شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - الصفحة 41 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         روائع قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 161 )           »          ‏تأملات في آيتين عجيبتين في كتاب الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الكلمة الطيِّبة (لا إله إلا الله ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أسد بن الفرات بن سنان رحمة الله فاتح صقلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          صدق الله فصدقه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          لماذا التأريخ بالهجرة لا بغيرها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الهجرة النبويّة فن التخطيط والإعداد وبراعة الأخذ بالأسباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          معاهدة محمد الثالث مع ملك فرنسا لويس الخامس عشر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أمية بن أبي الصلت الداني (460-529هـ/1067-1134م) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          فرق كبير بين الصالح والمصلح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #401  
قديم 07-12-2024, 08:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي




حكم تخصيص رجب بشيء من العبادات والاعتقادات


السؤال هل ثبت في فضل رجب شيء من الطاعات أثابكم الله؟
الجواب شهر رجب من الأشهر الحرم، وهو الذي يسمى بـ (رجب مضر) ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع بين أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، قال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح: (ثلاثة سرد وواحد فرد) ، فأما السرد فهي الثلاثة التي تأتي تلو بعضها وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم قال صلى الله عليه وسلم: (ورجب مضر) ؛ لأن مضر كانت تعظم هذا الشهر وتراعي حرمته من دون سائر العرب، وكانوا يقولون: رجب مضر، وهذا الشهر شهر حرام، والأشهر الحرم معلوم أن الإجماع منعقد على تعظيمها من حيث الأصل، واجتناب ما حرم الله عز وجل في قوله تعالى: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} [التوبة:36] ، وقال بعض العلماء: إن الضمير عائد إلى الأشهر كلها، بعض المفسرين يرى هذا.
وبناء على ذلك: فإن تعظيم هذا الشهر وتخصيصه بعبادة معينة أو بذكر معين أو تخصيصه جمعه أو لياليه أو أيامه، كل ذلك مما لا أصل له لا في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فتخصيص أول جمعة من جمع رجب بصلاة الرغائب من البدعة والحدث، وقد نص على ذلك الأئمة والعلماء رحمهم الله، ودواوين الإسلام على أن هذا من الحدث الذي أحدث في الإسلام مما لا أصل له لا في الكتاب ولا في السنة، كذلك أيضا الذبح لرجب، وهي العتيرة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها كما في الصحيحين (لا فرع ولا عتيرة) ، ففسرت العتيرة بأنها ذبيحة رجب.
كذلك تخصيص ليال معنية كليلة سبع وعشرين من رجب، وبالمناسبة لم يثبت دليل صحيح يدل على تعيين ليلة الإسراء، إنما حكى بعض أهل السير أنها ليلة سبع وعشرين من رجب، لكن التعيين بدليل موثق صحيح هذا تكلم عليه بعض العلماء رحمهم الله، وبينوا أنه ليس هناك دليل على أن الإسراء والمعراج وقع في ليلة السابع والعشرين من رجب، وإنما يحكى في السير والأخبار بشرط أن لا يكون وسيلة لاعتقاد معين، وأن لا يكون ذريعة لحكم، فإذا كان كذلك فإنه يرد، ويبين أنه لا أصل له من الأدلة الصحيحة، وينبغي على طلاب العلم والأئمة والخطباء أن يوجهوا الناس وأن يبينوا لهم المحدثات في هذا الشهر، فتخصيص هذا الشهر للعمرة وللذكر والأدعية، والاعتقاد بفضله؛ كل ذلك مما ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى المسلم أن يعتقد دلالة النصوص في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل بذلك، والعمل بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك للأمة من باب خير إلا دل عليه، ولا سبيل رشد إلا هدى إليه، فكون الإنسان يحدث في دين الله ما لا أصل له فإن هذا أمر محرم وخطير، فإن البدعة تقود إلى ما هو أشنع وأفضع، وأشد خطرا منها، فإن الرجل إذا كان لا يبالي في دينه، فيتقبل من كل من هب ودب، ويعتقد في دين الله عز وجل ما ليس له نص صحيح من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لم يؤمن عليه أن تزل قدمه بعد ثبوتها نسأل الله السلامة والعافية.
فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل، وألا يعتقد في هذه الشهور اعتقادا خاصا، وألا يخصها بذكر ولا بجلسات ولا بأذكار معينة، ولا يعتقد في لياليها ولا في أيامها، بل عليه أن يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالخير كل الخير في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا التمسك بالسنة، وأن يعيذنا من الحدث والبدعة.
والله تعالى أعلم.


استحباب ذبح العقيقة عن المولود


السؤال ما حكم من مات وله ولد له من العمر ثمانية أشهر، ولم يعق عنه، فهل يعق عنه بعد موته، أثابكم الله؟
الجواب السنة للوالدين أن يعقا عن الولد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام مرهون بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه) ، فالسنة أن تذبح العقيقة في السابع، وعلى المسلم أن يحمد نعمة الله عليه ومنته، وفضله لديه، فكم من عقيم تمنى أن يولد له! فإذا أنعم الله عليك بالنعمة وأقر عينك بالولد فاشكر هذه النعمة بالعقيقة، وقم بما أمرك الله عز وجل به، وقد ووردت بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، ولذلك استنبط بعض العلماء من قوله: (مرهون) والرهن الحبس، فقالوا: إنه ينبغي على الوالدين أن يحافظا على هذه الشعيرة وهذا السنة، وألا يقصرا فيها، وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل العقيقة شعيرة مخصوصة تفوت بفوات زمانها المحدد أم أنها شعيرة لازمة باقية إلى الأبد؟ وتوضيح ذلك: أن من العلماء من ألحقها بالأضحية فقال: الأضحية إذا خرجت عن أيام التشريق فليست بأضحية، قالوا: فالعقيقة إذا خرجت عن السابع، والأيام المسماة فليست بعقيقة، وإنما هي صدقة من الصدقات.
وقال بعض العلماء: إنها لا تفوت بفوات السابع، ولا الواحد والعشرين، ولا الأربعين، بل تبقى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مرهون) ؛ حتى إن بعض أهل العلم رحمة الله عليهم قالوا: يشرع للولد إذا علم أن والديه لم يعقا عنه أن يعق عن نفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام مرهون) قالوا: فيشرع أن يفك رهن نفسه، وعلى هذا القول فإنه يشرع والذي تطمئن إليه النفس أنه يعق عنه بعد ثمانية أشهر، ولا بأس بذلك إن شاء الله والله تعالى أعلم.


جواز التخفيف في الصلاة دون قطعها لعذر المطر


السؤال هل من الأعذار التي تبيح قطع الصلاة إذا هطل المطر بغزارة وكنا نصلي في العراء، أثابكم الله؟
الجواب إذا هطل المطر بغزارة فإن هذه نعمة من الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم (إنه حديث العهد بربه) ، وخاصة إذا كان ذلك في الصيف وأصابتك سحابة صيف فأرعدت وانتعشت، فإنه خير كثير، خير دين ودنيا، فكون الإنسان واقفا بين يدي ربه لا يشرع له أن يقطع في مثل هذه الحالة، لكن إذا حصل الضرر فبعض العلماء يرى أن الضرر الذي يؤدي بالنفس إلى الهلاك أو مثلا يحدث منه الصفق، يعني يصفق في جسده، أو يكون هناك خطر كسيل، أو شعر بسيل من المطر، فإذا خاف على نفسه فلا بأس أن يقطع الصلاة، وأما إذا لم يخف على نفسه فإنه يخفف الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على التخفيف في الصلاة عند وجود الحاجة، أما أن يقطع الصلاة، فلا؛ لأن الصلاة أمرها عظيم، وقد كان الرجل ربما رأى الأمر العظيم فلا يمكن أن يقطع الصلاة التي بينه وبين الله عز وجل أبدا، ويصبر ويصابر، وقصص السلف رحمة الله عليهم في ذلك عجيبة، فينبغي على المسلم أن يعلم أهمية هذه الشعيرة، وأنه إذا دخل في فريضة من فرائض الله فليس له أن يتسبب في قطعها دون أن يكون هناك موجب شرعي للقطع.
وهذا الكلام الذي ذكرناه عن الصلاة من حيث القطع -قطع الصلاة- إذا لم يكن بوسعه أن يتحول، أما لو كان بوسعه أن يتحول، كرجل يصلي وبجواره مظلة، والمكان الذي يصلي فيه لا مظلة فيه، وأمكنه أن يمشي خطوات إلى المظلة، فيشرع له أن يمشي الخطوات حتى يدفع عن نفسه ضرر هذا الماء أو ضرر المطر، ولا بأس بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مشى في صلاته لدفع الضرر، كما في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه أتاه الشيطان بشهاب من نار، وكان الصحابة يصلون وراءه، ففوجئوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يتكعكع -أي: يتأخر- فتكعكع الصف الأول، وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم كالممسك بشيء يقول: أعوذ بالله منك! أعوذ بالله منك! ألعنك بلعنة الله! ألعنك بلعنة الله! ثم لما سلم، قالوا: يا رسول الله! إنك فعلت كذا وكذا فقال: أما إنه أتاني شيطان بشهاب من نار ... ) ، فذكر الحديث، قالوا: فدل هذا على جواز الحركة من أجل المصلحة، وذلك لدفع الضرر عن نفسه، فإذا كان هناك ضرر من كونه مصليا تحت المطر، وأراد أن يتحول فلا بأس بهذا، ويجوز له أن يتحول.
أما قطع الصلاة فكما ذكرنا أنه لا يقطع، ومن أنسب ما ذكر بعض العلماء في مسألة المطر حديث ليلة القدر: (ولقد أريت صبيحتها أني أسجد على ماء وطين) ، فوكف المسجد -أي: خر المسجد بالماء- فسجد عليه الصلاة والسلام على الماء والطين، ولم يجعل خرور المسجد والماء موجبا للاعتذار، فدل على أن خرور ماء ونزول المطر ليس موجبا لقطع الصلاة، وأن الأصل يحتم عليه إتمام الصلاة، خاصة وأن الله تعالى يقول: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد:33] ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) فالصلاة عمل، وبناء على ذلك فلا يبطلها بقطعها والتسليم منها إلا من ضرورة، ووجود أصل شرعي يقتضي له أو يبيح له ذلك.
والله تعالى أعلم.


جواز تكرار العمرة لأهل مكة


السؤال هل لأهل مكة أن يكرروا العمرة أثابكم الله؟
الجواب باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فالأفضل لأهل مكة أن يكثروا من الطواف بالبيت، هذا هو الأفضل؛ ولذلك كان بعض السلف رحمهم الله يشدد في أمرهم في الخروج للتنعيم؛ لأنهم يرون أن المقصود من العمرة زيارة البيت، وأنه مادام بمكة فإنه يمكنه أن يستغرق هذه الخطوات لدى خروجه إلى التنعيم وتكرار الخروج، فالأفضل أن يجعل هذه الخطوات في الطواف بالبيت؛ لأن الاشتغال بالمقصد أفضل من الاشتغال بالوسيلة، وأما من حيث الجواز فالذي يظهر جوازه، وهو قول طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم، وينسب إلى جمهور العلماء رحمهم الله أنه يجوز لأهل مكة أن يعتمروا، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تعتمر من التنعيم، فكانت في حكم أهل مكة، ومع ذلك أحل لها أن تخرج إلى التنعيم وتعتمر.
والله تعالى أعلم.
من قتل مورثه عمدا أو خطأ فلا يرث منه
السؤال هل يورث الولد الذي تسبب في وفاة والده بالخطأ أثابكم الله؟

الجواب هذه مسألة خلافية بين العلماء؛ لأن الإرث له أسباب وموانع، فالإرث يكون بواحد من ثلاثة أسباب: النكاح، والنسب، والولاء، فإذا كان هناك موجب من هذه الموجبات فإنه يرث الشخص ما لم يكن هناك ما يوجب حجبه، وأما بالنسبة للموانع فيمنع الشخص من الميراث: الرق، والقتل، والردة، والعياذ بالله، قال الناظم: ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث رق وقتل واختلاف دين فاعلم فليس الشك كاليقين أما بالنسبة للقتل فقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن القاتل لا يرث، والمراد بذلك: أن يقتل شخص مورثه؛ كأن يقتل الابن والده -والعياذ بالله- عمدا، فإنه لا يرث منه، ولو قتل أخ أخاه عمدا فإنه لا يرث منه؛ لأنه سيموت الأول المقتول، ويكون أخوه حيا بعد ذلك، فقالوا: إن القاتل لا يرث؛ لأنه لو فتح هذا الباب لطمع الناس في الإرث، فأصبح الشخص يقتل قريبه وهو يعلم أن ورثته لا يقتلونه، وأنهم سيسامحونه فيعدلون إلى الدية، ويكون إرثهم من المقتول أكثر من الدية نفسها؛ كشخص -والعياذ بالله- يقتل قريبه ويرث منه ثلاثمائة ألف، وتكون دية القتيل مائة ألف، فحينئذ ربما سول له الشيطان أن يقتل قريبه، مع علمه أن أبناء عمه أو قرابته لن يقتلوه، فيتنازلون عن قتله ويصيرون إلى الدية، فيعطيهم مائة ويرث المائتين، فإن كان القتل قتل عمد، فوجها واحدا أنه لا يرث وهو محل إجماع.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في قتل الخطأ، وظاهر السنة في قوله: (القاتل) أنه يشمل قتل الخطأ وقتل العمد، وهو أقوى من حيث دلالة العموم؛ لأنه تسبب في قتله، ولذلك فإن الأشبه فيه أنه لا يرث.
والله تعالى أعلم.


طالب العلم والتخصص في فن من فنون العلم الشرعي


السؤال متى يكون التخصص في فن من فنون العلم؟ وهل يستطاع الجمع بين فنون العلم أثابكم الله؟
الجواب من أعظم الأسباب التي تعين على ضبط العلم -بعد الإخلاص وطلب العلم على أيدي العلماء، الذين ورثوا العلم من الأئمة الذين اتصل سندهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة- أن يكون طالب العلم منحصرا، فالانحصار يعين على الضبط، وهذا هو هدي السلف الصالح رحمة الله عليهم، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا منحصرين، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يطلب العلم بعد وفاته، انحصر في زيد، واختار زيدا من بين الصحابة، فلازمه ولازم بابه حتى كان ينام على عتبته في شدة الظلام، وينام على عتبة بابه في شدة الهاجرة والظهيرة، ولازمه ملازمة عظيمة، حتى عرف ابن عباس بـ زيد، ولما بلغت وفاة زيد رضي الله عنه إلى أبي هريرة بكى أبو هريرة وقال: (لقد دفن الناس اليوم علما كثيرا، ولكن لعل الله أن يجعل لنا في ابن عباس منه خلفا) .
وكذلك التابعون، فإن ابن عباس مثلا لزمه أصحابه؛ كـ سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر، وطاوس بن كيسان، فهؤلاء لزموا ابن عباس وأخذوا عنه مع وجود غيره من الصحابة؛ لأن الانحصار يجعلك تأخذ الشيء على أساس معتبر، شريطة ألا يكون الذي تنحصر فيه قد خالف الدليل، فأنت تعمل بقول هذا العالم بحجته ودليله إذا كنت تثق بدينه وعلمه وضبطه وإتقانه، فتأخذ عنه وتضبط هذا العلم بالدليل، فإذا لقيت الله عز وجل لقيته وأنت تعمل بالدليل من الكتاب والسنة، فإذا خالف هذا العالم الدليل سألته عنه، فإن وجدت عنده جوابا مقنعا له وجهه من الأصول المعتمدة عند العلماء فلا إشكال، وإن لم تجد عنده جوابا فأنت تحب العالم، وحبك للحق ينبغي أن يكون أحب من حب ذلك العالم، فالحق أحق أن يتبع، والحق أن يرضى، وليس لأحد قول مع قول الله عز وجل وقول رسوله عليه الصلاة والسلام.
وبناء على هذا الانحصار جاء الاهتمام بضبط العلم، وهكذا وجدنا أئمة السلف، فـ ابن عمر رضي الله عنهما كان له سالم بن عبد الله بن عمر ابنه، وكذلك نافع مولاه وغيره ممن أخذ عنه.
فإذا كان طالب العلم ينحصر ويأخذ العلم بضبط على يد العالم ويأخذ ما عنده، ثم ينتقل إلى غيره، فهذا أضبط وأكثر إتقانا، ولذلك أخذ الإمام الشافعي عن الإمام مالك، ثم انتقل وقرأ على غيره بعد أن ضبط ما عند مالك، ورجع عن أقوال وبقي على أقوال، وظهر له الصواب في أقوال قالها الإمام مالك، وظهر له الصواب في أقوال لم يقل بها، وهكذا كان أئمة السلف.
فالهدف أن يعرف الحق، أما التشتت كأن يأخذ مثلا الفقه من فلان وفلان، ويحضر الدرس الفلاني والدرس الآخر، وهذا العالم يرى أن مفهوم المخالفة حجة، وهذا يرى أن مفهوم المخالفة ليس بحجة، وهذا يرى نوعا من أنواع المفاهيم حجة، وهذا لا يراه حجة، فتارة يعمل بهذا الدليل، وتارة لا يعمل به، وفي العبادات ربما تكون المسألة في الباب الواحد يعمل فيها بأصلين متناقضين.
وهكذا.
فالذي يحث عليه العلماء هو لزوم الانحصار، وليس المراد به التعصب، كما يفهمه البعض فيتعصب لقول العالم حتى في وجه الدليل، إنما المراد به الضبط حتى تتعبد الله عز وجل بدليل واضح، وبأصل بين، وتلقى الله عز وجل بالحجة على سبيل درج عليه الأئمة، ولذلك فإن العلماء والجهابذة الأئمة كلهم أخذوا العلم بالانحصار، ولم يوجد عالم غالبا إلا وله أصل يعتمده، فنجد الفقهاء والمحدثين، وحتى أهل الظاهر لهم أصولهم ولهم أئمتهم وعلماؤهم ومجتهدوهم؛ كالإمام ابن حزم وغيرهم رحمة الله عليهم، وكذلك نجد أهل الحديث من أئمتهم وعلمائهم لهم أصولهم كـ إسحاق بن راهويه وغيرهم من العلماء والأئمة، ونجد أيضا الأئمة الأربعة الإمام أحمد والشافعي ومالك والإمام أبا حنيفة رحمة الله عليه كلهم كان لهم أصحاب، وكلهم كان لهم أتباع، وكلهم قرر وبين وحكم وأفتى وقضى بما استبان له من دليل الكتاب والسنة على أصول رأى صحتها واعتمدها، ونصح للأمة فيها، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين خير ما جزى عالما عن علمه، ونسأل الله العظيم أن يعظم أجورهم، وأن يثقل موازينهم، وأن يرزقنا حبهم وإجلالهم وإكبارهم، ونسأله بعزته وجلاله أن يملأ قلوبنا من حبهم فيه، وأن يجعل هذا الحب شافعا نافعا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وبالمناسبة: أوصي بحب العلماء من أئمة السلف، ومن سار على نهجهم، فحب العلماء قربى لله عز وجل، وإذا رأيت العالم الذي التزم كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فالتزم محبته، وأحبه بحبه لكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا نظرت إلى أئمة السلف ودواوين العلم فعليك أن تعيش في هذا العلم طالبا للعلم، معظما لحرمات الله عز وجل، وإياك أن تحتقرهم! وإياك أن ترضى بنبذهم وانتقاصهم وسبهم وشتمهم والحط من أقدارهم! فليس هذا من خلق العلماء، فإن من عرف العلم عرف فضل العلماء، وإذا وجدت الرجل في كتابته أو في كلامه أو في دروسه حريصا على سب العلماء وانتقاصهم، ويبقى على أكتاف العلماء؛ فاعلم أنه ليس بعالم، فوالله لا يعرف فضل العلماء إلا من علم؛ لأنه لا يعرف الفضل إلا أهل الفضل، ومن اكتحلت عيناه بالسهر وقرأ في دواوين العلم، وعرف بلاء الأئمة وتعبهم وشدة نصحهم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأدرك عظيم فضل الله على هذه الأمة بهؤلاء العلماء، واعتقد أن الله سبحانه وتعالى اختارهم لهذه الأمة.
ووالله أنك إذا قرأت ذلك العلم الناصع المبني على دليل الكتاب والسنة وفهم النصوص؛ عرفت أن الله علمهم ما لم يكونوا يعلمون، وأن الله فهمهم، وفتح عليهم، وأن الله أراد بهم الخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) ، فكم من معضلات ومشكلات ومسائل ونوازل نزلت على طالب العلم لم يجد لها حلا إلا في كتب العلماء! ولولا الله ثم هؤلاء العلماء لما استطعنا أن نرقى المنابر، ولما استطعنا أن نجلس بين الناس، ومثل هؤلاء ينبغي أن نعتقد فضلهم.
وإذا قرأت في كتاب العالم وهو يثلب زيدا وعمرا، ويأتي إلى الفقه أو إلى الحديث أو إلى غيره من العلوم ويرقى على أكتاف من قبله، فلا تغتر بأوهامه، وهذا من أخطائه ومن أوهامه، وليس هذا من أدب العلماء، وننبه على هذا؛ لأنه قد شاع وذاع، خاصة في الأزمنة هذه الأخيرة، نسأل الله السلامة والعافية من مضلات الفتن.
وما وجدنا كتب العلماء إلا على إجلال العلماء في دواوين العلم، فتجدهم يردون على من خالفهم في المسائل الاجتهادية بكل أدب واحترام، فيقولون: ولا يجوز ذلك عندنا، وعند أبي حنيفة يجوز؛ ودليله كذا وجوابه: أنه منسوخ، ولم يقل: هذا من أوهامه أو من أخطائه، ولا تعول عليه، وغير ذلك من السب والذم: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} [النساء:148] .
فهذا الثلب والانتقاص للأئمة والعلماء والحط من أقدارهم والجرأة على الانتقاص منهم هذا من درن العلم ومن زغل العلم، وعلى طالب العلم أن يأخذ ما صفا وأن يدع ما كدر، وأن يجني الثمار، وأن يلقي الحطب في النار، وأن يعلم علم اليقين أن من الواجب على خلف هذه الأمة أن يحفظ حرمة السلف، وأنه لا خير فينا إذا أصبحنا نربي طلاب العلم على انتقاص العلماء، وأصبح طالب العلم لا يمكن أن يعرف أنه طالب علم إلا بسبه للعالم الفلاني، والإمام الفلاني.
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا حبهم، وأن يجعل ذلك الحب خالصا لوجهه الكريم، موجبا لرضوانه العظيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #402  
قديم 07-12-2024, 08:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (356)

صـــــ(1) إلى صــ(15)


شرح زاد المستقنع - باب الإجارة [2]
لابد من معرفة الأجرة في عقد الأجارة ويستثنى من اشتراط معرفة الأجرة؛ أن يكون هناك عرف يحدد الأجرة، كركوب السيارات والطائرات وغيرها، فيسكت العاقدان عن تحديد الأجرة، فعند ذلك يرجع إلى العرف؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا، ويجوز استئجار الأجير والمرضعة مقابل طعام أو كسوة.



أركان عقد الإجارة


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن عقد الإجارة يقوم على أمور لابد من توافرها، فهناك العاقدان: وهما الشخصان فأكثر، اللذان يتفقان على إبرام عقد الإجارة، ولابد في هذين العاقدين -المؤجر والمستأجر- من أن تتوفر فيهما أهلية الإجارة، وذلك بأن يكونا عاقلين، بالغين، مختارين غير مكرهين، حرين، فلا تصح الإجارة استئجارا ولا تأجيرا من صبي إلا إذا كان مميزا وأذن له بالتصرف.
فمثال ذلك: لو أراد الصبي أن يؤجر عمارة يملكها إرثا من والده، فإنه لا تصح إجارته، مع أنه هو المالك الحقيقي لها، ولا يصح له أن يؤجرها إلا بإذن وليه، فإذا أذن له وليه صحت الإجارة، وكذلك لو كان عنده مال فأراد أن يستأجر بذلك المال شيئا فإنه لا تصح إجارته إلا أن يأذن له وليه.
وإذا كان يشترط في المؤجر أو المستأجر أن يكون بالغا عاقلا، فلا تصح الإجارة من مجنون، وكذلك أيضا يكون حرا، إلا إذا كان عبدا مأذونا له بالتصرف.
ومعنى أن يكون كل من المؤجر والمستأجر مختارا، أي: أنه أقدم على عقد الإجارة باختياره ورضاه، ولم يكن ذلك عن كره، فالإكراه يسقط الاعتبار لعقد الإجارة، فلو أن شخصا أجبر على تأجير داره أو عمارته أو سيارته فإن العقد لا يصح.
والعلماء رحمهم الله يقولون: يشترط في العاقدين ما يشترط في البائعين، يعني: من أهلية التصرف.
كذلك يشترط ملكية المؤجر للشيء الذي يؤجره، فلا يجوز ولا يصح أن يؤجر الإنسان مال غيره إلا إذا كان وكيلا عن ذلك الغير، أو وليا قائما على شئونه، أو يكون القاضي قد نصبه لرعاية مصالح المالك الحقيقي كما في المحجور عليه هذا بالنسبة للمؤجر والمستأجر.



شروط أركان الإجارة


أما بالنسبة لمحل عقد الإجارة: فمحل عقد الإجارة هو الأجرة والمنفعة، فالعاقدان يتفقان على تأجير شيء لقاء ثمن مدفوع، أو لقاء أجرة معينة، وبناء على ذلك ينصب إيجاب كل من المؤجر والمستأجر على محل، هذا المحل إذا كان المنفعة السكنى -مثل: الفنادق والعمائر والفلل والشقق والغرف- فيقول له: أجرني شقتك سنة بعشرة آلاف.
فيقول: قبلت.
فهنا: انصب عقد الإجارة من إيجاب وقبول على منفعة هي سكنى الشقة لمدة سنة، وعلى أجرة وعوض وهو العشرة آلاف.
فإذا: عقد الإجارة ينصب على المنفعة والعوض المبذول لقاء المنفعة، سواء كانت المنفعة السكنى، أو كانت المنفعة الركوب كركوب السيارات والقاطرات والطائرات ونحو ذلك.
وأما بالنسبة للمنفعة التي هي محل للعقد فلها شروط، سيبينها المصنف رحمه الله؛ منها أن تكون منفعة مقصودة، وأن تكون مباحة غير محرمة، وأن تكون معلومة غير مجهولة، ونحو ذلك من الشروط التي سيبينها رحمه الله.
وأما الثمن والأجرة: فكل ما صح ثمنا في البيع صح ثمنا في الأجرة، فيجوز أن تكون الأجرة من النقد، وهو الذهب أو الفضة، فيقول له: أستأجرها منك العمارة بعشرة آلاف ريال.
وهذه فضة، أو يقول: أستأجرها بمائة جنيه من الذهب.
وقد تكون الأجرة من المثمونات، كأن يقول له: أجرني عمارتك هذه سنة بهذه السيارة.
فحينئذ يكون العوض وتكون الأجرة من الأعيان.
هذا محل العقد، وينصب عقد الإجارة على منفعة وعلى عوض مدفوع لقاء هذه المنفعة.
أما الركن الأخير فهو: الإيجاب والقبول، وهو الذي يسميه العلماء (صيغة عقد الإجارة) ، فصيغة عقد الإجارة تقوم على الإيجاب: أجرتك داري، أجرتك سيارتي، أجرتك أرضي.
إلخ، ويكون هناك قبول من قوله: قبلت أو رضيت، ونحو ذلك مما يدل على القبول والرضا.
إذا: عقد الإجارة يقوم على هذه الأركان التي تشمل العاقدين، ومحل العقد، وصيغة عقد الإجارة.
ولكل من هذه الأركان شروط لابد من توفرها للحكم بصحة عقد الإجارة، وهذه الشروط هي جملة من العلامات والأمارات التي نصبها الشارع لكي يحكم بصحة عقد الإجارة واعتباره، وقد تقدم تعريف الشرط لغة واصطلاحا، وإذا قال العلماء: يشترط لعقد الإجارة شروط لابد من توفرها للحكم بصحته؛ فهذا النوع من الشروط يسمى بشروط الصحة، وإذا أردت ضبطها فهي جملة من الأسباب والعلامات والأمارات التي نصبها الشارع للمكلف حتى يحكم بصحة عقد الإجارة أو عدمه.
فأنت مثلا: إذا سألك رجلان اتفقا على عقد إجارة، وقالا: اتفقنا على تأجير هذه السيارة بكذا وكذا لمدة شهر أو لمسافة ألف من الكيلومترات، فأنت حينئذ تنظر في هذا العقد والاتفاق بين الطرفين هل استوفى شروط الصحة، فإذا وجدت الأمارات والعلامات التي نصبها الشارع، وأنه استأجر منه السيارة شهرا، فالسيارة المراد بها: الركوب، وهذه منفعة، وهذه المنفعة مأذون بها شرعا، ثم هذه المنفعة معلومة؛ لأنه حددها بشهر أو حددها بالمسافة فقال: ألف كيلو متر، وكذلك وجدت العاقدين على الصفات المعتبرة شرعا للأهلية، فبعد وجود ذلك كله تقول: عقد الإجارة صحيح، فأنت تحكم بصحة الإجارة من خلال هذه العلامات والأمارات التي نصبها الشرع للحكم بصحة عقد الإجارة.
هذا هو معنى قول العلماء: شروط صحتها، فكل ذلك يقصد منه أن تبين العلامات التي ينظر الفقيه من خلالها إلى العقد، وكذلك ينظر القاضي والمفتي، فيحكم بصحة عقد الإجارة وعدمه.



أمثلة توضح شروط صحة العقود


لو جاءك شخص وقال: عندي عقد إجارة لبيتي أو عمارتي أو سيارتي أو مزرعتي.
فأول ما تنظر في شروط الصحة، وعندك شروط تتعلق بالشخصين اللذين اتفقا على هذا العقد، وشروط تتعلق بالمنفعة نفسها والتي هي سكنى الدار، والمقصود هل هذه السكنى مأذون بها شرعا أو غير مأذون بها شرعا؟ هل هي معلومة أم مجهول؟ ونحو ذلك من الشروط المعتبرة، فإذا وجدت العلامات والأمارات المعتبرة للحكم بالصحة قلت: العقد في حكم الشرع صحيح.
وإن وجدت أي شرط من هذه الشروط قد اختل تقول: العقد غير صحيح.
مثلا: جاءك رجلان وقالا: اتفقنا على أن أؤجره سيارة بعشرة آلاف لمدة سنة، فلما اتفقنا دفع المال، وبعد أن أحضرت السيارة رجع عن العقد وامتنع من قبول السيارة، فتقول له: هل السيارة كانت معلومة ومعروفة عند المستأجر؟ فإن قال: لا.
قلت له: هل وصفت السيارة صفة تزول بها الجهالة؟ فإن قال: لا.
قلت له: انصب عقد الإجارة على شيء مجهول الذي هو السيارة، ومن حق المستأجر حينما نظر إليها فلم تناسبه أن يرجع؛ لأنه يريدها لمنفعة قد يرى في غالب ظنه أن مثلها لا يقوم بهذه المنفعة.
إذا: فأنت حكمت بفساد هذا النوع من العقد لجهالة العين المؤجرة.
ولو قال له: أؤجرك شقة في داخل مكة بعشرة آلاف، فيها أربع غرف، بصفات هي كذا وكذا وكذا لكن لم يحدد مكانها، فاتفق معه ودفع له جزءا من الأجرة، فلما مضى لكي يريه الشقة وإذا بها نائية أو بعيدة عن الحرم، فقال له: أنا لا أرضى بهذه الشقة.
فإذا اختصما إليك فإنك تقول: اتفقتما على إجارة شيء فيه جهالة، وكان المنبغي أن تحدد مكان الشقة وأن تحدد مكان العمارة.
ولو أنهما اتفقا على تأجير عمارة أو سكن، ووصف هذا السكن فقال له: أؤجرك عمارة بجوار الحرم بعشرة ألف، وهذه العمارة من صفاتها كذا وكذا وكذا، ووصف العمارة وصفا تاما، فلما جاء إلى العمارة وجد أن هناك صفات لم توجد، وأنه ذكر له صفات لم يرها في العين المؤجرة، فقال له: لا أريد.
فإنك تقول: نعم، هذا من حقه؛ لأن الإجارة لا تصح إلا على شيء معلوم، ولما وصف لك المؤجر العين المؤجرة واختلفت الصفة فلك خيار الرؤية مثلما تقدم معنا في البيع.
فإذا أجر شيئا حاضرا ناظرا، وقال: أؤجرك هذه العمارة، وأشار إليها، أؤجرك هذه السيارة؛ فحينئذ إذا استطاع أن يستجديها ويعرف صفاتها فإنه يستجديها ويعرف صفاتها، ولذلك فإنه لابد من معرفة العين المؤجرة، وخلو العقد من الجهالة في العين المؤجرة معتبر، فإذا لابد من وجود صفات.
حينما يذكر الفقهاء هذه الشروط ينبغي لطالب العلم قبل أن يدخل في الشروط -حينما يقرأ: يشترط لصحة عقد الإجارة، يشترط لصحة الحج، يشترط لصحة الصوم- ينبغي أن يعلم أن هذه الشروط يقصد منها أمران: الأمر الأول: رفع الظلم عن العباد في الحقوق والمعاملات التي تقع بينهم.
والأمر الثاني: معرفة ما أذن الله به من العقود وما حرمه.
فإذا: هذه الشروط في الأصل لا تأتي من فراغ، ولا تأتي إلا بدليل شرعي أو أصل شرعي يدل على اعتبارها، مثلا: لو قال لك قائل: لماذا تشترط أن تكون العين المؤجرة معلومة؟ تقول: لأن الشريعة شريعة عدل، ولا تجيز للمسلم أن يأكل مال أخيه المسلم بالباطل، فالمستأجر إذا استأجر شيئا مجهولا فتح الباب لأهل الفساد أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، فيأتيه ويقول له: أؤجرك عمارة بمائة ألف.
قال: قبلت.
فظن أنها بمكان طيب، فظهر أنها في مكان غير طيب، وقد قررنا هذا وبيناه، وبينا وجه اشتراط الشريعة وتشديدها في عقود المعاوضات عند كلامنا على شرط العلم بالثمن والمثمن في البيع.
فالحاصل: أن شروط الصحة هي: جملة من العلامات والأمارات التي نصبها الشارع للحكم بصحة العقد، وبناء على ذلك؛ فهذه الشروط التي سيذكرها العلماء تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: شروط ورد النص بها وبينها نص الكتاب والسنة.
والقسم الثاني: شروط فهمت من أدلة الشريعة أو مقاصدها العامة، أو نبه الشرع بالنظير على نظيره، والله عز وجل جعل الأشياء معتبرة بعللها إذا كانت معللة، وهذه العلل يقصد منها الإنقاص، ويلحق بها ما هو شبيه بها في تلك العلة، فإذا وجدنا عقد الإجارة آخذا حكم عقد البيع؛ لأن المستأجر دفع المال لقاء المنفعة، والبائع والمشتري دفع كل منهما ما بيده لقاء الآخر، فأصبحا من عقود المعاوضة، فكما أن الشريعة اشترطت في البيع العلم وانتفاء الجهالة، ونهى صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الصحيح- عن بيع الغرر، نقول: لا تصح الإجارة إذا كانت على وجه الغرر.
وكما أن الله سبحانه وتعالى حرم علينا أن نأكل أموال الناس بالباطل، فنبيع التجارة على سبيل الكره أو على سبيل الغش الذي يؤكل به المال كله أو بعضه بالباطل، كذلك لا يجوز للمؤجر أو المستأجر أن يأكل مال أخيه بالباطل، فهو إذا أجره عمارة على أنها موصوفة بصفة كاملة، فدفع له عشرة آلاف -وهذا المال هو أجرة مثلها في الكمال- فتبين أنها ناقصة وأن مثلها يستحق الخمسة الآلاف -التي هي نصف الأجرة- فيكون قد أكل النصف الباقي بالباطل.
فإذا: هذه الشروط إما أن تكون منصوصة كقوله عليه الصلاة والسلام: (من استأجر أجيرا فليعلمه أجره) فبين أنه لابد من العلم بالأجرة، وإما أن تكون ملحقة بالمنصوص عليه؛ لأن الشريعة قواعدها كلية وأصولها عامة، والفرع تابع لأصله، وكذلك يلحق النظير بنظيره عند وجود العلة المقتضية للإلحاق.



شروط صحة الإجارة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [تصح بثلاثة شروط: معرفة المنفعة: كسكنى دار] .
قرن الشروط بقوله: (تصح) فتقول: هذا شرط الصحة.
لأن هناك شروط صحة وهناك شروط وجوب، فشروط الصحة: تكون في العبادات وتكون في المعاملات: تكون في العبادات فتقول: لا تصح الصلاة إلا من العاقل، ولا تصح الصلاة إلا بطهارة الثوب والبدن والمكان.
ويكون شرط الصحة في المعاملة مثل أن تقول: يشترط لصحة البيع العلم بالثمن والمثمن، فمتى وجد حكم بصحة البيع، ومتى فقد حكم ببطلانه.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #403  
قديم 07-12-2024, 08:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي


الشرط الأول: معرفة المنفعة
وقوله: [أولها: معرفة المنفعة] .
إذا اتفق العاقدان على إجارة فلابد من أن يحددا المنفعة التي اتفقا على الإجارة من أجلها، وعقد الإجارة ينبغي على طالب العلم أن يعلم أنه ينصب على المنافع المباحة والمأذون بها شرعا كلها، فيشمل أي منفعة مباحة فيجوز أن تستأجر شخصا من أجل أن يحمل المتاع، ويجوز أن تستأجره لتنظيف الدار، ويجوز أن تستأجره للحدادة والنجارة، وأن تستأجر الخادمة للطبخ، وأن تستأجر لبناء الدار، وأن تستأجر لإصلاح المزرعة، وأن تستأجر لرعي الغنم، وأن تستأجر لكل شيء من المنافع المباحة.
إذا: لابد أن نعلم أن عقد الإجارة ينصب على المنفعة، أي أن محل العقد مصلحة ومنفعة يريدها أحد العاقدين لقاء مبلغ وعوض يدفعه، فإذا كان عقد الإجارة ينصب على المنفعة فينبغي فقها أن نقول: لا نصحح عقد الإجارة حتى تحدد المنفعة.
وهناك قاعدة: أي اتفاق بين طرفين في شيء متردد بين أشياء عديدة غير متكافئة وغير متساوية فإن الشرع لا يأذن به؛ والسبب في هذا: أنه لو اتفق الطرفان على شيء محتمل لأشياء متعددة متفاوتة؛ فإنك لا تأمن الخصومة بين الطرفين، وهذا ذكرناه في البيع حينما يقول له: بعتك سيارة من سياراتي.
والسيارات فيها الجيد وفيها الرديء، فإذا لا يصح البيع؛ لأنه يحتمل أن يدفع العشرة الآلاف لقاء سيارة جيدة فيقول له: خذ هذه الرديئة، فيقول له: كيف تبيع لي هذه الرديئة؟ يقول: أنت اتفقت معي على سيارة، فألزمك بأي سيارة.
فإذا: لو اتفق العاقدان في عقد الإجارة على منفعة مجهولة، حيث قال أحدهما للآخر: تأتي وتعمل عندي؟ فقال له: ماذا أعمل؟ قال: الله أعلم، أي: عمل أطلبه منك فعليك أن تعمله.
فتقول: هذا لا يجوز؛ لاحتمال أن يكون ظن الأجير في شيء يعلمه ويحسنه، فإذا به في شيء لا يحسنه، واحتمال أن يكون في شيء يظنه خفيفا عليه فإذا به ثقيل عليه.
فإذا: لا يصح أن يقع عقد الإجارة إلا على شيء معلوم، وهذا يدل على سمو منهج الشريعة الإسلامية، وأنها تريد العاقد -وهو الأجير- أن يدخل للإجارة مطمئن القلب مرتاح النفس والبال، يعرف ما الذي له وما الذي عليه.
ثم انظر إلى حكمة الشريعة: أنه لو اتفق الطرفان على شيء مجهول لا يستطيع العامل أن يقدر أجرته لأنه لا يعلم مدى العمل المطلوب منه، فهو يقول له: أستأجرك يوما لتعمل عندي بمائة.
فحينئذ لا يستطيع أن يعلم هل العمل الذي يطلبه منه يستحق المائة أو لا يستحق، فلربما ظن أن العمل يستحق المائة، فإذا به عمل يستحق المائتين، فإذا: لا يجوز أن يغرر أحد العاقدين بالعاقد الآخر في شيء محتمل للسلامة وعدمها، أو في شيء محتمل للجودة والرداءة، بل لابد من التحديد.
فقوله: (معرفة المنفعة) المنافع عامة، تشمل: سكنى الدار، وركوب الدواب، وغير ذلك.
حينما تؤجر سيارة (تاكسي) أو نحوها من أجل الركوب، ونحن نمثل بأشياء معاصرة؛ لأن طلاب العلم إذا ضربت لهم الأمثلة بالدواب وبالأشياء القديمة لا يستطيعون تطبيقها على ما يعيشون، فالمنافع الموجودة والتي يمارسها كثير من الناس اليوم هي: إجارة السيارات للركوب، إجارة الباخرات للركوب، إجارة القاطرات والطائرات، فكلها إجارة؛ لأنك لا تريد شراء الطائرة بنفسها، ولا الباخرة بنفسها ولا القطار بنفسه ولا السيارة بنفسها، وإنما أردت مصلحة معينة ومنفعة معينة تأخذها من هذه العين.
فإذا: لو قال له: أريد منك أن تؤجرني سيارتك.
كانت المنفعة معلومة، وهي: تأجير السيارة للركوب.
الشرط أن تكون المنفعة معلومة، فلا يصح بمنفعة مجهولة، فلو قال له: أستأجرك على أن تعمل عندي كل شهر بألف.
قال: ماذا أعمل عندك؟ قال: أي عمل.
فقوله: (أي عمل) منفعة مجهولة، فهل هو عمل بناء أو عمل حدادة أو خياطة أو نجارة أو غير ذلك؟ إذا: المنفعة مجهولة فلا تصح الإجارة، فلابد من العلم بالمنفعة.
قوله: [كسكنى دار] .
هذا تمثيل، وينبغي أن ننتبه أن عندنا ترتيبا في الشروط، فأولا: معرفة المنفعة، وبعد معرفة المنفعة هناك أيضا شروط في المنفعة نفسها، وبعد ذلك نستطيع أن نحكم هل العقد يصح على هذه المنفعة أو لا يصح، فالعلماء ذكروا المنفعة من أجل أن يحدد طالب العلم الشروط المتعلقة بالمنافع، وعندنا شروط تتعلق بالعاقدين كما بينا.
وبدأ رحمه الله بشرط المنفعة؛ لأن الأصل في عقد الإجارة المنفعة، ولذلك إذا سألك سائل: ما الفرق بين البيع والإجارة؟ تقول: البيع ينصب العقد على الذات، والمنفعة تتبعه.
فأنت تشتري عين السيارة وذاتها، وتملك ركوبها والانتفاع بها، وتشتري العمارة والأرض لذاتها، وتملك التصرف في منافعها من سكنى ونحو ذلك.
أما في الإجارة فإن العقد ينصب على المنفعة، ومن هنا لا يصح أن نقول: عقد الإجارة ينتهي إلى التمليك؛ لأن هذا لا يعرف في الشريعة، إما عقد إجارة واضح بين، وإما عقد تمليك واضح بين، أما أن تقول: عقد إجارة ينتهي بالبيع، فيجمع عقد بين بيع وإجارة فلا يصح، ولابد وأن تحدد: فعقد البيع للذات، والمنفعة تبع، وعقد الإجارة للمنفعة دون الذات، وسنبين هذا ونقرره إن شاء الله ونوضح كلام العلماء رحمهم الله في مثل هذا، إذ لو فتح الباب للتلاعب بالحقائق والمصطلحات الشرعية لأحدث الناس ما لا يحصى من العقود الفاسدة، وتذرعوا وخلطوا؛ لذلك كان العلماء يقولون: إنما يخشى من نصف الفقيه؛ لأنه يضبط شيئا ولا يحسن تخريجه، فهو يأخذ عقد الإجارة -وهو مشروع- وعقد البيع وهو مشروع؛ فيقول: إذا يجوز أن تنتهي الإجارة بالبيع، لأن الإجارة مشروعة والبيع مشروع.
لكن الله أذن بالإجارة لوحدها، وأذن بالبيع لوحده؛ فإذا لا يصح أن يركب الشخص شيئا ثالثا لا يعرف في الشريعة وهو عقد خليط بين العقدين.
فإذا: لما قال: معرفة المنفعة فمعناه: أن عقد الإجارة منصب على المنافع ولا ينصب على الذوات، وسيقرر هذا في الفصل الثاني إن شاء الله، وسيأتي الكلام على ذلك ونبين لماذا فرق العلماء بين هذين النوعين من العقود.
قال رحمه الله: (كسكنى دار) .
فالعمارة أو البيت إذا أجرت فإنها تؤجر لأغراض متعددة، فيمكن للشخص أن يؤجر العمارة للسكن، ويمكن أن يؤجرها مستودعا يحفظ فيه أشياءه، ويمكن إذا أجرها للسكن أن يؤجرها لنفسه، ويمكن أن يؤجرها لولده؛ فإذا لابد من تحديد محل العقد، فمثلا تقول: أنا أستأجر منك هذه العمارة للسكن؛ لأنه لو استأجرها لوضع متاعه فيها ربما كان ذلك أضر بالعين المؤجرة -يعني: يضر العمارة- فهو إذا جاء يستأجر فإنه لابد أن يقول: أستأجر هذه العمارة للسكنى.
فلو أنه استأجرها وسكت، ثم فوجئ مالك العمارة بعد أن أجرها وتم العقد بينهما، أنه قد جاء بأمتعة وأدخلها في العمارة، وجعل العمارة كالمستودع لأغراضه، فقال له مالك العمارة: إنما أجرتك العمارة من أجل السكنى.
قال: لا، أنا استأجرت العمارة ودفعت العشرة الآلاف، والعمارة ملك لي.
فنقول: هل اتفقتما على أن تؤجر للسكنى أو تؤجر من أجل حفظ المتاع الذي هو الاستيداع؟ قال: ما تكلمنا على شيء.
نقول: إذا لم تتكلما على شيء، فهل هناك عرف وبيئة موجودة جعلت مالك العمارة يسكت؟ ففي بعض الأحيان قد تسكت؛ لأن الأمر شائع وذائع بأنك إذا أعطيت العمارة أنها للسكن.
فإذا قالوا: نعم، العمائر تؤجر للسكنى.
فنقول للمستأجر: قد اعتديت وخرجت عن العرف، وبناء على ذلك: لابد من رضا صاحب العمارة بإجارتها على هذا الوجه، وإلا فسخ العقد بينكما.
إذا: معرفة المنفعة كسكنى دار، لابد أن يقول له: أستأجر منك هذه العمارة للسكنى، وكذلك أيضا الدكاكين، إذا أجرت هذه الدكاكين، فيقول: أستأجر هذا الدكان من أجل أن أفتح محلا، أو أستأجرها من أجل أن أحفظ حوائجي فيه، فإذا: لابد أن يحدد المنفعة، وهذا كما ذكرنا كله من باب فصل الأبواب المفضية للنزاع؛ لأنه ربما استأجر الشخص بطريقة وانتفع بطريقة أخرى، وهذا يضر بأعيان الناس.
أي: لو فرض -مثلا- أنه استأجر سيارة، فقال: أستأجر منك هذه السيارة يوما بمائة.
كما هو موجود الآن في إجارة السيارات، وإجارة السيارات على طريقتين: إما أن يقول لك: خذ هذه السيارة اليوم بمائة، أو خذ هذه السيارة كل مائة كيلومتر بمائة.
وكله جائز، سواء جعل العقد عن طريق المسافة أو جعل العقد عن طريق الزمان، مثل العامل حين تقول له: اعمل في بناء هذا الجدار اليوم بمائة.
فيجوز إذا قدرت عمله بالزمان، أو تقول له: اعمل في هذا الجدار وأعطيك على كل متر خمسين.
فلو أخذ السيارة واستأجرها بمائة ريال يوما، ثم أخذ السيارة فحمل فيها -مثلا- أمتعة وحمل فيها أغراضا شخصية تؤثر على السيارة وتضر بها -والسيارة معدة للركوب- فقال له مالك السيارة: ما هذا؟ قال: أنا استأجرت السيارة، ومن حقي أن أنتفع بها يوما كما أشاء.
نقول: يشترط معرفة المنفعة.
إذا: حينما يحددان المنفعة ينتفي الضرر وتنتفي الخصومة، لكن إذا لم يحددا المنفعة أضر أحدهما بالآخر، وأفضى ذلك إلى خصومة الطرفين، فلابد من معرفة المنفعة.
في القديم: سكنى الدار، أما في زماننا: استئجار الفلل والعمائر والشقق والغرف والفنادق، وكل هذا يعتبر آخذا حكم سكنى الدار.
فمسائل الفنادق المعاصرة وإيجار الفنادق تتخرج على ما ذكره العلماء في إجارة وسكنى البيوت؛ لأن المراد بها منفعة السكنى، فجنس المنفعة ونوع المنفعة واحد، وبناء على ذلك نقول: يجوز أن يستأجر منه العمارة للسكنى، أو يستأجر الدار والفلة للسكنى، أو يستأجر الغرفة مثل الاستراحات في السفر، فلو قال له: أؤجر لك هذه الغرفة لكي تستريح فيها أنت وعائلتك الساعة بعشرة ريال، فهذه إجارة جائزة ومشروعة؛ لأنه حدد المنفعة وهي السكنى، وبناء على ذلك: إذا حصل الاتفاق بين الطرفين على منفعة معلومة فلا بأس.
قال رحمه الله: [وخدمة آدمي] .
بعد أن ذكر مثالا من منافع العقارات، شرع في منافع الحيوان، والحيوان: المراد به الحي، سواء كان من الآدمي أو غيره؛ لأن الله وصف بالحيوان مطلق الحياة فقال: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} [العنكبوت:64] يعني: لهي الحياة الحقيقية.
أي: يشترط أن تكون المنفعة معلومة كخدمة الآدمي، فتقول لرجل: أستأجرك يوما بمائة على أن تخدمني أو تخدم وا
الشرط الثاني: معرفة الأجرة
قال رحمه الله: [الثاني: معرفة الأجرة] .
من المعلوم أن هناك منفعة وهناك أجرة في مقابل المنفعة، والأجرة مأخوذة من الأجر، وأصل الأجر: العوض عن الشيء، سواء كان عوضا من الدنيا أو كان عوضا من الآخرة، ولذلك سمى الله ثواب الآخرة أجرا.
وأما بالنسبة للأجرة هنا فالمراد بها: ما يدفع لقاء المنفعة، وهذه الأجرة إما أن تكون من النقدين الذهب أو الفضة، أو تكون من غير النقدين، فيقول له مثلا: اعمل عندي يوما بمائة ريال.
هذه أجرة بأحد النقدين، أو اعمل عندي شهرا بعشرة جنيهات من الذهب.
وقد تكون الأجرة من غير الذهب والفضة، مثل: أن يجعل الأجرة من المنقولات كالأطعمة كما يقول له: اعمل عندي يوما وأعطيك صاعا من التمر من نوع كذا وكذا.
إذا: الشرط الثاني: أن تكون الأجرة المدفوعة لقاء المنفعة معلومة، فلا تصح الإجارة على أجرة مجهولة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استأجر أجيرا فليعلمه أجره) أي: ليعلمه ويبين له حقه؛ وذلك ليتحقق العدل، فينظر العامل هل الأجرة التي تدفع لقاء عمله مناسبة أو غير مناسبة، هل يرضى بها أو لا يرضى، وهل تعبه وعرق جبينه وكده ونصبه يستحق هذا الأجر أو لا يستحقه، فإن شاء رضيه وإن شاء طالب بالأكثر.
فإذا: الأجرة لابد وأن تكون معلومة، فمثلما حفظت الشريعة حق المستفيد والآخذ بالمنفعة حفظت أيضا حق الأجير وحق مالك العين بأن يكون على علم بالثمن والمال المدفوع لقاء المنفعة التي يبذلها.
فيشترط أن تكون الأجرة معلومة.
فلو قال له: اعمل عندي شهرا وأعطيك أجرة.
قال: كم أجرتي؟ قال: أرضيك، فلا يصح؛ لأن (أرضيك) هذه جهالة، فقد يكون رب العمل الذي طلبه بخيلا شحيحا، وقد يكون العامل شرها طماعا، فليس هناك قاسم مشترك يمكن من خلاله معرفة الحق، فإذا: الشريعة لا تجيز هذا.
ومن الخطأ ما يقع بعض الأحيان عندما يأتي إنسان ويركب السيارة ويستأجرها دون أن يعلم الأجرة، وفي بعض الأحيان تأتي وتقول له: كم الأجرة؟ يقول: ما يهمك، المال مالك، والحلال حلالك.
نقول: هذا لا ينفع، ولذلك كثيرا ما تقع المشاكل بهذا الأسلوب، ويقع الإنسان في نوع من الحرج.
وقد يقول لك العامل: ما يهمك، يعني: إن شاء الله أنت كريم وأنت كذا.
فإذا جاء يشتغل عندك وأعطيته أجرة مائة ريال التي هي أجرة مثله قال: قد ظلمتني.
ثم تقول له: خذ حقك.
فيقول: لا آخذ، والشخص الذي يخاف الله قد يستغل بمثل هذا، فيقول له: لا آخذ منك إلا يوم القيامة.
وهو نوع من التلاعب بعواطف الناس وأذية لهم، فهذا يفتح بابا لضعاف النفوس أن يستغلوا الغير، فالشريعة لا تجيز هذا.
وهذا يجعلنا نعلم أن هذه الشروط ما جاءت من فراغ، وطالب العلم أو من لا يحسن فهم الشريعة حينما يقرأ هذه الشروط يقول: لماذا تشددون على الناس بقولكم: يشترط يشترط؟ نقول: هذه حقوق، وينبغي أن تعلم ما الذي لك وما الذي عليك، ويدخل الأجير والمستأجر إلى عقد الإجارة على بينة وبصيرة وطمأنينة قلب، فالعامل يعلم ما الذي له وما الذي عليه، ورب العمل يعلم ما الذي له وما الذي عليه {فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة:279] ، فالآية جاءت تبين أن مقصود الشرع ألا يظلم العبد ولا يظلم.
فلا يجوز للشخص أن يأتي إلى عقد إجارة مجهولة ويقول له: سنتفق ولن نختلف إن شاء الله، وأنت طيب وكريم.
وهكذا العامل إذا جاء قال له: كم ستعطيني؟ يقول: ما يهمك.
ويقول: أبشر، إن شاء الله أرضيك.
ويستغل ضعفه، فهذا كله لا يجوز.
وينبغي على المسلم أن يتفق مع العامل وينظر مدى رضاه، فإنه إذا قال له: سأرضيك.
التزم بأن يرضيه والله يعينه، فبعض الناس يرضيه القليل وبعضهم لا يرضيه شيء، وابن آدم لو كان له واديان تمنى الثالث.



حكم الإجارة والرضاع بالطعام والكسوة


وقوله: [وتصح في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما] .
(الأجير): هو العامل (والظئر) : المرأة المرضعة.
وقوله: (بطعامهما وكسوتهما) إذا قال له: اشتغل عندي وأطعمك وأكسوك، أو اشتغل عندي على طعمة بطنك، فلا بأس؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه كان يعمل عند آل صفوان بذلك، وكذلك أيضا قالوا: إن الطعام له قيمة، أي: لو قال له: اشتغل عندي على أن أطعمك وأكسوك.
فإنه في هذه الحالة يطعمه بالمعروف ويكسيه بالمعروف، فله طعام مثله وكسوة مثله، يكون له طعامه بالمعروف وما درج عليه العرف، وعلى هذا: تجوز الإجارة بالمنقولات مثل الأطعمة.
ومثل أن يحدد له الأجرة بالمنقولات، فلا تختص بالأطعمة، ويمكن بالكساء، لو قال له: أوصلني إلى الحرم وأعطيك غترتي.
فإنه يصح، صحيح أن العرف ما درج بهذا، لكن الشريعة تجيز كل عوض مباح، أي: لا يختص عقد الإجارة بالذهب والفضة، ولا يختص بالطعام ولا بالكساء فقط، وإنما يشمل كل عوض مباح مأذون به شرعا، فيجوز أن يقول لها: أن ترضع صبيه على أن لها الكسوة، فيكسوها بالمعروف كسوة الشتاء وكسوة الصيف، وهكذا بالنسبة للعامل.
لكن إذا كان الطعام غير معلوم وفيه جهالة؛ فإنه لا يصح؛ لأنه لا بد من أن يحدد له نوعية الطعام الذي يطعمه، وبناء على ذلك: لو قال له: اشتغل عندي الشهر بثمانمائة ريال وطعامك علي.
فحينئذ إذا جاءه بطعام كأن يعطيه -مثلا- الأرز بدون لحم، يكون قد ظلمه؛ لأن العامل يكون عنده أرزه ويرتفق بإدامه إذا جرى العرف بذلك، فلو جاء له بالأرز وقال له: اصنع طعامك، أو جاءه بطعام خفيف مثل المكسرات ونحوها، وقال له: هذا هو طعامك، فهذا لا يجوز.
إذا: الطعام لابد من تحديده، لا يقول له: أطعمك.
ويسكت، بل يحدد ويقول له: أطعمك -مثلا- كل يوم دجاجا، أو أطعمك لحما.
فيحدد له حتى يعرف حق العامل، أما إذا لم يحدد وكانت فيه جهالة فإنه لا يصح ذلك حتى يحدد نوعية الطعام، ويكون ذلك بالمعروف دفعا للضرر عن العامل.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #404  
قديم 07-12-2024, 08:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي





الرجوع إلى العرف في قدر الأجرة


وقوله: [وإن دخل حماما أو سفينة، أو أعطى ثوبه قصارا أو خياطا بلا عقد؛ صح بأجرة العادة] .
(وإن دخل حماما) يطلق الحمام في زماننا على مكان قضاء الحاجة، لكن في القديم: الحمام كان موضع الاغتسال، وكانت هذه الحمامات على طريقة معينة ولا تزال توجد إلى زماننا، يسخن فيها الماء ويغتسل فيها، فكانت البيوت ضيقة، وكان الناس يصعب عليهم أن يغتسلوا في بيوتهم فيحتاجون إلى هذا النوع من الأماكن يغتسلون فيه ويتنظفون، وخاصة العمال ونحوهم ممن يصعب عليه وجود مكان يغتسل فيه، فهذا النوع من الأماكن كان يؤجر، فيدخل ويستأجر الحمام، فيحدد له الماء ويحدد له الاغتسال، فهذا النوع من الإجارة صحيح وجائز.
كيف تقرر جوازه؟ مثلا: أمامنا الحمام للاغتسال، فأنت تسأل أولا: ما هي المنفعة المقصودة من الحمام؟ ف
الجواب غسل البدن.
السؤال الثاني: هل غسل البدن مأذون به شرعا أم لا؟ فالجواب: مأذون به شرعا.
ثم تسأل: هل هو منفعة مقصودة أو غير مقصودة؟ فيكون الجواب: إنه منفعة مقصودة يطلبها العقلاء.
إذا: هي جائزة ولا بأس بها.
السؤال المصنف رحمه الله قرر أنه لا تصح الإجارة حتى نعلم الأجرة، فلو أنه دخل الحمام ولم يحدد الأجرة، أو ركب السيارة ولم يحدد الأجرة، أو نحو ذلك من الأعمال، قالوا: يرجع فيها إلى العرف، فحينما تدخل مع الناس في مكان يؤجر وأنت مع الناس كأنك تقول: مثلي مثل الناس، ويكون عليك أجرة مثلهم، فلو كانت إجارة الحمام، الساعة بعشرين ريالا، ثم جاء يطالبك بخمسة وعشرين ريالا، فليس من حقه ذلك، ومن حقك أن تقول: لا أدفع إلا العشرين.
ولو جاء المستأجر يدفع خمسة عشر وبقية الناس يدفعون عشرين، فليس من حقه ذلك، بل يجب عليك دفع العشرين.
إذا: إذا سكتا عن الأجرة رجع في ذلك إلى العرف، وكان بعض السلف -كما جاء عن ابن سيرين كما ذكره الإمام البخاري - أنه استأجر دابة من رجل واتفق معه قبل أن يأخذها، فلما مضى حمل له متاعه وأعطاه الأجرة، فجاءه بعد أيام وأخذه إلى نفس العمل ولم يتفق معه، لأنه قد حصل قبل أنهما اتفقا بالأجرة، فسكت رب الدابة؛ لأنه راض بالأجرة المعروفة، فالمعروف عرفا كالمشروط شرطا.
فإذا: إذا سكت الطرفان عن شيء معروف مثل السيارة يركبها أحدهما إلى مكان، وهو يعلم أن أجرته عشرة الريال أو خمسة عشر ريالا فلا بأس، ولكن -كما قلنا- الأفضل والأكمل أن يكون الشخص على بينة من أمره، فتحدد الأجرة، وذلك أضمن لحق الأجير وأضمن لحق مالك العين.
وقوله: [أو سفينة] .
وهكذا السفينة، وفي زماننا: القاطرة والطائرة إذا جاء وركبها، مثلا: في القطار الآن يركب ثم يدفع الأجرة، وفي بعض الأحيان تركب القاطرة أو يركب -مثلا- الباصات الموجودة في زماننا ثم يطالب بدفع الأجرة -وكانت الأجرة ريالين- فقال: لن أدفع إلا ريالا.
فنقول: ليس من حقك ذلك؛ لأنك ركبت، ولما ركبت رضيت بما تعارف عليه الناس، فالمعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وقد قرر العلماء رحمهم الله القاعدة الشرعية التي تقول: (العادة محكمة) ، والمراد بهذه القاعدة -وهي إحدى القواعد الخمس التي قام عليها فقه الإسلام، ودارت عليها كثير من مسائل الفقه وأحكامه-: أن ما تعارف عليه المسلمون، وأصبح عادة بينهم دون أن يعارض الأصول الشرعية أو يخالف الشرع؛ فإنه يحتكم إليه، فتقدير الأجور وتقدير المستحقات يرجع فيها إلى العرف.
ولو سألك سائل: ما هو الدليل الذي يثبت أننا نرجع في تقدير الحق إلى ما تعارف الناس؟ تقول: إن الله تعالى قال: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة:228] فجعل حقوق المرأة، والحقوق الواجبة على المرأة، وكذلك الحقوق التي تدفع للمرأة بالمعروف، فرد ذلك إلى العرف، وبناء على ذلك: فإن الحقوق تقدر بما تعارف عليه الناس، وما جرت عليه عادة المسلمين، فالشخص إذا اتفق مع غيره على إجارة شيء أو تأجير نفسه وسكت الطرفان، فإننا ننظر إلى أهل الخبرة، ونسأل أهل السوق والتجارة والمعرفة بهذه الأمور.
فلو أن شخصا ركب سيارة من الموضع الفلاني إلى الموضع الفلاني وسكت الطرفان، فنسأل: كم أجرته؟ يقولون: أجرته -مثلا- مائة.
فنقول: يلزمك أن تدفع المائة.
فإذا طالب صاحب السيارة أو العين المؤجرة بأكثر لم يكن من حقه ذلك، ولو أراد المستأجر أن يدفع الأقل لم يكن من حقه ذلك، فيرجع إلى العرف؛ لأن سكتوهما يوجب رد المعاملة إلى الأغلب والأكثر، فما درج عليه الناس في تعاملهم وكان عليه أغلب التعامل فالحكم إليه والمصير إليه.
ولو استأجر منه بيتا أو شقة ولم يتفقا على الأجرة، ثم اختصما في النهاية، فنسأل أهل الخبرة وأهل العقار، ونقول: كم أجرة الشقة التي تكون بهذه الصفات قالوا: أجرتها عشرة آلاف ريال، فنقول للمستأجر: ادفع عشرة آلاف ريال.
ولا يجوز له أن ينقص عنها، ولا يجوز لرب الشقة وصاحبها أن يطالب بالأكثر.
وهكذا لو استأجر العامل وعمل عنده وجلس في عمله سنة، وقال له: أعطيك ما يرضيك، وسنتفق لاحقا، أو لا يكون إلا الخير.
أو نحو ذلك من العبارات، فرضي العامل بذلك، نقول لأهل الخبرة: إذا عمل العامل سنة كاملة في سقي الأرض أو رعي الدواب في هذا الموضع وبهذه الطريقة فكم أجرته؟ قالوا: أجرته -مثلا- عشرون ألفا.
نقول: يجب عليك أن تدفع عشرين ألفا.
وقس على هذا المسائل.
وبذلك نكون قد أنصفنا الطرفين، فنحن لم نطالب رب العمل بأكثر مما يجب عليه، ولم نعط العامل أكثر من حقه، ونقول: كون العامل ما طالب بأكثر من العرف، وكون صاحب العمل ما طالب بالأقل، فإن ذلك يوجب البقاء على المعروف والشائع والغالب، وهذا يكون فيما يحتكم فيه من مسائل إلى أهل الخبرة، وهذه المسألة تعتبر من مسائل أهل الخبرة، أي: يرجع فيها إلى أهل الخبرة والنظر.
وقوله: [أو أعطى ثوبه قصارا أو خياطا بلا عقد صح بأجرة العادة] .
مثلا: لو دفع ثوبا لغسال لكي يغسله، ثم قال الغسال: أعطني عشرين ريالا.
قال: ما أعطيك إلا عشرة.
فسألنا أهل الخبرة فقالوا: أجرة غسل هذا الثواب عشرون.
فنطالبه بالعشرين ريالا، ويدفع هذا المبلغ الذي جرى عليه العرف، وهكذا بالنسبة لبقية المسائل.
إذا: المعروف عرفا كالمشروط شرطا، فإذا سكت المتعاقدان رجع إلى العرف، وهذا لا ظلم ولا ضرر فيه، لا على رب المال ولا على العامل.
لو كان أجرة السيارة في العرف والشائع مائة ريال، ولكن صاحب السيارة قال: أنا لا أؤجرها إلا بألف.
نقول: هذا من حقه، أي: لو جاء إلى رب السيارة وقال له: بكم تذهب بي إلى المدينة؟ قال: أنا أوصلك إلى المدينة بألف ريال.
قال: رضيت.
والأجرة المعروفة مائة ريال، نقول: إذا اتفقتما وتراضيتما على ذلك فيلزمك أن تدفع هذه الأجرة لأنك رضيت بذلك؛ لأن هذا عقد، والله أمر بالوفاء بالعقود، فالشخص قد لا يرضى لنفسه أن يذهب إلى المدينة بمائتين، أو تكون عند صاحب السيارة ظروف أو مصالح، فلو جلس قد يحصل على مائتين ريال بدل أن يسافر ويتعب، فقال له: أنا لا أرضى إلا بثلاثمائة ريال.
حتى يضحي بظروفه ويستطيع أن يتحمل مشقة الذهاب ونحو ذلك.
وكذلك تقدر الأجرة بالمواسم، فمثلا: لو كان الذهاب إلى الحرم بعشرين ريالا، لكن في الأيام الحرجة والضيقة يكون بأربعين ريالا، وركب معه ثم أعطاه عشرين، فمن حقه أن يطالبه بالأربعين؛ لأن ذلك الوقت في شدة الزحام وشدة المواسم لها أجرة تخصها، فهذا الذي جرى عليه العرف وهذا الذي من حقه، كذلك إجارة الدور والبيوت ونحوها تقدر في المواسم بأجرة مثلها.



الأسئلة





توضيح لمسألة اشتراط معرفة الأجرة في صحة العقد


السؤال أشكل علي أن معرفة الأجرة من شروط صحة الإجارة، مع أننا نرجع إلى العرف إذا لم تسم الأجرة، فهل يعني أنه لا يبطل العقد إذا لم تعرف الأجرة؟
الجواب معرفة الأجرة تشمل معرفة الجنس والنوع والقدر، فإذا قال له: استأجرتك على أن أعطيك ذهبا أو أعطيك فضة، أو أرضيك بالريالات، أو أرضيك بالفضة.
فيرجع إلى التفصيل بالعرف، وبناء على ذلك: إذا كان هناك عرف يقدر به الشيء فلا شك أنه يجوز، فتصبح مسألة العرف في حال وجود الجنس والنوع والقدر في العرف، وتصبح مسألة الشرطية للصحة كأصل عام.
وتوضيح ذلك أكثر كالآتي: الأصل أن الإجارة لا تصح إلا إذا عرفت الأجرة، لكن إذا كان هناك عرف، ومعلوم أنه ليس كل إجارة فيها عرف، فمثلا: يمكن أن يستأجره في حمل الحديد في موضع لا يحمل فيه الحديد، ويمكن أن يستأجره في عمل لا يوجد هذا العمل وليس له عرف في موضعه، فالإجارة باطلة من حيث الأصل.
لكن أجرة المثل تقدر إذا تمت الإجارة وأتم العامل العمل، ثم بعد ذلك طالب بالأجرة؛ فحينئذ تقدر بالمثل، لكن إذا لم يكن لها عرف من حيث الأصل ولم يكن لها تقدير فإن الإجارة باطلة، وبناء على ذلك: لو اتفق معه على إجارة بمجهول فإن العقد باطل.
لكن لو أتما هذا العقد الباطل ومضيا فيه وقام العامل بالعمل، فإنه يستحق مالا ويستحق حقا، فيقدر بأجرة المثل، وهذا الذي جعل المصنف رحمه الله يخصص سكوت العاقدين، لكن عمم شرط معرفة الأجرة، ولا تعارض بين عام وخاص.
أي: ينبغي لطالب العلم أن يعلم أن الأصل عدم صحة الإجارة بالأجرة المجهولة، لكن لو أنه دخل وهناك عرف، فنقول: صحيح أنها لا تصح، لكن المعروف عرفا كالمشروط شرطا، هذا بالنسبة للأشياء التي فيها عرف شائع، كأن تأتي وتسحب رغيف الخبز وأنت تعلم أن قيمة رغيف الخبز ريال؛ لأنه شاع وذاع، فلا تأتي وتقول: أشتري منكم رغيف الخبز بنصف ريال، أو بعني رغيف الخبز بنصف ريال.
لأن هذا درج به العرف وانتهى الأمر، فإذا وجد للشيء عرف وسكتا من أجل هذا العرف فإنه يصح، أما من حيث الأصل فإنه لا يجوز للعاقدين أن يتفقا على إجارة من مجهول، فلو أتم العامل العمل فإنه يقدر بأجرة مثله كما ذكرنا.



من شروط استئجار الظئر


السؤال هل يشترط عند استئجار الظئر أن تعلم مدة الرضاع ومعرفة عمر الرضيع وموضع الرضاع؟
الجواب لابد من هذا، وسيأتي إن شاء الله في تقدير العمل، وإذا كانت هناك إجارة للمرضعة فإنها تجري على سنن الإجارة، فالمرضعات لهن سنن: أن ترضع الصبي في أول النهار، وترضعه في أوسط النهار، وترضعه في آخر النهار، فهذا أمر درج به العرف، وترضعه إذا احتاج إلى الرضاعة، فهذا أمر فيه عرف، ولذلك يحتكم في تقديره وضبطه إلى العرف، والله تعالى أعلم.



حكم الإجارة على منفعة مجهولة تئول إلى العلم


السؤال إذا كانت الجهالة في المنفعة تئول إلى العلم، فهل تجوز الإجارة عليها؟
الجواب إذا آلت إلى العلم على وجه لا غرر فيه فلا بأس بذلك، فيجوز أن يستأجر أمرا مجهولا يئول إلى العلم عند الشروع في العمل أو عند ابتدائه، ويكون ذلك على سبيل الخيار للعامل عند ابتدائه، مثلما يقع الآن، تقول للعامل: عندي عمل في البيت، وأعطيك مائة ريال على أن تعمل هذا العمل.
قال: أريد أن أرى هذا العمل.
فأخذته إلى البيت ونظر إلى تكسير المحل أو الشيء الذي تريد أن يقوم به، فنظر إلى ذلك وآل الأمر إلى العلم، فلا بأس بذلك، وهكذا إذا كان على سبيل الخيار على الصفة التي ذكرناها في مسألة خيار الرؤية والصفة، والله تعالى أعلم.



وقت إلزام العاقدين بعقد الإجارة


السؤال هل يلزم عقد الإجارة بمجرد الاتفاق والتفرق من المجلس، أما لابد من استلام العين المؤجرة؟
الجواب عقد الإجارة لازم، ولزومه بالإيجاب والقبول والافتراق عن المجلس على أصح أقوال العلماء، مخرج على خيار المجلس في البيع، وسنذكر هذا إن شاء الله، ولم يخالف في لزوم عقد الإجارة إلا بعض العلماء رحمهم الله وقولهم مرجوح، واحتج جمهور العلماء على لزوم عقد الإجارة بعموم قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:1] فإذا اتفقت مع رجل على استئجار شقة، أو اتفقت مع رجل على أن يعمل عندك وقال لك: رضيت.
وحددتما الأجرة وتمت الشروط، ثم قال بعدما أوجب: رجعت عن قولي.
فليس من حقه الرجوع، ويلزمه أن يتم الإجارة، إلا في أحوال مستثناة سنبينها إن شاء الله، وهي الأحوال التي يجوز فيها رجوع الأجير، وكذلك رجوع رب العين عن إجارتها، والله تعالى أعلم.



حكم طلب زيادة في الأجرة بعد الاتفاق لظروف طرأت


السؤال إذا اتفقت مع الراكب بمبلغ معين، ثم حصل هناك تأخير بسبب زحام شديد أو بعد الطريق غير المتوقع، فهل يجوز لي أن أطلب زيادة على الاتفاق؟
الجواب بالنسبة للزحام وما يقع من المشقة هذا ليس من حق صاحب السيارة أن يطالب فيه بالأجرة الزائدة؛ والسبب في ذلك: أنه مما جرى به العادة والعرف أن تكون الشوارع ميسرة وتكون الشوارع مغلقة على حسب أحوال الناس وما جرت به عادة الناس.
أما أن يقال: إذا ركب معه ثم وجد زحاما طالبه بزيادة في الأجرة أو نحو ذلك فهذا لا يجوز، وهذا من غرم المنافع التي يتحمله من ربح الأجرة، فله غنمها وعليه غرمها، وبناء على ذلك: لو كان الطريق فيه عطل وتأخر، فإنه لا يطالب بأجرة زائدة على أجرته؛ لأنه لم يزد على العمل الذي طلب منه.
مثلا: أنت استأجرته لسبعة أو عشرة كيلومترات، فأوصلك العشرة الكيلومترات، فكونه يتأخر أو لا يتأخر هذا أمر يختلف بحسب اختلاف الأحوال والظروف، ولا علاقة له بالإجارة، ولست بمتحمل لذلك، وهذا شيء ليس بيدك ولا بيده، وبناء على ذلك: يتحمل هو المسئولية، فكما أن له غنم الإجارة فعليه غرمها.
مثلا: لو أنه اتفق معه على بناء مسكن بمليون، ثم ارتفعت أسعار المواد، فتصبح قيمتها ثلاثة أضعاف، فجاء وقال لك: أنا اتفقت معك والقيمة كذا وكذا.
تقول له: لا.
نحن اتفقنا على أن تبني، لو أن هذه الأشياء رخصت فليس من حقي أن أطالبك بالنقص، وإذا غلت ليس من حقك أن تطالبني بالزيادة، فلك الغنم وعليك الغرم.
وهذا أصل شرعي: أنه يتحمل غرمها كما أنه يأخذ غنمها.
فلو أن الأشياء رخصت والعمال رخصت أجرتهم فلا يأتي ويقول له: خذ الزائد.
ولا يمكن أن يقاص أحد أحدا بهذا، فالشريعة لو فتحت هذا الباب لحصل بين الناس من الفوضى ما الله به عليم، ولذلك إذا اتفقا على شيء فلا بد أن يتم ما اتفقا عليه، وله غنمه وعليه غرمه، ولا يتحمل بعد ذلك رب العمل ولا العامل ما يقع من الأمور الطارئة، وذلك مثلما يقع في البيع، فإنه قد يشتري العمارة بمليون، وفي اليوم الثاني بعد أن اتفقا وتم البيع تصبح قيمتها عشرة آلاف ريال، ولو اشترى العمارة وقيمتها مليون، وفي اليوم الثاني جاء مشروع بقيمة عشرة ملايين -مثلا- فليس من حق أحد الطرفين أن يرجع ما دام أنهما قد اتفقا، وكأنهما حينما اتفقا على أن يبني له عمارته بعد سنة أو بعد شهر يكون قد تحمل مسئولية الثمن وتحمل مسئولية الشهر غرما وغنما، وهذا التحمل والتبعة والمسئولية متعلق بالطرفين، فكما أن رب المال ملزم، كذلك العامل والمقاول ونحوهما ملزم بإتمام الصفقة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #405  
قديم 07-12-2024, 08:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (357)

صـــــ(1) إلى صــ(19)




شرح زاد المستقنع - باب الإجارة [3]
من شروط صحة عقد الإجارة: الإباحة في المنفعة، فلا يجوز استئجار الأجير ليفعل أمرا محرما، كما أنه لا يجوز تأجير عقار -كمنزل أو أرض- لمن سيستخدمه في فعل محرم، كبيع الخمور، أو لمن يتخذه كنيسة أو ما شابه ذلك.
والمرأة قد حافظ عليها الشرع وأكرمها وحصنها، وجعل نفقتها والقيام عليها مفترضا على الرجل، وجعل للرجل عليها حقوقا، فإذا أرادت أن تؤجر نفسها فعليها أن تستأذن زوجها.
من شروط الإجارة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد تقدم أن الإجارة لا تصح إلا إذا توفرت فيها الشروط الموجبة للحكم بصحتها، وأن هذه الشروط هي: جملة من العلامات والأمارات التي نصبها الشارع للحكم بصحة عقد الإجارة، فهناك علامات وأمارات متى ما وجدت حكمنا بصحة العقد، ومتى ما فقدت أو فقد بعضها حكمنا بفساده وعدم اعتباره.
وذكرنا أن هذا النوع من الشروط يسمى بشروط الصحة، وقد ذكر المصنف رحمه الله للإجارة ثلاثة شروط: الشرط الأول: معرفة المنفعة.
والشرط الثاني: معرفة الأجرة.
وحينما ذكرنا معرفة الأجرة ذكرنا أن الأصل الشرعي يقتضي أنه لا يصح عقد الإجارة إلا إذا كان العامل على علم بمقدار الأجرة المدفوعة له، وكذلك الأجير يعلم قدر العوض الذي يأخذه عن إجارته.
ثم ذكرنا أنه يستثنى من هذا الأصل أن يكون هناك عرف يجري بتحديد الثمن، فإذا كان هناك عرف يجري بتحديد الثمن في المركوبات ونحوها، وتعاقد الطرفان على الإجارة، ولم يذكرا الأجرة لأنها معروفة معلومة عند الطرفين فإن هذا مغتفر، لكن الأصل يقتضي أننا لا نحكم بصحة عقد الإجارة إلا إذا كانت الأجرة معلومة عند الطرفين، ذكرنا أن العلة في ذلك والسبب: أنه متى ما كانت الأجرة مجهولة فإن هذا يفضي إلى النزاع وإلى الخلاف بين الطرفين كالحال في البيع، وأن جهالة الثمن في البيع توجب مفسدة الخلاف وهضم الحقوق، كذلك أيضا الجهالة في الأجرة بين الطرفين، فإنها توجب النزاع والشقاق، وتوجب الظلم أيضا، فلربما دخل العامل والأجير وهو يظن أنه ينال أجرة كبيرة، فإذا بها أقل مما كان يتوقع، وبناء على ذلك قلنا: لابد من معرفة الأجرة.
فلو سأل سائل: ما هو الأصل في الأجرة؟ تقول: أن تكون معلومة ومعروفة القدر، يذكر جنسها وقدرها ونوعها بما تنضبط به في السند والبيع، وأن هذا الأصل إذا فقد في الإجارة فإننا نحكم بفسادها.
ولو سألك: ما الذي يستثنى؟ تقول: يستثنى من ذلك أن يكون هناك عرف يحدد الأجرة، كركوب السيارات أو القاطرات أو الطائرات، فعلم أن أجرة التذكرة بخمسين أو بمائة، فلا بأس أن يركب ولا يحدد الأجرة، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا أو كالمشروط لفظا، هذا من حيث الأصل.
إذا: في الشرط الثاني عندنا أصل واستثناء، وهذا يلتبس على بعض طلاب العلم، لكن ينبغي أن يعلم أن الأصل: وجوب معرفة الثمن ومعرفة الأجرة، وأن الاستثناء يكون عند وجود عرف يحدد الأجرة، والسكوت عن الأجرة من الطرفين في هذا النوع الخاص من الإجارات لا يؤثر ولا يضر؛ لأنه معلوم بداهة، فهو وإن كان مجهولا في الظاهر لكنه معلوم من حيث الباطن عند الطرفين.
الشرط الثاني: أن تكون منفعة الإجارة مباحة
قال المصنف رحمه الله: [الثالث: الإباحة في العين] .
أي: الإباحة في منفعة العين، فيشترط لصحة الإجارة: أن يكون العقد على منفعة أذن الشرع بها، والمنافع منها ما أذن الله به ومنها ما حرمه الله عز وجل، فلا يجوز أن يبرم عقد الإجارة على أمر حرمه الله عز وجل؛ لأن تصحيح عقد الإجارة يدل على الإذن بهذه المنفعة.
فإذا: لا نحكم بصحة عقد إجارة حتى نعلم ما هي المنفعة التي قام عليها العقد، فإذا علمنا ما هي المنفعة -وهو الشرط الأول- فلابد أن نعلم كذلك هل هذه المنفعة أذن بها الشرع أو لم يأذن، وبناء على ذلك تنقسم المنافع إلى: مأذون به شرعا، وغير مأذون به شرعا.
فأما المأذون به شرعا كالسكنى وركوب الدواب والطب والعلاج ونحو ذلك من الأمور التي أذن الله بها، فمثلا: يستأجر الطبيب للعلاج.
نقول: هذا العلاج مأذون به شرعا إذا كان بشيء غير محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله، فإن الله ما أنزل من داء إلا وأنزل له دواء) .
كذلك أيضا: لو استأجر للركوب، نقول: ركوب الدابة مأذون به شرعا، والسفر إلى مكان مباح للصيد أو النزهة إذا لم تكن على وجه محرم من حيث الأصل مأذون بها شرعا، والركوب لذاته مباح شرعا.
وهكذا بالنسبة لخياطة الثياب وغسلها وكذلك بالنسبة لسكنى الدور وغير ذلك من المنافع التي أذن الشرع بها، نقول: عقد الإجارة جائز ومأذون به شرعا.
لكن: إذا اشتمل على منفعة محرمة، أو كانت منافع العين لم يأذن بها الشرع؛ فإننا لا نصحح عقد الإجارة، فيشترط لصحة عقد الإجارة أن تكون المنفعة التي من أجلها استأجر الإنسان قد أذن بها الشرع.
فهناك أمران: المنفعة، والإباحة.
فلو استأجره لضرر ومفسدة؛ لم يجز، ولو قال له: أريد منك أن تهدم دار جاري وأعطيك عشرة آلاف ريال لم يجز؛ لأن هدم الدار إفساد في الأرض، وهو كذلك لا يملكها، بل هو معتد وظالم، فإذا استأجره لذلك فهذه إجارة محرمة، والأجير لا يستحق شيئا حتى ولو قام بهذا الفعل؛ لأنه فعل لا يأذن به الشرع.
ولو استأجره لأمر حرام فيه ضرر بجماعة أو فرد، فهذه إجارة غير مشروعة وباطلة؛ لأن المنفعة لا يأذن بها الشرع، فوجود هذا العقد وعدمه على حد سواء؛ فلا يستحق مطالبته بالأجرة.
إذا: يشترط أن يكون هناك نفع، وأن يكون النفع مأذونا به شرعا.
قد يكون النفع غير مأذون به شرعا، فالخمر أخبر الله عز وجل أن فيها منافع وفيها إثما، وأن إثمها وضررها أكبر من منفعتها، والشريعة تحرم عند غلبة المفاسد أو لاستجماع الشيء للمفاسد، ولذلك يقولون: قد يكون الشيء في ظاهره مصلحة ولكن تحرمه الشريعة لمفسدة أعظم موجودة في الشيء، فالخمر مثلا في ظاهرها الهزة والنشاط والطرب ونحو ذلك مما يعتري شاربها لكن الأضرار والمفاسد التي تترتب عليها أعظم مما فيها من منافع، حتى ذكر العلماء أن الله تعالى لما حرمها سلبها منافعها فأصبحت من الضرر، إلا أن أهل العلم قالوا: فيها نفع.
فالحاصل أن الإجارة إذا كانت على شيء فيه ضرر فإنها لا تجوز، وهي محرمة، ولا يستحق العامل الذي عمل هذا الضرر أجرة، فلو طالب من قال له: اهدم هذه الدار، بالأجرة التي وعده بها، فإنها سحت وحرام ولا يستحقها.
إذا: لابد وأن تكون المنفعة مأذونا بها شرعا.
ثم إن الشريعة تجيز المنافع المباحة المقصودة، فخرجت المنافع غير المقصودة، فحينما يستأجره لنفخ الهواء في بالون أو نحوه، نقول: إذا انتفخ الهواء في البالون فما المنفعة! وما المصلحة؟! وهكذا لو استأجره لضرب حديد في بعضه مثل ألعاب الأطفال أو نحوها، فما المصلحة وما الفائدة؟! فإذا: لابد وأن تكون المنفعة مقصودة؛ حتى يقع عليها الإذن الشرعي والإباحة؛ لأنها لو كانت في ظاهرها منفعة لا مصلحة فيها ولا تقصدها العقول السوية كان بذل المال فيها من إضاعة المال، فالصبي إذا نفخ الهواء أي فائدة يستفيدها؟ وإذا ضرب الحديد ببعضه فأي فائدة يستفيدها؟! وإذا رأى الحديد مرتفعا أو موضوعا فأي فائدة يستفيدها؟! إذا: لابد أن تكون هناك منفعة مأذون بها شرعا، فإذا كانت المنفعة غير مأذون بها شرعا فهذا سيفصله المصنف رحمه الله.
[الثالث: الإباحة في العين، فلا تصح على نفع محرم كالزنا والزمر والغناء، وجعل داره كنيسة أو لبيع الخمر] .
فقوله: [ولا تصح على نفع محرم كالزنا] .
كان أهل الجاهلية في جاهليتهم يستأجرون الإماء، وكانت هناك بيوت للدعارة وللبغاء، فحرم الله ذلك، وأنزل آية النور المشهورة {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} [النور:33] فالله عز وجل حرم عليهم أن يؤجروهن من أجل هذه الجريمة وهي: الزنا والعياذ بالله، فنص العلماء رحمهم الله على أنه لا تجوز الإجارة لفعل الزنا، ونصت السنة أيضا على ما نص عليه الكتاب من التحريم، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه حرم ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن) وقوله: (ومهر البغي) : هو ما يعطى للمرأة من أجل أن تزني والعياذ بالله، فلو أنه استأجر امرأة من أجل أن يطأها على وجه محرم فإن المال سحت وحرام، ولا تستحق المرأة هذا المال، بل إنه مال محرم بإجماع العلماء رحمة الله عليهم، فلو استأجر على فعل الزنا، فهذا نوع من أنواع المنافع المحرمة، وهذا يتعلق بالأفعال.
حكم الإجارة للزمر والغناء
قال رحمه الله: (والزمر) .
الزمر النفخ في المزامير، والغناء: يكون بآلات اللهو، وبالنسبة للزمر والغناء فقد حرمهما الله عز وجل؛ ولذلك توعد الله عز وجل أهله فقال: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} [لقمان:6] وهذه الآية الكريمة كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه الغناء.
وعبد الله بن مسعود قد تلقى القرآن من فم النبي صلى الله عليه وسلم غضا طريا كما نزل، وما كان يقرأ عشر آيات حتى يتعلمهن ويعلم حلالهن وحرامهن، وكان أعلم بكتاب الله عز وجل، وكان رضي الله عنه يقول: (ما من آية إلا وأعلم أين نزلت، ومتى نزلت، وفيم نزلت، ولو أعلم رجلا أعلم بكتاب الله مني تعمل إليه المطي لذهبت إليه) .
وهذا يدل على عظيم مكانته وجليل منزلته رضي الله عنه وأرضاه في ضبط كتاب الله ومعرفة ما فيه، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن ابن مسعود رضي الله عنه من أئمة الصحابة الذين هم أهل لتسطير كتاب الله عز وجل، وله تفسيراته المشهورة، ف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه فسر هذه الآية، وحلف بالله اليمين المغلظة وقال: (والله الذي لا إله إلا هو، إنه الغناء) .
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه: (يأتي في آخر الزمان أقوام يستحلون الحر والحرير والمعازف والقيان، ما هم بمؤمنين، ما هم بمؤمنين، ما هم بمؤمنين) فهذا الوعيد الشديد قد نص العلماء رحمهم الله أن المراد به نفي الإيمان، لكن من اعتقد حل الزنا فإنه كافر بإجماع العلماء؛ لأنه قال: (يستحلون الحر) .
وأما بالنسبة للمعازف فإذا قال: إنها حلال.
متأولا قول من قال من أهل العلم، وهو قول شاذ وضعيف لبعض المتقدمين، فإن كانت عنده شبهة فتزال عنه هذه الشبهة.
وقول عليه الصلاة والسلام: (يستحلون الحر والحرير) يدل على أن الأصل أنه حرام.
وأيضا رتب على هذا الاستحلال قوله: (ما هم بمؤمنين، ما هم بمؤمنين) .
ومن القواعد والضوابط عند العلماء رحمهم الله: أن كل فعل أو قول رتب عليه عقوبة في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا، أو رتب عليه الوعيد بنفي إيمان أو غضب أو لعنة فإنه يعد من كبائر الذنوب.
وهذا الضابط نص عليه جمع من أئمة السلف، وهو قول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد اختاره الإمام أحمد في إحدى الروايات عنه، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن حزم رحمة الله على الجميع، فما ورد في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم مقرونا بعقوبة الدنيا أو عقوبة الآخرة أو عقوبتين معا -أي: عقوبة الدنيا والآخرة- أو فيه وعيد بنفي إيمان أو غضب أو لعنة أو نحو ذلك فإنه يعد من كبائر الذنوب التي توجب تفسيق صاحبها، والعياذ بالله!
حكم الأناشيد الإسلامية وقول الشعر
الغناء بالمعازف محرم ولكن يستثنى من ذلك التغني على سبيل النشيد، فإن النشيد الذي لا معازف فيه، وهو حكاية الشعر، وتكون تلك الحكاية خالية من المجون والفسق والعهر، فإن هذا أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن به، والأحاديث صحيحة فلا يستطيع المسلم أن يحرف ما ثبت في السنة من جوازه والإذن به، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبني مسجده -وهو في عمل الطاعة والقربة في تشييد ذلك المسجد- وكان الصحابة يرتجزون بأبيات الشعر: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا إن الألى بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا فكان صلى الله عليه وسلم إذا بلغوا قوله: (أبينا) يقول: (أبينا، أبينا) .
ويرفع بها صوته.
وكذلك دخل عليه الصلاة والسلام مكة ومعه عبد الله بن رواحة آخذ بخطام دابته يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تأويله ضربا يزيل الهام عن مقيله فكان يقوله بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وبإقراره.
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان في السفر، وكان أنجشة يحدو الإبل بين يديه، وهو يقر عليه الصلاة والسلام ولا ينكر.
الدعوة إلى الله بالكتاب والسنة لا بالأناشيد
هل كان هذا الفعل منهم رضي الله عنهم وأرضاهم من باب الدعوة أم من باب الترويح عن النفس؟
الجواب كان من باب الترويح عن النفس، فالخطأ أن يظن أن نشيد الشعر من وسائل الدعوة، فليس هناك وسيلة للدعوة إلا كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا نص مجمع عليه وليس فيه أي إشكال، لكن لك أن تنشد الشعر من باب دفع السآمة وجلب الترويح عن النفس، أو من باب الاستجمام؛ لأن النفوس ضعيفة، فإذا خفف عنها بالمباح استجمت وقويت.
وكان حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في صحن بيت الله الحرام، فإذا كثرت عليه المسائل وكثرت عليه المباحث الفقهية والمسائل والنوازل قال: (روحوا عنا) .
فيأتي بأغزل بيت في الشعر الذي كان يتحاكاه العرب ويتحدث به، ويظرف مع أصحابه رضي الله عنهم ورحمهم الله، وهذا كله في بيت الله الحرام؛ لكي يبين أن هناك أمورا أذن الشرع بها ولا بأس بها.
فهذا من باب الترويح، لكن لا نعتقد أنه لابد أن ندعو بهذا الشيء، أو أن هذا الشيء طريق للدعوة، إنما نقول: يجوز ويباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يمكنه أن يسكت عن حرام أقر ذلك، وقيل بين يديه فأقره عليه الصلاة والسلام ولم يحرمه ولم يمنعه.
لكن الذي ذكره أهل العلم -رحمهم الله- وقرروه: أنه من حيث الأصل يجوز إنشاد الشعر، لكن من يتتبع السنة ويتتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويفقه النصوص يجد أن الأحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإنشاد الشعر في حال السآمة وفي حال الملل، أنشد الشعر بين يديه في السفر أثناء سير الإبل، وهذا يعرفه كل من يعرف الإبل، الإبل لا يمكن أن تسير إلا بحاد، وإذا حدا الحادي مشت الإبل وسرت واستجمت، ولذلك كان هذا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال: صلوات الله وسلامه عليه: (رفقا بالقوارير) ، وأنشد الشعر بين يديه صلوات الله وسلامه عليه في بناء المسجد؛ لأن البناء فيه ثقل على النفس، والبناء فيه أثر على النفوس، ولذلك روح النبي صلى الله عليه وسلم بالمباح، وأنشد الشعر بين يديه في حفر الخندق كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام في السير، إذا: كأن هذا الإنشاد من باب الترويح عن النفس ومن باب الاستجمام.
فعندنا أمران: الأمر الأول: ألا ندخله ونقحمه على الدعوة ونقول: هذا الأمر من وسائل دعوتنا.
فهذا أمر ينبغي أن يتنبه له الإنسان؛ أن الدعوة لا يمكن أن تكون إلا بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح رضوان الله عليهم ورحمهم الله أجمعين.
أما بالنسبة للترويح عن النفس فروح بالمباح ولا حرج في ذلك، وتقول: أفعل هذا من باب الترويح عن نفسي، فقد روح عن نفسه من هو أفضل منا، والإنسان مخلوق ضعيف، فلا بأس أن يروح عن نفسه بالذي أذن الله به وأحله لعباده.
لكن الإكثار من هذا الشيء والمواظبة عليه يؤثر على النفس، ويضعف الإيمان في القلب؛ لأن الإنسان إذا أكثر من اللهو المباح فإن هذا يضعف إيمانه، ولذلك يجوز المزح، فإذا أكثر منه ربما أمات قلبه -نسأل الله السلامة والعافية- إنما يأخذ منه بقدر أفد طبعك المكدوح بالجد تارة بجم وعلله بشيء من المزح ولكن إذا أعطيته المزح فليكن بمقدار ما تعطي الطعام من الملح فتعطي النفس شيئا من الاستجمام والراحة في هذه الحدود، إلا أن الشعر الحماسي، وهو الذي يقوي النفوس، ويشحذ الهمم للجهاد، أو يحكي مآثر السلف، أو نحو ذلك مما يقصد به النصرة على الأعداء وإيراث الحماسة في النفوس؛ فإن هذا إذا كان الإنسان يضع هذا الشعر قربة لله سبحانه وتعالى، ويقوله قربة لله عز وجل فإنه يثاب على ذلك؛ لأن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنشد الشعر الحماسي في صحن بيت الله الحرام، وأنشده بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم من باب إغاظة الأعداء، فإغاظة أعداء الإسلام مقصودة شرعا، فمن قصد بذلك إغاظة عدو الله وتربية النفوس على الحماسة وعلى الخير والبر ومآثر الإسلام، فإن ذلك لا شك أن له أثرا على النفوس.
ولقد نص الله في كتابه على أن الشعراء يتبعهم الغاوون، ثم استثنى سبحانه وتعالى فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} [الشعراء:227] فانظر إلى قوله: (يتبعهم الغاوون إلا الذين آمنوا) أي: أنهم إذا كانوا من أهل الإيمان فقالوا الشعر نصرة للإسلام اتبعهم المهتدون ولا يتبعهم الغاوون، ومن هنا: نص النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه كعب بن مالك وحسان بن ثابت وقالا: إن الله أنزل في الشعر ما أنزل، فاستثناهما النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل فيهما قوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا} [الشعراء:227] .
فإذا: لابد لطالب العلم أن يعلم أن التحليل والتحريم يحتاج إلى نص، وأن النصوص إذا أسفرت واتضحت بجواز شيء لا يستطيع المسلم أن يتحمل بين يدي الله مسئولية تحريم ذلك الشيء، وأن النصوص إذا حرمت شيئا لا يستطيع أحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتقحم نار الله على بصيرة فيحلل للناس ما حرم الله عليهم.
فإذا: قد وردت النصوص في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على إباحة الشعر المأذون به شرعا، وجاءت السنة الصحيحة تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنشاد، ووقع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأقره، فنجد ذلك من باب المباح المأذون به شرعا، وأما بالنسبة للتوسع فيه فنقول: توسع في المباح، ما لم يكن يراد به إيراث الحماس الذي يقصد منه إلهاب النفوس على طاعة الله وتقويتها وتشجيعها على الخير، فذلك النص فيه واضح وظاهر.
وبهذا يقول المصنف: (والغناء) أي: إذا استأجره من أجل الغناء فيشمل ذلك حالتين: الحالة الأولى: أن يكون بآلات اللهو فهذا محرم، وبإجماع العلماء أنه لا تجوز الإجارة على غناء محرم.
والحالة الثانية: أن يكون بدون آلات ولكن يكون إنشاد شعر، فإذا جاء بالشاعر أو بمن يقول الشعر واشتمل شعره على مفسدة محرمة كالإغراء بالحرام، ووصف امرأة معينة أو نحو ذلك مما حرم الله عز وجل، أو يتناشد الشاعران كل منهما يسب الآخر ويشتمه ويعيبه وينتقص من قومه ويحط من قدرهم، فذلك مما حرم الله، ولا تجوز الإجارة على هذا الوجه.
أما لو جاء بالمرأة من أجل أن تضرب الدف في زواج وعرس وتقول المباح الذي أذن الله به، فإن هذا لا بأس به وهو جائز، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على جواز الإجارة على المنافع المباحة، وإذا جئت تقرر هذه المسألة فإنك تقول: لما كان ضرب الدف في الزواج مباحا شرعا، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إليه وحث عليه، ولم يستطع الإنسان أن يجد من يضرب له الدف إلا بمال، وأراد أن يستأجر، فلا بأس أن يستأجر المرأة من أجل أن تزف المرأة في حال زواجها، أو من أجل أن تضرب الدف فذلك مما أذن الله به، وكل منفعة مباحة أذن الله عز وجل بها ورسوله عليه الصلاة والسلام تجوز الإجارة عليها ما لم يقم الدليل على استثنائها.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #406  
قديم 07-12-2024, 08:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي





حكم الاستئجار لفعل محرم


وقوله: [وجعل داره كنيسة] .
قد بين المصنف رحمه الله أن استئجار الشخص للأفعال المحرمة كالزنا والزمر، وللأقوال المحرمة كالغناء لا يجوز، ويدخل في الأقوال المحرمة: النياحة، فلو استأجر امرأة من أجل أن تنوح على ميت فإنه لا يجوز، وتعتبر الإجارة فاسدة.
وكذلك الأفعال، كما إذا استأجر شخصا على فعل محرم، ومن الأمثلة المعاصرة على ذلك: لو استأجر طبيبا أن يقوم بعملية جراحية، وهذه العملية الجراحية لا يأذن بها الشرع؛ إما لكون ضررها أكبر من نفعها، أو لكونها تعارض مقصود الشرع، فإذا كان ضررها أكبر من نفعها، مثال ذلك: العمليات الجراحية التي تكون نسبة النجاح فيها ضئيلة جدا، فلو قال للطبيب: اعمل لي هذه العملية.
مع غلبة ظن الطبيب أن هذه العملية ستفضي به إلى الهلاك أو تفضي إلى تلف عضو، أو أنها تضر به وبصحته؛ فلا يجوز للطبيب أن يقدم عليها، فلو أن المريض أغرى الطبيب بالمال وقال له: افعل لي هذه الجراحة، أو افعل بي هذا النوع من التداوي وفعله؛ فإنها إجارة فاسدة؛ لأنه خرج عن أصول المهنة، وأصول المهنة لا توجب الإذن للطبيب بالقيام بمثل هذا النوع من الأعمال الطبية، فصار أمرا محرما متمحضا في الضرر، أي: أن الضرر فيه واضح.
كذلك لو استأجره لعمل جراحي دون وجود موجب، مثل قطع الإصبع الزائد دون وجود ألم ودون وجود ضرر، فإن أي عضو في الإنسان إذا لم يكن فيه أذى أو لم يكن فيه ضرر فإنه لا يجوز قطعه ولا إبانته من الجسد؛ لأنها خلقة الله عز وجل، ولا يجوز التدخل بجسد الآدمي بزيادة شيء أو نقص شيء إلا إذا أذن الشرع به، فلو قطع منه هذا العضو فإنه حينئذ يعتبر آثما شرعا والإجارة فاسدة.
ولو قال له: أخرج -مثلا- (اللوزتين) الموجودة الآن، والأطباء وأهل الخبرة يقولون: إن هذا العضو الموجود في الجسد -وهي اللوز - جعله الله عز وجل حماية للجسم، فينفي -بقدر الله- السموم عن البدن، حتى قال بعض الباحثين الكبار في مجال الطب: لو يعلم الناس ما في هذا العضو من النعمة والخير -وهو رجل كافر- وحفظ البدن من الكثير من السموم والأضرار التي تنزل بهم ما أقدم أحد على إخراجه.
فلو أنه فعل ذلك -ويسمونها الجراحة الوقائية- فاستخرج اللوزتين بدون التهاب لم يجز، أما إذا التهبت اللوز وأصبح هناك ضرر من تقيحها وإضرارها بالقلب أو الجسد فلا بأس، لكن إذا لم يكن هناك ضرر وفعل ذلك من باب الوقاية -كما تسمى: الجراحة الوقائية- فنقول: لا يجوز؛ لأنه ليس هناك إذن شرعي بفعل هذا النوع من الجراحة.
كذلك: جراحة التجميل، لو استأجره من أجل أن يجمله فيصغر شيئا كبره الله، أو يكبر شيئا صغره الله عز وجل، أو جراحة تغيير الجنس، واستأجره بمبلغ من أجل أن يقوم بهذا النوع من الجراحات، فكل ذلك محرم؛ لأن المنفعة غير مأذون بها شرعا.
إذا: المراد من هذا كله: أن على طالب العلم أن يبحث أول شيء: هل المطلوب من عقد الإجارة مأذون به شرعا أم لا، فإن كانت منفعة أذن بها الشرع وأجازها فعقد الإجارة عليها حلال، وإن كانت منفعة حرمها الشرع فلا تجوز الإجارة عليها.
وقوله: (وجعل داره كنيسة) أي: استأجر منه بيته من أجل أن يكون كنيسة، وهذا يقع في المواطن التي يكون فيها أهل الكتاب، وقد بينا في باب عقد الجزية وأحكام الهدنة والصلح أنه لا يجوز استحداث الكنائس في بلاد المسلمين ولا بناؤها ولا تشييدها، وذكرنا هذا وبينا الأدلة على ذلك، وبينا كلام العلماء رحمة الله عليهم.
فإذا استأجر منه الدار لكي يجعلها كنيسة فلا يجوز؛ لأنه لا يجوز استحداث ذلك وإنشاؤه في بلد مسلم، فإذا فعل ذلك فإن الإجارة فاسدة.
نحن نبهنا غير مرة أن العلماء يذكرون الأمثلة للتنويه، فهو ذكر الأفعال، وذكر إجارة الآدمي للمحرم، إما بفعل، فذكر الزنا والزمر وهو النفخ بالمزمار، وإما بقول مثل الغناء، فذكر الأمرين المتعلقين بالآدمي؛ ثم ذكر إجارة الدور والعقار كدار يستأجرها من أجل أن تكون كنيسة، فتقيس على أمثاله، فجميع الأمور التي يستأجر فيها من أجل المنافع المحرمة أو المفاسد المحرمة فإن الإجارة فاسدة.
وهنا مسألة في قوله: (وجعل داره كنيسة) في حكم التأجير لأي شيء يضر بالعقيدة أو يكون من البدعة والحدث في الدين، فإذا علم أنه يريد أن يفعل هذا الشيء وهو محرم حدث أو لا يجوز شرعا؛ فإنه لا يجوز أن يعينه على فعل ذلك الشيء ولا أن يمكنه منه؛ لأن القاعدة: أن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها، فما كان وسيلة لمحرم فهو محرم، وما كان وسيلة لمباح فهو مباح.
وقوله: [أو لبيع الخمر] .
أي: أو يستأجره لبيع الخمر، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من باع الخمر، ومن حملها ومن حملت إليه، ومن أكل ثمنها، ومن اشتراها وعاصرها ومعتصرها، وساقيها ومسقاها.
كل هؤلاء لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح، فلا يجوز أن يؤجر نفسه لحمل الخمر أو لصنع الخمر، وفي حكم الخمر المخدرات، فلا يجوز أن يؤجر نفسه لحملها أو لتصنيعها أو ترويجها، فكل ذلك من الإجارات المحرمة.



حكم إجارة حائط لوضع أطراف خشبة عليه


قال رحمه الله: [وتصح إجارة حائط لوضع أطراف خشبه عليه] .
صورة المسألة: أن يكون لك جار وعندك بناء بجوار جدار الجار، وهذا البناء يحتاج إلى تسقيف، فإذا أردت أن تشيد جدارا ربما كلفك وأضر بك، وأنت تريد هذا المكان مؤقتا لمصلحة من مصالحك، فقلت لجارك: أريد منك هذا الجدار أضع عليه خشبة.
ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبه في جداره) ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: (ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكنافكم، وفي رواية: لأرمين بها بين أكتافكم) .
(ما لي أراكم عنها معرضين) أي: عن هذه السنة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و (معرضين) أي: لا تقبلونها، ولذلك قيل: إنه أراد أن يضع خشب داره على جداره فامتنع، فحكى له هذه السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين له هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجار لا يمنع جاره، فإذا أراد جارك أن يضع سقفه على بيتك أو على جدار بيتك، أو كانت الحيطان في المزارع يوضع عليها شيء من خشب الجار لغرفة أو غيرها، شريطة: ألا يضر بالجار، فإذا حصل الضرر حق لك أن تمتنع؛ لأن الشريعة لا تأذن بالضرر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار) ومن قواعد الشريعة: الضرر يزال.
فلا ضرر ولا ضرار، والشريعة لا تأذن للجار أن يضر جاره.
فجواز وضع الخشب على جدار الجار مشروط بألا يكون هناك ضرر، فإذا كان الجدار لا يتحمل الخشب، وغلب على ظنك أنه لو وضع خشبه أن ذلك يضر بجدارك فلك حق من الامتناع.
فإذا ثبت في السنة الإذن للجار بوضع الخشب على جدارك فمعنى ذلك: أن وضع الخشب على جدار الجار مأذون به شرعا، ومنفعة الاستظلال بهذا السقف مأذون بها شرعا، فإذا ثبت هذا فإننا نقول: تجوز الإجارة على ذلك.
فإذا سأل سائل: كيف تتم الإجارة؟ ف
الجواب يحدد عدد الخشب والمدة التي يريد أن يستفيد منها، يقول مثلا: أستأجر منك هذا الجدار وأضع عليه عشرة من الخشب من نوع كذا وكذا، وذلك مدة عام بألف ريال أو بخمسمائة ريال.
فتكون إجارة مشروعة بقول جمهور العلماء خلافا للإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه.



حكم عمل المرأة بدون إذن زوجها


وقوله: [ولا تؤجر المرأة نفسها بغير إذن زوجها] .
كل مسألة يرجع فيها إلى الأصل، ومن أراد أن يلم بأحكام الشريعة ويضبطها فعليه في كل مسألة أن يسأل عن أصلها، فإذا أخذ المسائل من الأصول وعرف ما إذا كانت المسألة أصلا برأسها أو كانت جارية على أصل -أي أنها فرع لغيرها- أو مستثناة من الأصل؛ استطاع أن يعرف الأحكام وأن يعرف مواطن الأقيسة، ويعرف مقاصد الشريعة في الأقيسة، واستطاع كذلك أن يلم بكثير من المسائل والأحكام التي ذكرها العلماء رحمهم الله، كما أنه يستطيع -بإذن الله- أن يعرف كيف يقيس المسائل الجديدة والنازلة.
فمسألة إجارة المرأة أو عملها من حيث الأصل: المرأة خلقها الله عز وجل سكنا للرجل، والنصوص في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم واضحة الدلالة على أن من حكمة الله سبحانه وتعالى وعلمه أن جعل المرأة سكنا وتشريفا وتكريما للرجل، فجعل الرجل هو المخلوق الأول الذي خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، ثم خلق المرأة من ضلعه.
وهذا يدل على أنها تبع للرجل، وأنه لا يمكن أن تستقيم مصالح هذا الكون إلا إذا قامت المرأة برسالتها وواجبها، وذلك برعاية حق بعلها وزوجها، وهذه هي الفطرة، ولن تجد امرأة تسير على فطرة الله التي فطرها الله عليها إلا استقامت أمورها، ولكن إذا خرجت المرأة عن هذه الفطرة عذبت نفسها وعذبت غيرها.
ولذلك لن تجد المرأة أعدل ولا أحكم من دين الله عز وجل الذي أعطاها حقها وقدرها ولم ينقصها شيئا، فإن الولد تابع لوالده، وقد يفضله الله عز وجل بصلاحه وتقواه، ويكون خيرا من والده الذي كان سببا في وجوده.
فإذا: قولنا: إن المرأة تبع للرجل؛ لا ينقص من قدر المرأة إذا هي اتقت ربها وعرفت حقها وحق بعلها، وقامت برسالتها على أتم الوجوه وأكملها، وهذا أمر واضح، ومن يتتبع نصوص الكتاب والسنة يجده جليا واضحا، فإذا كانت المرأة تنظر إلى الفطرة وجدت أن الله سبحانه وتعالى حمل الرجل أن ينفق ويقوم عليها، فحمله النفقة، وجعل المسئوليات والتبعات على الرجل، وهذا يدل على أن رسالتها في بيتها، وأنها إذا قامت بهذه الرسالة وحفظت هذه الأمانة ورعتها حق رعايتها، فإن الأمور ومصالح العباد تستقيم على أتم الوجوه وأكملها.
لكن إذا خرجت المرأة عن هذه السنن، وقالت: ليس هناك فرق بيني وبين الرجل، حصل الخلل.
الله تعالى يقول: {وليس الذكر كالأنثى} [آل عمران:36] وهي تقول: إني مثل الذكر، وأنا والذكر سواء.
والله عز وجل يقول: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [الزخرف:18] وفرق بين الذكر والأنثى، وهي تقول: الذكر والأنثى سواء.
ودين الله وشرع الله في أحكامه وتشريعاته واضح الدلالة، فإنه جعل أمور الزوجية ومقاليدها بيد الرجل، من مهر وعقد وطلاق وغيره، وكل ذلك لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى.
وقد كانت الأمة الإسلامية في أوج عظمتها وعزها وكرامتها، وقد قادت جحافلها حتى فتحت مشارق الأرض ومغاربها، وقادت تلك القلوب التي صقلتها روحانية الكتاب والسنة، فقادت العالم من مشرق الأرض إلى مغربها، وما تعطلت يوما من الأيام عن الوفاء بمصالحها.
المرأة خلقت سكنا للزوج
لما كانت المرأة تقوم على بيت زوجها، وكان الرجل قائما بمصالحه خارج بيته، وكان النساء في مكانهن، والرجال في مكانهم، وكل يعرف حق الآخر وقدره وفضله؛ استقامت أمور الأمة ولم تستقم إلا بهذا؛ لأنه الموافق للفطرة.
فإذا جاءت المرأة وقالت: لابد أن أعمل، ولابد أن أخرج، وجعلت ذلك فريضة واعتقدت أن المرأة لا يمكن أن تكون امرأة إلا إذا كانت كالرجل، وكانت -كما يقولون- نصف المجتمع، وهذه عبارة فيها مغالطة.
وفي الواقع أنه لا شك أن المرأة لها رسالتها ولها مكانتها ولها حقوقها ولها فضلها ولها مكانتها، لكن بشرط: ألا تخرج عن فطرة الله التي فطرها عليها: {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب:33] فأمرها بأن تقر في قرارها، وأن تلزم بيتها؛ لأن الله حملها بيت الزوجية وحملها أبناءها وبناتها، وإذا لم يكن لها أبناء وبنات فالرجل محتاج إلى دفئها وحنانها وسكنها؛ لأن الله قال: {وجعل منها زوجها} [الأعراف:189] أي: خلق من هذه النفس زوجها، ثم علل هذا الذي خلق سبحانه -وهو أعلم وأحكم- فقال: {ليسكن إليها} [الأعراف:189] فالمرأة سكن للرجل، فإن خرجت من بيتها فأين يسكن الرجل؟ فمن حيث الأصل المرأة عملها في بيتها، ورسالتها في بيتها، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح لهذه الأمة، والأمر الذي لا شك فيه ولا مرية.
لكن لو أن المرأة احتاجت للعمل، أو أرادت أن تعمل لأيتام عندها، أو تطلب الرزق المباح أو العمل المباح فلا بأس بذلك، لكن لو كانت متزوجة أو عندها زوجها فلا تعمل إلا بإذنه، فإن أذن لها زوجها فإنها تعمل ولا بأس بذلك، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حينما أذن للمرأة أن تحز نخلها فتنتفع وتنفع غيرها، فلا بأس أن تعمل، بشرط: أن يكون عملها بعيدا عن الرجال، بعيدا عن فتنتها في دينها، وفيه المحافظة على حقوق أولادها، وغير ذلك من الشروط التي يتحقق بها مقصود الشرع.
فالحاصل أن المرأة من حيث الأصل خلقها الله عز وجل سكنا للرجل بنص كتاب الله عز وجل، وأن الأصل أن تقر في بيتها كما قال تعالى: {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب:33] وإذا ثبت هذا فإنه يجوز لها أن تخرج عن هذا الأصل في حدود المصالح، فإن ترتب على خروجها مصلحة فلا بأس أن تخرج وتحقق هذه المصالح.
وإذا أرادت سعادتها وسعادة دينها ودنياها وآخرتها فطمعت بما آتاها الله، ورضيت بقسمة الله، ولزمت بيتها، وحنت على أولادها، وخافت من الله عز وجل فيهم، وتفكرت واعتبرت، وتدبرت ونظرت أن لو كانت مكان هذه الطفلة وهذا الطفل، هل ترضى أن تغيب عنها أمها وتتعذب بغيابها، من دون وجود حاجة لغياب الأم؛ لعلمت عند ذلك أن الخير كل الخير أن تحفظ وأن ترحم صغيرها، وأن تقوم على حقه ورعايته على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، هذا من حيث الأصل.
فإذا أرادت أن تعمل وكان عندها بعل فعليها أن تستأذنه، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -في الحديث الصحيح-: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فليأذن لها) وقال كما في الصحيح: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) فدل على أن المرأة لا يجوز لها الخروج إلا بإذن زوجها؛ ولأن عملها قد يضر بمصلحة الزوج، وقد يكون في ساعات يحتاج الزوج فيها إلى إعفاف نفسه، وقد يكون في ساعات يحتاج فيها زوجها إلى القيام برعايته ونحو ذلك.
فإذا تزوج وعندها عمل، فإنه إذا أراد أن يبقيها في عملها أبقاها، وإذا أراد أن ينظر إلى الأصلح ويقول لها: اجلسي في بيتك وأقوم على نفقتك، فلا بأس بذلك.
كل هذا إذا كانت المرأة قد قام الرجل بحقوقها، أما لو ضيع الرجل حقوقها، ومنعها من نفقتها، وأصبحت عرضة هي وأولادها للضياع، فمن حقها أن تطلب الرزق لها ولأولادها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن -كما في الحديث الصحيح- للمرأة أن تخرج وتجد نخلها حتى في عدتها، وهذا يدل على أنه إذا وجدت الحاجة لعملها فلا بأس ولا مانع، خاصة إذا كان عملها فيه خير ونفع للمسلمين كتعليم بناتهم، وخاصة إذا كانت امرأة صالحة وأرادت أن تعلم أو توجه أو يكون في عملها منفعة ومصلحة أو نحو ذلك من الأمور التي فيها خير لها ولغيرها.
إذا: الأصل في المرأة أن عملها ورسالتها في بيتها، وأن عليها أن تلزم قرارها، وأنه لا بأس بخروجها إذا وجدت مصلحة، ولكن إذا أذن لها زوجها في ذلك أو احتاجت، فإذا أذن لها زوجها أو احتاجت فلا بأس أن تخرج وتعمل بما فيه خير لها ولأولادها أو لها ولغيرها.



القوامة للرجال على النساء


فقوله: [ولا تؤجر المرأة نفسها بغير إذن زوجها] .
لا تؤجر نفسها لخدمة أو عمل أو نحو ذلك إلا بإذن زوجها، قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء} [النساء:34] فمما جعله الله عز وجل على الرجل أنه يقوم على أمر امرأته.
فعلى الزوج أن ينتبه؛ لأن الزوج راع ومسئول عن رعيته، والمرأة من رعيته، فإذا نظر أن المصلحة في خروجها للعمل أذن لها وأعانها، وخاصة في هذا الزمان، فكم من صالحة ينفع الله بخروجها للتعليم أو التوجيه أو نحو ذلك مما فيه خير لها وللأمة! ولا ينبغي للرجال أن يجحفوا بحقوق النساء أو يظلموهن أو يضيقوا عليهن، وإذا رأى أن الخير لها أن تمتنع فأوصي المرأة أن تحمد الله عز وجل، وأن تطيع زوجها، فوالله الذي لا إله إلا هو! ما من امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسمع وتطيع لبعلها إيمانا بالله -وخاصة إذا وجدت منه غيرة وحب الخير لها- واحتسابا للثواب عند الله عز وجل إلا أقر الله عينها في الدنيا والآخرة.
وعليها أن تسلم وترضى، وألا تتعالى على حكم الله عز وجل، بل ترضى بذلك وتقنع به بنفس مطمئنة، فمن رضي فله الرضا، والله عز وجل قد وعد من سمع وأطاع بالفلاح والفوز، وهذا شامل لفلاح الدين والدنيا والآخرة، وفوز الدين والدنيا والآخرة، وعلى المرأة أن تنظر في حالها، فإنه ما من ساعة وما من يوم يمر عليها وهي تسمع لزوجها وتطيع بالمعروف إلا وجدت في سمعها وطاعتها له من الخير ما الله به عليم! وكم من الحوادث والقصص رأيناها في النساء الصالحات اللاتي أمرهن أزواجهن فأتمرن، ونهاهن أزواجهن فانتهين؛ فجعل الله لهن في ذلك الأمر والنهي من الخير ما الله به عليم! وكم من فتنة تنتظر المرأة في خروجها، فيسلط الله زوجها فيمنعها من الخروج، فإذا اتقت حبسها الله عن فتنة ربما لو أنها خرجت لضلت وأضلت، ولكن الله لطف بها بالسمع والطاعة، وهذا مجرب، ولذلك كان بعض المشايخ رحمة الله عليهم يقول: ما رأيت مثل أمرين في الأمر والنهي من عصيان الأمر والنهي فيهما: أما الأمر الأول: فالوالدين.
وأما الأمر الثاني: ففي الزوجة مع زوجها.
فقل أن تجد ابنا بارا أو بنتا بارة بأبيها أو أمها، فتؤمر بشيء أو تنهى عن شيء من والديها إلا جعل الله لها العاقبة، إن عاجلا أو آجلا، وقل أن تجد امرأة يأمرها زوجها أو ينهاها وتسمع وتطيع في غير معصية الله عز وجل إلا جعل الله لها العاقبة في دينها ودنياها وآخرتها، فالمرأة ينبغي أن تتلقى ذلك بالصدر الرحب وبالنفس المطمئنة.
ومن أفضل ما كان يوصى في مثل هذا: أن يحسن الظن، فلا تنظر المرأة إلى أن هذا استبداد من الرجل، بل عليها أن تفسره بأنه غيرة ومحبة، والرجل الكامل الغيور إذا غار على مصلحة امرأته فلا يلام على ذلك؛ لأن هذا من كمال رجولته، ومن كمال مكانة المرأة في قلب زوجها.
فالمقصود: أنه ينظر في الأصل نحو الأفضل، فإذا اتقى الزوج ربه فمنع أو أمر فإنه إذا أصاب كان له الأجران، وإذا أخطأ كان له الأجر الواحد.
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #407  
قديم 07-12-2024, 08:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

الأسئلة








حكم تأجير بيت لكافر يسكن فيه






السؤال هل يجوز تأجير الدور للنصارى إذا أرادوها سكنا لهم؟
الجواب تجوز إجارة الدار للذمي والكافر في بلاد المسلمين إذا أذن له، وهذا مبني على الأصل الشرعي: أنه يجوز إذا كان مأذونا له، كالذمي -مثلا- له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، فإذا عاش بين المسلمين وأجر له الدار ليسكنها فلا بأس، ولذلك القاعدة الشرعية تقول: الإذن بالشيء إذن بلازمه.
فإذا قلنا: إن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، فإن من لازم الإذن لهم أن يسكنوا، ومن لازم كونهم يعيشون بين المسلمين في ذمتهم: أن يحققوا مصالحهم من السكن والمأوى، فلا بأس بإجارته، وإذا استأجر فإنها إجارة شرعية إذا كانت للسكن.
وهناك فرق: أن المعابد شعار، وهذا من ناحية عقدية، فالكنيسة شعار لهم وبيت لعبادة، ولا يجوز تأجير البيوت لكنيسة ولا لبيت نار كما نص العلماء رحمهم الله على ذلك، والله تعالى أعلم.


حكم تأجير الكتب للقراءة


السؤال هل يصح أن أؤجر كتابا ليقرأ، أو مكتبة يقرأ فيها الكتب وأنتفع بتأجيرها؟
الجواب هذه مسألة خلافية بين العلماء، فبعض العلماء يقول: لا تجوز إجارة الكتاب، والسبب في ذلك: أن العلم الذي داخل الكتاب ليس ملكا لصاحبه، والإجارة تكون لشيء تملكه، والآيات والنصوص والمعاني والأحكام المستفادة من الشريعة لا تملك، لكن لو كان علوم دنيوية، وأراد أن يدخل مكتبة من أجل أن يقرأ فيها، وقيل له: كل ساعة في المكتبة بعشرة ريال.
فهذا يجوز، فتكون المنفعة منفعة الاطلاع، وهذه المنفعة مباحة شرعا إذا كان الاطلاع في علوم وفنون ودراسات يستفاد منها، فلا بأس في ذلك ولا حرج فيه.
وقال بعض العلماء: يجوز إجارة الكتاب من أجل القراءة فيها، فيدخل الرجل المكتبة ويستأجر بالساعات، فيمكث فيها ما شاء الله أن يمكث، كل ساعة أو كل يوم -واليوم مثلا بالساعات المعينة- فيحدد له وتحدد الكتب التي يطالع فيها، ويقال: هذه مكتبة، وتكون الإجارة للأعيان، فهذا لا بأس به في قول طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم، والله تعالى أعلم.


مسألة في اشتراط معرفة الأجرة


السؤال في اشتراط معرفة الأجرة، أشكل علي ما صح عن علي رضي الله عنه أنه أجر نفسه بأن كل دلو بتمرة، فهو لم يعلم كم دلو سيخرج، أم أن هذا سيئول إلى العلم؟
الجواب قضية استئجار علي رضي الله عنه لنزح الدلو من البئر كل دلو بتمرة هذا الحديث ليس فيه إشكال؛ لأن الأجرة التمرة، وكل دلو بتمرة، فالأجرة معلومة والمنفعة معلومة.
أما غاية العدد ونهاية العدد فقد رخص فيه العلماء؛ لأن الأجرة معلومة والمنفعة معلومة، وليس هذا من جهالة الثمن في شيء، بإجماع العلماء.
الثمن: هو التمرة، والمثمن والمنفعة التي عوض عليها أو استأجر عليها: نزح الدلو، ولذلك قالوا: لو قال له: انزح البئر وكل دلو بريال، أو كل دلو بدرهم، فلا بأس، هذا من النقد، أو قال له: كل دلو بصاع، فهذا جائز أيضا؛ لأن الأجرة معلومة والمنفعة معلومة، أما غاية ونهاية ما ينزحه فهذا لا يؤثر؛ لأن الأجزاء إذا علمت تكون مؤقتة بأجزائها، فكل دلو ينزحه يستحق الأجرة، ثم بعد نهاية كل دلو إن شاء يتم ويتفقا على الإتمام أتم، وإن شاء أن يوقف أحد الطرفين الآخر فعل، فأصبح قوله: كل دلو بتمرة مما علمت أجرته وعلمت منفعته، والله تعالى أعلم.


حكم الاستشهاد بالشعر في خطبة الجمعة


السؤال هل الاستشهاد بالشعر في خطبة الجمعة أمر محمود؟
الجواب الشعر إذا كان فيه طاعة وذكر لله عز وجل فهو حكمة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن من الشعر لحكمة) فالشعر الذي يكون مشتملا على الأمر بالخير والنهي عن الشر فإنه لا بأس به، ولا حرج في ذلك؛ لأن الخطبة مدارها على الحكمة، والدين كله مداره على الحكمة، فإذا اشتملت الأبيات من الشعر على موعظة، وكان لها أثر في النفوس، وكانت عظيمة الوقع في القلوب فلا بأس، وقد ذكر بعض العلماء والأئمة أن الخطيب قد يحتاج إلى ذلك من باب التنويع، فإنه ربما وعظ الناس بأسلوب فملوه، فيأتيهم بأسلوب آخر حتى يذكرهم بالله عز وجل بالطريقة التي تؤثر في نفوسهم.
ولكن الخير كل الخير: أن يحرص الخطيب على التذكير بكتاب الله وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن كل خطيب موفق، قد نظر إلى عظيم الثواب وجزيل ما أعد الله في المآب لمن تلا آيات الكتاب وتدبر سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لن يرضى لنفسه بالدون والأقل.
فانظر: لو أنك نثرت أشعار الدنيا المليئة بالحكمة فإنها لن تبلغ شيئا مما يؤثره كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في القلوب، وكم من آية في كتاب الله هزت القلوب، ولربما سمع المؤمن الصالح آية من كتاب الله فاستقرت في قلبه اليوم واليومين والأسبوع، والشهر والشهرين والعام، ولربما استقرت في قلبه إلى لقاء الله عز وجل، فالموفق السعيد الذي يحرص على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم والوعظ بهذا النور العظيم.
فإذا كان هناك حاجة لذكر أبيات من الشعر في موعظة فيها أثر فلا بأس بذلك، ولذلك حكى الصحابة الشعر وقالوه، حتى في المواعظ المؤثرة، مثل قضية أبي الدحداح رضي الله عنه وأرضاه، وغيره من القصص التي وقع فيها، وكذلك أبيات حسان رضي الله عنه التي كان لها وقع وأثر في النفوس، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد دخول مكة قال: (لا تدخلوها إلا من ثنية كداء) ، والسبب في ذلك: أن حسان بن ثابت رضي الله عنه يقول: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء فأراد أن يحقق ما قاله حسان، فدخل مكة من الثنية العليا، وهذا أحد الأوجه عند العلماء، والثنية الأولى هي من جهة قبور المعلاة، الفج الذي يشق القبور شقين، هذه الثنية ثنية كداء دخل منها عليه الصلاة والسلام، فمن العلماء من يقول: دخلها من أجل بيت حسان رضي الله عنه وأرضاه.
ومنهم من يقول: دخلها عليه الصلاة والسلام؛ لأنها من جهة باب الكعبة، ولذلك جاء من جهة الباب.
وقيل: دخلها لأن سور مكة كان في هذه الجهة، والمدن عندما يدخلها الإنسان يدخلها من أبوابها.
فالشاهد: أنه قال بيت شعر فصدقه عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على مكانة الشعر.
فلا مانع أن الخطيب يستشهد ببيت من الشعر ويعظ به ويذكر، وفي أشعار السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين أبيات مؤثرة، فلا بأس بذلك ولكن بشرط: ألا يغلو الإنسان فيه ولا يتوسع فيه أكثر مما يستحق، والله تعالى أعلم.


حكم امرأة المفقود


السؤال امرأة خرج عنها زوجها ولم يرجع لسنوات عديدة ولا يدرى أمره، وقد تقدم إليها من يخطبها، فما الحكم؟ أثابكم الله.
الجواب هذه المسألة تعرف عند العلماء رحمهم الله بمسألة امرأة المفقود، وفيها قضاء عن الصحابة رضوان الله عليهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكن لا يحكم فيها؛ لأن هذه المسائل مردها إلى القضاء، فتحتاج إلى نظر قاض فينظر في أمر المرأة وأمر غياب الزوج، والموضع الذي غاب فيه الزوج، فهناك غيبة يمكن معرفة الزوج أو حال الزوج فيها، وغيبة لا يمكن معرفة حاله، وغيبة غالبها السلامة، وغيبة غالبها الهلاك، وهذه أمور كلها تحتاج إلى نظر وتفصيل، ومثل هذه المسائل تحتاج إلى قاض، فليس كل مسألة تصلح للفتوى والجواب عنها، لأن المسائل التي فيها حق لطرفين لابد أن يسمع من الطرفين، ولابد عند غياب أحد الطرفين من أن ينظر القاضي في دعوى الطرف الثاني، ويطبق عليها الأصول الشرعية، ولذلك لابد من الرجوع إلى القضاء في مثل هذه المسائل، والله تعالى أعلم.


حكم أخذ مال الزوجة بدون رضاها


السؤال أموال المرأة التي تكتسبها من عملها لو أنفقت على المنزل هل تكون دينا على الزوج، أم تكون مساهمة منها مع زوجها؟
الجواب المرأة إذا عملت وكان لها مال استفادته من عملها فالمال مالها، ولا يجوز للزوج أن يتدخل في راتب زوجته، ولا أن يعتدي على ذلك المال، وليس من حقه ذلك، وليس من حقه أن يتعب المرأة ويقول لها: اعلمي وراتبك لي.
فهذا لا يصنعه كريم، ولا يجوز شرعا له أن يفعل ذلك، ورخص فيه بعض أهل العلم.
لكنه لا يجوز للرجل أن يقول للمرأة: اعملي.
ويأخذ عرق جبينها وتعبها ونصبها، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: (ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خصمهم فقد خصمته.
ورجل استأجر أجيرا فلم يوفه أجره) فانظر كيف عظم الله عز وجل مال الأجير ومال العامل إذا اعتدى عليه الغير فأخذه بدون وجه حق! الزوج يملك الاستمتاع بالمرأة، وإذا أراد أن يأذن لها بالعمل واتفقا فيما بينهما على تقسيم الراتب بينهما، فهذا شيء يرجع إلى المرأة باختيارها وبرضاها بدون إكراه، وإذا أكرهها الزوج على ذلك وظلمها فإنه لا يستحق هذا المال، والمال بالإكراه لا يستحق، وهكذا إذا غلبها بسيف الحياء فأحرجها، فأي رجل يحرج امرأته ويأخذ من مالها فإن الله ينتزع البركة من المال الذي يأخذه، مع ما ينتظره بين يدي الله عز وجل من السؤال والمحاسبة.
وإذا أراد الإنسان أن يسلم وأن يكون بعيدا من البلاء فإياه أن يتعرض لحقوق الناس، وخاصة إذا كانوا من الأقربين، فإن الظالم لأهله وولده يخشى عليه، فإن عواقب الظلم للأقربين عواقب وخيمة، حتى ذكر بعض العلماء أن عقوبتها معجلة، ولذلك تجد الذي يعق والديه كثيرا لا يأتيه البلاء آجلا بل يكون عاجلا.
فالمظالم للأقربين سيئة، وخاصة بالنسبة للأكل والطعام والمال، ولا شك أن من أعظم الظلم أن يجلس الرجل السوي القوي -الذي يمكنه أن يتكسب ويمكنه أن يعمل- في بيته ثم يأمر زوجه بالخروج والكد والتعب عليه، وهو يأكل ويشبع ويروى من كسب امرأته، فهذا ليس من خير الرجال، بل هو من ألأم الرجال، ولا يجوز لأولياء المرأة أن يسكتوا على مثل هذا الزوج الظالم إذا رأوا أنه يأكل مال أختهم أو قريبتهم، بل عليهم أن يذكروه بالله وأن يرفعوا الظلم عن قريبتهم.
فمثل هذه الأمور التي انتشرت وذاعت بسبب ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله عز وجل ومراقبته عواقبها وخيمة، ومن أخطر ما يضر الإنسان في دينه وخشوع قلبه واستقامة عمله: طعمة الحرام، فكم من آكل وطاعم قذف في جوفه طعمة حجب الله بها قبول صلاته وزكاته واستجابة دعائه، فليتق الله المسلم، وليحذر من الطعم الحرام، ومن أذية المرأة في حقها ومالها، فهذه أمور ينبغي التنبه لها.
وإذا اتفق الزوجان بالرضا وبطيبة النفس، وأنفقت المرأة برضاها وطيبة نفس منها؛ فإن الله يأجرها، ولتعلم المرأة المسلمة الموفقة الصالحة أن الله إذا وفقها فاكتسبت، وحفظت زوجها وأعانته على طلب العلم، كأن تكون هي موظفة ويكون زوجها -مثلا- طالب علم يحتاج إلى نفقتها فحملته وقامت عليه، فنعم المرأة! وهذه امرأة مباركة، وعلى الزوج أن يحفظ هذا الحق وهذا الجميل، وأن يعلم أن الله عز وجل إذا علم منها أنها منفقة عليه بطيبة نفس فقد أنعم عليه بهذه المرأة الصالحة، فليحفظ هذا الجميل ولا يضيعه، ويكون كريما، يحسن ولا يسيء، ويكرم ولا يهين.
فإذا أنفقت عليه وقامت عليه حتى يطلب العلم، أو أنفقت عليه وقامت عليه بسبب عجز أو عاهة فهذه لا شك أنها من أصلح النساء وامرأة مباركة، وهذا المال الذي تنفقه سيخلفه الله عليها، ولتبشر بكل خير ما دامت أنها في رضا الله عز وجل ثم في رضا زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وماتت وزوجها عنها راض؛ قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت) إذا كانت المرأة صالحة، وتنفق على زوجها وبيتها، فهذا شأن النساء الفاضلات، وهناك نماذج طيبة من هذا النوع.
كان سفيان الثوري رحمه الله، يتيما توفي أبوه وهو في الصغر، وأراد أن يعمل ويكسب لينفق على نفسه وعلى إخوانه، فقالت له أمه: يا بني! اطلب العلم أكفك بمغزلي.
فكانت رحمها الله برحمته الواسعة تغزل وتبيع من غزلها حتى قامت على البيت وعلى ولدها، فأصبح سفيان ديوانا من دواوين العلم والعمل، وإماما من أئمة المسلمين، ولا شك -إن شاء الله- أنه في ميزان حسناتها، فطابت تلك اليد الطيبة! وطابت تلك الأم التي رزقها الله القلب الحنون والقلب الصالح حتى سعت وكدت وتعبت من أجل سعادة ابنها.
فلا بأس أن المرأة تتحمل نفقات بيت الزوجية وتتحمل تبعاته، لكن لو أنها قالت لزوجها: أنا أنفق على بيت الزوجية، وإذا فتح الله عليك رددت إلي مالي أو رددت علي ما أنفقت.
فلا بأس بذلك، فإن هذا أشبه بالدين، ويكون حقا على الزوج، فتنفق على بيت الزوجية مما يجب عليه، ثم بعد ذلك يقضي لها حقها بالمعروف، والله تعالى أعلم.


كيفية الاتفاق مع عامل على القيام بأعمال متنوعة


السؤال إذا كانت في بيتي أعمال كثيرة متنوعة، وأريد أن أستأجر لها عاملا، فكيف أصيغ العقد معه؟
الجواب هذه المسألة فيها تفصيل: الأعمال المتنوعة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون تحت أصل معين، مثلا: السباكة، قد تريده لتسبيك حوض، أو عمل (مواسير) تتعلق بنقل الماء من أعلى الدار إلى أسفله، وهذه السباكة كلها أعمال متنوعة، ومهامها مختلفة، ولكنها تحت أصل واحد وهو السباكة، فإذا أردت أن تتفق معه فعليك أن تحدد الأشياء التي تريدها، فمثلا: في النجارة، لو أراد أن يصلح أبوابا ونوافذ، فتقول له: أريدك أن تصلح لي أبوابا ونوافذ، فتعمل عندي باليوم أو تعمل عندي بالشهر.
إذا عمل باليوم والشهر لا تحدد عدد الأبواب والنوافذ.
أي: إذا كانت الإجارة محددة بالزمان فلا يلزمك تحديد عدد الأبواب والنوافذ، وإذا كانت الإجارة محددة بالعمل وقلت له: أريدك أن تعمل لي أبوابا.
فعليك أن تحدد عدد الأبواب وعدد النوافذ، فهي وإن اتفقت في الأصل لكن لابد أن يحدد أفرادها وأن يبين أنواعها.
أما إذا كانت الأعمال مختلفة كحدادة ونجارة وسباكة ونحو ذلك، فلابد أن تبين ما الذي يطلب في الحدادة، وما الذي يطلب في النجارة وما الذي يطلب في السباكة، فإن جرى العرف بجمعها كلها تحت مسمى واحد، كأن يقول له: أريدك أن تبني لي عمارة من دورين، ثم فصل له الدورين، وهناك بناء ونجارة وسباكة، فهذه أعمال متعددة، لكنه حدد المطلوب، وحدد عدد الغرف، وحدد البناء وطوله وعرضه وارتفاعه، والذي يسمى في عرفنا بالمخططات والمواصفات الموجودة، ودرست دراسة يعرفها أهل الخبرة، فتجوز الإجارة على هذا الوجه؛ لأنها عرفت بالطريقة المتبعة عند أهل الخبرة، هذا بالنسبة للأعمال المختلفة إذا جمعها الأصل الواحد أو جمعت مع اختلاف أنواعها تحت مسمى واحد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #408  
قديم 07-12-2024, 08:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (358)

صـــــ(1) إلى صــ(17)


شرح زاد المستقنع - باب الإجارة [4]
للعين المؤجرة شروط ينبغي توافرها، ومن هذه الشروط: معرفة العين المؤجرة بالنظر إليها عيانا، أو أن توصف وصفا دقيقا، ويستثنى من ذلك الدور.
ثم عقد الإجارة إنما يجري على منفعة العين المؤجرة لا على أجزائها، ويشترط أيضا قدرة المؤجر على تسليم العين المؤجرة.



شروط العين المؤجرة


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن عقد الإجارة يقوم على المنافع التي تتم المعاوضة عليها، وينبغي في هذه المنافع التي يتفق الطرفان على إجارتها أن تتوفر فيها جملة من الشروط، قصد الشارع من هذه الشروط المحافظة على حق المستأجر، بحيث يستأجر شيئا يمكن حصول المقصود منه، فالمسلم إذا دفع ماله مستأجرا دارا من أجل أن يسكنها، فينبغي أن يكون على بينة من أمره، فيعرف الدار وصفاتها، وكذلك الأمور الذي يتوصل من خلالها إلى المنفعة الموجودة في تلك الدار المؤجرة.
أما إذا استأجر شيئا لا يعرف حقيقته، أو يكون غير مملوك لمن أجره، أو يكون مما يتعذر أن يستوفي منه كالبعير الشارد والعبد الآبق، أو يكون ذلك الشيء من الأشياء التي لا توجد فيها المنفعة، كاستئجار المريض من أجل العمل، فإن الغالب على الظن أنه لا يستطيع أن يقوم بالعمل الذي اتفق عليه ونحو ذلك، وكاستئجار الأرض للزراعة إذا كان لا ماء فيها.
فكل الشروط الشرعية قصد منها المحافظة على حق المستأجر، وقصد منها العدل بين الطرفين، وأن يكون عقد الإجارة خاليا من الغش ومن أكل أموال الناس بالباطل وقد تقدم معنا في كتاب البيوع أن الشريعة تحافظ على حق الطرفين في المعاوضات، سواء كان في البيوع أو الإيجارات، فهذه جملة من الشروط ذكرها المصنف رحمه الله، كلها متعلقة بالمنفعة التي هي محل العقد.
وإذا قيل: يشترط في المنفعة.
معناه: أنه يشترط في محل العقد -أي: عقد الإجارة- لأننا قدمنا في تعريف الإجارة أن العقد بين الطرفين منصب على المنفعة، ففي الإجارة ينصب العقد على المنفعة: سكنى الدور، والأعمال والحرف كالحدادة والنجارة والسباكة، ونحو ذلك وكلها منافع يقصد منها أن يتحصل المستأجر على المصلحة التي يريدها من ذلك الشيء المستأجر.



معرفة العين المؤجرة بعين أو صفة


يقول رحمه الله: [ويشترط في العين المؤجرة: معرفتها بعين، أو صفة في غير الدار ونحوها] .
العين المؤجرة تستوفى منها المنافع، ولا يمكن للإنسان أن يستأجر محلا لا يعرفه ولم يوصف له، فهذا مما فيه الغرر، ومن أمثلة ذلك: أن يستأجر دارا دون أن يكون قد رآها وشاهد غرفها ومنافعها لكي ينظر هل تصلح له أو لا تصلح، فإذا تم التعاقد بين الطرفين على عين من أجل الإجارة، فإنه لابد وأن تكون العين معروفة، قال رحمه الله: (أن تكون العين المؤجرة) أي: مثل: البيت العمارة الشقة الفلة المزرعة السيارة الدابة.
فهذه كلها أعيان مؤجرة يقصد من ورائها المنافع.
إذا أجرك البيت من أجل تسكن، فالمنفعة هي السكنى، أو أجرك الأرض من أجل أن تزرع، فالمنفعة هي الزراعة، وحتى لو كانت الإجارة باليومية فقد يؤجر ديوان مزرعته من أجل أن تجلس فيه للراحة والاستجمام ونحو ذلك، فتكون المصلحة والمنفعة هي الارتفاق بهذا الموضع.
إذا: لابد أن تكون العين التي هي محل التعاقد بين الطرفين معروفة للمستأجر؛ والسبب في هذا: أنه لو أجره شيئا يجهله وقال له: أؤجرك سيارة.
وظن المستأجر أنها جيدة، فإذا بها رديئة، فلربما كان يظن أن فيها منافع قد يرتاح إذا ركبها، فإذا به يفاجأ بالسيارة ليست فيها تلك المنافع، فيقول: يا فلان! أنا استأجرت منك السيارة لمنافع معينة، وهذه السيارة ليس فيها تلك المنافع.
فيقول: أجرتك السيارة، وقد قبلت.
فيحدث التشاحن والبغضاء بين الطرفين، فالشريعة تريد من الطرفين إذا تم التعاقد بينهما على عين مؤجرة أن تكون العين معروفة إما برؤية، أو بصفة في غير الدار أو نحوها.
(برؤية) مثال ذلك: لو كان لك جار عنده سيارة، وهذه السيارة يؤجرها للسفر، فأردت أن تسافر، فقلت له: أريد أن توصلني إلى المدينة.
فقال: أوصلك بسيارتي.
فأنت تعرف سيارته وتعرف صفاتها، إذا يصح، وهذا هو معنى الرؤية، أي: سبق لك وأن رأيت سيارته.
أو قال له: أؤجرك أرضي الزراعية التي في موضع كذا.
وأنت قد سبق وأن رأيتها، إذا: المعرفة منك أنت المستأجر للعين المؤجرة بسبق رؤية.
(أو بصفة) يقول لك: أؤجرك عمارة بجوار الحرم أو على شارع كذا.
ويصفها لك وصفا تاما بحيث إن هذا الوصف يخرج فيه الإنسان من الغرر الذي يترتب على الجهالة، فإذا وصفها كذلك فحينئذ يصح، لكن يستثنى من هذا الدور؛ لأن الدور كانت تختلف في الزمن القديم، ولم تكن مثل زماننا اليوم، حيث تخطط، وتكون أطوال الغرف دقيقة ومفصلة، بل كانت في القديم تختلف في أطوالها وأحجامها، ويصعب فيها الوصف؛ ولذلك قالوا في الدور: لابد وأن تشاهدها؛ لأجل دفع الغرر، وسنأتي إلى هذا المستثنى.
الأصل عندنا: أنه لابد أن تتقدم معرفة العين، إما برؤية كأن تكون قد عرفت سيارته أو عمارته أو فلته أو شقته، وسبق المعرفة يكون إما بالرؤية أو بالوصف، يقول لك: أجرتك سيارة.
السيارة فيها الكبير وفيها الصغير، فقد تقول له: أريد منك أن توصلني إلى المدينة.
قال: أوصلك وعائلتك -مثلا- كل واحد بمائتين.
قلت: قبلت.
فربما تقبل بعائلتك أن تركب في سيارة خاصة، لكن لا ترضى أن تركب مع غيره، إذا: لابد أن يحدد هل هي سيارة مشتركة أو سيارة منفصلة؛ لأنك قد تتضرر بالركوب مع غيره، وهل هي مكيفة أو غير مكيفة، صغيرة أو كبيرة؛ لأن الشريعة تريد من المستأجر أن يدخل في عقد الإجارة على بينة لا غرر فيها، ويكون مطمئنا أن يدفع المال في شيء يرى في نظره أنه يستحق.
إذا: علمنا أنه لابد من الرؤية أو الصفة، فحينئذ لو أجر سيارة بدون رؤية أو صفة فقال له: أوصلك إلى المدينة بسيارتي، لم يجز ذلك حتى يبين ويحدد؛ دفعا للضرر ودفعا للمفسدة، وهكذا لو أراد أن يستأجر السيارة باليومية مثلما هو موجود الآن، فيأخذ السيارة ويستأجرها يوما بمائة، أو كل مائة كيلومتر بألف ريال مثلا، فإذا أراد أن يستأجر هذه السيارة فلابد أن تحدد الشركة المؤجرة نوعية السيارة وأوصافها؛ حتى يخرج من الغرر؛ ويكون حقه مضمونا من هذا الوجه.
ومسألة معرفة العين المؤجرة بالرؤية أو الصفة يترتب عليها حكم شرعي، وهو: أنه لو وصف لك السيارة، أو كنت تعرفها سابقا بالرؤية، وتبين الأمر على خلاف ما عهدت أو خلاف ما وصف لك؛ فحينئذ يثبت لك خيار الرؤية بعد تبين حقيقة العين المؤجرة، مثال ذلك: قال لك شخص: أؤجرك سيارتي الفلانية إلى المدينة بألف.
فقلت له: قبلت.
وعهدك بالسيارة أنها مكيفة ونظيفة، فجئت وإذا بالسيارة مختلفة تماما عن ذلك، عند ذلك لك خيار العين، فمن حقك أن ترجع وتقول: إنني أعرفها جيدة فأصبحت رديئة.
لأن السيارة إذا كانت رديئة تعطلك عن المصالح بالتأخر، ولربما يخشى الإنسان منها الضرر أثناء قيادتها.
إذا: إذا اختلفت العين المؤجرة عما عهدت من سبق الرؤية كان لك خيار، وخيار الرؤية يثبت في بيع الغائب كما ذكرناه في البيوع، ويثبت في العين المؤجرة الغائبة إذا وصفت.
ورؤية: كان له سبق رؤية فاختلفت عما كان يعهدها عليه، أو وصفها له فاختلفت الصفة، قال المستأجر: السيارة مكيفة؟ قال المؤجر: نعم.
مكيفة.
فلما ركب معه إذا بها غير مكيفة، إذا: من حقه أن يفسخ عقد الإيجار؛ لأن هذا يعتبر تدليسا وغشا، وبعض العلماء يقول: إنه يلزم بتأمين سيارة مثل ما وصف.
أي: بدلا عما وصف، فيلزم الطرف الثاني بتهيئة هذا النوع من السيارات على الصفة المتفق عليها.
إذا: يشترط في المنفعة أن تكون العين التي تكون منها المنفعة معروفة عند المستأجر: إما برؤية، أو بصفة في غير الدار، وقلنا: الدور تختلف بحسب اختلاف أحجام الغرف واختلاف أحجام المنافع، فقالوا: لابد في إجارة الدور من الرؤية والمشاهدة، فلو أنه أجره شقة بالوصف على هذا القول لم يصح من حيث الأصل حتى يقف ويرى الشقة على حقيقتها؛ لأنها تختلف، ولا يمكن أن توصف وصفا خاليا من الغرر.
أما بالنسبة لنحو الدور فمثل الحمامات في القديم، وقد ذكرنا هذا؛ لأنهم في القديم كانوا يؤجرون الحمامات من أجل الاغتسال، فالحمام يختلف حوضه صغرا وكبرا، ويختلف من حيث النظافة ونحوها، فقالوا: لابد من الرؤية.
ولذلك نجد الآن في بعض الفنادق إذا استأجر المستأجر يعطونه المفتاح ويقولون له: شاهد الغرفة.
وهذا شيء طيب؛ لأن هذا يمكن المستأجر من أن يكون على بينة من الشيء الذي يستأجره، ويكون على بينة من الشيء الذي يريد أن يرتفق بها، وهكذا بالنسبة لإجارة المحلات ونحوها.



العقد على نفع العين المؤجرة دون أجزائها


قال رحمه الله: [وأن يعقد على نفعها دون أن أجزائها] .
الشرط الثاني: أن يكون العقد على منافع العين لا على أجزائها، والسبب في ذلك: أن الإجارة عقد على المنفعة، وليست على الذات، وقد بينا في كتاب البيوع: أنه إذا اتفق الطرفان على إجارة الدار أو إجارة السيارة أو إجارة العامل، فإن المستأجر يملك المنفعة من ركوب السيارة وسكنى الدار وخدمة العامل، ولا يملك رقبة السيارة ولا رقبة الدار ولا رقبة العامل، فالعقد ليس بمنصب على الذات، وإنما هو منصب على المصلحة المترتبة الموجودة في هذه العين، سواء كانت من العقارات أو غيرها.



حكم عقد الإيجار المنتهي بالتمليك


إذا: لابد وأن يكون العقد واردا على المنفعة لا على الأجزاء، وجزء الشيء: القطعة منه والبعض منه.
وبناء على ذلك: لا يصح أن يعقد على دار إجارة وهو يريد أن يملكه أجزاءها، وهو مثل ما يسمى الإجارة بالتمليك، لأن الإجارة شيء والبيع شيء، فإذا أراد أن يبيع قال: بعتك.
وإذا أراد أن يؤجر قال: أجرتك.
أما أن يقول: بعتك وأجرتك، أو: أجرتك وبعتك، فلا يمكن؛ لأن الشريعة لا تريد تداخل العقود؛ لأن تداخل العقود لابد فيه من الإضرار بمصلحة المستأجر أو المؤجر أو هما معا؛ وتداخل العقود في الشريعة يوجب فوات الحقوق، وخثل أحد الطرفين لا محالة.
فالرجل إذا اتفق مع الغير أن يستأجر بيته فإنه لا يملك إلا السكنى، وليس من حقه أن يتصرف في ذلك البيت خارجا عن هذا العقد، وبناء عليه نقول: أولا: إن عقد الإجارة على المنفعة وليس على الذات ولا على أجزاء الذات.
ثانيا: نفهم من هذا أن العلماء لا يقولون: إن الإجارة كالبيع، أي: أنها تأخذ حكم البيع من كل وجه، بل إن الإجارة واردة على المنفعة، والبيع وارد على الذات، فالإجارة لا ترد على الذوات ولا ترد على الأجزاء، ولا يمكن أن يقول له: أؤجرك البرتقال لتأكله؛ لأن أكل البرتقال ملكية لذات البرتقال، وأيا كان ذلك الطعام فإن هذا المطعوم إذا بيعت أجزاؤه وانتفع بأكله، فإن أكله يكون استهلاكا للذات وهذا بيع، والإجارة استهلاك للمنفعة وليست باستهلاك للذات.
وبناء على ذلك: فإن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك في العقارات أو في المنقولات من سيارات أو غيرها لا يصح، وذلك لأسباب: أولا: أن الإجارة تستلزم ملكية المنفعة، وهذا العقد منصب على المنفعة مع الذات.
ثانيا: أن هذا النوع من العقود يؤدي إلى عقدين في عقد على وجه الغرر.
وتوضيح ذلك: أنه يقول له: أؤجرك هذه السيارة أربعة وعشرين شهرا، ثم تدفع خمسة آلاف وتملكها، فحينئذ معناه: أنه يريد أن يضمن منه أن يستأجر أربعة وعشرين شهرا، ثم بعد ذلك يملك السيارة بعد الأربعة والعشرين شهرا، فنسأل: هل العقد عقد بيع أو عقد إجارة؟ إذا قال: هذا عقد بيع.
قلنا: إن الأربعة والعشرين شهرا لو امتنع المستأجر في أول الفترة أو في نصفها أو بعد شهر أو شهرين، ثم أخذ منه مالك السيارة السيارة، فأصبح إجارة وليس بيعا؛ لأن الإجارة هي التي يملك فيها البيع ويملك استرداد العين عند تعذر الإجارة، إذا: ليس ببيع، وإن كان بيعا في الظاهر، لكن في الحقيقة لا تنطبق عليه أوصاف البيع.
فلو قال قائل: هو بيع في المآل، أي: أنه خيره، فقال له: بعد الأربعة والعشرين شهرا إذا أردت أن تملكها فادفع خمسة آلاف.
نقول: باعه بعد أربعة وعشرين شهرا شيئا -الذي هو السيارة- فلا ندري هل تبقى بعد أربعة وعشرين شهرا أو يأتي شيء يتلفها، ولا ندري هل تبقى على الصفات الكاملة، أو خلال الأربعة والعشرين شهرا مع الاستهلاك تتغير أوصافها وتتضرر، إذا: لا يشك أحد في وجود الغرر.
ولا تصح -كما قلنا- بيوع الآجال، كأن يقول له: بعتك سيارتي بعد ثلاث سنوات أو بعد أربع سنوات، لا يمكن هذا؛ لأنه بيع لشيء لا ندري هل يسلم أو لا يسلم، وإذا سلم هل يبقى كاملا أو ناقصا.
ثالثا: هب أن البيع صحيح، وهب أنه في الظاهر عقد بيع.
نقول: لو صح البيع إلى أجل -أي: إلى بعد سنة أو سنتين- فنقول: باعه بشرط أن يستأجر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط.
فهنا أمور أولا: تداخل العقود، وثانيا: أنه باعه مجهولا لا يدري عن حاله، وثالثا: لم تطبق أحكام البيع على المبيع خلال مدة الإجارة، فهو بائع وغير بائع، بائع في العقد لكن في الحقيقة والمضمون لو عجز المستأجر ألزمه برده، وهذا هو المقصود.
وقد يقال: المقصود: أن أضمن الأقساط.
وإنما سموه إجارة من باب ضمان الأقساط، ونحن نقول: فهذا لا تجيزه الشريعة؛ لأنه إذا اتفق مع شخص على بيع سيارة بعشرين ألف ريال، وأعطاه إياها أقساطا على عشرين شهرا، وتعذر على المشتري أن يدفع الأقساط لعسرة، فنظرة إلى ميسرة، أو يعطى حكم الخيار على التفصيل المعروف في البيع، وعندنا حلول شرعية أفضل من هذا وأتم وأكمل، فلو مات المستأجر خلال هذه المدة فإنه قد أسس له حقا بعد أربعة وعشرين شهرا، فلا ندري إذا مات هل هذه السيارة ملك له وتأخذ حكم الميراث أم ليست ملكا له؟ ولذلك يقول بعض الفقهاء: من أعجب ما وجد في شروط الشريعة: أنها تيسر للقاضي الحكم عند الطوارئ، فتقفل أبواب الجهالة في العقود، فإذا انطبقت شروط الإجارة وشروط البيع، ووقعت الإجارة على السنن، ووقع البيع على السنن؛ فلا يمكن أن تقع خصومة في بيع أو إجارة إلا وعرفت حق كل ذي حق.
مثال: لو أن أجيرا استأجرته شهرا كل يوم بكذا ومات أثناء الشهر، فحينئذ يكون معروفا ما الذي له وما الذي عليه، لكن لو مات الذي في عقد الإجارة المنتهي بالتمليك في سيارة أو أرض، فلا ندري حينئذ هل هو مالك للأرض فتكون قد دخلت إلى ملكية الورثة، ونلزمهم بالدفع فيما بقي، فننزله منزلته على أن البيع قد تم في الأول، أو هو ليس بمالك بل مستأجر، ثم تنطبق مسألة موت أحد المتعاقدين، وهل يلزم الورثة بإتمام العقد أو لا؟ فيحدث نوع من الاشتباه في العقود، ولذلك فالغرر موجود من حيث الجهالة في صفة المبيع إذا قيل: إنه بيع.
وثانيا: تداخل العقود على وجه يوجب الخصومة والشحناء.
وثالثا: أن المبيع لا ندري عن حاله بعد الأشهر.
ولو قلنا إنه بيع، فإنه بيع وشرط، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، ولذلك لا يعرف هذا النوع من العقود عند المسلمين، ولم يذكر العلماء رحمة الله عليهم شيئا يسمى إجارة تنتهي بتمليك أبدا، وهذه دواوين العلم وكتب الفقه موجودة، ومن أراد أن ينسب عقدا شرعيا إلى الشرع فعليه أن يتتبع كلام العلماء وأصولهم.
وعلى هذا: فإنه لا ينعقد عقد الإجارة على الأجزاء.



حكم تأجير ما لا تبقى عينه


قال رحمه الله: [فلا تصح إجارة الطعام للأكل] .
يجوز لك أن تشتري الطعام لتأكل بإجماع العلماء، ويجوز بيع الطعام، فلا أحد يحرم بيع الطعام، ومعناه أن العلماء رحمهم الله يريدون الوفاء بالعقود، وهذا كله ينبني على كلمة واحدة وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:1] فالشريعة حينما تضع الشروط وتقول: هذا حلال وهذا حرام، كل ذلك لمقصد، وهو أن الطرفين إذا اتفقا على شيء لابد وأن يكون شيئا بينا واضحا، فلا يجوز إجارة الطعام للأكل؛ لأنه إذا استأجر الطعام من أجل أن يأكله فحينئذ استهلك ذاته، وإذا استهلك ذاته فالذوات تضمن بالقيمة ولا تضمن بالأجرة؛ لأن الشيء المستأجر تؤخذ منفعته وترد عينه، وأما بالنسبة لاستهلاك الأعيان بذاتها فيعتبر بيعا، وتسري عليه شروط البيع المعتبرة.
وقوله: [ولا الشمع ليشعله] .
ولا تجوز إجارة الشمع ليشعله، كانوا في القديم يضيئون بالشموع، وإذا قال له: أستأجر منك مائة شمعة توقدها الليلة.
لم يصح، إنما يقول: أشتري منك مائة شمعة، وكل شمعة بعشرة ريال، وأؤجرك لإيقاد هذه الشموع كل شمعة بريال.
فأصبحت مائة شمعة، وكل شمعة بعشرة ريال، فيصبح المجموع ألف ريال، وكل شمعة توقدها بريال، فهذا ليس فيه أي إشكال.



تأجير الحيوان ليأخذ لبنه


وقوله: [ولا حيوان ليأخذ لبنه إلا في الظئر] .
ولا يجوز إجارة الحيوان ليشرب أو يأخذ لبنه.
هناك حيوانات تستأجر من أجل الركوب، وهي: إجارة الظهر، ويسميها بعض العلماء بـ (الكراء) ويدخلها في مسائل الكراء كما هو مذهب المالكية، فيجعلون إجارة الدور والسفن والنواقل والدواب من الكراء، ويسمونه كراء في الأكرية، فإذا قال المالكية: الأكرية.
فالمراد بها هذا النوع من الإجارات.
وبالنسبة للحيوان: يكون منه الركوب، ويكون منه الحليب، والحليب من بهيمة الأنعام يرتفق به طعاما، يشرب ويغتذى به وينتفع، فإذا تعاقد مع شخص على حليب، وقال: أستأجر منك حليب هذه الناقة، أو حليب هذه البقرة، أو حليب هذه الشاة.
لم يصح؛ لأن التعاقد على ذات الحليب بيع، فعليه أن يقول: أشتري منك كل لتر من هذه البقرة أو يقول له: أشتري منك مائة لتر بألف ريال.
وهذا يعتبر بيعا.
لكن أن يقول له: أستأجر منك هذه الناقة اليوم من أجل أن أحلبها.
لا يصح؛ لأن الحليب ذات، والتعاقد على الذوات بيع، والمعاوضة عليها بيع، ولا يصح أن يقول له: أستأجر منك هذه الدابة لحلبها، لكن لركوبها يصح، وعلى هذا: يفرق بين المنفعة والذات.
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #409  
قديم 07-12-2024, 08:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي





حكم بيع لبن الآدمية وتأجيرها على الرضاع


وقوله: (إلا في الظئر) هذا استثناء، والاستثناء: إخراج لبعض ما يتناوله اللفظ.
(الظئر): المرضعة، والرضاعة تكون من الآدمي، يعني: يستأجر امرأة من أجل أن ترضع طفله، فقال طائفة من العلماء رحمة الله عليهم: إن هذا النوع من العقود -وهو: استئجار المرأة للرضاع- يعتبر مستثنى من الأصل، فهو يسمى إجارة، لكنه في الحقيقة بيع، واستثنيناها لورود القرآن بذلك: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق:6] ، هذا نص من كتاب الله على اعتبار الإجارة على الرضاع، وإن كان بعض العلماء يقول: بل فيه معاوضة، وتكون أجورهن أشبه بالعوض، وليس المراد به الإجارة، لكن جماهير العلماء على أنها إجارة.
وعندنا مسألتان ينبغي التنبيه عليهما في مسألة استئجار المرأة للرضاع، فقد يحتاج الرجل لإرضاع صغيره، إما لموت أمه، أو وجود آفة أو ضرر، أو تعذر إرضاع أم الطفل للطفل، فيحتاج أن يسترضع لولده، وهذا الاسترضاع يكون على وجهين: الوجه الأول: أن يكون على عقد إجارة بالمدة.
والوجه الثاني: أن يكون على عقد البيع.
فاللبن الذي تخرجه المرضعة إذا قال لها: أرضعي طفلي سنة وأعطيك كذا وكذا، أو أرضعيه الشهر بألف.
وتمت الموافقة، فهذه إجارة وحكمها حكم الإجارة.
النوع الثاني: أن تحلب المرأة حليبها، وتضعه في وعاء أو في كأس ويحتاجه لصبيه، أو يقول لها: أرضعي صبيي.
فقالت: لا أرضعه، لكني أحلب الحليب في الكأس وأبيع الحليب.
فعندنا عقد بيع وعندنا عقد إجارة، ولابد من التفريق بين العقدين، فأما ما كان من الإجارة لمدة الشهر الشهرين السنة السنتين، فهذا لا إشكال فيه، ونص القرآن فيه واضح.
لكن بالنسبة لبيع لبن الآدمية، هناك فرق بين لبن الآدمية ولبن الحيوان، فلبن الحيوان يجوز بيعه بالإجماع، لكن بيع لبن الآدمية اختلف فيه، فإن قالت لك: أبيعك هذا الكأس بمائة فللعلماء قولان: قال طائفة من العلماء: يصح بيع لبن الآدمية، ولا بأس بذلك؛ لأن الله تعالى أحل المعاوضة عليه بالإجارة، والإجارة نوع بيع، فإذا صحت المعاوضة عليه إجارة صحت المعاوضة عليه بيعا من باب أولى وأحرى؛ لأن الإجارة مستثناة من الأصل، فمن باب أولى إذا كان العقد على صورة البيع الحقيقية، واستدلوا بقوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق:6] .
الدليل الثاني: القياس، فقالوا: يجوز بيع لبن الآدمية إذا حلب كما يجوز بيع لبن بهيمة الأنعام، بجامع كون كل منهما فضلة حيوان ومباحة.
وبالنسبة لهذا القياس يقولون: أنتم تجيزون بيع لبن الإبل والبقر والغنم بالإجماع، ولا فرق بين لبن الآدمية ولبن الإبل والبقر والغنم، هذا فضلة حيوان وهذا فضلة حيوان، وكل منهما فضلة مباحة، فلا بأس بذلك.
وخالف في هذه المسألة الحنفية رحمة الله عليهم، ووافقهم بعض الحنابلة فقالوا: لا يجوز بيع لبن الآدمية إذا حلب.
واحتجوا بأن لبن الآدمية جزء من الآدمي، والآدمي لا يجوز بيع أجزائه أو أعضائه؛ ولذلك لا يجوز بيع الآدمية كما لا يجوز بيع أعضاء الإنسان الآدمي، بجامع كون كل منهما جزءا من البدن، والإنسان لا يملك نفسه ولا يملك أجزاء نفسه فلا يجوز أن يبيعها؛ لأن البيع لا يصح إلا بشيء يملكه، فإذا كان الإنسان لا يملك أجزاءه فلا يصح أن يبيع ما لا يملك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما لا يملك.
إذا ثبت هذا فالحنفية كلامهم صحيح: أن أجزاء الآدمية لا يجوز بيعها.
ثانيا: قالوا: إن بيع الآدمي فيه امتهان، والله يقول: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء:70] .
فإذا ينبغي أن يكرم.
أما مسألة الرقيق فهذه مستثناة لورود النص، لكن من حيث الأجزاء ليس عندنا نص يجيز البيع، فإذا ثبت أن أجزاء الآدمي ليست محلا للبيع، فإذا: لبن المرأة مثل يدها ورجلها وأعضائها.
فكما أنكم تقولون: لا يجوز بيع أعضاء الآدمية فإنه لا يجوز بيع لبنها، بجامع كون كل منها جزءا من البدن.
واعترض عليهم الجمهور وقالوا: إن أعضاء الآدمية ليست كاللبن، فاللبن فضلة سائلة، وينفصل من البدن ويخرج منه، والأعضاء لا تنفصل إلا بضرر، فقال الحنفية: نعطيكم أجزاء تستحلب من البدن: فما رأيكم في دموع الآدمية أو دمها؟ وما رأيكم في البصاق واللعاب وغيرها من الفضلات السائغة هل يجوز بيعها؟ قالوا: لا يجوز بيعها، قالوا: إذا لبن الآدمية لا يجوز بيعه كما لا يجوز بيع دموعها ودمها وفضلاتها.
قيل لهم: إن الدموع والفضلات لا فائدة فيها، ولكن اللبن فيه فائدة.
فالذي يظهر أن مذهب الجمهور بجواز صحة البيع هو الأقوى؛ لأن الله تعالى أحل دفع العوض على اللبن، وهذا يدل على أنه محل للمعاوضة، فكما جاز استحقاق الأجر عليه بالإجارة جاز استحقاق العوض عليه في البيع.
إذا الخلاصة: أن استئجار المرأة للبن إن كان على المدة -كقوله: أرضعي ولدي ساعة، أو يوما، أو شهرا- فهو جائز، وهو منصوص عليه في قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق:6] وأما إذا كان العقد واردا على ذات اللبن فهذا بيع، وفيه التفصيل الذي ذكرنا.
تبقى مسألة: لو كان الحليب في ثدي المرأة، فقالت المرأة: أبيعك ما في ثديي من اللبن.
لم يجز بإجماع العلماء والسبب: أن الذي في الثدي مجهول، ولا ندري أهو قليل أم كثير، فتحريمه من جهة الجهالة.
نقع البئر وماء الأرض

وقوله: [ونقع البئر وماء الأرض يدخلان تبعا] .
هذه المسألة في مسألة إجارة الأرضين.
ذكرنا في الشرط الذي معنا: أنه يتشرط في المنفعة أن تتعاقد مع أخيك على منفعة الشيء لا على أجزائه.
فيرد
السؤال لو أن شخصا عنده أرض زراعية ليس فيها زرع، ولكن فيها بئر وهي صالحة للزراعة، فجاءه رجل وقال: أريد أن أستأجر منك هذه الأرض من أجل أن أزرعها السنة بمائة ألف.
فقال: قبلت.
وتم العقد بينهما؛ جاز ذلك وصح، وسنذكر هذه المسألة إن شاء الله تعالى، وهو قول جماهير العلماء رحمة الله عليهم.
وذلك لحديث رافع بن خديج في الصحيح، أن ما كان بذهب وفضة فلا بأس، أي: ما كان من إجارة الأرضين الزراعية بالذهب أو الفضة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه.
وإذا ثبت أنه يجوز إجارة الأرضين للزراعة فقد يعترض المعترض ويقول: أنتم تجيزون إجارة الأرض للزراعة، مع أن الأرض فيها ماء، ولا تصح إجارة الأرض للزراعة إلا إذا كان فيها ماء، والماء يستهلك بذاته، فمعنى ذلك: أن العقد وقع على الأجزاء ولم يقع على المنافع، وأنتم تقولون: الإجارة يشترط فيما ألا يتم العقد على أجزاء العين المؤجرة، فكيف تصححون إجارة الأرضين للزراعة مع أن الماء المستهلك في زرعها جزء من العين المؤجرة؟
و الجواب أن القاعدة تقدمت معنا في باب البيوع، وذكرنا دليلها من حديث ابن عمر في الصحيحين: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل.
فالماء هنا تبع للأرض، ويجوز أن يباع الشيء تبعا لكنه لا يجوز أن يباع استقلالا، ويجوز أن يكون تابعا بإجارة أو نحوها لكنه لا يجوز أن يكون أصلا في الإجارة، فجاز تبعا، وبينا أن هذه القاعدة صحيحة في العبادات والمعاملات، وذكرنا من أمثلتها في العبادات: أن الإجماع منعقد على أن المسلم لا يجوز له أن يصلي عن الميت، وأن الميت إذا مات لا تجوز العبادات البدنية عنه إلا ما استثناه الشرع من الصيام عنه على التفصيل الذي ذكرناه في باب الصيام.
ولكننا قلنا: لو أنه حج عن ميت فطاف، وأراد أن يصلي ركعتي الطواف فإن الصلاة وقعت هنا تبعا ولم تقع أصلا، فصحت العبادة تبعا ولم تصح أصلا.
وذكرنا في بيع النخل قبل بدو صلاحه إذا باعه وقد أبر، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع) فصحح عليه الصلاة والسلام وقوع الثمرة بالبيع تبعا للبستان إذا بيع، مع أنه لا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إذا كانت مؤبرة وقبل أن يبدو صلاحها استقلالا، فهذا كله مفرع عن القاعدة التي ذكرناها: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل.
وإذا ثبت هذا فنقول: إن الماء الموجود داخل الأرض الزراعية تبع وليس بأصل.
ونفرع على هذا مسائل معاصرة، فمثلا: الاستئجار في الفنادق؛ في غرفة الفندق منافع في دورات المياه، ويجد فيها منافع في مكان جلوسه، مثل: المناديل والصابون ونحوها من الأشياء التي يرتفق بها، فوقع استهلاك هذه الأعيان تبعا ولم يقع أصلا، فإن وقع أصلا لا يجوز، لكن إذا وقع تبعا فإنه يصح؛ لأنه يصح في التابع ما لا يصح في الأصل.
فتتفرع هذه المسألة من أخذ المنافع، فلو أنك ركبت سيارة أجرة، فستجد -مثلا- علبة المناديل، وقد جرى العرف أن توضع علبة المناديل في السيارة، فلو أخذت من مناديلها فلا زالت مناديلك، فكل شيء له قيمته وكل شيء له حقه، فأنت تستحقها بالركوب رفقا، لكن هذا تبع وليس بأصل.
فاستهلاك الذوات التي جرى العرف باستهلاكها كالماء في الأرض والزرع، وهكذا بالنسبة للمنافع والأعيان الموجودة في منافع الأشياء المؤجرة في المركوبات والعقارات، كلها جائزة على سبيل التبع لا على سبيل الأصل.

القدرة على تسليم العين المؤجرة


[والقدرة على التسليم] .
هذا هو الشرط الثالث: أن يكون قادرا على تسليم المنفعة.
أنت حينما تستأجر شيئا ينبغي أن تضمن حقك في الوصول إلى المنفعة، وهذا الشرط سنفصل فيه -إن شاء الله- في المجلس القادم، وهو مبني على نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، وسنبين -إن شاء الله- وجه اشتراط العلماء رحمهم الله للقدرة على تسليم المنافع في الإجارة.

الأسئلة

مسألة في الإجارة على الفحوصات


السؤال نرجو بيان الأحكام المتعلقة بالإجارة على الفحص، كالفحص على الآلات والفحوص الطبية؟
الجواب هذا سؤال مهم جدا وفيه فائدة، ولذلك من أفضل ما يكون في دراسة الفقه: أن يكون هناك فهم للمسائل الموجودة حتى يكون ذلك أمكن للتصور.
فمسألة الإجارة على الفحص: الشخص إذا أراد أن يفحص متاعا أو شيئا يملكه أو يفحص نفسه -كما في التداوي- فإن لهذا الفحص أحكاما ينبغي أن يعرفها المسلم حتى يعرف ما الذي له وما الذي عليه.
فنبدأ -مثلا- بفحص الأشخاص في الطب: فالإجارة الطبية تنقسم في الأصل إلى قسمين: القسم الأول: الإجارة على الفحوصات.
والقسم الثاني: الإجارة على التداوي.
فالطبيب إذا استأجره الإنسان أو المستشفى إما أن يستأجره من أجل أن يفحص ليشخص مرضا أو داء، وإما أن يستأجره لعلاج داء، فأما السؤال فإنه ينصب على الاستئجار للفحوصات.
الفحوصات في الأصل تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما يسمى بالفحوصات المبدئية، وهذا النوع من الفحوصات غالبا ما يقوم الطبيب بنفسه، مثل قرع بطن المريض، ومثل: التصنت إلى أماكن معينة مثل: (جس النبض) ونحو ذلك، وهذا يسمونه الفحص السريري أو الفحص المبدئي، وهو جملة من الإجراءات والتي يقوم بها الطبيب للمعرفة المبدئية لأعراض الأمراض، فإن الله من حكمته أن جعل لكل مرض ولكل داء علامات وأمارات يعرف بها.
فهذا الفحص المبدئي له حكم، وهناك الفحص التكميلي، والفحص التكميلي أعمق في الأحكام؛ لأنه يستعين فيه الأطباء -بعد الله عز وجل- بوسائل أدق من وسائل الرؤية والمشاهدة واللمس باليد، ونحو ذلك من الفحوصات المبدئية، فتكون المسائل أحوج للتفصيل في النوع الثاني أكثر من الأول.
ففي النوع الأول -الفحص المبدئي- إذا أراد أن يستأجر من أجل الكشف عليه، فإذا قال: من أجل أن يكشف عليه.
هذا شيء، ومن أجل تشخيص المرض شيء آخر، وهناك أمران: إما أن يفحص من أجل أن يعرف وضع البدن، وإما أن يعرف ما الذي يتسبب في هذا الألم.
فمثلا: الفحص الذي يقصد به معرفة وضع البدن -مثل: الفحص الوقائي- هذا لا يقصد به كشف الداء، بل يفحص الدم ويفحص الخارج من الإنسان من بول أو براز أو غير ذلك، ولا يقصد منه معرفة مرض معين أو شكوى معينة، إنما المراد منه معرفة وضع البدن عموما، وهذا نوع من الفحص لابد من معرفته؛ لأن المنفعة المقصودة: أن يظهر للمريض طبيعة بدنه، والحد الذي هو فيه البدن، سواء كان على حد الخطر أو على حد السلامة.
وهذا النوع من الفحوص يقوم الطبيب فيه بالإجراء المتبع عند أهل الخبرة على حسب طلب المريض، فإن طلب منه فحص الدم من حيث وضعه، فإنه يفحصه على وضع متعارف عليه عند الأطباء، فإذا فحصه على وضعه المتعارف عليه وأخرج نتائج الأجهزة والآلات -من تصوير بالأشعة والتحاليل- دون أن يتصرف في ذلك، فعند هذا القدر تنتهي مهمة الطبيب وليس له علاقة بالعلاج أو التداوي، إنما فقط أن يكشف له طبيعة بدنه.
إذا: المنفعة في هذا النوع من الفحوصات هي: الكشف عن طبيعة البدن.
النوع الثاني من الفحص: أن تقول للطبيب: أريد أن أعرف سبب هذا الألم.
أو تقول: ما الذي يحدث -مثلا- في الأذن أو لماذا أجد ألما في بصري؟ ففي هذه الحالة يتحمل الطبيب مسئولية معرفة عين الداء، والفرق بين الحالتين: أنه في الحالة الثانية لو استأجرت طبيبا لمعرفة مرض في بدن وشخصه أنه مرض وتبين أنه غيره؛ لم يستحق الأجرة؛ لأنه في الأصل يستحق إذا كشف، وتكون له جعالة إذا قلت له: من أجل أن تكشف المرض.
لكن من أجل أن يفحص لك -مثلما ذكرنا- فيستحق الأجرة بالعمل، فهناك فرق بين الأمرين، فإذا استأجر الطبيب من أجل معرفة دائه ومرضه فلا يستحق إلا بالتشخيص الواضح البين.
وتتضح الصورة أكثر في الأشعة: فلو أراد أن يعرف ألما موجودا في عظامه هل هو كسر أم لا؟ فجاء إلى مصور الأشعة وقال له: صور لي يدي.
فإذا قال له: صور.
فالمصور يستحق الأجرة على التصوير فقط، وليس له علاقة حتى لو خرجت سليمة.
لكن لو أن الطبيب قال له: يدك تحتاج إلى تصوير.
مع أن المرض ظاهر ولا يحتاج إلى تصوير، وتبين أنه خدش عارض أو التهاب عارض في الجلد جرى عرف الأطباء أنه لا يصور فأمره بالتصوير، فإنه لا يستحق أجرة؛ لأن كل الإجراءات التي تتم بين الطرفين مقرونة بالعرف الطبي، فأي تصرف يطلبه المريض من طبيبه ينبغي أن تكون الأجرة مقيدة بذلك العقد والاتفاق بين الطرفين.
ومن هنا حصلت الشبهة في مسألة التداوي بقراءة القرآن وأخذ الأجرة والمال على القراءة؛ فإن الصحابة رضوان الله عليهم قرءوا على المريض الممسوس والمجنون فأعطاهم الأجرة بعد شفائه، فمن أراد أن يقرأ وأعطي قبل الشفاء أو قال: أنا آخذ إذا شفي خمسة آلاف.
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #410  
قديم 07-12-2024, 08:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي


فلا بأس إذا اشترط الجعل، لكن أن يفتح عيادة كالطبيب، وكل من دخل وشخص حالته أخذ منه الأجرة، فهذا لا يجوز؛ لأن مسائل الأرواح لا يستطيع أحد أن يكشفها.
فإذا: عندما يقول له: كلما تدخل عندي تدفع خمسين من أجل أن نقرأ ونعرف هل هو مس أو هل هو سحر أو كذا لا يصح؛ لأن الأمور الروحية لا يمكن بها إدراك أصل الداء، فقد يكون هذا الشيء لعارض من غضب أو نحوه من أمور لا علاقة لها بالمس والسحر، بخلاف الأمراض العضوية المشخصة التي يمكن الوصول فيها إلى حقيقة المرض، فاختلف الأمر بين الصحابة رضوان الله عليهم، وهم أخذوا الأجرة لكن بالجعل، أي: أنهم قالوا: اجعلوا لنا جعلا، والجعل غير الإجارة، لكن إذا قال: لا تدخل عندي حتى تدفع خمسين ريالا، وكل جلسة أجلسها وأقرأ القرآن على المريض آخذ خمسين.
لم يصح؛ لأنه نقله من الجعل إلى الإجارة، والإجارة على مثل هذا لا تصح، وقد يقول: إنه معيون وهو ليس بمعيون، وقد يقول: إنه مسحور وهو ليس بمسحور.
ونرجع إلى مسألة الطبيب إذا قيل له: شخص لي المرض، أو إنني أشتكي -مثلا- من ألم في موضع كذا، فأريد أن أعرف حقيقة هذه الشكوى، فإذا التزم الطبيب بكشف وتشخيص المرض فإنه يستحق أجرة التشخيص، وإذا التزم بالعلاج والمداواة فإنه يستحق أجرة المداواة، فتصبح عنده مرحلتان: إن اتفق معه على التشخيص فهذا شيء، وإن اتفق معه على التداوي، فهذا شيء آخر، وعلى هذا: فكشف حقيقة الأمراض وفحص الأمراض في الطب يستحق الطبيب الأجرة فيه إذا شخص على وفق الأصول المتبعة عند أهل الخبرة والأطباء.
أما الآلات: مثل السيارات، إذا جاء وأحضرها عند مهندس مثلا، فإذا قال للمهندس -مثلا-: اكشف لي عيب هذه السيارة.
فهذا شيء، وإذا قال له: أصلح لي السيارة.
فهذا شيء آخر.
إذا قال له: اكشف لي عيب السيارة، صارت إجارة على فحص السيارة، فيفحص جميع ما فيها، وإذا حدد وقال: أريدك أن تكشف على شيء معين في السيارة، فهنا يتم العقد على شيء معين، ويكون مورد العقد على شيء معين، وفي هذه الحالة إذا قام المهندس بالكشف عندها وحدد ما بها، وكان يطمع أن تصلحها عنده فقلت: لا أريد أن أصلحها عندك.
فيجب عليك دفع أجرة مثله، أما أن يأتي بسيارته ويكلفه الكشف عليها ويخدعه كأنه يريد أن يصلحها عنده ثم ينطلق ويصلحها عند غيره، فللعامل وللمهندس حق خبرته ونظره وتعبه، ولا يجوز أن يأمره بذلك إلا وقد حدد له أجرته، وهذا بالنسبة لكشف الآلة.
لو أن الساعة تعطلت فجاءه وقال له: أصلح لي الساعة.
فيكون المهندس أو الخبير بإصلاحها مطالبا بأمرين: الأمر الأول: معرفة منشأ الفساد وحقيقته، وثانيا: معرفة كيفية إصلاحها.
فإن قال له: بها عيب كذا.
قال له: حسنا، هذا العيب بكم تصلحه؟ فقال: هذا العيب له قطعة، وهذه القطعة إن اشتريتها أنت -فلو فرضنا أنها عقارب الساعة- أصلحها بخمسين ريالا، ولو قال له: عقارب الساعة موجودة عندي، والثلاثة العقارب بثلاثمائة ريال، وتركيبها بخمسين ريالا، فأصبح المجموع ثلاثمائة وخمسين ريالا.
فهذا لا شيء فيه، وخاصة على القول باجتماع الإجارة والبيع فيما يخف، وهذا مما يخف، ففي الفحص وإصلاح الآلات يكون الأمر موقوفا على معرفة الفساد وما يستلزمه إصلاح الفساد، فيحدد أجرة المعرفة وأجرة الإصلاح.
أما بالنسبة للمسائل المتعلقة بجزئيات الفحص على الأبدان -الذي هو الفحص الطبي- فهذه تحتاج إلى تفصيل، فمثلا: التصوير بالأشعة لابد أن تحدد نوعية الأشعة: هل هي أشعة مقطعية أم سينية أم أشعة بالليزر؟ فيحدد ما الذي يريد أن يتصور به، ثم يحدد العضو الذي يريد أن يصوره، وتكون مهمة المصور أن يصور على وفق الأصول الطبية، بشرط أن تظهر الأفلام واضحة، فلو أنه قصر ولم تكن واضحة فمن حقه أن يطالبه بإعادة التصوير مرة ثانية.
وأيضا: يطالب المصور -إذا اتفق معه على التصوير وتشخيصه- بكتابة تقرير التصوير؛ لأن التقرير يعتبر تابعا للإجارة، وقد جرى العرف على أن المصور يكتب تقريره، فإذا: لابد وأن يكتب تقريره، فلو كان التصوير بالأشعة قيمته خمسين ريالا، والتقرير كتابته بعشرين ريالا، فلو أنه صور له ولم يكتب استحق الخمسين، وهذا شيء طيب وحسن في المستشفيات، فنجد عندهم نوعا من التفصيل، فتجده مثلا يقول لك: الأشعة المقطعية قيمتها كذا، والأشعة على اليد قيمتها كذا، والأشعة على الرجل قيمتها كذا.
والمقصود: أنك تدخل إلى العقد وأنت على بينة، وهذا الذي تريده الشريعة للمتعاقدين؛ أن كل متعاقد يعرف ما الذي له وما الذي عليه.
وإذا قرأ طالب العلم هذا المسائل وطبقها على ما يعيشه وعلى ما يبتلى الناس في أعرافهم؛ وجد سماحة الشريعة، وخاصة عند التطبيق ستظهر أمور جلية، وكم من مسائل قرأناها في المتون ولما طبقناها في واقع الناس وفي حياتهم وجدنا لها فوائد وحكما وأسرارا؛ لأن الشريعة تنزيل من الحكيم الحميد، وربما العلماء يقولون حكمة، ولكن كم من حكم تخفى! وكم من أسرار وفوائد لا تظهر إلا عند التطبيق والممارسة؛ ولذلك كانوا يقولون: من أفضل الشروح في الفقه شرح الفقيه القاضي أو المفتي؛ لأنه من خلال فتاوى الناس إذا جاء ليشرح فإنه يشرح بعمق، ويشرح بفهم، وعنده إلمام بالأصول والمستثنيات.
والفقيه القاضي؛ يعرف خصومات الناس وحقوقهم، فيعرف قيمة شروط الشريعة التي تحدد حقوق المتعاقدين.
فالمقصود من هذا: أن الإجارة إذا كانت على الفحص فلابد فيها من تحديد المنفعة



مسألة تداخل العقود


السؤال ذكرتم -حفظكم الله- أن تداخل العقود في الشريعة يوجب فوات الحقوق ويستلزم ختل الآخر، هل هذه قاعدة شرعية؟ وما هو المراد بالعقود هنا؟
الجواب تداخل العقود: أن يجمع بين عقدين فأكثر على وجه يتضمن الغرر، ومن أمثلة تحريم الشريعة لهذا النوع: نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيعتين في بيعة، فأدخل العقدين في العقد الواحد، فإذا قال له: أبيعك هذه السيارة بمائة ألف نقدا، وبمائتين إلى نهاية السنة.
وافترقا قبل أن يحددا، فأصبح وقد باعه بمعجل ومؤجل، باعه بعقدين وأدخلهما في عقد واحد، فأتم صفقة السيارة بقيمتين مختلفتين إحداهما أضر من الأخرى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إذا افترقا قبل تحديد البيعتين: (فله أوكسهما أو الربا) فإذا لم يبتا ولم يحددا هل هو بالنقد أو بالتقسيط صار ترددا في العقدين، فلا ندري هل نطبق على هذا البيع الآجل أو العاجل؟ فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا التداخل في العقد: (فله -أي: للبائع- أوكسهما أو الربا) .
(له أوكسهما) قالوا: لأنه ربما باعه وهو يريد أن يأخذها مؤجلة، فرجع له بعد ساعة وقال له: لا أريدها مؤجلة، ولكن أريدها معجلة، فأعطاه الوكس -أي: الأقل- (فله أوكسهما) : أي: أقلهما.
(أو الربا) أي: أنه باعه وفي نيته أن يدفع له معجلا، فظهر أنه يريده مؤجلا، فكأنه عوض المعجل بالمؤجل مع الزيادة، وهو ربا الفضل، فقالوا: لا يجوز ذلك، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلة لمكان التداخل.
وأيا ما كان فإن تداخل العقود إذا كان على وجه يوجب الغرر فإنه من حيث الأصل والمبدأ أمر متفق عليه بين العلماء رحمهم الله، والله تعالى أعلم.
توضيح لقاعدة: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل
السؤال حصل عندي إشكال في القاعدة التي ذكرتموها: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل.
وهو أن العطر به مادة كحولية وهي تابعة، فهل عندما نشتريه لم نكن قصدنا -أصلا- ما به من كحول؟

الجواب من حيث الأصل: أن ننظر في الدليل، فالنبي صلى الله عليه وسلم حرم بيع الخمر، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب في اليوم الثاني من فتح مكة وقال: (إن الله ورسوله حرما بيع الميتة والخمر) ولم يفرق بين قليلها وكثيرها، وقال: (ما أسكر كثيره فملء الكف منه حرام) فجعل حكم القليل والكثير في الخمر سواء، فإذا ثبت أن التحريم في الخمر تعاطيا وتجارة شامل للقليل وللكثير؛ فإنه ينبغي في تحريم البيع أن نحرم القليل والكثير تابعا أو أصلا؛ لأن الله يقول: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} [المائدة:90] فأمر بالاجتناب الكلي ولم يفرق بين قليله وكثيره؛ فاستوى الحكم فيهما.
وأنبه -بالمناسبة- في قاعدة: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل.
على أنك إذا تأملت النصوص وجدت أن النصوص استثنت، ولذلك لا نطبق هذه القاعدة إلا في حدود ضيقة جدا، إما أن يشهد نص بالاستثناء، وإما أن يحصل إجماع بين العلماء على الاستثناء، أو ينقدح دليل من قواعد الشريعة العامة وأصولها العامة على هذا الاستثناء، أما أن كل شخص يقول: هذا تابع فيجوز، وهذا تابع فيجوز.
فقد يحرم ما أحل الله عز وجل بهذه الحيلة.
وسبق وأن ذكرنا أن قواعد العلماء والقواعد الفقهية والقواعد الخاصة والضوابط لا ينبغي لكل أحد أن يتولى تطبيقها، بل عليه أن يطبقها من خلال كلام العلماء والأئمة المجتهدين، وأنبه على أن أي شخص يطبق قاعدة لم يسبق له دراستها بدليلها وأصولها على عالم متمكن منها، ولم يسبق له أن تعلم كيفية تطبيق هذه القاعدة على فروعها؛ فإنه يحرم عليه أن يطبق هذه القاعدة؛ لأن تطبيقها اجتهاد، والاجتهاد لا يجوز إلا لمن هو أهل، وينبغي على طلاب العلم أن يتورعوا.
وكم نسمع بعض الأحيان من أن بعض طلاب العلم يسمع بعض الفتاوى من المشايخ ثم يطبقها على المسائل التي يسأل عنها، فهذا لا يجوز، وينبغي عليك أولا: أن تعرف علم القواعد الفقهية، ثم تعرف دليل هذه القاعدة، ثم تعرف هل هذه القاعدة خرجت من أصل عام تنطبق على جميع الفروع أو لها مستثنيات، فقد تجتهد في شيء مستثنى، وقد تجتهد في مستثنى أجمع على استثنائه.
فإذا: لابد لطالب العلم أن ينتبه لهذه الأمور.
ومن الورع والأورع، بل قالوا: العلم الحقيقي هو العلم الموروث، والعلم الموروث: أن تستثني وأمامك عالم وحجة بينك وبين الله تستثني به، أما أن يستثني طالب العلم من عنده، وبمجرد أن يقرأ القاعدة أو يقرأ المسألة يأتي ويطبقها، فقد تقحم النار على بصيرة.
وثق ثقة تامة أن العلم لا يكون بالتشهي والتمني، ولكن يكون بالقدم الراسخة حينما تضعها على أثر ممن تقدمك من العلماء؛ لأن الله يقول: {أثارة من علم إن كنتم صادقين} [الأحقاف:4] فالعلم الصادق الموروث والذي ينجي صاحبه أمام الله عز وجل هو المبني على حجة ودليل وأثر.
والقواعد فيها الزلات العظيمة، وأقول هذا بالتجربة، فإن طالب العلم من خلال القواعد قد يحرم ما أحل الله؛ لأنها مشكلة، كما قال الله: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء:82] القواعد اجتهادات، وينبغي في هذه الاجتهادات ألا يتناولها إلا عالم على قدم راسخة، يعرف ما الذي ورد على هذه القاعدة، وكم من القواعد قرأناها، ثم بعد أن قرأنا المطولات وجدنا لها مستثنيات ووجدنا لها ضوابط وقيود.
وعلم القواعد هذا علم مستقل، ولا يستطيع أحد أن يتقن علم القواعد إلا بعد أن يضبط علم الفقه كاملا، ثم بعد ذلك تأتي مسألة القواعد الفقهية، لأن القواعد الفقهية المراد منها استخلاص أو خلاصة الفقه الذي قرأت.
ومن أجل أن يبارك الله لطالب العلم في علمه ولا يتحمل المسئولية أمام الله عز وجل؛ عليه ألا يستخدم القواعد إلا وقد سمع عالما طبقها، أو أخذ العلم وطريقة تطبيق القواعد وإلحاق الفروع بالأصول من العلماء؛ فهذا هو الذي يعذره أمام الله عز وجل، والله تعالى أعلم.



حكم سجود التلاوة في الصلاة


السؤال في الصلاة السرية إذا مر الإمام بآية السجدة هل يسجد أم لا؟
الجواب يشرع في الصلاة السرية كالظهر والعصر: أن يسجد الإمام إذا قرأ آية سجدة، وإن خاف أن يلتبس الأمر على المأمومين أو تحصل مفسدة وأراد ترك السجدة فلا بأس؛ لأنها ليست بعزيمة، وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب الناس يوم الجمعة، وقرأ آية في سجدة فقرأ وسجد، ثم قرأ الجمعة التالية آية فيها سجدة فتهيأ الناس للسجود فقال: (على رسلكم، إنها ليست بعزيمة) .
فمن فقه الإمام: أنه إذا كان مسنونا ويخشى منه حدوث مفسدة أعظم، وأحب تركه من باب خوف المفسدة الأكبر من حدوث الخلل في الصلاة والتشويش على المصلين واضطرابهم فلا بأس أن يتركه، والله تعالى أعلم.



لا مدة محددة بين عمرتين


السؤال هل من مدة محددة بين عمرتين؟
الجواب ليس هناك نص يحدد ما بين العمرتين، والذي ذكره بعض العلماء رحمهم الله أنه إلى نبات الشعر، وقدرها بعضهم بالأربعين؛ لأن الغالب فيها أن ينبت، وقال بعضهم: إذا وجد شعرا يحلقه، وهذا إذا حلق الشعر، لكن ممكن أن يعتمر ويقص شعره، فعلى هذا الضابط قد يؤدي عمرتين وليس بينهما إلا فاصل يسير.
وأيا ما كان فليس هناك تحديد لما بين العمرة والعمرة، ومذهب جمهور العلماء جواز تكرار العمرة في السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة مكفرة ما بينهن) وقال: (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الكفر والفقر كما تنفي النار خبث الحديد) فهذا لا قيد فيه ولا تحديد، والله تعالى أعلم.



عدم اليأس في النصيحة


السؤال سائل يشكو من عدم اهتمام أهله بالصلاة رغم ما أسداه إليهم من النصيحة، فما توجيهكم نحو هذا؟
الجواب الصلاة عماد الدين، ومن حرمه الله الصلاة فقد حرمه الخير، وما سميت صلاة إلا لأنها صلة بين العبد وربه، وما ذكر الله شرائع الإسلام وقواعده العظام إلا استفتحها بشهادة الإسلام ثم أتبعها بإقامة الصلاة التي هي عمود الإسلام، ولا قيام للبناء إلا بعموده.
ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على تعظيم أمرها وشأنها، حتى أخبر صلى الله عليه وسلم أن أول ما يحاسب عليه العبد بين يدي الله الصلاة، وقال: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) وقوله: (خير أعمالكم الصلاة) دليل ظاهر على عظيم شأنها وعلو مرتبتها عند الله عز وجل.
بل إن النصوص دلت على ما هو أعظم من ذلك، وهو بيانه عليه الصلاة والسلام أن العبد قد يضيعه الله عز وجل بإضاعة الصلاة، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مسلم تحضره الصلاة فيتم طهورها وركوعها وسجودها وخشوعها إلا صعدت وعليها نور، ففتحت لها أبواب السماء، حتى تنتهي إلى ما شاء الله أن تنتهي إليه، تشفع لصاحبها وتقول: حفظك الله كما حفظتني، ومن ضيع حقوق الصلاة فإنها تلف كما يلف الثوب الخلق، ويضرب بها وجه صاحبها، وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني) .
وكان بعض العلماء يقول: قد تمر علي النكبة في اليوم فأخشى أنني أضعت في الصلاة خشوعا أو أمرا من حقوقها فدعت علي.
لأنها تقول: (ضيعك الله كما ضيعتني) فكم من عبد محفوظ حفظه الله بصلاته! وكم من عبد مضيع ضيعه الله بإضاعة الصلاة! أقول هذا حتى تحرص على هدايتهم، وتستنفذ كل الوسائل لدعوتهم على المحافظة على الصلاة، واستدم دعاء الله أن يهدي قلوبهم، وخذ بالأسباب التي تعينهم على حب الصلاة، ورغبهم فيها، وذكرهم وبصرهم بما عند الله من المثوبة لمن أقامها والعقوبة لمن ضيعها، ولا تيأس ولا تعجز، فإنه لا يزال لك من الله معين وظهير ما دعوت إلى الله، ولا تزال في البيت على خير، فخير الناس في بيته وأهله من أمرهم بما أمر الله ونهاهم عما نهى الله عنه، ولا خير في العبد إلا إذا أقام حق الله وأمر بما أمر الله به.
فأمرهم بما أمر الله، وانههم عما نهى الله عنه، ولا تيأس، فلعل الله سبحانه وتعالى أن يقر عينك يوما من الأيام بهدايتهم، ونسأل الله العظيم بمنه وكرمه أن يجعل ذلك عاجلا لا آجلا.
ونسأله تعالى أن يمن علينا وعلى المسلمين بإقام الصلاة، وأن يجعلنا من أهلها المحافظين عليها المتمين لركوعها وسجودها وخشوعها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 270.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 264.50 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]