|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#401
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (401) صـ 5 إلى صـ 14 [المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه] [البرهان الأول "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا" والجواب عليه] قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الْمَنْهَجُ الثَّانِي: فِي الْأَدِلَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ كَثِيرَةٌ [2] ." الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ [3] . قَالَ الثَّعْلَبِيُّ فِي إِسْنَادِهِ [4] إِلَى أَبِي ذَرٍّ: [قَالَ] [5] : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَاتَيْنِ وَإِلَّا صَمَتَا [6] ، وَرَأَيْتُهُ بِهَاتَيْنِ وَإِلَّا عَمِيَتَا [7] يَقُولُ: «عَلِيٌّ قَائِدُ الْبَرَرَةِ، وَقَاتِلُ الْكَفَرَةِ، فَمَنْصُورٌ [8] مَنْ نَصَرَهُ، وَمَخْذُولٌ [9] مَنْ خَذَلَهُ "أَمَا إِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا) [10] صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَسَأَلَ سَائِلٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ شَيْئًا، فَرَفَعَ السَّائِلُ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ:" اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَشْهَدُ أَنِّي) [11] سَأَلْتُ فِي مَسْجِدِ (1) بِعِبَارَةِ (قَالَ الرَّافِضِيُّ) تَبْدَأُ نُسْخَةُ (س) وَهِيَ مَخْطُوطَةُ جَامِعَةِ الْإِمَامِ رَقْمُ 4968، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذِهِ الطَّبْعَةِ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 47 (م) - 149 (م) . (2) ك: الْكِتَابُ الْعَزِيزُ أَرْبَعُونَ بُرْهَانًا. (3) ك (ص 148 م) : عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (4) م: فِي تَفْسِيرِهِ إِسْنَادُهُ ; ك: بِإِسْنَادِهِ. (5) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (6) ك: وَإِلَّا فَصَمَتَا. (7) ك: وَإِلَّا فَعَمِيَتَا. (8) ك: مَنْصُورٌ. (9) ك: مَخْذُولٌ. (10) يَوْمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (11) ك: اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي. رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُعْطِنِي أَحَدٌ شَيْئًا، وَكَانَ عَلِيٌّ رَاكِعًا، فَأَوْمَأَ بِخِنْصَرِهِ [1] الْيُمْنَى، وَكَانَ مُتَخَتِّمًا فِيهَا [2] ، فَأَقْبَلَ السَّائِلُ حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَمَ [3] ، وَذَلِكَ بِعَيْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [4] . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ مُوسَى سَأَلَكَ وَقَالَ [5] : {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي - وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي - وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي - يَفْقَهُوا قَوْلِي - وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي - هَارُونَ أَخِي - اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي - وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [سُورَةُ طه: 25 - 32] [6] فَأَنْزَلْتَ عَلَيْهِ قُرْآنًا نَاطِقًا: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 35] . اللَّهُمَّ وَأَنَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَصَفِيُّكَ، اللَّهُمَّ فَاشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، عَلِيًّا [7] اشْدُدْ بِهِ ظَهْرِي" قَالَ أَبُو ذَرٍّ: "فَمَا اسْتَتَمَّ كَلَامُ [8] [رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [9] فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ." (1) ك: فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ. (2) ك: وَكَانَ يَتَخَتَّمُ بِهَا. (3) ك: الْخَاتَمَ مِنْ خِنْصَرِهِ. (4) س: صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (5) ك: فَقَالَ. (6) زَادَتْ (ك) : كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا. (7) ك: عَلِيًّا أَخِي. (8) ن، س، ب: كَلَامُهُ. (9) جِبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ [1] : وَمَا [2] أَقْرَأُ؟ قَالَ: اقْرَأْ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] » . وَنَقَلَ الْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ [3] الْوَاسِطِيُّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ هَذِهِ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ [4] ، وَالْوَلِيُّ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ، وَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ الْوِلَايَةَ [5] فِي الْآيَةِ [6] ، كَمَا أَثْبَتَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَلِرَسُولِهِ [7] "." وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: "لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْبَلَ ظَنًّا، بَلْ كُلُّ مَا ذَكَرَهُ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ، مِنْ جِنْسِ السَّفْسَطَةِ. وَهُوَ لَوْ أَفَادَهُ ظُنُونًا [8] كَانَ تَسْمِيَتُهُ [9] بَرَاهِينَ تَسْمِيَةٌ مُنْكَرَةٌ ; فَإِنَّ الْبُرْهَانَ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَالْيَقِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 111] ." وَقَالَ تَعَالَى: أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ (1) م: فَقَالَ. (2) س: مَا. (3) س، م، ب: ابْنُ الْمُغَازِيِّ. (4) ك: ص 149 م: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (5) س، ب: الْمُوَالَاةَ. (6) ك: الْأُمَّةِ. (7) ك: اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (8) ن: وَهُوَ لَوْ أَفَادَتْ ظُنُونًا، م: وَهِيَ لَوْ أَفَادَتْ ظُنُونًا. (9) ن، س، م: يُسَمِّيهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [سُورَةُ النَّمْلِ: 64] . فَالصَّادِقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بُرْهَانٍ عَلَى صِدْقِهِ، وَالصِّدْقُ الْمَجْزُومُ بِأَنَّهُ صِدْقٌ هُوَ الْمَعْلُومُ. وَهَذَا الرَّجُلُ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحُجَجِ فِيهَا كَذِبٌ، فَلَا [1] يُمْكِنُ أَنْ يَذْكُرَ حُجَّةً وَاحِدَةً جَمِيعُ مُقَدِّمَاتِهَا صَادِقَةٌ، فَإِنَّ الْمُقَدِّمَاتِ الصَّادِقَةَ يُمْتَنَعُ أَنْ تَقُومَ عَلَى بَاطِلٍ. وَسَنُبَيِّنُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ [2] كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَا يُبَيِّنُ كَذِبَهَا، فَتَسْمِيَةُ هَذِهِ بَرَاهِينَ مِنْ أَقْبَحِ الْكَذِبِ. ثُمَّ إِنَّهُ يَعْتَمِدُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلٍ يُحْكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صِدْقًا فَقَدْ خَالَفَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ. فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَاحِدِ [الَّذِي] [3] لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ، وَقَدْ خَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ بُرْهَانًا، فَإِنَّهُ يُقِيمُ [4] بَرَاهِينَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا [5] الْجِنْسِ عَلَى نَقِيضِ مَا يَقُولُهُ، فَتَتَعَارَضُ الْبَرَاهِينُ فَتَتَنَاقَضُ، وَالْبَرَاهِينُ لَا تَتَنَاقَضُ. بَلْ سَنُبَيِّنُ [6] - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - قِيَامَ [7] الْبَرَاهِينِ الصَّادِقَةِ الَّتِي لَا تَتَنَاقَضُ عَلَى كَذِبِ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ، وَأَنَّ الْكَذِبَ فِي عَامَّتِهَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، (1) ن، م: وَلَا. (2) ب: فِي، وَسَقَطَتْ عِنْدَ مَنْ (س) (3) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (4) ن، م: يَقُومُ. (5) ن، س: مِنْ هَذِهِ. (6) م: وَسَنُبَيِّنُ. (7) م: بَيَانَ. لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَأَنَّ الْبَرَاهِينَ الدَّالَّةَ عَلَى نُبُوَّةِ الرَّسُولِ حَقٌّ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، وَأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ حَقٌّ - تُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ إِذَا تَأَمَّلَهُ اللَّبِيبُ، وَتَأَمَّلَ لَوَازِمَهُ وَجَدَهُ يَقْدَحُ فِي الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ. وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ الرَّفْضِ [1] كَانَ مِنْ وَضْعِ قَوْمٍ زَنَادِقَةٍ مُنَافِقِينَ، مَقْصُودُهُمُ الطَّعْنُ فِي الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ وَدِينِ الْإِسْلَامِ، فَوَضَعُوا مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَكُونُ التَّصْدِيقُ بِهِ طَعْنًا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَرَوَّجُوهَا [2] عَلَى أَقْوَامٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ صَاحِبَ هَوًى وَجَهْلٍ، فَقَبِلَهَا لِهَوَاهُ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي حَقِيقَتِهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَهُ نَظَرٌ فَتَدَبَّرَهَا، فَوَجَدَهَا تَقْدَحُ فِي [حَقِّ] [3] الْإِسْلَامِ، فَقَالَ بِمُوجِبِهَا، وَقَدَحَ بِهَا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ [4] ، إِمَّا لِفَسَادِ اعْتِقَادِهِ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ هَذِهِ صَحِيحَةً وَقَدَحَتْ فِيمَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مِنْ دِينِ [5] الْإِسْلَامِ. وَلِهَذَا دَخَلَتْ عَامَّةُ الزَّنَادِقَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ مَا تَنْقُلُهُ الرَّافِضَةُ مِنَ الْأَكَاذِيبِ تَسَلَّطُوا بِهِ عَلَى الطَّعْنِ فِي الْإِسْلَامِ، وَصَارَتْ شُبَهًا عِنْدَ مَنْ لَمْ [يَعْلَمْ] أَنَّهُ كَذِبٌ [6] ، وَكَانَ عِنْدَهُ [7] خِبْرَةٌ بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ. وَضَلَّتْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الزَّنَادِقَةِ (1) س، ب: الرَّافِضِيِّ. (2) س، ب: وَرَدُّوا بِهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (3) حَقِّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (4) م: فِي الْإِسْلَامِ. (5) ن: دُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (6) ن، س: عِنْدَ مَنْ لَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ، ب: عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ كَذِبٌ. (7) ن، م: لَهُ. الْمَلَاحِدَةِ الْمُنَافِقِينَ. وَكَانَ مَبْدَأُ ضَلَالِهِمْ تَصْدِيقُ الرَّافِضَةِ فِي أَكَاذِيبِهِمُ الَّتِي يَذْكُرُونَهَا فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، كَأَئِمَّةِ [1] الْعُبَيْدِيِّينَ [2] إِنَّمَا يُقِيمُونَ مَبْدَأَ دَعْوَتِهِمْ [3] بِالْأَكَاذِيبِ الَّتِي اخْتَلَقَتْهَا [4] الرَّافِضَةُ ; لِيَسْتَجِيبَ [5] لَهُمْ بِذَلِكَ الشِّيعَةُ الضُّلَّالِ، ثُمَّ يَنْقُلُونَ الرَّجُلَ مِنَ الْقَدْحِ فِي الصَّحَابَةِ، إِلَى الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ، ثُمَّ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ فِي الْإِلَهِيَّةِ، كَمَا رَتَّبَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الْبَلَاغِ الْأَكْبَرِ، وَالنَّامُوسِ الْأَعْظَمِ. وَلِهَذَا كَانَ الرَّفْضُ أَعْظَمَ بَابٍ وَدِهْلِيزٍ إِلَى الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ [6] . ثُمَّ [7] نَقُولُ: ثَانِيًا: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ حَقٌّ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّا نُطَالِبُهُ بِصِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ، أَوْ لَا يُذْكَرُ [8] هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى وَجْهٍ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ; فَإِنَّ مُجَرَّدَ عَزْوِهِ إِلَى تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، أَوْ [9] نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْعَالِمِينَ بِالْمَنْقُولَاتِ، الصَّادِقِينَ فِي نَقْلِهَا، لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِنْ [10] لَمْ نَعْرِفْ ثُبُوتَ إِسْنَادِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا رَوَى فَضِيلَةً لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَمْ يَجُزِ اعْتِقَادُ ثُبُوتِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِ رِوَايَتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (1) س، ب: كَانَ أَئِمَّةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) س، ن، ب: الْعَبْدِيِّينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (3) س، ب: دَعْوَاهُمْ، ن: دَعَوَاتِهِمْ. (4) ن: اخْتَلَقَهَا. (5) ن، م، س: لِيَسْتَجِيبُوا. (6) س: وَالِاتِّحَادِ. (7) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنَ (س) ، (ب) . (8) س، ب: وَلَا نَذْكُرُ. (9) م: إِذْ. (10) ن، س، ب: وَإِنْ. فَالْجُمْهُورُ - أَهْلُ السُّنَّةِ - لَا يُثْبِتُونَ بِمِثْلِ هَذَا شَيْئًا يُرِيدُونَ إِثْبَاتَهُ: لَا حُكْمًا، وَلَا فَضِيلَةً، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الشِّيعَةُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ [الطَّوَائِفِ] كُلِّهَا [1] ، بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا نَقَلَهُ وَعَزَاهُ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ أَوِ الثَّعْلَبِيِّ أَوِ النَّقَّاشِ أَوِ ابْنِ الْمَغَازِلِيِّ [2] وَنَحْوِهِمْ. الثَّانِي: قَوْلُهُ: "قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ" مِنْ أَعْظَمِ الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ، بَلْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي عَلِيٍّ بِخُصُوصِهِ، وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ [3] الْمَرْوِيَّةَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ. [4] (1) س، ن: بِاتِّفَاقِ كُلِّهَا، ب: بِاتِّفَاقِ كِلَيْهِمَا. (2) ب: أَوِ ابْنِ الْمُغَازِيِّ. (3) س: الْقَضِيَّةَ. (4) ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ط. الْمَعَارِفُ 10/425 - 426 خَمْسَةَ آثَارٍ فِيهَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْآيَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ الْأَرْقَامُ 12210 - 12214 فَفِي الْأَثَرِ الْأَوَّلِ جَاءَ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ. . . هَؤُلَاءِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَرَّ بِهِ سَائِلٌ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ، وَفِي الْآثَارِ الثَّلَاثَةِ التَّالِيَةِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَّهُ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَّقَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُود شَاكِر عَلَى الْأَثَرِ 12213 وَبَيَّنَ ضَعْفَ اثْنَيْنِ مِنْ رُوَاتِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَثَرُ التَّالِي 12214 ذَكَرَ عَنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَهُوَ غَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَقِيلِيُّ الْجَزَرِي مَا يَلِي: "مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَتْرُوكٌ مُتَرْجَمٌ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ وَالْكَبِيرِ لِلْبُخَارِيِّ 4 1/101 وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ 3 2/48" ثُمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُودٌ: هَذَا وَأُرَجِّحُ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّبَرِيَّ قَدْ أَغْفَلَ الْكَلَامَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُمْ رَاكِعُونَ وَفِي بَيَانِ مَعْنَاهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ الشُّبْهَةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ فَيَزِيدُ فِيهِ بَيَانًا، وَلَكِنَّهُ غَفَلَ عَنْهُ بَعْدُ، وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُودٌ بَعْدَ ذَلِكَ كَلَامًا لِابْنِ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ فِيهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أَيْ: فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى، وَحَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ، ثُمَّ سَاقَ الْآثَارَ السَّالِفَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ، ثُمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُود شَاكِر، وَهَذِهِ الْآثَارُ جَمِيعًا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فِي الدِّينِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْأَئِمَّةُ فِي مَوْقِعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَفِي مَعْنَاهَا، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُمْ رَاكِعُونَ يَعْنِي بِهِ: وَهُمْ خَاضِعُونَ لِرَبِّهِمْ مُتَذَلِّلُونَ لَهُ بِالطَّاعَةِ، إِلَخْ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ كَثِيرٍ عَنِ الْآثَارِ الَّتِي تَذْكُرُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَضْعِيفِهِ لَهَا، وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَةَ السَّابِقِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِيمَا مَضَى 2/30 - 32 وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ [1] مِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الثَّعْلَبِيَّ يَرْوِي [2] طَائِفَةً مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَاتِ، كَالْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي فَضْلِ تِلْكَ السُّورَةِ، وَكَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا يَقُولُونَ: "هُوَ كَحَاطِبِ لَيْلٍ" . وَهَكَذَا الْوَاحِدِيُّ تِلْمِيذُهُ، وَأَمْثَالُهُمَا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: يَنْقُلُونَ الصَّحِيحَ وَالضَّعِيفَ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْبَغَوِيُّ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ، أَعْلَمَ بِهِ مِنَ الثَّعْلَبِيِّ وَالْوَاحِدِيِّ، وَكَانَ تَفْسِيرُهُ مُخْتَصَرَ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، لَمْ يَذْكُرْ فِي تَفْسِيرِهِ شَيْئًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي يَرْوِيهَا الثَّعْلَبِيُّ، وَلَا ذَكَرَ تَفَاسِيرَ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا [3] الثَّعْلَبِيُّ، مَعَ أَنَّ الثَّعْلَبِيَّ فِيهِ خَيْرٌ وَدِينٌ، لَكِنَّهُ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِالصَّحِيحِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، [4] وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَقْوَالِ [5] . (1) (1) س، ن، ب: يَنْقُلُهُ. (2) س، ب: رَوَى. (3) م: يَذْكُرُهَا. (4) ن، س: وَالسَّقِيمِ بِالْأَحَادِيثِ. (5) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الثَّعْلَبِيِّ وَتَفْسِيرِهِ فِيمَا مَضَى 2/247 ت [0 - 9] وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ الْكِبَارُ: أَهْلُ التَّفْسِيرِ، مِثْلُ تَفْسِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَبَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ، وَأَمْثَالِهِمْ - فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا [1] مِثْلَ هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ. دَعْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مِثْلَ تَفْسِيرِ أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ. بَلْ [2] وَلَا يُذْكَرُ مِثْلُ هَذَا [3] عِنْدَ ابْنِ حُمَيْدٍ وَلَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ [4] ، مَعَ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَانَ يَمِيلُ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَيَرْوِي كَثِيرًا مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً ; لَكِنَّهُ أَجَّلُ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَرْوِيَ مِثْلَ هَذَا الْكَذِبِ الظَّاهِرِ. وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِمُجَرَّدِ خَبَرٍ يَرْوِيهِ الْوَاحِدُ، مِنْ جِنْسِ الثَّعْلَبِيِّ وَالنَّقَّاشِ وَالْوَاحِدِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرِينَ ; لِكَثْرَةِ مَا يَرْوُونَهُ [5] مِنَ الْحَدِيثِ وَيِكُونُ ضَعِيفًا، بَلْ مَوْضُوعًا. فَنَحْنُ لَوْ لَمْ نَعْلَمْ كَذِبَ هَؤُلَاءِ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى، لَمْ يَجُزْ أَنْ نَعْتَمِدَ عَلَيْهِ ; لِكَوْنِ الثَّعْلَبِيِّ وَأَمْثَالِهِ رَوَوْهُ، فَكَيْفَ إِذَا كُنَّا عَالِمِينَ بِأَنَّهُ كَذِبٌ؟ ! . وَسَنَذْكُرُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ عَقْلًا وَنَقْلًا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا (1) ب: بِهَا. (2) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (3) س، ب، ن: وَلَا تُذْكَرُ مِثْلُ هَذِهِ: وَتُذْكَرُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) . (4) هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامِ بْنِ نَافِعٍ الْحِمْيَرِيُّ الصَّنْعَانِيُّ، رَوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَلِيلًا وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ أَحْمَدُ: نَقَمُوا عَلَيْهِ التَّشَيُّعَ، وَمَا كَانَ يَغْلُو فِيهِ، بَلْ يُحِبُّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيُبْغِضُ مَنْ قَاتَلَهُ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي نِصْفِ شَوَّالَ سَنَةَ 211 وَعَاشَ خَمْسًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ لِلْدَّاوُدِيِّ 1/296 شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/27 مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/609 - 614 (5) ن: يَرَوْنَهُ، س، ب: يَرْوِيهِ. بَيَانُ افْتِرَاءِ هَذَا الْمُصَنِّفِ أَوْ كَثْرَةِ [1] جَهْلِهِ، حَيْثُ قَالَ: "* قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ" فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ نَقَلَ هَذَا الْإِجْمَاعَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَالِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ؟ * [2] . فَإِنَّ نَقْلَ الْإِجْمَاعِ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولَاتِ، وَمَا فِيهَا مِنْ إِجْمَاعٍ وَاخْتِلَافٍ. فَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُفَسِّرُ وَالْمُؤَرِّخُ وَنَحْوُهُمْ، لَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمْ نَقْلًا مُجَرَّدًا بِلَا إِسْنَادٍ ثَابِتٍ لَمْ يُعْتَمَدْ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إِذَا ادَّعَى إِجْمَاعًا؟ ! . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرُونَ الَّذِينَ نَقَلَ [3] مِنْ كُتُبِهِمْ، هُمْ - وَمَنْ هُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ - قَدْ نَقَلُوا مَا يُنَاقِضُ هَذَا الْإِجْمَاعَ الْمُدَّعَى، وَالثَّعْلَبِيُّ [قَدْ نَقَلَ] فِي تَفْسِيرِهِ [4] أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ. وَنَقَلَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ. قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: هُوَ عَلِيٌّ. قَالَ: فَعَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا. وَعَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ [بْنُ صَالِحٍ] [5] ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ، قَالَ: "كُلُّ مَنْ آمَنَ [6] فَقَدْ تَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا" . قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ (1) س، ب: وَكَثْرَةِ. (2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (3) س، ب: يَنْقُلُ. (4) ن، س: وَالثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، ب: وَنَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. (5) بْنُ صَالِحٍ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (6) م: أَسْلَمَ.
__________________
|
#402
|
||||
|
||||
![]() أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: "هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا" . قُلْتُ: نَزَلَتْ [فِي عَلِيٍّ؟ قَالَ: عَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا] [1] . وَعَنِ السُّدِّيِّ مِثْلُهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّا نُعْفِيهِ مِنَ الْإِجْمَاعِ، وَنُطَالِبُهُ أَنْ يَنْقُلَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ صَحِيحٍ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ الَّذِي ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ إِسْنَادُهُ [2] ضَعِيفٌ، فِيهِ رِجَالٌ مُتَّهَمُونَ. وَأَمَّا نَقْلُ ابْنِ الْمَغَازِلِيِّ [3] الْوَاسِطِيِّ [4] فَأَضْعَفُ وَأَضْعَفُ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ جَمَعَ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَاتِ [5] مَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ، وَالْمُطَالَبَةِ بِإِسْنَادٍ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنْ يُؤْتِيَ الزَّكَاةَ حَالَ رُكُوعِهِ، كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ ; لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ (1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (2) س، ب: إِسْنَادٌ. (3) ب: ابْنِ الْمُغَازِيِّ. (4) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ أَوْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيِّبُ الْجُلَّابِيُّ الشَّافِعِيُّ الْوَاسِطِيُّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ الْمَغَازِلِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 483 وُلِدَ بِبَلْدَةِ وَاسِطَ ثُمَّ انْتَقَلَ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ إِلَى بَغْدَادَ، كَانَ شَافِعِيًّا فِي الْفِقْهِ وَأَشْعَرِيًّا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَسُمِّيَ بِابْنِ الْمَغَازِلِيِّ لِأَنَّ أَحَدَ أَسْلَافِهِ كَانَ نَزِيلًا بِمَحَلَّةِ الْمَغَازِلِيِّينَ فِي وَاسِطَ، ذَكَرَ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ (ذَيْلَ تَارِيخِ وَاسِطَ) وَقَالَ إِنَّهُ غَرِقَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 483 وَحُمِلَ مَيِّتًا إِلَى وَاسِطَ وَدُفِنَ بِهَا. وَلَمْ أَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً إِلَّا فِي الْأَنْسَابِ لِلسَّمْعَانِيِّ ص [0 - 9] 46 (ط. مَرْجِلْيُوثْ) - 3/446 ط. حَيْدَرَ آبَادَ 1383 1963 تَاجِ الْعَرُوسِ لِلزَّبِيدِيِّ 1/186 تَبْصِيرِ الْمُنْتَبِهِ بِتَحْرِيرِ الْمُشْتَبَهِ لِابْنِ حَجَرٍ 1/380 ط. 183 1964، مُقَدِّمَةِ كِتَابِ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِابْنِ الْمَغَازِلِيِّ ص 3 - 92، تَحْقِيقِ مُحَمَّد بَاقِر الْبَهْبُودِيِّ، نَشْرُ دَارِ الْأَضْوَاءِ بَيْرُوتَ 1403 1983 (5) س، ن، ب: الْمَوْضُوعَةِ. ذَلِكَ شَرْطًا فِي الْمُوَالَاةِ، وَأَنْ لَا يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ إِلَّا عَلِيًّا وَحْدَهُ، فَلَا يَتَوَلَّى الْحَسَنُ وَلَا الْحُسَيْنُ وَلَا سَائِرُ بَنِي هَاشِمٍ. وَهَذَا خِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: "الَّذِينَ" صِيغَةُ جَمْعٍ ; فَلَا يَصْدُقُ عَلَى عَلِيٍّ وَحْدَهُ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُثْنِي عَلَى الْإِنْسَانِ [إِلَّا] [1] بِمَا هُوَ مَحْمُودٌ عِنْدَهُ: إِمَّا وَاجِبٌ، وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ. وَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ فِي الصَّلَاةِ، لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ، بَلْ تَبْطُلُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ. وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: لَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِهَا لِعَدَمِ الْإِيجَابِ الشَّرْعِيِّ. وَلَوْ كَانَ هَذَا مُسْتَحَبًّا ; لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ وَيَحُضُّ عَلَيْهِ أَصْحَابَهُ، وَلَكَانَ عَلِيٌّ يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ [2] . فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، عُلِمَ أَنَّ التَّصَدُّقَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَإِعْطَاءُ السَّائِلِ لَا يَفُوتُ، فَيُمْكِنُ الْمُتَصَدِّقُ إِذَا سَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَهُ، وَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشَغْلًا. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ، لَمْ يَخْتَصَّ بِالرُّكُوعِ، بَلْ يَكُونُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الرُّكُوعِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: لَا وَلِيَّ [لَكُمْ] [3] إِلَّا الَّذِينَ يَتَصَدَّقُونَ فِي كُلِّ الرُّكُوعِ. فَلَوْ تَصَدَّقَ الْمُتَصَدِّقُ (1) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنَ (ن) ، (م) . (2) ب: الْوَقْعَةِ. (3) لَكُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) ، وَعَلَيْهَا شَطْبٌ فِي (ن) . فِي حَالِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ: أَمَّا كَانَ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْمُوَالَاةَ؟ . فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ أَرَادَ بِهَا [1] التَّعْرِيفَ بِعَلِيٍّ عَلَى خُصُوصِهِ [2] . قِيلَ لَهُ: أَوْصَافُ عَلِيٍّ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا [3] كَثِيرَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ تَعْرِيفَهُ بِالْأُمُورِ الْمَعْرُوفَةِ، وَيُعَرِّفُهُ [4] بِأَمْرٍ [5] لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ سَمِعَ هَذَا وَصَدَّقَهُ؟ . وَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ لَمْ [6] تَسْمَعْ هَذَا الْخَبَرَ، وَلَا [هُوَ] [7] فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ الْمُعْتَمَدَةِ: لَا الصِّحَاحِ، وَلَا السُّنَنِ، وَلَا الْجَوَامِعِ، وَلَا الْمُعْجَمَاتِ، وَلَا شَيْءٍ مِنَ الْأُمَّهَاتِ. فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ: إِنْ قَصَدَ [8] بِهِ الْمَدْحَ بِالْوَصْفِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ قَصَدَ [9] بِهِ التَّعْرِيفَ فَهُوَ بَاطِلٌ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} عَلَى قَوْلِهِمْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتَى الزَّكَاةَ فِي حَالِ رُكُوعِهِ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ تَجِبُ [10] عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، وَزَكَاةُ الْفِضَّةِ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ النِّصَابَ حَوْلًا، وَعَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ. الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّ إِعْطَاءَ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ لَا يَجْزِئُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ (1) ن، م، س: إِرَادَتَهَا. (2) م: لِخُصُوصِهِ. (3) ن، م: الَّتِي بِهَا يُعْرَفُ. (4) س: وَنُعَرِّفُهُ. (5) ب: بِالْأَمْرِ. (6) س، ب: لَا. (7) هُوَ: فِي (ب) فَقَطْ. (8) س: صَدَقَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (9) س: صَدَقَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (10) س: يَجِبُ. الْفُقَهَاءِ، إِلَّا إِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ. وَقِيلَ: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ، وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ، فَالتَّقْوِيمُ فِي الصَّلَاةِ مُتَعَذِّرٌ، وَالْقِيَمُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ. الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 43] هَذَا أَمْرٌ بِالرُّكُوعِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 43] وَهَذَا أَمْرٌ بِالرُّكُوعِ. قَدْ قِيلَ: ذَكَرَ ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْجَمَاعَةَ ; لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْجَمَاعَةِ إِنَّمَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ رُكُوعِهَا، بِخِلَافِ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ إِلَّا السُّجُودَ، فَإِنَّهُ قَدْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ. وَأَمَّا الْقِيَامُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْرَاكُ. وَبِالْجُمْلَةِ "الْوَاوُ" إِمَّا وَاوُ الْحَالِ، وَإِمَّا وَاوُ الْعَطْفِ. وَالْعَطْفُ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ. وَقَوْلُهُ إِنَّمَا يَصِحُّ [1] إِذَا كَانَتْ وَاوَ الْحَالِ، فَإِنَّ [2] لَمْ يَكُنْ ثَمَّ [3] دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ بَطَلَتِ الْحُجَّةُ، [فَكَيْفَ إِذَا كَانَتِ الْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ؟ !] [4] . الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُسْتَفِيضِ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَالْأَمْرِ بِمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ ; لَمَّا كَانَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، يُوَالِي الْيَهُودَ، وَيَقُولُ: إِنِّي أَخَافُ الدَّوَائِرَ. فَقَالَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ [5] عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: إِنِّي (1) ن، س: تُفْتَحُ، ب: يَتَّضِحُ. (2) ن، م: فَإِذَا. (3) ن، س، ب: لَهُمْ. (4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (5) س، ب: هُوَ. يَا رَسُولَ اللَّهِ، [1] أَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ حِلْفِ [2] هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَوِلَايَتِهِمْ. وَلِهَذَا لَمَّا جَاءَتْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَسَبَبُ تَآمُرِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، يُبَيِّنُ فِيهَا وُجُوبَ مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا، وَيَنْهَى عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ عُمُومًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهَا عَامَّةٌ لَا تَخْتَصُّ بِعَلِيٍّ [3] . الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ [4] قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 51] . فَهَذَا نَهْيٌ عَنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 52 - 53] . فَهَذَا وَصْفُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، الَّذِينَ يُوَالُونَ الْكُفَّارَ كَالْمُنَافِقِينَ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (1) عِبَارَةُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) حِلْفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (3) عِبَارَةُ (لَا تَخْتَصُّ بِعَلِيٍّ) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (4) فَإِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنَ (م) . [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] [1] فَذَكَرَ فِعْلَ [2] الْمُرْتَدِّينَ وَأَنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا، وَذَكَرَ مَنْ يَأْتِي بِهِ بَدَلَهُمْ [3] . ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} . {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55 - 56] . فَتَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ ذِكْرَ أَحْوَالِ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَمِمَّنْ يَرْتَدُّ عَنْهُ، وَحَالَ الْمُؤْمِنِينَ الثَّابِتِينَ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. فَهَذَا السِّيَاقُ، مَعَ إِتْيَانِهِ أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، مِمَّا يُوجِبُ لِمَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ [4] عِلْمًا يَقِينًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ: أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، لَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ: لَا أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ، وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا عَلِيٍّ، وَلَا غَيْرِهِمْ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِالدُّخُولِ فِيهَا. الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ عَلِيًّا لَيْسَ قَائِدًا لِكُلِّ الْبَرَرَةِ، بَلْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [5] ، وَلَا هُوَ أَيْضًا قَاتِلًا لِكُلِّ الْكَفَرَةِ، بَلْ قَتَلَ بَعْضَهُمْ، كَمَا قَتَلَ غَيْرُهُ بَعْضَهُمْ. وَمَا أَحَدٌ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ الْقَاتِلِينَ لِبَعْضِ الْكُفَّارِ، إِلَّا وَهُوَ قَاتِلٌ لِبَعْضِ الْكَفَرَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "«مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ، مَخْذُولٌ [6] مَنْ خَذَلَهُ»" هُوَ خِلَافُ (1) فِي (ن) ، (م) ، (س) ، (ب) مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) ب (فَقَطْ) : فَصْلَ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَضْلَ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (3) ن، س، ب: بَعْدَهُمْ. (4) س، ب: مِمَّا يُوجِبُ الْجَمْعَ لِمَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (5) م: بَلْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ رَسُولًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (6) ن: وَمَخْذُولٌ. الْوَاقِعِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الشِّيعَةِ ; فَإِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ [1] الْأُمَّةَ كُلَّهَا خَذَلَتْهُ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأُمَّةَ كَانَتْ مَنْصُورَةً فِي أَعْصَارِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، نَصْرًا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا بَعْدَهُ مِثْلُهُ. ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَصَارَ النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَحْزَابٍ: حِزْبٌ نَصَرَهُ وَقَاتَلَ مَعَهُ، وَحِزْبٌ قَاتَلُوهُ، وَحِزْبٌ خَذَلُوهُ لَمْ يُقَاتَلُوا لَا مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا مَعَ هَؤُلَاءِ - لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ مَنْصُورِينَ عَلَى الْحِزْبَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَلَا عَلَى الْكُفَّارِ، بَلْ أُولَئِكَ [2] الَّذِينَ نُصِرُوا عَلَيْهِمْ، وَصَارَ الْأَمْرُ لَهُمْ ; لَمَّا تَوَلَّى مُعَاوِيَةُ، فَانْتَصَرُوا [3] عَلَى الْكُفَّارِ، وَفَتَحُوا الْبِلَادَ، إِنَّمَا [4] كَانَ عَلِيٌّ مَنْصُورًا كَنَصْرِ أَمْثَالِهِ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ وَالْكُفَّارِ [5] . وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ قَاتَلُوا الْكُفَّارَ وَالْمُرْتَدِّينَ كَانُوا مَنْصُورِينَ نَصْرًا عَظِيمًا، فَالنَّصْرُ [6] وَقَعَ كَمَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ حَيْثُ قَالَ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 51] . فَالْقِتَالُ الَّذِي كَانَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْخَوَارِجِ، كَانُوا فِيهِ مَنْصُورِينَ [نَصْرًا عَظِيمًا] [7] إِذَا اتَّقَوْا وَصَبَرُوا، فَإِنَّ التَّقْوَى وَالصَّبْرَ مِنْ تَحْقِيقِ [8] الْإِيمَانِ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ النَّصْرُ. (1) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (2) م: يَلْزَمُ أُولَئِكَ. (3) فَانْتَصَرُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (4) ن، س، ب: وَإِنَّمَا. (5) ن، م: الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ. (6) ن، س، ب: وَالنَّصْرُ. (7) نَصْرًا عَظِيمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (8) م: هُوَ تَحْقِيقُ. وَأَيْضًا فَالدُّعَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ التَّصَدُّقِ بِالْخَاتَمِ مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ. فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، مَا هُوَ أَعْظَمُ قَدْرًا وَنَفْعًا مِنْ إِعْطَاءِ سَائِلٍ خَاتَمًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ [1] عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«مَا نَفَعَنِي مَالٌ كَمَالِ أَبِي بَكْرٍ»" ، [2] "«إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» [3] ." وَقَدْ «تَصَدَّقَ عُثْمَانُ بِأَلْفِ بَعِيرٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا ضَرَّ عُثْمَانُ مَا فَعَلَ بَعْدَ الْيَوْمِ»" [4] . (1) ن، س، ب: وَفِي الصَّحِيحِ. (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/21 (3) سَبَقَ الْقِسْمُ الْأَخِيرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 1/512 - 513 وَذَكَرْتُ فِي تَعْلِيقِي عَلَيْهِ أَنَّهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرْتُ مَوَاضِعَهُ فَارْجِعْ إِلَيْهِ، وَإِلَيْكَ نَصُّهُ كَامِلًا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/96 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرُّ فِي الْمَسْجِدِ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ) فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخُ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمُنَا. قَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنَّ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتَهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ) . (4) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/289 كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَأَوَّلُهُ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ) مَرَّتَيْنِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/36 وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/288 - 289 الْبَابُ وَالْكِتَابُ السَّابِقَانِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ جَيْشَ الْعُسْرَةِ عَلَى الْعَطَاءِ فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ، ثُمَّ قَدَّمَ عُثْمَانُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ ثُمَّ ثَلَاثَمِائَةِ بَعِيرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ، مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرَّتَيْنِ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/504 - 505 حَدِيثٌ رَقْمُ 822، 823 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ عَنْ كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَالْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي إِقَامَةِ الدِّينِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَعْظَمُ مِنْ صَدَقَةٍ عَلَى سَائِلٍ مُحْتَاجٍ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ; فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ [1] أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»" [2] أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [3] . قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] . فَكَذَلِكَ الْإِنْفَاقُ الَّذِي صَدَرَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي إِقَامَةِ الدِّينِ مَا بَقِيَ لَهُ نَظِيرٌ يُسَاوِيهِ. وَأَمَّا إِعْطَاءُ السُّؤَّالِ لِحَاجَتِهِمْ فَهَذَا الْبِرُّ يُوجَدُ مِثْلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِ تِلْكَ النَّفَقَاتِ [4] الْعَظِيمَةِ النَّافِعَةِ الضَّرُورِيَّةِ لَا يَدْعُو بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ، فَكَيْفَ يَدْعُوَ بِهِ [5] لِأَجْلِ إِعْطَاءِ خَاتَمٍ لِسَائِلٍ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا فِي سُؤَالِهِ؟ . (1) مُدَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (2) ن، م، س: لَا نِصْفَهُ. (3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21 (4) ن، س: الْمُنْفِقَاتِ. (5) س: يَدْعُونَهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا وَمِثْلَهُ مِنْ كَذِبِ جَاهِلٍ أَرَادَ أَنْ يُعَارِضَ مَا ثَبَتَ [1] لِأَبِي بَكْرٍ بِقَوْلِهِ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 17 - 21] . بِأَنْ يَذْكُرَ لَعَلِيٍّ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَمَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُكَذِّبَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، فَكَذَّبَ هَذِهِ الْأُكْذُوبَةَ الَّتِي لَا تَرُوجُ إِلَّا عَلَى مُفْرِطٍ فِي الْجَهْلِ. وَأَيْضًا فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، عَلِيًّا اشْدُدْ بِهِ ظَهْرِي، مَعَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّهُ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، [2] كَمَا قَالَ تَعَالِيَ: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 62] ، وَقَالَ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . فَالَّذِي كَانَ مَعَهُ حِينَ نَصَرَهُ اللَّهُ ; {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، هُوَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَا اثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا، وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ ; لَمَّا صُنِعَ لَهُ عَرِيشٌ كَانَ الَّذِي دَخَلَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ دُونَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ [3] ، وَكُلٌّ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ فِي نَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْيٌ مَشْكُورٌ وَعَمَلٌ مَبْرُورٌ. وَرُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ بِسَيْفِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ لِفَاطِمَةَ: اغْسِلِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ (1) ن، م، س: مَا يُثْبَتُ. (2) ن، م، س: وَالْمُؤْمِنِينَ. (3) ب: أَبَا بَكْرٍ. غَيْرَ ذَمِيمٍ. فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ تَكُ أَحْسَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ»" فَعَدَّدَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ [1] . وَلَمْ يَكُنْ لَعَلِيٍّ اخْتِصَاصٌ بِنَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَمْثَالِهِ، وَلَا عُرِفَ مَوْطِنٌ احْتَاجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ إِلَى مَعُونَةِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ، لَا بِالْيَدِ وَلَا بِاللِّسَانِ، وَلَا كَانَ إِيمَانُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَاعَتُهُمْ لَهُ لِأَجْلِ عَلِيٍّ، بِسَبَبِ دَعْوَةِ عَلِيٍّ لَهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ، كَمَا كَانَ هَارُونُ وَمُوسَى، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يُحِبُّونَ هَارُونَ جِدًّا وَيَهَابُونَ مُوسَى، وَكَانَ هَارُونُ يَتَأَلَّفُهُمْ. وَالرَّافِضَةُ تَدَّعِي أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُبْغِضُونَ عَلِيًّا، وَأَنَّهُمْ لِبُغْضِهِمْ لَهُ لَمْ يُبَايِعُوهُ. فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَاجَ إِلَيْهِ، كَمَا احْتَاجَ مُوسَى إِلَى هَارُونَ؟ . وَهَذَا أَبُو بَكْرٍالصِّدِّيقُ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ سِتَّةٌ أَوَ خَمْسَةٌ مِنَ الْعَشَرَةِ: عُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ [2] ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ. وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا أَحَدٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ هُوَ الَّذِي بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ لَمَّا بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ رُءُوسُ الْأَنْصَارِ كَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الَّذِي اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِهِ [3] ، وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ. (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/481 (2) وَسَعْدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (3) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/35 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) ، وَنَصُّهُ: اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ أَوِ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَالْحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: مُسْلِمٍ 4/1915 - 1916 كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 5/353 كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ رُمَيْثَةَ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَمَسْنَدِ أَحْمَدَ.
__________________
|
#403
|
||||
|
||||
![]() وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو مَعَهُ الْكُفَّارَ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي الْمَوْسِمِ، وَيُعَاوِنُهُ مُعَاوَنَةً عَظِيمَةً فِي الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ: "«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا»" [1] . وَقَالَ: "«أَيُّهَا [2] النَّاسُ إِنِّي جِئْتُ إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ. فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟» [3]" . ثُمَّ إِنَّ مُوسَى دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ قَبْلَ أَنْ يُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ إِلَى الْكُفَّارِ لِيُعَاوَنَ عَلَيْهَا. وَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ لَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ: بَلَّغَهَا وَحْدَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَرْضِ أَرْبَعَةٌ، أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنَ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ، وَمِنَ الْمَوَالِي زِيدٌ. وَكَانَ أَنْفَعُ الْجَمَاعَةِ فِي الدَّعْوِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ خَدِيجَةُ ; لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ أَوَّلُ رَجُلٍ حُرٍّ بَالِغٍ آمَنَ بِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَكَانَ لَهُ قَدْرٌ عِنْدَ قُرَيْشٍ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمَحَاسِنِ، فَكَانَ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ. وَمَعَ هَذَا فَمَا دَعَا اللَّهَ أَنْ يَشُدَّ أَزْرَهُ بِأَحَدٍ: لَا بِأَبِي بَكْرٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 (2) م: يَا أَيُّهَا. (3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَيَرِدُ الْحَدِيثُ كَامِلًا فِيمَا بَعْدُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 164 - 165 فَانْظُرْ تَعْلِيقِي عَلَيْهِ هُنَاكَ. بَلْ قَامَ مُطِيعًا لِرَبِّهِ، مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ، صَابِرًا لَهُ، كَمَا أَمَرَهُ بِقَوْلِهِ: {قُمْ فَأَنْذِرْ} . {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} . {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} . {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} . {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} . {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: 2 - 7] وَقَالَ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [سُورَةُ هُودٍ: 123] . فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَشُدَّ أَزْرَهُ بِشَخْصٍ مِنَ النَّاسِ، كَمَا سَأَلَ مُوسَى أَنْ يَشُدَّ أَزْرَهُ بِهَارُونَ، فَقَدِ افْتَرَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَخَسَهُ حَقَّهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّفْضَ مُشْتَقٌّ مِنَ الشِّرْكِ وَالْإِلْحَادِ وَالنِّفَاقِ، لَكِنْ تَارَةً يَظْهَرُ [لَهُمْ] [1] ذَلِكَ فِيهِ [2] وَتَارَةً يَخْفَى. الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: غَايَةُ مَا فِي الْآيَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ مُوَالَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَيُوَالُونَ عَلِيًّا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُوَالَاةَ عَلِيٍّ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، كَمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مُوَلَاةُ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 4] . فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ صَالِحٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ [3] مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [4] وَاللَّهُ مَوْلَاهُ، وَجِبْرِيلُ مَوْلَاهُ، وَلَيْسَ فِي كَوْنِ الصَّالِحِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [5] ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاهُ، وَجِبْرِيلَ مَوْلَاهُ، أَنْ يَكُونَ [6] صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ مُتَوَلِّيًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا مُتَصَرِّفًا فِيهِ. وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (1) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (2) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (3) فَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (4) فِي (ن) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (م) ، (س) ، (ب) . (5) فِي (ن) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (م) ، (س) ، (ب) . (6) ب فَقَطْ: لَا أَنْ يَكُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ. [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 71] ، فَجَعَلَ كُلَّ مُؤْمِنٍ وَلِيًّا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ. وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَيْهِ مَعْصُومًا، لَا يَتَوَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ. وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} . {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 62 - 63] ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ [1] فَهُوَ وَلِيٌّ لِلَّهِ، وَاللَّهُ وَلِيُّهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 257] وَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 11] وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} [2] إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 72 - 75] . فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا ثَبَتَتْ فِيهَا مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَأَنَّ هَذَا وَلِيُّ هَذَا، وَهَذَا وَلِيُّ هَذَا، وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مَوَالِي رَسُولِهِ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا هُمْ أَوْلِيَاءُ الْمُؤْمِنِينَ. وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ مَنْ كَانَ وَلِيًّا لِلْآخَرِ كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ. الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ "الْوَلَايَةِ" بِالْفَتْحِ وَ "الْوِلَايَةِ" بِالْكَسْرِ مَعْرُوفٌ ; فَالْوَلَايَةُ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَهِيَ الْمَذْكُورَهُ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ، لَيْسَتْ هِيَ الْوِلَايَةُ بِالْكَسْرِ الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ. وَهَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ يَجْعَلُونَ الْوَلِيَّ هُوَ الْأَمِيرُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوِلَايَةِ وَالْوَلَايَةِ. وَالْأَمِيرُ يُسَمَّى الْوَالِي لَا يُسَمَّى (1) تَقِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (2) س، ب: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا، وَهُوَ خَطَأٌ. الْوَلِيُّ [1] ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: هُوَ وَلِيُّ الْأَمْرِ، كَمَا يُقَالُ: وُلِّيتُ أَمْرَكُمْ، وَيُقَالُ: أُولُو الْأَمْرِ. وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِالْمَوْلَى وَإِرَادَهُ الْوَلِيِّ، فَهَذَا لَا يُعْرَفُ، بَلْ يُقَالُ فِي الْوَلِيِّ: الْمَوْلَى، وَلَا يُقَالُ الْوَالِي. وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْجِنَازَةِ الْوَالِي وَالْوَلِيِّ، فَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْوَالِي، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْوَلِيُّ. فَبَيِّنٌ أَنَّ الْوِلَايَةَ [2] دَلَّتْ عَلَى الْمُوَالَاةِ، الْمُخَالِفَةِ لِلْمُعَادَاةِ، الثَّابِتَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَهَذَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَسَائِرُ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ [3] . فَكُلُّهُمْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَلَمْ تَدُلَّ الْآيَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ أَمِيرًا عَلَى غَيْرِهِ، بَلْ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، إِذْ لَفْظُ "الْوَلِيِّ" وَ "الْوِلَايَةِ" غَيْرُ لَفْظِ "الْوَالِي" . وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَالْإِمَارَةُ لَا تَكُونُ عَامَّةً. الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْوِلَايَةَ الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ لَقَالَ: إِنَّمَا يَتَوَلَّى عَلَيْكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [4] ، وَلَمْ يَقُلْ: وَمَنْ يَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ وَلِيَ عَلَيْهِمْ وَالٍ [5] : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ [6] : تَوَلَّوْهُ، بَلْ يُقَالُ: تَوَلَّى عَلَيْهِمْ. (1) عِبَارَةُ لَا يُسَمَّى الْوَلِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) ب: أَنَّ الْآيَةَ. (3) ن، س: الرِّضْوَانُ عَلَيْهِمْ. (4) م: وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ. (5) س، ب: وَلَا، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) . (6) يَقُولُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . الْوَجْهُ الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُتَوَلٍّ عَلَى عِبَادِهِ وَأَنَّهُ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ، جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، فَإِنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَرَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَا [1] يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا يُسَمَّى الْمُتَوَلِّي، مِثْلُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ: أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا لَا يُقَالُ إِنَّهُ مُتَوَلٍّ عَلَى النَّاسِ، وَإِنَّهُ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ قَدْرَهُ أَجَلُّ مِنْ هَذَا. بَلْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُونُوا يُسَمُّونَهُ إِلَّا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ مِنَ الْخُلَفَاءِ "أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ" هُوَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ كَانَ أَمِيرًا فِي سَرِيَّةٍ، فَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنْ إِمَارَةٌ خَاصَّةٌ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ، لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ بِإِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا قَبْلَ عُمَرَ، وَكَانَ خَلِيقًا بِهَذَا الِاسْمِ. وَأَمَّا الْوَلَايَةُ الْمُخَالِفَةُ لِلْعَدَاوَةِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ ; فَيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وَيَرْضَى عَنْهُمْ وَيَرْضَوْنَ عَنْهُ، وَمَنْ عَادَى لَهُ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَهُ بِالْمُحَارَبَةِ. وَهَذِهِ الْوَلَايَةُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، لَيْسَتْ كَوِلَايَةِ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 111] . فَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ [2] مِنَ الذُّلِّ، بَلْ هُوَ الْقَائِلُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 10] بِخِلَافِ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَتَوَلَّاهُ لِذَاتِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَنْصُرُهُ. (1) س، ب: لَا. (2) م: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ، س، ب: فَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ. الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ [1] : أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ تَوَلَّى [2] عَلَيْهِ إِمَامٌ عَادِلٌ يَكُونُ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ، وَيَكُونُ غَالِبًا ; فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْعَدْلِ يَتَوَلَّوْنَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ [3] ، كَمَا كَانَ فِي مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ حُكْمِهِ ذِمِّيُّونَ وَمُنَافِقُونَ. وَكَذَلِكَ كَانَ تَحْتَ وِلَايَةِ عَلِيٍّ كُفَّارٌ وَمُنَافِقُونَ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 56] ; فَلَوْ أَرَادَ الْإِمَارَةَ لَكَانَ الْمَعْنَى: إِنَّ كُلَّ مَنْ تَأْمَّرَ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا يَكُونُونَ مِنْ حِزْبِهِ الْغَالِبِينَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ تَحْتَ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ، مَعَ كَوْنِهِ لَا يَتَوَلَّاهُمْ بَلْ يُبْغِضُهُمْ. [فصل البرهان الثاني "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ" والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [4] : "الْبُرْهَانُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] [5] ، اتَّفَقُوا فِي نُزُولِهَا فِي عَلِيٍّ. وَرَوَى [6] أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ - مِنَ الْجُمْهُورِ - بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [7] . وَمِنْ تَفْسِيرِ" (1) ن: السَّابِعَ عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (2) م: يَتَوَلَّى. (3) ب: وَالْكُفَّارِ. (4) فِي (ك) ص 149 (م) . (5) ن، م: رِسَالَاتِهِ. (6) ك: فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَوَى. (7) ك: عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. الثَّعْلَبِيِّ قَالَ: مَعْنَاهُ: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَهُ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌ مَوْلَاهُ» . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبَاقِي الصَّحَابَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ عَلِيٌّ مَوْلَاهُمْ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ. وَمِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ [1] : «لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَدِيرِ خُمٍّ نَادَى النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَقَالَ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ" فَشَاعَ ذَلِكَ وَطَارَ فِي الْبِلَادِ [2] ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى أَتَى الْأَبْطَحِ، فَنَزَلَ عَنْ نَاقَتِهِ وَأَنَاخَهَا فَعَقَلَهَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] - وَهُوَ فِي مَلَأٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَرْتَنَا عَنِ اللَّهِ أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ; فَقَبِلْنَا [4] مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نُصَلِّيَ خَمْسًا فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نُزَكِّيَ أَمْوَالَنَا [5] فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نَصُومَ شَهْرًا [6] فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرَتْنَا أَنْ نَحُجَّ الْبَيْتَ فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. ثُمَّ لَمْ تَرْضَ (1) ك الثَّعْلَبِيِّ قَالَ. (2) ن، س، ب: بِالْبِلَادِ. (3) ك: وَعَقَلَهَا وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (4) ك: فَقَبِلْنَاهُ. (5) ك: أَنْ نَصُومَ شَهْرًا. (6) ك: أَنْ نُزَكِّيَ أَمْوَالَنَا. بِهَذَا حَتَّى رَفَعْتَ بِضَبْعَيِ [1] ابْنِ عَمِّكَ وَفَضَّلْتَهُ عَلَيْنَا، وَقُلْتَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ [2] . وَهَذَا مِنْكَ [3] أَمْ مِنَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهِ [4] الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [5] ، فَوَلَّى الْحَارِثُ [6] يُرِيدُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ [7] مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ فَسَقَطَ عَلَى هَامَتِهِ وَخَرَجَ [8] مِنْ دُبُرِهِ فَقَتَلَهُ، وَأَنْزَلَ [9] اللَّهُ تَعَالَى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} . {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ} » [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 1 - 3] . وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ النَّقَّاشُ مِنْ عُلَمَاءِ الْجُمْهُورِ فِي تَفْسِيرِهِ "." وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا أَعْظَمُ كَذِبًا وَفِرْيَةً مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَوْلُهُ: "اتَّفَقُوا عَلَى نُزُولِهَا فِي عَلِيٍّ" أَعْظَمُ كَذِبًا مِمَّا قَالَهُ فِي تِلْكَ الْآيِهِ. فَلَمْ يَقُلْ لَا هَذَا وَلَا ذَاكَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، الَّذِينَ يَدْرُونَ مَا يَقُولُونَ. (1) ن، م: بِضْعِى، س: بِضْعٍ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الضَّبْعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ: وَسَطَ الْعَضُدِ بِلَحْمِهِ يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْعَضُدُ كُلُّهَا، وَقِيلَ: الْإِبِطُ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْإِبِطِ إِلَى نِصْفِ الْعَضُدِ مِنْ أَعْلَاهُ، تَقُولُ: آخُذُ بِضَبْعَيْهِ، أَيْ: بِعَضُدَيْهِ. (2) ك: فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ. (3) ك: فَهَذَا شَيْءٌ مِنْكَ. (4) ك: فَقَالَ: وَاللَّهِ. (5) ن: هُنَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، ك ص 150 م: إِنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، س، ب: أَمْرُ اللَّهِ. (6) ك: الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ. (7) م: إِنْ كَانَ هُوَ الْحَقَّ، ك: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا، وَسَقَطَتْ (مِنْ عِنْدِكَ) . (8) ك: فَخَرَجَ. (9) ك: فَأَنْزَلَ. وَأَمَّا مَا [1] يَرْوِيهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ" أَوْ فِي "فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ" وَالنَّقَّاشُ وَالثَّعْلَبِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَنَحْوُهُمْ فِي التَّفْسِيرِ، فَقَدِ [2] اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ فِيمَا [3] يَرْوُونَهُ كَثِيرًا مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ الَّذِي رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ [4] هُوَ مِنَ الْمَوْضُوعِ، وَسَنُبَيِّنُ أَدِلَّةً يُعْرَفُ بِهَا أَنَّهُ [5] مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ [الثَّعْلَبِيُّ] [6] مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ * بِالْحَدِيثِ. وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّا نَذْكُرُ قَاعِدَةً فَنَقُولُ: الْمَنْقُولَاتُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الصِّدْقِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْكَذِبِ * [7] ، وَالْمَرْجِعُ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا إِلَى أَهْلِ عِلْمِ الْحَدِيثِ [8] ، كَمَا نَرْجِعُ إِلَى النُّحَاةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ نَحْوِ الْعَرَبِ وَنَحْوِ غَيْرِ الْعَرَبِ [9] ، وَنَرْجِعُ إِلَى عُلَمَاءِ اللُّغَةِ فِيمَا هُوَ مِنَ اللُّغَةِ وَمَا لَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ، وَكَذَلِكَ عُلَمَاءُ الشِّعْرِ وَالطِّبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلِكُلِّ عِلْمٍ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهِ، (1) س، ب: وَمَا. (2) س، ب: قَدْ. (3) ن، م، س: أَنَّ مَا. (4) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي إِسْحَاقَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيِّ الثَّعْلَبِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 427 فِيمَا مَضَى 2/27 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ تَفْسِيرَهُ "الْكَشْفَ وَالْبَيَانَ" فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ "غَيْرُ مَطْبُوعٍ. وَانْظُرْ عَنْهُ أَيْضًا:" طَبَقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ "لِلدَّاوُدِيِّ 1/65 - 66،" مُعْجَمَ الْمُؤَلِّفِينَ "2/60، وَذَكَرَ بُرُوكْلِمَانُ فِي مَقَالَتِهِ عَنِ الثَّعْلَبِيِّ فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، عَنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ: وَقَدْ نَقَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ تَغْرِي بَرْدِي لِأَنَّهُ أَخَذَ فِيهِ بِالرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ وَخَاصَّةً فِي السُّوَرِ الْأُولَى. وَانْظُرِ الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 12/40 حَيْثُ يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَكَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَاسِعَ السَّمَاعِ، وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنَ الْغَرَائِبِ شَيْءٌ كَثِيرٌ." (5) أَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (6) الثَّعْلَبِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَبِهَا يَتِمُّ الْكَلَامُ. (7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (8) إِلَى عِلْمِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، س، ب: إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ. (9) س، ب: وَغَيْرِ نَحْوِ الْعَرَبِ. وَالْعُلَمَاءُ بِالْحَدِيثِ أَجَلُّ هَؤُلَاءِ قَدْرًا [1] ، وَأَعْظَمُهُمْ صِدْقًا، وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً، وَأَكْثَرُ دِينًا. وَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ صِدْقًا وَأَمَانَةً، وَعِلْمًا وَخِبْرَةً، فِيمَا يَذْكُرُونَهُ عَنِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، مِثْلَ مَالِكٍ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالْعِجْلِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ، وَأَبِي حَاتِمٍ [2] الْبَسْتِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ: خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّجَالِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ أَعْدَلَ مِنْ بَعْضٍ فِي وَزْنِ كَلَامِهِ، كَمَا أَنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ كَذَلِكَ. وَقَدْ صَنَّفَ لِلنَّاسِ كُتُبًا فِي نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ: كِبَارًا وَصِغَارًا، مِثْلَ الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ، وَتَارِيخَيِ الْبُخَارِيِّ، وَالْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَبْلَهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَغَيْرِهِ، وَكِتَابِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، وَابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَابْنِ أَبِيِ حَاتِمٍ، وَكِتَابِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَكُتُبِ [3] أَبِي حَازِمٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَصُنِّفَتْ كُتُبُ الْحَدِيثِ تَارَةً عَلَى الْمَسَانِدِ، فَتَذْكُرُ مَا أَسْنَدَهُ الصَّاحِبُ [4] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي دَاوُدَ (1) س، ب: أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ. (2) ، ب: وَأَبِي حَامِدٍ، وَهُوَ خَطَأُ. (3) س، ب: وَكِتَابِ. (4) ب: الصَّحَابِيُّ. الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِيِ عُمَرَ، وَالْعَدَنِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، وَأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ الْبَصْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَارَةً عَلَى الْأَبْوِابِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَدَ مَقْصِدَهُ الصَّحِيحَ [1] كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ خَرَّجَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، كَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالْبَرْقَانِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ أَحَادِيثَ السُّنَنِ، كَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ الْجَامِعَ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ الْفَضَائِلُ وَغَيْرُهَا، كَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا عِلْمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَعْظَمِ عُلُومِ الْإِسْلَامِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّافِضَةَ أَقَلُّ مَعْرِفَةً بِهَذَا الْبَابِ، وَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ أَجْهَلُ مِنْهُمْ بِهِ، فَإِنَّ سَائِرَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ - كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ - * مُقَصِّرُونَ [2] فِي مَعْرِفَةِ هَذَا، وَلَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ، أَعْلَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَالْخَوَارِجُ أَعْلَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَالْخَوَارِجُ * [3] أَصْدَقُ مِنَ الرَّافِضَةِ وَأَدْيَنُ وَأَوْرَعُ، بَلِ الْخَوَارِجُ لَا نَعْرِفُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ، بَلْ هُمْ [مِنْ] [4] أَصْدَقِ النَّاسِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ - مِثْلُ سَائِرِ الطَّوَائِفِ - فِيهِمْ مَنْ يَكْذِبُ وَفِيهِمْ مَنْ يَصْدُقُ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْعِنَايَةِ بِالْحَدِيثِ وَمَعْرِفَتِهِ [5] مَا لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَتَدَيَّنُونَ [6] بِهِ [7] فَيَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ الصِّدْقُ. (1) ن: مَنْ قَصَدَ قَصْدَ الصَّحِيحِ، س، ب: مَنْ قَصَدَ الصَّحِيحَ. (2) س، ب: يُقَصِّرُونَ. (3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (4) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (5) س، ب: وَمَعْرِفَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (6) ب: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَتَدَيَّنُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (7) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
__________________
|
#404
|
||||
|
||||
![]() وَأَهْلُ الْبِدَعِ سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ ابْتَدَعُوهَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا [1] ، وَلَا يَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ، بَلْ وَلَا الْقُرْآنَ، فِي أُصُولِهِمْ [إِلَّا] [2] لِلِاعْتِضَادِ لَا لِلِاعْتِمَادِ. وَالرَّافِضَةُ أَقَلُّ مَعْرِفَةً وَعِنَايَةً بِهَذَا، إِذْ [3] كَانُوا لَا يَنْظُرُونَ فِي الْإِسْنَادِ وَلَا فِي سَائِرِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ: هَلْ [4] تُوَافِقُ ذَلِكَ أَوْ تُخَالِفُهُ؟ وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ لَهُمْ أَسَانِيدُ مُتَّصِلَةٌ صَحِيحَةٌ قَطُّ، بَلْ كُلُّ إِسْنَادٍ مُتَّصِلٌ لَهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْ [5] هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ أَوْ كَثْرَةِ الْغَلَطِ. وَهُمْ فِي ذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِسْنَادٌ. وَالْإِسْنَادُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ هُوَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ خَصَائِصِ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَالرَّافِضَةُ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ عِنَايَةً ; إِذْ [6] كَانُوا لَا يُصَدِّقُونَ إِلَّا بِمَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، وَعَلَامَةُ كَذِبِهِ أَنَّهُ [7] يُخَالِفُ هَوَاهُمْ ; وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: أَهْلُ الْعِلْمِ يَكْتُبُونَ مَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ، وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ لَا يَكْتُبُونَ إِلَّا مَا لَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَهُمْ كَانُوا كَثِيرِي [8] الْكَذِبِ، فَانْتَقَلَتْ أَحَادِيثُهُمْ إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ التَّمْيِيزُ إِلَّا بِتَصْدِيقِ الْجَمِيعِ أَوْ تَكْذِيبِ الْجَمِيعِ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ غَيْرُ الْإِسْنَادِ. (1) ب: ابْتَدَعُوهَا وَاعْتَمَدُوهَا. (2) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (س) . (3) ن، م، س، ب: إِذَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (4) س: بَلْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (5) س، ب: مَا. (6) ن، س، ب: إِذَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (7) ن، م: أَنْ. (8) ن، م، س: كَثِيرِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ. فَيُقَالُ: مَا يَرْوِيهِ مِثْلُ أَبِي نُعَيْمٍ وَالثَّعْلَبِيِّ وَالنَّقَّاشِ وَغَيْرِهِمْ [1] : أَتَقْبَلُونَهُ مُطْلَقًا؟ أَمْ تَرُدُّونَهُ مُطْلَقًا؟ أَمْ تَقْبَلُونَهُ إِذَا كَانَ لَكُمْ [لَا عَلَيْكُمْ] [2] ، وَتَرُدُّونَهُ إِذَا كَانَ عَلَيْكُمْ؟ فَإِنْ تَقْبَلُوهُ [3] مُطْلَقًا، فَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَهٌ فِي فَضَائِلِ [4] أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ تُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ. وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي أَوَّلِ "الْحِلْيَةِ" فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، وَفِي كِتَابِ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَحَادِيثَ بَعْضُهَا صَحِيحَةٌ وَبَعْضُهَا ضَعِيفَةٌ، بَلْ مُنْكَرَةٌ [5] . وَكَانَ رَجُلًا عَالِمًا بِالْحَدِيثِ فِيمَا يَنْقُلُهُ، لَكِنْ هُوَ وَأَمْثَالُهُ يَرْوُونَ مَا فِي الْبَابِ، لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَوَى كَالْمُفَسِّرِ الَّذِي يَنْقُلُ أَقْوَالَ النَّاسِ فِي التَّفْسِيرِ، وَالْفَقِيهِ الَّذِي يَذْكُرُ الْأَقْوَالَ فِي الْفِقْهِ، وَالْمُصَنِّفِ الَّذِي يَذْكُرُ حُجَجَ النَّاسِ، لِيَذْكُرَ مَا ذَكَرُوهُ [6] ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْتَقَدُ صِحَّتُهُ، بَلْ يُعْتَقَدُ ضَعْفُهُ ; لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا نَقَلْتُ مَا ذَكَرَ غَيْرِي، فَالْعُهْدَةُ [7] عَلَى الْقَائِلِ لَا عَلَى النَّاقِلِ. وَهَكَذَا كَثِيرٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الْعِبَادَاتِ، وَفَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ، وَغَيْرِ (1) م: وَنَحْوِهِمْ. (2) لَا عَلَيْكُمْ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (3) ن، م: فَإِنْ قَبِلُوهُ. (4) فَضَائِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (5) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ) فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/111 قَالَ الْخَطِيبُ: رَأَيْتُ لِأَبِي نُعَيْمٍ أَشْيَاءَ يَتَسَاهَلُ فِيهَا ; مِنْهَا أَنَّهُ يُطْلِقُ فِي الْإِجَازَةِ أَخْبَرَنَا، وَلَا يُبَيِّنُ، قُلْتُ: هَذَا مَذْهَبٌ رَآهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّدْلِيسِ، وَكَلَامُ ابْنِ مِنْدَهْ فِي أَبِي نُعَيْمٍ فَظِيعٌ لَا أُحِبُّ حِكَايَتَهُ، وَلَا أَقْبَلُ قَوْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ ; بَلْ هُمَا عِنْدِي مَقْبُولَانِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُمَا ذَنْبًا أَكْثَرَ مِنْ رِوَايَتِهِمَا الْمَوْضُوعَاتِ سَاكِتِينَ عَنْهَا، وَانْظُرْ: "لِسَانَ الْمِيزَانِ" 1/201 - 202 (6) م: مَا يَذْكُرُوهُ. (7) ن، س، ب: فَالْعَهْدُ. ذَلِكَ: يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ، بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا يَذْكُرُونَ [أَحَادِيثَ] [1] فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ، عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيَذْكُرُونَ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ [2] جُمُعَةٍ مِنْهُ، وَأَلْفِيَّةَ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَكَمَا يَذْكُرُونَ فِي فَضَائِلِ عَاشُورَاءَ مَا وَرَدَ مِنَ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَفَضَائِلِ الْمُصَافَحَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالْخِضَابِ وَالِاغْتِسَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَذْكُرُونَ فِيهَا صَلَاةً. وَكُلُّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يَصِحَّ فِي عَاشُورَاءَ إِلَّا فَضْلُ صِيَامِهِ. قَالَ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ [3] يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» ؟ فَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ [4] . وَقَدْ صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ - عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ - غَيْرُ وَاحِدٍ، مِثْلُ خَيْثَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَطْرَابُلْسِيِّ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا قَبْلَ أَبِي نُعَيْمٍ. يَرْوِي عَنْهُ إِجَازَةً. وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ جَرَوْا عَلَى الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ لِأَمْثَالِهِمْ مِمَّنْ يُصَنِّفُ فِي الْأَبْوِابِ: أَنَّهُ يَرْوِي مَا سَمِعَهُ فِي هَذَا [5] الْبَابِ. (1) أَحَادِيثَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، وَفِي (ب) : كَمَا يَذْكُرُونَ فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ أَحَادِيثَ. (2) لَيْلَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (3) ن، م: أَهْلِهِ. (4) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَنْسُوبٍ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 2/109 - 110 وَقَالَ: مَوْضُوعٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَضَعَهُ وَرَكَّبَهُ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ، وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ وَضَعَّفَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 6/256 (5) ن، م: ذَلِكَ. وَهَكَذَا الْمُصَنِّفُونَ فِي التَّوَارِيخِ، مِثْلَ "تَارِيخِ دِمَشْقَ" لِابْنِ عَسَاكِرَ وَغَيْرِهِ، إِذَا ذَكَرَ تَرْجَمَةَ وَاحِدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ غَيْرِهِ [1] يَذْكُرُ كُلَّ مَا رَوَاهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، فَيَذْكُرُ لِعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي فَضْلِهِمَا مَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَلَكِنْ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَمُعَاوِيَةُ لَيْسَ لَهُ بِخُصُوصِهِ فَضِيلَةٌ فِي الصَّحِيحِ، لَكِنْ قَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَتَبُوكَ، وَحَجَّ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، فَهُوَ مِمَّنِ ائْتَمَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كِتَابَةِ الْوَحْيِ، كَمَا ائْتَمَنَ غَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ. فَإِذَا كَانَ الْمُخَالِفُ يَقْبَلُ كُلَّ مَا رَوَاهُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ فِي كُتُبِهِمْ، فَقَدْ رَوَوْا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً تُنَاقِضُ مَذْهَبَهُمْ. وَإِنْ كَانَ يَرُدُّ الْجَمِيعَ، بَطَلَ احْتِجَاجُهُ بِمُجَرَّدِ عَزْوِهِ الْحَدِيثَ [بِدُونِ الْمَذْهَبِ] إِلَيْهِمْ [2] . وَإِنْ قَالَ: أَقْبَلُ مَا يُوَافِقُ مَذْهَبِي وَأَرُدُّ مَا يُخَالِفُهُ، أَمْكَنَ مُنَازِعُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ هَذَا، [وَكِلَاهُمَا] [3] بَاطِلٌ، لَا يَجُوزُ أَنَّ يُحْتَجَّ عَلَى * صِحَّةِ مَذْهَبٍ بِمِثْلِ هَذَا، فَإِنَّهُ يُقَالُ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَرَفْتَ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ بِدُونِ الْمَذْهَبِ، فَاذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى * [4] صِحَّتِهِ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَرَفْتَ صِحَّتَهُ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْمَذْهَبَ، امْتَنَعَ تَصْحِيحُ الْحَدِيثِ بِالْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ صِحَّةُ الْمَذْهَبِ مَوْقُوفَةً عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَصِحَّةُ الْحَدِيثِ مَوْقُوفَةً عَلَى صِحَّةِ الْمَذْهَبِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرَ الْمُمْتَنِعَ. (1) ب: أَوْ غَيْرِهِمْ. (2) بِدُونِ الْمَذْهَبِ إِلَيْهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) ، وَفِي (ن) : بِمُجَرَّدِ عَزْوِهِ الْحَدِيثَ إِلَيْهِمْ. (3) وَكِلَاهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . وَأَيْضًا فَالْمَذْهَبُ: إِنْ كُنْتَ عَرَفْتَ صِحَّتَهُ بِدُونِ هَذَا الطَّرِيقِ، لَمْ يَلْزَمْ صِحَّةَ هَذَا الطَّرِيقِ. فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْذِبُ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ حَقًّا، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [1] قَوْلًا هُوَ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] - فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ صِدْقًا فِي نَفْسِهِ [3] أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَرَفْتَ صِحَّتَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، امْتَنَعَ أَنْ تَعْرِفَ صِحَّةَ الطَّرِيقِ بِصِحَّتِهِ ; لِإِفْضَائِهِ إِلَى الدَّوْرِ. فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يُعْلَمُ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَذْهَبُ مَعْلُومَ الصِّحَّةِ، أَوْ غَيْرَ مَعْلُومِ الصِّحَّةِ. وَأَيْضًا [4] فَكُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ وَإِنْصَافٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ فِيهَا صِدْقٌ وَكَذِبٌ [5] ، وَأَنَّ النَّاسَ كَذَبُوا فِي الْمَثَالِبِ وَالْمَنَاقِبِ، كَمَا كَذَبُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَبُوا فِيمَا يُوَافِقُهُ وَيُخَالِفُهُ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي كَثِيرٍ مِمَّا رَوَوْهُ [6] فِي فَضَائِلِ أَبَى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، كَمَا كَذَبُوا فِي كَثِيرٍ مِمَّا رَوَوْهُ [7] فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَكْثَرُ كَذِبًا مِنَ الرَّافِضَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ [8] لَا يَكَادُونَ يَكْذِبُونَ، بَلْ هُمْ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ مَعَ بِدْعَتِهِمْ وَضَلَالِهِمْ. (1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (3) م: مِنْ كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقًا فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (4) وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (5) ن، م: كَذِبٌ وَصِدْقٌ. (6) س، ب: مِمَّا يَرْوُونَهُ. (7) س: يَرْوُوهُ، ب: يَرْوُونَهُ. (8) س، ب: فَإِنَّ مِنَ الْخَوَارِجِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَلَا يُصَدِّقُونَ بِالنَّقْلِ وَيُكَذِّبُونَ [بِهِ] [1] بِمُجَرَّدِ مُوَافَقَةِ مَا يَعْتَقِدُونَ، بَلْ قَدْ يَنْقُلُ الرَّجُلُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِيهَا فَضَائِلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَيَرُدُّونَهَا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا كَذِبٌ، وَيَقْبَلُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لِصِحَّتِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُونَهُ: إِمَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، أَوْ لَهَا تَفْسِيرٌ لَا يُخَالِفُونَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَالْأَصْلُ فِي النَّقْلِ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إِلَى أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَعُلَمَائِهِ، وَمَنْ يُشْرِكُهُمْ فِي عِلْمِهِمْ عَلِمَ مَا يَعْلَمُونَ، وَأَنَّ يُسْتَدَلَّ عَلَى الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الرِّوَايَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَهَذَا. وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَائِلِ: "رَوَاهُ فُلَانٌ" لَا يَحْتَجُّ بِهِ: لَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَلَا الشِّيعَةُ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَحْتَجُّ بِكُلِّ حَدِيثٍ رَوَاهُ كُلُّ مُصَنِّفٍ، فَكُلُّ حَدِيثٍ يَحْتَجُّ بِهِ نُطَالِبُهُ مِنْ أَوَّلِ مَقَامٍ بِصِحَّتِهِ. وَمُجَرَّدُ عَزْوِهِ إِلَى رِوَايَةِ الثَّعْلَبِيِّ وَنَحْوِهِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ. وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمُ الَّتِي تَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ، لَا [فِي] [2] الصِّحَاحِ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ [3] وَغَيْرِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كَذِبَ مِثْلِ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ. وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ ظَنِّ مَنْ يَظُنُّ مِنَ الْعَامَّةِ - وَبَعْضِ مَنْ يَدْخُلُ فِي غِمَارِ الْفُقَهَاءِ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى أَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَنَحْوَهُ كَانُوا مِنْ قَبْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (2) فِي: زِيَادَةٌ فِي (م) . (3) ب: الْمَسَانِدِ. وَسَلَّمَ -، أَوْ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ مِنَ التُّرْكُمَانِ أَنَّ حَمْزَةَ لَهُ مَغَازٍ عَظِيمَةٌ وَيَنْقُلُونَهَا بَيْنَهُمْ، وَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إِلَّا بَدْرًا وَأُحُدًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمِثْلَ مَا يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ فِي مَقَابِرِ دِمَشْقَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ سَلَمَةَ وَغَيْرَهَا، وَمِنْ أَصْحَابِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأُوَيْسٌ الْقَرْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْدَمْ دِمَشْقَ، وَلَكِنْ كَانَ فِي الشَّامِ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّونَهَا أُمَّ سَلَمَةَ، فَظَنَّ الْجُهَّالُ أَنَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ. وَأُوَيْسٌ تَابِعِيٌّ لَمْ يَقْدَمِ الشَّامَ. \ 507 وَمِثْلَ مَنْ يَظُنُّ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّ قَبْرَ عَلِيٍّ بِبَاطِنِ النَّجَفِ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ - بِالْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا - يَعْلَمُونَ بُطْلَانَ هَذَا، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كُلٌّ مِنْهُمْ دُفِنَ فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِبَلَدِهِ، خَوْفًا عَلَيْهِ [1] مِنَ الْخَوَارِجِ أَنْ يَنْبُشُوهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا تَحَالَفُوا عَلَى قَتْلِ الثَّلَاثَةِ، فَقَتَلُوا عَلِيًّا وَجَرَحُوا مُعَاوِيَةَ. وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ [2] خَارِجَةُ، فَضَرَبَهُ الْقَاتِلُ يَظُنُّهُ عَمْرًا فَقَتَلَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ خَارِجَةُ، فَقَالَ: أَرَدْتُ عَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ خَارِجَةَ، فَصَارَ مَثَلًا. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولَاتِ يَعْلَمُونَ خِلَافَ ذَلِكَ. (1) م: عَلَيْهِمْ. (2) ن، س، ب: إِنَّهُ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ [1] : فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ; فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ بِغَدِيرٍ يُدْعَى خُمًّا نَادَى النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا، فَأَخَذَ بِيَدَيْ عَلِيٍّ وَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، وَأَنَّ هَذَا قَدْ شَاعَ وَطَارَ بِالْبِلَادِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ، وَأَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَاقَتِهِ وَهُوَ فِي الْأَبْطَحِ وَأَتَى وَهُوَ فِي مَلَأٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَذَكَرَ أَنَّهُمُ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، ثُمَّ قَالَ: "أَلَمْ تَرْضَى بِهَذَا حَتَّى رَفَعْتَ بِضَبْعَيِ ابْنِ عَمِّكَ تُفَضِّلُهُ عَلَيْنَا" وَقُلْتَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فِعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» ؟ وَهَذَا مِنْكَ أَمْ [2] مِنَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [3] ، فَوَلَّى الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ يُرِيدُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، فَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ، فَسَقَطَ عَلَى هَامَتِهِ، وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ فَقَتَلَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ - لِلْكَافِرينَ} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 1، 2] الْآيَةَ. فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْكَذَّابِينَ: أَجْمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَدِيرِ خُمٍّ [4] كَانَ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَالشِّيعَةُ تُسَلِّمُ هَذَا، وَتَجْعَلُ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْجِعْ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ رَجَعَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَعَاشَ تَمَامَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ، وَتُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. (1) ن: أَنْ تَقُولَ. (2) س، ب: أَوْ. (3) م: هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ. (4) عِبَارَةُ بِغَدِيرِ خُمٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُذْكَرُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ هَذَا بِغَدِيرِ خُمٍّ وَشَاعَ فِي الْبِلَادِ، جَاءَهُ الْحَارِثُ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ، وَالْأَبْطَحُ [1] بِمَكَّةَ، فَهَذَا كَذِبُ جَاهِلٍ لَمْ يَعْلَمْ مَتَى كَانَتْ قِصَّةُ غَدِيرِ خُمٍّ. وَأَيْضًا [2] فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ - سُورَةَ سَأَلَ سَائِلٌ - مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَهَذِهِ نَزَلَتْ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ بِعَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ [تَكُونُ] [3] نَزَلَتْ بَعْدَهُ؟ . وَأَيْضًا قَوْلُهُ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 32] فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَقَدْ نَزَلَتْ عَقِيبَ بَدْرٍ [4] بِالِاتِّفَاقِ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ مَا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْهِجْرَةِ، كَأَبِي جَهْلٍ وَأَمْثَالِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ ذَكَّرَ نَبِيَّهُ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ [5] بِقَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} أَيِ اذْكُرْ قَوْلَهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30] ، {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 121] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَذْكُرَ كُلَّ مَا تَقَدَّمَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَفْتَحُوا بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ ; فَقَالَ: (1) وَالْأَبْطَحُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (2) وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (3) تَكُونُ: فِي (م) فَقَطْ. (4) س، ب: وَقَدْ نَزَلَتْ بِبَدْرٍ. (5) س، ب: يَقُولُونَ. {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 32] ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 33] وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ لَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ هَذَا آيَةً لَكَانَ مِنْ جِنْسِ آيَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ. وَلَوْ أَنَّ النَّاقِلَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يَرْوِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْعِلْمِ: لَا الْمُسْنَدِ، وَلَا الصَّحِيحِ، وَلَا الْفَضَائِلِ، وَلَا التَّفْسِيرِ، وَلَا السِّيَرِ وَنَحْوِهَا، إِلَّا مَا يُرْوَى بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ الْمُنْكَرِ - عُلِمَ [1] أَنَّهُ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ. وَأَيْضًا فَقَدْ ذُكِرَ [2] فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ أُمِرَ بِمَبَانِي الْإِسْلَامِ الْخَمْسِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدَ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ قَالَ: "فَقَبِلْنَاهُ [3] مِنْكَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصِبْهُ هَذَا." وَأَيْضًا فَهَذَا الرَّجُلُ لَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الطُّرُقِيَّةُ، مِنْ جِنْسِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي سِيرَةِ عَنْتَرٍ وَدَلْهَمَةَ. وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ كُتُبًا كَثِيرَةً فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ، حَتَّى فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، مِثْلَ كِتَابِ "الِاسْتِيعَابِ" لِابْنِ (1) ن، م، س: عَلَى، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) . (2) م: فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، س، ب: فَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ. (3) ن، س، ب: فَقَبِلْنَا. عَبْدِ الْبَرِّ، وَكِتَابِ ابْنِ مِنْدَهْ، وَأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَالْحَافِظِ أَبِي مُوسَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا الرَّجُلَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَذْكُرُونَ إِلَّا مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، لَا يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ الطُّرُقِيَّةِ، مِثْلَ "تَنَقُّلَاتِ الْأَنْوَارِ" لِلْبَكْرِيِّ الْكَذَّابِ [1] وَغَيْرِهِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: أَنْتُمُ ادَّعَيْتُمْ أَنَّكُمْ أَثْبَتُّمْ إِمَامَتَهُ بِالْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا ; فَإِنَّهُ قَالَ: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] . وَهَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ. فَدَعْوَى الْمُدَّعَى أَنَّ إِمَامَةَ عَلِيٍّ هِيَ [2] مِمَّا بَلَّغَهَا، أَوْ مِمَّا [3] أُمِرَ بِتَبْلِيغِهَا، لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ كَانَ ذَلِكَ إِثْبَاتًا بِالْخَبَرِ لَا بِالْقُرْآنِ. فَمَنِ ادَّعَى أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى [أَنَّ] [4] إِمَامَةَ عَلِيٍّ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، فَقَدِ افْتَرَى عَلَى الْقُرْآنِ، فَالْقُرْآنُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عُمُومًا وَلَا خُصُوصًا. الْوَجْهُ الرَّابِعُ [5] : أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ، مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَا ذَكَرُوهُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنَزِّلْهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِهَا [6] ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ، لَبَلَّغَهُ ; فَإِنَّهُ لَا يَعْصِي اللَّهَ فِي ذَلِكَ. (1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَكْرِيِّ وَكِتَابِهِ تَنَقُّلَاتِ الْأَنْوَارِ. (2) هِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (3) مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (4) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ن (م) ، (س) . (5) م: الثَّالِثُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (6) م: وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا.
__________________
|
#405
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (405) صـ 47 إلى صـ 56 وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَقَدْ كَذَبَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] ." لَكِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبَلِّغْ شَيْئًا مِنْ إِمَامَةِ عَلِيٍّ، وَلَهُمْ عَلَى هَذَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ يُثْبِتُونَ بِهَا هَذَا الْعِلْمَ. مِنْهَا: أَنَّ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَنُقِلَ، كَمَا نُقِلَ أَمْثَالُهُ مِنْ حَدِيثِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ مَا يُنْقَلُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ، فَكَيْفَ لَا يُنْقَلُ الْحَقُّ [الصِّدْقُ] [1] الَّذِي قَدْ بُلِّغَ لِلنَّاسِ؟ ! . وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُمَّتَهُ بِتَبْلِيغِ مَا سَمِعُوا مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ كِتْمَانُ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ، وَطَلَبَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرٌ، فَأُنْكِرَ [2] ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: الْإِمَارَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ، وَرَوَى الصَّحَابَةُ فِي [مَوَاطِنَ] [3] مُتَفَرِّقَةٍ الْأَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي [4] : "أَنَّ «الْإِمَامَةَ فِي قُرَيْشٍ»" [5] (1) الصِّدْقُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (2) ب: فَأَنْكَرُوا. (3) مَوَاطِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (4) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (5) الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ "ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 2/298 - 301 حَدِيثٌ رَقْمُ 520 وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى طُرُقِهِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُطَوَّلًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/129 وَأَوَّلُهُ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ وَلَكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ عَنْهُ: حم مُسْنَدُ أَحْمَدَ، ن سُنَنُ النَّسَائِيِّ، الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ، وَقَالَ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ إِنَّ الطَّيَالِسِيَّ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، إِلَخْ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَوَّلُهُ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبْرَارُهَا أُمَرَاءُ أَبْرَارِهَا، وَفُجَّارُهَا أُمَرَاءُ فَجَّارِهَا. الْحَدِيثَ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَالْحَاكِمَ أَخْرَجَاهُ، وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، 4/75 - 76 وَفِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ لِلْطَبَرَانِيِّ ص 85 وَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/192 وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَلْبَانِيِّ أَيْضًا، وَحَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/421، 424 وَذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ رَقْمُ 1009، 1029" وَلَمْ يَرْوِ وَاحِدٌ [1] مِنْهُمْ: لَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَا غَيْرِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ. وَبَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ بَنِي عَبْدِ مُنَافٍ - مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ - لَهُمْ مَيْلٌ قَوِيٌّ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَخْتَارُونَ وَلَايَتَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا النَّصَّ. وَهَكَذَا أُجْرِيَ الْأَمْرُ [2] فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَفِي عَهْدِهِ أَيْضًا لَمَّا صَارَتْ لَهُ وَلَايَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ [3] هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَا مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ هَذَا النَّصَّ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ هَذَا النَّصُّ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الَّذِينَ يَتَوَلُّونَ عَلِيًّا وَيُحِبُّونَهُ، وَيَقُولُونَ [4] : إِنَّهُ كَانَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ عُثْمَانَ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ، قَدْ نَازَعَهُمْ [5] فِي ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: كَانَ زَمَانُهُ زَمَانَ فِتْنَةٍ وَاخْتِلَافٍ [6] بَيْنَ الْأُمَّةِ، لَمْ تَتَّفِقِ الْأُمَّةُ فِيهِ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ. (1) ن، م: أَحَدٌ. (2) ن، س، ب: وَهَكَذَا جَرَى النَّصُّ. (3) ن، ب: لَمْ يَذْكُرْ، س: لَمْ يَذْكُرْهُ. (4) ب: يَقُولُونَ. (5) س: وَقَدْ تَنَازَعَهُمْ، ب: قَدْ نَازَعَهُمْ، م: تَنَازَعَهُمْ. (6) ن، م، س: وَالِاخْتِلَافُ. وَقَالَ طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ كَالْكَرَّامِيَّةِ: بَلْ هُوَ كَانَ إِمَامًا وَمُعَاوِيَةُ إِمَامًا، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ إِمَامَانِ لِلْحَاجَةِ. وَهَكَذَا قَالُوا فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَيَزِيدَ، حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا النَّاسَ اتَّفَقُوا عَلَى إِمَامٍ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، مَعَ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالْحَدِيثِ، احْتَجَّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ: "«تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا»" [1] . وَبَعْضُ النَّاسِ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ، لَكِنَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ يُثْبِتُونَهُ، فَهَذَا عُمْدَتُهُمْ مِنَ النُّصُوصِ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَلَوْ ظَفِرُوا بِحَدِيثٍ مُسْنَدٍ أَوْ مُرْسَلٍ مُوَافِقٍ لِهَذَا لَفَرِحُوا بِهِ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ مِنَ النَّصِّ، هُوَ مِمَّا لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَقْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا. وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ كَذِبَ هَذَا النَّقْلِ، كَمَا يَعْلَمُونَ كَذِبَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الْمَكْذُوبَةِ. وَقَدْ جَرَى تَحْكِيمُ الْحَكَمَيْنِ، وَمَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا غَيْرِهِمْ مَنْ ذَكَرَ هَذَا النَّصَّ، مَعَ كَثْرَةِ شِيعَتِهِ، وَلَا فِيهِمْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ، فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي تَتَوَفَّرُ فِيهِ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى إِظْهَارِ مِثْلِ هَذَا النَّصِّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّصُّ مَعْرُوفًا عِنْدَ شِيعَةِ عَلِيٍّ - فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ - ; لَكَانَتِ الْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: هَذَا نَصُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خِلَافَتِهِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ. وَأَبُو مُوسَى نَفْسُهُ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، لَوْ [2] عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/515. (2) ن، م، س: قَدْ. عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِلَّ عَزْلَهُ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَكَانَ مَنْ أَنْكَرَ عَزْلَهُ [1] عَلَيْهِ يَقُولُ: كَيْفَ تَعْزِلُ مَنْ نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خِلَافَتِهِ؟ . وَقَدِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ»" وَهَذَا الْحَدِيثُ خَبَرُ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَنَحْوِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مُتَوَاتِرًا [2] . وَالنَّصُّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ مُتَوَاتِرٌ، فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ كَيْفَ سَاغَ [3] عِنْدَ النَّاسِ احْتِجَاجُ شِيعَةِ عَلِيٍّ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالنَّصِّ؟ . [فصل البرهان الثالث "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي" والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [4] : "الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3] رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [5] - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا النَّاسَ إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ [6] ، وَأَمَرَ بِإِزَالَةِ مَا تَحْتَ الشَّجَرِ مِنَ الشَّوْكِ [7] ، فَقَامَ [8] فَدَعَا" (1) عَزْلَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (2) م: وَلَيْسَ هُوَ مُتَوَاتِرٌ، وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/413 - 420 (3) ن، م: شَاعَ. (4) فِي (ك) ص 150 (م) . (5) ك: أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ. (6) ك: النَّاسَ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي غَدِيرِ خُمٍّ. (7) ك: وَأَمَرَ بِمَا تَحْتَ الشَّجَرِ مِنَ الشَّوْكِ، ن، س، ب: وَأَمَرَنَا بَحَتِّ الشَّجَرَةِ مِنَ الشَّوْكِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) (8) ك: فَقُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. عَلِيًّا، فَأَخَذَ [1] بِضَبْعَيْهِ فَرَفَعَهُمَا، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَى [بَيَاضِ] [2] إِبِطَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ لَمْ يَتَفَرَّقُوا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى إِكْمَالِ الدِّينِ، وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ، وَرِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتِي، وَبِالْوَلَايَةِ لِعَلِيٍّ مِنْ بَعْدِي. ثُمَّ قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ» "." وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بَيَانُ صِحَّةِ الْحَدِيثِ. وَمُجَرَّدُ عَزْوِهِ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ لَا تُفِيدُ الصِّحَّةَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ: عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ ; فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ رَوَى كَثِيرًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي هِيَ ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ: السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ حَافِظًا [3] كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ رَوَى، كَمَا عَادَةُ الْمُحَدِّثِينَ أَمْثَالِهِ يَرْوُونَ جَمِيعَ مَا فِي الْبَابِ ; لِأَجْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَجُّ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِبَعْضِهِ. وَالنَّاسُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ: مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرْوِي عَمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْذِبُ، مِثْلَ مَالِكٍ، وَشُعْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَرْوُونَ عَنْ شَخْصٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ عِنْدَهُمْ، (1) م: وَأَحَدَ. (2) بَيَاضِ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) . (3) ن، س، ب: حَافِظًا ثِقَةً. وَلَا يَرْوُونَ حَدِيثًا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ عَنْ كَذَّابٍ، فَلَا يَرْوُونَ أَحَادِيثَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ يُعْرَفُونَ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، لَكِنْ قَدْ يَتَّفِقُ فِيمَا يَرْوُونَهُ مَا يَكُونُ صَاحِبُهُ أَخْطَأَ فِيهِ. وَقَدْ يَرْوِي الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا أَحَادِيثَ تَكُونُ ضَعِيفَةً عِنْدَهُمْ ; لِاتِّهَامِ رُوَاتِهَا بِسُوءِ الْحِفْظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِيُعْتَبَرَ بِهَا وَيُسْتَشْهَدَ بِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ مَا يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مَا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ وَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُهَا كَذَّبَهَا [1] فِي الْبَاطِنِ، لَيْسَ مَشْهُورًا بِالْكَذِبِ، بَلْ يَرْوِي كَثِيرًا مِنَ الصِّدْقِ، فَيُرْوَى حَدِيثُهُ. وَلَيْسَ كُلُّ مَا رَوَاهُ الْفَاسِقُ يَكُونُ كَذِبًا، بَلْ يَجِبُ التَّبَيُّنُ [2] مِنْ خَبَرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 6] فَيُرْوَى لِتَنْظُرَ سَائِرَ الشَّوَاهِدِ: هَلْ تَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ أَوَ الْكَذِبِ؟ . وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ يَعِزُّ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ، بَلْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ، فَيَرْوِي مَا سَمِعَهُ كَمَا سَمِعَهُ، وَالدَّرْكُ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَيْهِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ وَفِي رِجَالِهِ وَإِسْنَادِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَوْضُوعَاتِ. وَهَذَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ [3] بِالْحَدِيثِ، وَالْمَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ [4] لَا يُوجَدُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. (1) ب: كَذَّابًا. (2) ن، س: التَّبْيِينُ. (3) سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (4) ن، م: وَلِهَذَا. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ [1] وَالتَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، «وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا ; لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ [الْيَوْمَ] [2] عِيدًا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَأَيُّ آيَةٍ هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3] فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ يَوْمٍ نَزَلَتْ، وَفِي أَيِّ مَكَانٍ نَزَلَتْ. نَزَلَتْ [3] يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ [4] وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ» . وَهَذَا مُسْتَفِيضٌ مِنْ زِيَادَةِ وُجُوهٍ أُخَرَ [5] . وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ: الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ وَالْجَوَامِعِ وَالسِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ [6] وَغَيْرُ ذَلِكَ [7] . وَهَذَا الْيَوْمُ كَانَ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَاسِعَ ذِي الْحِجَّةِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ الْغَدِيرِ؟ ! . الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى عَلِيٍّ وَلَا إِمَامَتِهِ بِوَجْهٍ (1) م: وَالْمَسَانِيدِ. (2) الْيَوْمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (3) نَزَلَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (4) بِعَرَفَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (5) ن، س، ب: أُخْرَى. (6) م: وَالْمَسَانِيدُ وَالسُّنَنُ وَالتَّفْسِيرُ. (7) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/14، (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) 6/50 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمَائِدَةِ) ، مُسْلِمٍ 4/2312 - 2313 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، حَدِيثٌ رَقْمُ 3، 4، 5) سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 4/316 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمَائِدَةِ) ، سُنَنُ النَّسَائِيِّ 8/100 (كِتَابُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِهِ، بَابُ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ) ، الْمُسْنَدُ (ط. الْمَعَارِفُ) 1/237، تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ 3/24 مِنَ الْوُجُوهِ، بَلْ فِيهَا إِخْبَارُ اللَّهِ بِإِكْمَالِ الدِّينِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَرِضَا الْإِسْلَامِ دِينًا. فَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَذِبٌ ظَاهِرٌ. وَإِنْ قَالَ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. فَيُقَالُ: الْحَدِيثُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَتَكُونُ الْحُجَّةُ مِنَ الْحَدِيثِ لَا مِنَ الْآيَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا. فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيَّنُ بِهِ [1] كَذِبُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ نُزُولَ الْآيَةِ لِهَذَا السَّبَبِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَصْلًا، تَنَاقُضٌ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "«اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ»" كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "«مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ»" فَلَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ، وَسَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - فِي مَوْضِعِهِ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَابٌ، وَهَذَا الدُّعَاءُ لَيْسَ بِمُجَابٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمَّا تَوَلَّى كَانَ الصَّحَابَةُ وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ قَاتَلُوا مَعَهُ، وَصِنْفٌ قَاتَلُوهُ، وَصِنْفٌ قَعَدُوا عَنْ هَذَا وَهَذَا. وَأَكْثَرُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ كَانُوا مِنَ الْقُعُودِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ بَعْضَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ قَاتَلُوهُ. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَتَلَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ [2] ، وَأَنَّ أَبَا الْغَادِيَةِ (1) بِهِ: لَيْسَتْ فِي (م) . (2) ن، م، س، ب: أَبُو الْعَادِيَةِ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى أَبِي الْغَادِيَةِ. هَذَا مِنَ السَّابِقِينَ، مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وَأُولَئِكَ جَمِيعُهُمْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»" [1] . وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ غُلَامَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَالَ: "كَذَبْتَ ; إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ»" [2] . وَحَاطِبٌ هَذَا هُوَ الَّذِي كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ بِخَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِسَبَبِ ذَلِكَ نَزَلَ [3] : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 1] الْآيَةَ، وَكَانَ مُسِيئًا إِلَى مَمَالِيكِهِ، وَلِهَذَا قَالَ مَمْلُوكُهُ هَذَا الْقَوْلَ، وَكَذَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: "إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ" وَفِي الصَّحِيحِ: "«لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»" . وَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ مِمَّنْ قَاتَلَ عَلِيًّا، كَطَلْحَةَ [4] وَالزُّبَيْرِ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلُ عَمَّارٍ فِيهِمْ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهِ. وَكَانَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ نَحْوَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَهُمُ الَّذِينَ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [5] خَيْبَرَ [6] ، كَمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ، وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمُ (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/28 (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/39 (3) ن: نَزَلَتْ. (4) س، ب: طَلْحَةَ. (5) ن، م: لَهُمْ. (6) م: كُلَّ خَيْرٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
__________________
|
#406
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (406) صـ 57 إلى صـ 66 النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا ; لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ، فَقَسَّمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، فَصَارَ لِأَهْلِ الْخَيْلِ سِتُّمِائَةِ سَهْمٍ، وَلِغَيْرِهِمْ أَلْفٌ وَمِائَتَا سَهْمٍ. هَذَا هُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ [1] ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَأَنَّ الْخَيْلَ كَانَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَاتَلَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، كَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. لَكِنَّ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ كَانُوا أَفْضَلَ، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ لَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ عَلِيٍّ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ [2] ، وَقَدْ جَاءَ فِي [3] الْحَدِيثِ: "«أَنَّ الْفِتْنَةَ لَا تَضُرُّهُ»" [4] فَاعْتَزَلَ. وَهَذَا مِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ قِتَالَ فِتْنَةٍ بِتَأْوِيلٍ، لَمْ يَكُنْ مِنَ الْجِهَادِ الْوَاجِبِ وَلَا الْمُسْتَحَبِّ. وَعَلِيٌّ - وَمَنْ مَعَهُ - أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى خَيْرِ فِرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ»" [5] فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَوْلَى بِالْحَقِّ مِمَّنْ قَاتَلَهُ ; فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْخَوَارِجَ لَمَّا افْتَرَقَ الْمُسْلِمُونَ، فَكَانَ قَوْمٌ مَعَهُ وَقَوْمٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ لَمْ يُخْذَلُوا، بَلْ مَا زَالُوا [6] (1) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ ط. الشَّعْبِ، 7/308 - 309 وَقَدْ ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/28، وَانْظُرْ 2/23 - 28 (2) م: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ. (3) م: فِيهِ. (4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/541 (5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/306 (6) س، ب: بَلْ كَانُوا. مَنْصُورِينَ يَفْتَحُونَ الْبِلَادَ وَيَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»" [1] قَالَ: "مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ:" وَهُمْ بِالشَّامِ "." وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»" [2] . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ: "أَهْلُ الْغَرْبِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ" . وَهَذَا كَمَا ذَكَرُوهُ ; فَإِنَّ كُلَّ بَلَدٍ لَهُ غَرْبٌ وَشَرْقٌ، وَالِاعْتِبَارُ فِي لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَرْبِ مَدِينَتِهِ، وَمِنَ الْفُرَاتِ هُوَ غَرْبُ الْمَدِينَةِ، فَالْبِيرَةُ [3] وَنَحْوُهَا عَلَى سَمْتِ الْمَدِينَةِ، كَمَا أَنَّ حَرَّانَ [4] وَالرَّقَّةَ [5] وَسُمَيْسَاطَ [6] وَنَحْوَهَا عَلَى سَمْتِ مَكَّةَ. وَلِهَذَا يُقَالُ: إِنْ قِبْلَةَ هَؤُلَاءِ أَعْدَلُ الْقِبَلِ، بِمَعْنَى أَنَّكَ تَجْعَلُ الْقُطْبَ الشَّمَالِيَّ خَلْفَ ظَهْرِكَ، فَتَكُونُ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ، فَمَا كَانَ غَرْبِيَّ الْفُرَاتِ فَهُوَ غَرْبِيُّ الْمَدِينَةِ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ، وَأَهْلُ الشَّامِ أَوَّلُ هَؤُلَاءِ. (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/461. (2) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ 4/461 (3) قَالَ يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ، الْبِيرَةُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا بَلَدٌ قُرْبَ سُمَيْسَاطَ بَيْنَ حَلَبَ وَالثُّغُورِ الرُّومِيَّةِ، وَهِيَ قَلْعَةٌ حَصِينَةٌ. (4) قَالَ يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ، هِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ جَزِيرَةِ أَقُورَ وَهِيَ قَصَبَةُ دِيَارِ مُضَرَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّهَا يَوْمٌ وَبَيْنَ الرَّقَّةِ يَوْمَانِ. (5) قَالَ يَاقُوتُ الرَّقَّةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ تَشْدِيدُهُ، وَهِيَ مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ عَلَى الْفُرَاتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرَّانَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، مَعْدُودَةٌ فِي بِلَادِ الْجَزِيرَةِ لِأَنَّهَا، مِنْ جَانِبِ الْفُرَاتِ الشَّرْقِيِّ. (6) م: وَسُمَسَاطَ. وَقَالَ يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: سُمَيْسَاطُ، بِضَمٍّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مِنْ تَحْتِ سَاكِنَةٍ وَسِينٍ أُخْرَى ثُمَّ بَعْدَ الْأَلِفِ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ، مَدِينَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ فِي طَرَفِ بِلَادِ الرُّومِ عَلَى غَرْبِيِّ الْفُرَاتِ. وَالْعَسْكَرُ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ مَا خُذِلُوا قَطُّ، بَلْ وَلَا فِي قِتَالِ عَلِيٍّ. فَكَيْفَ يَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«اللَّهُمَّ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ»" [وَالَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ لَمْ يُنْصَرُوا عَلَى هَؤُلَاءِ، بَلِ الشِّيعَةُ الَّذِينَ تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِعَلِيٍّ مَا زَالُوا مَخْذُولِينَ مَقْهُورِينَ لَا يُنْصَرُونَ إِلَّا مَعَ غَيْرِهِمْ: إِمَّا مُسْلِمِينَ وَإِمَّا كُفَّارٍ، وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَنْصَارُهُ] [1] ، فَأَيْنَ نَصْرُ اللَّهِ لِمَنْ نَصَرَهُ؟ ! وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ هَذَا الْحَدِيثِ. [فصل البرهان الرابع "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى" والجواب عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ [2] : "الْبُرْهَانُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالنَّجْمِ {إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 1 - 2] رَوَى الْفَقِيهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَغَازِلِيِّ [3] الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ فِتْيَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذِ انْقَضَّ كَوْكَبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنِ انْقَضَّ هَذَا النَّجْمُ فِي مَنْزِلِهِ، فَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ بَعْدِي "فَقَامَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَنَظَرُوا، فَإِذَا الْكَوْكَبُ قَدِ انْقَضَّ فِي مَنْزِلِ عَلِيٍّ [4] ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ [5] غَوَيْتَ فِي حُبِّ عَلِيٍّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (" (1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (2) فِي (ك) ص 150 (م) ، ص 151 (م) . (3) ب: ابْنُ عَلِيٍّ الْمُغَازِيُّ، س: ابْنُ عَلِيٍّ الْمَغَازِلِيٌّ. (4) ك: ص 151 م: فِي مَنْزِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (5) ك: لَقَدْ. {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} » [سُورَةُ النَّجْمِ: 1 - 2] . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ بِلَا عِلْمٍ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 36] . وَقَالَ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 33] . وَقَالَ: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 66] . وَقَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 3] . وَقَالَ: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ غَافِرٍ: 35] [1] . وَالسُّلْطَانُ الَّذِي أَتَاهُمْ هُوَ الْحُجَّةُ الْآتِيَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ الرُّومِ: 35] وَقَالَ: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 156 - 157] . وَقَالَ: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [سُورَةُ النَّجْمِ: 23] (1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ حُرِّفَتِ الْآيَةُ إِلَى إِنَّ الَّذِينَ. فَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ سُلْطَانٌ، فَالْقُرْآنُ [1] سُلْطَانٌ، وَالسُّنَّةُ سُلْطَانٌ، لَكِنْ لَا يُعْرَفُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِهِ إِلَّا بِالنَّقْلِ الصَّادِقِ عَنِ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنِ احْتَجَّ بِشَيْءٍ مَنْقُولٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ صِحَّتَهُ، قَبْلَ أَنْ يَعْتَقِدَ مُوجِبَهُ وَيَسْتَدِلَّ بِهِ. وَإِذَا احْتَجَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ بَيَانُ صِحَّتِهِ، وَإِلَّا كَانَ قَائِلًا بِلَا عِلْمٍ، مُسْتَدِلًّا بِلَا عِلْمٍ. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي الْفَضَائِلِ مَا هُوَ كَذِبٌ، صَارَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا فِيهَا، مِثْلَ الِاسْتِدْلَالِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ، الَّذِي يَصْدُقُ تَارَةً وَيَكْذِبُ أُخْرَى. بَلْ لَوْ لَمْ يُعْلَمُ أَنَّ فِيهَا كَذِبًا، لَمْ يَفِدْنَا عِلْمًا حَتَّى نَعْلَمَ [2] ثِقَةَ مَنْ رَوَاهَا. وَبَيْنَنَا وَبَيْنَ الرَّسُولِ مِئُونَ مِنَ السِّنِينِ [3] ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ فِيمَا يَنْقُلُ النَّاسُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ صِدْقًا وَكَذِبًا [4] ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَيُكْذَبُ عَلَيَّ، فَإِنَّ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صِدْقًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُكْذَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ. وَإِنْ [5] كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ فِي مَسْأَلَةٍ فَرْعِيَّةٍ بِحَدِيثٍ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا بِهِ يَثْبُتُ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ، الَّتِي يَقْدَحُ فِيهَا فِي خِيَارِ الْقُرُونِ وَجَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَسَادَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ، بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ الْمُحْتَجُّ بِهِ صِدْقَهُ؟ . (1) س، ب: وَالْقُرْآنُ. (2) س، ب: يَعْلَمُ. (3) ن، س، ب: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (4) ن، م، س: صِدْقٌ وَكَذِبٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (5) ب: وَإِذْ. وَهُوَ لَوْ قِيلَ لَهُ: أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذَا وَاقِعٌ؟ فَإِنْ قَالَ: أَعْلَمُ ذَلِكَ، فَقَدْ كَذَبَ. فَمِنْ أَيْنَ [1] يَعْلَمُ وُقُوعَهُ؟ وَيُقَالُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ صِدْقَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ [مِمَّا] [2] لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالْإِسْنَادِ [3] وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ؟ وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُ، وَلَوْ أَنَّكَ عَرَفْتَهُ لَعَرَفْتَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ. وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ ذَلِكَ. فَكَيْفَ يَسُوغُ لَكَ [4] الِاحْتِجَاجُ بِمَا لَا تَعْلَمُ [5] صِحَّتَهُ؟ . الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. وَهَذَا الْمَغَازِلِيُّ [6] لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، كَأَبِي نُعَيْمٍ وَأَمْثَالِهِ، وَلَا هُوَ أَيْضًا [7] مِنْ جَامِعِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مَا غَالِبُهُ حَقٌّ وَبَعْضُهُ بَاطِلٌ ; كَالثَّعْلَبِيِّ وَأَمْثَالِهِ، بَلْ هَذَا لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ مِنْ صَنْعَتِهِ، فَعَمَدَ إِلَى مَا وَجَدَهُ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ فَجَمَعَهَا، كَمَا فَعَلَ أَخْطَبُ خُوَارِزْمَ، وَكِلَاهُمَا لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرْوِي فِيمَا جَمَعَهُ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمَوْضُوعَةِ، مَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى أَقَلِّ عُلَمَاءِ النَّقْلِ وَالْحَدِيثِ [8] . وَلَسْنَا نَعْلَمُ [9] أَنَّ أَحَدُهُمَا يَتَعَمَّدُ) [10] الْكَذِبَ فِيمَا يَنْقُلُهُ [11] ، لَكِنَّ الَّذِي (1) س، ب: فَأَيْنَ. (2) مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (3) ن: بِإِسْنَادٍ. (4) ب: لَهُ. (5) م، ب: يَعْلَمُ. (6) ب: الْمَغَازِيُّ. (7) ن، س، ب: وَهَؤُلَاءِ أَيْضًا. (8) س، ب: النَّقْلِ بِالْحَدِيثِ. (9) م: وَلَيْسَ يَعْلَمُ. (10) ن، س: يَعْتَمِدُ، م: تَعْتَمِدُ. (11) 11) م: فِيمَا نَقَلَهُ. تَيَقَّنَاهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يَرْوُونَهَا [1] فِيهَا مَا هُوَ كَذِبٌ كَثِيرٌ [2] بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَا قَدْ كَذَّبَهُ النَّاسُ قَبْلَهُمْ، وَهُمَا - وَأَمْثَالُهُمَا - قَدْ يَرْوُونَ ذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَقَدْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ. فَلَا أَدْرِي هَلْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ؟ أَوْ كَانَا مِمَّا لَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ . وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ [3] أَبُو الْفَرَجِ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" [4] لَكِنْ بِسِيَاقٍ آخَرَ [5] ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ [6] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَأَرَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعَجَائِبِ فِي كُلِّ سَمَاءٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ [7] جَعَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْ عَجَائِبِ رَبِّهِ [8] ، فَكَذَّبَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَنْ كَذَّبَهُ، وَصَدَّقَهُ مَنْ صَدَّقَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ انْقَضَّ نَجْمٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي دَارِ مَنْ [9] وَقَعَ [هَذَا النَّجْمُ] [10] فَهُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، فَطَلَبُوا [11] ذَلِكَ النَّجْمَ [12] فَوَجَدُوهُ فِي دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] [13] فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: (1) م: يَرْوِيهَا. (2) كَثِيرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (3) الشَّيْخُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (4) 1/372 - 373. (5) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ سِيَاقًا طَوِيلًا يَبْدَأُ بِقَوْلِهِ: حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ إِلَخْ. (6) م: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ، س، ب: لَمَّا عُرِجَ النَّبِيُّ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، كِتَابُ الْمَوْضُوعَاتِ. (7) س، ب: فَأَصْبَحَ. (8) ن، س، ب: عَنِ الْعَجَائِبِ، الْمَوْضُوعَاتِ: مِنْ عَجَائِبِ رَبِّهِ. (9) ب فَقَطْ: انْظُرُوا فِي دَارِ مَنْ. (10) هَذَا النَّجْمُ: زِيَادَةٌ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ، وَفِي (م) : هَذَا. (11) 11) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ: فَطَلَبُوا. (12) 12) النَّجْمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (13) 13) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي (م) الْمَوْضُوعَاتِ فَقَطْ. ضَلَّ مُحَمَّدٌ وَغَوَى، وَهَوَى أَهْلَ بَيْتِهِ [1] ، وَمَالَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعِنْدَ ذَلِكَ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [2] [سُورَةُ النَّجْمِ: 1 - 2] . قَالَ:» أَبُو الْفَرَجِ [3] : "هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَمَا أَبْرَدَ الَّذِي وَضَعَهُ، وَمَا أَبْعَدَ مَا ذَكَرَ، وَفِي إِسْنَادِهِ ظُلُمَاتٌ مِنْهَا أَبُو صَالِحٍ وَكَذَلِكَ [4] الْكَلْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ الْكَلْبِيُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ [5] : كَانَ الْكَلْبِيُّ مِنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَمُتْ، وَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا، وَإِنْ رَأَوْا سَحَابَةً قَالُوا: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا. لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. قَالَ: وَالْعَجَبُ [6] مِنْ تَغْفِيلِ [7] مَنْ وَضَعَ هَذَا الْحَدِيثَ، كَيْفَ رَتَّبَ مَا لَا يَصِحُّ [8] فِي الْمَعْقُولِ [9] مِنْ أَنَّ النَّجْمَ يَقَعُ فِي دَارٍ وَيَثْبُتُ إِلَى أَنْ يُرَى [10] ، وَمِنْ بَلَهِهِ أَنَّهُ وَضَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ زَمَنَ [11] الْمِعْرَاجِ ابْنَ سَنَتَيْنِ، فَكَيْفَ يَشْهَدُ تِلْكَ الْحَالَةِ [12] وَيَرْوِيهَا؟" . (1) الْمَوْضُوعَاتِ: وَهَوَى إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ. (2) الْمَوْضُوعَاتِ: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. (3) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (4) الْمَوْضُوعَاتِ 1/373: مِنْهَا أَبُو صَالِحٍ بَاذَامُ وَهُوَ كَذَّابٌ وَكَذَلِكَ. (5) ن، س: بْنِ حَيَّانَ (6) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: قُلْتُ: وَالْعَجَبُ. (7) مِنْ تَغْفِيلِ: كَذَا فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَفِي (ب) : مِنْ تَعَقُّلِ، وَفِي (ن) ، (م) ، (س) مَنْ يَعْتَقِدُ. (8) ن، س، ب: مَا لَا يَصْلُحُ. (9) الْمَوْضُوعَاتِ: الْعُقُولِ. (10) الْمَوْضُوعَاتِ: وَيَثْبُتُ حَتَّى يُرَى. (11) 11) الْمَوْضُوعَاتِ فِي زَمَنِ. (12) 12) ن، م: الْحَالَ. قُلْتُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَدِيثُ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ الْمَعْرُوفِ عَنْهُ، فَهُوَ مِمَّا وُضِعَ بَعْدَهُ. وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ [1] : وَقَدْ سَرَقَ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ قَوْمٌ وَغَيَّرُوا إِسْنَادَهُ، وَرَوَوْهُ [2] بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ [3] مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْعَطَّارِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي قُضَاعَةَ رَبِيعَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ثَوْبَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ غَسَّانَ النَّهْشَلِيُّ، عَنْ أَنَسٍ [4] قَالَ: "«انْقَضَّ كَوْكَبٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَوْكَبِ فَمَنِ انْقَضَّ فِي دَارِهِ فَهُوَ خَلِيفَةٌ [5] مِنْ بَعْدِي. قَالَ: فَنَظَرْنَا، فَإِذَا هُوَ قَدْ [6] انْقَضَّ فِي مَنْزِلِ عَلِيٍّ [7] ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ [8] : قَدْ غَوَى مُحَمَّدٌ فِي حُبِّ عَلِيٍّ [9] . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} » الْآيَاتِ [10] [سُورَةُ" (1) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (2) ن، م، س: وَرَوَوْا. (3) بَدَلًا مِنْ عِبَارَةِ "وَرَوَوْهُ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ" ذُكِرَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ الْإِسْنَادُ عَنْ حَمْدِ بْنِ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى: أَبُو الْفَضْلِ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْعَطَّارُ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي ذِكْرِ السَّنَدِ. (4) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُضَاعَةَ رَبِيعَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْبَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ غَسَّانَ النَّهْشَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. (5) الْمَوْضُوعَاتُ: الْخَلِيفَةُ. (6) قَدْ: لَيْسَتْ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. (7) الْمَوْضُوعَاتُ: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (8) الْمَوْضُوعَاتُ: جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ. (9) الْمَوْضُوعَاتُ: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (10) الْمَوْضُوعَاتِ: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، إِلَى قَوْلِهِ: وَحْيٌ يُوحَى. النَّجْمِ: 1 - 2] قَالَ أَبُو الْفَرَجِ [1] : وَهَذَا [الْحَدِيثُ] هُوَ الْمُتَقَدِّمُ [2] سَرَقَهُ [3] بَعْضُ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ فَغَيَّرَ [4] إِسْنَادَهُ، وَمِنْ تَغْفِيلِهِ وَضْعُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَسٍ فَإِنَّ أَنَسًا لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْمِعْرَاجِ [5] ، وَلَا حِينَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ [6] ; لِأَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَأَنَسٌ إِنَّمَا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ظُلُمَاتٌ. أَمَّا مَالِكٌ النَّهْشَلِيُّ فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَأْتِي عَنِ الثِّقَاتِ بِمَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، وَأَمَّا ثَوْبَانُ فَهُوَ أَخُو ذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، وَأَبُو قُضَاعَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَتْرُوكُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ [7] الْعَطَّارُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ مَجْهُولَانِ "." الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَذِبٌ أَنَّ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ شَهِدَ نُزُولَ سُورَةِ النَّجْمِ حِينَ انْقَضَّ الْكَوْكَبَ فِي مَنْزِلِ عَلِيٍّ، وَسُورَةُ النَّجْمِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ حِينَ مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُرَاهِقًا لِلْبُلُوغِ لَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ، هَكَذَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَعِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِمَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ بَعْدُ، وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ طِفْلًا لَا يُمَيِّزُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا هَاجَرَ كَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ خَمْسِ [8] سِنِينَ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ عِنْدَ نُزُولِ سُورَةِ النَّجْمِ، فَإِنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ. (1) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (2) سَقَطَتْ كَلِمَةُ الْحَدِيثِ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) وَفِي الْمَوْضُوعَاتِ وَهَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ. (3) الْمَوْضُوعَاتُ: إِنَّمَا سَرَقَهُ. (4) الْمَوْضُوعَاتِ فَغَيَّرُوا. (5) الْمَوْضُوعَاتِ: فِي زَمَنِ. (6) ن، س، ب: الْآيَةِ. (7) الْمَوْضُوعَاتُ: وَأَبُو الْفَضْلِ. (8) ن، س: الْخَمْسِ.
__________________
|
#407
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (407) صـ 67 إلى صـ 76 الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمْ يَنْقَضَّ قَطُّ كَوْكَبٌ إِلَى الْأَرْضِ بِمَكَّةَ وَلَا بِالْمَدِينَةِ وَلَا غَيْرِهِمَا. وَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثُرَ الرَّمْيُ بِالشُّهُبِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ [1] يَنْزِلْ كَوْكَبٌ إِلَى الْأَرْضِ. وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْخَوَارِقِ الَّتِي تُعْرَفُ فِي الْعَالَمِ، بَلْ هُوَ مِنَ الْخَوَارِقِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مِثْلُهَا فِي الْعَالَمِ، وَلَا يَرْوِي مِثْلَ هَذَا إِلَّا مَنْ [هُوَ مِنْ] أَوْقَحِ [2] النَّاسِ، وَأَجْرَئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَقَلِّهِمْ حَيَاءً وَدِينًا، وَلَا يَرُوجُ إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَحْمَقِهِمْ، وَأَقَلِّهِمْ مَعْرِفَةً وَعِلْمًا. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ نُزُولَ سُورَةِ النَّجْمِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَعَلِيٌّ إِذْ ذَاكَ كَانَ صَغِيرًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ احْتَلَمَ [3] وَلَا تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ، وَلَا شُرِعَ بَعْدُ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ أَرْبَعًا وَثَلَاثًا وَاثْنَيْنِ، وَلَا فَرَائِضُ الزَّكَاةِ، وَلَا حَجُّ الْبَيْتِ [4] ، وَلَا صَوْمُ رَمَضَانَ [5] ، وَلَا عَامَّةُ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ. وَأَمْرُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِمَامَةِ لَوْ كَانَ حَقًّا إِنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ كَمَا ادَّعَوْهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ نَزَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ . الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ مُتَّفِقُونَ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَأَنَّ النَّجْمَ الْمُقْسَمَ بِهِ: إِمَّا نُجُومُ السَّمَاءِ، وَإِمَّا نُجُومُ الْقُرْآنِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّهُ كَوْكَبٌ نَزَلَ فِي دَارِ أَحَدٍ بِمَكَّةَ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَوَيْتَ" (1) م: لَمْ. (2) ن، س، ب: إِلَّا مِنْ أَوْقَحِ. (3) ن، س، ب: لَمْ يَحْتَلِمْ. (4) عِبَارَةُ: وَلَا حَجُّ الْبَيْتِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (5) ن: وَلَا صَامَ رَمَضَانَ، م: وَلَا صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ. ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَالْكُفَّارُ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُمْ بِالْفُرُوعِ قَبْلَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ هَذَا النَّجْمَ إِنْ كَانَ صَاعِقَةً، فَلَيْسَ نُزُولُ الصَّاعِقَةِ فِي بَيْتِ شَخْصٍ كَرَامَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ فَهَذِهِ لَا تُفَارِقُ الْفَلَكَ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الشُّهُبِ فَهَذِهِ [1] يُرْمَى بِهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَهِيَ لَا تَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي رُمِيَ بِهَا وَصَلَ إِلَى بَيْتِ عَلِيٍّ حَتَّى احْتَرَقَ بِهَا، فَلَيْسَ هَذَا كَرَامَةً لَهُ، مَعَ أَنَّ هَذَا لَمْ [2] يَقَعْ قَطُّ. [فصل البرهان الخامس "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [3] : "الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . فَرَوَى [4] . [5] فِي مُسْنَدِهِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: «طَلَبْتُ عَلِيًّا فِي [6] مَنْزِلِهِ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] [7] : ذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: فَجَاءَا جَمِيعًا فَدَخَلَا وَدَخَلَتْ مَعَهُمَا، فَأَجْلَسَ عَلِيًّا عَنْ يَسَارِهِ، وَفَاطِمَةَ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ الْتَفَعَ عَلَيْهِمْ [8] بِثَوْبِهِ،" (1) م: فَهُوَ، س: فَهَذَا. (2) م: لَا. (3) فِي (ك) ص 151 (م) 152 (م) . (4) ك: رَوَى (5) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (6) م: إِلَى. (7) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي (م) فَقَطْ، وَفِي (ك) عَلَيْهَا السَّلَامُ. (8) م: عَلَيْهِمَا. وَقَالَ: " {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي حَقًّا [1] .» «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي بَيْتِهَا، فَأَتَتْهُ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - [2] بِبُرْمَةٍ فِيهَا حَرِيرَةٌ، فَدَخَلَتْ بِهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ [3] :" ادْعِي [4] زَوْجَكِ وَابْنَيْكِ. قَالَتْ: فَجَاءَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ [5] فَدَخَلُوا وَجَلَسُوا يَأْكُلُونَ [6] مِنْ تِلْكَ الْحَرِيرَةِ، وَهُوَ وَهُمْ عَلَى مَنَامِ لَهُ عَلِيٍّ [7] ، وَكَانَ تَحْتَهُ كِسَاءٌ خَيْبَرِيٌّ [8] . قَالَتْ: وَأَنَا فِي الْحُجْرَةِ أُصَلِّي [9] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قَالَتْ: فَأَخَذَ فَضْلَ الْكِسَاءِ وَكَسَاهُمْ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ فَأَلْوَى بِهَا) [10] . إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: "هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ [11] عَنْهُمُ الرِّجْسَ" (1) ك: اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ. (2) ك: عَلَيْهَا السَّلَامُ. (3) ك: قَالَ. (4) ك: ادْعِي لِي. (5) ن، م، ب: وَحَسَنٌ وَحَسَنٌ، ك: وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. (6) ك: فَأَكَلُوا. (7) عَلِيٍّ: لَيْسَتْ فِي (ك) : وَالْمَعْنَى عَالٍ. (8) خَيْبَرِيٌّ: كَذَا فِي (ك) ، (ن) ، وَفِي (م) الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ، وَفِي (س) ، (ب) حِبْيَرِيٌّ. (9) أُصَلِّي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (10) س، ب: يَدَيْهِ فَأَلْوَى بِهِمَا، ن: يَدَيْهِ فَأَلْوَى بِهَا (11) ك: (ص 152 م) : أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي اللَّهُمَّ فَأَذْهِبْ. وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا، وَكَرَّرَ [1] ذَلِكَ. قَالَتْ: فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي وَقُلْتُ: وَأَنَا مَعَهُمْ [2] يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّكِ إِلَى [3] خَيْرٍ.» وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعِصْمَةِ، مَعَ التَّأْكِيدِ بِلَفْظِهِ: "إِنَّمَا" وَإِدْخَالُ [4] اللَّامِ فِي الْخَبَرِ، وَالِاخْتِصَاصُ فِي الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ: [ "أَهْلَ الْبَيْتِ" وَالتَّكْرِيرُ بِقَوْلِهِ: "وَيُطَهِّرَكُمْ" وَالتَّأْكِيدُ بِقَوْلِهِ:] [5] "تَطْهِيرًا" . وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، فَتَكُونُ الْإِمَامَةُ [6] فِي عَلِيٍّ ; وَلِأَنَّهُ [7] ادَّعَاهَا فِي عِدَّةٍ مِنْ أَقْوَالِهِ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا [8] ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ [9] أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلَّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى. وَقَدْ ثَبَتَ نَفْيُ الرِّجْسِ عَنْهُ، فَيَكُونُ صَادِقًا، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ [10] صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ [11] وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ [12] : «اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»" [13] . (1) ن، س، ب: فَكَرَّرَ. (2) ك: مَعَكُمْ. (3) ك: عَلَى. (4) ك: وَبِإِدْخَالِ. (5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ك) فَقَطْ وَسَقَطَ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَإِثْبَاتُهُ يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ. (6) ن، س، ب: فَيَكُونُ الْإِمَامُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (7) س، ب: وِلَايَةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (8) ن، س: انْقَمَصَهَا. (9) ك: وَإِنَّهُ لِيَعْلَمُ. (10) الْحَدِيثَ: لَيْسَتْ فِي (م) . (11) ن، س: أَوْ فَاطِمَةَ. (12) س: وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ. (13) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/22 وَرَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ [1] مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَأَدْخَلَهُ [مَعَهُ] [2] ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا [مَعَهُ] [3] ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: " {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} » . وَهُوَ مَشْهُورٌ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ [4] ، لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى عِصْمَتِهِمْ وَلَا إِمَامَتِهِمْ. وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ، كَقَوْلِهِ: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] ، وَكَقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 185] ، وَكَقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 26 - 27] . فَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مُتَضَمِّنَةً لِمَحَبَّةِ اللَّهِ لِذَلِكَ [5] ، الْمُرَادِ وَرِضَاهُ بِهِ، وَأَنَّهُ شَرَعَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَهُمْ بِهِ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ هَذَا الْمُرَادَ، وَلَا أَنَّهُ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، وَلَا أَنَّهُ يَكُونُ لَا مَحَالَةَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ" (1) س: مُرَجَّلٌ. (2) مَعَهُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (3) مَعَهُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (4) ذَكَرْتُ فِيمَا سَبَقَ 4/22 مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالْمُسْنَدِ، فَارْجِعْ إِلَيْهِ. (5) ن، س: بِذَلِكَ. قَالَ: "«اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»" . فَطَلَبَ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ إِذْهَابَ الرِّجْسِ وَالتَّطْهِيرِ. فَلَوْ كَانَتِ الْآيَةُ تَتَضَمَّنُ إِخْبَارَ اللَّهِ بِأَنَّهُ قَدْ أَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الطَّلَبِ وَالدُّعَاءِ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ أَظْهَرُ، فَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ عِنْدَهُمْ لَا تَتَضَمَّنُ وُجُودَ الْمُرَادِ، بَلْ قَدْ يُرِيدُ مَا لَا يَكُونُ وَيَكُونُ مَا لَا يُرِيدُ، فَلَيْسَ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى مُرِيدًا لِذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ. وَهَذَا الرَّافِضِيُّ وَأَمْثَالُهُ قَدَرِيَّةٌ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} عَلَى وُقُوعِ الْمُرَادِ؟ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَادَ إِيمَانَ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَمْ يَقَعْ مُرَادُهُ؟ . وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، فَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَوْعَانِ: إِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ دِينِيَّةٌ تَتَضَمَّنُ مَحَبَّتَهُ وَرِضَاهُ، وَإِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ تَتَضَمَّنُ خَلْقَهُ وَتَقْدِيرَهُ. الْأُولَى مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] وَقَوْلُ نُوحٍ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 34] وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُثْبِتَةِ [1] وَالْقَدَرِيَّةِ يَجْعَلُ الْإِرَادَةَ نَوْعًا وَاحِدًا، كَمَا يَجْعَلُونَ الْإِرَادَةَ وَالْمَحَبَّةَ شَيْئًا وَاحِدًا. ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ يَنْفُونَ إِرَادَتَهُ لِمَا بَيَّنَ [2] أَنَّهُ مُرَادٌ فِي آيَاتِ التَّقْدِيرِ [3] ، وَأُولَئِكَ يَنْفُونَ إِرَادَتَهُ لِمَا بَيَّنَ أَنَّهُ مُرَادٌ فِي آيَاتِ التَّشْرِيعِ [4] ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ كُلُّ مَا قِيلَ: "إِنَّهُ مُرَادٌ" فَلَا بُدَّ [5] أَنْ يَكُونُ كَائِنًا. وَاللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ يُطَهِّرَهُمْ، وَفِيهِمْ مَنْ تَابَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَتُبْ، وَفِيهِمْ مَنْ تَطَهَّرَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ. وَإِذَا كَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى وُقُوعِ مَا أَرَادَهُ مِنَ التَّطْهِيرِ وَإِذْهَابِ الرِّجْسِ، لَمْ يَلْزَمْ بِمُجَرَّدِ الْآيَةِ ثُبُوتُ مَا ادَّعَاهُ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَذْكُورَاتٍ فِي الْآيَةِ، وَالْكَلَامُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ بِإِيجَابِهِ، وَوَعْدِ الثَّوَابِ عَلَى فِعْلِهِ، وَالْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهِ. قَالَ تَعَالَى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} . {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} . {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 30 - 32] إِلَى قَوْلِهِ: (1) م: مِنَ السُّنَّةِ. (2) ن، م: يُبَيِّنُ. (3) ن: فِي الْآيَاتِ التَّقْدِيرُ، س، ب: فِي الْآيَاتِ التَّشْرِيعُ. (4) فِي (ن) ، (م) فَقَطْ وَسَقَطَ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (ن) فِي الْآيَاتِ التَّشْرِيعُ وَفِي (م) : فِي بَابِ التَّشْرِيعِ، وَأَرْجُوا أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (5) ب (فَقَطْ) : فَلَا يَلْزَمُ. وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . فَالْخِطَابُ كُلُّهُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَهُنَّ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ. لَكِنْ لَمَّا تَبَيَّنَ مَا فِي هَذَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي تَعُمُّهُنَّ وَتَعُمُّ غَيْرَهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، جَاءَ التَّطْهِيرُ بِهَذَا الْخِطَابِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ [1] مُخْتَصًّا بِأَزْوَاجِهِ، بَلْ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِأَهْلِ الْبَيْتِ كُلِّهِمْ، وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أَخَصُّ مِنْ غَيْرِهِمْ بِذَلِكَ ; وَلِذَلِكَ خَصَّهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدُّعَاءِ لَهُمْ. وَهَذَا كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 108] نَزَلَتْ بِسَبَبِ مَسْجِدِ قُبَاءَ، لَكِنَّ الْحُكْمَ يَتَنَاوَلُهُ وَيَتَنَاوَلُ مَا هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ. وَهَذَا يُوَجِّهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ: "هُوَ مَسْجِدِي هَذَا»" [2] . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا، فَكَانَ يَقُومُ فِي مَسْجِدِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَأْتِي قُبَاءَ يَوْمَ (1) ن، ب: وَغَيْرِهِ لَيْسَ، س: وَغَيْرِ لَيْسَ. (2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/344 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، سُورَةُ التَّوْبَةِ حَدِيثٌ رَقْمُ 5097) وَنَصُّهُ: تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هُوَ مَسْجِدِي هَذَا) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيٍّ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنَ النَّسَائِيِّ 2/30 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى) ، الْمُسْنَدُ (( ط. الْحَلَبِيِّ )) 3/8، 5/116، 331، 335 السَّبْتِ [1] . وَكِلَاهُمَا مُؤَسَّسٌ عَلَى التَّقْوَى. وَهَكَذَا أَزْوَاجُهُ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ [2] كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، لَكِنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ، وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ [3] أَخَصُّ بِذَلِكَ مِنْ أَزْوَاجِهِ، وَلِهَذَا خَصَّهُمْ بِالدُّعَاءِ. وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ: مَنْ هُمْ؟ فَقِيلَ: هُمْ [4] أُمَّتُهُ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ [5] . وَقِيلَ: الْمُتَّقُونَ مِنْ أُمَّتِهِ. وَرَوَوْا حَدِيثًا: "«آلُ مُحَمَّدٍ كُلٌّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ»" رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَتَمَّامٌ فِي "الْفَوَائِدِ" لَهُ. وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ [6] . وَبَنَى عَلَى [7] ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ هُمْ خَوَاصُّ الْأَوْلِيَاءِ، كَمَا ذَكَرَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرَ وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ هَلْ أَزْوَاجُهُ مِنْ أَهْلِ (1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 2/61 (كِتَابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، بَابُ مَنْ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ) ، وَنَصُّهُ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَفْعَلُهُ) . وَجَاءَ ذَلِكَ ضِمْنَ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ (بَابُ مَسْجِدِ قُبَاءَ) ، 2/60 - 61 وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 2/1017 (كِتَابُ الْحَجِّ) ، بَابُ فَضْلِ مَسْجِدِ قُبَاءَ. . .) (2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (3) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (4) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (5) س، ب: مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ. (6) ذَكَرَ الْحَدِيثَ السُّيُوطِيُّ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" بِلَفْظِ: "آلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ" ، وَقَالَ: "طس (الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ) ، عَنْ أَنَسٍ" وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ عَنْهُ فِي "ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَزِيَادَتِهِ" ، "ضَعِيفٌ جِدًّا" . (7) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . بَيْتِهِ [1] ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. \ 5 [2] . وَالثَّانِي: - هُوَ الصَّحِيحُ - أَنَّ أَزْوَاجَهُ مِنْ آلِهِ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ عَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ: "«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ»" [3] . وَلِأَنَّ امْرَأَةَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَامْرَأَةَ لُوطٍ مِنْ آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ. فَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَزْوَاجُ مُحَمَّدٍ مِنْ آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ؟ . وَلِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ مَعْنًى. وَأَمَّا الْأَتْقِيَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ فَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ آلَ بَنِي فُلَانٍ [4] لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، وَإِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» [5] . فَبَيَّنَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ. وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "«إِنَّ أَوْلِيَائِيَ الْمُتَّقُونَ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ كَانُوا»" [6] . (1) م: مِنْ آلِهِ. (2) ن: بْنِ بَاقَمَ، س: بْنِ بَارَقَمَ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/24 (4) م: أَنَّهُ قَالَ: آلَ أَبِي فُلَانٍ. (5) الْحَدِيثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8 - 6 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ يَبُلُّ الرَّحِمُ بِبِلَاهَا) ، وَنَصُّهُ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: "إِنَّ آلَ أَبِي - قَالَ عَمْرٌو (وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ) : وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرَ (الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ) بِبَيَاضٍ - لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ" وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 1/197 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُقَاطَعَةِ غَيْرِهِمْ. . .) الْمُسْنَدُ (( ط. الْحَلَبِيِّ )) 4/203 (6) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، لَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/235 وَنَصُّهُ: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا أَوْ قَبْرِي" فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا" ، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي "صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 2/181 - 182 وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي "النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ" وَالْجَشِعُ الْجَزِعُ لِفِرَاقِ الْإِلْفِ "."
__________________
|
#408
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (408) صـ 77 إلى صـ 86 وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 4] . وَفِي الصِّحَاحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «وَدِدْتُ أَنَّى رَأَيْتُ إِخْوَانِي "، قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ قَالَ:" بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي [1] قَوْمٌ يَأْتُونَ [2] مِنْ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» [3] . (1) س، ب: بَلْ أَنْتُمْ إِخْوَانِي، وَأَصْحَابِي. .، وَهُوَ خَطَأٌ. (2) ن: قَوْمٌ آخَرِينَ يَأْتُونَ. (3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/218 كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ. وَنَصُّهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا، قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ. فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ. أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/79 (كِتَابِ الطَّهَارَةِ، بَابِ حِلْيَةِ الْوُضُوءِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1439 - 1440 (كِتَابِ الزُّهْدِ، بَابِ ذِكْرِ الْحَوْضِ) ، الْمُوَطَّأِ 1/28 - 29 كِتَابِ الطَّهَارَةِ، بَابِ جَامِعِ الْوُضُوءِ، الْمُسْنَدِ. ط. الْمَعَارِفِ 15/152، 18/56 - 57 وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 6/107 وَقَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ قَرَابَةُ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى. وَهَذِهِ الْقَرَابَةُ الدِّينِيَّةُ أَعْظَمُ مِنَ الْقَرَابَةِ الطِّينِيَّةِ [1] ، وَالْقُرْبُ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ أَعْظَمُ مِنَ الْقُرْبِ بَيْنَ الْأَبْدَانِ. وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ أَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُونَ. وَأَمَّا أَقَارِبُهُ فَفِيهِمُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. فَإِنْ كَانَ فَاضِلًا [2] مِنْهُمْ كَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعْفَرٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَتَفْضِيلُهُمْ [3] بِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، لَا بِمُجَرَّدِ النَّسَبِ، فَأَوْلِيَاؤُهُ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ آلِهِ، وَإِنْ صَلَّى عَلَى آلِهِ تَبَعًا لَهُ [4] لَمْ يَقْتَضِ [5] ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ هُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الصَّلَاةِ مَعَهُ تَبَعًا، فَالْمَفْضُولُ قَدْ يَخْتَصُّ بِأَمْرٍ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنَ الْفَاضِلِ. وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ أَزْوَاجَهُ هُمْ مِمَّنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَقَدْ [6] ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ [7] مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ. (1) س، ب: الطَّبِيعِيَّةِ. (2) ب (فَقَطْ) : فَاضِلًا. (3) ن: فَيُفَضِّلُهُمْ، س، ب: فَفَضَّلَهُمْ. (4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (5) س: لَمْ يَنْقُصْ. (6) ن، س: قَدْ، ب: وَقَدْ. (7) ن: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ هُمْ مِنْ أَفْضَلِ. .، س: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ هُمْ مِنْ أَفْضَلِ. . فَإِنْ قِيلَ: فَهَبْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ مَا أُرِيدَ مِنَ التَّطْهِيرِ وَإِذْهَابِ الرِّجْسِ، لَكِنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ [1] بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ، فَإِنَّ دُعَاءَهُ مُسْتَجَابٌ [2] . قِيلَ: الْمَقْصُودُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ ثُبُوتِ [3] الطَّهَارَةِ وَإِذْهَابِ الرِّجْسِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْعِصْمَةِ وَالْإِمَامَةِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ فَذَاكَ مَقَامٌ آخَرُ. ثُمَّ نَقُولُ فِي الْمَقَامِ الثَّانِي: هَبْ أَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِمْ وَإِذْهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ [4] ، كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ الْمُسْتَجَابَ [5] لَا بُدَّ أَنْ يَتَحَقَّقَ [6] مَعَهُ طَهَارَةُ الْمَدْعُوِّ لَهُمْ وَإِذْهَابُ الرِّجْسِ عَنْهُمْ، لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِصْمَةِ مِنَ الْخَطَأِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِمَا أَمَرَ بِهِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَطَأٌ، فَإِنَّ الْخَطَأَ مَغْفُورٌ لَهُنَّ وَلِغَيْرِهِنَّ، وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرِيدُ لِيُذْهِبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ - الَّذِي هُوَ الْخُبْثُ كَالْفَوَاحِشِ - وَيُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا مِنَ الْفَوَاحِشِ وَغَيْرِهَا مِنَ الذُّنُوبِ. وَالتَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: 4] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 82] ، فَإِنَّهُ قَالَ (1) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) ن، م: مُجَابٌ. (3) س، ب: بِثُبُوتِ. (4) ن، س، ب: وَعَلَى ذَهَابِ رِجْسِهِمْ. (5) ن، م: الْمُجَابَ. (6) س، ب: يَسْتَحِقُّ. فِيهَا: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 30] وَالتَّطْهِيرُ عَنِ الذَّنْبِ إِمَّا بِأَنْ لَا يَفْعَلَهُ الْعَبْدُ، وَإِمَّا بِأَنْ يَتُوبَ مِنْهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 103] [لَكِنْ] [1] مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ ابْتِدَاءً وَإِرَادَةً فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَهْيَهُ عَنِ الْفَاحِشَةِ، لَا يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ فِيهَا بِحَالٍ، لَكِنْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَنْهَى عَنْهَا، وَيَأْمُرُ مَنْ فَعَلَهَا بِأَنْ يَتُوبَ مِنْهَا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ [2] كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَاغْسِلْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ» [3] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ النَّبِيُّ بَرَاءَتَهَا، وَكَانَ قَدِ ارْتَابَ فِي أَمْرِهَا، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ [بِذَنْبٍ] [4] (1) لَكِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (2) م: خَطَايَ. (3) الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ -، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/145 (كِتَابُ الْأَذَانِ بَابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ) ، مُسْلِمٍ 1/419 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا يُقَالُ بَيْنَ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/288 - 289 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّكْتَةِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/45 كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ الْوُضُوءِ بِالثَّلْجِ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. (4) بِذَنْبٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» [1] . وَبِالْجُمْلَةِ لَفْظُ "الرِّجْسِ" أَصْلُهُ الْقَذَرُ، وَيُرَادُ بِهِ الشِّرْكُ، كَقَوْلِهِ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 30] . وَيُرَادُ بِهِ الْخَبَائِثُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْمَطْعُومَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ، كَقَوْلِهِ: {لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 145] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 90] وَإِذْهَابُ ذَلِكَ إِذْهَابٌ لِكُلِّهِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْ أُولَئِكَ السَّادَةِ الشِّرْكَ وَالْخَبَائِثَ. وَلَفْظُ "الرِّجْسِ" عَامٌّ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ [يُرِيدُ] أَنْ [2] يُذْهِبَ جَمِيعَ الرِّجْسِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا بِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا" فَهُوَ سُؤَالٌ مُطْلَقٌ بِمَا يُسَمَّى طَهَارَةً. وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ، فَيَكْتَفِي فِيهِ [3] بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الطَّهَارَةِ، وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 2] وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِمُسَمَّى [4] الِاعْتِبَارِ الَّذِي يُقَالُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، كَمَا إِذَا قِيلَ: أَكْرِمْ هَذَا ; أَيِ: افْعَلْ مَعَهُ مَا يُسَمَّى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِكْرَامًا. وَكَذَلِكَ (1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْإِفْكِ فِيمَا مَضَى 4/33 (2) يُرِيدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، يُرِيدُ أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (3) ن، م: فَيَنْتَفِي (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) فِيهِ. (4) ن، م، س: يُسَمَّى. مَا يُسَمَّى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اعْتِبَارًا. وَالْإِنْسَانُ لَا يُسَمَّى مُعْتَبِرًا إِذَا اعْتَبَرَ فِي قِصَّةٍ وَتَرَكَ ذَلِكَ فِي نَظِيرِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ: هُوَ طَاهِرٌ، أَوْ مُتَطَهِّرٌ، أَوْ مُطَهَّرٌ، إِذَا كَانَ مُتَطَهِّرًا مِنْ شَيْءٍ مُتَنَجِّسًا بِنَظِيرِهِ. وَلَفْظُ "الطَّاهِرِ" كَلَفْظِ الطَّيِّبِ. قَالَ تَعَالَى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [سُورَةُ النُّورِ: 26] ، كَمَا قَالَ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [سُورَةُ النُّورِ: 26] وَقَدْ رَوَى أَنَّهُ قَالَ لِعَمَّارٍ: «ائْذَنُوا لَهُ مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ» [1] . وَهَذَا أَيْضًا كَلَفْظِ "الْمُتَّقِي" وَلَفْظِ "الْمُزَكِّي" . قَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [سُورَةُ الشَّمْسِ: 9 - 10] . وَقَالَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 103] . وَقَالَ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [سُورَةُ الْأَعْلَى: 104] . وَقَالَ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النُّورِ: 21] . وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُتَّقِينَ وَنَحْوِهِمْ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ، وَلَا أَنْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ مِنَ الْخَطَأِ وَالذُّنُوبِ. فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَّةِ مُتَّقٍ، بَلْ مَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبِهِ دَخَلَ فِي الْمُتَّقِينَ [2] ، وَمَنْ فَعَلَ مَا يُكَفِّرُ سَيِّئَاتِهِ دَخَلَ فِي الْمُتَّقِينَ، [3] كَمَا قَالَ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 31] . (1) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/52 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) ، الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ، 3/188 وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "صَحِيحٌ" ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ 12/118 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ. (2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (3) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . فَدُعَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا، كَدُعَائِهِ بِأَنْ يُزَكِّيَهُمْ وَيُطَيِّبَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ مُتَّقِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا، لَا تَكُونُ الطَّهَارَةُ الَّتِي دَعَا بِهَا بِأَعْظَمَ مِمَّا دَعَا بِهِ لِنَفْسِهِ. وَقَدْ قَالَ: «اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ خَطَايَايَ [1] بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ» . فَمَنْ وَقَعَ ذَنْبُهُ مَغْفُورًا أَوْ مُكَفَّرًا فَقَدْ طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنْهُ تَطْهِيرًا، وَلَكِنْ مَنْ مَاتَ [2] مُتَوَسِّخًا بِذُنُوبِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُطَهَّرْ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ. وَقَدْ يَكُونُ مِنْ تَمَامِ تَطْهِيرِهِمْ صِيَانَتُهُمْ عَنِ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَعَا بِدُعَاءٍ أَجَابَهُ اللَّهُ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِ الْمَحَلِّ، فَإِذَا اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [3] ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ لَا يُوجَدَ مُؤْمِنٌ مُذْنِبٌ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَمَا عُذِّبَ مُؤْمِنٌ، لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، بَلْ يَغْفِرُ اللَّهُ لِهَذَا بِالتَّوْبَةِ، وَلِهَذَا بِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَيَغْفِرُ اللَّهُ لِهَذَا ذُنُوبًا [4] كَثِيرَةً، وَإِنَّ وَاحِدَةً بِأُخْرَى. وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّطْهِيرُ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ، وَالَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَيْسَ هُوَ الْعِصْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ عِنْدَهُمْ لَا مَعْصُومَ إِلَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالشِّيعَةُ يَقُولُونَ: لَا مَعْصُومَ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِمَامِ. فَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ [5] عَلَى انْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِمَامِ عَنْ أَزْوَاجِهِ وَبَنَاتِهِ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ (1) م: خَطَايَ. (2) س، تَابَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (3) ب: وَلِلْمُؤْمِنَاتِ. (4) م: وَيَغْفِرُ لَهُمْ ذُنُوبًا. (5) س: بِالِاتِّفَاقِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ التَّطْهِيرُ الْمَدْعُوُّ بِهِ [1] لِلْأَرْبَعَةٍ مُتَضَمِّنًا لِلْعِصْمَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِمَامُ عِنْدَهُمْ [2] ، فَلَا يَكُونُ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ [3] بِهَذِهِ [4] الْعِصْمَةِ: لَا لِعَلِيٍّ [5] وَلَا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ دَعَا بِالطَّهَارَةِ لِأَرْبَعَةٍ مُشْتَرِكِينَ لَمْ يَخْتَصَّ [6] بَعْضَهُمْ بِدَعْوَةٍ. وَأَيْضًا فَالدُّعَاءُ بِالْعِصْمَةِ مِنَ الذُّنُوبِ مُمْتَنِعٌ عَلَى أَصْلِ الْقَدَرِيَّةِ، بَلْ وَبِالتَّطْهِيرِ أَيْضًا ; فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ - الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ [7] وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ - عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَقْدُورَةٍ لِلرَّبِّ، وَلَا يُمْكِنُهُ [8] أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدَ مُطِيعًا وَلَا عَاصِيًا، وَلَا مُتَطَهِّرًا مِنَ الذُّنُوبِ وَلَا غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ، فَامْتَنَعَ عَلَى أَصْلِهِمْ أَنْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ بِأَنْ يَجْعَلَهُ فَاعِلًا لِلْوَاجِبَاتِ تَارِكًا لِلْمُحَرَّمَاتِ، وَإِنَّمَا الْمَقْدُورُ عِنْدَهُمْ قُدْرَةٌ تَصْلُحُ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَالسَّيْفِ الَّذِي يَصْلُحُ لِقَتْلِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْمَالِ الَّذِي يُمْكِنُ إِنْفَاقُهُ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، ثُمَّ الْعَبْدُ يَفْعَلُ بِاخْتِيَارِهِ: إِمَّا الْخَيْرَ وَإِمَّا الشَّرَّ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ. وَهَذَا الْأَصْلُ يُبْطِلُ حُجَّتَهُمْ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي إِبْطَالِ هَذَا الْأَصْلِ، حَيْثُ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ [9] بِالتَّطْهِيرِ. فَإِنْ قَالُوا: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ وَلَا يُؤَاخِذُهُمْ. (1) م: الْمُطَهَّرُ الْمَدْعُوُّ لَهُ. (2) ن، م، س: وَعِنْدَهُمْ. (3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (4) ب: بِهَذَا. (5) م: إِلَّا لِعَلِيٍّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (6) ن، م: مُشْرِكِينَ لَمْ يَخُصَّ. (7) م: الْمُوجِبَاتِ. (8) ن، م، س: وَلَا يُمْكِنُ. (9) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . كَانَ ذَلِكَ أَدَلَّ عَلَى الْبُطْلَانِ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى الْعِصْمَةِ [1] . فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بِحَالٍ [عَلَى] [2] ثُبُوتِ الْعِصْمَةِ. وَالْعِصْمَةُ مُطْلَقًا - الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ وَتَرْكُ الْمَحْظُورِ - لَيْسَتْ مَقْدُورَةً عِنْدَهُمْ لِلَّهِ، وَلَا [3] يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدًا فَاعِلًا لِطَاعَةٍ وَلَا تَارِكًا لِمَعْصِيَةٍ، لَا لِنَبِيٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ، فَيَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا عَاشَ يُطِيعُهُ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ لَا بِإِعَانَةِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ [4] . وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ تَنَاقُضَ قَوْلِهِمْ فِي مَسَائِلِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُ الْعِصْمَةِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ الْعِصْمَةُ وَلَا إِجْمَاعٌ [5] عَلَى انْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ فِي غَيْرِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَتَبْطُلُ حُجَّتُهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّ عَلِيًّا ادَّعَاهَا [6] ، وَقَدْ [7] ثَبَتَ نَفْيُ الرِّجْسِ عَنْهُ فَيَكُونُ صَادِقًا" . فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَلِيًّا ادَّعَاهَا، بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ [عِلْمًا مُتَيَقِّنًا] [8] أَنَّ عَلِيًّا مَا ادَّعَاهَا قَطُّ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ، وَإِنْ [9] (1) ن، م: أَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْعِصْمَةِ. (2) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) . (3) م: فَلَا. (4) فَيَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنْ. . . لَا بِإِعَانَةِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ، كَذَا فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ نَقْصٌ وَتَحْرِيفٌ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ يَكُونُ مَعْصُومًا عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ مُطِيعًا لِلَّهِ بِإِعَانَةِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ بَلْ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ. (5) ب (فَقَطْ) : وَالْإِجْمَاعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (6) م: ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ. (7) ن، م، س: فَقَدْ. (8) عِلْمًا مُتَيَقِّنًا: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ. (9) م: فَإِنْ. كَانَ قَدْ [1] يَمِيلُ بِقَلْبِهِ إِلَى أَنْ يُوَلَّى، لَكِنْ مَا قَالَ: إِنِّي أَنَا الْإِمَامُ، وَلَا: إِنَّى مَعْصُومٌ، وَلَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [2] جَعَلَنِي الْإِمَامَ بَعْدَهُ، وَلَا أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى النَّاسِ مُتَابَعَتِي، وَلَا نَحْوَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مَنْ نَقَلَ هَذَا وَنَحْوَهُ عَنْهُ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَيْهِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ الْكَذِبَ الظَّاهِرَ، الَّذِي تَعْلَمُ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ أَنَّهُ كَذِبٌ. وَأَمَّا نَقْلُ النَّاقِلِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلَّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى" . فَنَقُولُ: أَوَّلًا: أَيْنَ إِسْنَادُ هَذَا النَّقْلِ [3] ، بِحَيْثُ يَنْقُلُهُ ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ مُتَّصِلًا إِلَيْهِ؟ وَهَذَا لَا يُوجَدُ قَطُّ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ "نَهْجِ الْبَلَاغَةِ" وَأَمْثَالِهِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَكْثَرَ خُطَبِ هَذَا الْكِتَابِ مُفْتَرَاةٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ غَالِبُهَا فِي كِتَابٍ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا لَهَا إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ. فَهَذَا الَّذِي نَقَلَهَا مِنْ أَيْنَ نَقَلَهَا؟ . وَلَكِنَّ هَذِهِ الْخُطَبَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ عَلَوِيٌّ أَوْ عَبَّاسِيٌّ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ سَلَفِهِ ادَّعَى ذَلِكَ قَطُّ، وَلَا ادَّعَى ذَلِكَ لَهُ، فَيُعْلَمُ كَذِبُهُ. فَإِنَّ النَّسَبَ يَكُونُ مَعْرُوفًا مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِفَرْعِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَنْقُولَاتِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً مَعْرُوفَةً عَمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ حَتَّى تَتَّصِلَ بِنَا. فَإِذَا صَنَّفَ وَاحِدٌ كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ خُطَبًا كَثِيرَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ (1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) س: إِنَّ الرَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (3) س: هَذَا الْحَدِيثُ النَّقْلُ.
__________________
|
#409
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (409) صـ 87 إلى صـ 96 وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ تِلْكَ الْخُطَبَ قَبْلَهُ بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ، عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ. وَفِي هَذِهِ الْخُطَبِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ قَدْ عَلِمْنَا [1] يَقِينًا مِنْ عَلِيٍّ مَا يُنَاقِضُهَا. وَنَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ، بَلْ يَكْفِينَا الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْخَلْقِ أَنْ يُصَدِّقُوا بِمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ [2] عَلَى صِدْقِهِ، بَلْ هَذَا مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ، لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُثْبِتَ ادِّعَاءَ عَلِيٍّ لِلْخِلَافَةِ بِمِثْلِ حِكَايَةٍ [3] ذُكِرَتْ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ ; لَمَّا كَثُرَ الْكَذَّابُونَ [4] عَلَيْهِ، وَصَارَ لَهُمْ دَوْلَةٌ تَقْبَلُ مِنْهُمْ [5] مَا يَقُولُونَ، سَوَاءً كَانَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مَنْ يُطَالِبُهُمْ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَهَذَا الْجَوَابُ عُمْدَتُنَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَفِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ نَقُولُ [6] : هَبْ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ ذَلِكَ، فَلِمَ قُلْتَ [7] : إِنَّهُ أَرَادَ إِنِّي إِمَامٌ [مَعْصُومٌ] [8] مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنِّي كُنْتُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِي. لِاعْتِقَادِهِ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَأَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا [9] يَكُونُ مُخْبِرًا عَنْ أَمْرٍ تَعَمَّدَ فِيهِ الْكَذِبَ، وَلَكِنْ يَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِاجْتِهَادِهِ، وَالِاجْتِهَادُ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ. (1) ن، م: قَدْ عُلِمَ. (2) ن، س: بِمَا لَمْ يَقُمْ بِهِ دَلِيلٌ، ب: بِمَا لَمْ يَقُمْ لَهُ دَلِيلٌ. . . (3) م: بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ. (4) س، ب: الْكَاذِبُونَ. (5) م: عَنْهُمْ. (6) ن، م: ثُمَّ يُقَالُ. (7) ن، م: فَلِمَ قُلْتُمْ. (8) مَعْصُومٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (9) ن، س، ب: لَا. وَنَفْيُ [1] الرِّجْسِ لَا [يُوجِبُ أَنْ] يَكُونَ [2] مَعْصُومًا مِنَ الْخَطَأِ بِالِاتِّفَاقِ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُمُ الْخَطَأَ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ، فَلَا يَضُرُّ وُجُودُهُ. وَأَيْضًا [فَالْخَطَأُ لَا يَدْخُلُ] [3] فِيهِ عُمُومُ الرِّجْسِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا مَعْصُومَ مِنْ أَنْ يُقِرَّ عَلَى خَطَأٍ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُمْ يَخُصُّونَ ذَلِكَ بِالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، وَإِذْهَابُ الرِّجْسِ قَدِ اشْتَرَكَ فِيهِ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَأَيْضًا فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ، كَمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَتَعَمَّدُوا لِلْكَذِبِ. لَكِنْ لَوْ قِيلَ لِهَذَا الْمُحْتَجِّ بِالْآيَةِ: أَنْتَ لَمْ تَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ مِنَ الرِّجْسِ، وَإِذَا لَمْ تَذْكُرْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ إِذْهَابِ الرِّجْسِ إِذْهَابُ الْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ، إِذَا [4] قُدِّرَ أَنَّ الرِّجْسَ ذَاهِبٌ، فَهُوَ فِيمَنْ [5] يَحْتَجُّ بِالْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِذْهَابِ [6] الرِّجْسِ، وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ وَالْخَطَأَ مِنَ الرِّجْسِ، وَلَا أَنَّ عَلِيًّا قَالَ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِمُقَدِّمَاتٍ لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ، فَأَيْنَ الْبَرَاهِينُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْإِمَامَةِ؟ وَهَلْ يَدَّعِي هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخِزْيِ وَالنَّدَامَةِ؟ . (1) ب: وَبِنَفْيِ. (2) ن، س، ب: لَا يَكُونَ. . . (3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (4) س، ب: إِنْ. (5) ن، س، ب: فَهُوَ ضَمِنَ أَنْ. (6) م: ذَهَابِ. [فصل البرهان السادس "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الْبُرْهَانُ السَّادِسُ: فِي [2] قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [سُورَةُ النُّورِ: 36 - 37] [3] قَالَ الثَّعْلَبِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ [4] وَبُرَيْدَةَ قَالَا: «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيُّ بُيُوتٍ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ:" بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ ". فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْبَيْتُ مِنْهَا؟ يَعْنِي بَيْتَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ [5] . قَالَ: نَعَمْ مِنْ أَفْضَلِهَا» [6] ، وَصُفَّ فِيهَا الرِّجَالُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِمْ، فَيَكُونُ عَلِيٌّ [7] هُوَ الْإِمَامُ، وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ [8]" . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ. وَمُجَرَّدُ عَزْوِ ذَلِكَ (1) فِي (ك) ص 152 (م) . (2) فِي: لَيْسَتْ فِي (ك) . (3) ك: أَذِنَ اللَّهُ أَنَّ تُرْفَعَ، الْآيَةَ. (4) ك: أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. (5) ك: وَفَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (6) ك: مِنْ أَفَاضِلِهَا. (7) ك: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (8) عِبَارَةُ "عَلَى الْفَاضِلِ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . إِلَى الثَّعْلَبِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ خَبَرٍ رَوَاهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجُمْهُورِ يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ عُلَمَاءُ [1] الْجُمْهُورِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَا يَرْوِيهِ الثَّعْلَبِيُّ وَأَمْثَالُهُ لَا يَحْتَجُّونَ بِهِ، لَا فِي فَضِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقٍ [2] ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّا نَحْتَجُّ عَلَيْكُمْ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي يَرْوِيهَا [وَاحِدٌ مِنَ] الْجُمْهُورِ [3] ، فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: أَنَا أَحْكُمُ عَلَيْكُمْ بِمَنْ يَشْهَدُ [4] عَلَيْكُمْ مِنَ الْجُمْهُورِ، فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْجُمْهُورِ: إِنَّ كُلَّ مَنْ شَهِدَ [5] مِنْهُمْ فَهُوَ عَدْلٌ، أَوْ قَالَ [6] أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى مِنْهُمْ [7] حَدِيثًا كَانَ صَحِيحًا. ثُمَّ [8] عُلَمَاءُ الْجُمْهُورِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الثَّعْلَبِيَّ وَأَمْثَالَهُ يَرْوُونَ الصَّحِيحَ وَالضَّعِيفَ، وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ رِوَايَتِهِ لَا تُوجِبُ اتِّبَاعَ ذَلِكَ. وَلِهَذَا يَقُولُونَ فِي الثَّعْلَبِيِّ [9] وَأَمْثَالِهِ: إِنَّهُ حَاطِبُ لَيْلٍ يَرْوِي مَا وَجَدَ، سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ سَقِيمًا. فَتَفْسِيرُهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهِ صَحِيحَةً، فَفِيهِ مَا هُوَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (1) عُلَمَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) . (2) ن، س: بِطَرِيقَةٍ، ب: بِطَرِيقِهِ. (3) الَّتِي يَرْوِيهَا وَاحِدٌ مِنَ الْجُمْهُورِ، كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي (ن) ، (م) ، (س) : الَّتِي يَرْوِيهَا الْجُمْهُورُ. (4) ن: بِمَا شَهِدَ، س، ب: بِمَا يَشْهَدُ. (5) م: يَشْهَدُ. (6) م: وَقَالَ. (7) م: كُلَّ مَا يُرْوَى عَنْهُمْ. (8) ن، م، س: أَمْ. (9) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الثَّعْلَبِيِّ فِيمَا مَضَى 2/247. وَلِهَذَا لَمَا اخْتَصَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ - وَكَانَ أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ مِنْهُ، وَالثَّعْلَبِيُّ أَعْلَمُ بِأَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ - [ذَكَرَ الْبَغَوِيُّ عَنْهُ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ] [1] وَالنُّحَاةِ وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ نَقَلَهَا الْبَغَوِيُّ مِنَ الثَّعْلَبِيِّ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَفْسِيرِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ الَّتِي رَوَاهَا الثَّعْلَبِيُّ، بَلْ يَذْكُرُ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَيَعْزُوهُ إِلَى الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ مُصَنِّفُ كِتَابِ "شَرْحُ السُّنَّةَ" وَكِتَابِ "الْمَصَابِيحُ" وَذَكَرَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَظْهَرُ لِعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، كَمَا يَفْعَلُهُ غَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، كَالْوَاحِدِيِّ صَاحِبِ الثَّعْلَبِيِّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْهُ، وَكَالزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَعْلَمُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ [2] . الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي يُعْتَمَدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَيْهَا، كَالصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ [3] ، مَعَ أَنَّ فِي بَعْضِ هَذِهِ [4] مَا هُوَ ضَعِيفٌ، بَلْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ، لَكِنَّ هَذَا قَلِيلٌ جِدًّا. وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ [5] وَأَمْثَالُهُ فَهُوَ أَظْهَرُ كَذِبًا مِنْ أَنْ يَذْكُرُوهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْآيَةُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ هِيَ فِي الْمَسَاجِدِ [6] ، كَمَا قَالَ: (1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (2) انْظُرْ مَا ذَكَرْتَهُ عَنِ الْبَغَوِيِّ فِيمَا سَبَقَ 1/457 (3) م: وَالْمَسَانِيدِ (4) س، ب: هَذَا. (5) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ. (6) انْظُرْ تَفْسِيرَ آيَةِ 36 مِنْ سُورَةِ النُّورِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ وَابْنِ كَثِيرٍ وَزَادِ الْمَسِيرِ، وَتَفْسِيرِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ 24/3 : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} الْآيَةَ [سُورَةُ النُّورِ: 36] وَبَيْتُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ [1] لَيْسَ مَوْصُوفًا [2] بِهَذِهِ الصِّفَةِ. الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: بَيْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ بَيْتِ عَلِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ رِجَالٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ هُوَ وَالْوَاحِدَةُ مِنْ نِسَائِهِ، وَلَمَّا أَرَادَ بَيْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 53] وَقَالَ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 34] . الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: "هِيَ بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ" كَذِبٌ ; فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا نَصِيبٌ. وَقَوْلُهُ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [سُورَةُ النُّورِ: 36 - 37] مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَعْيِينٌ [3] . وَقَوْلُهُ: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} : إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَسَاجِدُ مِنَ الذِّكْرِ فِي الْبُيُوتِ [4] وَالصَّلَاةِ فِيهَا، دَخَلَ فِي ذَلِكَ بُيُوتُ أَكْثَرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَا تَخْتَصُّ بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ. (1) وَغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَفِي (س) عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. وَفِي (ن) : ثَبَتَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) م: مَوْضُوعًا. (3) س، ب: لَيْسَ تَغْيِيرٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (4) ن، س: مِنَ الذِّكْرِ مَنْ فِي الْبُيُوتِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَسَاجِدُ مِنْ وُجُودِ الذِّكْرِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالْمَسَاجِدِ. وَأَمَّا بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَيْسَ فِيهَا خُصُوصِيَّةُ الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا فَضْلٌ بِسُكْنَى الْأَنْبِيَاءِ فِيهَا. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِنْ أُرِيدَ بِبُيُوتِ الْأَنْبِيَاءِ مَا سَكَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَيْسَ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ بُيُوتِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا بُيُوتُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا بَيْتُ عَلِيٍّ. وَإِنْ أُرِيدَ مَا دَخَلَهُ الْأَنْبِيَاءُ، فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ [1] دَخَلَ بُيُوتَ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَيُّ تَقْدِيرٍ قُدِّرَ فِي الْحَدِيثِ لَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُ بَيْتِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ [2] مِنْ بُيُوتِ الْأَنْبِيَاءِ، دُونَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَنَحْوِهِمْ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِصَاصٌ، فَالرِّجَالُ مُشْتَرِكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: الرِّجَالُ الْمَذْكُورُونَ مَوْصُوفُونَ بِأَنَّهُمْ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، لَيْسَ [3] فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَفِيهَا الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ [4] ، وَلَكِنْ لَيْسَ [5] كُلُّ مَنْ أُثْنِيَ عَلَيْهِ أَوْ وُعِدَ [6] بِالْجَنَّةِ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْ [7] أَنْ يَكُونَ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. (1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) م: تَخْصِيصُهُ بِبَيْتِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ. . . (3) ن، م، س: وَلَيْسَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (4) س، ب: وَفِيهَا مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ. (5) ن، س، ب: وَلَيْسَ. (6) ن: وَأُوْعِدَ ; س: س: وَأَوْعَدَهُ، ب: وَوَعَدَهُ. (7) س: لَمْ يَلْزَمْ، ب: فَلَا يَلْزَمُ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَكِنْ لِمَ قُلْتَ: إِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُخْتَصَّةٌ بِعَلِيٍّ؟ بَلْ كُلُّ [1] مَنْ كَانَتْ لَا تُلْهِيهِ التِّجَارَةُ وَالْبَيْعُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَيَخَافُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. فَلِمَ قُلْتَ [2] : إِنَّهُ لَيْسَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ إِلَّا عَلِيًّا؟ وَلَفْظُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ رِجَالٌ لَيْسُوا رَجُلًا وَاحِدًا، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِعَلِيٍّ، بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ مُشْتَرِكُونَ فِيهَا. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِيهَا. الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْإِمَامَةَ؟ . وَأَمَّا امْتِنَاعُ تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ إِذَا سُلِّمَ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي [3] مَجْمُوعِ الصِّفَاتِ الَّتِي تُنَاسِبُ الْإِمَامَةَ، وَإِلَّا فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ فُضِّلَ فِي خَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ اسْتَحَقَّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامُ. وَلَوْ جَازَ هَذَا لَقِيلَ: فَفِي الصَّحَابَةِ مَنْ قَتَلَ مِنَ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ مِمَّا قَتَلَ عَلِيٌّ، وَفِيهِمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَنْفَقَ عَلِيٌّ، وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ صَلَاةً وَصِيَامًا مِنْ عَلِيٍّ، [4] وَفِيهِمْ مَنْ أُوذِيَ فِي اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ عَلِيٍّ، وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ أَسَنُّ مِنْ عَلِيٍّ [5] ، وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ عَلِيٍّ. وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ [6] لَهُ مِثْلُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ [7] مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَكُونُ لَهُ مِثْلُ مَا لِكُلِّ أَحَدٍ (1) كُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) م: فَإِنْ قُلْتَ. (3) م: مِنْ. (4) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (س) (5) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (س) (6) سَاقِطٌ مِنْ (س) (7) سَاقِطٌ مِنْ (س) مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ يَكُونُ فِي الْمَفْضُولِ نَوْعٌ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَمْتَازُ بِهَا عَنِ الْفَاضِلِ، وَلَكِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّفْضِيلِ بِالْمَجْمُوعِ. [فصل البرهان السابع "قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الْبُرْهَانُ السَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الشُّورَى: 23] رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قَرَابَتُكَ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟ قَالَ:" عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ [وَابْنَاهُمَا] » [2] . وَكَذَا [3] فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، وَنَحْوِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَغَيْرُ عَلِيٍّ [4] مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّلَاثَةِ لَا تَجِبُ مَوَدَّتُهُ [5] ، فَيَكُونُ عَلِيٌّ أَفْضَلَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ، وَلِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُنَافِي الْمَوَدَّةَ، وَبِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ تَكُونُ مَوَدَّتُهُ [6] ، فَيَكُونُ وَاجِبُ الطَّاعَةِ، وَهُوَ مَعْنَى الْإِمَامَةِ "[7] . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا [8] الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ:" (1) فِي (ك) ص 152 (م) 153 (م) . (2) وَابْنَاهُمَا: فِي (ك) فَقَطْ، وَسَقَطَتْ مِنْ (ن) ، (م) ، (ب) ، (س) (3) ب: وَكَذَلِكَ. (4) ك: عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (5) ك: مِنَ الصَّحَابَةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجِبُ مَوَدَّتُهُ. (6) ك: وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ يَكُونُ مَوَدُّةُ. (7) س: الْآيَةُ. (8) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . "إِنْ أَحْمَدَ رَوَى هَذَا فِي مُسْنَدِهِ" كَذِبٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ [هَذَا] [1] مُسْنَدُ أَحْمَدَ مَوْجُودٌ، بِهِ [2] مِنَ النُّسَخِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ. وَأَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ كَذِبًا قَوْلُهُ: إِنَّ نَحْوَ [3] هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، بَلْ فِيهِمَا وَفِي الْمُسْنَدِ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَأَمْثَالَهُ جُهَّالٌ بِكُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا يُطَالِعُونَهَا وَلَا يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا. وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ جَمَعَ لَهُمْ كِتَابًا [4] فِي أَحَادِيثَ مِنْ كُتُبٍ مُتَفَرِّقَةٍ، مَعْزُوَّةٌ تَارَةً إِلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَتَارَةً إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَتَارَةً إِلَى الْمَغَازِلِيِّ [5] وَالْمُوَفَّقِ خَطِيبِ خَوَارِزْمَ وَالثَّعْلَبِيِّ وَأَمْثَالِهِ، وَسَمَّاهُ "الطَّرَائِفُ فِي الرَّدِّ عَلَى الطَّوَائِفِ" . وَآخَرُ صَنَّفَ كِتَابًا لَهُمْ سَمَّاهُ "الْعُمْدَةُ" وَاسْمُ مُصَنِّفِهِ ابْنُ الْبِطْرِيقِ. وَهَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَةِ الْكَذِبِ فِيمَا يَرْوُونَهُ، فَهُمُ أَمْثَلُ حَالًا مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الَّذِي صَنَّفَ لَهُمْ وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَرْوُونَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ. وَرَأَيْتُ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْزُوِّ الَّذِي عَزَاهُ أُولَئِكَ إِلَى الْمُسْنَدِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بَاطِلًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، يَعْزُونَ إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ مَا لَيْسَ فِيهِ أَصْلًا. لَكِنَّ أَحْمَدَ صَنَّفَ كِتَابًا فِي فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ [وَغَيْرِهِمْ] [6] ، وَقَدْ يَرْوِي فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا لَيْسَ فِي الْمُسْنَدِ. وَلَيْسَ كُلُّ (1) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (3) نَحْوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (س) (4) م: جَمَعَ لَهُمْ كِتَابٌ ; ب، س: جَمَعَ لَهُمْ كُتُبًا (5) ب: الْمَغَازِيِّ. (6) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) ، (س)
__________________
|
#410
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (410) صـ 97 إلى صـ 106 مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَهُ، بَلْ يَرْوِي مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَشَرْطُهُ فِي الْمُسْنَدِ أَنْ لَا يَرْوِيَ عَنِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْكَذِبِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ ضَعِيفٌ، وَشَرْطُهُ فِي الْمُسْنَدِ مِثْلُ شَرْطِ أَبِي دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ. وَأَمَّا كُتُبُ الْفَضَائِلِ فَيَرْوِي [1] مَا سَمِعَهُ مِنْ شُيُوخِهِ، سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ ضَعِيفًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ لَا يَرْوِي فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ. ثُمَّ زَادَ ابْنُ أَحْمَدَ زِيَادَاتٍ، وَزَادَ أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ زِيَادَاتٍ. وَفِي زِيَادَاتِ الْقَطِيعِيِّ زِيَادَاتٌ كَثِيرَةٌ [كَذِبٌ] [2] مَوْضُوعَةٌ، فَظَنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ تِلْكَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَأَنَّهُ رَوَاهَا فِي الْمُسْنَدِ. وَهَذَا خَطَأٌ قَبِيحٌ ; فَإِنَّ الشُّيُوخَ الْمَذْكُورِينَ شُيُوخُ الْقَطِيعِيِّ، وَكُلُّهُمْ [3] مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُمْ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ أَحْمَدَ، لَا مِمَّنْ يَرْوِي أَحْمَدُ عَنْهُ. وَهَذَا مُسْنَدُ أَحْمَدَ وَكِتَابُ "الزُّهْدِ" لَهُ، وَكِتَابُ "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" وَكِتَابُ "التَّفْسِيرِ" وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. فَهَذَا أَحْمَدُ. وَتَارَةً يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ. وَكِتَابُهُ فِي "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ" لَهُ [4] فِيهِ هَذَا وَهَذَا، وَفِيهِ مِنْ زِيَادَاتِ الْقَطِيعِيِّ. يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ وَأَمْثَالُهُ، مِمَّنْ هُوَ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي الطَّبَقَةِ، وَهُوَ مِمَّنْ غَايَتُهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّ أَحْمَدَ تَرَكَ الرِّوَايَةَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ; لَمَّا طَلَبَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُحَدِّثَهُ وَيُحَدِّثَ ابْنَهُ (1) ن، م: فَرَوَى. (2) كَذِبٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) ، (س) (3) ن، ب، س: كُلُّهُمْ. (4) لَهُ: لَيْسَتْ فِي (م) . وَيُقِيمَ عِنْدَهُ، فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، فَامْتَنَعَ مِنَ الْحَدِيثِ مُطْلَقًا لِيَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ ; وَلِأَنَّهُ [1] كَانَ قَدْ حَدَّثَ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَكَانَ يَذْكُرُ الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ بَعْدَ شُيُوخِهِ، وَلَا يَقُولُ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ، فَكَانَ مَنْ يَسْمَعُونَ مِنْهُ ذَلِكَ يَفْرَحُونَ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ. فَهَذَا الْقَطِيعِيُّ يَرْوِي عَنْ شُيُوخِهِ زِيَادَاتٍ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا [2] كَذِبٌ مَوْضُوعٌ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابُ وَلَمْ يَنْظُرُوا مَا فِيهِ مِنْ فَضَائِلِ سَائِرِ [3] الصَّحَابَةِ، بَلِ اقْتَصَرُوا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، [4] ، وَكُلَّمَا زَادَ حَدِيثًا ظَنُّوا أَنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الرِّجَالَ وَطَبَقَاتِهِمْ، وَأَنَّ شُيُوخَ الْقَطِيعِيِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَرْوِيَ أَحْمَدُ [5] عَنْهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ [6] لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ مَا سَمِعُوا كِتَابًا إِلَّا الْمُسْنَدَ، فَلَمَّا ظَنُّوا أَنَّ أَحْمَدَ رَوَاهُ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَرْوِي فِي [7] الْمُسْنَدِ، صَارُوا يَقُولُونَ لِمَا رَوَاهُ الْقَطِيعِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ. هَذَا إِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْقَطِيعِيِّ مَا لَمْ يَرْوِهِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ عِنْدَهُمْ [8] غَيْرُ مَأْمُونٍ، وَلِهَذَا يَعْزُو صَاحِبُ "الطَّرَائِفِ" وَصَاحِبُ "الْعُمْدَةِ" أَحَادِيثَ يَعْزُوهَا [9] إِلَى أَحْمَدَ، لَمْ يَرْوِهَا أَحْمَدُ لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا، وَلَا سَمِعِهَا أَحَدٌ [10] (1) ن، ب، س: لِأَنَّهُ. (2) م: زِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا. (3) سَائِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (4) ن، ب، س: بَلْ عَرَضَ ذَلِكَ عَلَى، م: بَلْ عَزَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ يَسْتَقِيمُ بِهِ الْكَلَامُ. (5) ن، س: أَحَدٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (6) م: فَإِنَّهُمْ. (7) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (8) م: مِنْهُمْ. (9) يَعْزُوهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (10) ب: أَحْمَدُ. قَطُّ. وَأَحْسَنُ حَالِ هَؤُلَاءِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ مِمَّا رَوَاهُ الْقَطِيعِيُّ، وَمَا رَوَاهُ الْقَطِيعِيُّ فِيهِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ الْقَبِيحَةِ الْوَضْعِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى عَالِمٍ. وَنَقْلُ هَذَا الرَّافِضِيِّ مِنْ جِنْسِ صَاحِبِ كِتَابِ "الْعُمْدَةُ" وَ "الطَّرَائِفُ" فَمَا أَدْرِي نَقَلَ مِنْهُ [1] أَوْ عَمَّنْ [2] يَنْقُلُ عَنْهُ، وَإِلَّا فَمَنْ لَهُ بِالنَّقْلِ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ يَسْتَحْيِي أَنْ يَعْزُوَ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحَيْنِ، وَالصَّحِيحَانِ وَالْمُسْنَدُ نُسَخُهُمَا مِلْؤُ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُرْوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَرْوِي مِثْلَ هَذَا مِنْ يَحْطِبُ بِاللَّيْلِ، كَالثَّعْلَبِيِّ وَأَمْثَالِهِ، الَّذِينَ يَرْوُونَ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ بِلَا تَمْيِيزٍ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَهُمُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِمْ فِي هَذَا. وَهَذَا [3] لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا [4] . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الشُّورَى وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ جَمِيعُ آلِ حم مَكِّيَّاتٌ، وَكَذَلِكَ آلِ طس. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَلِيَّا إِنَّمَا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَالْحَسَنُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالْحُسَيْنُ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ قَبْلَ وُجُودِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بِسِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَكَيْفَ يُفَسِّرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةَ بِوُجُوبِ مَوَدَّةِ قَرَابَةٍ لَا تُعْرَفُ وَلَمْ تُخْلَقْ [بَعْدُ] [5] ؟ ! . (1) 1) ب: عَنْهُ. (2) 2) م: نَقَلَ. (3) 3) س، ب: وَلِهَذَا. (4) 4) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ. (5) بَعْدُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ تَفْسِيرَ الْآيَةِ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُنَاقِضُ ذَلِكَ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الشُّورَى: 23] ، فَقُلْتُ: أَنْ لَا تُؤْذُوا [1] مُحَمَّدًا فِي قَرَابَتِهِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا، لَكِنْ [أَسْأَلُكُمْ] أَنْ تَصِلُوا [2] الْقَرَابَةَ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [3] . فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ، وَأَعْلَمُ أَهْلِ الْبَيْتِ بَعْدَ عَلِيٍّ، يَقُولُ: لَيْسَ مَعْنَاهَا مَوَدَّةَ ذَوِي الْقُرْبَى، لَكِنْ مَعْنَاهَا: لَا أَسْأَلُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ وَيَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ أَجْرًا، لَكِنْ أَسْأَلُكُمْ أَنْ تَصِلُوا الْقَرَابَةَ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَهُوَ سَأَلَ النَّاسَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَوَّلًا أَنْ يَصِلُوا رَحِمَهُ، فَلَا يَعْتَدُوا عَلَيْهِ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ [4] . (1) ن: أَلَّا تُؤْذُوا، م: إِلَّا أَنْ تُؤْذُوا. (2) ن، س: لَكِنْ تَصِلُوا، ب: لَكِنْ أَنْ تَصِلُوا. (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/25 - 26 (4) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي (زَادِ الْمَسِيرِ) 7/284 - 285: ثُمَّ فِي الْمُرَادِ بِقَرَابَتِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَوَلَدَاهَا، وَقَدْ رَوَوْهُ مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَقَالَ مُحَقَّقُ الْكِتَابِ تَعْلِيقًا عَلَى ذَلِكَ:" قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي (الدُّرِّ) 6/7: أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قَرَابَتُكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ مَوَدَّتُهُمْ؟ قَالَ: عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَوَلَدَاهَا. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي (تَخْرِيجِ الْكَشَّافِ) وَقَالَ: فِي سَنَدِهِ حُسَيْنُ الْأَشْقَرِ ضَعِيفٌ سَاقِطٌ. قَالَ: وَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ ; فَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ، إِنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ. . . الْحَدِيثَ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَالَ: {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ، لَمْ يَقُلْ: إِلَّا الْمَوَدَّةَ لِلْقُرْبَى، وَلَا الْمَوَدَّةَ لِذَوِي الْقُرْبَى. فَلَوْ أَرَادَ الْمَوَدَّةَ لِذَوِي الْقُرْبَى لَقَالَ: الْمَوَدَّةُ لِذَوِي الْقُرْبَى، كَمَا قَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 41] وَقَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [سُورَةُ الرُّومِ: 38] ، وَقَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 177] وَهَكَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. فَجَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّوْصِيَةِ بِحُقُوقِ ذَوِي قُرْبَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَوِي قُرْبَى الْإِنْسَانِ إِنَّمَا قِيلَ فِيهَا: ذَوِي الْقُرْبَى، لَمْ يَقُلْ: [فِي] الْقُرْبَى [1] . فَلَمَّا ذَكَرَ هُنَا الْمَصْدَرَ دُونَ الِاسْمِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَوِي الْقُرْبَى. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ الْمَوَدَّةُ لَهُمْ ; لَقَالَ: الْمَوَدَّةُ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَلَمْ يَقُلْ: فِي الْقُرْبَى. فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ مِنْ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ لِغَيْرِهِ: أَسْأَلُكَ الْمَوَدَّةَ فِي فُلَانٍ، وَلَا فِي قُرْبَى فُلَانٍ، وَلَكِنْ أَسْأَلُكَ الْمَوَدَّةَ لِفُلَانٍ وَالْمَحَبَّةَ لِفُلَانٍ. فَلَمَّا قَالَ: الْمَوَدَّةُ فِي الْقُرْبَى، عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ [2] لِذَوِي الْقُرْبَى. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْأَلُ عَلَى (1) ن، س: لَمْ يَقُلِ الْقُرْبَى، م: لَمْ يَقُلْ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُوَ خَطَأٌ. (2) ن: الْمَوَدَّةُ، م: بِالْمَوَدَّةِ. تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ أَجْرًا أَلْبَتَّةَ، بَلْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، كَمَا قَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [سُورَةُ ص: 86] ، وَقَوْلُهُ: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [سُورَةُ الطُّورِ: 40] ، وَقَوْلُهُ {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 47] . وَلَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُنَا [1] مُنْقَطِعٌ، كَمَا قَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 57] . وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَحَبَّةَ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ، لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا مَحَبَّتُهُمْ أَجْرٌ لِلنَّبِيِّ [2] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ هُوَ مِمَّا أَمَرَنَا [3] اللَّهُ بِهِ، كَمَا أَمَرَنَا بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ أَصْحَابَهُ بِغَدِيرٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، فَقَالَ: «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، [4] أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» [5] ". وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ [6] لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي» [7]" فَمَنْ جَعَلَ (1) م: هَذَا. (2) س، ب: النَّبِيِّ. (3) م: أَمَرَ. (4) سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/240 - 241 وَانْظُرِ الْحَدِيثَ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (( ط. الْحَلَبِيِّ )) 4/366 - 367 مُسْنَدِ الدَّارَمِيِّ 2/431 - 432 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بَابُ فَضْلِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ) . (5) سَاقِطٌ مَنْ (س) (ب) وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/240 - 241 وَانْظُرِ الْحَدِيثَ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (( ط. الْحَلَبِيِّ )) 4/366 - 367 مَسْنَدِ الدَّارَمِيِّ 2/431 - 432 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بَابُ فَضْلِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ) . (6) ن، س: يُحِبُّونَكُمْ. (7) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/317 - 318 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي الْفَضْلِ. . وَهُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي التِّرْمِذِيِّ (. . أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مُغْضَبًا وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: "مَا أَغْضَبَكَ؟" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا وَلِقُرَيْشٍ إِذَا تَلَاقَوْا بَيْنَهُمْ تَلَاقَوْا بِوُجُوهٍ مُبَشِّرَةٍ، وَإِذَا لَقُونَا لَقُونَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ" . ثُمَّ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي، فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ" . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ" . وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ "ط. الْمَعَارِفِ" 3/206، 207، 210 "(ط. الْحَلَبِيِّ)" 4/165 وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/50 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. . .، فَضْلُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) . وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ فِي "ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 6/46 حَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ وَأَحْمَدَ وَلَكِنْ قَالَ: إِنَّ الطَّرَفَ الْآخَرَ مِنْهُ صَحِيحٌ) . [مَحَبَّةَ] [1] أَهْلِ بَيْتِهِ أَجْرًا لَهُ يُوَفِّيهِ إِيَّاهُ فَقَدَ أَخْطَأَ خَطَأً عَظِيمًا، وَلَوْ كَانَ أَجْرًا لَهُ لَمْ نُثَبْ عَلَيْهِ نَحْنُ، لِأَنَّا أَعْطَيْنَاهُ أَجْرَهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّسَالَةِ، فَهَلْ يَقُولُ مُسْلِمٌ مِثْلَ هَذَا؟ ! . الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ الْقُرْبَى مُعَرَّفَةُ بِاللَّامِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ أُمِرَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} وَقَدْ ذَكَرْنَا [2] أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ لَمْ يَكُنْ قَدْ خُلِقَ الْحَسَنُ وَلَا الْحُسَيْنُ [3] ، وَلَا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ. فَالْقُرْبَى الَّتِي كَانَ الْمُخَاطَبُونَ يَعْرِفُونَهَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ، بِخِلَافِ الْقُرْبَى الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَإِنَّهَا مَعْرُوفَةٌ عِنْدَهُمْ. كَمَا تَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الرَّحِمِ الَّتِي بَيْنَنَا، وَكَمَا تَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا الْعَدْلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [4] ، وَلَا أَسْأَلُكَ إِلَّا أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي هَذَا الْأَمْرِ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّا نُسَلِّمُ [5] أَنَّ عَلِيًّا تَجِبُ مَوَدَّتُهُ وَمُوَالَاتُهُ بِدُونِ (1) مَحَبَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (2) س، ب: وَقَدْ ذَكَرَ. (3) ب: وَالْحُسَيْنُ. (4) م: وَبَيْنَكَ. (5) م: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ، وَهُوَ خَطَأٌ. الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لَكِنْ لَيْسَ فِي وُجُوبِ مُوَالَاتِهِ وَمَوَدَّتِهِ مَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِالْإِمَامَةِ وَلَا الْفَضِيلَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَالثَّلَاثَةُ لَا تَجِبُ مُوَالَاتُهُمْ" فَمَمْنُوعٌ [1] ، بَلْ يَجِبُ أَيْضًا مَوَدَّتُهُمْ وَمُوَالَاتُهُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُمْ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ يُحِبُّهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّهُ، فَإِنَّ الْحُبَّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضَ فِي اللَّهِ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ. وَكَذَلِكَ هُمْ مِنْ أَكَابِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ مُوَالَاتِهِمْ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَكُلُّ مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّهُ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُقْسِطِينَ وَالصَّابِرِينَ، وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مَنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ [2] النُّصُوصِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِنِ اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ» [3] فَهُوَ أَخْبَرَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَوَادُّونَ وَيَتَعَاطَفُونَ وَيَتَرَاحَمُونَ، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ ثَبَتَ إِيمَانُهُمْ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، كَمَا قَدْ ثَبَتَ إِيمَانُ عَلِيٍّ، وَلَا يُمْكِنُ مَنْ قُدِحَ [4] فِي إِيمَانِهِمْ أَنْ يُثْبِتَ إِيمَانَ عَلِيٍّ، بَلْ كُلُّ [5] طَرِيقٍ دَلَّ (1) ن، س: مُوَالَاتُهُمْ مَمْنُوعٌ فَمَمْنُوعٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) ن، س: فِي هَؤُلَاءِ. (3) الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1999 - 2000 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ) ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْهُ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى فِيهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ 8/10 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ) ، وَأَوَّلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ: تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ. . . وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (( ط. الْحَلَبِيِّ )) 4/270. وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْأَلْبَانِيُّ فِي "سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ" 3/71 (حَدِيثٌ رَقْمُ 1083 (4) ب: يَقْدَحُ. (5) م: فَكَلُّ. عَلَى إِيمَانِ عَلِيٍّ فَإِنَّهَا عَلَى إِيمَانِهِمْ أَدَلُّ، وَالطَّرِيقُ الَّتِي [1] يُقْدَحُ بِهَا فِيهِمْ يُجَابُ عَنْهَا [2] كَمَا يُجَابُ عَنِ الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ وَأَوْلَى، فَإِنَّ الرَّافِضِيُّ الَّذِي يَقْدَحُ فِيهِمْ وَيَتَعَصَّبُ لِعَلِيٍّ فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْحُجَّةِ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يُرِيدُونَ [3] إِثْبَاتَ نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى وَالْقَدْحِ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِهَذَا لَا يُمْكِنُ الرَّافِضِيُّ أَنْ يُقِيمَ الْحُجَّةَ عَلَى النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ عَلِيًّا، أَوْ يَقْدَحُونَ فِي إِيمَانِهِ، مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ. فَإِنَّهُمْ إِذَا قَالُوا لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ عَلِمْتَ أَنَّ عَلِيًّا مُؤْمِنٌ أَوْ وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى [4] ؟ . فَإِنْ قَالَ: بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ بِإِسْلَامِهِ وَحَسَنَاتِهِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا النَّقْلُ مَوْجُودٌ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بَلِ النَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ بِحَسَنَاتِ هَؤُلَاءِ، السَّلِيمَةُ عَنِ الْمُعَارِضِ، أَعْظَمُ مِنَ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ. وَإِنْ قَالَ: "بِالْقِرَآنِ الدَّالِّ عَلَى إِيمَانِ عَلِيٍّ" . قِيلَ لَهُ: الْقُرْآنُ إِنَّمَا دَلَّ بِأَسْمَاءٍ عَامَّةٍ، كَقَوْلِهِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18] وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَنْتَ تُخْرِجُ [مِنْ ذَلِكَ] [5] أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ، فَإِخْرَاجُ وَاحِدٍ أَسْهَلُ. وَإِنْ قَالَ: بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضَائِلِهِ، أَوْ نُزُولِ [6] الْقُرْآنِ فِيهِ. قِيلَ: أَحَادِيثُ أُولَئِكَ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ، وَقَدْ قَدَحْتَ فِيهِمْ [7] . (1) ن، م، س: الَّذِي. (2) م: عَنْهُمْ. (3) م: يَدَّعُونَ. (4) ن: أَوْ وَلِيٌّ لِلَّهِ، م: أَوْ وَلِيُّ اللَّهِ. (5) مِنْ ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (6) م: أَوْ إِنْزَالِ. (7) م: وَقَدْ قَدَحَ فِيهَا. وَقِيلَ لَهُ: تِلْكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ إِنَّمَا رَوَاهَا [1] الصَّحَابَةُ الَّذِينَ قَدَحْتَ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْقَدْحُ صَحِيحًا بَطَلَ النَّقْلُ، وَإِنْ كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا بَطَلَ الْقَدْحُ. وَإِنْ قَالَ: بِنَقْلِ الشِّيعَةِ أَوْ تَوَاتُرِهِمْ. قِيلَ لَهُ: الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِنَ الرَّافِضَةِ أَحَدٌ. وَالرَّافِضَةُ تَطْعَنُ فِي جَمِيعِ الصَّحَابَةِ إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا: بِضْعَةَ عَشَرَ. وَمِثْلُ هَذَا قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ [2] تَوَاطَئُوا عَلَى مَا نَقَلُوهُ، فَمَنْ قَدَحَ فِي نَقْلِ الْجُمْهُورِ كَيْفَ يُمْكِنُهُ إِثْبَاتُ نَقْلِ نَفَرٍ قَلِيلٍ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قَوْلَهُ: "وَغَيْرُ عَلِيٍّ مِنَ الثَّلَاثَةِ لَا تَجِبُ مَوَدَّتُهُ" كَلَامٌ بَاطِلٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ مَوَدَّةُ هَؤُلَاءِ أَوْجَبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ مَوَدَّةِ عَلِيٍّ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَوَدَّةِ عَلَى مِقْدَارِ الْفَضْلِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ كَانَتْ مَوَدَّتُهُ أَكْمَلَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 96] . قَالُوا: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى عِبَادِهِ. وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ" . قِيلَ [3] : فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا» [4] ." (1) م: رَدَّهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (3) س، ب: قَالَ. (4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/356
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 16 ( الأعضاء 0 والزوار 16) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |