شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4987 - عددالزوار : 2106786 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4566 - عددالزوار : 1384189 )           »          إيران عدو تاريخي للعرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 235 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 1063 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 11669 )           »          إيقاظ الأفئدة بذكر النار الموقدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 247 )           »          علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 235 )           »          علة حديث: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 242 )           »          الأنفصال العاطفي بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 259 )           »          مقاومة السمنة في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 249 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 14-12-2024, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 32 )

بـاب: التّطْـبيـق فـي الركــوع



اعداد الفرقان



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

294.عَنْ الْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ قَالَا: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي دَارِهِ، فَقَالَ: أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: فَقُومُوا فَصَلُّوا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، قَالَ: وَذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا، فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، قَالَ: فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، قَالَ: فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا وَطَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا، وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً، وَإِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَصَلُّوا جَمِيعًا، وَإِذَا كُنْتُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، وَإِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَلْيَجْنَأْ وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ، فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُمْ.

الشرح: قال المنذري: باب التطبيق في الركوع.

والحديث أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (1/378) وبوب النووي عليه باب: الندب إلى وضع الأيدي على الرُّكب في الركوع ونسخ التطبيق.

الأسود هو ابن يزيد بن قيس النّخعي، مخضرم ثقة، فقيه مكثر، مات سنة 74 أو 75 هـ، روى له الستة.

وعلقمة هو ابن قيس أبو شبيل النخعي، تابعي ثقة ثبت فقيه عابد، مات بعد الستين، وقيل: غير ذلك، روى له الستة.

قوله «أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ؟» يعني الأمير وأتباعه.

قوله «قَالَ: فَقُومُوا فَصَلُّوا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ» استدل به على عدم وجوب الأذان والإقامة لمن صلى وحده بالبلد الذي يؤذن فيه ويقام لصلاة الجماعة، بل يكفي أذانهم وإقامتهم، وهو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه ومن وافقه. وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أن الإقامة سُنةٌ في حقّه. واختلفوا في الأذان، والصحيح أنه يشرع للمنفرد ويستحب، كما سبق بيانه في الأذان.

قوله «قَالَ: وَذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا، فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ» وهذا مذهبه رضي الله عنه وصاحبيه، أنه يصلي بينهما، وقد فعله النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة.

وذهب عامة أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم فقالوا: إذا كان مع الإمام رجلان وقفا وراءه صفا؛ لحديث جابر وجبار بن صخر الذي رواه مسلم وقد سبق.

وأجمعوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة: أنهم يقفون خلفه. وأما الواحد: فيقف عن يمين الإمام عند كافة أهل العلم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما.

قوله «فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، قَالَ: فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا وَطَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ» طبق: أي ألصق باطني كفيه في الركوع، وهذا يدل على أن ابن مسعود رضي الله عنه يرى أن التطبيق سنة، ولعله لم يبلغه الناسخ، وهو حديث سعد رضي الله عنه الآتي، وهو مذهب العلماء كافة، أن السنة: وضع اليدين على الركبتين وكراهة التطبيق؛ لثبوت النسخ الصريح للتطبيق.

قَولَه «فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا، وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى» أي يتعمدون تأخير الصلاة المكتوبة عن أول وقتها المؤقت لها، لا عن جميع وقتها.

وهو من المرفوع من أشراط الساعة التي أخبر بها النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال كما في مسلم (648) أيضا أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه: «كَيْف أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاء يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاة عَنْ وَقْتهَا؟ قَالَ: قُلْت: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلاة لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة».

ومَعْنَى «يُمِيتُونَ الصَّلَاة» أي: يُؤَخِّرُونَهَا، فَيَجْعَلُونَهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحه، وَالْمُرَاد بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتهَا، أَيْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار لا عَنْ جَمِيع وَقْتهَا، فَإِنَّ الْمَنْقُول عَنْ الأُمَرَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار، وَلَمْ يُؤَخِّرهَا أَحَد مِنْهُمْ عَنْ جَمِيع وَقْتهَا، فَوَجَبَ حَمْل هَذِهِ الأَخْبَار عَلَى مَا هُوَ الْوَاقِع. اهـ. (شرح صحيح مسلم 5 / 147 وما بعدها).

وقوله «وَيَخْنُقُونَهَا» أي: يجعلونها في خناق، أي: في ضيق، والمختنق: المضيق.

وقوله «وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى» قال ابن الأعرابي: فيه معنيان: أحدهما: أن الشمس في ذلك الوقت – وهو آخر النهار – تبقى ساعة ثم تغيب. والثاني: أنه من قولهم: شرق الميت بريقه، إذا لم يبق بعده إلا يسيرا ثم يموت.

قوله «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً» أي: صلوا الصلاة في أول الوقت لتدركوا الفرض بوقته، ثم صلوا معهم لئلا تقع فتنة بسبب التخلف عن الصلاة مع الإمام، وتختلف كلمة المسلمين، فتدركوا فضيلة أول الوقت، وفضيلة الجماعة.

وفيه دليل على جواز الصلاة مرتين: الأولى بنية الفرض، والثانية تطوعا. وفي الحديث أيضا: جواز صلاة المكتوبة في البيوت، إذا كان الأئمة يؤخرونها عن وقتها.

قوله «وَإِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَصَلُّوا جَمِيعًا، وَإِذَا كُنْتُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، وَإِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَلْيَجْنَأْ وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ، فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُمْ» سبق بيان ذلك آنفا، وأن التطبيق منسوخ. وفي الحديث: إنكار الصحابي ابن مسعود رضي الله عنه على من يؤخر الصلاة عن وقتها. وفيه: أن المكلف يعمل بالنص من الآية والحديث، إلى أن يبلغه الناسخ.

وأن الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه على علمه وفضله، لم يبلغه الناسخ، وقد وقع نحو هذا لكثير من الصحابة وعلماء السلف، رضي الله عنهم ورحمهم الله.

96- باب: وضع اليدين على الركب ونسخ التطبيق

295.عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، قَالَ: وَجَعَلْتُ يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيَّ، فَقَالَ لِي أَبِي: اضْرِبْ بِكَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، قَالَ: ثُمَّ فَعَلْتُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَضَرَبَ يَدَيَّ، وَقَالَ: إِنَّا نُهِينَا عَنْ هَذَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضْرِبَ بِالْأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ.

الشرح: قال المنذري: باب وضع اليدين على الركب ونسخ التطبيق. والحديث أخرجه مسلم في الموضع السابق.

وأخرجه البخاري في الأذان (790) باب: وضع الأكف على الركب في الركوع.

مصعب بن سعد هو ابن أبي وقاص، أبو زرارة، تابعي ثقة، روى عن أبيه وعلي وطلحة رضي الله عنهم، توفي سنة 103 هـ، روى له الستة. قوله «صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، قَالَ: وَجَعَلْتُ يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيَّ» أي: إنه طبق بين كفيه في الركوع. قوله «فَقَالَ لِي أَبِي: اضْرِبْ بِكَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ» أي: كل كف على ركبة.

قوله «قَالَ: ثُمَّ فَعَلْتُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَضَرَبَ يَدَيَّ، وَقَالَ: إِنَّا نُهِينَا عَنْ هَذَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضْرِبَ بِالْأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ» وهذا تصريح بنسخ التطبيق، والأمر بوضع الأكف على الركب في حال الركوع.

قال الترمذي: التطبيق منسوخٌ عند أهل العلم، لا خلاف بين العلماء في ذلك، إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه، أنهم كانوا يطبقون. انتهى.

وروى الإمام ابن خزيمة: عن علقمة عن ابن مسعود قال: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع، فبلغ ذلك سعدا فقال: صدق أخي، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا».


وقوله «إِنَّا نُهِينَا عَنْ هَذَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضْرِبَ بِالْأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ» استدل به على نسخ التطبيق؛ بناء على أن المراد بالآمر والناهي في ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الراجح عند أهل العلم، وأن حكمه الرفع.
وبه استدل به ابن خزيمة على أن التطبيق غير جائز (الفتح:2/ 338). والله أعلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 19-12-2024, 04:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 33 )

باب: ما يُقال في الركوع والسجود



اعداد الفرقان



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ.

الشرح: قال المنذري: باب ما يقال في الركوع والسجود.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة ( 1/350 ) وبوب عليه النووي بمثل عنوان المنذري.

قولها: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» أي هو من أذكار الركوع والسجود.

وفي الرواية الأخرى: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قبل أن يموت».

قولها: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» وفي الرواية الأخرى: «سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، أستغفرك وأتوبُ إليك».

وفي الرواية الثالثة: قالت: ما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ نزل عليه {إذا جاءَ نصرُ الله والفتح...} يصلي صلاةً إلا دعا، أو قال فيها: «سبحانك ربي وبحمدك، اللهم اغفرْ لي».

وفي الرواية الرابعة: قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك تُكثر من قول «سُبْحَانَ اللَّهُ وَبِحَمْدِه، أستغْفِرُ الله وأتوب إليه»؟ فقال: «خبرني ربي أني سأرى علامةً في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سُبْحَانَ اللَّهُ وَبِحَمْدِه، أستغْفِرُ الله وأتوب إليه، فقد رأيتها {إذا جاءَ نصرُ الله والفتح...} فتح مكة، {ورأيتَ الناسَ يدخلون في دينِ الله أفواجا فسبّحْ بحمدِ ربّك واسْتغفره إنه كان توابا} النصر: (1- 3)».

وفي الرواية الخامسة: قالت: افتقدتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فظننتُ أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسّست، فإذا هو راكع أو ساجد، يقول: «سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت» فقلت: بأبي أنت وأمي، إني لفي شأن، وإنك لفي آخر».

قولها: «يتأول القرآن» أي: يقول متأوّلاً القرآن، أي يفعل ما أُمر به فيه، مبينا المراد من قوله في الآية، أي: في قوله عز وجل: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} (النصر: 3).

فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول هذا الكلام البديع في الجزالة، المستوفي ما أمر به في الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود؛ لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها، قاله صديق حسن.

ومعنى: «سبحانك» أي: من التسبيح وهو التنزيه، أي: أنزهك وأبرئك من كل عيبٍ ونقص. «وبحمدك» أي: سبحتك بتوفيقك لي، وهدايتك وفضلك علي، لا بحولي وقوتي. وفيه شكر الله تعالى على هذه النّعمة، والاعتراف بها، والتفويض إلى الله تعالى، وأنّ كل الأفعال له.

وأما استغفاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: «اللهم اغفر لي»، مع أنه مغفور له، فهو من باب العبودية لله تعالى والإذعان له، والافتقار إليه.

والتسبيح في الركوع والسجود سنة متواترة من فعله صلى الله عليه وسلم. والأصل فيه: قول: سبحان ربي العظيم، في الركوع، وسبحان ربي الأعلى، في السجود.

قال صديق حسن: وأقل ما يفعله المصلي من ذلك: ثلاث تسبيحات في الركوع، وثلاث تسبيحات في السجود، ويختمه بقوله: «سبحانك اللهم... إلخ».

والأدعية في الركوع والسجود كثيرة، تراجع في مظانها من كتب السنة النبوية والأذكار، وقد جمع جملة منها العلامة الألباني رحمه الله في كتابه «صفة الصلاة».

98- باب: النهي عن القراءة في الركوع والسجود

297.عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».

الشرح: قال المنذري: باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (479) وبوب عليه النووي: باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.

قوله: «كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ»، الستارة هي الستر الذي يكون على باب البيت. وفي رواية «ورأسه معصوبٌ في مرضه الذي مات فيه».

قوله: «وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ»، هل قاله بعد إحرام الناس بالصلاة، أم قبل دخولهم الصلاة؟ قال النووي: الأظهر أنه قاله بعد إحرامهم، والغالب أنّ سماعهم له إنما يكون مع إصغاء، ففيه حجةٌ لما أجازه في المدونة من الإنصات لسماع خبرٍ يسير.

قوله «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ»، يريد انقطاع النبوة بموته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبقاء الرؤيا الصالحة بعده.

قال المهلب: المراد غالب رؤيا الصالحين، وإلا فالصالحون قد يرون الأضغاث ولكنه نادر؛ لقلة تمكن الشيطان منهم، بخلاف عكسهم فإن الصدق فيهم نادر لغلبة تسلط الشيطان.

وقال القرطبي: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء، فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الاطلاع على الغيب، وأما الكافر والفاسق والمخلّط فلا، ولو صدقت رؤياهم أحيانا فذاك كما يصدق الكذوب، وليس كل من حدّث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم. (الفتح 12/362).

وقد استشكل كون الرؤيا جزءاً من النبوة، مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم؟!

فقيل في الجواب: إنه لم يُردْ أنها نبوة باقية، وإنما أراد أنها أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب؛ ولذا فلا ينبغي التكلم في تأويلها بغير علم، وقد قال مالك رحمه لما سئل: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يُلعب؟! ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة، حكاه عنه ابن عبد البر (الفتح 12/363).

فالنبي صلى الله عليه وسلم أكد في آخر حياته فضل الرؤيا الصالحة الصادقة وعلو منزلتها في دين الإسلام، وقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي في مرض موته بالصلاة والمماليك والجار والنساء، فكأن الرؤيا تحتل من الدين رتبة تلك الوصايا.

قوله: «أَلَا وَإِنِّي نُهيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا»، نهيت: الخطاب له صلى الله عليه وسلم يشمل الأمة حتى يقوم دليل على قصره عليه، ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي».

ويدل عليه أيضا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد. رواه مسلم ( 480)؛ ولذا قال جمهور العلماء بحرمة القراءة في الموضعين، وقال بعضهم ببطلان الصلاة لأنه زاد ركنا. وقيل في الحكمة في المنع من القراءة: أن الركوع والسجود حالتا ذلٍ، فكره قراءة كلام الله العزيز جل وعلا فيهما.

قوله: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ» أي: عظموه بالتسبيح ونزهوه فهو وظيفة الركوع. ولذا كره الجمهور الدعاء في الركوع. قوله: «وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ» أي: وظيفة السجود الاجتهاد في الدعاء، مع التسبيح كما سبق.

وهذا يشمل بعمومه الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، والتخير من الدعاء النبوي أكمل وأشمل وأفضل.

قوله: «فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» قمن: أي حقيقٌ وجدير، ويقال: قمين.


وفي الحديث عَن أَبِي هُريْرة رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ». أخرجه مسلم (1/350 ).
والله تعالى أعلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 25-12-2024, 05:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 34 ) باب: ما يُقال إذا رفع من الركوع







الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

298.عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْء السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْء مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ».

الشرح: قال المنذري: باب ما يقال إذا رفع من الركوع.

والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/347) وبوب عليه النووي: باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.

ورواه من حديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه، ومن حديث أبي عبيدة في باب: اعتدال أركان الصلاة.

قوله «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْء السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» الأشهر في «ملء» النصب على الحاليّة.

قال الخطابي: وهو تمثيل لكثرة عدد الحمد، أي حمداً لو كان جسما، لملأ عدده ما بين السماء والأرض. وقيل المراد: ثوابها. وقيل: يراد بذلك عظم الكلمة.

قوله «وَمِلْء مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» قيل: إنه اعترافٌ بالعجز عن أداء حق الحمد بعد إفراغ الوسع؛ فإنّ حمده ملء السموات هو نهاية حمد القائم به، ثم ارتفع فأحال الأمر فيه على المشيئة، وليس وراء ذلك للحمد منتهى، فإنّ حمد الله تعالى أعزّ من أنْ يعتوره الحسبان، أو يكتنفه الزمان والمكان، ولم ينته أحدٌ من الخلق في الحمد منتهاه، وبهذه الرتبة استحق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسمى أحمد.

قوله «أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ» أهل: الأشهر فيه أنه منصوب على النداء، أي يأهل الثناء، أو نصب على المدح، ويجوز الرفع على الخبر، أي: أنت أهل الثناء، والثناء هو: الذكر الجميل، والحمد أعم من الثناء المجرد؛ فإن الحمد: هو الثناء على المحمود بما له من صفات الكمال.

والمجد هو نهاية الشرف.

قوله «أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ» يحتمل أن يكون خبرا عما قبله من الحمد الكثير، أي: الحمد المذكور أحق ما قال العبد. وحرف «ما» يحتمل أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة، أي: أحق شيء قاله العبد. والتعريف في العبد يحتمل الجنس فيكون لجميع العباد، ويحتمل أنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعهد.

وقوله «أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ» دليل على فضيلة هذا الدعاء وشرفه، فقد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: أن هذا أحق ما قال العبد، فينبغي أن نحافظ عليه ولا نهمله، كما نبه عليه العلماء.

و«كلنا لك عبد» تأكيد، وشهادة من لا ينطق عن الهوى، تؤكد أن يديم الإنسان هذا الذكر.

قوله «اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ» وهذا من انفراده تبارك وتعالى بالملك والتدبير والتصرف، والعطاء والمنع، كما قال تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا مُمسك لها وما يُمسك فلا مرسلَ له من بعده وهو العزيز الحكيم} (فاطر: 2).

وهذا مما يوجب التعلق بالله تعالى، والافتقار إليه من جميع الوجوه، وألا يدعى إلا هو، ولا يخاف ولا يرجى إلا هو، وهو العزيز الذي قهر كل شيء، الحكيم في عطائه ومنعه.

قوله «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» الأكثر على أن الجد بفتح الجيم، وفسّر بالحظ، أي: الحظ منك في الدنيا في المال والولد، لا ينفع في الآخرة، وإنما ينفع فيها الإيمان العمل الصالح.

كما قال تعالى: {المالُ والبنون زينةُ الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثوابا وخيرٌ أملا} (الكهف: 46).

وقيل: الجد: الغِنى، وقيل: العظمة والسلطان، ومنه قوله تعالى: {وأنه تعالى جد ربنا} (الجن: 3).

أي: لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والسلطان؛ وذلك إنما ينفعه إيمانه وعمله الصالح.

وحكى الشيباني فيه الكسر، أي: ولا ينفع ذا الاجتهاد اجتهاده، إلا أن تكون له سابقة خير؛ فإن العمل لا ينجي بنفسه، وإنما ينجي فضل الله عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة أحدٌ منكم بعمله» متفق عليه.

وقد يكون المراد: الاجتهاد في كسب الدنيا، والتحفظ عن المكاره، أي لا يكتسب أحد إلا ما قضي له، ولا يسلم إلا مما وقي، وهذا أشبه بظاهر الحديث وهو أصل في التسليم وإثبات القدر؛ ولذا ترجم عليه البخاري وأدخله في باب القدر.

وقوله «منك» على الفتح بمعنى «بدل»، أي: لا ينفع منك ذا الحظ حظه بدل طاعته، كقوله تعالى: {لجعلنا منكم ملائكة} (الزخرف: 60) أي بدلكم. وقيل: هي بمعنى «عند» أي: لا ينفع ذا الحظ حظه عندك، وقيل: المراد بالجد العظمة، أي لا ينفع ذا العظمة عظمته. (انظر شرح النووي وإكمال المعلم للأبي 2/ 368).

100- باب: فضل السجود والترغيب في الإكثار منه

299. حَدَّثَنِي مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ، أَوْ قَالَ: قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ؛ فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ.

الشرح: قال المنذري: باب فضل السجود والترغيب في الإكثار منه. والحديث أخرجه مسلم (488) وبوب عليه النووي: باب فضل السجود والحثّ عليه. ومعدان بن أبي طلحة اليعمري، شامي تابعي ثقة , روى له الستة.

وثوبان الهاشمي مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام, صحب رسول الله ولازمه , ونزل بعده الشام، ومات بحمص سنة أربع وخمسين، وروى له مسلم والأربعة. قوله «فسكت» يحتمل أنه تفكّر في الجواب، أو تنشيطا لسماع المزيد من السائل.

قوله «عليك بكثرة السجود لله» يعني كثرة الصلاة؛ لأنه يكون فيها، سواء كانت فرضاً أو نفلاً , جماعة أو فرداً لأن السجود لا يشرع غالباً إلا في الصلاة , كما حمله على ذلك جماعة من أهل العلم منهم الحافظ ابن حجر.

ويدخل فيه: سجود التلاوة وكذلك سجود الشكر.

وذهب الشوكاني في «الفتح الرباني» إلى أن السجود وحده من غير انضمامه إلى صلاة ودخوله فيها عبادة مستقلة! يأجر الله عبده عليها، ووافقه عليه صديق حسن، واستدلوا لذلك بعموم النصوص الواردة في فضل السجود، والأول أرجح، والله أعلم.

وسبب الحث عليه: أن السجود من أشرف العبادات، وأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، كما صح في الحديث، وهو موافق لقول الله تعالى: {واسجد واقترب} (العلق:19). ولأن السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى؛ لأنه تمكينٌ لأعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو وجهه من التراب والأرض التي تداس وتمتهن.

قوله «فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» زاد ابن ماجة في أوله: «إلا كتب لك بها حسنة» وقال: «فاستكثروا من السجود».


قوله «قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ» أي تعزز الحديث بروايته عن أبي الدرداء رضي الله عنه أيضا.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 31-12-2024, 09:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 35 ) بـاب: الدعـــاء فـــي السـجـــود

الفرقان

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

300.عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه:َ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».

الشرح: قال المنذري: باب الدعاء في السجود.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/ 350) وبوب عليه النووي: باب ما يقال في الركوع والسجود.

قوله: «أَقْرَبُ» على وزن أفعل، وهو مبتدأ حذف خبره وجوبا لسد الحال مسدّه، وهو قوله: «وهو ساجد»، فهو مثل قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائما.

وقوله: «أقرب مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» قال النووي: معناه: أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله. انتهى.

وهو كما قال الله تعالى: {فاسجد واقترب} (العلق: 19).

ففيها: أن السجود من العبادات العظيمة، والطاعات الكريمة، التي تقرب من الله عز وجل، وتدني من رحمته وإحسانه.

وفي الحديث: أن السجود من أفضل من القيام، وسائر أركان الصلاة.

وقد اختلف العلماء: أيها أفضل: تطويل السجود، أم تطويل القيام؟ على ثلاثة أقوال:

الأول: تطويل السجود أفضل، حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة.

الثاني: أن تطويل القيام أفضل، وهو مذهب الشافعي وجماعة؛ لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصلاة طول القنوت» رواه مسلم. والمراد بالقنوت: القيام.

قالوا: ولأن ذكر القيام: قراءة القرآن، وذكر السجود: التسبيح، وقراءة القرآن أفضل.

ولأن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطول القيام أكثر من تطويل السجود.

الثالث: أنهما سواء.

وقال الإمام إسحق بن راهويه: أما في النهار: فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما في الليل: فتطويل القيام.

قال الترمذي: إنما قال إسحق هذا؛ لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام، ولم يُوصف من تطويله بالنهار ما وُصف بالليل. انتهى.

قوله «فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» حثٌ على الإكثار من الدعوات في هذه الحال التي يقرب فيها العبد من ربه.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه تعالى بأنواع الأدعية، التي نقلها عنه أصحابه وأزواجه، وهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، فينبغي للمسلم والمسلمة حفظها، ودعاء الله تعالى بها؛ فإنها من أنفع ما يكون له ولأهله وذريته وأمته.

وقد سبق ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: «... وأما السجودُ فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أنْ يُستجاب لكم» أي: حقيق وجدير أن يستجاب لكم.

ومن الأخطاء الشائعة عند بعض المصلين: تأخير الدعاء حتى الخروج من الصلاة! فترى كثيرا من الناس يغفل عن الدعاء في سجوده، فإذا انتهى من الصلاة رفع يديه ودعا!

فيترك ما ورد الحث عليه بالأحاديث النبوية قولا وفعلا، ويفعل شيئا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله!

هذا وقد ورد قرب الله تعالى في مواضع أخرى من الكتاب والسنة النبوية، و«القريب» من أسمائه الحسنى، قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة:186).

ومن معاني القريب: أنه قريب بإجابة الدعاء، وهو مشروط بالاستجابة له، فمن الناس من يستجيب لله فيزيدهم من فضله: {ويستجيب الذين آمنوا وعلموا الصالحات ويزيدهم من فضله} (الشورى:26) فهو سبحانه الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء، بالقَبُول والعَطاء.

وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويغيث الملهوف إذا ناداه، ويكشف السوء عن عباده، ويرفع البلاء عن أحبائه، وكل الخلائق مفتقرة إليه، قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: 29)، فجميع الخلائق تصمد إليه، وتعتمد عليه.

وهو الذي ينصرهم على عدوهم ويؤيدهم، كما قال سبحانه: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214).

وهو القريب من العابدين والداعين والذاكرين، يؤنسهم ويحفظهم وينصرهم، ويثبت قلوبهم وأقدامهم، ويجيب دعاءهم، قال سبحانه كما في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني».

وفى الحديث الآخر: «أقربُ ما يكون الرب من عبده، فى جوف الليل الآخر» رواه الترمذي (3579) وهو حديث صحيح.

وذلك حين ينزل تبارك وتعالى في الثلث الأخير من الليل، فيقول: «هل من سائل فأعطيه، هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له».

وهو سبحانه القريب من التائبين يجيب دعاءهم، ويذيقهم من حلاوة القرب منه ما يعوضهم فقد ما فقدوه، قال سبحانه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (هود:61)، ومن معاني القريب: أنه الذي يرى ويسمع كل شيء، ولا يخفى عليه شيء، وهو قريب من جميع عباده بعلمه وسمعه وبصره المحيط بكل شيء.


والله أعلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 04-01-2025, 11:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 36 )

باب: على كم يسجد؟


الفرقان





الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

301.عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ، وَلَا الشَّعرَ».

الشرح:قال المنذري: باب على كم يسجد؟

والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/354) وبوب عليه النووي (4/206): باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة.

قوله «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ..» وفي الرواية الأخرى له: «أُمرَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يسجدَ على سبعٍ، ونُهي أن يكفت الشعر والثياب».

قوله «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ..» فيه: أن أعضاء السجود سبعة، وأنه ينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها.

قوله «سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» سمى كل عضو عظما، وإنْ كان فيه عظام كثيرة.

وهي كما فصلها في الحديث «الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» هذا تفصيل أعضاء السجود.

فأولها: الجبهة ومعها الأنف، فيجب وضعهما على الأرض جميعا، فهما كعضو واحد، وهو قول أحمد وابن حبيب من أصحاب مالك.

وقال مالك والشافعي: يكفي وضع بعض الجبهة والأنف مستحب؟!

وقولهما مرجوح؛ لمخالفته ظاهر الحديث، فلا يكمل السجود إلا بهما.

وقد ثبت في حديث المسيء صلاته: أنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يمكن جبهته من الأرض.

وأخرج الترمذي (270): عن أبي حميد الساعدي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحّى يديه عن جنبيه...» وصححه ابن حبان (5/189).

وقال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم: أن يسجد الرجل على جبهته وأنفه.

ثاني الأعضاء وثالثها: اليدان، أي: الكفان، وهو المراد عند الإطلاق، كما في قوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} (المائدة: 6)، ولأن المصلي ممنوعٌ من بسط ذراعه على الأرض، كما مضى معنا في الحديث. ورابعها وخامسها: الرجلان، وهما الرُّكبتان، كما في الرواية الأخرى.

وسادسها وسابعها: أطراف القدمين، وهي الأصابع، وبعض المصلين قد يرفع إحدى قدميه وهو ساجد، وهذا خطأ !

وهكذا لو أخلّ بعضوٍ من هذه الأعضاء، لم تصح صلاته.

وإذا عجز عن السجود على بعض أعضاء السجود، سقط عنه؛ للقاعدة الشرعية: لا واجب مع العجز؛ لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن: 16).

فمن لم يستطع السجود لعذر، أَومأَ برأسه قدر إمكانه.

وهل يجب أن تكون هذه الأعضاء مكشوفة عند السجود؟

فقال الشافعي بوجوب كشف الجبهة واليدين.

والراجح: عدم وجوب ذلك، وإنما يستحب السجود على الأرض دون حائل.

وقد قسم العلماء السّجود على حائل إلى قسمين:

الأول: حائل متصل بالمصلي، كالعمامة والثوب، فهذا يُكره أنْ يسجد عليه إلا من حاجة، كحر أو برد؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدّة الحر، فإذا لم يستطعْ أحدُنا أن يمكّن جبهته من الأرض، بَسَط ثوبه فسجد عليه. أخرجه البخاري (385) ومسلم (620).

الثاني: إذا كان الحائلُ منفصلاً، كالسجادة والحصير ونحوها، فهذا لا بأس به ما دام طاهراً، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الخمرة (وهي السجادة الصغيرة) رواه البخاري (333) ومسلم (613) من حديث ميمونة رضي الله عنها.

قوله «وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ» لا نكفت بفتح النون وكسر الفاء، وهو الجمعُ والضّم، أي: لا نضمها ولا نجمعها، ومنه قوله تعالى {ألم نجعل الأرض كفاتا} (المرسلات: 25). أي: تجمع الناس في حياتهم وموتهم.

فنهى المصلي عن الصلاة وثوبه مشمّر، أو كمه ونحوه مكفوت.

قوله «وَلَا الشَّعرَ» أي: لا نجمع الشعر، أي تحت العمامة ونحوها، وفي رواية لمسلم: عن ابن عباس: أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوصٌ من ورائه، فقام خلفه فجعل يحلُه، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: ما لك ورأسي؟ فقال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما مَثَلُ هذا، مثلً الذي يُصلي وهو مكتوفٌ».

قال العلماء: والحكمة في ذلك أن يسجد الشعر والثوب معه على الأرض، ولهذا مثله في حديث ابن عباس: بالذي يصلي وهو مكتوف.

وإذا خالف وصلى كذلك فقد أساء وأثم لمخالفته النهي النبوي، ولكن صلاته صحيحة، قال النووي: باتفاق العلماء.


ومما ورد في فضل أعضاء السجود: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللهَ حرّمَ على النارِ، أن تأكلَ أعضاءَ السُّجود» رواه البخاري في الأذان (806) ومسلم في الإيمان (182).
أي إنّ عُصاة الموحدين لو دخلوا النار، فإنّ النار لا تأكل أعضاء السجود منهم، بل توقرها وتحترمها ولا تؤثر فيها، فسبحان الله!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 26-01-2025, 10:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 37 )

باب: الاعتدال في السجود ورفع المرفقين

الفرقان



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
302.عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ».
الشرح:
قال المنذري: باب الاعتدال في السجود، ورفع المرفقين.
والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/355) وبوب عليه النووي (4/ 209): باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض، ورفع المرفقين عن الجنبين، ورفع البطن عن الفخذين في السجود.
ورواه البخاري في مواقيت الصلاة (532) وفي الأذان (822) باب: لا يفترش ذراعيه في السجود.
قوله «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ»، الاعتدال المقصود هو: أن يضع كفيه على الأرض، ويرفع مرفقيه عن الأرض، وعن جنبيه رفعا بليغا بحيث يظهر باطن إبطيه إذا لم يكن مستورا، قاله النووي.
وهذا أدبٌ متفق على استحبابه، فلو تركه المصلي كان مسيئا مرتكبا للنهي، وصلاته صحيحة.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: أراد به كون السجود عدلاً، باستواء الاعتماد على الرجلين والركبتين واليدين والوجه، ولا يأخذ عضوٌ من الاعتدال أكثر من الآخر، وبهذا يكون ممتثلا لقوله: «أُمرت بالسجود على سبعة أعظم»، وإذا فرش ذراعيه فرش الكلب، كان الاعتماد عليهما دون الوجه، فيسقط فرض الوجه» (عارضة الأحوذي 2/75-76).
قال العلماء: والحكمة في هذه الهيئة: أنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، وأبعد عن هيئات الكسالى؛ فإنّ المنبسط كشبه الكلب، ويُشعر حاله بالتهاون بالصلاة، وقلة الاعتناء بها، والإقبال عليها (شرح مسلم 4/ 209).
قوله «وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» وفي الرواية الأخرى: «ولا يتبسط» بزيادة التاء، وفي رواية أبي داود: «لا يفترش» ومعناه: لا يبسط ذراعيه انبساط الكلب، أي: يتّخذ الأرض بساطاً لذراعيه.
قال ابن دقيق العيد: وقد ذكر الحكم – وهو النهي عن انبساط الذراع – مقروناً بعلته؛ فإن التشبه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة.
قال الحافظ ابن حجر (2/302): والهيئة المنهي عنها أيضا مشعرة بالتهاون، وقلة الاعتناء بالصلاة.
104- باب: التَّجْنيح في السُّجود
303.عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ».
الشرح:
قال المنذري: باب التجنيح في السجود.
والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 356) وهو في الباب السابق.
عَبْد اللَّه بْن مالك ابْنِ بُحَيْنَةَ، بحينة ليست صفة لمالك، بل هي أم عبد الله وزوجة مالك، وهو صحابي معروف، حليف بني المطلب، مات بعد الخمسين، روى له الستة.
قوله «أَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ»، فرج أي: باعد، «بَيْنَ يَدَيْهِ» أي: وجنبيه، فهو من حذف المعطوف، كقوله تعالى {سرابيل تقيكم الحر} (النحل: 81)، أي: والبرد.
قوله «حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ» أي: بالغ في هذا التفريج حتى يبدو بياض الإبط، ويكون برفع عضديه عن إبطيه.
وفي الرواية الأخرى له: «كانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد جنّح في سجوده، حتى يُرى وَضَح إبطيه» وجنّح بمعنى فرج.
وفي ثالثة: «إذا سجد خوّى بيديه (يعني جنح)».
وفي رواية ميمونة رضي الله عنها: «كانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد جافي، حتى يَرى مَنْ خلفه وَضَح إبطيه». والوضح: بياض الإبطين.
وعنها أيضا: قالت: «كانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد، لو شاءت بَهمةٌ أن تمر بين يديه لمرّت»، والبهمة: ولد الغنم ذكرا أو أنثى، وجمعها: بُهم، بضم الباء. وقولها «بين يديه» أي: تحت يديه، كما هو عند أصحاب السنن - أبوداود (835) وغيره.
وعن أحمر بن جزء صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه، حتى نأوي له» رواه أبو داود (900). ومعنى «نأوي» أي: نرثي له، ونشفق عليه، ونرق له.
وروى عنه هذه الصفة أيضا: ابن عباس رضي الله عنهما، رواها أبوداود (899) وأحمد (1/292، 302 ومواضع أخر) وغيرهم.
قال الألباني رحمه الله: هذه الصفة مما تواتر نقلها عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رواها عنه جمع من الصحابة رضي الله عنهم (أصل صفة الصلاة 2/747).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 10-02-2025, 08:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 38 )

باب: صفة الجلوس في الصلاة

الفرقان



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
304.عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ، جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ».
الشرح: قال المنذري: باب: صفة الجلوس في الصلاة. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/408) وبوب النووي عليه (5/79): باب صفة الجلوس في الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين.
قوله «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ، جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى» هذا الذي ذكر ابن الزبير هو صفة التورك، قال النووي: لكن قوله «وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى» مشكل، لأن السُّنّة في القدم اليمنى أن تكون منصوبة باتفاق العلماء، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على ذلك في صحيح البخاري وغيره.
ثم نقل عن القاضي عياض قوله: وقد تكون الرواية صحيحة في اليمنى، ويكون معنى فرشها: أنه لم ينصبها على أطراف أصابعه في هذه المرة، ولا فتح أصابعها، كما كان يفعل في غالب الأحوال.
قال النووي: وهذا التأويل الأخير الذي ذكره هو المختار، ويكون فعل هذا لبيان الجواز، وأنّ وضعَ أطراف الأصابع على الأرض وإن كان مستحبا، يجوز تركه، وهذا التأويل له نظائر كثيرة، ولا سيما في باب الصلاة، وهو أولى من تغليط رواية ثابتة في الصحيح، واتفق عليها جميع نسخ مسلم. انتهى.
وقد سبق بيان أنّ الافتراش يكون في التشهد الأول، والتورّك يكون في التشهد الأخير؛ لحديث أبي حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في صحيح البخاري وغيره، وهو صريحٌ في التفريق بين التشهدين. قال ابن عمر رضي الله عنهما: إنّ من السُّنة في الصلاة: أنْ تُضجع رجلك اليسرى، وتنصب اليمنى، إذا جلست في الصلاة. رواه أبو داود (958) وابن خزيمة (678) واللفظ له.
قوله: «ووضع يده اليسرى على ركبته» وفي الرواية الأخرى: «بسطها عليها» وفي رواية ثالثة: «ويُلْقم كفه اليسرى ركبته» أي: عند الجلوس بين السجدتين، وعند التشهد.
قال النووي: والحكمة في وضعها عند الرُّكبة: منعها من العبث.
وفي حديث أبي داود (957) والنسائي بسند صحيح: عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: «... ووضع يده اليُسرى على فخذه اليسرى، وحدّ مِرفقه الأيمن – أي نهايته - على فخذه اليمنى».
قوله: «وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ» وفي الرواية الأخرى «وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى» وفي الرواية الثالثة: «وعَقَد ثلاثاً وخمسين» وفي رواية أبي داود (957): «وقبض اثنتين وحلّق حلقة، ورأيته يقول هكذا، وحلّق بشرٌ الإبهام والوسطى، وأشار بالسبابة».
أي: تارة يفعل هذا، وتارة يفعل هذا، وكلها سنةٌ.
قال النووي: وأما الإشارة بالمسبّحة، فمستحبةٌ عندنا للأحاديث الصحيحة، قال أصحابنا: يشير عند قوله: لا إله إلا الله، من الشهادة. انتهى.
والراجح: أنه يشير بها عند ذكر لفظ الجلالة في كل التشهد حتى الدعاء، كما في حديث ابن عمر: «ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام، فدعا بها» رواه مسلم (1/408).
وفي حديث وائل بن حجر: «ثم قبضَ ثنتين من أصابعه، وحلّق حلقة ثم رفع إصْبعه، فرأيته يُحركها يَدْعو بها» رواه ابن خزيمة (714).
قال الطحاوي: وقوله «يدعو بها» فيه دليل على أنه كان في آخر الصلاة.
وقال العلامة الألباني: ففيه دليل على أن السنة أن يستمر في الإشارة وفي تحريكها إلى السلام؛ لأن الدعاء قبله، وهو مذهب مالك وغيره، وسئل الإمام أحمد: هل يشير الرجل بإصبعه في الصلاة ؟ قال: نعم، شديدا. (مسائل ابن هانئ ص 80).
قال: ومنه يتبين أن تحريك الإصبع في التشهد سنةٌ ثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمل بها أحمد وغيره من أئمة السنة، فليتق الله رجالٌ يزعمون أن ذلك عبثٌ لا يليق بالصلاة، فهم من أجل ذلك لا يحركونها مع علمهم بثبوتها! ويتكلفون في تأويلها بما لا يدل عليه الأسلوب العربي، ويخالف فهم الأئمة له.
قال صديق حسن: وهذه المسألة أيضا مما فيه خلاف بين الحنفية وبين رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قد زلت قدم أكثرهم في هذا المقام، حتى فاه منهم بالطعن في ذلك على اهل الحديث الكرام، ولا غرو؛ فإن الرأي في الدين تحريف! ويفضي إلى أكثر من هذه المزلة والذلة، عصمنا الله وإخواننا المتبعين من ذلك. انتهى.
وقوله: «يحركها» هو السنة الثابتة، أي: يشير بها للأعلى.
وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: لا يُجاوز بصره إشارته. رواه أبو داود (990) وابن خزيمة (718).
106- باب: الإقعاء على القدمين
305.عن طَاووس قال: قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ ! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
الشرح: قال المنذري: باب: الإقعاء على القدمين. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/380-381) وبوب عليه النووي (5/18): باب جواز الإقعاء على العقبين.
قوله «قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ» والإقعاء ورد فيه حديثان، هذا الحديث وفيه تصريح لابن عباس أنه سنة، وهو أن يجلس على عقبيه بين السجدتين.
والحديث الثاني: «وكان ينهى عن عقبة الشيطان» رواه مسلم.
قال النووي: وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا، لهذه الأحاديث.
والصواب الذي لا معدل عنه: أنّ الإقعاء نوعان:
- أحدهما: أنْ يُلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض، كإقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيد (القاسم بن سلام) وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي.
- والنوع الثاني: أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: «سنة نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، وقد نص الشافعي رضي الله عنه في «البويطي» و«الإملاء» على استحبابه في الجلوس بين السجدتين. انتهى.
وذهب إليه جماعةٌ من المحققين: البيهقي والقاضي عياض وآخرون، وقال عياض: وقد روي عن جماعة من الصحابة والسلف: أنهم كانوا يفعلونه.
وقد روى أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث – كما في صفة الصلاة ص 152 – عن طاووس: أنه رأى ابن عمر وابن عباس يقعيان. وسنده صحيح.
فهما على الصحيح: سنتان نبويتان، والأشهر أنّ السُّنة في الجلوس بين السجدتين: الافتراش. قوله «إنا نراه جفاء بالرجل» بفتح الراء وضم الجيم، أي: بالإنسان، قال النووي: وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم. قال: وضبطه أبو عمر بن عبد البر: بكسر الراء وإسكان الجيم وهي القَدَم ! وردّ الجمهور عليه، وقالوا: الصواب الضم، وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه.
قال صديق حسن: ثم لا يخفى عليك، أن المرأة في ذلك كالرجل غالبا؛ لأنّ النساء شقائق الرجال، فما شرعه الله تعالى للرجال، من هذه الشريعة، فالنساء مثلهم، إلا أنْ يأتي دليلٌ يدل على إخراجهن من ذلك الشرع العام، وكان ذلك مخصصا لهن، وسواء كان التخصيص متضمناً للتخفيف، وذلك ما اختصّ وجوبه بالرجال من الأحكام كالجهاد، أو متضمناً التغليظ عليهن كالحجاب، والله أعلم. انتهى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 10-02-2025, 08:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 39 )

التشهد في الصلاة

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
306.عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ صَلَاةً، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أُقِرَّتْ الصَّلَاةُ بِالْبِرِّ وَالزَّكَاةِ، قَالَ: فَلَمَّا قَضَى أَبُو مُوسَى الصَّلَاةَ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ لَعَلَّكَ: يَا حِطَّانُ قُلْتَهَا؟! قَالَ: مَا قُلْتُهَا، وَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي بِهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَنَا قُلْتُهَا، وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا الْخَيْرَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ تَقُولُونَ فِي صَلَاتِكُمْ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا، فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذْ قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، يُجِبْكُمْ اللَّهُ، فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ، فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلىالله عليه وسلم : «فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».
الشرح: قال المنذري: باب: التشهد في الصلاة.
وأورد فيه حديثين:
الأول: حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/303- 304) وبوّب النووي الباب نفسه.
حِطَّان بنِ عَبد اللَّه الرَّقَاشِيّ، البصري، تابعي ثقة، روى له مسلم والأربعة.
قوله: «أُقِرَّتْ الصَّلَاةُ بِالْبِرِّ وَالزَّكَاةِ» أي: قرنت بهما، وأقرت معهما، وصار الجميع مأمورا به.
قوله: «فَأَرَمَّ الْقَوْمُ» أرم بفتح الراء وتشديد الميم، أي: سكتوا.
قوله: «وَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي بِهَا» رهبت، أي: خفت، تبكعني، أي: تبكتني وتوبخني.
قوله: «أن رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا، فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ «فيه تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه صلاتهم، وأمور دينهم.
قوله: «إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ» إقامة الصفوف تسويتها، والاعتدال فيها، والتراص فيها، وتتميم الأول فالأول منها، هو مأمورٌ به بإجماع الأمة، وكثرت فيه الأحاديث النبوية المذكرة به.
وقوله: «إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ» فيه الأمر بصلاة الجماعة في المكتوبات، وهي فرضُ عين على الرجل القادر الصحيح المقيم، على الراجح من قولي أهل العلم، وعليه الأكثر.
وقال بعضهم: إنها فرض كفاية، إذا فعله من يحصل به إظهار هذا الشعار، سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوا كلهم، أثموا كلهم.
قال ابن خزيمة: هي فرض عين، لكنْ ليست بشرط، فمن تركها وصلى منفردا بلا عذر، أثم، وصحت صلاته.
وقال بعض أهل الظاهر: هي شرط لصحة الصلاة !
والصحيح: قول ابن خزيمة، وهو قول الجمهور.
قوله: «ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» فيه أمر المأموم بأن يكون تكبيره عقب تكبير الإمام.
قال النووي: ويتضمن مسألتين: إحداهما: أنه لا يكبر قبله ولا معه، بل بعده.
والثانية: يستحب كون تكبيرة المأموم عقب تكبيره، ولا يتأخر، فلو تأخر جاز، وفاته كمال فضيلة تعجيل التكبير.
قوله: «وَإِذْ قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ» ذكرنا فيما سبق أن تأمين المأموم يكون بعد تكبير الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم : «إذا أمن الإمام فأمنوا».
قوله: «يُجِبْكُمْ اللَّهُ» أي: يستجيب دعاءكم. وفيه حثٌ عظيم على التأمين.
قوله: «فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ» أي: اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم، بعد تكبيره وركوعه، وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه.
قوله: «فَتِلْكَ بِتِلْكَ» أي: اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع، تنجبر لكم بتأخركم في الركوع بعد رفعه لحظة.

قوله: «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ» فيه: أن الإمام يجهر بالتسميع وهو قوله: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فإذا سمعه المأمومين قالوا بعده: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.
وذكرنا فيما سبق أن الصحيح المختار: أن الإمام والمأموم يجمع بينهما، وكذلك المنفرد.
ومعنى «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» أجاب الله دعاء من حمده. وقد سبق ذكر الألفاظ الواردة فيها.
ومعنى: «يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ» يستجيب دعاءكم.
قوله: «فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» أي: سمع الله لمن حمده، فيا ربنا استجب حمدنا ودعاءنا، ولك الحمد، على هدايتنا لذلك.
قوله: «وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ، فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «فَتِلْكَ بِتِلْكَ» والقول فيه كما سبق في الركوع.
قوله: «وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ، فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وهو التشهد الذي كان يعلمه النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه، ويأتي شرح مفرداته في الحديث الثاني بهذا الباب.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 10-02-2025, 08:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (40 )

باب: التشهد في الصلاة


الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
307.عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ».
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: «كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ».
الشرح: الحديث الثاني في الباب (باب: التشهد في الصلاة): هو حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد أخرجه مسلم في الصلاة (1/302) في الباب السابق.
قوله «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِن الْقُرْآنِ» وهذا يدلُّ على تأكده في الصلاة ولزومه، والتشهد سمي تشهداً لاشتماله على الشهادتين، والتشهدان واجبان، يجب بتركهما سجود السجود؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، كما في حديث النسائي: «قولوا في كلّ جلسة التحيات».
وأمر به المسيء صلاته، كما تقدم.
وقال ابن مسعود: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد. وهذا يدل على فرضه عليهم.
قوله «فَكَانَ يَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ» هذا التشهد يرويه ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه بعض الاختلاف عن تشهد ابن مسعود رضي الله عنه.
قال النووي (4/115): واتفق العلماء على جوازها كلها، واختلفوا في الأفضل منها، فمذهب الشافعي وبعض أصحاب مالك: أن تشهد ابن عباس هذا أفضل؛ لزيادة لفظة «المباركات» فيه، وهي موافقة لقول الله عز وجل: {تحية من عند الله مباركة طيبة} (النور: 61).
ولأنه أكّده بقوله: «يعلّمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن». وقال أبو حنيفة وأحمد وجمهور الفقهاء وأهل الحديث: تشهد ابن مسعود أفضل؛ لأنه عند المحدثين أشد صحة، وإن كان الجميع صحيحا، وقال مالك: تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموقوف عليه أفضل؛ لأنه علمه الناس على المنبر، ولم ينازعه أحد، فدل على تفضيله، وهو: «التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، سلام عليك أيها النبي...» إلى آخره. انتهى.
قلت: وتشهد ابن مسعود رواه الشيخان، وفيه: «علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفّي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن».
قوله: «التحيات» جمع تحية، والتحيّة ما تُحيّا به الملوك، من الحياة أو البقاء والملك، فالله تبارك وتعالى أحقّ به من كل أحد.
وإنما قيل «التحيات» بالجمع؛ لأنّ ملوك العرب كان كل واحدٍ منهم تحييه أصحابه بتحية مخصوصة، فقيل جميع تحياتهم لله تعالى، وهو المستحق لذلك حقيقة.
ومعنى الحديث: أن التحيات وما بعدها مستحقة لله تعالى، ولا تصلح حقيقتها لغيره (النووي).
قوله «المباركات»، من البركة وهي الخير الكثير الفائض.
قوله «والصلوات لله»، الصلوات جمع صلاة، وهي في اللغة: الدعاء، والمراد بها «الأدعية التي يراد بها تعظيم الله تعالى، هو مستحقها، لا تليق بأحد سواه» كما في «النهاية» لابن الأثير.
قوله «الطيبات» وهي الأقوال والأعمال الطيبة من ثناء على الله وإخلاص وعمل صالح.
وفي «الفتح»: ما طاب من الكلام، وحسن أن يثنى به على الله، دون ما لا يليق بصفاته، مما كان الملوك يحيون به.
قوله «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» قال النووي: قيل: معناه: التعوذ بالله والتحصن به سبحانه وتعالى؛ فإن السلام اسمٌ له سبحانه وتعالى، تقديره: الله حفيظ وكفيل، كما يقال: الله معك، أي: بالحفظ والمعونة واللطف، وقيل: معناه: السلامة والنجاة لكم، ويكون مصدرا كاللذاذة واللذاذ، كما قال الله تعالى: {فسلامٌ لك من أصحاب اليمين} (الواقعة: 91).
قال: واعلم أن السلام الذي في قوله «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» يجوز فيه حذف الألف واللام، فيقال: سلام عليك أيها النبي وسلام علينا، ولا خلاف في جواز الأمرين هنا، ولكن الألف واللام أفضل، وهو الموجود في روايات البخاري ومسلم.
وبدأ بنفسه صلى الله عليه وسلم لشرفه ومزيد حظه، ثم بأنفس الصالحين.
وفي رواية الصحيحين: عن ابن مسعود قال: «فلما قبض قلنا: السلام على النبي» أي: قال الصحابة ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: «هذه الزيادة ظاهرها أنهم كانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي، بكاف الخطاب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تر كوا الخطاب، وذكروه بلفظ الغيبة، فصاروا يقولون: السلام على النبي (انظر تمام البحث في صفة صلاة النبي للألباني ص 161-162).
قوله «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ» العبد الصالح: هو القائم بحقوق الله تعالى، وحقوق العباد، من الصلاح وهو استقامة الشيء ضد الفساد.
وجاء في الرواية الأخرى: «فإذا قالها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض» وذلك لأن «الصالحين» بدئت باللف واللام الدالتين على الاستغراق والشمول والعموم.
قوله «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وهما الشهادتان اللتان سمّي بهما التشهد.
فائدة: السنة في التشهد إخفاؤه، كما روى ذلك أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 17-02-2025, 08:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 41 )

باب : ما يُسْتَعَاذ منه في الصلاة

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
308.عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيّ[ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ». قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ».
الشرح : قال المنذري: باب ما يستعاذ منه في الصلاة:
الحديث أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (1/412) وبوب عليه النووي (5/85): باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم. والحديث رواه البخاري في الصلاة: باب الدعاء قبل السلام (832) فالحديث متفق عليه.
قولها: «أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ» أي: بين التشهد والتسليم، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الباب نفسه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا تشهد أحدكم ، فليستعذْ بالله من أربع: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم...».
فكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من هذه الأمور بين التشهد والتسليم.
وجاء في الرواية الأخرى الأمر به، وأنه يكون في التشهد الأخير، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : «إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر، فليتعوذ بالله من أربع...» فدل على عدم مشروعيته في التشهد الأول؛ ولأنه مبني على التخفيف.
وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلّمهم هذا الدعاء، كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: قولوا: «اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم...»، وهذا مما يدل على تأكّد هذا الدعاء.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج : بلغني أن طاووسا قال لابنه: أدعوت بها في صلاتك ؟ فقال: لا، قال: أعد صلاتك! لأن طاووسا رواه عن ثلاثة أو أربعة أو كما قال.
قال النووي: ظاهر كلام طاووس رحمه الله تعالى أنه حمل الأمر على الوجوب ، فأوجب إعادة الصلاة لفواته، وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب، ولعل طاووسا أراد تأديب ابنه، وتأكيد هذا الدعاء عنده، لا أنه يعتقد وجوبه، والله أعلم. انتهى
قوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» وفيه إثبات عذاب القبر وفتنته – أي سؤال الملكين - وهو ما صرّحت به نصوص القرآن والسنة وهو مذهب أهل الحق، خلافا للمعتزلة وأشباههم، قال عز وجل عن قوم نوح عليه السلام: {مما خطيئاتهم أُغرقوا فأدخلوا نارا}.
وقال عن قوم فرعون: {النارُ يُعرضون عليها غُدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب}.
وروى مسلم في الباب: من حديث عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أن عجوزين من عُجز يهود المدينة دخلتا عليّ، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال صلى الله عليه وسلم : «صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم»، قالت: فما رأيته بعدُ في صلاةٍ إلا يتعوّذ من عذاب القبر. ورواه البخاري في الدعوات (6366).
وفي حديث أسماء رضي الله عنها قال صلى الله عليه وسلم : «إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال».
قوله: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»، الفتنة: هي الاختبار والامتحان، وفتنة المسيح الدجال من أعظم الفتن وأخطرها، ومن أجل ذلك حذرت الأنبياء جميعا أممها من شره وفتنته، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من فتنته في كل صلاة، وبين أن فتنته من أكبر الفتن منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة .
وسمي مسيحا: لأنه ممسوح العين مطموسها ، فهو أعور.
وسمي بالدجال: تميزاً له عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام؛ لأنه كذابٌ يُغطي الحقّ ويستره، ويُظهر الباطل، ومن ذلك: ادعاؤه الألوهية وهو أعور ؟! والله تعالى ليس بأعور؟! ومعه جنةٌ ونار، فجنته نار، وناره جنة، ولا يبقى بلدٌ في الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة تمنعه الملائكة من دخولهما، وغير ذلك مما جاء في أخباره.
قوله: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»، أي: زمن الحياة والموت، قال ابن دقيق العيد : فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات،وأعظمها – والعياذ بالله – أمر الخاتمة عند الموت.
قال ابن بطال : هذه كلمة جامعة لمعان كثيرة، وينبغي للمرء أن يرغب إلى ربه في رفع ما نزل ودفع ما لم ينزل، ويستشعر الافتقار إلى ربه في جميع ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جميع ما ذكر، دفعا عن أمته، وتشريعا لهم ليبين لهم صفة المهم من الأدعية. (الفتح 11/176).
ومن فتن الحياة ما ذكره الله تعالى بقوله: {زُيّن للناس حبُّ الشهواتِ من النساءِ والبنين والقناطير المقنطرة من الذهبِ والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب}.
وقوله: {إنما أموالكم وأموالكم فتنة}.
واختلفوا في المراد «بفِتْنَةِ َالْمَمَاتِ»، فقيل: فتنة القبر، وقيل: الفتنة عند الاحتضار.
قوله: «من المأثم والمغرم».
والمغرم: أي الدّين، يقال: غرم بكسر الراء أي: أدان، قيل: والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز وفيما لا يجوز ثم يعجز عن أدائه.
وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين.
قوله: «فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!»، ما أكثر، بفتح الراء على التعجب ، لأنه كان[ يكرر ذلك.
فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ»، أي: حملته الديون على هذه المخالفات للشرع، لا سيما إذا كان الدين مما يكرهه الله تعالى .
قال الحافظ ابن حجر: وقد استشكل بما ذكر مع أنه معصومٌ مغفور له ما تقدم وما تأخر ، وأجيب بأجوبة:
أحدها أنه قصد التعليم لأمته.
ثانيها: أن المراد السؤال منه لأمته فيكون المعنى هنا أعوذ بك لأمتي. ثالثها: سلوك طريق التواضع، وإظهار العبودية والتزام خوف الله وإعظامه، والافتقار إليه ، وامتثال أمره في الرغبة إليه، ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الإجابة؛ لأن ذلك يحصل الحسنات، ويرفع الدرجات، وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك؛ لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة .
وأما الاستعاذة من «فتنة الدجال» مع تحققه أنه لا يدركه، فلا إشكال فيه على الوجهين الأولين ، وقيل على الثالث: يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقق عدم إدراكه، ويدل عليه قوله في الحديث الآخرعند مسلم: «إنْ يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه» الحديث. (الفتح 2/319) والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 175.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 169.63 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (3.33%)]