن يقدم فدية واحدة عن كل ما يمكن أن يصدر عنه من خطأ أو تجاوز دون قصد؟ الجواب: لا يصلح هذا العمل، فالفدية إنما هي إذا وجد الخطأ الذي يستوجب الفدية، فيأتي بفدية تقابله، ولا يأت بها إذا لم تدع إليها حاجة، فإذا وجد الخطأ فإنه يأتي بالفدية التي حُدَّدت لهذا الخطأ الذي حصل منه. جزاء صيد الحرم وقطع شجره السؤال: من صاد صيداً في الحرم أو قطع شجراً فهل عليه جزاء معين أو كفارة؟ الجواب: بالنسبة للمدينة لا نعلم إلا أن الإنسان يستغفر الله عز وجل ويتوب إليه من هذا الخطأ والمعصية التي حصلت منه، وأما بالنسبة لمكة فالكفارة المثل فيما له مثل، وهناك ما ليس له مثل فبالقيمة. حكم استئجار الفنادق للرافضة السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من أوى محدثاً) هل يدخل فيه استئجار الفنادق للرافضة؟ الجواب: من كان ذا بدعة وأمور محدثة في الدين فليس للإنسان أن يُسكنه عنده. حكم إدخال الدش إلى المدينة المنورة السؤال: هل من يدخل الدش إلى المدينة المنورة يكون ممن أحدث فيها أو آوى محدثاً؟ الجواب: لا شك أن فاعل ذلك قد ارتكب أمراً خطيراً عظيماً، فإدخال الدش أمر خطر في أي مكان، وإدخاله إلى الحرمين أخطر؛ لأن الدشات تأتي بقاذورات، وأوساخ العالم كلها. حكم جعل الوكيل في الحج عمرته عن نفسه وحجه عن موكله السؤال: رجل جاء ليحج عن أبيه بعد أن حج عن أمه سابقاً، فهل يمكن أن يؤدي عمرة عن نفسه هو ويجعل الحج عن أبيه؟ الجواب: يمكن للإنسان المتمتع أن يجعل العمرة له والحج لغيره، أو العكس. حكم صيام المتمتع العاجز عن الهدي بمكة قبل الحج السؤال: شخص يريد الحج متمتعاً، فهل له أن يصوم بمكة الثلاثة الأيام قبل الحج إذا كان ليس عنده مال لشراء الهدي؟ الجواب: نعم له ذلك، ولكن يكون صيام هذه الأيام قريبة من الحج، فتكون في السادس والسابع والثامن، أي: قبل يوم عرفة. حكم تقديم سعي الحج على الطواف السؤال: هل يجوز تقديم سعي الحج على الطواف؟ الجواب: على الإنسان أنه يأتي بالطواف قبل الحج وقبل السعي، ولكن لو حصل أنه قدم السعي على الطواف لصح، لكن في الاختيار ينبغي أن يبدأ بالطواف ويختم بالسعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله سائل يوم النحر فقال: سعيت قبل أن أطوف قال: (لا حرج). حكم سعي المفرد قبل الوقوف بعرفة السؤال: رجل سيحج مفرداً، ويريد أن يسعى قبل الوقوف بعرفة، فما حكم فعله؟ الجواب: المفرد يسعى بعد طواف القدوم، فإذا وصل الإنسان مكة طاف طواف القدوم وسعى بين الصفا والمروة، ولا يسعى بعد الحج؛ لأن المفرد والقارن عليهما سعي واحد، ولسعيهما محلان: محل بعد القدوم ومحل بعد الإفاضة، فإن فعله في المحل الأول -أي: بعد القدوم- لا يفعله في المحل الثاني بعد الإفاضة، وإن لم يفعله في المحل الأول -بعد القدوم- تعين عليه أن يفعله بعد الإفاضة، لكن الأولى للإنسان أن يكون متمتعاً لا أن يكون مفرداً؛ لأنه أفضل وأكمل. حكم دفع فدية لبس المرأة القفاز لستة مساكين بعد الرجوع من الحج السؤال: هل يجوز إطعام ستة مساكين فدية لبس القفاز للمرأة بعد الرجوع من الحج؟ الجواب: الهدي والإطعام يكونان بمكة، والفدية تكون بمكة. ما يفعل عن الصغير حال الحج به السؤال: طفل عمره ثلاث سنوات ونوينا له الحج معنا، ولبس ملابس الإحرام، فهل نلبي عنه أو نقول عنه شيئاً أثناء تأدية المناسك؟ الجواب: تنوون عنه الإحرام وأنه دخل في النسك، وترمون عنه الجمار، ويكون موجوداً معكم في باقي المناسك، ففي عرفة يقف معكم، وفي مزدلفة يبيت معكم، وفي منى يكون معكم، وفي الطواف يطوف معكم، وفي السعي يسعى معكم، وفي الرمي ترمون عنه. حدود المدينة من جهة الشرق والغرب السؤال: ذكرت حدود الحرم في المدينة من الشمال إلى الجنوب، فما هي الحدود من الشرق والغرب؟ الجواب: لا نعلم ذلك بالتحديد، لكن ما بين الحرتين جاء به الحديث من جهة الشرق والغرب، وأما ما بينهما فيشك في أنه حرام. والله أعلم. كيفية تقدير زكاة عروض التجارة السؤال: لي محل أقمشة فهل تقدر زكاته من ثمن الشراء أو من ثمن البيع؟ الجواب: تقدر القيمة بالثمن وقت حلول الزكاة، فتقوم السلع بالسعر، ولا ينظر إلى ثمن الشراء، وإنما ينظر إلى قيمتها وقت حلول الزكاة. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين."
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [236] الحلقة (267) شرح سنن أبي داود [236] الزواج أمره عظيم، وقد رغب فيه الشرع وحض عليه في حق القادر عليه، ولكون المقصد الأولي منه هو النسل فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج بالولود من النساء، ولكي تدوم العشرة بين الزوجين رغب صلى الله عليه وسلم في نكاح ذات الدين وأمر بالظفر بها دون سائر النساء، كما حث على نكاح الأبكار، وليس هذا إلا عناية من الإسلام بهذا الباب العظيم. التحريض على النكاح شرح حديث (من استطاع منكم الباءة فليتزوج) قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب النكاح. باب التحريض على النكاح. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أنه قال: إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بمنى إذ لقيه عثمان رضي الله عنه فاستخلاه، فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة قال لي: تعال يا علقمة . فجئت فقال له عثمان : ألا نزوجك يا أبا عبد الرحمن! بجارية بكر لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد؟ فقال عبد الله : لئن قلت ذاك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) ]. قوله: [ كتاب النكاح ] النكاح في اللغة: هو الضم والتداخل، يقال: تناكحت الأشجار إذا تداخلت وانضم بعضها إلى بعض، وفي الاصطلاح: هو عقد بين زوجين يحل به الوطء، والوطء شرعاً لا يجوز إلا بأحد طريقين: أحدهما: الزواج، والثاني: ملك اليمين، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [ المؤمنون:5-7 ]، فالذي شرعه الله عز وجل في ذلك أمران اثنان لا ثالث لهما، وهما الزواج وملك اليمين، وما سوى ذلك فهو من العدوان، وهو من الخروج عن الحق إلى ما سواه. وعقد المصنف رحمه الله باب التحريض على النكاح، والتحريض: هو الحث عليه والترغيب فيه، وأورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء). والحديث حدث به عبد الله بن مسعود بمناسبة ذكرت في الحديث، وهي أن علقمة بن قيس النخعي قال: كنت أمشي مع عبد الله بن مسعود فدعاه عثمان في منى واستخلاه، يعني: خلا به فلم يكن معهما ثالث، فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة دعا علقمة فجاء وجلس معهما، وقال عثمان رضي الله عنه لعبد الله : [ يا أبا عبد الرحمن ! ألا نزوجك بجارية بكر لعله يرجع إليى من نفسك ما كنت تعهد؟! -يعني: من النشاط- فقال: لئن قلت ذاك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) ]. وهذا الذي ذكره علقمة مما حصل بين عثمان و ابن مسعود من الخلوة والانفراد والتحدث ثم قال: [ فلما رأى أن ليس له حاجة ] جاء في بعض الشروح أنَّ معناه: أنه ليس له حاجة في النكاح، وليس هناك شيء من الروايات يدل على هذا المعنى، والذي يظهر هو خلاف ذلك، وهو أنه لما رأى أن الكلام الذي بينهما قد انتهى ولم يبق هناك حديث يكون سراً بينهما دعا علقمة ليجلس بينهما؛ لأن المقصود من الانفراد قد انتهى، فلم يكن هناك حاجة إلى أن يبقيا منفردين، فدعا علقمة فجاء وجلس معهما، وبعد جلوسه معهما قال عثمان رضي الله عنه لعبد الله بن مسعود -وهو أبو عبد الرحمن -: يا أبا عبد الرحمن ! ألا نزوجك بكراً لعله يرجع إليك ما كنت تعهد من نفسك؟ ثم إن عبد الله حدث بالحديث بهذه المناسبة. يقول العلماء في علم المصطلح: إن الحديث إذا كانت له قصة فإنها تدل على ضبط الراوي، فالراوي ضبط الحديث وضبط معه القصة التي كانت فيه، فعلقمة ضبط القصة وحدث بالمناسبة التي جرت وحصلت وعلى أثرها جاء التحديث بالحديث، فهذا من الأمور التي تدل على ضبط الراوي لما رواه. ومثله قول ابن عمر رضي الله عنه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، فكونه يتذكر الهيئة التي حدثه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عليها -وهي وضع يده على منكبه- يدل على ضبطه للحديث. سبب توجيه الخطاب إلى الشباب في الزواج قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب) خطاب موجه للشباب، والسبب في ذلك أنهم عندهم القوة والنشاط والدوافع التي تدفعهم إلى ذلك، فكان الخطاب موجهاً إليهم بأنَّ عليهم أن يتزوجوا متى قدروا على ذلك ومتى تمكنوا منه. قوله: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج): الباءة: هي النكاح وما يلزم له، وذلك بأن يكون عنده قدرة على أن يقضي شهوته بالزواج، فمن كان عنده قدرة على النكاح وعلى الزواج فعليه المبادرة إلى ذلك ولا يتخلف؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام حث ورغب وحرض على الزواج، وبعض الناس من الشباب أو الشابات قد يتعذرون في بعض الأحوال بأن الزواج قد يؤخرهم أو يكون سبباً في التأخر في الدراسة، فيترك أحدهم الزواج حتى يفرغ من الدراسة، وهذا ليس بصحيح، بل قد يكون الزواج سبباً من أسباب القوة والنشاط في الدراسة، وذلك لأنه يصرفك عن التفكيرات التي كنت تفكر بها فيما يتعلق بالزواج، فيكون عنده الإحصان والعفة، وعنده غض البصر، فيكون ذلك من أسباب نشاطه وقوته في الدراسة، وأما بالنسبة للشابات فإنه قد يكون الأمر في حقهن أخطر فيما يتعلق بالتأخير؛ لأن الفتاة إذا كانت في سن الشباب وفي السن الذي يطلب فيه زواجها ويرغب الشباب والرجال فيها ثم تأخرت عن ذلك وردت الكفؤ لأجل أن تكمل الدراسة فإنها قد تجلب على نفسها خسارة فادحة وخسارة عظيمة، وهي أنها تنصرف الرغبة عنها؛ لأنها تقدمت بها السن، ولأنها مضى عليها وقت ولم تتزوج، والوقت الذي يرغب فيها فيه قد فوتته على نفسها، فعند ذلك تضطر إلى أن تتزوج من شخص لا يكون محل رغبة عندها؛ لأنها فوتت الفرصة على نفسها، فتصبح ضرة شريكة بعد أن كان بإمكانها أن تنفرد بزوج، فترتب على ذلك حصول أضرار لها. فالحاصل أن المبادرة إلى الزواج مطلوبة، فالشاب عليه أن يبادر إلى الزواج متى استطاع إليه سبيلاً، والفتاة إذا تقدم لها كفؤ فإن عليها المبادرة إلى الزواج وعدم التأخير. فوائد الزواج لقد بين عليه الصلاة والسلام شيئاً من الحكم والأسرار والفوائد التي تترتب على النكاح، ومن ذلك غض البصر، فالرجل المتزوج يغض بصره عن النساء، والمرأة المتزوجة تغض بصرها عن الرجال؛ لأنه قد حصل الاستغناء والاكتفاء والإعفاف، وكل قد عف الآخر وأحسن إليه، فترتب على ذلك غض البصر عن النظر إلى ما لا يحل. قوله: (وأحصن للفرج) يعني: أن الإنسان يحصل له بالزواج عفة وإحصان الفرج؛ وذلك قضاء الشهوة وقضاء الوطر، فيكون بذلك قد ظفر بمطلوبه على الوجه المشروع، وسلم من أن يتعرض لأمر محرم، سواءٌ أكان وسيلة أم غاية، فالوسيلة المحرمة هي النظر، كما في الحديث: (العين تزني وزناها النظر) والغاية المحرمة الوقوع في الفاحشة والعياذ بالله. العلاج عند عدم القدرة على الزواج لما حث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ورغب على الزواج والمبادرة إليه لمن قدر عليه أرشد بعد ذلك عليه الصلاة والسلام إلى العلاج لمن لم يقدر على ذلك، فأرشد إلى الصيام؛ لأن الصيام تضعف به القوة والنشاط والرغبة في الجماع، وأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الصيام لأن فيه عبادة وقربة، وفيه حمية من الوقوع في المحذور وحصول الضرر الذي يحصل بقوة الشهوة مع عدم القدرة عليها، فالطريق الصحيح والطريق الشرعي الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو الصيام، فقال: (ومن لم يستطع فعليه فعليه بالصوم) ]، ففيه ترغيب وحث على الصوم لمن لم يستطع الزواج؛ لأنه يحصل بذلك ضعف شهوته وضعف قوته، فتحصل الفائدة الكبيرة من وراء ذلك. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين عظم فائدة الصيام في حق الشاب الذي لا يستطيع الزواج، فقال: (فإنه له وجاء) أي: هو بمثابة الخصاء، والوجاء قيل: هو رض الخصيتين، أي: أنهما لا يستفاد منهما ولا يحصل بسببهما رغبة في النساء، فهو قاطع ومضعف للشهوة، ويكون بمثابة الخصاء الذي يجعل الإنسان لا رغبة له في النساء. فهذا هو المسلك والسبيل الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للتخلص من ذلك الضرر والبلاء الذي قد يحصل للإنسان نتيجة لقوة الشهوة من الاندفاع إلى المحذور والمحرم. مشروعية المخاطبة بالكنى في هذا الحديث أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه خاطب عبد الله بن مسعود بكنيته، وهذا يدل على أن المخاطبة بالكنى صحيحة، وهي أدب كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يخاطب أصحابه بكناهم، وكان الصحابة يكني بعضهم بعضاً في مخاطبتهم، وهو من الآداب الحسنة والأخلاق الكريمة، وهو يؤدي إلى الألفة والمودة، فكون الرجل يخاطب بكنيته هو من الأمور المألوفة التي جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليها أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه ذلك في أحاديث كثيرة، كان يخاطب أصحابه بكناهم، وأمثلته لا تحصى. تراجم رجال إسناد حديث (من استطاع منكم الباءة فيلتزوج) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم ين يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. هل وافق ابن مسعود على الزواج إن هذا الذي عرضه عثمان رضي الله عنه على عبد الله بن مسعود يبين ما يدل على الترغيب فيه، لكن لا نعلم هل وافقه ابن مسعود وافقه على ذلك، فليس هناك ما يدل عليه، وقد كان ابن مسعود من الشباب في وقت مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، والكلام بينه وبين عثمان كان في خلافة عثمان رضي الله عنه، و عثمان رضي الله عنه تولى الخلافة سنة ثلاث وعشرين، ومكث في الخلافة اثنتي عشرة سنة، حيث توفي سنة خمس وثلاثين، و ابن مسعود رضي الله عنه توفي في خلافة عثمان في سنة اثنتين وثلاثين، فمعنى ذلك أن الكلام كان في الفترة التي هي بين ثلاث وعشرين واثنتين وثلاثين. وهنا مسألة وهي: هل لفظ النكاح يطلق على الوطء أو على العقد؟ الجواب: النكاح قيل: إنه يطلق على العقد، وقيل: إنه يطلق على الوطء، وقيل: إنه مشترك بينهما. فمن العلماء من قال: إنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء، ومنهم من عكس، والذين يقولون: إن اللغة ليس فيها مجاز يقولون: إنه يطلق كثيراً على كذا ويطلق قليلاً على كذا، وكله إطلاق لغوي صحيح. ومنهم من قال: إنه يطلق بالاشتراك، فهو لفظ واحد يطلق على هذا وعلى هذا، كما يطلق لفظ القرء على الطهر والحيض، وكما يطلق لفظ (عسس) على أقبل وأدبر، وهي من الألفاظ المتضادة، وكما يطلق اسم العين على العين الجارية والعين الباصرة وعلى النقد، فهذا يسمونه مشتركاً لفظياً. وقد رجح بعض أهل العلم أنه حقيقة في العقد، وقال: إنه لم يأت في القرآن إلا بمعنى بالعقد غالباً، وقد جاء بمعنى الوطء في آية، وهي قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [ البقرة:230 ]. وقالوا: إن الذي جاء في السنة من تفسير النكاح بأن المقصود به ذوق العسيلة إنما هو زيادة إيضاح وبيان على العقد، وإلا فإن العقد موجود، ولكن بينت السنة أنه لا يتم حلها للأول إلا إذا وطئها الثاني، وأن مجرد العقد لا يكفي، بل لابد من أن تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم من قال: إنه حقيقة في الوطء؛ لأنه هو الذي يكون به المقصود، وبه حصول الغاية وحصول المطلوب. وقد ترجم الإمام أبو داود للباب فقال: باب التحريض على النكاح، والتحريض هو الحث، ولم يذكر له حكماً من الأحكام التكليفية الخمسة، والعلماء على أن الزواج إنما هو من الأمور المستحبة، وبعض أهل العلم قال: إنه يجب إذا خاف العنت، وأما إذا لم يخف العنت فإنه لا يجب عليه. وكثير من أهل العلم يقولون: إنه لا يجب عليه ولو خاف العنت، ويعتبرونه مستحباً. وقول علقمة : (إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى) يمكن أن يكون في الموسم، لكن هذا يكون بعد التحلل الأخير، فبعد التحلل الأخير يحل للمحرم كل شيء حرم عليه بالإحرام، ومعلوم أن الحاج إذا رمى في يوم العيد وحلق وطاف وسعى إذا كان عليه سعي فإنه بعد ذلك يجامع ولو كان في منى. قول علقمة في حديثه: (فاستخلاه) يقصد عثمان مع عبد الله بن مسعود ، وقد جاء النهي عن تناجي اثنين دون الثالث، ومعلوم أنهما لم يكونا جالسين وإنما كانا يمشيان فدعاه عثمان ، وهذا بخلاف ما لو كانا جالسين فيتناجى اثنان دون الثالث؛ لأن ذلك يشق عليه، لكن كانا يمشيان فإنه يختلف عن أن يكونا جالسين. ومعنى قول عثمان لعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما: (لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد) أي: النشاط الذي كان في شبابه، أي: لعله ينشط إذا رأى الشابة ورأى الجارية، فينشط ويعود إلى نشاطه الأول الذي كان يعرف، وهذا يدل على أنه قال له ذلك وهو ليس بشاب؛ لأنه قال: (ما كنت تعهد) يعني: في حال شبابك، فالكلام كان مع كبير وليس مع شاب، ولهذا قال: (لعله يرجع إليك ما كنت تعهد من نفسك). وهذا يدل على أنه لا يعاب الزواج في الكبر، فسويد بن غفلة تزوج وهو فوق المائة، ولكن يتزوج بامرأة بينه وبينها سنوات، لا أن تكون صغيرة، بل تكون امرأة قد انقطع منها النسل أو أنها تنجب لكن تكون كبيرة في العمر. الحث على الزواج بذات الدين شرح حديث (تنكح المرأة لأربع...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين. حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد - قال: حدثني عبيد الله قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (تنكح النساء لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين ]، أي: أن الإنسان يتزوج ذات الدين؛ لأن هذا هو المهم في الأمر، فالأمور الأخرى إذا جاءت مع عدم الدين فلا تكون فائدتها كبيرة، فالمهم هو الدين، وما جاء مع الدين فهو خير وبركة، وإذا وجد الفسق مع وجود الصفات الأخرى فإن هذا خلل كبير ونقص عظيم. وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (تنكح النساء لأربع: لجمالها، ولحسبها، ولمالها، ولدينها) ] هذا إخبار عن الأمور التي تدفع إلى الزواج؛ لأن الجمال من الدوافع، والمال من الدوافع، والحسب من الدوافع، والدين من الدوافع، ولكن المهم في الأمر هو الدين؛ لأن الدين إذا وجد وانضاف إليه أمور أخرى حسنة كان ذلك خيراً على خير، وإذا فقد الدين أو ضعف الدين وضعف الإيمان فإن تلك الأمور لا تصلح وليست لها أهمية؛ إذا يمكن عند عدم الدين الوقوع في أمور محرمة منكرة، لكن الدين هو الذي يمنع من الوقوع في المعاصي، فلهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الدوافع التي تدفع الناس إلى الزواج بالنساء، وأن منها الجمال، ومنها المال، ومنها الحسب، ومنها الدين، ثم إن المسلم أُرشِد إلى العناية والحرص على الظفر بذات الدين، قال صلى الله عليه وسلم: [ (فاظفر بذات الدين تربت يداك) ]. وهذا هو محل الشاهد من قوله: [ ما يؤمر به من تزويج ذات الدين ]؛ لأن فيه (اظفر): فهو أمر بالزواج بذات الدين والظفر بها، فهذا هو الذي يطابق الترجمة. وقوله: (تربت يداك) هو من الكلمات التي تقال ولا يقصد معناها، والمقصود من ذلك أنه يجدّ ويجتهد في الوصول والظفر بذات الدين. ومعنى الحسب هنا قيل: أن تكون من أهل بيت ذوي شرف ومكانة ومنزلة وسؤدد في قومهم، فهذا من الأشياء التي ترغّب في المرأة، والمهم في الأمر هو الأخير وهو الدين، وهو مسك الختام الذي أرشد إليه وأمر به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (تنكح المرأة لأربع...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد - ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أبو سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. تزويج الأبكار شرح حديث (أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تزويج الأبكار. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتزوجتَ؟ قلت: نعم، قال: بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً، قال: أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك؟) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في تزويج الأبكار ] يعني: تزوّج الأبكار؛ لأن الأبكار في حال شبابهن تخلو قلوبهن من التعلق بأحد، فيكون في ذلك كمال المودة، وإذا كانت ثيباً فقد يكون هناك تعلق منها بالزوج الأول، وقد يكون هناك شيء من الوحشة بينها وبين الزوج الثاني، فتكون البكر خالية من أن تكون متعلقة بأحد، فيكون هذا زيادة في كمال المتعة واللذة بها؛ لصفاء وسلامة قلبها من أن يكون فيه تعلق بأحد. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أنه تزوج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (أتزوجت؟ قلت: نعم، قال: بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً، قال: أفلا بكراً -أي: أفلا تزوجت بكراً- تلاعبها وتلاعبك)، وسبب تزوج جابر رضي الله عنه ثيباً أن والده استشهد في غزوة أحد وترك بنات، فأراد أن يأتي لهن بامرأة كبيرة تحسن رعايتهن والعناية بهن، فآثر مصلحة أخواته على مصلحته رضي الله عنه وأرضاه، فلم يأتِ بواحدة مثلهن في عدم الخبرة والمعرفة والعناية بالبنات، وإنما أتى بامرأة تكبرهن في السن حتى تكون لهن بمثابة الأم، فترعاهن وتمشطهن وتحسن رعايتهن وتقوم بما يلزم من شئونهن، فاختار مصلحة أخواته على مصلحة نفسه، ومحل الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى تزوج البكر فقال: [ (أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) ]. تراجم رجال إسناد حديث (أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا الأعمش ]. الأعمش مر ذكره. [ عن سالم بن أبي الجعد ]. سالم بن أبي الجعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. النهي عن تزويج من لم يلد من النساء شرح حديث (إن امرأتي لا ترد يد لامس...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء. قال أبو داود : كتب إلي حسين بن حريث المروزي قال: حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال: غربها، قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: فاستمتع بها) ]. أورد أبو داود باباً في النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، وهذه الترجمة المقصود بها أن الزواج إنما يكون لحصول الولد وكثرة النسل مع العفة وغض البصر الذي سبق أن مر في حديث ابن مسعود : (فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر). وهنا أيضاً بيان أنَّ من الأمور التي تترتب على الزواج حصول النسل وحصول الولد، والولد لا سبيل إلى حصوله إلا بالزواج وملك اليمين، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى تزوج الودود الولود، وأخبر أنه مكاثر بهذه الأمة الأمم يوم القيامة. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال: غربها) ] يعني: أبعدها، وذلك أن يطلقها ويتخلص منها، وفي بعض الروايات عند غير أبي داود : (طلقها)، (قال: أخشى أن تتبعها نفسي) ] يعني: أن يتعلق بها، وقد يطلبها بطريق محرم، [ (فقال: أمسكها) ]. وهذا الحديث لا تظهر دلالته على الترجمة في النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، ويناسبه الباب الذي سيأتي فيه ذكر حكم الزواج بالزانية. تفسير قوله (لا ترد يد لامس...) قول الرجل: [ (إنها لا ترد يد لامس) ] فسر بثلاثة تفسيرات: التفسير الأول: أنها تستسلم وتنقاد لمن أراد منها الفاحشة. التفسير الثاني: أن ذلك في بذلها وإعطائها وتبذيرها، فالذي يريد منها مالاً أو غيره فإنها تخرج ما عندها. التفسير الثالث: أنها رجلة، فعندها توسع في مخاطبة الرجال والكلام معهم ولا تبتعد عن الرجال، وقد يلمسها الرجال مجرد لمس من دون أن يكون هناك فاحشة، وعلى كل كونها تتوسع في مخاطبة ومخالطة الرجال هذا أمر معيب في النساء. وقد أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يطلقها ويتخلص منها، وجاء في بعض الروايات عند غير أبي داود : (طلقها، قال: أخشى أن تتبعها نفسي، قال: أمسكها). وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أنه يجوز للإنسان -وذلك على التفسير الأول- أن يبقي المرأة الزانية عنده، ومنهم من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقره على إبقاء امرأة غير عفيفة تلوث فراشه، وإنما المقصود من ذلك أنها عندها توسع في مخالطة الرجال ولا تهتم بالابتعاد عنهم، ولعل هذا هو الأقرب؛ لأن كون الرسول يأمره بأن يمسكها وهي زانية فيه ما فيه، فالعفيف لا يتزوج الزانية وإن كان هذا ليس تزوجاً وإنما هو إبقاء على الزواج. وقال بعض أهل العلم: إن هذا فيه إبقاء، وهناك فرق بين الاستدامة وبين الابتداء، لكن لا شك في أن المرأة إذا كانت متصفة بالفاحشة وغير تائبة فليس من اللائق بالمسلم أن يمسك من تكون كذلك بحيث تلوث فراشه. فعلى هذا يحمل -والله تعالى أعلم- على أن المقصود من ذلك التفسير الثالث وهو: أنها ليست لديها صيانة لنفسها من ناحية التبذل ومخاطبة الرجال والتوسع في ذلك. التحمل بالكتابة وحكمه عند علماء الحديث قوله: [ قال أبو داود : كتب إلي حسين بن حريث المروزي ]. هذا فيه دليل على المكاتبة وأنها معتبرة، وأنها من طرق التحمل، وهي طريقة معتبرة سواء في أوائل الأسانيد بين المؤلفين وبين شيوخهم، أو في أعلى الأسانيد، وفي الذكر بعد الصلاة قال: كتب معاوية بن المغيرة بن شعبة فأملى وراد : يعني أملى المغيرة على وراد بالإجابة. فالمكاتبة معتبرة، وهي من طرق التحمل، وهذا الحديث عند أبي داود منها، قال: كتب إلي الحسين بن حريث، وقد جاء عند البخاري في موضع واحد في صحيحه: كتب إلي محمد بن بشار، وقد ذكرت هذا في ضمن الفوائد المنتقاة من فتح الباري، وهناك كتب أخرى ذكرت الموضع الذي ذكره البخاري فيه، وهو الموضع الوحيد، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ليس عنده شيء بالمكاتبة بينه وبين شيوخه إلا في هذا الموضع الذي قال فيه: (كتب إلي محمد بن بشار ). وهذا مثل قول أبي داود هنا: [ كتب إلي الحسين بن حريث ]. تراجم رجال إسناد حديث (إن امرأتي لا ترد يد لامس) قوله: [ كتب إلى الحسين بن حريث ] الحسين بن حريث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا الفضل بن موسى ]. هو الفضل بن موسى المروزي السيناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسين بن واقد ]. الحسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمارة بن أبي حفصة ]. عمارة بن أبي حفصة ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن، و عمارة بن أبي حفصة هذا هو والد حرمي بن عمارة بن أبي حفصة الذي سبق أن مر بنا في حديث ابن عمر : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وسبق أن أشرنا إلى الفائدة التي ذكرت في التقريب في اسمه، وكذلك ذكرها -الحافظ - في (فتح الباري)، وقال: و أبو حفصة اسمه نابت بالنون، وقيل: كالجادة. يعني: ثابت. أي أن التسمية بـ(نابت) قليلة، والتسمية بـ(ثابت) كثيرة، ويأتي التصحيف بين (نابت) و (ثابت) بأن يترك القليل ويؤتى بالكثير وهو ثابت، ولهذا صحفه بعضهم فقال: ثابت، ففي ترجمة حرمي بن عمارة قال: و أبو حفصة اسمه نابت وقيل: بل كالجادة. يعني أن اسمه (ثابت)، وفي ترجمة عمارة في (التقريب): وهو بالنون، وقيل: بالمثلثة، وهو تصحيف كما ذكر ذلك الفلاس . فالتسمية بـ(ثابت) هو الجادة، أي: الذي يكون سهلاً على الألسنة وعلى ما تألفه النفوس لكثرته، بخلاف القليل فإنه قد لا يتنبه له فيظن أنه ليس بصحيح، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (تزوجوا الودود الولود...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مستلم بن سعيد ابن أخت منصور بن زاذان عن منصور -يعني ابن زاذان - عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: لا. ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم) ]. أورد أبو داود حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، وهو مطابق للترجمة: فيما جاء في النهي عن زواج من لا تلد، قال معقل بن يسار جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال) ]، هذه من الأمور التي ترغب الناس في النساء، كما مر: (تنكح المرأة لأربع: لحسبها، ولجمالها، ولمالها، ولدينها)، قال: فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعاد عليه فنهاه، ثم قال: [ (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة). فعلى المسلم إذا أراد أن يتزوج أن يبحث عن النسل ولا يتزوج امرأة لا تلد، وقد يعرف أنها لا تلد بكونها قد تزوجت عدة مرات ولم تنجب، وتزوج أزواجها غيرها وأنجبوا، فهذا مما يستدل به على عدم الإنجاب وأنها عقيم، فأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تزوج الولود الودود، والولود هي كثيرة الولادة، والودود هي ذات التودد إلى الزوج، ويعرف ذلك بقياس المرأة بقريباتها كأخواتها وأمهاتها وعماتها وخالاتها، ومن يكون من بيتها، وقد يعرف ذلك منها بكونها تزوجت وأنجبت، وعرف أنها ذات مودة، ولكن الذي تزوجها تركها لأمر، أو مات عنها، أو ما إلى ذلك، فيعرف كونها ولوداً إما بحصول ذلك بالفعل، أو أن تتزوج بكراً فتقاس على أخواتها وعلى لداتها. قوله: (فإني مكاثر بكم الأمم)، أي: أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن تكون أمته أكثر الأمم يوم القيامة. تراجم رجال إسناد حديث (تزوجوا الودود الولود) قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي البغدادي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا مستلم بن سعيد ابن أخت منصور بن زاذان ]. مستلم بن سعيد صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب السنن. قال أبو داود : [ حدثنا الحسن بن علي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: رأيت مستلماً فكان يقع يمنة ويسرة. قال الحسن بن علي : لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنة. قال أبو داود : مستلم بن سعيد ابن أخي وابن أخت منصور بن زاذان مكث سبعين يوماً لم يشرب الماء ]. [ عن خاله منصور بن زاذان ]. منصور بن زاذان أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة، وقد ذكر في ترجمته أن أحد العلماء قال: لو قيل لمنصور بن زاذان : إن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أن يأتي بشيء جديد، ومعناه أنه مستعد للموت بعبادته واستقامته والتزامه، فلن يأتي بشيء جديد ولو كان ملك الموت بالباب. وهذا يدل على فضله وعبادته، وهذه من الكلمات الجميلة التي تأتي في أثناء التراجم، والحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) يسوق في بعض التراجم كلاماً جميلاً عن أصحاب تلك التراجم إذا كان لهم كلام جميل، فيذكر ذلك مما فيه حكم وعبر وعظات، وهي كلمات عظيمة نافعة تكتب بماء الذهب لحسنها، وهي كلمات مضيئة جميلة تدل على معنى صحيح، وقد كان شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كثيراً ما يطلب (البداية والنهاية) ويقرأ في تلك التراجم ويبكي -رحمة الله عليه- إذا سمع تلك الكلمات الجميلة المؤثرة التي فيها عبر وعظات. [ عن معاوية بن قرة ]. معاوية بن قرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معقل بن يسار ]. هو معقل بن يسار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة أهمية كتب التراجم لطالب العلم السؤال: نود الكلام على أهمية كتب التراجم لطالب العلم، وهل الأفضل في هذا الباب كتاب سير أعلام النبلاء أم البداية والنهاية؟ الجواب: لا يقال: الأفضل هذا أو هذا، وإنما كتب العلم يكمل بعضها بعضاً، وفي هذا ما ليس في هذا، فعلى الإنسان أن يحرص على أن يقرأ في هذا وفي هذا؛ ليحصل على ما عند هذا وهذا من العلم، فقد يأتي في هذا ما ليس في ذلك، فكون الإنسان يقتني (سير أعلام النبلاء) للذهبي ، أو (يقتني البداية والنهاية)، أو يقتني غيرها من كتب التراجم فهذا أمر طيب، فعلى طالب العلم أن يحرص عليه؛ لأنَّ من أهم المهمات الوقوف على تراجم الرجال وأحوالهم ومنزلتهم من حيث الثقة والضعف، ومن حيث قبول الرواية وعدمه، وليس أمام الناس في هذا إلا كتب الرجال، فكتب الرجال هذه من المهمات في معرفة الرجال، فهي التي تعنى بذلك وتهتم به، فعلى الطالب أن يقتنيها حتى يقف على ما فيها من الكنوز المدفونة في هذه التراجم. وقد يأتي في الكتاب أحياناً فوائد لا يحصلها الإنسان إلا بأن يقرأ الكتاب كاملاً فيحصلها أو يعثر عليها قدراً، وذلك في مثل كتاب (فتح الباري)، فكتاب (فتح الباري) ليس كتاب تراجم، ولكنه يشتمل على ذكر التراجم عندما يذكر الإسناد، فيعرف بالرجل بعبارات دقيقة ومختصرة، وهو مشتمل على علم جم، فالإنسان يحرص على كتب العلم، سواءٌ أكانت كتب رجال أم غيرها، وعليه أن يقرأها ويطلع على ما فيها من الحكم التي تحرك القلوب، وتؤثر في النفوس، والتي تجعل الإنسان يعرف ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الاستقامة وملازمة التقوى والعبادة، ومن الاشتغال بالعلم وبذله، فهناك كلمات عظيمة وكنوز مدفونة يجدها الإنسان في هذه الكتب، فالذي أوصي به هو اقتناء كتب الرجال، والعناية بها، ومطالعتها، والاستفادة منها؛ ففيها الخير الكثير. حكم الزواج بالمرأة العقيم السؤال: هل النهي عن تزوج من لا تلد للكراهة أم للتحريم؟ الجواب: الذي يبدو أنه للكراهة وليس للتحريم؛ لأن هذه المرأة أيضاً هي بحاجة إلى ما يحتاج إليه النساء الأخريات، وإذا كان الله عز وجل لم يحقق لها إحدى النتائج والفوائد التي تترتب على النكاح فإنها لابد لها من ذلك حتى تغض البصر وتحصن الفرج، وهذا موجود عندها، وأما أن الزواج بها محرم لا يجوز فلا، وإنما المقصود به التنزيه. حكم الصلاة خلف الحاكم المبتدع الظالم السؤال: ما حكم الصلاة خلف حاكم عنده ابتداع ومخالفة للسنة وعنده ظلم؟ وإذا اضطر الإنسان إلى الصلاة خلفه فهل يجوز له أن يصلي بنية الإنفراد؟ الجواب: الحكام وغير الحكام لا يخلون من أمرين: إما أن يكون عندهم كفر وخروج من الملة، فهؤلاء لا يجوز أن يُصَلَّى وراءهم؛ لأن الكافر لا صلاة له ولا تصح صلاته؛ فلا تصح إمامته، وأما من لم يصل إلى حد الكفر وعنده فسق أو عنده بدع غير مكفرة فتصح صلاته وصلاة من وراءه؛ لأن من صحت صلاته صحت إمامته، فيُصَلَّى وراءه ولا يُنْفَرد عنه، وأما الكافر فلا يجوز أن يصلى وراءه؛ لأن صلاته غير صحيحة فصلاة من وراءه لا تكون صحيحة. معنى قطع اليد فيما يبلغ ثمن المجن بعد حرزه في الجرين السؤال: جاء في الحديث: (ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤيه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع)، فما معنى هذا الكلام؟ الجواب: الجرين هو المكان الذي يحرز فيه الثمر بعدما يجذ، فإنه يجمع في داخل بنيان ويوضع في الشمس ويجفف، كما أن المكان الذي يوضع فيه الحب والحنطة يسمى البيدر، فهذا يسمى البيدر وذاك يسمى الجرين، وكلها أماكن لحفظ الثمر بعد حصاده، وفيها يصفى وينقى ويتميز الحب عن غيره من القشور. فإذا أُدخل في الحرز ثم جاء أحد وسرق منه قدر ثمن المجن فعليه القطع؛ لأنه سرق ما يقطع به من حرزه، فالجرين هو الحرز. وقوله: (ثمن المجن) المجن هو آلة يتترس بها في الحرب، وهي جنة ووقاية، وأصله (مجنن) من أسماء الآلة، وقوله: (ثمن المجن) يعني: ما يبلغ ثمن المجن، قيل: إن قيمته ثلاثة دراهم، وهي ربع دينار. الأخوة الإسلامية وثبوتها للمبتدعة السؤال: هل تثبت أخوة الدين للخوارج؟ الجواب: الأخوة بين المسلمين موجودة وقائمة ما دام أنهم لم يكفروا، ولهذا قال الله عز وجل: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [ الحجرات:9-10]، فالبدعة التي لم تصل إلى حد الكفر لا تمنع من الأُخوة الإسلامية، ولكنها أخوة فيها نقص ومعها بغض، ففيها محبة لما عندهم من الإيمان وبغض لما عندهم من الفسوق والعصيان. حكم اشتراط الكفاءة في النسب في الزواج السؤال: هل يؤخذ من حديث أبي هريرة في الحض على زواج ذات اليدين عدم اشتراط الكفاءة في النسب؟ الجواب: أهم شيء في الكفاءة هو الدين، فالعفيف يتزوج العفيفة، وهذا من التكافؤ في الدين، وبعض أهل العلم يقول: إن التزوج ممن يكون له سؤدد وله شرف ومنزلة هذا مما يرغب فيه، وهو من الأشياء التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها التي تدفع الناس إلى ذلك، وبعض أهل العلم يقول: إن العرب أكفاء للعرب، وإن الموالي لا يكونوا أكفاء لهم. ولكن الحديث أرشد إلى شيء وهو الدين، فالمهم هو الدين وما سواه فأمره هين، لكن إذا كان عدم التكافؤ بين الموالي وبين العرب يترتب عليه فتن وشرور وتقاطع فالباب واسع بحمد الله، فعلى الإنسان أن يقدم على شيء لا محذور فيه ولا يترتب عليه فتنة، وإذا لم يترتب على ذلك شيء فإن المهم هو الدين، وما سوى ذلك فأمره سهل. حكم الزواج بغير المستقيمة بغية إصلاحها السؤال: هل يجوز أن يتزوج الرجل بامرأة غير متدينة إذا كان يرجو أن يقومها ويحملها على الالتزام؟ الجواب: لا بأس بذلك إذا لم تكن مرتكبة للفاحشة، فالعفيف لا ينبغي له أن يتزوج فاجرة؛ لأنها قد تلوث فراشه، وقد يحصل منها أمور منكرة، لكن إذا كان هناك نقص وخلل وأراد أن يصلحها فلكل امرئٍ ما نوى، ولكن كونه يختار له امرأة دينة وسليمة لا شك أنَّه هو الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. ثم أيضاً قد تكون النتيجة عكسية، فقد تجره إلى شر ويكون كمن يريد أن يصطاد فيُصاد، ولهذا كان الزواج بالمسلمات وعدم التزوج بالكتابيات هو الأولى وإن كان التزوج بالكتابيات جائزاً، إلا أن الزواج بالمسلمة أولى من الزواج بالكتابية؛ لأن الكتابية يمكن أن يفيدها ويمكن أن تضره، وقد يكون بينهما أولاد ثم تكون فرقة، فيترتب على ذلك أضرار وأخطار. قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) شرح حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم مرثداً عن نكاح البغي عناق قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً [النور:3]. حدثنا إبراهيم بن محمد التيمي حدثنا يحيى عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها: عناق، وكانت صديقته، قال: (جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله! أنكح عناقاً ؟ قال: فسكت عني، فنزلت: وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3]، فدعاني فقرأها علي وقال: لا تنكحها) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في قوله تعالى: وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3] ]. هذه الآية الكريمة تدل على أن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وقد ذكر أبو داود هذه الترجمة وأورد هذا الحديث تحتها لبيان أن الزواج بالزانية لا يجوز؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه. حكم الزواج بالزانية وأقوال العلماء فيه وقد اختلف العلماء في حكم الزواج بالزانية: فمنهم من قال: إنه يجوز أن يتزوج العفيف بالزانية؛ لأنها من جملة إماء المسلمين وجملة الأيامى اللاتي قال الله تعالى فيهن: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32]، فيدخل في ذلك الزواني وغير الزواني. وقال بعض أهل العلم: إن العفيف لا ينكح الزانية، وإنما ينكحها زانٍ مثلها، وقد جاء في الحديث الذي بعد هذا: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله)، فمعناه إذاً أن العفيف لا يتزوج الزانية، وأن الزاني له أن يتزوج الزانية؛ لأن اشتغالهما بالحلال خير من اشتغالهما بالحرام. ومن العلماء من قال: إن هذه الآية الكريمة ليست في الزواج وإنما هي في الوطء، والمقصود بها أن الزاني لا يطأ زانية أو مشركة، أي: لا يزني إلا بزانية أو مشركة، فالمراد بالنكاح هنا الوطء؛ لأن الله قال: (( إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )) قالوا: فقد جاء ذكر المشرك، والمشرك لا يمكن بحال أن يعقد على مسلمة، فلا يجوز للمشرك أن يتزوج مسلمة ولا يجوز للمسلمة أن ينكحها مشرك، فقالوا: فالنكاح هنا يراد به الوطء، وعلى هذا فالزاني لا يطأ إلا زانية، يعني: فاجرة مثله، أو مشركة لا تعترف بحلال ولا حرام، وكذلك العكس: (( وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ )) مثلها (( أَوْ مُشْرِكٌ )) لا يفرق بين الحلال والحرام، ويستحل الزنا. قالوا: فذكر المشرك هنا يدل على أن المراد به الوطء. ولكن الحديث الذي أورده المصنف هنا في سبب نزول الآية وهو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلاها عليه وقال: [ (لا تنكحها) ] يدل على أن المقصود بذلك الزواج. وقد تكلم شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى على هذه الآية في (أضواء البيان) وقال: إن هذه من أصعب المسائل؛ لأن القرينة التي في الآية تدل على أن المراد بالنكاح الوطء، وسبب النزول يدل على أن المراد بالنكاح الزواج، قال: والتخلص -يعني: من هذا الإشكال- صعب ولا يتم إلا بنوع من التكلف والتعسف، ثم أشار إلى شيء من ذلك وقال: إن النكاح يحمل على أنه مشترك في المعنيين، فيطلق على الوطء وعلى النكاح، فيكون المراد به النكاح باعتبار والوطء باعتبار. ومعنى ذلك أنه إن قصد به الوطء في الزنا فذلك لدلالة ذكر المشرك عليه، فيكون المراد به الوطء لقرينة ذكر المشرك، والحديث الذي ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن أن يتزوجها يدل على أن المراد بذلك الزواج، فتكون الآية تفسر بالمعنيين، فتحمل على المعنيين الذين يدل عليهما اللفظ بالاشتراك، وهما: الوطء والزواج. والحاصل أن الزواج بالزانية من العفيف لا يجوز كما يدل عليه الحديث، وأما زواج الزاني بالزانية فإنه سائغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) في الحديث الآتي، وقوله: (المجلود) يعني: أنه ظهر زناه وتحقق لوجود الجلد فيه، فالزاني الذي تحقق زناه لا ينكح إلا مثله. فالذي يظهر أن العفيف لا يتزوج الفاجرة الزانية، وأما الزاني فإنه يتزوجها بدلاً من أن يشتغلا بالحرام. وأما الحديث ففيه أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة، وكان هناك بغي بمكة يقال لها: عناق، وكانت صاحبته، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في زواجها فتلا عليه الآية وقال له: [ (لا تنكحها) ] ، فيدل على أن العفيف لا يجوز له أن ينكح الزانية، وأن الزاني له أن ينكح الزانية التي تكون مثله، وأما المشرك فإنه لا يجوز له أن ينكح المسلمة مطلقاً لما جاء من نصوص الكتاب والسنة في ذلك. والمراد بكون العفيف لا يتزوج الزانية هو قبل توبتها، وأما إذا تابت فالتوبة تجب ما قبلها، والله تعالى يتوب على من تاب، وللعفيف أن يتزوجها. تراجم رجال إسناد حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم مرثداً عن نكاح البغي عناق قوله: [ حدثنا إبراهيم بن محمد التيمي ]. إبراهيم بن محمد التيمي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن الأخنس ]. عبيد الله بن الأخنس صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب ، وهو صدوق أخرج له البخاري في (جزء القراءة) و(الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو جد شعيب ، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و أبو معمر قالا: حدثنا عبد الوارث عن حبيب حدثني عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله). أورد أبو داود حديث أبي هريرة : [ (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) ] وهذا يدل على أن الزاني ينكح الزانية، وذلك في حال كونهما غير تائبين، وأما إذا كانا قد تابا فإن التوبة تجب ما قبلها، فالعفيف له أن يتزوج الزانية إذا تابت، وكذلك العكس. وقوله: (المجلود) أي: الذي أقيم عليه الحد وتحقق زناه، وليس له مفهوم من ناحية أن الذي لم يجلد لا يكون كذلك بل هو مثله، فالمجلود وغير المجلود سواء، لكنه ذكر المجلود لأن به تحقق وجود الزنا، والجلد كفارة له، لكن إذا لم يتب كان كفارة عن الذنب الذي حصل منه فحسب، أما إذا أصر فلا يكفر الجلد إصراره ولا يزوج بالعفيفة، ولكن إن حصل أن زانياً عقد له على عفيفة فإنه يصلح العقد ولا يقال: إن العقد باطل، وإن كان ليس كفؤاً لها. وأما العفيف فقد أجاز له كثير من العلماء الزواج بالزانية استدلالاً بقوله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ.. [النور:32]. تراجم رجال إسناد حديث (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) قوله: [ قال: حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و أبو معمر ]. هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب ]. هو حبيب المعلم ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري ]. عمرو بن شعيب قد مر ذكره، و سعيد المقبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. [ وقال أبو معمر : حدثني حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب ]. يعني: أن اللفظ الذي ساقه هو على لفظ الشيخ الأول وهو مسدد ، ثم أخبر عن الشيخ الثاني، فالرواية عن أبي معمر جاءت بزيادة لفظ (المعلم) إضافة إلى حبيب ، وأيضاً الأول بلفظ (عن) وهنا بلفظ التحديث. الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها شرح حديث (من أعتق جاريته ثم تزوجها كان له أجران) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها. حدثنا هناد بن السري حدثنا عبثر عن مطرف عن عامر عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أعتق جاريته وتزوجها كان له أجران) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب في الرجل يعتق أمته ويتزوجها ] أي: أن ذلك صحيح وفيه أجر عظيم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أبي موسى : (كان له أجران) يعني: أجر على عتقه وأجر على إحسانه إليها بالعتق والزواج، حيث تزوجها وصار لها حق القسم بعد أن كانت لا قسم لها، فأحسن إليها بأن نقلها من حالة أنه لا قسم لها إلى حالة أنها من جملة الزوجات اللاتي يقسم لهن، فيكون له أجران: أجر على إعتاقه وإحسانه إليها بالعتق، وأجر على إحسانه إليها بالزواج، وكونها صارت من جملة زوجاته اللاتي لهن حق القسمة. تراجم رجال إسناد حديث (من أعتق جاريته ثم تزوجها كان له أجران) قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبثر ]. عبثر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة ]. هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، فكل رجال هذا الإسناد أخرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا هناداً فلم يخرج له البخاري في الصحيح، وإنما خرج له في (خلق أفعال العباد). شرح حديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعله عتقها صداقها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن قتادة و عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية رضي الله عنها، وجعل عتقها صداقها) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج صفية وجعل عتقها صداقها، و صفية هي بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها أم المؤمنين، وقد كانت أمة فاعتقها، فالنبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقها صداقها، فدل ذلك على ما ترجم له المصنف من الإعتاق والزواج، وأنه يكون قد أحسن بذلك إحسانين، وأنه يجوز أن يجعل العتق صداقاً؛ لأنه نعمة أنعم بها عليها، وقد اختلف العلماء في ذلك هل هو خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم أم أنه له ولغيره، والقول بالخصوصية يحتاج إلى دليل، فالصحيح أن ذلك سائغ وجائز، وأنه ليس من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: (أعتق صفية وجعل عتقها صداقها). يعني: أعتقها وتزوجها، وعتقها هو صداقها. تراجم رجال إسناد حديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعله عتقها صداقها قوله:[ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبد العزيز بن صهيب ]. عبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي، فقتادة و عبد العزيز في درجة واحدة، فهو إسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ."
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [237] الحلقة (268) شرح سنن أبي داود [237] لقد بيّن الشرع أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، وأن أحكام الرضاعة كأحكام النسب، فالمرضعة تصير أماً للرضيع، وزوجها -وهو صاحب اللبن- يصير أباً للرضيع، وأولادها يصيرون إخواناً للرضيع، وهكذا تنتشر المحرمية في الأصول والفروع. يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب شرح حديث: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) قال رحمه الله تعالى: [ باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) ]. أورد أبو داود هنا باب [يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب] يعني: أن الرضاعة -وهي سبب من الأسباب- يحصل بها التحريم مثلما يحصل بالنسب، فإذا رضع طفل من امرأة خمس رضعات فأكثر فإنه يصير ابناً لها، وأخواتها خالات له، وأولادها إخواناً له، وهكذا، بل إن صاحب اللبن الذي هو الفحل يكون أباً له من الرضاع، وجميع أولاده من زوجات متعددة يكونون -أيضاً- إخواناً لهذا الرضيع، والتي أرضعته لو كان لها أولاد من أزواج متعددين فإنهم يكونون إخواناً له ولو كانوا من أزواج متعددين، وهو أيضاً أخ لأبناء صاحب اللبن ولو كانوا من زوجات متعددات. وأوراد أبو داود هنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها [ (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولاة) ]. تراجم رجال إسناد حديث: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذان الاثنان من فقهاء السبعة، وهنا يروي أحدهما عن الآخر. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث عرض أم حبيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج بأختها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها (أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! هل لك في أختي؟ قال: فأفعل ماذا؟ قالت: فتنكحها، قال: أختك؟! قالت: نعم، قال: أوتحبين ذاك؟! قالت: لست بمخلية بك، وأَحبُّ من شركني في خير أختي، قال: فإنها لا تحل لي، قالت: فوالله! لقد أُخبرتُ أنك تخطب درة أو ذرة -شك زهير - بنت أبي سلمة ، قال: بنت أم سلمة ؟! قالت: نعم، قال: أما والله! لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتنني وأباها ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن) ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة أم حبيبة بنة أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وكل منهما من أمهات المؤمنين، و أم سلمة هي هند بنت أبي أمية ، و أم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عن الجميع، قالت أم حبيبة للرسول صلى الله عليه وسلم: [ (هل لك في أختي؟) ] أي: تعرض عليه أختها، قال: [ (فأفعل ماذا؟) ] يعني: هذا العرض ما هو المقصود منه؟ [ (قالت: فتنكحها، قال: أختك؟! قالت: نعم، قال: أو تحبين ذلك) ] يعني: أن تكون ضرة لك، [ (قالت: لست بمخلية بك) ] أي: ما أنا بمنفردة بك فغيري قد شاركني فيك، وأَحبُّ من شاركني في خير أختي، فما دام أني لست منفردة بك وأن المشاركة حاصلة فأحب من شاركني في خير أختي، فهي تحب لها الخير، وهو أن تكون أماً للمؤمنين، وتكون زوجة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (فإنها لا تحل لي) ]؛ لأن الجمع بين الأختين لا يجوز، فالله تعالى يقول: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ [النساء:23] عطفاً على قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23]. فلما قال لها ذلك قالت: [ (فوالله لقد أخبرت أنك تخطب درة -أو ذرة) ] تعني بنت أبي سلمة ، وهذا فيه أن الأخبار أحياناً قد تظهر وليس لها أساس ولا أصل، بل هي إشاعات فإن هذا لم يحصل ومع ذلك بلغها، وقد تكون هذه الإشاعة حصلت من المنافقين ومثل هذه الإشاعة التي ليس لها أساس ما حصل من الإشاعة بأن النبي طلق نساءه في قصة عمر المشهورة حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تأثر، فانتهر حفصة ، ثم سأل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبر عن مكانه، فذهب إليه وقال: يا رسول الله! أطلقت نساءك؟ فقال: لا، فكبر عمر ، أي: فرح لكون ذلك الخبراً ليس له أساس. وهنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بقوله: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري فإنها لا تحل لي من جهة أخرى، وهي جهة الأخوة من الرضاعة؛ لأن ثويبة مولاة أبي لهب أرضعتني وأباها، فهناك مانعان يمنعان من الزواج: أولاً: كونها ربيبة، والله تعالى يقول في ذكر المحرمات من النساء: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]، ثانياً: الرضاع، فهي ابنة أخيه من الرضاع. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجه كلاماً إليهن وإلى غيرهن فقال: [ (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)]، وهذا يتعلق بالذي حصل الإخبار والإشاعة عنه، فأم حبيبة عرضت أختها، وذكرت أنه يريد أن يخبط ربيبته، فقال: (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن). وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تعرضن علي بناتكن) يدل على أن الربيبة وبنات الربيبة لا تجوز، فبنات الربيبة ربائب لا يجوز لزوج المرأة أن يتزوجهن؛ لأنهن داخلات تحت قوله: (بناتكن)؛ لأن بنت ابن الزوج بنت للزوجة، وبنت بنت الزوجة بنت لها، فالبنوة موجودة في الجميع، فليس الأمر مقصوراً على البنت المباشرة، بل أيضاً بنات البنات وبنات الأبناء كلهن ربائب، وهن داخلات في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تعرضن علي بناتكن). وأما القيد الوارد في قوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء:2] فهو قيد أغلبي؛ إذ الغالب كونها في حجر الزوج، وإلا فإن بنت الزوجة -سواء أكانت في حجر الزوج أم لم تكن- داخلة تحت الربائب المحرم الزواج بهن، وذكر الحجور إنما جاء بناءً على الغالب، فلا مفهوم له. وثويبة المذكورة في الحديث هي مولاة أبي لهب ، وقد جاء في عقب حديث في صحيح البخاري أنه يخفف عنه العذاب يوماً؛ لاعتاقه لها حين بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه أثر منقطع غير متصل. تراجم رجال إسناد حديث عرض أم حبيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج بأختها قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة عن زينب بنت أم سلمة ]. عروة مر ذكره، وزينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. لبن الفحل شرح حديث عائشة في جواز دخول عمها من الرضاعة عليها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في لبن الفحل. حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخل علي أفلح بن أبي القعيس فاستترت منه، قال: تستترين مني وأنا عمك! قالت: قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي. قالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل! فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدثته فقال: (إنه عمك، فليلج عليك) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى [ باب في لبن الفحل ] يعني أنه ينشر الحرمة من جهة الرجل كما تنشر الحرمة من جهة المرأة المرضعة، فالمرضعة هي التي تحلل اللبن منها، وأما الرجل فلأنه هو السبب في وجود اللبن، لذا جاء الحكم الشرعي بأن التحريم يكون من جهة المرضعة ويكون -أيضاً- من جهة صاحب اللبن، فإذا رضع طفل من امرأة صار ابناً لها وأخاً لجميع أولادها ولو كانوا من أزواج متعددين، وأيضاً هو أخ لأولاد زوجها ولو كانوا من زوجات متعددات؛ لأن لبن الفحل معتبر. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن أفلح بن أبي القعيس -أو أخا أبي القعيس كما جاء في الصحيحين وفي غيرهما- دخل على عائشة فاستترت منه، يعني: احتجبت منه وامتنعت منه، فقال: تفعلين ذلك وأنا عمك! قالت: من أين؟ قال: إن امرأة أخي أرضعتك، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ليلج عليك) يعني: ليدخل عليك فإنه محرم من محارمك، فدل هذا على اعتبار لبن الفحل، وأن الحرمة لا تكون مقصورة على جهة المرضعة وهي الزوجة، بل كذلك الزوج الذي هو السبب في وجود اللبن فإنه معتبر، وعلى هذا تكون الأخوة من الرضاعة كالأخوة من النسب، فيكون الرضيع أخاً شقيقاً من الرضاع، وأخاً لأب من الرضاع، وأخاً لأم من الرضاع. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في جواز دخول عمها من الرضاعة عليها قوله: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة ]. قد مر ذكرهم جميعاً. شرح حديث: ( انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في رضاعة الكبير. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة . ح: وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها -المعنى واحد- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها وعندها رجل -قال حفص : فشق ذلك عليه وتغير وجهه، ثم اتفقا- قالت: يا رسول الله! إنه أخي من الرضاعة! فقال: (انظرن من إخوانكن؛ فإنما الرضاعة من المجاعة) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها رجل فتغير؛ لأنه لا يعرف بالصلة والقرابة لها، فقالت: (إنه أخي من الرضاعة! فقال: انظرن من إخوانكن من الرضاعة) ] يعني: تحققن من هذه القرابة، فليس كل رضاعة تؤثر، فإنما الرضاعة من المجاعة، وهذا يدل على أن الرضاع الذي يحرم هو ما كان في الحولين، والذي يكون به تغذية الطفل وبناء جسمه، وأما إذا كان كبيراً لا يتغذى باللبن فإنه لا يحصل التحريم. فإذاً الذي يفهم من قوله: [ (فإنما الرضاعة من المجاعة) ] أن رضاع الكبير لا يعتبر، وإنما الذي يعتبر هو رضاع الصغير الذي ينفعه الرضاع ويغذيه، أما من يتغذى باللحم والتمر وبالطعام وما إلى ذلك فهذا لا يكون غذاؤه اللبن الذي يكون من المرأة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاحتياط في تحقق هذه القرابة وثبوت هذه القرابة، وأنه ليس كل قرابة تكون معتبرة، بل إنه سيأتي أنه ليس كل رضاعة معتبرة، بل لابد من وصول إلى عدد معين، وهو خمس رضعات فأكثر، وإذا نقص عن ذلك فإنه لا يحرم يعني، حتى في الحولين إذا كان الرضاع أقل من خمس فلا يعتبر، ورضاع الكبير قل أو كثر لا يعتبر، وإنما الذي يعتبر أن يكون في زمن الحولين ومن المجاعة وبرضعات خمس فأكثر. تراجم رجال إسناد حديث: ( انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة ) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن أشعث بن سليم ]. هو أشعث بن سليم بن أبي الشعثاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله تعالى عنها قد مر ذكرها. شرح حديث ابن مسعود: ( لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر أن سليمان بن المغيرة حدثهم عن أبي موسى عن أبيه عن ابن لعبد الله بن مسعود عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم. فقال أبو موسى : لا تسألونا وهذا الحبر فيكم ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [ لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم ]، ومعنى (شد العظم): أي: قواه وحصلت به قوته، والمراد أن الرضاع يحصل به الغذاء، وذلك إنما يكون في الحولين، فهو مطابق لما تقدم من جهة أن الرضاعة من المجاعة، وهذا إنما يكون في الصغر، وأما في حال الكبر فالتغذي إنما يكون بغير حليب ولبن المرأة. وهذا أثر موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه، وقد جاء من طريق أخرى ذكرها المصنف بعد هذا، وهي مرفوعة ولكنها غير صحيحة؛ لأن فيها مجهولاً، وأما الطريق الأولى ففيها ما في الثانية، إلا أنه جاء من طريق أخرى عند البيهقي شاهد موقوف على ابن مسعود ، فيكون الأثر قد صح موقوفاً على عبد الله بن مسعود ولم يصح مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ الألباني ذكر الطريق الثانية وبين أنها ضعيفة من جهة أنها مرفوعة، وأثبت الطريق الأولى، وقد ذكر ذلك وأوضحه في (إرواء الغليل)، فقد ذكر الطريق التي تشهد للطريق الموقوفة. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: ( لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم ) قوله: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر ]. عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ أن سليمان بن المغيرة ]. سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. هو الهلالي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. ذكروا أنه مجهول وأن ابنه مجهول، وكذلك ابن عبد الله بن مسعود الذي يروي عنه أيضاً مجهول؛ لأنه غير مسمى وغير معروف. [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود ، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ فقال أبو موسى : لا تسألونا وهذا الحبر فيكم ]. أبو موسى ليس الذي في الإسناد، وهو أبو موسى الأشعري. وهذا والحديث فيه اختصار، وأصله -كما ذكر الشيخ الألباني في بعض الطرق- أن رجلاً كان عنده طفل لم يرضع، فمص أبوه من ثدي الأم ليرضعه فوجد طعمه في حلقه، فجاء إلى أبي موسى الأشعري فقال: حرمت عليك، ثم ذهب إلى ابن مسعود فقال: [ لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم ]، فقال أبو موسى : [ لا تسألونا وهذا الحبر فيكم ]. فالأثر هنا فيه اختصار مخل؛ لأنه يوهم أن أبا موسى الأشعري هو الذي في الإسناد، مع أن أبا موسى الذي في الإسناد متأخر؛ فيكون الإسناد على هذا ثلاثياً؛ لأنه هو الثالث في الإسناد. شرح حديث ابن مسعود من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سليمان بن المغيرة عن أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، وقال: (أنشز العظم) ]. أورد أبو داود الأثر من طريق أخرى، ولكنه هنا مرفوع، وقال بدل قوله: (شد العظم) قال: (أنشز العظم)، وهو بمعناه. قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن المغيرة عن أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود ]. وقد مر ذكرهم. من رأى التحريم برضاع الكبير شرح حديث رضاع سالم مولى أبي حذيفة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من حرم به. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثني يونس عن ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أم سلمة رضي الله عنها أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنى سالماً رضي الله عنهما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيداً ، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه، حتى أنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ إلى قوله: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5]، فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولىً وأخاً في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة ، فقالت: يا رسول الله! إنا كنا نرى سالماً ولداً، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلى، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أرضعيه)، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة : والله! ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسالم دون الناس ]. أورد أبو داود [باب من حرم به] يعني: برضاع الكبير؛ لأن الضمير يرجع إلى ما جاء في الترجمة السابقة: [باب في رضاعة الكبير]، ثم قال بعد ذلك: [باب من حرم به] أي: برضاع الكبير، فرضاعة الكبير عنده يحصل بها التحريم إذا كانت بخمس رضعات فأكثر. وأورد أبو داود حديث عائشة و أم سلمة في ذلك، وهو أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالماً، وهو مولى لامرأة من الأنصار، وكان يقال له: مولى أبي حذيفة لا لأنه أعتقه، ولكن لكونه تبناه وكان يسكن معه، فقيل له: مولاه، وكان قبل ذلك ينسب إليه، وزوجه ابنة أخيه، ولما نزلت الآيات فيما يتعلق بمن يتبنون، وأن الأمر قد اختلف عما كان عليه من قبل، ونسخ ما كانوا يحصل من التبني ونسبة الرجل إلى من تبناه، وكذلك كونه يحصل توارث، وجاء الحكم بنسخ ذلك قالت سهلة بنت سهيل بن عمرو -وهي زوجة أبي حذيفة - كنا نرى سالماً ولداً لنا، وإنه كان يأوي معي ومع أبي حذيفة ، وإنه يراني فضلى فماذا ترى؟ قال: [ (أرضعيه) ]، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاع؛ لأنه رضع منها خمس رضعات، فكانت عائشة رضي الله عنها ترى أن الحكم عام، وأنه لا يختص بقصة سالم ، وكانت تأمر من تريد أن يدخل عليها أن يرضع من قريباتها ولو كان كبيراً، فتكون خالته من الرضاع إذا رضع من أخواتها، أو من أحد من أقربائها بحيث تكون هي من محارمه بسبب تلك الرضاعة، وأبى ذلك سائر أمهات المؤمنين، وقلن: إن هذا خاص بسالم مولى أبي حذيفة، وأبين أن يدخلن عليهن أحد بمثل هذه الرضاعة. وأما عائشة رضي الله تعالى عنها فقد روت هذا الحديث وروت الحديث السابق في كون الرضاعة من المجاعة، ولكنها أخذت بأحد الحديثين دون الآخر. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة -أي: في رضاع الكبير- فمنهم من أجازه استناداً إلى ما جاء في هذه المسألة، ومنهم من منعه استناداً إلى ما جاء في الأحاديث السابقة: (إنما الرضاعة من المجاعة)، ومن العلماء من قال: من كانت حاله كحالة سالم مولى أبي حذيفة فإنه يرضع، ويحصل التحريم بذلك، ومن ليس كذلك فالأمر على ما هو عليه من أنّ التحريم إنما يكون في زمن الحولين الذي فيه المجاعة والاستفادة. والذي يظهر -والله أعلم- أن رضاع الكبير لا يعتبر ولا يعول عليه، وأنّ الرضاع إنما يكون في الصغر، وما حصل في قصة سالم فإنه يكون قصة عين خاصة به لا تتعداه إلى غيره. ثم إن القول برضاع الكبير وكونه يسوغ ويكون عاماً يترتب عليه مفاسد وأمور خطيرة، وذلك لأن المرأة إذا أرادت التخلص من زوجها فإنها تحلب من ثديها في كأس وتسقيه عدة مرات، وبعد ذلك تقول: أنت ابني من الرضاع وتتخلص منه، فرضاع الكبير لا يعتبر.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 0 والزوار 14) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |