|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#381
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [216] الحلقة (247) شرح سنن أبي داود [216] من واجبات الحج التجرد عن اللباس المخيط، ولبس إزار ورداء بالنسبة للرجل، والمرأة تلبس ما شاءت غير أنها لا تلبس القفازين ولا تنتقب، ويحرم على المحرم أن يمس طيباً حال إحرامه، وإذا فعل فيجب عليه أن يزيله بغسله أو باستبدال لباس آخر، وعليه فدية، إلا إذا فعل ذلك جاهلاً أو ناسياً. إحرام الرجل في ثيابه شرح حديث: ( اغسل عنك أثر الخلوق واخلع الجبة ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرجل يحرم في ثيابه. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام قال: سمعت عطاء أخبرنا صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه أثر خلوق -أو قال: صفرة- وعليه جبة، فقال: يا رسول الله! كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوحي، فلما سُرِّي عنه قال: أين السائل عن العمرة؟ قال: اغسل عنك أثر الخلوق، أو قال: أثر الصفرة، واخلع الجبة عنك، واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك) ]. أورد أبو داود باب: الرجل يحرم في ثيابه، أي: الثياب التي اعتادها، فيصح إحرامه فيها، ولكن لا يجوز له أن يلبس الثياب المخيطة كالقميص والفنايل والسراويل وما إلى ذلك، فكل ذلك لا يلبسه المحرم، ولكن لو حصل أنه دخل وهو كذلك فإنه يصح إحرامه، فلو أن إنساناً احتاج إلى أن يحرم وليس معه لباس الإحرام، وكان عند الميقات أو في الطائرة، ولم يتمكن من الحصول على ثياب الإحرام، فإنه يحرم في ثيابه، لكن ليس على هيئة اللبس، بل يخلع ثوبه ويتزر به، ولا يؤثر ذلك، وإنما الذي يؤثر أن يلبسه على الهيئة المعروفة كما يلبس القميص. قوله: (لما كان بالجعرانة جاءه رجل عليه أثر خلوق)، هو نوع من الطيب، قوله: (وعليه جبة) هذا هو معنى أن الرجل يحرم في ثيابه، فهذا الرجل أحرم وعليه هذه الجبة، والجبة لباس غليظ يتقى به البرد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس جبة، كما في حديث المغيرة بن شعبة في مسألة التيمم، وكان المغيرة يصب عليه الماء، ولما أراد أن يغسل يديه أراد أن يخرجهما من الجبة فإذا كم الجبة ضيق، فأدخل يديه من الداخل، ورفع الجبة وجعل يتوضأ والجبة مرفوعة، أي: من تحتها، فهي لها أكمام، وهي مثل القميص والثوب، إلا أنها غليظة، وهي تقي من البرد، وليست كالجبب التي عندنا في هذا الزمان، فهذه التي معنا مفتوحة، والإنسان يدخل يديه في أكمامها، وأما رأسه فإنه لا يدخل في جيب، وإنما هو مفتوح، فهي مثل الكوت إلا أنها كبيرة. قوله: (قال: كيف تأمرني أن أصنع في العمرة؟ فأنزل عليه الوحي) وكان عليه الصلاة والسلام إذا أنزل عليه الوحي يصيبه شيء من التعب والمشقة، (ولما سُرِّي عنه) أي: ذهب عنه ما كان يجد بسبب نزول الوحي عليه، قال: (أين السائل عن العمرة؟ قال: اغسل عنك أثر الخلوق، واخلع الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنعه في حجك)، ولعلهم كانوا يفهمون أن العمرة تختلف عن الحج، وأنه يمكن للإنسان أن يلبس ألبسة في العمرة خلاف الألبسة التي يلبسها في الحج، فسأل: (ما يصنع في عمرته؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اغسل عنك الخلوق، واخلع الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنعه في حجك)، والخلوق قيل: إنه الزعفران، والرجل لا يجوز أن يتزعفر مطلقاً، وقيل: إن المقصود من ذلك أنه فعل ذلك أولاً، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتطيب قبل الإحرام ويستديمه بعد الإحرام، وقد فعل ذلك في حجة الوداع، ومرت بنا أحاديث تدل على أن الاستدامة غير الابتداء، فيحتمل أن يكون هذا قد حصل بعد الإحرام، ويحتمل أن يكون حصل قبل الإحرام، والزعفران لا يستعمله الرجل. تراجم رجال إسناد حديث: ( اغسل عنك أثر الخلوق واخلع الجبة ... ) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية ]. همام و عطاء مر ذكرهما، وصفوان بن يعلى بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ] يعلى بن أمية وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (اغسل عنك أثر الخلوق...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء عن يعلى بن أمية رضي الله عنه و هشيم عن الحجاج عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه بهذه القصة قال فيه: فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اخلع جبتك، فخلعها من رأسه، وساق الحديث) ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وفيه أنه قال: (اخلع جبتك فخلعها من رأسه)، ولا شك أن خلعه لا يكون إلا من رأسه، فهي تدخل من الرأس، ولا يمكن التخلص منها إلا بإخراجها من الرأس أو بتمزيق الثوب، والتمزيق إتلاف للمال، فلا يصلح، فلم يبق إلا إخراجها من الرأس، وهذا بيان للواقع الذي ليس هناك غيره. تراجم رجال إسناد حديث: (اغسل عنك أثر الخلوق...) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو: الطباع وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي عوانة ]. أبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. أبو بشر هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء عن يعلى بن أمية ]. عطاء و يعلى بن أمية قد مر ذكرهما. [ و هشيم عن الحجاج ]. هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحجاج هو ابن أرطأة ، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن صفوان بن يعلى عن أبيه ]. صفوان بن يعلى وأبوه قد مر ذكرهما. يقول الألباني : إن ذكر الإخراج من الرأس منكر؛ لأنه من جهة الحجاج وحده، فقد خالف الثقات. أقول: لكن الطريق الأولى رجالها ثقات، ثم إن إخراجها من الرأس هو الواقع، وما عداه ففيه إتلاف الجبة وشقها. وبعض أهل العلم يقول: إذا خلعها من رأسه فيلزم من ذلك أنه يغطي رأسه، لكن هذا شيء لابد منه، وأيضاً لا توجد تغطية؛ لأن أكثر ما في الأمر أنها تمر من الجوانب، وتذهب إلى فوق، وهو لن يغطي رأسه حتى تلزمه فدية، فله أن يسحبها من فوق الرأس، ولو حصلت تغطية فهذا لا يؤثر. شرح حديث: (اغسل عنك أثر الخلوق...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني الرملي حدثنا الليث عن عطاء بن أبي رباح عن ابن يعلى بن منية عن أبيه رضي الله عنه بهذا الخبر قال فيه: (فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينزعها نزعاً، ويغتسل مرتين أو ثلاثاً وساق الحديث) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: (أن النبي أمره أن ينزعها نزعاً وأن يغتسل مرتين أو ثلاثاً) أي: يغسل الطيب. قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ]. يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الليث ]. الليث بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء عن ابن يعلى ]. عطاء مر ذكره. [ عن ابن يعلى بن منية ]. ابن يعلى هو صفوان الذي مر ذكره، و يعلى بن منية هو يعلى بن أمية ، فمنية أمّه، وأمية أبوه، فهو أحياناً ينسب إلى أمه، وأحياناً ينسب إلى أبيه. شرح حديث: (اغسل عنك أثر الخلوق...) من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت قيس بن سعد يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجعرانة وقد أحرم بعمرة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه، وساق هذا الحديث) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: (أنه مصفر لحيته ورأسه) أي: بالطيب، وساق الحديث الذي تقدم، ومعلوم أن الغسل إنما يكون للجسد، وأما الجبة فإنها تنزع وما فيها، فإذا نزعها فلا يحتاج إلى أن يتخلص منها ومن الطيب الذي فيها، لكن يغسل التصفير الذي كان على لحيته ورأسه، وليس للإنسان أن يلبس الجبة وهي من المخيط، والتطيب بالزعفران قد جاء ما يدل على عدم استعماله، وقد يكون المقصود من ذلك أنه تطيب قبل الإحرام أو بعد الإحرام، فإذا كان بعد الإحرام فلا يجوز، ويغسله فلا يستديمه، وإنما يزيله، وإما إذا تطيب قبل إحرامه فاستدامته سائغة، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان على مفرقه أثر وبيص المسك وهو محرم، وقد وضعه قبل الإحرام. تراجم رجال إسناد حديث: (اغسل عنك أثر الخلوق...) من طريق رابعة قوله: [ حدثنا عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن وهب بن جرير ]. وهب بن جرير بن أبي حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن سعد ]. قيس بن سعد ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ]. عطاء و صفوان بن يعلى مر ذكرهم. أسئلة حكم العمرة عن شخص والحج عن آخر السؤال: إذا حج الإنسان عن شخص واعتمر عن آخر هل يعتبر متمتعاً؟ وعلى من يكون الهدي؟ الجواب: يكون متمتعاً وعليه هدي، فالحاج الذي حج يذبح الهدي، يعني الحاج الذي تصدق وأعطى هذا عمرته، وأعطى هذا حجه؛ يجب عليه أن يهدي، وإذا لم يستطع صام. حكم تغيير النية في الحج عن الغير بعد المرور من الميقات السؤال: هل يجوز تغيير النية في الحج بعد المرور من الميقات لمن نوى الحج لشخص ثم يغير النية في الطريق؟ الجواب: لا يجوز إلا إذا كان الإنسان يقلبها إلى نفسه لكونه لم يحج، وأما كونه يغير النية من شخص إلى شخص فليس له ذلك إذا حج فرضه. ولو أن إنساناً حج عن غيره، وهو لم يحج عن نفسه، فإن الحج ينقلب له، حتى ولو بدأ بمناسك الحج؛ لأن الحج وجد ولا يذهب سدى، ولا يمكن أن يكون لشخص غيره، فيكون له، وإذا كان أعطي نقود ليحج بها عن غيره فيرجع النقود إلى أهلها. حكم السلام على رسول الله بلفظ الخطاب من بعيد السؤال: هل يجوز للرجل أن يقول: السلام عليك يا رسول الله! في كل مكان؟ الجواب: لا يجوز أن يقول هذا في كل مكان، وإنما يقول ذلك عند زيارة قبره، وأما في غير ذلك فإنه يقول: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، أو اللهم! صل وسلم وبارك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الملائكة تبلغ ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. حكم التحدث في المجالس عن عيوب ولاة الأمور السؤال: ما حكم من يتحدث في المجالس عن عيوب ولاة الأمور، ويذكر أشياءً عن أحوالهم من غير تثبت؟ وهل هذا من منهج السلف؟ الجواب: ليس هذا من منهج السلف، وحتى لو كان متثبتاً فليس له أن يتكلم علناً؛ لأن هذا ليس فيه مصلحة، بل فيه مضرة، وإنما المصلحة في النصح، فعليه أن يبلغ النصيحة إلى من تنفع فيه النصيحة، وأما أن ينشر الكلام في ذلك من غير تثبت فهذا فيه وصفان ذميمان: الأول: أنه ينشر ذلك، والنشر هنا لا يصلح، والثاني: أنه لم يتثبت من ذلك، فمطية الرجل: زعموا، فأي شيء يسمعه فإنه يشيعه من غير تثبت، وهذا لا يصلح، وكما أنه هو نفسه لا يحب أن يعامل هذه المعاملة، فعليه أن يعامل غيره بهذه المعاملة، وإذا أراد أن يعرف هل يصلح هذا أو لا فعليه أن يقيس الناس على نفسه، فهل يرضى أن تنشر عيوبه بين الناس من غير تثبت، فيتحدث الناس بها في المجالس؟! فإذا كان يرى أن مثل هذا لا يعجبه ولا يناسبه فعليه أن يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه به، قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو حديث طويل: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) أي: أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). حكم قراءة القرآن ومس المصحف للحائض والجنب السؤال: سبق أن مر بنا حديث عندما سأل صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة قائلاً: (لعلك نفست؟ فقالت: نعم، قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء وقراءة قرآن، ولم يمنعها صلى الله عليه وسلم من قراءة القرآن سواءً في سرها أو من المصحف، وأما حديث ابن عمر المرفوع: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب) فقيل: إنه ضعيف من جميع طرقه كما قال الحافظ في (فتح الباري) ( 1/409)، ولا يصح في نهي الحائض والجنب عن قراءة القرآن حديث، فما توجيه فضيلتكم؟ الجواب: لا نعلم دليلاً يدل على منع الحائض من أن تقرأ القرآن من حفظها، وأما أن تقرأ من المصحف فليس لها أن تمس المصحف، بل كل من كان غير متوضئ سواءً كان رجلاً أو امرأة فليس له أن يمس القرآن، كما جاء في الحديث: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، فمس المصحف يحتاج إلى وضوء، وأما القراءة عن ظهر قلب فلا بأس بها لمن كان على غير وضوء، وكذلك الحائض لها أن تقرأ القرآن من حفظها، إما قراءتها من المصحف فقد منعنا صاحب الحدث الأصغر فهي من باب أولى. وأما الجنب فيختلف عن الحائض؛ لأن التخلص من الجنابة بيده، فإن كان عنده ماء يغتسل، وإن لم يكن فإنه يتيمم، وأما الحائض فليس التخلص من الحيض بيدها، بل لها أمد تنتظره حتى ينتهي ثم تغتسل، وأما الجنب فأمره بيده، فيغتسل أو يتيمم وبعد ذلك يقرأ القرآن.
__________________
|
#382
|
||||
|
||||
![]() لباس المحرم شرح حديث (لا يلبس المحرم القميص ولا البرنس ولا السراويل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما يلبس المحرم. حدثنا مسدد و أحمد بن حنبل قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يترك المحرم من الثياب؟ فقال: لا يلبس القميص، ولا البرنس، ولا السراويل، ولا العمامة، ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران، ولا الخفين إلا لمن لا يجد النعلين، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب ما يلبس المحرم] يعني: من الثياب، والمقصود من هذه الترجمة: بيان الألبسة التي يُمنع منها الإنسان المحرم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يترك المحرم من الثياب) أي: عما يترك لبسه، وفي بعض الروايات في الصحيحين: (سأل عما يلبس المحرم من الثياب)، فأجاب عليه الصلاة والسلام بالشيء الذي لا يلبس؛ لأنه محصور ومحدود، وفي حديث ابن عمر هذا عند أبي داود كان الجواب مطابقاً للسؤال، فقد كان السؤال عما يترك، والجواب بما يترك. وأما ما في الصحيحين من السؤال عما يلبس، وإجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس، فيسمى هذا الأسلوب: أسلوب الحكيم، وهو أن يجيب المسئول بالصيغة التي تجعل الجواب مختصراً. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن اللباس الذي يتركه المحرم هو اللباس الذي كان قد اعتاده؛ كالقميص المفصل على الجسد كله، أو ما فُصِّل على بعضه كالسراويل، أو ما هو خاص بالرأس كالعمامة، وهي التي يغطى بها الرأس وتكون منفصلة، وكذلك أيضاً إذا كانت متصلة بغيرها وليست منفصلة كالبرانس، وهي الثياب التي يكون غطاء الرأس فيها متصلاً بها، وكذلك لا يلبس الخفين، وهما اللذان يغطيان الكعبين، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل الكعبين. والمقصود من ترك لبس القميص أن يلبسه الإنسان على الهيئة المعروفة، أما لو احتاج الإنسان إلى أن يجعل القميص إزاراً؛ كأن يكون آتٍ في الطائرة وليس معه إزار ورداء، أو أنه لم يكن ينوي الحج والعمرة ثم بدا له أن يعتمر أو أن يحج وهو مقبل على الميقات، فلا بأس بأن يتجرد من ثوبه ويلبسه على هيئة الإزار حتى يجد إزاراً ورداءً، فلبسه هنا ليس على الهيئة المعروفة المعتادة المنهي عنها، والمقصود من الإحرام أن يكون الإنسان على هيئة تخالف ما كان عليه من هيئة في المعتاد، ثم إن الإزار والرداء كان من ألبسة العرب ومن ألبسة المسلمين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس الإزار والرداء في غير الحج والعمرة، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هنا في الحديث ما لا يجوز من اللباس، وعليه فإن غيره من اللباس يجوز لبسه، فيجوز له أن يلبس ما شاء من الثياب ما دام أنه ليس مما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه من اللباس. وقد كان هذا السؤال في المدينة قبل سفره صلى الله عليه وسلم إلى الحج. قوله: (ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران) أي: لا يلبس الإنسان الثياب المطيبة، ولا يطيب ثيابه إذا أراد الإحرام، وإنما يطيب جسده كرأسه ولحيته، ويترك الطيب فيما بعد ذلك، والثوب المزعفر لا يستعمله الرجل لا في الحج ولا في غيره، فقد جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه. والتنصيص هنا على الورس والزعفران ليس من باب التخصيص لهما، إنما هذا الحكم يشمل جميع أنواع الطيب، فلا يستعمل الطيب لا في الطعام ولا في الشراب، ولا يستعمل أيضاً على جسد الإنسان ولا في ثيابه، فأي شيء رائحته طيبة ويقصد منه الرائحة الطيبة فذلك لا يجوز. قوله: (ولا الخفين إلا لمن لا يجد النعلين، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء: هل إذا لم يجد النعلين يلبس الخفين ويقطعهما كما جاء في هذا الحديث، أو أنه لا يقطعهما كما جاء في حديث ابن عباس الذي سيذكره المصنف، وقد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، والحجاج متوافرون من مختلف الآفاق، وهو يبين للناس ما ينبغي لهم أن يفعلوه، فإنه لم يذكر القطع في عرفة، ولكنه ذكره في أول الأمر قبل أن يسافر. فقال بعض أهل العلم: يحمل المطلق على المقيد، فيحمل حديث ابن عباس على حديث ابن عمر، وأنه يقطع، وبهذا قال جمهور أهل العلم. وقال بعض أهل العلم: إن حديث ابن عباس متأخر، وقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم في مكان اجتمع فيه الناس من مختلف الآفاق، فسمعه من جاء من المدينة، ومن جاء من غير المدينة، وهذا بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو كان القطع مطلوباً أو مشروطاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. فقالوا: إن حديث ابن عمر منسوخ بحديث ابن عباس المتأخر، وأنه يؤخذ بآخر الأمرين مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم. وقالوا أيضاً: إن هذا مثل السراويل فقد جاء في الحديث أن من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ولم يذكر أنه يشقها، إذاً فكما أن السراويل يلبسها المحرم كما هي ويكون معذوراً في ذلك، ويكون لبسها رخصة لمن لم يجد الإزار، فكذلك أيضاً من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ولا يقطعهما. وهذا القول -فيما يبدو- هو الأرجح من جهة أنه آخر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الناس الذين سمعوه كانوا قد جاءوا من مختلف الآفاق، وكذلك الرخصة فيه كالرخصة في السراويل. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يلبس المحرم القميص ولا البرنس ولا السراويل...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبو هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (لا يلبس المحرم القميص...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وقال: بمعناه، أي: بمعنى الحديث المتقدم، مع اختلاف في الألفاظ والإسناد. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يلبس المحرم القميص...) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر مر ذكره. شرح حديث: (لا يلبس المحرم القميص ...) من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، وزاد: ولا تنتقب المرأة الحرام، ولا تلبس القفازين) ]. أورد المصنف حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو كالذي قبله وفيه زيادة: (ولا تنتقب المرأة الحرام) أي: المحرمة، (ولا تلبس القفازين)، فالمرأة ليست كالرجل في الإحرام، فلها أن تلبس ما تشاء، وإنما تمنع من لبس النقاب، فلا تنتقب ولا تلبس القفازين، وهما اللذان تدخل فيهما اليدان؛ لاتقاء البرد أو غير ذلك، فهذا تمنع منه المرأة، وقد جاء الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تلبس النقاب، وإنما تغطي وجهها إذا كان هناك رجال أجانب كما سيأتي ذلك عن عائشة أنها قالت: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نكشف وجوهنا، فإذا حاذانا الركبان سدلت إحدانا خمارها على وجهها)، فتغطية الوجه للمحرمة قد جاءت به السنة، ولكن لا يكون ذلك بالنقاب ولا البرقع، وأما استعمال الخمار وتغطية الوجه عند الرجال الأجانب فهو مشروع. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يلبس المحرم القميص ...) من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما. ثبوت حديث: (لا يلبس المحرم القميص...) مرفوعاً وموقوفاً وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل و يحيى بن أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع على ما قال الليث ، ورواه موسى بن طارق عن موسى بن عقبة موقوف على ابن عمر ، وكذلك رواه عبيد الله بن عمر و مالك و أيوب موقوفاً، و إبراهيم بن سعيد المديني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (المحرمة لا تنتقب، ولا تلبس القفازين). قال أبو داود : إبراهيم بن سعيد المديني شيخ من أهل المدينة ليس له كثير حديث ]. ذكر أبو داود أن هذا الذي جاء من ذكر النهي عن الانتقاب ولبس القفازين جاء مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الطرق موقوفاً على ابن عمر ، والمرفوع ثابت وصحيح، وهو في الصحيحين، والطريق التي أوردها أبو داود من طريق الليث هي مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر بعض الطرق التي تماثل هذه الطريق المرفوع، وذكر بعض الطرق التي فيها أنه موقوف على ابن عمر ، فيكون الحديث جاء عنه موقوفاً وجاء عنه مرفوعاً. قوله: [ وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ]. حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع على ما قال الليث ]. أي: أنه مرفوع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ ورواه موسى بن طارق ]. موسى بن طارق ثقة، أخرج له النسائي . [ عن موسى بن عقبة موقوف على ابن عمر ]. أي: أنه جاء عن موسى بن عقبة مرفوعاً وموقوفاً. [ وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ]. عبيد الله بن عمر هو: العمري المصغر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مالك و أيوب ]. مالك بن أنس مر ذكره، و أيوب هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و إبراهيم بن سعيد المديني ]. إبراهيم بن سعيد المديني مجهول الحال، أخرج له أبو داود ، وقال عنه أبو داود : شيخ من أهل المدينة ليس له كبير حديث. [ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أي: أنه جاء من طريق هذا الرجل المجهول مرفوعاً، والطرق السابقة أيضاً جاءت مرفوعة، وقد أشار أبو داود رحمه الله إلى حاله وقلة حديثه. شرح حديث: (المحرمة لا تنتقب...) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إبراهيم بن سعيد المديني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين) ]. هذا طريق آخر عن ابن عمر مرفوع، وإبراهيم بن سعيد الذي في إسناده هو الذي رفعه، وهو موافق لما جاء في الصحيحين. قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد عن إبراهيم بن سعيد المديني عن نافع عن ابن عمر ]. كلهم مر ذكرهم. شرح حديث: (أن رسول الله نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: فإن نافعاً مولى عبد الله بن عمر حدثني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفراً، أو خزاً، أو حلياً، أو سراويل، أو قميصاً، أو خفاً) ]. هذا الحديث مثل الحديث السابق، إلا أن فيه زيادة أن المرأة تمتنع من القفازين، ومن النقاب، ومن الطيب، ولتلبس ما شاءت بعد ذلك، أي: سواءً كان سراويل أو ثياباً أو حلياً أو خفاً، فكل ذلك لا تمنع منه المرأة، لكن لا يكون زينة ولا فتاناً، فالمرأة تختلف عن الرجل. والمحرمة لها أن تلبس الحلي، بشرط ألا يظهر ويفتتن به الناس، ولا يلزمها إذا كان عليها حلي أن تخلع حليها إذا أرادت أن تحرم. ويصح إحرام المرأة وهي مختضبة بالحناء، ولكن لا ينبغي أن تفعل ذلك، لكن إذا وجد فإنها تخفيه بثيابها، ولا تخفيه بالقفازين. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. مر ذكره. [ حدثنا يعقوب ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع وابن عمر ]. طريق أخرى لحديث: (أن رسول الله نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب...) [ (ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب) ]. [ قال أبو داود : روى هذا الحديث عن ابن إسحاق عن نافع : عبدة بن سليمان و محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق إلى قوله: (وما مس الورس والزعفران من الثياب)، ولم يذكرا ما بعده ] أي: أنه وقع في هذه الطريق اختصار، فذكر ما مسه الزعفران والورس، ولم يذكر ما عدا ذلك، وهو مذكور في الطريق السابقة، وهو صحيح ثابت. [ قال: روى هذا الحديث: عن ابن إسحاق عن نافع : عبدة بن سليمان ]. عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن سلمة ]. محمد بن سلمة الباهلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. شرح حديث ابن عمر في نهي النبي عن لبس المحرم للبرنس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه وجد القر فقال: ألق علي ثوباً يا نافع ! فألقيت عليه برنساً، فقال: تلقي علي هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم؟! ]. أورد المصنف حديث ابن عمر أنه وجد القر -أي البرد- فقال لنافع : ألق علي ثوباً. أي: شيئاً يغطيه ويستدفئ به، قال: (فألقيت عليه برنساً، فقال: تلقي علي هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم؟!) فهذا يدل على أن المحرم لا يستعمل الشيء الذي منع منه حتى ولو كان على سبيل الغطاء، لكن إذا أراد الإنسان أن يحرم وليس معه إزار ورداء، فله أن يتزر به مؤقتاً حتى يجد إزاراً، وليس عليه شيء؛ لأنه لم يلبسه على الهيئة التي منع منها. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نهي النبي عن لبس المحرم للبرنس قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكر هؤلاء الثلاثة. شرح حديث: (السراويل لمن لا يجد الإزار والخف لمن لم يجد النعلين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: السراويل لمن لا يجد الإزار، والخف لمن لا يجد النعلين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السراويل لمن لا يجد الإزار، والخف لمن لا يجد النعلين)، وهذا جاء عنه صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة، والناس يشهدون ذلك من مختلف الآفاق، وتلقوا عنه هذا الكلام، فقال بعض أهل العلم: إنه يؤخذ بهذا ويترك القطع؛ لأن ذاك متقدم وهذا متأخر، وقال بعض أهل العلم: إنه يحمل المطلق على المقيد، ومما يقوي أنه لا يقطع، أن السراويل بدل عن الإزار، والسراويل لا يحصل فيها شق ولا قطع، فتكون الخفاف كذلك، ولو كان القطع مطلوباً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الذين جاءوا من مختلف الآفاق، فالقول بأن المحرم يلبسه ولا يقطعه هو الأظهر. وإذا أراد الإنسان أن يلبس ثياباً من أجل مرض فيه فعليه الفدية، وهذا مثل الذي يحلق رأسه، فإن عليه الفدية إذا كان مضطراً إلى ذلك، فالإنسان إذا كان به مرض ويريد أن يلبس ثيابه سواءً كانت سراويل، أو قميصاً أو غير ذلك مما يحتاج الإنسان إلى لبسه لمرض به، فإن عليه الفدية، لكن من لم يجد الإزار فليلبس السراويل وليس عليه فدية، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليس عليه فدية. وهذه الأوقات مع برودة الجو قد يحتاج كبار السن إلى ثياب داخلية للتدفئة، فإذا خشي عليهم الضرر، فإن لهم أن يلبسوا ويفدوا، ولكن يمكن أن يحصل ما يريدون بأن يلتحف الواحد منهم بأي لحاف من الألحفة التي مثل البطانية فوق الإحرام، ولا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (السراويل لمن لا يجد الإزار والخف لمن لا يجد النعلين) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار ]. عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن زيد ]. جابر بن زيد هو: أبو الشعثاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : هذا حديث أهل مكة، ومرجعه إلى البصرة إلى جابر بن زيد ، والذي تفرد به منه ذكر السراويل، ولم يذكر القطع في الخف ]. يعني بأهل مكة ابن عباس و عمرو بن دينار ، و سليمان بن حرب وإن كان بصرياً إلا أنه كان قاضياً بمكة، و جابر بن زيد بصري، وكذلك حماد بن زيد. شرح حديث عائشة: (كنا نخرج مع النبي إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسين بن الجنيد الدامغاني حدثنا أبو أسامة أخبرني عمر بن سويد الثقفي حدثتني عائشة بنت طلحة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حدثتها قالت: (كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينهاها) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنهن كن يخرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فكن يضمدن جباههن بالسك المطيب، فإذا عرقت إحداهن سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره) وهذا الطيب كأنه من الطيب الذي يختص بالنساء، فيرى ولا تظهر رائحته. تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نخرج مع النبي إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام...) قوله: [ حدثنا الحسين بن الجنيد الدامغاني ]. هو لا بأس به، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا أبو أسامة ]. أبو أسامة هو حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن سويد الثقفي ]. عمر بن سويد الثقفي ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن عائشة بنت طلحة ]. عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة أم المؤمنين ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن رسول الله قد كان رخص للنساء في الخفين فترك ذلك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق قال: ذكرت لابن شهاب فقال: حدثني سالم بن عبد الله (أن عبد الله -يعني: ابن عمر رضي الله عنهما- كان يصنع ذلك، يعني: يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة رضي الله عنها حدثتها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين فترك ذلك) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عمر أنه كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة، فلما حدثته صفية بنت أبي عبيد -وهي زوجته- أن عائشة -وهي أم المؤمنين- رضي الله عنها حدثتها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين ترك ذلك). أي: رخص لهن أن يلبسن الخفاف من دون قطع، فترك ذلك الذي كان يأمرهن به، فلعل ابن عمر اجتهد أولاً وقاس النساء على الرجال، ولما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص ذلك للنساء، ترك الأمر بالقطع. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قد كان رخص للنساء في الخفين فترك ذلك) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أبي عدي ]. ابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن صفية بنت أبي عبيد ]. صفية بنت أبي عبيد هي زوجة ابن عمر ، وهي ثقة، أخرج لها البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها مر ذكرها."
__________________
|
#383
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [217] الحلقة (248) شرح سنن أبي داود [217] يجوز للمحرم فعل أشياء قد يظنها بعض الناس غير جائزة، فمن ذلك أنه يجوز له أن يتظلل من الشمس، ويجوز للمحرمة أن تستر وجهها بخمارها بحضرة الرجال الأجانب، ويجوز للمحرم أن يحتجم، لكن إن حلق بعض شعره بسبب الحجامة فعليه فدية على الراجح من قولي العلماء رحمهم الله تعالى. حمل المحرم للسلاح شرح حديث: (لما صالح رسول الله أهل الحديبية صالحهم على ألا يدخلوها إلا بجلبان السلاح...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المحرم يحمل السلاح. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء رضي الله عنه يقول: (لما صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل الحديبية صالحهم على ألا يدخلوها إلا بجلبان السلاح، فسألته: ما جلبان السلاح؟ قال: القراب بما فيه) ]. أورد أبو داود باب المحرم يحمل السلاح، أي: عند الحاجة إلى ذلك، كأن يكون هناك خوف، أو يخشى أن يلقى عدواً، فإن له أن يحمل السلاح في هذه الحالة، لكن يحمله مغمداً ليس مشهراً. وأورد أبو داود حديث البراء بن عازب في صلح الحديبية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صده المشركون عن الإتيان بعمرته عام الحديبية في السنة السادسة كان مما جرى في العقد الذي أبرم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو زعيم المشركين في ذلك الوقت: أنهم يعتمرون من السنة الآتية، لكن لا يدخلونها إلا ومعهم جلبان السلاح، أي: وفيها السلاح من سيف وسوط وغير ذلك، ومعنى ذلك أنهم يحملون ويكون مغمداً غير مشهر. تراجم رجال إسناد حديث: (لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية صالحهم على ألا يدخلوها إلا بجلبان السلاح...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر هو الملقب غندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي هو عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء ]. البراء بن عازب رضي الله عنهما، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. تغطية المحرمة وجهها شرح حديث: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: تغطية المحرمة وجهها. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه) ]. أورد أبو داود باب المحرمة تغطي وجهها، أي: تغطي وجهها عند الرجال الأجانب. وأورد فيه حديث عائشة : (أنهن كن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهن محرمات، فإذا حاذاهن الركبان سدلت إحداهن خمارها على وجهها، فإذا جاوزوهن) أي: تعدوهن الركبان، (فإنها تكشف وجهها)؛ لأن التغطية كانت من أجل ذلك وقد زال، إذاً فهن يغطين من أجل الركبان، ويكشفن إذا جاوزهن الركبان. وهذا الحديث فيه رجل متكلم فيه؛ لذا ذكره الألباني في ضعيف السنن، ولكنه حسنه في المشكاة، وفي كتاب حجاب المرأة المسلمة، وله شاهد عن أسماء رضي الله عنها من طريق صحيح، فهو حديث ثابت بشواهده. تراجم رجال إسناد حديث: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم ]. هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها مر ذكرها. تظليل المحرم شرح حديث أم الحصين في تظليل بعض الصحابة للنبي في حجة الوداع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المحرم يظلل. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن حصين عن أم الحصين رضي الله عنها حدثته قالت: (حججنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة و بلالاً رضي الله عنهما وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والآخر رافع ثوبه ليستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب: المحرم يظلل، أي: يوضع فوق رأسه شيء لا يكون ملاصقاً له؛ كي يظلله من حر الشمس. وأورد حديث أم الحصين رضي الله عنها: (أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فكان بلال و أسامة بن زيد أحدهما آخذ بخطام الناقة، والثاني رافع ثوبه يظلل رسول الله صلى الله عليه وسلم به) أي: وهو راكب على راحلته، وقد رمى الجمرات وهو راكب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدل على ما ترجم له المصنف، وأن مثل ذلك سائغ، والمحذور إنما هو أن يضع على رأسه شيئاً ملاصقاً، وأما إذا رفعه فوق رأسه بحيث يكون شبيهاً بالخيمة فلا مانع من ذلك ولا بأس به. وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يظلل من الشمس، كما فعل ذلك أصحابه معه، وفي هذا رد على الذين فتنوا بالغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم من الصوفية الذين يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا ظل له؛ لأنه نور يعكس نور الشمس، وهذا من أكبر الغلط، وهو من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أعطى الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الفضائل والخصائص ما يكفيه مما صح وثبت عنه صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاج إلى هذا الغلو، فقولهم هذا غير صحيح، وتظليله في هذا الحديث من حرارة الشمس أن تصل عليه صلى الله عليه وسلم يدلنا على بطلان مثل هذا الكلام. تراجم رجال إسناد حديث أم الحصين في تظليل بعض الصحابة للنبي في حجة الوداع قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم ]. أبو عبد الرحيم هو: خالد بن أبي يزيد الحراني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن زيد بن أبي أنيسة ]. زيد بن أبي أنيسة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن حصين ]. يحيى بن حصين ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أم الحصين ]. أم الحصين رضي الله عنها صحابية، أخرج حديثها مسلم وأصحاب السنن. احتجام المحرم شرح حديث: (أن النبي احتجم وهو محرم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المحرم يحتجم. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء و طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم احتجم وهو محرم) ]. أورد أبو داود باب: المحرم يحتجم، أي: عند الحاجة للاحتجام، فلا مانع من ذلك، فقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، وهذا دال على أن الاستشفاء بهذا العلاج للمحرم سائغ لا بأس به. وأورد فيه حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم). تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي احتجم وهو محرم) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء ]. عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و طاوس ]. طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. شرح حديث: (أن رسول الله احتجم وهو محرم في رأسه من داء كان به) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجم -وهو محرم- في رأسه؛ من داء كان به) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم -وهو محرم- في رأسه من داء كان به)، وهذا مثل الذي قبله، إلا أن ذاك مجمل، وهذا فيه بيان أن الحجامة كانت في الرأس، والحجامة في الرأس إذا كان الرأس لا شعر فيه لا إشكال فيها، فيحتجم ولا كلام في ذلك، وأما إذا كان فيه شعر فهذا فيه خلاف بين العلماء، فمن أهل العلم من قال: إنه يفدي؛ لإزالة الشعر، ومنهم من قال: إنه لا يفدي. وهذا الحديث ليس فيه إلا أنه صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه، ومعلوم أن رأسه صلى الله عليه وسلم كان فيه شعر، والراجح-والله أعلم- أن الإنسان يفدي الفدية التي خير فيها بين ثلاثة أشياء، وهي: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، فهذا هو الأولى؛ لأن هذا العمل فيه إزالة شعر بتعمد للحاجة، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لكعب بن عجرة أن يحلق رأسه من أجل القمل، وأرشده إلى الفدية، فالقول بأنه يفدي عن الشعر الذي يزيله عند الحجامة هو الأحوط. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله احتجم وهو محرم في رأسه من داء كان به) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا هشام ]. هشام هو ابن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. شرح حديث: (أن رسول الله احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به) ]. أورد المصنف حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به)، وهذا يدل على الاحتجام في حال الإحرام، وقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رأسه كما مر. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. [ قال أبو داود : سمعت أحمد قال: ابن أبي عروبة أرسله، يعني: عن قتادة ]. أي: أن قتادة أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسعيد بن أبي عروبة من أوثق الناس في قتادة ، لكن مادام أنه قد جاء من طريق صحيح فالرفع هو المعتمد. اكتحال المحرم شرح حديث عثمان في اكتحال المحرم بالصبر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: يكتحل المحرم. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب قال: (اشتكى عمر بن عبيد الله بن معمر عينيه فأرسل إلى أبان بن عثمان -قال سفيان وهو أمير الموسم-: ما يصنع بهما؟ قال: اضمدهما بالصبر، فإني سمعت عثمان رضي الله عنه يحدث ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود باب: يكتحل المحرم، واكتحال المحرم للحاجة أو للعلاج و للدواء لا بأس به، وأما أن يكتحل للزينة، فليس له ذلك؛ لأن المحرم مطلوب منه أن يبتعد عن الترفه والزينة؛ فذلك غير مناسب له، وأما إذا كان للعلاج والاستشفاء فهذا لا بأس به. وأورد حديثاً فيه أنه : (اشتكى عمر بن عبيد الله بن معمر عينيه فأرسل إلى أبان بن عثمان -قال سفيان : وهو أمير الموسم-: ما يصنع بهما؟ قال: اضمدهما بالصبر، فإني سمعت عثمان رضي الله عنه يحدث ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. وهذا يدل على جواز استعمال ذلك للحاجة، والصبر من الأشياء التي يتعالج بها، وليس فيه طيب، وإذا استخدم الكحل المعروف كالإثمد أو الكحل الأسود للعلاج فلا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث عثمان في اكتحال المحرم بالصبر قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى ]. أيوب بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نبيه بن وهب ]. نبيه بن وهب ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبان بن عثمان ]. أبان بن عثمان وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ سمعت عثمان ] عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقوله عن أبان بن عثمان : كان أمير الموسم، أي: أمير الحجاج الذي يحج بالناس. شرح حديث اكتحال المحرم وتراجم رجال إسناده من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن أيوب عن نافع عن نبيه بن وهب بهذا الحديث ]. هذه طريق أخرى للحديث السابق. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن إسماعيل بن إبراهيم بن علية ]. إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن نافع عن نبيه بن وهب ]. قد مر ذكرهم. الاغتسال للمحرم شرح حديث أبي أيوب الأنصاري في غسل المحرم رأسه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المحرم يغتسل. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه: (أن عبد الله بن عباس و المسور بن مخرمة رضي الله عنهم اختلفا بالأبواء، فقال ابن عباس : يغسل المحرم رأسه، وقال المسور : لا يغسل المحرم رأسه، فأرسله عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فوجده يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب، قال: فسلمت عليه، قال: من هذا؟ قلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟ قال: فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسان يصب عليه: اصبب، قال: فصب على رأسه، ثم حرك أبو أيوب رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيته يفعل صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود : باب المحرم يغتسل، واغتسال المحرم إذا كان لاحتلام أو نحو ذلك أمر متعين لابد منه، وإذا كان لغير ذلك من إزالة أوساخ، أو لطول العهد فإن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بذي طوى عند دخوله مكة. وأورد أبو داود حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فقد (اختلف ابن عباس و المسور بن مخرمة في الأبواء، فقال ابن عباس : يغسل المحرم رأسه، وقال المسور بن مخرمة : لا يغسله، فأرسلوا عبد الله بن حنين إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه يسأله، فوجده يغتسل بين قرنين وكان يستر بثوب، فسلم عليه فرد عليه السلام، فذكر أن ابن عباس أرسله إليه كي يسأله، فطأطأ الثوب حتى بدى رأسه، وقال لإنسان كان يصب عليه: اصبب، فحرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) أي: أن المحرم يغسل رأسه، ولكنه لا يدلكه الدلك الشديد؛ حتى لا يتساقط الشعر، وسواء كان هذا الغسل للجنابة وهو أمر لابد منه، أو لغير الجنابة، فإن السنة جاءت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمحرم له أن يغتسل ولا مانع من ذلك. قوله: [ كان بين قرنين ]، القرنان هما عودان يكونان على البئر تعلق بهما البكرة, وقد جعل بينهما ستاراً يستره عند الغسل. قوله: [ فسلمت عليه ]، فيه دليل على جواز السلام على من يغتسل أو يتوضأ، وأنه يرد السلام، وإنما يمنع أن يسلم على من يقضي حاجته، ولا يرد هو السلام في تلك الحال. وفيه أيضاً أنه عند الاختلاف يرجع إلى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمسور و ابن عباس لما حصل بينهما الاختلاف أرسلا رجلاً إلى أبي أيوب فلما جاءه الرسول أخبره بالسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن المحرم يغسل رأسه. تراجم رجال إسناد حديث أبي أيوب الأنصاري في غسل المحرم رأسه قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين ]. إبراهيم بن عبد الله بن حنين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. عبد الله بن حنين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي أيوب ]. هو خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة. فائدة: ذكرنا سابقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع التلبية حين رمى جمرة العقبة، وقد جاء في صحيح ابن خزيمة (أنه قطع التلبية مع آخر حصاة رماها) وقد صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى. ففي صحيح ابن خزيمة الجزء (4/281) قال رحمه الله تعالى: باب قطع التلبية إذا رمى الحاج جمرة العقبة يوم النحر. حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل -يعني: ابن جعفر - حدثنا محمد -وهو ابن أبي حرملة - عن كريب مولى ابن عباس ، قال كريب : فأخبرني عبد الله بن العباس رضي الله عنهما أن الفضل رضي الله عنه أخبره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة) . قال أبو بكر -وهو ابن خزيمة -: خرجت طرق أخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة في كتابي الكبير، وهذه اللفظة دالة على أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة بسبع حصيات، إذ هذه اللفظة: (حتى رمى الجمرة) و(حتى رمى جمرة العقبة) ظاهرها حتى رمى جمرة العقبة بتمامها، إذ غير جائز من جنس العربية إذا رمى الرامي حصاة واحدة أن يقال: رمى الجمرة، وإنما يقال: رمى الجمرة إذا رماها بسبع حصيات، وروي عن ابن مسعود : (فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة) حدثناه علي بن حجر أخبرنا شريك عن عامر عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة). قال أبو بكر : ولعله يخطر ببال بعض العلماء أن في هذا الخبر دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع التلبية عند أول حصاة يرميها من جمرة العقبة، وهذا عندي من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتابنا أن الأمر قد يكون إلى وقت موقت في الخبر، والزجر يكون إلى وقت موقت في الخبر، ولا يكون في ذكر الوقت ما يدل على أن الأمر بعد ذلك الوقت ساقط، ولا أن الزجر بعد ذلك الوقت ساقط، كزجره صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصلاة حتى تطلع الشمس، فلم يكن في قوله دلالة على أن الشمس إذا طلعت فالصلاة جائزة عند طلوعها؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد زجر أن يتحرى بالصلاة طلوع الشمس وغروبها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم أن الشمس تطلع بين قرني شيطان، فزجر عن الصلاة عند طلوع الشمس، وقال: (وإذا ارتفعت فارقها)، فدلهم بهذه المخاطبة أن الصلاة عند طلوعها غير جائزة حتى ترتفع الشمس، وقد أمليت من هذا الجنس مسائل كثيرة في الكتب المصنفة، و الدليل على صحة هذا التأويل: الحديث المصرح الذي حدثناه محمد بن حفص الشيباني حدثنا حفص بن غياث حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن حسين عن ابن عباس عن أخيه الفضل رضي الله عنهم أنه قال: (أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخرها حصاة). قال أبو بكر : فهذا الخبر يصرح أنه قطع التلبية مع آخر حصاة لا مع أولها، فإن لم يفهم بعض طلبة العلم هذا الجنس الذي ذكرنا في الوقت، فأكثر ما في هذين الخبر من أساس لو قال: لم يلب النبي صلى الله عليه وسلم بعد أول حصاة رماها، وقال الفضل : لبى بعد ذلك حتى رمى الحصاة السابعة، فكل من يفهم العلم، ويحسن الفقه، ولا يكابر عقله ولا يعاند؛ علم أن الخبر هو من يخبر بكون الشيء أو بسماعه لا ممن يدفع الشيء وينكره، وقد بينت هذه المسألة في مواضع من كتبنا. قال الشيخ الألباني : إسناده صحيح، أخرجه النسائي من طريق ابن عباس وليس فيه (ثم قطع التلبية مع آخرها) لكن في السنن الكبرى للبيهقي في (5/ 137) من طريق ابن خزيمة مثله، قال البيهقي : (ثم قطع التلبية في آخرها) زيادة غريبة، انظر الفتح (3/533). والنبي صلى الله عليه وسلم تلبيته معروفة، وكان يزيد عليها، وهي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، فهي طويلة، فكيف يقولها عند رمي كل حصاة؟! لكن إذا صح هذا الحديث فإنه يجب الأخذ به، لكن ينبغي أن يرجع إلى كلام الحافظ ابن حجر وينظر ماذا قال في هذه الزيادة؛ لأن التلبية عند الرمي بكل حصاة غريبة! كلام ابن خزيمة في وقت قطع الحاج للتلبية قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين ]. إبراهيم بن عبد الله بن حنين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. عبد الله بن حنين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي أيوب ]. هو خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة. فائدة: ذكرنا سابقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع التلبية حين رمى جمرة العقبة، وقد جاء في صحيح ابن خزيمة (أنه قطع التلبية مع آخر حصاة رماها) وقد صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى. ففي صحيح ابن خزيمة الجزء (4/281) قال رحمه الله تعالى: باب قطع التلبية إذا رمى الحاج جمرة العقبة يوم النحر. حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل -يعني: ابن جعفر - حدثنا محمد -وهو ابن أبي حرملة - عن كريب مولى ابن عباس ، قال كريب : فأخبرني عبد الله بن العباس رضي الله عنهما أن الفضل رضي الله عنه أخبره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة) . قال أبو بكر -وهو ابن خزيمة -: خرجت طرق أخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة في كتابي الكبير، وهذه اللفظة دالة على أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة بسبع حصيات، إذ هذه اللفظة: (حتى رمى الجمرة) و(حتى رمى جمرة العقبة) ظاهرها حتى رمى جمرة العقبة بتمامها، إذ غير جائز من جنس العربية إذا رمى الرامي حصاة واحدة أن يقال: رمى الجمرة، وإنما يقال: رمى الجمرة إذا رماها بسبع حصيات، وروي عن ابن مسعود : (فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة) حدثناه علي بن حجر أخبرنا شريك عن عامر عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة). قال أبو بكر : ولعله يخطر ببال بعض العلماء أن في هذا الخبر دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع التلبية عند أول حصاة يرميها من جمرة العقبة، وهذا عندي من الجنس الذي أعلمت في غير موضع من كتابنا أن الأمر قد يكون إلى وقت موقت في الخبر، والزجر يكون إلى وقت موقت في الخبر، ولا يكون في ذكر الوقت ما يدل على أن الأمر بعد ذلك الوقت ساقط، ولا أن الزجر بعد ذلك الوقت ساقط، كزجره صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصلاة حتى تطلع الشمس، فلم يكن في قوله دلالة على أن الشمس إذا طلعت فالصلاة جائزة عند طلوعها؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد زجر أن يتحرى بالصلاة طلوع الشمس وغروبها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم أن الشمس تطلع بين قرني شيطان، فزجر عن الصلاة عند طلوع الشمس، وقال: (وإذا ارتفعت فارقها)، فدلهم بهذه المخاطبة أن الصلاة عند طلوعها غير جائزة حتى ترتفع الشمس، وقد أمليت من هذا الجنس مسائل كثيرة في الكتب المصنفة، و الدليل على صحة هذا التأويل: الحديث المصرح الذي حدثناه محمد بن حفص الشيباني حدثنا حفص بن غياث حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن حسين عن ابن عباس عن أخيه الفضل رضي الله عنهم أنه قال: (أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخرها حصاة). قال أبو بكر : فهذا الخبر يصرح أنه قطع التلبية مع آخر حصاة لا مع أولها، فإن لم يفهم بعض طلبة العلم هذا الجنس الذي ذكرنا في الوقت، فأكثر ما في هذين الخبر من أساس لو قال: لم يلب النبي صلى الله عليه وسلم بعد أول حصاة رماها، وقال الفضل : لبى بعد ذلك حتى رمى الحصاة السابعة، فكل من يفهم العلم، ويحسن الفقه، ولا يكابر عقله ولا يعاند؛ علم أن الخبر هو من يخبر بكون الشيء أو بسماعه لا ممن يدفع الشيء وينكره، وقد بينت هذه المسألة في مواضع من كتبنا. قال الشيخ الألباني : إسناده صحيح، أخرجه النسائي من طريق ابن عباس وليس فيه (ثم قطع التلبية مع آخرها) لكن في السنن الكبرى للبيهقي في (5/ 137) من طريق ابن خزيمة مثله، قال البيهقي : (ثم قطع التلبية في آخرها) زيادة غريبة، انظر الفتح (3/533). والنبي صلى الله عليه وسلم تلبيته معروفة، وكان يزيد عليها، وهي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، فهي طويلة، فكيف يقولها عند رمي كل حصاة؟! لكن إذا صح هذا الحديث فإنه يجب الأخذ به، لكن ينبغي أن يرجع إلى كلام الحافظ ابن حجر وينظر ماذا قال في هذه الزيادة؛ لأن التلبية عند الرمي بكل حصاة غريبة! أسئلة حكم اعتمار الإنسان للتمتع ثم رجوعه إلى بلاده السؤال: هل يجوز للإنسان أن يعتمر للتمتع، ثم يرجع لبلاده ثم يأتي في وقت آخر للحج، ويكون متمتعاً كذلك؟ الجواب: لا يجوز، فإذا رجع الإنسان إلى بلده فإن تمتعه ينقطع، وإنما عليه إذا أراد أن يتمتع أن يأتي بعمرة أخرى. هل خروج الدم والصديد والقيء يبطل الوضوء السؤال: هل خروج الدم والصديد والقيء يبطل الوضوء؟ الجواب: يوجد خلاف بين أهل العلم في هذا، فمنهم من قال: إذا كان فاحشاً فإنه يبطل، وإذا كان قليلاً يسيراً فإنه لا يبطل، ولا نعلم دليلاً واضحاً يدل على أنه ينقص الوضوء إذا كان فاحشاً، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تحصل لهم الجراح فيصلون، لكن قال بعض أهل العلم: إنهم كانوا مضطرين إلى ذلك، والمضطر يصلي على حسب حاله، والله تعالى أعلم. وأما من حيث النجاسة: فقد قالوا بنجاسة الدم، وأما خروج الصديد فلا أدري هل هو مثله باعتبار أن فيه اختلاط الدم مع غيره أم لا. وأما القيء فلا أعلم دليلاً خاصاً به. حكم تكرار العمرة في الشهر ثلاث أو أربع مرات السؤال: ما حكم تكرار العمرة في الشهر ثلاث أو أربع مرات؟ الجواب: ما أعلم شيئاً يدل على تكرارها من مكة، أما إذا كانت العمرة من المواقيت المعروفة فلا بأس بها، أما العمرة التي تكرر من التنعيم فهذه لا نعلم شيئاً يدل عليها، ولكن كون الإنسان يعتمر داخلاً إلى مكة ولو تكررت العمرة في الشهر ثلاث مرات ما نعلم شيئاً يمنع منه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). حكم حلق بعض الرأس وترك بعضه لأجل الحجامة السؤال: هل يصح فعل كثير من الناس من حلق بعض الرأس وترك الباقي؛ لأجل الحجامة؟ الجواب: لا بأس أن يحلق مكان المحجم، ولا يكون ذلك من القزع؛ لأن هذا علاج، فليس بلازم أن يحلق الرأس كله. حكم لبس الأصفر غير المزعفر السؤال: هناك أكوات لونها أصفر، فما حكم لبسها؟ الجواب: الصفرة التي ليست ناتجة عن الزعفران لا بأس بها، ولا مانع يمنع منها."
__________________
|
#384
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [218] الحلقة (249) شرح سنن أبي داود [218] من محظورات الإحرام النكاح، فلا يَنْكِح المحرم ولا يُنْكِح ولا يخطب، ومن المحظورات أيضاً الصيد، فلا يجوز للمحرم أن يصيد شيئاً من صيد البر، ولا أن يأكل مما صاده الحلال لأجله، أما إذا صاد الحلال لنفسه ثم أهدى منه للمحرم فلا بأس به. زواج المحرم شرح حديث: (لا ينكح المحرم ولا ينكح) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المحرم يتزوج. حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان بن عفان يسأله، -و أبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان-: إني أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير فأردت أن تحضر ذلك، فأنكر ذلك عليه أبان وقال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاينكح المحرم، ولا ينكح) ]. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب المحرم يتزوج، أي: ما حكم ذلك؟ والجواب أنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج، أي: أن يعقد النكاح، سواء كان له أو لغيره، فلا يكون متزوجاً ولا ولياً أو وكيلاً في زواج، فالمحرم عليه أن يبتعد عن الجماع، وعن كل ما هو مفض إلى الجماع، ومن ذلك العقد والخطبة، وكذلك أي شيء يؤدي إليه فإنه لا يسوغ للإنسان أن يفعله في حال إحرامه. وليس المقصود بالنكاح في هذا الحديث مجرد الجماع، فإن ذلك كما هو معلوم غير سائغ، ولكن المقصود به العقد؛ لأنه قد جاء بعده: (ولا ينكح ولا يخطب). أورد أبو داود حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح)، فقوله: (لا يَنكح المحرم) أي: لا يتزوج ولا يعقد بنفسه، (ولا يُنكح) أي: لا يعقد لغيره، وذلك بأن يكون ولياً عن المرأة، فليس له أن يزوج المرأة في حال إحرامه، بل يكون الزوج والولي ووكيلاهما حلالاً عند العقد وليسوا بمحرمين، وسيأتي لفظ آخر بعد هذا بزيادة: (ولا يخطب) أي: الخطبة التي هي التقدم بطلب الزواج، فلا يخطب، سواء تمت أو لم تتم، سواء حصلت موافقة أو لم تحصل موافقة، فذلك لا يجوز، والمقصود أن الجماع وكل وسائله وما يؤدي إليه ممنوع منه المحرم، ولهذا منع المحرم من الطيب؛ لأنه من وسائله، وفيه ترفه أيضاً، وقد جاء في القرآن الكريم: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، وفسر الرفث بأنه الجماع ومقدماته، وفسر أيضاً بأنه الفاحش من الكلام، وكل ذلك حق وصحيح، فليس للمحرم أن يجامع، ولا أن يأخذ بالوسائل التي تؤدي إليه، وليس له أن يأتي بالفاحش من الكلام وهو في حال إحرامه، والجماع ووسائله ممنوعة في حال الإحرام، وهي مباحة في غير حال الإحرام، وأما الكلام البذيء فإنه ممنوع في حال الإحرام وغير حال الإحرام. وهذا الحديث فيه قصة: (وهي أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج ابنه طلحة بن عمر بابنة شيبة بن جبير ، فطلب من أبان أن يحضر ذلك) أي: أن يحضر العقد، لعله أن يكون شاهداً أو غير ذلك، فأنكر عليه ذلك، وروى عن أبيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح) والذي يبدو أنهم كلهم كانوا محرمين، وأن ذلك كان في الحج، فلا يجوز ذلك ولو كان العروسان غير محرمين والوليان محرمين. ولا يجوز للإنسان أن يحضر ذلك ولو كان غير محرم؛ لأنه فعل محرم لا يجوز المشاركة فيه، وإن ذهب فإنما يذهب لينكره فقط، أو ينكره قبل أن يأتي إليه. ولو كان الزوج حلال والمرأة حلالاً فلا يحضره المحرم ولو كان شاهداً أو غير ذلك؛ هذا هو الأولى، فهو متلبس بالإحرام، فيكون ذلك شبيهاً بالخطبة، وإنما يشهده غير محرم، فمن كان محرماً فلا يجوز له شهود ذلك، حتى ولو كان المحرم مدعواً إلى الوليمة في العقد فالأحوط أن يبتعد، مع أن فعل الوليمة في العقد ولو كانت يسيرة فيه تكلف، ولا ينبغي التكلف في أمور الزواج. تراجم رجال إسناد حديث: (لا ينكح المحرم ولا يُنكح) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نبيه بن وهب ]. نبيه بن وهب هو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبان بن عثمان ]. هو أبان بن عثمان بن عفان وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان ]. عثمان بن عفان أمير المؤمنين ، وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. طريق أخرى لحديث: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ) وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم حدثنا سعيد عن مطر و يعلى بن حكيم عن نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ذكر مثله، زاد: (ولا يخطب) ]. أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى وفيه ما في الذي قبله وزيادة الخطبة أيضاً، وأن المحرم لا يفعلها. قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطر ]. هو مطر الوراق ، وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و يعلى بن حكيم ]. يعلى بن حكيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان ] قد مرَّ ذكرهم. شرح حديث: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم ابن أخي ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها أنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف) ]. في حديث ميمونة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها وهما حلالان هي وهو، وكان ذلك في سرف، فدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما تزوج ميمونة وهو حلال وكذلك كانت هي حلالاً، ولم يكن منهما أحد محرماً، وهذا هو الذي جاء عن ميمونة وهي صاحبة القصة، وجاء عن أبي رافع أيضاً، وهو السفير بينهما، وجاء عن ابن عباس في الحديث الذي سيأتي أنه تزوجها وهو محرم، وحديث ابن عباس يعارض حديث ميمونة وحديث أبي رافع السفير بينهما، فأهل العلم قالوا: إن المسائل التي لا يمكن فيها الجمع، كأن وردت في واحدة وليس فيها تاريخ تقدم وتأخر حتى يكون المتأخر ناسخاً المتقدم؛ يصار إلى الترجيح، والترجيح يكون لكلام صاحب القصة ومن له علاقة بالقصة؛ لأنه أدرى من غيره. فهنا ميمونة حدثت عن نفسها وهي صاحبة الشأن، و أبو رافع السفير بينهما والواسطة بينهما له علاقة بالموضوع، فيكون الخبر بأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال هو للراجح، أضف إلى هذا أنه متفق مع حديث عثمان : (لا ينكح المحرم ولا ينكح) يعني: أن المحرم لا يحصل منه شيء من ذلك، وكون النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم يخالف ما جاء من قوله: (لا ينكح المحرم ولا ينكح). إذاً: ما جاء عن ميمونة وعن أبي رافع متفق مع ما جاء عن عثمان رضي الله تعالى عنه وهو أنه تزوجها وهو حلال ولم يكن محرماً. وبعض الناس ذكروا أوجهاً للجمع فيها تكلف، ولكن الأظهر هو أن قول ميمونة و أبي رافع هو المقدم، وهو المتفق مع حديث أمير المؤمنين عثمان كما في الحديث الذي في صحيح مسلم وعند أبي داود وغيرهما. ومن الأشياء التي ذكروها أنه كان في الحرم، وكان حلالاً عند العقد، فلما عقد عليها في الحرم قيل له: محرم؛ لأنه في الحرم، مثل ما يقال: أتهم وأنجد، فأحرم معناه صار في الحرم، مثل أنجد وأتهم إذا كان في نجد وتهامة، لكن المعروف أن المحرم هو المتلبس بالإحرام وليس المقصود أنه الذي في الحرم. تراجم رجال إسناد حديث: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حبيب بن الشهيد ]. حبيب بن الشهيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ميمون بن مهران ]. ميمون بن مهران وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن الأصم ]. يزيد بن الأصم وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ميمونة ]. هي ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها وأرضاها أم المؤمنين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم) ] الحديث صحيح، ولكنه مخالف لحديث ميمونة و أبي رافع رضي الله عنهما ولا يمكن النسخ ولا الجمع بينهما، فلم يبق إلا الترجيح، والترجيح أن ميمونة صاحبة القصة و أبا رافع السفير بينهما يرويان أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهما حلالان، ومن جهة هو مطابق لما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان : (لا ينكح المحرم ولا ينكح). تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم) قوله: [ قال حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح أثر: (وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن رجل عن سعيد بن المسيب قال: وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم ]. قوله: وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم يعني: أن الذي تقدم من حديث عثمان ومن حديث ميمونة وكذلك ما جاء من حديث أبي رافع مقدم على قوله، وهذا من الأوهام، مثل ما مر بنا في قضية أن معاوية قصر له عند المروة في حجتة بمشقص، والرسول صلى الله عليه وسلم حال إحرامه، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان قد ساق الهدي ولم يقصر له عند المروة إلا في العمرة، فهذا من الأوهام. تراجم رجال إسناد أثر: (وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم) قوله: [ حدثنا ابن بشار ]. هو محمد بن بشار الملقب بندار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أمية ]. إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل عن سعيد بن المسيب ]. عن رجل مبهم، و سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد الفقهاء السبعة المعروفين في عصر التابعين في المدينة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قال الشيخ الألباني عن هذا الأثر: صحيح مقطوع. وابن القيم أطال الكلام في جلاء الأفهام عند قصة ميمونة ؛ لأنه ترجم لأمهات المؤمنين، وأتى بالأشياء التي فيها إشكال بالنسبة لأمهات المؤمنين كزواج ميمونة ، وكذلك زواج أم حبيبة وغيرهما. إذاً: إذا عقد الرجل وهو محرم فإنه يبطل العقد، وهو عقد فيه شبهة، فلابد أن يجدد العقد. ما يقتل المحرم من الدواب شرح حديث: (خمس لا جناح في قتلهن على من قتلهن في الحل والحرم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقتل المحرم من الدواب. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: (سئل النبي صلى الله عليه و آله سلم عما يقتل المحرم من الدواب، فقال: خمس لا جناح في قتلهن على من قتلهن في الحل والحرم: العقرب، والفأرة، والحدأة، والغراب، والكلب العقور) ]. هذه الخمس جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها تقتل في الحل والحرم، وجاء في بعض الأحاديث تقييد الغراب بأنه الأبقع، يعني: ليس كل غراب يقتل، وإنما يقتل الغراب الأبقع الذي في ظهره وبطنه بياض، وفي بعض الأحاديث الصحيحة: (والحية والعقرب والحدأة والغراب والكلب العقور والفأرة). والكلب العقور هو الذي يعقر ويفتك ويحصل منه الأذى، ومعنى هذا أن الكلب الهادئ الذي ما يحصل منه شيء من الأذى فإنه لا يقتل في الحرم بل يترك. أما الحية فسيأتي ذكرها في الحديث الذي بعد هذا. إذاً: بدل ما كن خمساً صرن ستاً، والعدد لا مفهوم له. تراجم رجال إسناد حديث: (خمس لا جناح في قتلهن على من قتلهن في الحل والحرم...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (خمس قتلهن حلال في الحرم) من طريق ثانية وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن بحر حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثني محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خمس قتلهن حلال في الحرم: الحية، والعقرب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور) ]. حديث أبي هريرة مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر الحية بدل الغراب. قوله: [ حدثنا علي بن بحر ]. علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي . [ حدثنا حاتم بن إسماعيل ]. حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن عجلان ]. محمد بن عجلان وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن القعقاع بن حكيم ] . القعقاع بن حكيم وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا هشيم حدثنا يزيد بن أبي زياد حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم، قال: الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم، قال: الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي) ]. هذه الأشياء التي جاءت في الحديث مر ذكرها، كالحية والعقرب والحدأة والكلب العقور والغراب، إلا أن السبع العادي هذا يشمل السباع المعتدية كلها، كالذئاب وغير ذلك، فإنها تقتل بمجرد ما يراها الإنسان، ولا يتركها حتى تعتدي عليه؛ لأن من شأنها الاعتداء والافتراس بطبعها، فهي من جنس هذه الأشياء التي فيها الضرر، والحديث فيه يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، ولكن أكثر ما جاء فيه جاء في الأحاديث الصحيحة. وأما قوله: (يرمي الغراب ولا يقتله) فهذا جاء في هذا الحديث وهو منكر؛ لأنه مخالف للثقات، وكأن المقصود بذلك أنه يزعجه وينفره، ولو صح الحديث فيحمل على الغراب الذي ليس بأبقع، وهو الذي لا يحصل منه أذى، ولكنه قد يحصل منه ضرر كأن يأكل الحب وما إلى ذلك، فالرمي فيه إزعاج من دون أن يتعمد قتله، لكن هذا اللفظ مخالف لما جاء في الأحاديث الصحيحة، وإنما جاء من هذه الطريق التي فيها يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم...) قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا هشيم ]. هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له، البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي ]. عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأسئلة وجه الجمع بين الفواسق الخمس الجائز قتلها في الحل والحرم السؤال: ما الجامع بين هذه الفواسق الخمس؟ الجواب: إن الجامع بين هذه الفواسق هو كونها مؤذية، والحدأة هي التي جاءت في قصة الجارية التي كانت عند عائشة وكانت تتمثل بقولها: ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني كانت هذه الجارية عند قوم، وكان لهم بنت لها وشاح أحمر، واتهموها به، فجعلوا يضربونها وقالوا: إنه عندك فأخرجيه، فبينما هم كذلك إذا جاءت الحدأة ومعها الوشاح ورمته؛ فعرفوا أنهم مخطئون، وأن الحدأة هي التي أخذته، ولكونه كان أحمر نزلت عليه الحدأة وكانت تحسبه لحماً فذهبت به. المراد بالكلب العقور السؤال: الكلب العقور هنا هل المراد به الكلب أو جنس المفترس من أسد ونمر وغيرهما؟ الجواب: قيل: إن المراد به الجنس المفترس؛ ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم سلط عليه كلباً) يعني: على ابن أبي لهب؛ فسلط الله عليه الأسد فافترسه، فهو كلب، ولكن بالإطلاق المشهور يطلق على هذا النوع من الحيوانات الذي يكون منه ما هو عقور ويكون منه ما ليس بعقور، وأما جنس السباع المؤذية المعروفة كالذئاب وغيرها فهذه تقتل مطلقاً؛ لأنها مؤذية دائماً. أما الكلب المشهور المعروف عند الناس والذي يأتي ذكره في الأحاديث، فإنه يباح اتخاذه في بعض الأمور كالزرع والماشية والصيد، فالعقور منه هو الذي يقتل، والذي ليس كذلك يترك، كالكلاب الوديعة التي لا تؤذي الناس.
__________________
|
#385
|
||||
|
||||
![]() لحم الصيد للمحرم شرح حديث: (أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب لحم الصيد للمحرم. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن حميد الطويل عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه: (وكان الحارث خليفة عثمان على الطائف، فصنع لعثمان رضي الله عنه طعاماً فيه من الحجل واليعاقيب ولحم الوحش، قال: فبعث إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر له، فجاءه وهو ينفض الخبط عن يده، فقالوا له: كل، فقال: أطعموه قوماً حلالاً فإنا حرم، فقال علي رضي الله عنه: أنشد الله من كان هاهنا من أشجع: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم) ]. قوله: [ باب لحم الصيد للمحرم ] يعني: المحرم لا يصيد ولا يأكل ما صيد من أجله، ولا يساعد على الصيد ولا يعين عليه، وهذا هو الذي دل عليه القرآن ودلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفت الأحاديث فيما يتعلق بالذي يصيده الحلال، هل يأكله المحرم أو لا يأكله؟ فقد جاء في بعض الأحاديث كما في حديث علي هذا، وكما في حديث الصعب بن جثامة الليثي الذي في الصحيحين ولم يأت عند أبي داود (أنه صلى الله عليه وسلم رد الذي أهدي إليه وقال: إنا لم نرده إلا أنّا حرم)، ولكن جاء في حديث أبي قتادة الذي في الصحيحين وقد أورده أبو داود : (أن أبا قتادة رضي الله عنه كان مع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وكانوا محرمين وهو غير محرم)، وجاء في بعض الروايات: (أنهم كانوا خرجوا حجاجاً)، وهذا الذي سبق أن أشرت إليه أن العمرة يطلق عليها حج بالمعنى العام، ويقال لها: الحج الأصغر، ففي حديث أبي قتادة : (أنهم خرجوا مع النبي وهم محرمون والرسول صلى الله عليه وسلم محرم، وأبو قتادة لم يكن محرماً، فرأى حماراً وحشياً فطلب من بعض الناس أن يساعدوه وأن يعطوه سوطه ورمحه فلم يجيبوه ) وذلك لأنهم محرمون، وكانوا يعلمون أن المحرم لا يقتل الصيد ولا يعين على قتله. (فنزل هو وأخذ الرمح شد على الحمار حتى عقره، فأكل منه بعض الصحابة وبعضهم لم يأكل، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك، فقال: إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى). وفي هذا الحديث أن الحلال إذا صاد شيئاً من أجل المحرم فلا يأكله المحرم، وإن كان لم يصده من أجله ولكنه أعطاه، فهذا هو الذي يجوز. فيجمع بين الأحاديث في هذا الباب بهذا التفصيل وبهذا التوفيق. قوله: [ (وكان الحارث خليفة عثمان رضي الله عنهما على الطائف فصنع لعثمان طعاماً فيه من الحجل واليعاقيب ولحم الوحش، قال: فبعث إلى علي بن أبي طالب فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر له، فجاءه وهو ينفض الخبط عن يده، فقالوا له: كل...) ]. يعني: كان الحارث أميراً على الطائف لعثمان رضي الله عنه، وصنع له طعاماً فيه حجل وفيه يعاقيب، واليعاقيب هي ذكور الحجل، وقيل غير ذلك، والمقصود أنها من الصيد، فبعث بطعام إلى علي رضي الله عنه، وكان علي يخبط لأباعر له، والخبط هو أن يضرب الشجرة حتى يسقط ورقها، ويعلفها الإبل، وتبقى الأصول والأغصان، وينبت الورق مرةً ثانية، هذا هو الخبط، فجعل علي رضي الله عنه ينفض يديه من أثر الخبط الذي كان بمباشرته ذلك العمل. قوله: [ (فقال: أطعموه قوماً حلالاً فإنا حرم) ]. يعني: أن الذي صاده الحلال إنما يأكله الحلال، ولا يأكله المحرم، ونحن محرمون، ثم بعد ذلك سأل من كان عنده علم من أشجع ممن كانوا حاضرين، فقالوا مثل ما قال رضي الله عنه وأرضاه، ومثله حديث الصعب بن جثامة الذي في الصحيحين: (أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه، فلما رأى في نفسه شيئاً من التأثر قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم). قالوا: فيحمل على ما صيد من أجل المحرم فإنه يمنع منه، وما لم يصد من أجله له أن يأكل منه. تراجم رجال إسناد حديث: (أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم ) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان بن كثير ]. سليمان بن كثير لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الطويل ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث ]. إسحاق بن عبد الله بن الحارث وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن الحارث قيل: له رؤية، وقيل: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. حكم خبط الشجر للمحرم وغيره في الحل والحرم المحرم له أن يخبط ورق الشجر لإبله أو أغنامه فجائز كما فعل علي رضي الله عنه، لكن يحمل فعل علي رضي الله عنه أنه كان في الحل، أما الحرم فليس للإنسان أن يخبط الشجر فيه، سواء كان حلالاً أو محرماً، وإنما الذي يمكن للمحرم ولغير المحرم أن يفعله هو خارج الحرم مثل: عرفات، فعرفات من الحل وليست من الحرم، لكن ليس للإنسان أنه يفسد الشجر الذي فيها؛ لأن الذي فيها اعتني به حتى يظلل الناس، وكونه يأخذ منه شيئاً لغير حاجة فيه إفساد على الناس، وخاصة من الشيء الذي عمل من أجل كونهم يستظلون به من الشمس، فكون الإنسان يقطع شيئاً في الحل ليس عليه شيء أبداً. إذاً: لا يجوز الصيد للمحرم خارج الحرم وداخله، وما كان داخل الحرم فإنه يمنع منه المحرم وغير المحرم، وأما الشجر فما كان داخل الحرم فممنوع منه المحرم وغير المحرم، وما كان خارج الحرم فهو حلال للمحرم وغير المحرم. شرح حديث إهداء الصيد للنبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قيس عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: (يا زيد بن أرقم ! هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهدي إليه عضد صيد فلم يقبله، وقال: إنا حرم؟ قال: نعم) ]. هذا الحديث مثل حديث علي ، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأكل من الصيد وقال: (إنا حرم)، ومثله حديث الصعب بن جثامة الذي أشرت إليه، ويحمل ذلك على أنه صيد من أجله. قوله: [ حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ]. مر ذكرهما. [ عن قيس ] هو قيس بن سعد المكي وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وقد مر ذكره. شرح حديث: (صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب -يعني الإسكندراني القاري - عن عمرو عن المطلب عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (صيد البر لكم حلال، ما لم تصيدوه أو يصد لكم). قال أبو داود : إذا تنازع الخبران عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر بما أخذ به أصحابه ]. قوله: [ (صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم) ]. يعني: أن المحرمين إذا صادوه بأنفسهم أو صاده لهم غيرهم فإنه يكون حراماً، وهذا فيه التوفيق بين ما جاء من الأدلة الدالة على المنع وعلى عدم المنع، وأن الحل فيما إذا لم يصد من أجلهم، والمنع فيما إذا صيد من أجلهم. وحديث المطلب عن جابر هذا فيه كلام؛ لأن المطلب لم يسمع من جابر ، فالحديث ضعيف منقطع، وهو من قبيل المرسل، ولكن معناه صحيح من جهة أن الجواز فيما إذا كان لم يصد من أجله كما جاء في حديث أبي قتادة ، وأنه إذا صيد لأجله فإنه يمنع منه كما جاء في حديث علي وحديث الصعب بن جثامة وحديث ابن عباس . تراجم رجال إسناد حديث: (صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة مر ذكره. [ حدثنا يعقوب -يعني الإسكندراني - ]. هو يعقوب بن عبد الرحمن القاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عمرو ]. عمرو بن أبي عمرو ، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المطلب ]. هو المطلب بن عبد الله بن حنطب صدوق كثير التدليس والإرسال، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي الجليل، صحابي ابن صحابي وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. معنى قوله: إذا تنازع الخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم ينظر بما أخذ به أصحابه [ قال أبو داود : إذا تنازع الخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم ينظر بما أخذ به أصحابه ]. هذا فيما إذا حصل من أصحابه الأخذ بأحد الخبرين، لكن إذا كان الأصحاب قد اختلفوا فإنه ينظر إلى أمور أخرى غير الأخذ، لكن إذا كان خبران أحدهما جاء عن الصحابة الأخذ به، والآخر ما جاء عن الصحابة الأخذ به؛ فالذي أخذ به الصحابة يكون مقدماً على القول الآخر، لكن هنا المعول عليه هو التوفيق بين الأدلة؛ لأن ما صيد للمحرم لا يأكله، وما لم يصد له وأهدي إليه فله أن يأكله. شرح حديث: (إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم، فرأى حماراً وحشياً فاستوى على فرسه، قال: فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا، فسألهم رمحه، فأبوا، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبى بعضهم، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم سألوه عن ذلك، فقال: إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى) ]. حديث أبي قتادة رضي الله عنه هو في الصحيحين أيضاً، وفيه: أن الذين أكلوا من صيد الحلال -وهو أبو قتادة رضي الله عنه- أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى)، فدل ذلك على أن ما جاء فيه الأكل محمول على أنه لم يصد من أجل المحرم، وما كان فيه الامتناع محمول على أنه ما صيد لأجله. تراجم رجال إسناد حديث: (إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي ]. أبو النضر هو سالم بن أبي أمية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري ]. نافع مولى أبي قتادة الأنصاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قتادة ]. أبو قتادة الأنصاري هو الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. حكم صيد الجراد للمحرم شرح حديث: (الجراد من صيد البر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجراد للمحرم. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا حماد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الجراد من صيد البحر) ]. حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن حبيب المعلم عن أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أصبنا صرماً من جراد، فكان رجل منا يضرب بسوطه وهو محرم، فقيل له: إن هذا لا يصلح، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنما هو من صيد البحر). سمعت أبا داود يقول: أبو المهزم ضعيف، والحديثان جميعاً وهم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن كعب قال: الجراد من صيد البحر ]. قوله: باب: في الجراد للمحرم يعني: هل يصيده أولا يصيده؟ وأورد أحاديث تدل على أنه من صيد البحر، وإذا كان من صيد البحر فإنه يكون حلالاً؛ لأن الله تعالى أحل صيد البحر للمحرم، وإنما منع المحرم من صيد البر، ولكن هذه الأحاديث كلها غير صحيحة وغير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيها أبا المهزم وهو متروك لا يحتج بحديثه، و ميمون بن جابان مقبول لا يحتج به إلا عند الاعتضاد، وليس هناك شيء يدل على ذلك، ولعل الظن أن الجراد من صيد البحر؛ لأنه شبيه به من ناحية أن ميتته حلال كصيد البحر، فكان شبيهاً به، فقيل: إنه من صيد البحر، فيكون له حكم صيد البحر من جهة أن المحرم يصيده، لكن لم يأت شيء يدل على ذلك، ومعلوم أنه من صيد البر، والناس يحصلونه في البر، فليس للمحرمين أن يصيدوه، وجاء عن بعض الصحابةأن فيه الجزاء، وهذا يدل على المنع من صيده، فعلى هذا لا يصاد الجراد، وحكمه غير حكم صيد البحر. تراجم رجال إسناد حديث: (الجراد من صيد البر) قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ميمون بن جابان ]. ميمون بن جابان وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ عن أبي رافع ]. هو أبو رافع المدني، وهو نفيع الصائغ وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي مر ذكره. وقوله: [ حدثنا مسدد ] مسدد مر ذكره. [ حدثنا عبد الوارث ] هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب المعلم ]. حبيب المعلم وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المهزم ]. اسمه يزيد وقيل: عبد الرحمن بن سفيان وهو متروك، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. وقوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن كعب ]. كعب الأحبار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة في التفسير. الأسئلة حكم الاتزار بالبنطلون السؤال: من يكون لابساً للبنطلون كيف يتزر به؟ الجواب: الظاهر أنه لا يصح الاتزار بالبنطلون؛ وذلك لأنه ضيق، وإذا عرضه على نفسه ظهرت عورته. حكم استعمال الكحل لغير المحرم السؤال: هل يجوز استعمال الكحل لغير المحرم؟ الجواب: كون الإنسان يستعمله لا بأس؛ لأنه علاج من أجل جلاء البصر. حكم الاغتسال لمن دخل مكة اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم السؤال: هل للمحرم أن يغتسل إذا دخل مكة وهو لا يحتاج إلى ذلك، ولكن تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: الأمر في ذلك واسع، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل تسعة أيام يمشي في الطريق، ومعلوم أنه يحصل في هذه المدة شيء من العرق ومن الأوساخ ومن الأشياء التي يحتاج الناس إلى أن يزيلوها، وأما الآن فالواحد خلال أربع ساعات من المدينة يصل إلى مكة، ولا بأس أن يغتسل، وإن لم يغتسل فليس هناك أمر يقتضيه من ناحية الأوساخ، لكن لو اغتسل الإنسان فلاشك أن هذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تركه فليس عليه شيء. حكم تكرار الحج من المرأة السؤال: هل الأولى للمرأة أن تكرر الحج أم تحج الفريضة ثم تبقى في منزلها؟ الجواب: كما هو معلوم أن الحج الآن مع كثرة الناس ومع شدة الزحام لابد أن يلحق المرأة به شيء من الضرر، فنقول والله تعالى أعلم: الأمر في ذلك واسع، إن حجت وكررت الحج فلها ذلك، وإن لم تحج ولم تكرر الحج فلها ذلك. حكم ذكر المحرم للراغب في الزواج امرأة تصلح له السؤال: لو أن المحرم دل على أهل بيت عندهم امرأة تصلح للزواج، فما حكم ذلك؟ الجواب: الذي يبدو أنه لا يصلح ذلك، فكونه يشتغل بالكلام عن النساء والبحث عن النساء، وذكر من يصلح ومن لا يصلح منهن، والجميلة وغير الجميلة؛ هذا لا يناسب المحرم. حكم حضور وليمة عرس فيها منكرات وإسراف السؤال: إذا دعي شخص إلى وليمة عرس، وفي العرس إسراف من حيث استئجار المكان، أو هناك منكر عند النساء؛ فهل يحضر؟ الجواب: إذا كان يعلم أن المنكر موجود فلا يذهب، وأما مسألة الإسراف فالناس قد ابتلوا بهذا، فله أن يحضر ولكن ينصح حتى لا يحصل شيء من ذلك في المستقبل، أما ما قد حصل من الإسراف فإنه يوصي بإيصال الزائد من الطعام إلى من يحتاج إليه ومن يستفيد منه؛ لأن بعض الناس قد يتساهل ويتهاون في ذلك ويرمى به في أماكن لا يستفيد منه أحد من الناس الذين هم بحاجة إليه. حكم قتل المحرم للوزغ السؤال: في الحج الماضي قمت بقتل وزغ وأنا محرم؛ ظاناً مني أنه من المأمور قتله في الحل والحرم، فما الحكم؟ الجواب: ليس عليك شيء ولا بأس بذلك؛ لأن كل ما يؤذي فإن للإنسان أن يقتله في أي مكان. الفرق بين الحمر الوحشية والحمر الإنسية السؤال: المشهور عند الناس أن حمار الوحش هو الحمار المخطط، ولكن منهم من يقول: بل هو حيوان له قرون، وليس هو المخطط، فما رأيكم؟ الجواب: حمار الوحش هو ضد الحمار الإنسي، وهو يعيش في البر والناس يصيدونه، سواء كان مخططاً أو غير مخطط، ولكنه من صيد البر، وليس من حمر البيوت وحمر المزارع، بل هو في الفلاة يصاد كما تصطاد الظباء والأرانب وغيرها. قياس ما كان مؤذياً على الفواسق الخمس في قتله في الحل والحرم السؤال: إذا كان الجامع بين هذه الأنواع الخمسة المأمور بقتلها في الحل والحرم هي كونها مؤذية، فهل يقاس عليها غيرها؟ الجواب: نعم يقاس عليها كل ما هو مؤذ، فيقتل المؤذن من الحيوانات في الحل والحرم، لكن هذه أشدها. حكم بيع الكلب وشرائه أو صيده بمقابل السؤال: هل يجوز دفع المال لشخص كي يصيد له كلباً، وقد يكون محتاجاً له للماشية وللزرع؟ الجواب: إن بيع الكلب وشراءه جاء ما يدل على منعه، فكونه يعطي شخصاً مالاً من أجل أن يصطاد له كلباً، فهذا مثل بيع الكلب وشرائه، وهذا لا ينبغي ولا يصلح. أما كونه يحتاج إليه للماشية والزرع، فلا يتفق معه على أن يصيد له بكذا وكذا، حتى لو كان هذا الشخص مالكه، فلا يبيعه منه، وإنما يدفعه له بدون قيمة إذا كان قد استغنى عنه؛ لأنه لا يجوز بيع الكلب ولا شراؤه، فمتى استغنى عنه الإنسان فإنه يدفعه إلى من يحتاج إليه، ولا يأخذ عليه ثمناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث) أو يرسله، إلا إذا كان مؤذياً فإنه يقتله. حكم قطع شجر الغرقد في الحل والحرم السؤال: ما حكم قطع شجرة الغرقد في الحل والحرم؛ لكونها من شجر اليهود؟ الجواب: لا أعلم شيئاً يدل على الأمر بقطعها. حكم طلاق المرأة حال حيضها السؤال: إذا طلق الرجل زوجته حال حيضها، هل طلاقه باطل مثل العقد في الإحرام؟ الجواب: جمهور العلماء على أنه يقع الطلاق، ولكن عليه أن يراجعها وتحسب طلقة، كما جاء في حديث ابن عمر وقصة تطليقه في حال الحيض. حكم الصلاة على السجاد المصور فيه الكعبة وغيرها السؤال: ما حكم الصلاة على السجاد الذي عليه صورة الكعبة؟ الجواب: لا بأس بذلك، لكن السجاد ينبغي أن يكون سالماً من النقوش، سواءً كان مصوراً فيه الكعبة أو غير الكعبة، وينبغي أن يكون شكله على هيئة واحدة؛ حتى لا يشوش على المصلي، لاسيما والإنسان ينظر إلى موضع سجوده. حكم اصطحاب الرجل من عقد بها ولم يدخل بها إلى الحج السؤال: رجل عقد القران على امرأة لكنه لم يدخل بها بعد، وينوي اصطحابها معه إلى الحج، فما الحكم؟ الجواب: ما دام أنه عقد عليها والعقد موجود فله أن يصطحبها؛ لأنها زوجته، لكن ينبغي أن يعلم أنه إذا وجد العقد أصبحت زوجة له، فلو حصل موت بينهما فإنهما يتوارثان؛ لأن الزوجية موجودة، ولو مات عليها عدة، وعليها إحداد؛ لأنها زوجة بعد وجود العقد، لكن كونه يعلن الزواج أفضل؛ حتى لا يتهم الإنسان أو يساء به الظن، أو قد تحمل ثم يعلن الزواج بعد مدة، وتلد لمدة قصيرة؛ فيحصل سوء ظن واتهام وغير ذلك من المشاكل، والله أعلم."
__________________
|
#386
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [219] الحلقة (250) شرح سنن أبي داود [219] من يسر الشريعة أن المحرم يحتاج إلى ترفه بفعل بعض محظورات الإحرام، فله ذلك، كحلق الشعر، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، ولكن عليه الفدية، وهي ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين، فيخير بين هذه الثلاث، وهذا من رحمة الله بعباده. ما جاء في الفدية شرح حديث كعب بن عجرة في فدية حلق الرأس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الفدية. حدثنا وهب بن بقية عن خالد الطحان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه : (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر به زمن الحديبية، فقال: قد آذاك هوام رأسك؟ قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وآله سلم: احلق ثم اذبح شاةً نسكاً، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين) ]. قوله: [باب في الفدية]. الفدية المقصود بها ما يفعله الإنسان مقابل ارتكاب محظور منع منه في حال الإحرام، وهذا الذي تحت هذه الترجمة يتعلق بفدية الرأس من أجل السلامة من الأذى الذي فيه، وذلك في حال الإحرام. قوله: [ (قد آذاك هوام رأسك؟) ] يعني: ما فيه من القمل. قوله: [ (احلق ثم اذبح شاة نسكاً، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين) ]. هذه هي الفدية عند ارتكاب هذا المحظور الذي رخص فيه وكان ممنوعاً منه، لكن الإنسان لا يحلق شعره ولا يتعرض لشعره في حال إحرامه إلا عندما يقتضي الأمر ذلك؛ كأن يكون هناك ضرورة تدعو إليه كهذه التي حصلت لكعب رضي الله عنه، فإن له أن يفعل ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رخص في ذلك، ويكون عليه فدية. والفدية مخير فيها بين هذه الأمور الثلاثة: إما أن يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أي: ثلاثة آصع تقسم على ستة مساكين، يكون لكل مسكين نصف صاع، هذه هي فدية الأذى، ومثل ذلك اللبس فإن كفارته وفديته هي هذه الفدية التي هي التخيير بين الأمور الثلاثة: وهي الذبح أو الصيام أو الإطعام، وقد جاء ذلك مجملاً في القرآن: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فجاءت السنة وفسرت وبينت المقصود بالنسك وأنه شاة، والمقصود بالصيام وأنه ثلاثة أيام، والمقصود بالإطعام وأنه إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وهذا يدلنا على أن السنة توضح القرآن وتبينه وتفسره وتدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث كعب بن عجرة في فدية حلق الرأس قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد الطحان ]. خالد الطحان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كعب بن عجرة ]. كعب بن عجرة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حكم التخيير في فدية الأذى والتخيير في فدية الأذى حاصل، ولكن لا شك أن ما يكون أنفع -وهو الشاة- هو الأولى، ولكن التخيير حاصل، ومعلوم أن التخيير يكون في الأشياء المتفاوتة، مثل ما جاء في كفارة اليمين: إعتاق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، ومن لم يجد صام ثلاثة أيام، ولا شك أن عتق الرقبة أفضل من إطعام عشرة مساكين ولكن التخيير موجود، وكذلك هنا ذبح الشاة أولى وأفضل من الصيام أو الإطعام، ولكن التخيير حاصل، وأي شيء فعل الإنسان مما خير به فإنه يجزئه، ويكون قد أدى ما وجب في ذمته. شرح حديث كعب بن عجرة في الفدية من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين) ]. هذا الحديث مثل الذي قبله، وفيه جواز التخيير في الفدية، إن شئت كذا، وإن شئت كذا، وإن شئت كذا. فإن اختار الصيام مثلاً فعليه أن يبادر إلى الإتيان به حتى يتخلص مما في ذمته، وليس للصيام وقت محدود يفوت بفواته. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن داود ]. هو داود بن أبي هند وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى و كعب قد مر ذكرهما. شرح حديث كعب بن عجرة في الفدية من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب ح وحدثنا نصر بن علي حدثنا يزيد بن زريع -وهذا لفظ ابن المثنى - عن داود عن عامر عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم مر به زمن الحديبية، فذكر القصة، فقال: أمعك دم؟ قال: لا، قال: فصم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين بين كل مسكينين صاع) ]. قوله: (أمعك دم؟ قال: لا، قال: فصم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين...) هذا لا يدل على أنه يلزم الدم، وإذا لم يجد فإنه يتحول إلى الصوم أو الإطعام، بل هو مخير بين الثلاثة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله عن الدم هل هو موجود، وإذا كان موجوداً فإنه يخيره بينه وبين الصيام والإطعام، لا أن الدم مقدم على غيره، وأنه ليس له أن يطعم وليس له أن يصوم إلا إذا لم يكن قادراً على الدم، بل من كان قادراً على الدم فلا يلزمه، بل هو مخير بينه وبين الإطعام والصيام كما جاء ذلك في الروايتين السابقتين، ويكون المقصود من قوله: (أمعك دم؟)، أنه إذا كان معه فإنه يخيره بينه وبين الصوم والإطعام، وبذلك يتفق مع الروايات الأخرى، لكن لو كان يجد الدم ففعله فإنه الأكمل والأولى والأفضل، لا أنه لازم. تراجم رجال إسناد حديث كعب بن عجرة في الفدية من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة بدون واسطة. [ حدثنا عبد الوهاب ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا نصر بن علي ]. ح للتحول من الإسناد إلى إسناد، أما الراوي فهو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود عن عامر عن كعب بن عجرة ]. داود و عامر و كعب بن عجرة قد مر ذكرهم. وهنا جاء ذكر عامر باسمه، وفي الأول الشعبي ، وهذا يدلنا على أن الشخص إذا عرف لقبه أو عرفت نسبته أو عرفت كنيته أن ذلك من الأمور المهمة؛ لأن من يعرف ذلك لا يظن الشخص الواحد شخصين، ومن لا يدري يظن أن الشعبي شخص وأن عامراً شخص آخر، لكن من يعرف أن عامراً اسم للشعبي و الشعبي نسبة له؛ فإن ذلك لا يلتبس عليه. شرح حديث كعب بن عجرة من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن نافع أن رجلاً من الأنصار أخبره عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: (وكان قد أصابه في رأسه أذى فحلق، فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يهدي هدياً بقرة) ]. قوله: (وكان قد أصابه في رأسه أذى فحلق، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي هدياً بقرة)، هذا مخالف للروايات السابقة، فإن كان الرجل من الأنصار معلوماً فيكون من قبيل الشاذ؛ لأن الإسناد صحيح، وإن كان الرجل غير معلوم فإنه يكون منكراً؛ لأن فيه شخصاً مجهول غير معروف، ولكن ذكر الحافظ أن هذا المبهم هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي جاء ذكره في بعض الروايات السابقة في هذه القصة كما في الحديث الأول فهو يروي عن كعب بن عجرة، فإذا كان هذا سيكون الحديث شاذاً، وإن كان غير معلوم وإنما هو رجل مبهم لا يدرى من هو فسيكون من قبيل المنكر الضعيف؛ لأن مخالفة الضعيف للثقة يقال له: منكر، ومخالفة الثقة لمن هو أوثق منه يقال له: شاذ. تراجم رجال إسناد حديث كعب بن عجرة في الفدية من طريق رابعة قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن رجلاً من الأنصار أخبره عن كعب بن عجرة ]. كعب بن عجرة قد مر ذكره. شرح حديث كعب بن عجرة في الفدية من طريق خامسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن منصور حدثنا يعقوب حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني أبان -يعني ابن صالح - عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: (أصابني هوام في رأسي وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله سلم عام الحديبية، حتى تخوفت على بصري، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيّ: (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ))[البقرة:196] الآية، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله سلم فقال لي: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين فرقاً من زبيب، أو انسك شاة، فحلقت رأسي ثم نسكت) ]. هذا حديث كعب بن عجرة من طريق أخرى وفيه: أن الآية المذكورة آنفاً نزلت فيه، وهي مجملة والسنة فسرتها وبينتها. وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره وبين له المراد بهذه الأمور المجملة التي جاءت في الآية الكريمة، وهي: إما أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع من زبيب، أو يصوم ثلاثة أيام، وسبق ذكر الآصع من التمر، ولا شك أن أي نوع من أنواع الطعام الذي يتعاطاه الناس والذي يستعمله الناس إذا أطعم منه كل مسكين من المساكين الستة نصف صاع، فإنه يحصل به المقصود، سواء كان ذلك من التمر أو الزبيب أو غير ذلك من طعام الناس الذي اعتادوه، كما هو معلوم في زكاة الفطر أن الإنسان يخرج صاعاً من تمر أو بر أو شعير أو زبيب؛ لأنها كانت طعام الناس، وكذلك لو أخرج أرزاً أو غير ذلك من الأشياء التي يعتادها الناس في أي زمان وفي أي مكان، فإنه يحصل بذلك المقصود. تراجم رجال إسناد حديث كعب بن عجرة في الفدية من طريق خامسة قوله: [ حدثنا محمد بن منصور ]. هو محمد بن منصور الطوسي وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا يعقوب ]. هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني أبان يعني ابن صالح ]. أبان بن صالح وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ عن الحكم بن عتيبة ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى و كعب مر ذكرهما. وهذا الإسناد فيه ذكر الزبيب، وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس، فذكر التنصيص على الزبيب فيه شيء من ناحية أنه جاء من طريق هذا الرجل المدلس، والمحفوظ هو التمر كما سبق أن مر، لكن كما هو معلوم كل طعام يقتات سواء كان تمراً أو زبيباً أو غير ذلك فإنه يحصل به المقصود، لكن هنا محمد بن إسحاق صرح بالتحديث حيث قال: حدثني أبان فالأمر مثل ما ذكرنا أن أي شيء يكون به الإطعام سواءٍ كان زبيباً أو تمراً، فإنه يحصل به المقصود. معنى قوله: (فحلقت رأسي ثم نسكت) وقوله: (فحلقت رأسي ثم نسكت ليس بلازم أن يفعل الإنسان المحظور ثم يأتي بالفدية، وإنما هذا فيه بيان الشيء الذي فعله كعب، وأنه فعل النسك الذي هو الذبح، وليس فيه أنه لابد أن تكون الكفارة أو الفدية مقدمة على ارتكاب الشيء الذي أذن له في ارتكابه. ليس بلازم أن تكون الفدية متقدمةً على فعل المحظور، بل يمكن أن يفعل الشيء الذي أمر به ويفعل الكفارة فيما بعد، كأن يصوم فيما بعد أو يطعم فيما بعد، وليس بلازم أن يكون قبل فعل المحظور، ويمكن أن يكون عند الإنسان ذبيحة فيذبحها من أجل أن يحلق، ولا بأس بذلك. شرح حديث كعب بن عجرة في الفدية من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه في هذه القصة زاد: (أي ذلك فعلت أجزأ عنك) ]. قوله: (أي ذلك فعلت أجزأ عنك) يعني: أي واحد من الأمور الثلاثة فعلته أجزأك، وهذا يوضح أن المسألة فيها تخيير وأنه لا ترتيب بل تخيير. قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الكريم بن مالك الجزري ]. عبد الكريم بن مالك الجزري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى و كعب قد مر ذكرهما. الأسئلة بيان ما يندرج تحت فدية حلق شعر الرأس حال الإحرام السؤال: هل فدية حلق الشعر تشمل من تطيب أو قلم أظفاره أو لبس مخيطاً أو جامع أو قتل صيداً؟ الجواب: ليس كل المحظورات تكون فديتها هذه، ولكن بعض أهل العلم جعل الترفه من تقليم الأظفار أو التطيب وما إلى ذلك يكون فيه التخيير بين هذه الأمور الثلاثة، وأما الجماع فله حكم يخصه، والصيد له حكم يخصه، وكذلك ترك واجبات الحج لها أحكام تخصها. التوفيق بين رواية نفي النسك وبين رواية فعل النسك من كعب السؤال: جاء في الحديث السابق أن كعباً لما سئل: أمعك دم؟ قال: لا، وجاء في رواية أخرى أنه نسك نسيكة، فكيف نوفق بين الروايتين؟ الجواب: لم يكن معه دم حينئذ، لكنه بعد ذلك نفذ أكمل الأمور الثلاثة وأفضلها، وقد يكون بعد ذلك اشترى نسكاً أو حصله بأي طريقة من الطرق المشروعة. حكم دخول اللحوم والنقود في مطلق الطعام السؤال: هل مطلق الطعام يدخل فيه جميع أنواع الأطعمة مثل اللحوم؟ الجواب: لا يدخل فيه كل الأطعمة، وإنما الشيء الذي يقتاته الناس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر الأطعمة المعتادة عند العرب في زكاة الفطر، كان اللحم موجوداً، والنقود كذلك كانت موجودة، ولم يقل: أو كذا درهماً أو لحماً، وإنما ذكر ما يمكن أن يؤكل منه ويقتات ويدخر بخلاف اللحم، فإن اللحم كما هو معلوم في ذلك الوقت لا يستفاد منه إلا في يومه، ولو تأخر بعد ذلك لم يستفد منه، اللهم إلا ما كانوا يفعلونه من القديد، حيث كانوا يشرحونه ويملحونه ويبقى، فالأطعمة المقصود بها أقواتهم. حكم الإحصار شرح حديث: (من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإحصار. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل) قال عكرمة: سألت ابن عباس و أبا هريرة رضي الله عنهما عن ذلك فقالا: صدق) ]. قوله: باب الإحصار، الإحصار هو حصول شيء يمنع من الحج أو من العمرة، كأن يصد عن البيت ولا يمكن من الوصول لأداء الحج أو العمرة، أو يكون لمرض، أو يحصل له كسر أو عرج؛ بسبب حادث، فهذا هو المقصود بالإحصار، والمشهور أن الإحصار هو المنع والصد عن دخول البيت وعن الوصول إلى البيت، وقد جاء بيان ذلك في القرآن، وأن الإنسان إذا أحصر فإنه ينحر ما استيسر من الهدي، والنبي صلى الله عليه وسلم في عام الحديبية صد عن البيت ونحر هدية في الحديبية قريباً من الحرم. واختلف العلماء في الإحصار على قولين: منهم من قال: إن الإحصار مقصور على ما كان من صد عن البيت ومنع من الوصول إلى البيت، إما من عدو، أو يكون لمصلحة مثل ما هو موجود في هذا الزمان من ناحية الدولة، وذلك بناءً على فتوى من كبار العلماء رأوا أنه لكثرة الزحام وكون الناس الذين في الداخل -سواءً من المقيمين أو من المواطنين- يقدمون على الحج بكميات هائلة، ويترتب على ذلك ازدحام شديد وأضرار بسبب كثرة الزحام، فمن ثم يحصل الإحصار وهو الرد عن الوصول إلى البيت. ومن أهل العلم من قال: إن ذلك يشمل هذا ويشمل ما كان عن مرض أو كسر أو عرج أو ما إلى ذلك من الأمور التي قد تطرأ وتحصل، وعمدة هؤلاء ما جاء عن الحجاج بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل). قوله: (فقد حل) يعني: له أن يترك ذلك الذي دخل فيه ويحل، وعليه الحج من قابل. وبعض أهل العلم يقول: إن الإحصار إنما هو خاص بالعدو، وأن ما جاء في هذا الحديث مبني على ما إذا اشترط كما جاء في قصة ضباعة بنت الزبير رضي الله تعالى عنها: (أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أريد الحج أأشترط؟ قال: نعم، قالت: فكيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني) قالوا: فلو لم يكن الاشتراط له معنى لم يكن لها حاجة إلى الاشتراط، ولو حصل أي مرض أو حصل أي شيء، فهل للإنسان أن يحل بمجرد حصول المرض وبمجرد حصول أي شيء له مع أنه متمكن من الوصول إلى البيت؟ قالوا: بل يبقى على إحرامه، فإذا شفي فإنه يكمل عمرته، وأما الحج إذا لم يتمكن منه وذهب وقته فإنه يحوله إلى عمرة، مثل الإنسان الذي فاته الحج فإن كان فرضاً فإن عليه أن يحج من قابل، وأما إذا كان تطوعاً فإنه لا يلزمه ذلك. إذاً: حمل بعض العلماء حديث الحجاج بن عمرو على ما إذا حصل اشتراط؛ وذلك أن أي مرض وأي شيء يحصل مع إمكان الوصول إلى البيت ولو بعد حين، فإن الإنسان يبقى على إحرامه، حتى لو دخل المستشفى فإنه يبقى على إحرامه، وعندما يشفى فإنه يؤدي الشيء الذي دخل فيه، وإن كان الحج قد ذهب ولم يتمكن من الوقوف بعرفة وهو مريض فإنه يفسخ الحج إلى عمرة ويتحلل. ومستند قول هؤلاء أن الإحصار المذكور في القرآن إنما هو بسبب العدو، قال الله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وعلى هذا فإن الذي يكون بسبب المرض فإنه يكون محمولاً على ماجاء في حديث ضباعة ؛ لأنه لو لم يكن للاشتراط حاجة لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لضباعة هذا الكلام، وهذا الحكم يشمل ضباعة وغير ضباعة ، ثم أيضاً مثل هذا يمكن أن يحصل للإنسان الشيء اليسير من المرض أو من الزكام أو من الحمى أو ما إلى ذلك، فيتعلل به ويترك الحج بحجة أنه محصر! كذلك من منع من البيت للمصلحة فلا ينبغي له أن يقدم على ذلك الشيء؛ لأنه ممنوع من البيت؛ لأن الإحصار إما حصر بعدو، وإما حصر لمصلحة، ومنع لمصلحة، ومن منع بسبب مصلحة فيترتب عليه ألا يقدم على الحج. كذلك من إذا أحصر بعدو مثل ما جاء في القرآن: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وقال: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]، فعليه دم، وكذلك الحلق؛ لأن الحلق يتحلل به. أما بالنسبة للمحصر إذا ذبح بعيداً عن الحرم كما حصل في الحديبية فإنهم أكلوا هم ومن معهم، ولم ينقلوه إلى الحرم؛ وكان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد صلح الحديبية أن ينقلوه إلى الحرم، ومع ذلك لم يفعلوا. تراجم رجال إسناد حديث (من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حجاج الصواف ]. حجاج الصواف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري ]. الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب السنن. [ قال عكرمة : (سألت ابن عباس و أبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق) ]. يعني: أن ما جاء عن الحجاج جاء عن ابن عباس وعن أبي هريرة فهو حديث عن الثلاثة. شرح حديث: (من كسر أو عرج) من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني و سلمة قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كسر أو عرج أو مرض) فذكر معناه، قال سلمة بن شبيب : قال: أنا معمر ]. هذه طريق أخرى لحديث الحجاج بن عمرو، وهو مثل الذي قبله، وزاد (المرض) وهو أعم، وفيه من حيث الإسناد أن سلمة بن شبيب قال: أنبأنا، والشيخ الثاني قال: عن. قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة ، أخرج له أبو داود . [ و سلمة ]. هو سلمة بن شبيب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة ]. يحيى بن أبي كثير و عكرمة قد مر ذكرهما. [ عن عبد الله بن رافع ]. عبد الله بن رافع وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن الحجاج بن عمرو ]. الحجاج بن عمرو قد مر ذكره. شرح حديث (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أبي ميمون بن مهران قال: (خرجت معتمراً عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة، وبعث معي رجال من قومي بهدي، فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم، فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت، ثم رجعت، فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي، فأتيت ابن عباس رضي الله عنهما فسألته، فقال أبدل الهدي، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء). أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفيه: [سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أبي ميمون بن مهران قال: خرجت معتمراً عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة ]. يعني: لما جاء الحجاج بن يوسف ليحاصر ابن الزبير رضي الله عنهما بمكة، وحصلت محاصرته ثم قتله رضي الله عنه بعد ذلك في ذلك العام. قوله: [ (وبعث معي رجال من قومي بهدي، فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم) ]. يعني: أن الحجاج ومن معه الذين كانوا يحاصرون مكة ردوا أبا حاضر ومن معه. قوله: [ (فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت، ثم رجعت، فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي، فأتيت ابن عباس فسألته، فقال: أبدل الهدي، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء) ]. هذا غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية ذبح الهدي، وعندما أتى بالعمرة في السنة الثانية لم يثبت أنه قال لهم: أبدلوا الهدي؛ لأن هذه العمرة ليست عوضاً عن العمرة السابقة، بل تلك عمرة مستقلة وهذه عمرة مستقلة، وليست قضاءً وإنما هي عمرة مقاضاة، ولهذا يقال لها: عمرة القضية وليس القضاء، والمقصود المقاضاة التي حصلت مع كفار قريش على أنهم يرجعون هذه السنة ويأتون معتمرين السنة الآتية؛ ولهذا عمرة الحديبية لم تبطل وأتي بشيء عوض عنها، بل عمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربع: عمرة الحديبية، وعمرة القضية، وعمرة الجعرانة، والعمرة التي كانت مع حجته صلى الله عليه وسلم. ثم أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية لم يقل: كل من كان معنا في السنة الماضية عليه أن يأتي بهدي بدل الهدي الذي نحر في الحديبية، وإنما ذهب معه منهم ومن غيرهم؛ لأنها لا علاقة لها بقضاء ما فات، وإنما هي عمرة مستقلة حصل الاتفاق مع كفار قريش على أن يرجعوا هذا العام، وأن يعتمروا في السنة القادمة، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية وليس فيها أنه أبدل الهدي، ولا أمر بإبدال الهدي، وليس فيها أنه ذبح هدياً عليه الصلاة والسلام، فالحديث غير صحيح. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي...) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. محمد بن سلمة الباهلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن، وهنا روى بالعنعنة. [ عن عمرو بن ميمون ]. عمرو بن ميمون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أبا حاضر الحميري ]. هو عثمان بن حاضر وهو صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ فأتيت ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
#387
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [220] الحلقة (251) شرح سنن أبي داود [220] يستحب لمن قدم مكة أن يبيت بذي طوى، ثم إذا أصبح اغتسل ودخل مكة نهاراً، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من كداء من ثنية البطحاء، ويخرج من الثنية السفلى، وهذا لأنه كان أسمح لدخوله وخروجه، أما رفع اليدين عند رؤية البيت فلا يصح في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جاءت آثار عن الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يستلم من البيت إلا الركنان، ولا يقبل إلا الحجر الأسود. ما جاء في دخول مكة شرح حديث ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهاراً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب دخول مكة. حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع : (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا قدم مكة بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وآله سلم أنه فعله) ]. قوله: [ باب: دخول مكة ] أورد المصنف رحمه الله فيه حديث ابن عمر [ (أنه كان رضي الله عنه يبيت بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ويدخل مكة نهاراً ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) ] يعني: أنه إذا جاء مكة ليلاً بات بذي طوى، و(ذو طوى) هي بئر قريبة من مكة أو على حدود مكة، وأنه كان إذا أصبح اغتسل ودخل مكة ضحى هكذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم. ودخول مكة في النهار لا شك أنه حسن، ولكن دخولها بالليل جائز، وقد دخلها صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة ليلاً. إذاً: لا بأس أن يدخل الإنسان مكة ليلاً أو نهاراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في حجة الوداع ضحى ودخلها في عمرة الجعرانة ليلاً. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهاراً) قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب، صدوق، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن جعفر البرمكي حدثنا معن عن مالك (ح) وحدثنا مسدد و ابن حنبل عن يحيى (ح) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة جميعاً عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا) قالا عن يحيى : (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدخل مكة من كداء من ثنية البطحاء، ويخرج من الثنية السفلى) زاد البرمكي : يعني ثنيتي مكة، وحديث مسدد أتم ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا) ]، وهي التي من جهة الأبطح قريبة من مقبرة المعلاة . قوله: [ (ويخرج من الثنية السفلى) ] يعني: يدخل مكة من أعلاها ويخرج من أسفلها صلى الله عليه وسلم، ويقال -كما سيأتي- لهذه الثنية: كَداء التي هي مكان الدخول، ويقال للثنية التي يخرج منها: كُداء، الأولى بالفتح والثانية بالضم؛ ولهذا يقال في معرفة التمييز بين الدخول والخروج: افتح وادخل وضم واخرج؛ لأن كَداء بفتح الكاف مكان الدخول، وكُداء بضم الكاف مكان الخروج. فكان صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى، ويدخل مكة من أعلاها ويخرج من أسفلها صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى) قوله: [ حدثنا عبد الله بن جعفر البرمكي ]. عبد الله بن جعفر البرمكي ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا معن ]. هو معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس، وقد مر ذكره. [ (ح) وحدثنا مسدد و ابن حنبل ]. مسدد مر ذكره ، أما أحمد بن حنبل فهو الإمام الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة، و ابن ماجه . [ حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ جميعاً عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما. حكم دخول مكة من الثنية العليا والخروج من الثنية السفلى الدخول من الثنية العليا كان مناسباً لطريق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذي يأتي من المدينة هذا هو الذي يناسبه، والخروج من الثنية العليا فيه صعوبة ومشقة على الجمال وعلى الناس، فكان من المناسب أن يخرج من الثنية السفلى، أما الآن فليس هناك مشقة، لكن إذا تيسر للإنسان أن يدخل من المكان الذي دخل منه النبي صلى الله عليه وسلم فلاشك أن هذا هو الأولى، وإن لم يفعل فلا حرج عليه وله أن يأتي مكة من أي مكان، وكذلك لو أن الإنسان بات بذي طوى واغتسل في الصباح ثم دخل مكة نهاراً فلا بأس بذلك، لكن الأمر ليس بلازم، وفي هذا الزمان مع كثرة الناس لو باتوا بذي طوى لصار فيها من الزحام الشديد ما لا يعلمه إلا الله. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس) ]. هذا يتعلق بالمدينة وليس بمكة، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من المدينة خرج من طريق الشجرة الذي هو مكان الميقات الذي كان يحرم منه صلى الله عليه وسلم، أما المعرس فهو أقرب منه إلى المدينة، وهو الذي كان يدخل منه صلى الله عليه وسلم المدينة. إذاً: هذا يتعلق بدخول المدينة وليس له علاقة بدخول مكة، ولكنه جاء تبعاً من جهة التماثل، من ناحية أن هذا فيه دخول وهذا فيه دخول. أما مكان المعرس فهو أقرب من مكان المسجد الآن إلى المدينة. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ]. هؤلاء مر ذكرهم في الحديث الذي قبله. شرح حديث: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من كداء...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح من كداء من أعلى مكة، ودخل في العمرة من كُدي) قال: وكان عروة يدخل منهما جميعاً، وكان أكثر ما كان يدخل من كُدي، وكان أقربهما إلى منزله ]. في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح من كَداء، ودخلها في العمرة من كدي، وكان عروة بن الزبير يدخل من الثنيتين، وأكثر ما كان يدخل من كدي؛ لأنها أقرب إلى منزله. إذاً: هذا يدل على أن الأمر في هذا واسع؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم دخل من هنا ودخل من هنا. تراجم رجال إسناد حديث: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من كداء...) قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو عروة بن الزبير، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث دخول رسول الله عام الفتح من كداء من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دخل مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها) ] وهو مثل ما تقدم. قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. مر ذكره. [ حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ]. وقد مر ذكرهم. رفع اليدين عند رؤية البيت الحرام شرح حديث: (سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت يرفع يديه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في رفع اليدين إذا رأى البيت. حدثنا يحيى بن معين أن محمد بن جعفر حدثهم حدثنا شعبة قال: سمعت أبا قزعة يحدث عن المهاجر المكي أنه قال: (سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت يرفع يديه، فقال: ما كنت أرى أحداً يفعل هذا إلا اليهود، وقد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن يفعله) ]. قوله: [ باب في رفع اليدين إذا رأى البيت ]. لم يأت شيء يدل على ثبوته، وفي هذا الحديث أنهم حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرفعون أيديهم عند رؤية البيت. إذاً: لم يأت شيء يدل على رفع اليدين، لكن هذا الحديث غير صحيح وغير ثابت؛ لأن فيه رجلاً مقبولاً، فالأصل هو عدم رفع الأيدي حتى يأتي دليل يدل على الرفع، ولم يأت شيء يدل على الرفع، وقد جاء حديث ضعيف في رفع الأيدي عند رؤية البيت، وعند الوقوف بعرفة، وفي مزدلفة، وعند الجمرة الأولى والثانية، وفي الصلاة، وكل الألفاظ التي جاءت فيه لها أصل وهي ثابتة من طرق أخرى، إلا ما يتعلق برفع اليدين عند رؤية البيت فهو غير ثابت، وقد ذكر الحديثين الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة رقم (1053) و(1054)، والحديثان أحدهما: من طريق عطاء بن السائب ، والذي يروي عنه هنا سمع منه بعد الاختلاط وهو ورقاء بن عمر ، والثاني: من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سيئ الحفظ جداً، فلا يحتج بما انفرد به وبما جاء عنه. إذاً: الحديث الذي ورد في هذا غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأصل هو عدم الثبوت حتى يأتي شيء يدل على الثبوت. تراجم رجال إسناد حديث: (سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت يرفع يديه...) قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر غندر ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أبا قزعة ]. هو سويد بن حجير، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن المهاجر المكي ]. المهاجر المكي مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ سئل جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا سلام بن مسكين حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله سلم لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام) يعني: يوم الفتح ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام ركعتين) ] وذلك عام الفتح، وإيراد هذا الحديث تحت هذه الترجمة لا وجه له، إلا أنه لم يذكر فيه أنه رفع يديه لما رأى البيت. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ] . هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سلام بن مسكين ]. سلام بن مسكين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا ثابت البناني ]. ثابت البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن رباح الأنصاري ]. عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً. حكم الشيخ الألباني على الأحاديث والآثار الواردة في رفع الأيدي عند رؤية مكة أما الأحاديث التي ذكرها الشيخ الألباني في رفع الأيدي عند رؤية البيت كلها مرفوعة، وهي في السلسلة الضعيفة برقم (1053) و(1054). فالقول أن الشيخ الألباني يقول باستحباب رفع الأيدي عند رؤية الكعبة، كما يقول بعض الإخوة: إن الشيخ الألباني ذكر ذلك في مناسك الحج والعمرة وقال: إنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه إذا رأى البيت، لكن الحديث المرفوع الذي ذكره صاحب عون المعبود هو حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ترفع الأيدي في سبعة مواطن). هذا هو المرفوع الذي ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة. ثم قال: وروي عن ابن عمر (أنه كان يرفع يديه عند رؤية البيت) وعن ابن عباس مثل ذلك، وقال ابن الهمام : أسند البيهقي إلى سعيد بن المسيب قال: (سمعت من عمر كلمة من بقي أحد من الناس سمعها غيري، سمعته يقول: إذا رأى البيت قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، فحينا بالسلام). وأسند الشافعي عن ابن جريج : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه، وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةً). وهذا الحديث مرسل مقطوع. إذاً: لا توجد إلا آثار عن الصحابة، والشيخ الألباني معروف من عادته أنه لا يأخذ بالآثار، ومن ذلك قضية رفع اليدين في التكبير، فإنه ما كان يقول به، مع أنه ثابت عن ابن عمر .
__________________
|
#388
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة ثم أقبل إلى الحجر فاستلمه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا بهز بن أسد و هاشم -يعني ابن القاسم - قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل مكة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت، فرفع يديه، فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره ويدعوه، قال: والأنصار تحته) قال هاشم : (فدعا وحمد الله ودعا بما شاء أن يدعو) ]. في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة فأقبل على الحجر فاستلمه، فأول شيء بدأ به هو استلام الحجر، ثم طاف صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (ثم أتى الصفا فعلاه) ]. يعني: رقى على الصفا واستقبل القبلة ورفع يديه، وهذا يدلنا على أن الصفا من الأماكن التي ترفع عليها الأيدي. قوله: [ (فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره ويدعو) ]. يعني: أنه كان يجمع بين الذكر والدعاء. قوله: [ (والأنصار تحته) ]. قيل: جاء في بعض الألفاظ (الأنصار)، وفي بعضها: (الأنصاب)، والمقصود بالأنصاب: الحجر الذي يصعد عليه إلى الصفا. أما الأنصار فهم أنصاره صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (تحته) ] يعني: أنه كان فوق وهم تحت، لكن لا يعني ذلك أنهم صعدوا أو ما صعدوا، وإنما الإشارة إلى وجودهم. تراجم رجال إسناد حديث: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة ثم أقبل إلى الحجر فاستلمه ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل مر ذكره. [ حدثنا بهز بن أسد ] بهز بن أسد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و هاشم يعني ابن القاسم ]. هاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان بن المغيرة ]. سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة. حكم رفع اليدين عند الصفا وصفته أما مسألة رفع اليدين عند الصفا مثل رفع اليدين في الدعاء، فإن بعض الناس يشير ويقول: الله أكبر، مثلما يكبر عند دخول الصلاة، وهذا خطأ، والصواب أنه يرفع يديه يذكر الله ويدعو مثل رفع اليدين في الأماكن الأخرى، ورفع اليدين جاء في مواضع منها هذا الموضع، ومنها عند الجمرة الأولى والثانية، وبعرفة، ومزدلفة، وفي أماكن متعددة. الأسئلة حكم الاشتراط في الحج والعمرة خوف الزحام السؤال: هل للإنسان أن يشترط خوفاً من الزحام مثل ليلة سبع وعشرين من رمضان؟ الجواب: بعض العلماء أجاز الاشتراط مطلقاً، وبعضهم قال: لمن كان خائفاً، والأمر في ذلك واسع. إعطاء تكاليف حج النافلة لمن لم يحج الفريضة السؤال: هل الأفضل لمن حج أكثر من مرة أن يحج أم يعين شخصاً على حج الفريضة؟ الجواب: حجه فيه خير، وإعانته غيره فيه خير، وإذا كان قادراً أن يحج ويعين غيره فحسن. حكم إخراج تصريح بالحج بذريعة المحرمية السؤال: هل للشخص أن يخرج تصريح الحج على أنه محرم لأهله، مع أن أهله قد لا يريدون الحج؟ الجواب: إذا كان أهله لم يحجوا الفرض فهذا شيء طيب؛ لأن أداء الفرض أمر مطلوب، وبعض الناس يحب أن يحج، ولكن حيث لا يتيسر له كل سنة يحب أن يكون محرماً لامرأة لم تحج من محارمه، وهذا لا بأس به. حكم الإتيان بالحج من قابل للمحصر السؤال: هل يجب من منع عن الحج للحصر أن يحج من العام المقبل؟ الجواب: إذا كان منع من الفرض فإنه يجب عليه، وإذا كان منع من غير الفرض فلا يجب عليه. حكم المكث بمكة للمتمتع بعد تحلله من العمرة السؤال: من حج متمتعاً هل يلزمه الجلوس بمكة إلى وقت الحج؟ الجواب: لا يلزمه ذلك، بل لو أن إنساناً أراد أن يذهب إلى جدة، ويجلس بها فترة فإنه يكون متمتعاً. ما جاء في تقبيل الحجر الأسود شرح حديث: (لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في تقبيل الحجر. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه: (أنه جاء إلى الحجر فقبله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقبلك ما قبلتك) ]. قوله: [ باب: في تقبيل الحجر ]. الحجر: هو الحجر الأسود الذي هو في زاوية من زوايا الكعبة، وهي الزاوية التي عندها باب الكعبة، فالترجمة تتعلق بتقبيله، وكذلك استلامه وتقبيل ما يستلم به، والإشارة إليه عند عدم تمكن الوصول إليه، فإذا لم يتمكن من الوصول إليه فلا يؤذي أحداً في الوصول إليه، بل يكفي أن يشير إليه فقط، وإن تمكن من أن يمد يده ويلمسه ويمسحه بيده يقبل يده أو يقبل الذي مسحه به، وإذا لم يمكن لا هذا ولا هذا فإنه إذا حاذاه يشير إليه ويكبر، فهذه أمور ثلاثة تتعلق بالحجر الأسود. قوله: [ (عن عمر رضي الله عنه: (أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) ]، هذا يدلنا على أن المعتبر أو المعول عليه في تقبيله هو اتباع النبي عليه الصلاة والسلام، ولولم يقبله صلى الله عليه وسلم لما قبله عمر رضي الله عنه، وهو إنما قبله اتباعاً للنبي عليه الصلاة والسلام، وليس تقبيله من أجل تحصيل البركة منه، أو من أجل كون الإنسان يريد منه نفعاً أو ضراً، فالأمر كما قال عمر رضي الله عنه: [ (إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) ]. إذاً: تقبيل الحجر الأسود إنما هو اتباع للسنة، وامتثال لما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، واقتداء به عليه الصلاة والسلام، فما دام أنه قد قبل الحجر فنحن نقبله؛ ولهذا فإن بقية الأركان وبقية الجدران لا تقبل ولا تمسح إلا الركن اليماني فإنه يمسح ولا يقبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسحه واستلمه ولم يقبله، وكذلك لا يشار إليه؛ لأن التقبيل والمسح والإشارة تتعلق بالحجر الأسود، وأما الركن اليماني فإنه يمسح إذا تمكن من الوصول إليه، ولا يقبل ولا يشار إليه ولا تقبل اليد إذا لمسه بها، بخلاف الحجر الأسود. فالمتبع والمعول عليه في ذلك ما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو تقبيل الحجر الأسود، وهذا يدلنا على أنه لا يشرع أن يقبل أي حجر في الدنيا إلا الحجر الأسود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبله، ولولم يقبله ما قبلناه كما قال ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فلا يجوز أن تقبل جدران قبر من القبور أو ضريح من الأضرحة أو أي حجر من الأحجار، وإنما التقبيل خاص بالحجر الأسود، والمسح يكون للحجر الأسود ويكون للركن اليماني، هذا هو الذي جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (ولولا أني رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقبلك ما قبلتك) ] هذا يدلنا على أن الإنسان يعول على السنة ويتبع السنة ولو لم يعلم الحكمة من ذلك، فإنه لا يتوقف العمل بالأحكام الشرعية على معرفة الحكمة، فالواجب هو الاستسلام والانقياد لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا عرفت الحكمة وجاء شيء يدل عليها فيكون ذلك زيادة بصيرة وزيادة معرفة، وإلا فالاستسلام والانقياد يكون بمجرد ما يأتي الأمر من الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] ويقول سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]. تراجم رجال إسناد حديث: (لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عابس بن ربيعة ]. عابس بن ربيعة ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب الفضائل الجمة والمناقب الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. بيان ما يستلم من الأركان شرح حديث: (لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب استلام الأركان. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (لم أر رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين) ]. قوله: [ باب استلام الأركان ] يعني: أركان الكعبة، والكعبة لها أربعة أركان: ركنان يمانيان، وهما الحجر الأسود، والركن اليماني، وركنان شاميان اللذان هما من جهة الحِجْر، والذي يستلم منها هما الركنان اليمانيان، أما بقية الأركان فلا تستلم؛ لأن الاستلام خاص بالركنين اليمانيين، فالحجر الأسود يستلمه ويقبله، أو يستلمه بيده ويقبل يده، أو يستلمه بشيء لو طاف راكباً، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، فإنه طاف راكباً واستلمه بمحجن وقبل المحجن الذي استلمه به، وأما الركن اليماني فإنه يمسح فقط كما ذكرنا، وأما الركنان الآخران فإنهما لا يمسحان ولا يستلمان ولا يقبلان. إذاً: المقصود والمعول عليه في ذلك ما جاء عن المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، من تقبيل واستلام الحجر الأسود، و استلام الركن اليماني. تراجم رجال إسناد حديث: (لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ليث ] هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ] هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث ابن عمر في ترك استلام الركنين الشاميين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه أُخبر بقول عائشة رضي الله عنها: إن الحجر بعضه من البيت، فقال ابن عمر : والله إني لأظن عائشة إن كانت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إني لأظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك استلامهما إلا أنهما ليسا على قواعد البيت، ولا طاف الناس وراء الحجر إلا لذلك) ]. قوله: [ (أخبر بقول عائشة: إن الحجر بعضه من البيت) ]. وحديث عائشة المعروف المشهور الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة ولبنَيَْتهُا على قواعد إبراهيم) يعني: أدخل الذي أخرجت قريش من الحجر فيها؛ وذلك أن قريشاً قصرت بهم النفقة، فتركوا جزءًا منها، وجعلوا ذلك الجدار الدائري الذي يدخل تحته الحجر؛ حتى يعرف أنه من الكعبة فيطاف من ورائه، فابن عمر رضي الله عنهما لما بلغه هذا الحديث قال: [ (إن كانت سمعت هذا) ] وليس هذا شكاً في رواية عائشة ، ولكنه إخبار عن الشيء، ومثل هذا التعبير يأتي في الكتب وليس المقصود به الشك أو التردد في أن ذلك صحيح أو غير صحيح. فابن عمر كان يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك استلام الركنين الشاميين إلا أنهما لم يكونا على قواعد إبراهيم، وهذا فهم ابن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والله أعلم بالحقيقة هل الرسول صلى الله عليه وسلم تركهما لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، أو أنه لم يؤمر إلا بأن يمسح هذين الركنين فقط وهما الركنان اليمانيان؟ أما كون الناس طافوا من وراء الحجر لأن الحجر جزء من البيت، فهذا صحيح؛ لأن من طاف من داخل الحجر لم يطف بالكعبة كلها، ومن شرط الطواف أن يكون بالكعبة كلها، والحجر جزء منها لم يبن. إذاً: الطواف يكون من وراء الحجر ولا يكون من داخل الحجر، ولو طاف الإنسان من داخل الحجر لما صح طوافه؛ لأنه لم يطف بالكعبة كلها؛ لأن الحجر جزء من الكعبة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في ترك استلام الركنين الشاميين قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره. [ عن سالم عن ابن عمر ]. سالم و ابن عمر مر ذكرهما. شرح حديث: (كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة). قال: وكان عبد الله بن عمر يفعله ]. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة) ] يعني: في كل شوط من الأشواط كان صلى الله عليه وسلم يستلم الركن اليماني ويستلم الحجر الأسود. تراجم رجال إسناد حديث: (كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد العزيز بن أبي رواد ]. عبد العزيز بن أبي رواد صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و ابن عمر قد مر ذكره."
__________________
|
#389
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [221] الحلقة (252) شرح سنن أبي داود [221] الطواف ركن من أركان الحج والعمرة، ويأتي الطواف سنة ويأتي واجباً، وقد جاء في صفة الطواف وسننه وبيان الواجب منه والمندوب أحاديث كثيرة. الطواف الواجب شرح حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعير يستلم الركن بمحجن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الطواف الواجب. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله -يعني ابن عبد الله بن عتبة - عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) ]. قوله: [ باب الطواف الواجب ]. الطواف الواجب في العمرة هو طواف العمرة، وهو ركن من أركان العمرة، أما الطواف الواجب في الحج فطواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج، وطواف الوداع واجب من واجبات الحج، وكذلك إذا نذر الإنسان أن يطوف فإنه يكون واجباً عليه، وقال بعض أهل العلم: إن طواف القدوم واجب. وقد عقد المصنف رحمه الله هذه الترجمة وأتى بالأحاديث التي فيها طواف القدوم، ولعل في إيراد الأحاديث تحت هذه الترجمة إشارة إلى أنه يرى أن طواف القدوم واجب، وذلك في حق من كان قارناً أو مفرداً، أما من كان متمتعاً فإنه يطوف طواف العمرة وهو يغني عن طواف القدوم، وهذا مثل كون الإنسان إذا دخل المسجد والصلاة قائمة فإنه يصلي الفرض وهو يغني عن تحية المسجد، فكذلك عندما يدخل المسجد الحرام فإنه يطوف طواف العمرة وهذا الطواف يغني عن طواف القدوم، وأما من كان حاجاً مفرداً أو قارناً فإنه يطوف طواف القدوم؛ لأن الذي عليه من الطواف الواجب هو طواف الحج والعمرة إذا كان قارناً وكذلك إذا كان مفرداً، أما طواف الإفاضة فإنه يكون بعد الحج، سواء كان قراناً أو إفراداً أو تمتعاً؛ لأن طواف الإفاضة لازم في حق الجميع، وهو إنما يكون بعد الإفاضة من عرفة ومن مزدلفة. وعلى هذا فطواف القدوم من العلماء من قال بوجوبه، ومنهم من قال: إنه من قبيل المستحب؛ لأن الإنسان يمكن أن يتركه، كما لو جاء الحاج متأخراً وذهب إلى عرفات رأساً ولم يدخل مكة إلا بعد الحج فليس بلازم عليه أن يطوف طواف القدوم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم فعله أول ما دخل مكة، فدل هذا على أن القارنين والمفردين إذا دخلوا مكة فإنهم يطوفون طواف القدوم، ويسعون سعي العمرة والحج بعد طواف القدوم، هذا في حق القارن والمفرد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بعدما طاف طواف القدوم وكان قارناً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) ]. يعني: أنه عليه الصلاة والسلام طاف على بعير، وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف لأن الناس غشوه وازدحموا حوله، فأراد أن يكون على بعير حتى يشرف على الناس، وحتى يأخذ الناس عنه المناسك، وحتى يسمعوا كلامه ويرون فعله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث جابر : (فإن الناس غشوه) يعني: ازدحموا حوله صلى الله عليه وسلم فركب البعير. قوله: [ (وكان يستلم الركن بمحجن) ] المحجن: هو عصا منحنية الرأس، كان صلى الله عليه وسلم يضعها على الحجر ثم يقبلها، ودل هذا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف أول ما قدم مكة وكان على بعير، وأيضاً يدل على صحة طواف الراكب، ويدل أيضاً على أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر؛ لأن كون البعير يدخل المسجد ويطاف عليه حول الكعبة قد يكون هناك روث وبول، فدل ذلك على طهارة الأبوال والأرواث مما هو مأكول اللحم، ومما يدل على طهارته أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للعرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل للاستشفاء، ولو كان بولها نجساً لما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نهى عن التداوي بالحرام، فدل هذا على أن روث وبول ما يؤكل لحمه طاهر وليس بنجس. تراجم رجال إسناد حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعير يستلم الركن بمحجن) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ]. ابن شهاب مر ذكره، و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مصرف بن عمرو اليامي حدثنا يونس -يعني ابن بكير - حدثنا ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن صفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت: (لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده، قالت: وأنا أنظر إليه) ]. في هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم عام الفتح مكة طاف على بعير يستلم الركن بمحجن، وهذا ليس فيه طواف قدوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة معتمراً، وإنما دخل وعلى رأسه المغفر عليه الصلاة والسلام، وإنما طاف عليه الصلاة والسلام تطوعاً، وهذا من الأدلة الدالة على جواز التطوع بالطواف في أي وقت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف وهو بمكة عام الفتح، ولم يكن ذلك طواف عمرة وإنما كان طواف تطوع، فدل هذا على أن التطوع بالطواف مشروع، وأما السعي فلا يأتي الإنسان إلا بالسعي الواجب، أي: لا يسعى الإنسان بين الصفا والمروة تطوعاً مثلما يتطوع بالطواف؛ لأن السعي بين الصفا والمروة إنما يكون للحج والعمرة، سواء كانت عمرة مستقلة لا علاقة لها بالحج، أو عمرة تمتع أو قران مع الحج، أما سعي الحج فيكون بعد الحج أو قبله. إذاً: هذا الحديث فيه أنه طاف عليه الصلاة والسلام على بعير وكان يستلم الركن بمحجن ولم يكن محرماً. تراجم رجال إسناد حديث: (لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده) قوله: [ حدثنا مصرف بن عمرو اليامي ]. مصرف بن عمرو اليامي ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا يونس يعني ابن بكير ]. يونس بن بكير صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه . [ حدثنا ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ]. محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ]. عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صفية بنت شيبة ]. صفية بنت شيبة رضي الله عنها، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله و محمد بن رافع المعنى، قالا: حدثنا أبو عاصم عن معروف -يعني ابن خربوذ المكي - حدثنا أبو الطفيل رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بالبيت على راحلته، يستلم الركن بمحجنه ثم يقبله) زاد محمد بن رافع : (ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعاً على راحلته) ]. قوله: [ (رأيت النبي عليه الصلاة والسلام طاف على بعير يستلم الركن بمحجنه ويقبله) ] يعني: يقبل الذي لامس الحجر من المحجن. إذاً: هذا يدل على أن الحجر يقبل مباشرةً، وإذا لم يتمكن الإنسان من ذلك استلمه بيده أو بمحجن أو بعصا أو ما إلى ذلك ثم يقبل ما استلمه به، والأمر الثالث الذي أشرنا إليه آنفاً أنه يشار إليه، هذا إذا كان الإنسان ليس قريباً منه ولا يستطيع التقبيل مباشرة ولا الاستلام بمحجن ونحوه. قوله: [ (ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعاً على راحلته) ]. يعني: أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى الصفا والمروة وطاف بينهما على راحلته، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم طاف وسعى بين الصفا والمروة على البعير، وفعل ذلك ليراه الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن) قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن رافع ] هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معروف يعني ابن خربوذ المكي ]. معروف بن خربوذ المكي صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجه . [ حدثنا أبو الطفيل ]. هو عامر بن واثلة رضي الله عنه، وهو آخر الصحابة موتاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة؛ ليراه الناس وليشرف وليسألوه، فإن الناس غشوه) ]. قوله: [ (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة؛ ليراه الناس وليشرف وليسألوه، فإن الناس غشوه) ] يعني: أحاطوا به وازدحموا عليه، كل يريد أن يقرب منه وأن يشاهده ويعاينه صلى الله عليه وسلم، فركب على بعيره يطوف عليه ويسعى عليه صلى الله عليه وسلم؛ ليراه الناس عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. تراجم رجال إسناد حديث: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى عن ابن جريج ]. يحيى هو القطان وقد مر ذكره، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته، كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته) ]. يعني: أن السبب في طوافه على الراحلة كونه يشتكي، لكن تقدم في حديث جابر رضي الله عنه أن السبب في ذلك ليشرف فإن الناس غشوه. فقوله: [ (وهو يشتكي) ] هذه اللفظة جاءت من طريق يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، وكونه طاف على بعير واستلم الركن بمحجن هو ثابت في الأحاديث الأخرى. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مر ذكره. [ حدثنا خالد بن عبد الله ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] مر ذكره. حكم الاستلام في أول الطواف وآخره في الشوط السابع قوله: [ (كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجن) ]. هذا كما مر في الحديث السابق أنه كان يستلمه في كل طوفة. وهذا لم ينفرد به يزيد بن أبي زياد، بل قد رواه غيره كما مر. أما الاستلام في آخر الطواف في الشوط السابع فالذي يظهر أنه كلما أتى على الحجر فإنه يستلمه، سواء كان في الأول أو في الآخر، كلما حاذاه يستلمه. قوله: [ (فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين) ]. يعني: ركعتي الطواف. شرح حديث أم سلمة: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله سلم أنها قالت: (شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، قالت: فطفت ورسول الله صلى الله عليه وآله سلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور) ]. قول أم سلمة : [ (شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي) ] يعني: من المرض. قولها: [ (فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) ] وذلك لأنه قد يحصل من المركوب بعض الإيذاء للناس، فكونه يكون من وراء الناس يكون أسلم لهم، وحتى لا يتعرض أحد منهم لشيء من الأذى من المركوب، فهذا يدل على جواز الطواف راكباً، والنبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً ليراه الناس، وأما هي فلأنها كانت تشتكي، فدل هذا على أنه يسوغ للإنسان أن يطوف راكباً، وأنه إذا كان يشتكي فالأمر كما قال الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وإذا كان لا يشتكي، ولكن قد تناله مشقة فله أن يطوف وهو محمول على العربة، وكذلك الأمر في السعي بين الصفا والمروة. تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ]. محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن زينب بنت أبي سلمة ]. زينب بنت أبي سلمة هي ربيبة النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. أم سلمة رضي الله عنها أم المؤمنين، وهي هند بنت أبي أمية ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. أما كونه صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور وكتاب مسطور فذلك كان في صلاة الفجر، و أم سلمة كانت تطوف من ورائهم وهم يصلون؛ لأن صلاة الجماعة ليست واجبة على النساء. الاضطباع في الطواف شرح حديث: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً ببرد أخضر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الاضطباع في الطواف. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن ابن يعلى عن يعلى رضي الله عنه أنه قال: (طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم مضطبعاً ببرد أخضر) ]. قوله: [ باب: الاضطباع في الطواف ]. الاضطباع: هو أن يجعل المحرم رداءه تحت إبطه الأيمن، ثم يسدله على كتفه الأيسر، فتكون اليد اليمنى كلها مكشوفة بارزة، هذا هو اضطباع. وقيل: الاضطباع مأخوذ من الضبع، والضبع هو العضد. والحكمة في ذلك أنه أنشط، ولأنه أيضاً يكون مع الرمل الذي يكون في الثلاثة الأشواط الأولى، وأما الاضطباع فيكون في الأشواط السبعة، والرمل هو الإسراع في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والاضطباع إنما يكون في طواف القدوم لمن كان قارناً أو مفرداً، وفي طواف العمرة في حق من كان معتمراً، سواء كان في وقت الحج متمتعاً أو في أي شهر من السنة. قوله: [ (ببرد أخضر) ] هذا يدل على أن الإنسان يحرم بأي شيء من اللباس، سواء كان أخضر أو أبيض أو غير ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً ببرد أخضر) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير مر ذكره. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره. [ عن ابن جريج عن ابن يعلى ]. ابن جريج مر ذكره، و ابن يعلى هو صفوان بن يعلى بن أمية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعلى ]. هو يعلى بن أمية رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو سلمة موسى حدثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم اليسرى) ]. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة) ] وكان ذلك في السنة الثامنة بعد الفتح. قوله: [ (فرملوا بالبيت) ] يعني: رملوا في الأشواط الثلاثة الأولى. قوله: [ (وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم اليسرى) ]. يعني: بحيث يكون العاتق الأيسر عليه الرداء الذي كان موجوداً من الأصل، ثم ألقي عليه طرفه الذي كان على الكتف الأيمن، أي: جعل تحت العضد الأيمن ثم ألقي على الكتف الأيسر، فيكون الكتف الأيمن كله مكشوفاً، والأيسر عليه الطرفان الطرف الذي كان عليه من الأصل، والطرف الذي كان على الكتف الأيمن جُعل على الكتف الأيسر، وهذا الحديث فيه بيان الاضطباع وتفسيره؛ لأنه قال في الحديث السابق: (مضطبعاً)، وهنا فسر الاضطباع بأنه أن يجعل الرداء تحت إبطه الأيمن ويلقي به على كتفه الأيسر. وهذا في طواف العمرة، وكذلك في طواف القدوم إذا كان قارناً أو مفرداً.
__________________
|
#390
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم...) قوله: [ حدثنا أبو سلمة موسى ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ]. عبد الله بن عثمان بن خثيم صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. ما جاء في الرمل وحكمه شرح حديث ابن عباس في رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الأشواط الثلاثة الأولى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ بابٌ في الرمل. حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا أبو عاصم الغنوي عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما (يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قد رمل بالبيت، وأن ذلك سنة. قال: صدقوا وكذبوا، قلت: وما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا، قد رمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذبوا ليس بسنة، إن قريشاً قالت زمن الحديبية: دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النغف، فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله سلم والمشركون من قبل قعيقعان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ارملوا بالبيت ثلاثاً، وليس بسنة. قلت: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاف بين الصفا والمروة على بعيره، وأن ذلك سنة، فقال: صدقوا وكذبوا، قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا، قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعيره، وكذبوا ليس بسنة؛ كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه، وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم) ]. قوله: [ باب في الرمل ]. الرمل: هو الإسراع مع مقاربة الخطا، أي: دون الجري والعدو والركض، وإنما هو إسراع خفيف لا يحصل فيه مشقة على الإنسان، وأصل هذا الرمل أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء في عمرة القضية في السنة السابعة من الهجرة، وهي العمرة التي اتفق النبي عليه الصلاة والسلام مع كفار قريش عام الحديبية أن يرجع ذلك العام ويأتي معتمراً في السنة القادمة، فقدم عليه الصلاة والسلام وكان الكفار قد جلت مجموعة منهم وراء المطاف من جهة الحجر، فكانوا يقولون: يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، أي: أضعفتهم حمى يثرب، ويثرب هي المدينة، فأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأولى، وإذا كانوا بين الركنين في الجهة التي تحجب الكعبة بينهم وبين الكفار يمشون؛ ليخففوا على أنفسهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام بعد ذلك رمل من الحجر إلى الحجر، فدل ذلك على أنها سنة سنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه يسن لكل معتمر أن يرمل، ويسن لكل حاج عندما يقدم مكة قارناً أو مفرداً أن يرمل في طواف القدوم. قوله: [ (يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة، قال: صدقوا وكذبوا، قلت: وما صدقوا وما كذبوا؟ ..) ] هذا الحديث عن ابن عباس لما قيل له: إن قومك يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم رمل وأنه سنة فقال: صدقوا وكذبوا، قال السائل: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا في أنه رمل، وكذبوا في أنه سنة، ثم بين السبب في ذلك وهو: أنه من أجل أن يروا الكفار شيئاً من الجلد والقوة، وهذا من المعاريض، والمعاريض تكون بالقول وتكون بالفعل، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب: (الحرب خدعة) فكون المسلمين يظهرون شيئاً من القوة -وإن كان عندهم شيء من الضعف-؛ ليرهبوا العدو، فهذا من المعاريض الفعلية، وكون الإنسان يقول كلاماً هو صادق فيه يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، فهذا من المعاريض القولية. لكن جاء عن ابن عباس نفسه ما يدل على أنه سنة. إذاً: فهو سنة، ولكنه في الأصل لم يكن للتشريع والتسنين وإنما كان لإظهار القوة؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك رمل في حجة الوداع من الحجر إلى الحجر، فدل هذا على أنه سنة؛ لأنه لو كان المقصود هو إظهار القوة أمام الكفار فقط لاقتصر على الرمل في تلك السنة التي هي عمرة القضية، ولكن كونه فعل ذلك في عمرة الجعرانة في السنة الثامنة، وفعل ذلك في حجة الوداع يدل على أنه سنة. فقوله: [ ليس بسنة ] في هذا تذكير للمسلمين بأصل الرمل وسبب الرمل في الأصل، وأن المسلمين كان فيهم ضعف، وبعد ذلك أعزهم الله، والرسول صلى الله عليه وسلم صُدَّ عن البيت ثم دخله، وقال الكفار فيه وفي أصحابه ما قالوا، ولكنه بعد ذلك دخل مكة فاتحاً صلى الله عليه وسلم، وصارت مكة تحت ولايته وتحت حكم الإسلام، فكان القول بأنه ليس سنة مخالفاً لما جاء في الصحيح من أنه رمل في حجة الوداع، وكذلك ما جاء في حديث عمرة الجعرانة. وقوله: [ ليس بسنة ] هذا كلام ابن عباس وليس كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: [ (ارملوا) ] يعني: في الأشواط الثلاثة، وأمرهم -كما جاء في الصحيح- أن يمشوا بين الركنين حيث تحجب الكعبة بينهم وبين الكفار؛ لأنهم من جهة الحجر، فإذا اختفوا عنهم مشوا، وإذا ظهروا عليهم من الجهة الأخرى رملوا. حكم الطواف بين الصفا والمروة على الراحلة قوله: [ (قلت: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة على بعير وأن ذلك سنة، فقال: صدقوا وكذبوا، قلت: ما صدقو وما كذبوا؟ قال: صدقوا، قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعيره، وكذبوا، ليس بسنة؛ كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه، وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم) ]. يعني: كونه طاف على بعير صدقوا فيه، وكونه سنة هذا كذبوا فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فعله للحاجة، وهو أن الناس غشوه وأنهم لا يصرفون عنه ولا يدفعون عنه، فركب حتى يراه الناس وحتى يشرف عليهم عليه الصلاة والسلام، فكون الناس يطوفون راكبين ليس بسنة، لكن عند الحاجة لهم أن يطوفوا راكبين، مثلما أذن عليه الصلاة والسلام لأم سلمة رضي الله عنها أن تطوف وهي راكبة من وراء الناس؛ لأنها كانت تشتكي من المرض. إذاً: لا يقال: إن الركوب سنة وأن الإنسان يفعله رأنه سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما طاف راكباً ليراه الناس ويسمعوا كلامه عليه الصلاة والسلام، وهذا كما يقال: إن الإنسان له أن يصلي جالساً في النافلة وله نصف الأجر، بخلاف ما لو صلى النافلة قائماً فإن له الأجر كاملاً، لكن لا يقال: إن من السنة أن يصلي النافلة جالساً، فإنه من العموم أنه ليس بسنة. تراجم رجال إسناد حديث رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الأشواط الثلاثة الأولى قوله: [ حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا أبو عاصم الغنوي ]. أبو عاصم الغنوي مقبول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس ]. أبو الطفيل و ابن عباس مر ذكرهما. معنى النغف الوارد في الحديث وسبب ركوب النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الطواف قوله: [ (حتى يموتوا موت النغف) ] النغف هو دود يسقط من أنوف الدواب، فإذا سقط مات، ومعناه: أنهم قوم ضعاف أضعفتهم الحمى وأنهم يأتون هزالى، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يظهروا التجلد والقوة. قوله: [ (ليسمعوا كلامه، وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم) ]. معناه: أنهم كانوا يزدحمون عليه ويصافحونه ويلمسونه أو ما إلى ذلك، فإذا ركب رآه الناس وسمعوه ورأوه فعله عليه الصلاة والسلام. شرح حديث: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد وهنتهم حمى يثرب...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير أنه حُدِّث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شراً، فأطلع الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على ما قالوه، فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، فلما رأوهم رملوا، قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم! هؤلاء أجلد منا). قال ابن عباس : (ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم). ]. في هذا الحديث أن الكفار قالوا: [ (يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى) ] فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على هذا الكلام الذي جرى بينهم وهم بعيدون، فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، يعني: حيث يكون الكفار في الجهة الأخرى وتحجب الكعبة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبين الكفار. قوله: [ (فلما رأوهم رملوا قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم! هؤلاء أجلد منا) ] يعني: حركاتهم وسرعتهم في مشيهم يدل على أن كلامكم ليس بصحيح؛ فهم أجلد منا. قوله: [ ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم ] يعني: أنه عليه الصلاة والسلام لم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا خوف المشقة عليهم؛ لأن المقصود من ذلك هو أن يروا الكفار قولهم، ولكن جاءت بعد ذلك السنة بالرمل في الأشواط الثلاثة الأولى كلها. تراجم رجال إسناد حديث: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد وهنتهم حمى يثرب...) قوله: [ حدثنا مسدد عن حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. شرح حديث: (فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب؟...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله؟ مع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. قوله: [ (فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام؟) ]. يعني: وقد ثبت الله الإسلام، وأعز الإسلام وأهله. قوله: [ (مع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: إنما رمل عليه الصلاة والسلام أولاً من أجل أن يري المشركين في عمرة القضية، ولكنه فعله بعد ذلك، فنحن نفعل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نتركه. والنبي صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع، ورمل في عمرة الجعرانة، فهذا يدل على مشروعية الرمل. تراجم رجال إسناد حديث: (فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب؟...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الملك بن عمرو ]. عبد الملك بن عمرو هو أبو عامر العقدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أسلم العدوي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عمر بن الخطاب ] عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عبيد الله بن أبي زياد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) ]. قوله: [ (إنما جعل الطواف بالبيت والسعي وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله) ] معلوم أن جميع أعمال الحج إنما هي لإقامة ذكر الله، كلها من أولها إلى آخرها جعلت لذكر الله عز وجل، فالطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت مزدلفة، كل ذلك هو لإقامة ذكر الله، والحديث في إسناده من تكلم فيه، وهو عبيد الله بن أبي زياد، والباقون في الإسناد ثقات، ولعل الشيخ الألباني ضعفه بسبب عبيد الله بن أبي زياد . تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله بن أبي زياد ] عبيد الله بن أبي زياد ليس بالقوي، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجه . [ عن القاسم ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع فاستلم وكبر ثم رمل ثلاثة أطواف...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن أبي الطفيل رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله سلم اضطبع فاستلم وكبر، ثم رمل ثلاثة أطواف، وكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا من قريش مشوا، ثم يطلعون عليهم يرملون، تقول قريش: كأنهم الغزلان) . قال ابن عباس : فكانت سنة ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع) ] قد عرفنا الاضطباع. قوله: [ (فاستلم وكبر) ]. يعني: أنه كان عندما يستلم الحجر يكبر. قوله: [ (ثم رمل ثلاثة أطواف) ]. يعني: في الأشواط الثلاثة الأولى. قوله: [ (وكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا من قريش مشوا، ثم يطلعون عليهم يرملون) ]. وهذا مثلما ما تقدم، يعني: أنه أمرهم أن يمشوا بين الركنين، وإذا طلعوا عليهم من الجهة التي يراهم الكفار يرملون. قوله: [ (تقول قريش: كأنهم الغزلان) ]. هذا مثل قولهم في الحديث السابق: (هؤلاء أجلد منا) وهنا قالوا: (كأنهم الغزلان) يعني: لم تضعفهم الحمى. قوله: [ قال ابن عباس: فكانت سنة ]. يعني: أن هذا هو سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فيما بعد، فهو في الأصل لم يكن للتشريع، وإنما كان من أجل إراءة المشركين القوة، ثم كان بعد ذلك ليس من أجل إظهار القوة أمام المشركين، فكان سنة كما قال ابن عباس ، وهذا يبين لنا صحة أنه سنة، وأن القول الذي تقدم من ابن عباس أنه ليس بسنة يحمل على أنه في الأصل لم يكن سنة، ولكنه بعد ذلك صار سنة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع فاستلم وكبر ثم رمل ثلاثة أطواف ...) قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [حدثنا يحيى بن سليم ]. يحيى بن سليم صدوق سيء الحفظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن خثيم ]. مر ذكره. [ عن أبي الطفيل عن ابن عباس ]. مر ذكرهما. شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ثلاثاً ومشوا أربعاً) ]. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة) ] كان ذلك في السنة الثامنة بعد الفتح. قوله: [ (فرملوا ثلاثاً ومشوا أربعاً) ] وهذا ليس فيه شيء يتعلق بالمشركين وإظهار القوة للمشركين، فدل ذلك على أن الرمل سنة. لكن لو أن الإنسان نسي الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فلا يرمل في الباقي؛ لأنها سنة فات محلها. وعمرة الجعرانة كانت بعد الفتح بعد ما ذهب إلى الطائف. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس ]. قد مر ذكرهم جميعاً. شرح حديث: (أن ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا سليم بن أخضر حدثنا عبيد الله عن نافع : (أن ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك) ]. قوله: [ (أن ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك) ]، يعني: ليس الأمر كما كان في أول الأمر أنهم كانوا إذا وصلوا بين الركنين مشوا، بل الرمل من الحجر إلى الحجر، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد عمرة القضية وذلك في عمرة الجعرانة أو في حجة الوداع أو فيهما جميعاً. تراجم رجال إسناد حديث: (أن ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك) قوله: [حدثنا أبو كامل ]. هو الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم و أبو داود والنسائي . [حدثنا سليم بن أخضر ]. سليم بن أخضر ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع أن ابن عمر ]. نافع وابن عمر قد مر ذكرهما. الأسئلة حكم مس المحرم الركنين اليمانيين إذا كان فيهما طيب السؤال: إذا كان الركنان فيهما طيب، فهل يجوز للحاج والمعتمر أن يمسهما؟ الجواب: يجوز للإنسان أن يقبل الحجر، سواء كان مطيباً أو غير مطيب. وكذلك الركن اليماني له أن يستلمه وإن كان مطيباً. حكم دفع الزكاة للخالة البعيدة عن زوجها بسبب الخلاف بينهما السؤال: يقول السائل: لي خالة تعيش مع زوجها في حالة جيدة، لكن اختلفت مع زوجها منذ شهرين، وهناك احتمال ضعيف في العودة إليه، فهل تستحق الزكاة؟ الجواب: إذا كانت فقيرة وليس عندها نفقة فله أن يعطيها، لكن الأقارب بصفة عامة ينبغي أن يعلم أن لهم حقوقاً غير الزكاة، فإن بعض الناس يجعل زكاته ليصل بها رحمه لأجل أن يتخلص من الزكاة التي عليه، وهذا لا يصلح ولا يليق، بل على المسلم أن يعطي الزكاة لمن يستحقها، ولكن إذا كانت الزكاة قليلة والمستحقون هم الأقارب فالأقارب أولى، وهي حينئذٍ صدقة وصلة، ولكن كون الإنسان يقي ماله بإخراج الزكاة للأقارب ويصل رحمه من الزكاة فهذا لا يصلح ولا يجوز للإنسان فعله. التوفيق بين قول عمر: (إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر) وبين كون الحجر يشهد يوم القيامة لمن قبله بحق السؤال: كيف يجمع بين قول عمر رضي الله عنه (إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر) وبين ما جاء أن الحجر يشهد لمن قبله بحق يوم القيامة؟ الجواب: كونه يشهد لمن قبله بحق لا أدري عن صحته، لكن لو ثبت فكما هو معلوم أن كل الأرض تشهد بما حصل عليها من خير وشر، كما قال الله عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4]. ولكن المقصود من قول عمر هو أن الحجر نفسه لا ينفع ولا يضر، وإنما النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى، وأما كونه يشهد لمن قبله إذا ثبت ذلك فيكون داخل تحت ما جاء في قوله عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4]؛ لأن الأرض تشهد بما حصل على ظهرها من خير وشر. متى يقبل الحجر الأسود السؤال: هل تقبيل الحجر الأسود خاص بالطواف أم يجوز في غير الطواف؟ الجواب: هو خاص بالطواف وبما يكون بعد الطواف، يعني: بعدما يطوف الإنسان ويصلي ركعتين فإنه يرجع إلى الحجر ويقبله إذا تيسر له ذلك. حكم الوقوف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم مع قراءة أذكار غير معروفة السؤال: نرى كثيراً من الذين يزورون قبر النبي صلى الله عليه وسلم يقفون عند القبر زمناً طويلاً ويقرءون أذكاراً عجيبة، فما توجيهكم؟ الجواب: هذا غلط، فلا يصح للإنسان أن يطيل الوقوف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح للإنسان أن يأتي بكلام لا يعرف هل هو سليم أو غير سليم، وإنما عليه أن يختصر في تسليمه عند الزيارة. صحة قول كفار قريش: يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى السؤال: هل قول كفار قريش: يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى، افتراء أم حقيقة؟ الجواب: لاشك أنه كان فيهم ضعف؛ ولهذا جاء في حديث ابن عباس السابق: (قد وهنتهم الحمى)."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |