تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) - الصفحة 35 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 618 - عددالزوار : 24897 )           »          الأخطاء الطبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          إصدارات لتصحيح المسار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 10469 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 41 - عددالزوار : 25640 )           »          حديث أبي ذر.. رؤية إدارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 156 )           »          أسبـــاب هـــلاك الأمـــم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 490 - عددالزوار : 203861 )           »          قراءة سورة الأعراف في صلاة المغرب: دراسة فقهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          دلالة الربط ما بين الحب ذي العصف والريحان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أقسام الشرك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #341  
قديم 07-12-2025, 02:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة مريم
من صـ 276 الى صــ 290
الحلقة (341)






والضحاك وقتادة وابن جريج والثوري واختاره ابن جرير أيضا والله أعلم .
وقوله "وما كان ربك نسيا" قال مجاهد والسدي : معناه ما نسيك ربك وقد تقدم عنه أن هذه الآية كقوله "والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى" وقال ابن أبي حاتم حدثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي حدثنا محمد بن عثمان يعني أبا الجماهر حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن أبي الدرداء يرفعه قال "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرمه فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا" ثم تلا هذه الآية "وما كان ربك نسيا" .
رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا (65)
رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا
وقوله "رب السماوات والأرض وما بينهما" أي خالق ذلك ومدبره والحاكم فيه والمتصرف الذي لا معقب لحكمه "فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هل تعلم للرب مثلا أو شبيها

وكذلك قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وابن جريج وغيرهم وقال عكرمة عن ابن عباس ليس أحد يسمى الرحمن غيره تبارك وتعالى وتقدس اسمه .
ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا (66)
ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا
يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته كما قال تعالى "وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد" وقال "أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم" وقال هاهنا "ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا" .
أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا (67)
أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا
يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا أفلا يعيده وقد صار شيئا كما قال تعالى "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" وفي الصحيح "يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني"

كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من آخره وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد "."
فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا (68)
فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا
وقوله "فوربك لنحشرنهم والشياطين" أقسم الرب تبارك وتعالى بنفسه الكريمة أنه لا بد أن يحشرهم جميعا وشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله "ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا" قال العوفي عن ابن عباس يعني قعودا كقوله "وترى كل أمة جاثية" وقال السدي في قوله جثيا يعني قياما وروي عن مرة عن ابن مسعود مثله .
ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا (69)
ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا
وقوله "ثم لننزعن من كل شيعة" يعني من كل أمة قاله مجاهد "أيهم أشد على الرحمن عتيا" قال الثوري عن علي بن الأقمر عن ابن الأحوص عن ابن مسعود قال : يحبس الأول على الآخر حتى إذا تكاملت العدة أتاهم جميعا ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرما وهو قوله "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا" وقال قتادة "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا" قال ثم لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساءهم في الشر وكذا قال ابن جريج وغير واحد من السلف وهذا كقوله تعالى "حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار - إلى قوله - بما كنتم تكسبون" .
ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا (70)
ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا
وقوله "ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا" ثم هاهنا لعطف الخبر على

الخبر والمراد أنه تعالى أعلم بمن يستحق من العباد أن يصلى بنار جهنم ويخلد فيها وبمن يستحق تضعيف العذاب كما قال في الآية المتقدمة "قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون" .
وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71)
وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا
قال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا خالد بن سليمان عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سمية قال اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن وقال بعضهم يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له إنا اختلفنا في الورود فقال يردونها جميعا وقال سليمان بن مرة يدخلونها جميعا وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه وقال صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا" غريب ولم يخرجوه وقال الحسن بن عرفة حدثنا مروان بن معاوية عن بكار بن أبي مروان عن خالد بن معدان قال : قال أهل الجنة بعدما دخلوا الجنة ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟ قال قد مررتم عليها وهي خامدة وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال كان عبد الله بن رواحة واضعا رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته قال ما يبكيك ؟ قالت رأيتك تبكي فبكيت قال إني ذكرت قول الله عز وجل "وإن منكم إلا واردها" فلا أدري أنجو منها أم لا - وفي رواية - وكان مريضا

وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا ابن يمان عن مالك بن مغول عن أبي إسحاق كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال يا ليت أمي لم تلدني ثم يبكي فقيل له ما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ فقال أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أنا صادرون عنها وقال عبد الله بن المبارك عن الحسن البصري قال : قال رجل لأخيه هل أتاك أنك وارد النار قال نعم قال فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال لا قال ففيم الضحك ؟ قال فما رئي ضاحكا حتى لحق بالله وقال عبد الرزاق أيضا أخبرنا ابن عيينة عن عمرو أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق فقال ابن عباس الورود الدخول فقال نافع لا فقرأ ابن عباس "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" وردوا أم لا وقال "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" أوردها أم لا أما أنا وأنت فسندخلها فانظر هل نخرج منها أو لا وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك فضحك نافع .
وروى ابن جريج عن عطاء قال قال أبو راشد الحروري وهو نافع بن الأزرق "لا يسمعون حسيسها" فقال ابن عباس ويلك أمجنون أنت أين قوله : "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" "وإن منكم إلا واردها" والله إن كان دعاء من مضى : اللهم أخرجني من النار سالما وأدخلني الجنة غانما وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا أسباط عن عبد الملك عن عبيد الله عن مجاهد قال كنت عند ابن عباس فأتاه رجل يقال له

أبو راشد وهو نافع بن الأزرق فقال له يا ابن عباس أرأيت قول الله "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا" قال أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها فانظر هل نصدر عنها أم لا .
وقال أبو داود الطيالسي قال شعبة أخبرني عبد الله بن السائب عمن سمع ابن عباس يقرؤها "وإن منهم إلا واردها" يعني الكفار وهكذا روى عمرو بن الوليد البستي أنه سمع عكرمة يقرؤها كذلك "وإن منهم إلا واردها" قال وهم الظلمة كذلك كنا نقرؤها رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال العوفي عن ابن عباس قوله "وإن منكم إلا واردها" يعني البر والفاجر ألا تسمع إلى قول الله لفرعون "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" الآية "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" فسمى الورود على النار دخولا وليس بصادر .
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل عن السدي عن مرة عن عبد الله هو ابن مسعود "وإن منكم إلا واردها" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يرد الناس كلهم ثم يصدرون عنها بأعمالهم" ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله عن إسرائيل عن السدي به ورواه من طريق شعبة عن السدي عن مرة عن ابن مسعود مرفوعا هكذا وقع هذا الحديث هاهنا مرفوعا وقد رواه أسباط عن السدي عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال : يرد الناس جميعا الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم فمنهم من يمر مثل البرق ومنهم من يمر مثل الريح

ومنهم من يمر مثل الطير ومنهم من يمر كأجود الخيل ومنهم من يمر كأجود الإبل ومنهم من يمر كعدو الرجل حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط والصراط دحض مزلة عليه حسك كحسك القتاد حافتاه ملائكة معهم كلاليب من النار يختطفون بها الناس وذكر تمام الحديث رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير حدثنا خلاد بن أسلم حدثنا النضر حدثنا إسرائيل أخبرنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قوله "وإن منكم إلا واردها" قال الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطبقة الأولى كالبرق والثانية كالريح والثالثة كأجود الخيل والرابعة كأجود البهائم ثم يمرون والملائكة يقولون اللهم سلم سلم ولهذا شواهد في الصحيحين وغيرهما من رواية أنس وأبي سعيد وأبي هريرة وجابر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم .

وقال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن الجريري عن أبي السليك عن غنيم بن قيس قال ذكروا ورود النار فقال كعب : تمسك النار الناس كأنها متن إهالة حتى يستوي عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم ثم يناديها مناد أن أمسكي أصحابك ودعي أصحابي قال فتخسف بكل ولي لها هي أعلم بهم من الرجل بولده ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم قال كعب ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة مع كل واحد منهم عمود ذو شعبتين يدفع به الدفع فيصرع به في النار سبعمائة ألف وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر عن حفصة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدرا والحديبية" قالت فقلت أليس الله يقول "وإن منكم إلا واردها" قالت : فسمعته يقول "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا" وقال أحمد أيضا حدثنا ابن إدريس حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فقال : "لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية" قالت حفصة أليس الله يقول "وإن منكم إلا واردها" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثم ننجي الذين اتقوا" الآية وفي الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم" .
وقال عبد الرزاق قال معمر أخبرني الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلة القسم" يعني الورود وقال أبو داود الطيالسي حدثنا زمعة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" قال الزهري كأنه يريد هذه الآية "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا" وقال ابن جرير حدثني عمران بن بكار الكلاعي حدثنا أبو المغيرة حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم حدثنا إسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعك وأنا معه ثم قال "إن الله تعالى يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة" غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو اليمان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال الحمى حظ كل مؤمن من النار ثم قرأ "وإن منكم إلا واردها" وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا زبان بن فائد

عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة" فقال عمر إذا نستكثر يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الله أكثر وأطيب" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا إن شاء الله ومن حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لا بأجر سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم" قال الله تعالى : "وإن منكم إلا واردها" وإن الذكر في سبيل الله يضاعف فوق النفقة بسبعمائة ضعف وفي رواية بسبعمائة ألف ضعف
وروى أبو داود عن أبي الطاهر عن ابن وهب وعن يحيى بن أيوب كلاهما عن زبان عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الصلاة علي والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف" وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله "وإن منكم إلا واردها" قال هو الممر عليها .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله "وإن منكم إلا واردها" قال ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهرانيها وورود المشركين أن يدخلوها وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الزالون والزالات يومئذ كثير وقد أحاط بالجسر يومئذ سماطان من الملائكة دعاؤهم يا الله سلم سلم" وقال السدي عن مرة عن ابن مسعود في قوله "كان على ربك حتما"

مقضيا "قال قسما واجبا : وقال مجاهد حتما قال قضاء ."
ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا (72)
ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا
وكذا قال ابن جريج وقوله : "ثم ننجي الذين اتقوا" أي إذا مر الخلائق كلهم على النار وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي بحسبهم نجى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون فيخرجون خلقا كثيرا قد أكلتهم النار إلا دارات وجوههم وهي مواضع السجود وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان فيخرجون أولا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم الذي يليه حتى يخرجون من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان ثم يخرج الله من النار من قال يوما من الدهر لا إله إلا الله وإن لم يعمل خيرا قط ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا" .
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا (73)
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا
يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان أنهم يصدون ويعرضون عن ذلك ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهما "خير مقاما وأحسن نديا" أي أحسن منازل وأرفع دورا وأحسن نديا وهو مجتمع الرجال للحديث أي ناديهم أعمر وأكثر واردا وطارقا يعنون فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل وأولئك الذين هم مختفون مستترون

في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور على الحق كما قال تعالى مخبرا عنهم "وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه" وقال قوم نوح "أنؤمن لك واتبعك الأرذلون" وقال تعالى "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين" .
وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا (74)
وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا
ولهذا قال تعالى رادا عليهم شبهتهم "وكم أهلكنا قبلهم من قرن" أي وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم "هم أحسن أثاثا ورءيا" أي كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأمتعة ومناظر وأشكالا قال الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس "خير مقاما وأحسن نديا" قال المقام المنزل والندي المجلس والأثاث المتاع والرئي المنظر وقال العوفي عن ابن عباس المقام المسكن والندي المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها وهو كما قال الله لقوم فرعون حين أهلكهم وقص شأنهم في القرآن "كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم" فالمقام المسكن والنعيم والندي المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه وقال تعالى فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط "وتأتون في ناديكم المنكر" والعرب تسمي المجلس النادي وقال قتادة لما رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة وفيهم قشافة فعرض أهل الشرك ما تسمعون "أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا" وكذا قال مجاهد والضحاك ومنهم من قال في الأثاث هو المال ومنهم من قال الثياب ومنهم من قال المتاع والرئي المنظر كما قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد وقال الحسن البصري يعني الصور وكذا قال مالك "أثاثا ورءيا" أكثر أموالا

وأحسن صورا والكل متقارب صحيح .
قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا (75)
قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا
يقول تعالى "قل" يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم المدعين أنهم على الحق وأنكم على الباطل "من كان في الضلالة" أي منا ومنكم "فليمدد له الرحمن مدا" أي فأمهله الرحمن فيما هو فيه حتى يلقى ربه وينقضي أجله "إما العذاب" يصيبه "وإما الساعة" بغتة تأتيه "فسيعلمون" حينئذ "من هو شر مكانا وأضعف جندا" في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي قال مجاهد في قوله "فليمدد له الرحمن مدا" فليدعه الله في طغيانه هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير رحمه الله وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله "يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" أي ادعوا بالموت على المبطل منا أو منكم إن كنتم تدعون أنكم على الحق فإنه لا يضركم الدعاء فنكلوا عن ذلك وقد تقدم تقدير ذلك في سورة البقرة مبسوطا ولله الحمد وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة آل عمران حين صمموا على الكفر واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله وقد ذكر الله حججه وبراهينه على عبودية عيسى وأنه مخلوق كآدم قال تعالى بعد ذلك "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين" فنكلوا أيضا عن ذلك .
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا (76)
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير

مردا
لما ذكر تعالى إمداد من هو في الضلالة فيما هو فيه وزيادته على ما هو عليه أخبر بزيادة المهتدين هدى كما قال تعالى "وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا" الآيتين .
وقوله : "والباقيات الصالحات" قد تقدم تفسيرها والكلام عليها وإيراد الأحاديث المتعلقة بها في سورة الكهف "خير عند ربك ثوابا" أي جزاء "وخير مردا" أي عاقبة ومردا على صاحبها وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأخذ عودا يابسا فحط ورقه ثم قال : "إن قول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله تحط الخطايا كما تحط ورق هذه الشجرة الريح خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن هن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة" قال أبو سلمة فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال لأهللن الله ولأكبرن الله ولأسبحن الله حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون وهذا ظاهره أنه مرسل ولكن قد يكون من رواية أبي سلمة عن أبي الدرداء والله أعلم .
وهكذا وقع في سنن ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن عمر بن راشد عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي الدرداء فذكر نحوه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #342  
قديم 07-12-2025, 02:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة مريم
من صـ 291 الى صــ 305
الحلقة (342)






أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا (77)
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن خباب بن الأرت قال كنت رجلا قينا وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث قال فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك فأنزل الله "أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا - إلى قوله - ويأتينا فردا" أخرجه صاحبا الصحيح وغيرهما من غير وجه عن الأعمش به وفي لفظ البخاري كنت قينا بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفا فجئت أتقاضاه فذكر الحديث وقال "أم اتخذ عند الرحمن عهدا" قال موثقا .
وقال عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال : قال خباب بن الأرت كنت قينا بمكة فكنت أعمل للعاص بن وائل فاجتمعت لي عليه دراهم فجئت لأتقاضاه فقال لي لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث قال فإذا بعثت كان لي مال وولد قال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله "أفرأيت الذي كفر بآياتنا" الآيات

وقال العوفي عن ابن عباس إن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاص بن وائل السهمي بدين فأتوه يتقاضونه فقال ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا ومن كل الثمرات ؟ قالوا بلى قال فإن موعدكم الآخرة فوالله لأوتين مالا وولدا ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به فضرب الله مثله في القرآن فقال "أفرأيت الذي كفر بآياتنا - إلى قوله - ويأتينا فردا" وهكذا قال مجاهد وقتادة وغيرهم إنها نزلت في العاص بن وائل وقوله "لأوتين مالا وولدا" قرأ بعضهم بفتح الواو من ولدا وقرأ آخرون بضمها وهو بمعناه قال رؤبة :
الحمد لله العزيز فردا ... لم يتخذ من ولد شيء ولدا
وقال الحارث بن حلزة :
ولقد رأيت معاشرا ... قد ثمروا مالا وولدا
وقال الشاعر :
فليت فلانا كان في بطن أمه ... وليت فلانا كان ولد حمار
وقيل إن الولد بالضم جمع والولد بالفتح مفرد وهي لغة قيس والله أعلم .
أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (78)
أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا
وقوله "أطلع الغيب" إنكار على هذا القائل "لأوتين مالا وولدا يعني يوم القيامة أي : أعلم ما له في الآخرة حتى تألى وحلف على ذلك" أم اتخذ عند الرحمن عهدا "أم له عند الله عهد سيؤتيه ذلك ؟ وقد تقدم عند البخاري أنه الموثق وقال الضحاك عن ابن عباس" أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا "قال لا إله إلا الله فيرجو بها"

وقال محمد بن كعب القرظي "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" قال شهادة أن لا إله إلا الله ثم قرأ "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" .
كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا (79)
كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا
وقوله "كلا" هي حرف ردع لما قبلها وتأكيد لما بعدها "سنكتب ما يقول" أي من طلبه ذلك وحكمه لنفسه بما يتمناه وكفره بالله العظيم "ونمد له من العذاب مدا" أي في الدار الآخرة على قوله ذلك وكفره بالله في الدنيا .
ونرثه ما يقول ويأتينا فردا (80)
ونرثه ما يقول ويأتينا فردا
"ونرثه ما يقول" أي من مال وولد نسلبه منه عكس ما قال إنه يؤتى في الدار الآخرة مالا وولدا زيادة على الذي له في الدنيا بل في الآخرة يسلب من الذي كان له في الدنيا ولهذا قال تعالى "ويأتينا فردا" أي من المال والولد قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ونرثه ما يقول" قال نرثه وقال مجاهد "ونرثه ما يقول" ماله وولده وذلك الذي قال العاص بن وائل .
وقال عبد الرازق عن معمر عن قتادة "ونرثه ما يقول" قال ما عنده وهو قوله "لأوتين مالا وولدا" وفي حرف ابن مسعود ونرثه ما عنده وقال قتادة "ويأتينا فردا" لا مال له ولا ولد وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "ونرثه ما يقول" قال ما جمع من الدنيا وما عمل فيها قال "ويأتينا فردا" قال فردا من ذلك لا يتبعه قليل ولا كثير .
واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا (81)
واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا

يخبر تعالى عن الكفار المشركين بربهم أنهم اتخذوا من دونه آلهة لتكون تلك الآلهة "عزا" يعتزون بها ويستنصرونها ثم أخبر أنه ليس الأمر كما زعموا ولا يكون ما طمعوا .
كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا (82)
كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا
قال "كلا سيكفرون بعبادتهم" أي يوم القيامة "ويكونون عليهم ضدا" أي بخلاف ما ظنوا فيهم كما قال تعالى "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين" وقرأ أبو نهيك "كل سيكفرون بعبادتهم" وقال السدي "كلا سيكفرون بعبادتهم" أي بعبادة الأوثان وقوله "ويكونون عليهم ضدا" أي بخلاف ما رجوا منهم وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ويكونون عليهم ضدا" قال أعوانا قال مجاهد عونا عليهم تخاصمهم وتكذبهم وقال العوفي عن ابن عباس "ويكونون عليهم ضدا" قال قرناء وقال قتادة قرناء في النار يلعن بعضهم بعضا ويكفر بعضهم ببعض

وقال السدي "ويكونون عليهم ضدا" قال الخصماء الأشداء في الخصومة وقال الضحاك "ويكونون عليهم ضدا" قال أعداء وقال ابن زيد : الضد البلاء وقال عكرمة : الضد الحسرة .
ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا (83)
ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا
وقوله : "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس تغويهم إغواء وقال العوفي عنه تحرضهم على محمد وأصحابه وقال مجاهد تشليهم إشلاء وقال قتادة تزعجهم إزعاجا إلى معاصي الله وقال سفيان الثوري تغريهم إغراء وتستعجلهم استعجالا وقال السدي تطغيهم طغيانا وقال عبد الرحمن بن زيد هذا كقوله تعالى "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين" .
فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا (84)
فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا
وقوله "فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا" أي لا تعجل يا محمد على هؤلاء في وقوع العذاب بهم "إنما نعد لهم عدا" أي إنما نؤخرهم لأجل معدود مضبوط وهم صائرون لا محالة إلى عذاب الله ونكاله وقال "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون" الآية "فمهل الكافرين أمهلهم رويدا" "إنما نملي لهم ليزدادوا إثما" "نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ" "قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار" وقال السدي إنما نعد لهم عدا : السنين والشهور والأيام والساعات وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إنما نعد لهم عدا" قال نعد أنفاسهم في الدنيا .

يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا (85)
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا
يخبر تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا واتبعوا رسله وصدقوهم فيما أخبروهم وأطاعوهم فيما أمروهم به وانتهوا عما عنه زجروهم أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه والوفد هم القادمون ركبانا ومنه الوفود وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة وهم قادمون على خير موفود إليه إلى دار كرامته ورضوانه وأما المجرمون المكذبون للرسل المخالفون لهم فإنهم يساقون عنفا إلى النار "وردا" عطاشا قاله عطاء وابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد وهاهنا يقال "أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن خالد عن عمرو بن قيس الملائي عن ابن مرزوق "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" قال يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها وأطيبها ريحا فيقول من أنت فيقول أما تعرفني ؟ فيقول لا إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن وجهك .
فيقول أنا عملك الصالح وهكذا كنت في الدنيا حسن العمل طيبه فطالما ركبتك في الدنيا فهلم اركبني فيركبه فذلك قوله "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" قال ركبانا

وقال ابن جرير حدثني ابن المثنى حدثنا ابن مهدي عن سعيد عن إسماعيل عن رجل عن أبي هريرة "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" قال على الإبل وقال ابن جريج على النجائب وقال الثوري على الإبل النوق وقال قتادة "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" قال إلى الجنة وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه حدثنا سويد بن سعيد أخبرنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق حدثنا النعمان بن سعيد قال كنا جلوسا عند علي رضي الله عنه فقرأ هذه الآية "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" قال لا والله ما على أرجلهم يحشرون ولا يحشر الوفد على أرجلهم ولكن بنوق لم ير الخلائق مثلها عليها رحائل من ذهب فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عبد الرحمن بن إسحاق المدني به وزاد عليها رحائل الذهب وأزمتها الزبرجد والباقي مثله .
وروى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا جدا مرفوعا عن علي فقال حدثنا أبي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي حدثنا مسلمة بن جعفر

البجلي سمعت أبا معاذ البصري قال إن عليا كان ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" فقال ما أظن الوفد إلا الركب يا رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون أو يؤتون بنوق بيض لها أجنحة وعليها رحال الذهب شرك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان فيشربون من إحداهما فتغسل ما في بطونهم من دنس ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبدا وتجري عليهم نضرة النعيم فينتهون أو فيأتون باب الجنة فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب فيضربون بالحلقة على الصفحة فيسمع لها طنين - يا علي - فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل فتبعث قيمها فيفتح له فإذا رآه خر له - قال مسلمة أراه قال ساجدا - فيقول ارفع رأسك فإنما أنا قيمك وكلت بأمرك فيتبعه ويقفو أثره فتستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ثم تقول أنت حبي وأنا حبك وأنا الخالدة التي لا أموت وأنا الناعمة التي لا أبأس وأنا الراضية التي لا أسخط وأنا المقيمة التي لا أظعن فيدخل بيتا من أسه إلى سقفه مائة ألف ذراع بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق أحمر وأصفر وأخضر ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها وفي البيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون حشية على كل حشية سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الحلل يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه الأنهار من تحتهم تطرد أنهار من ماء غير آسن قال صاف لا كدر فيه وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ولم يخرج من ضروع الماشية وأنهار من خمر لذة للشاربين لم يعتصرها الرجال بأقدامهم وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل فيستجلي الثمار فإن شاء أكل قائما وإن شاء قاعدا وإن شاء متكئا ثم تلا" ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا "فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض وربما قال أخضر فترفع أجنحتها فأكل من جنوبها أي الألوان شاء ثم تطير فتذهب فيدخل الملك فيقول سلام عليكم" تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون "ولو"
أن شعرة من شعر

الحوراء وقعت لأهل الأرض لأضاءت الشمس معها سواد في نور "هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعا وقد رويناه في المقدمات من كلام علي رضي الله عنه بنحوه وهو أشبه بالصحة والله أعلم ."
ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا (86)
ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا
وقوله "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" أي عطاشا .
لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا (87)
لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا
"لا يملكون الشفاعة" أي ليس لهم من يشفع لهم كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض كما قال تعالى مخبرا عنهم "فما لنا من شافعين ولا صديق حميم" وقوله "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" هذا استثناء منقطع بمعنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا وهو شهادة أن لا إله إلا الله والقيام بحقها .
قال علي بن أبى طلحة عن ابن عباس "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" قال العهد شهادة أن لا إله إلا الله ويبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله عز وجل وقال ابن أبي حاتم حدثنا عثمان بن خالد الواسطي حدثنا محمد بن الحسن الواسطي عن المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد قال قرأ عبد الله يعني ابن مسعود هذه الآية "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" ثم قال اتخذوا عند الله عهدا فإن الله يقول يوم القيامة من كان له عند الله عهد فليقم قالوا يا أبا عبد الرحمن فعلمنا قال قولوا : اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أن لا تكلني إلى عمل يقربني من الشر ويباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهدا تؤديه إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد قال المسعودي فحدثني زكريا عن القاسم بن عبد الرحمن أخبرنا ابن مسعود وكان يلحق بهن خائفا مستجيرا مستغفرا راهبا راغبا إليك ثم رواه من وجه آخر عن المسعودي بنحوه .

وقالوا اتخذ الرحمن ولدا (88)
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا
لما قرر تعالى في هذه السورة الشريفة عبودية عيسى عليه السلام وذكر خلقه من مريم بلا أب شرع في مقام الإنكار على من زعم أن له ولدا تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا فقال "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ."
لقد جئتم شيئا إدا (89)
لقد جئتم شيئا إدا
لقد جئتم "أي في قولكم هذا" شيئا إدا "قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك أي عظيما ويقال إدا بكسر الهمزة وفتحها ومع مدها أيضا ثلاث لغات أشهرها الأولى ."
تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (90)
تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا
وقوله "تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا" أي يكاد يكون ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم إعظاما للرب وإجلالا لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده وأنه لا إله إلا هو وأنه لا شريك له ولا نظير له ولا ولد له ولا صاحبة له ولا كفء له بل هو الأحد الصمد .
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد
قال ابن جرير : حدثني علي حدثنا عبد الله حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله "تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا" قال إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع

الخلائق إلا الثقلين وكادت أن تزول منه لعظمة الله وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" فقالوا يا رسول الله فمن قالها في صحته ؟ قال "تلك أوجب وأوجب" ثم قال : "والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن" هكذا رواه ابن جرير ويشهد له حديث البطاقة والله أعلم وقال الضحاك "تكاد السماوات يتفطرن منه" أي يتشققن فرقا من عظمة الله وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "وتنشق الأرض" أي غضبا له عز وجل "وتخر الجبال هدا" قال ابن عباس هدما وقال سعيد بن جبير هدا ينكسر بعضها على بعض متتابعات وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن سويد المقبري حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا مسعر عن عون بن عبد الله قال : إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان هل مر بك اليوم ذكر الله عز وجل ؟ فيقول نعم ويستبشر قال عون لهي للخير أسمع أفيسمعن الزور والباطل إذا قيل ولا يسمعن غيره ثم قرأ "تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ."
أن دعوا للرحمن ولدا (91)
أن دعوا للرحمن ولدا
أن دعوا للرحمن ولدا "وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا المنذر بن شاذان حدثنا هوذة حدثنا عوف عن"

غالب بن عجرد حدثني رجل من أصل الشام في مسجد منى قال بلغني أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة - أو قال - كان لهم فيها منفعة ولم تزل الأرض والشجر بذلك حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم اتخذ الرحمن ولدا فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر .
وقال كعب الأحبار غضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا ما قالوا وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم" أخرجاه في الصحيحين وفي لفظ "أنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم" .
وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا (92)
وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا
وقوله "وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا" أي لا يصلح له ولا يليق به لجلاله وعظمته لأنه لا كفء له من خلقه لأن جميع الخلائق عبيد له .
إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا (93)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
لقد أحصاهم وعدهم عدا (94)
لقد أحصاهم وعدهم عدا
"لقد أحصاهم وعدهم عدا" أي قد علم عددهم منذ خلقهم إلى يوم القيامة ذكرهم وأنثاهم وصغيرهم وكبيرهم .
وكلهم آتيه يوم القيامة فردا (95)
وكلهم آتيه يوم القيامة فردا
"وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" أي لا ناصر له ولا مجير إلا الله وحده لا شريك له فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة ولا يظلم أحدا .
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا (96)
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا

يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل قال ثم ينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه قال فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه قال فيبغضه أهل السماء ثم يوضع له البغضاء في الأرض" ورواه مسلم من حديث سهيل ورواه أحمد والبخاري من حديث ابن جريج عن موسى بن عتبة عن نافع مولى ابن عمر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر حدثنا ميمون أبو محمد المرائي حدثنا محمد بن عباد المخزومي عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن العبد ليلتمس مرضاة الله عز وجل فلا يزال كذلك فيقول الله عز وجل لجبريل إن فلانا عبدي يلتمس أن يرضيني ألا وإن رحمتي عليه فيقول جبريل :"
رحمة الله على فلان ويقولها حملة العرش ويقولها من حولهم حتى يقولها أهل السماوات السبع ثم يهبط إلى الأرض "غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه وقال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا شريك عن محمد بن سعد الواسطي عن أبي ظبية عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن المقة من الله - قال شريك هي المحبة - والصيت من السماء فإذا أحب الله عبدا قال لجبريل عليه السلام إني أحب فلانا فينادي جبريل إن ربكم يمق - يعني يحب - فلانا فأحبوه - أرى شريكا قد قال فتنزل له المحبة في الأرض - وإذا أبغض عبدا قال لجبريل إني أبغض فلانا فأبغضه قال فينادي جبريل إن ربكم يبغض فلانا فأبغضوه - أرى شريكا قال - فيجري له البغض في الأرض "غريب ولم يخرجوه ."
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو داود الحفري حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - وهو الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه فينادي في السماء ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض فذلك قول الله عز وجل" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "" ورواه مسلم والترمذي كلاهما عن عبد الله عن قتيبة عن الدراوردي به وقال الترمذي حسن صحيح وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "سيجعل لهم الرحمن ودا"

"قال حبا وقال مجاهد عنه" سيجعل لهم الرحمن ودا "قال محبة في الناس في الدنيا وقال سعيد بن جبير عنه يحبهم ويحببهم يعني إلى خلقه المؤمنين كما قال مجاهد أيضا والضحاك وغيرهم وقال العوفي عن ابن عباس أيضا : الود من المسلمين في الدنيا والرزق الحسن واللسان الصادق وقال قتادة" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "أي والله في قلوب أهل الإيمان وذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم وقال قتادة وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول ما من عبد يعمل خيرا أو شرا إلا كساه الله عز وجل رداء عمله وقال ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن الربيع بن صبيح عن الحسن البصري رحمه الله قال : قال رجل والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج فكان لا يعظم فمكث بذلك سبعة أشهر وكان لا يمر على قوم إلا قالوا انظروا إلى هذا المرائي فأقبل على نفسه فقال لا أراني أذكر إلا بشر لأجعلن"




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #343  
قديم 07-12-2025, 02:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة طه
من صـ 306 الى صــ 320
الحلقة (343)





عملي كله لله عز وجل فلم يزد على أن قلب نيته ولم يزد على العمل الذي كان يعمله فكان يمر بعد بالقوم فيقولون رحم الله فلانا الآن وتلا الحسن "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا" وقد روى ابن جرير أثرا أن هذه الآية نزلت في هجرة عبد الرحمن بن عوف وهو خطأ فإن هذه السورة بكمالها مكية لم ينزل منها شيء بعد الهجرة ولم يصح سند ذلك والله أعلم .
فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا (97)
فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا
وقوله "فإنما يسرناه" يعني القرآن "بلسانك" أي يا محمد وهو اللسان العربي المبين الفصيح الكامل "لتبشر به المتقين" أي المستجيبين لله المصدقين لرسوله "وتنذر به قوما لدا" أي عوجا عن الحق مائلين إلى الباطل وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قوما لدا لا يستقيمون وقال الثوري عن إسماعيل وهو السدي عن أبي صالح "وتنذر به قوما لدا" عوجا عن الحق وقال الضحاك الألد الخصم وقال القرظي الألد الكذاب وقال الحسن البصري "قوما لدا" صما وقال غيره صم آذان القلوب وقال قتادة قوما لدا يعني قريشا وقال العوفي عن ابن عباس "قوما لدا" فجارا وكذا روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد .
وقال ابن زيد الألد الظلوم وقرأ قوله تعالى "وهو ألد الخصام"

وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا (98)
وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا
وقوله "وكم أهلكنا قبلهم من قرن" أي من أمة كفروا بآيات الله وكذبوا رسله "هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا" أي هل ترى منهم أحدا أو تسمع لهم ركزا قال ابن عباس وأبو العالية وعكرمة والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك وابن زيد يعني صوتا وقال الحسن وقتادة هل ترى عينا أو تسمع صوتا والركز في أصل اللغة هو الصوت الخفي قال الشاعر :
فتوحشت ركز الأنيس فراعها ... عن ظهر غيب والأنيس سقامها
آخر تفسير سورة مريم ولله الحمد والمنة ويتلوه إن شاء الله تفسير سورة طه ولله الحمد .
سورة طه
طه (1)
طه
سورة طه : روى إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد عن زياد بن أيوب عن إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار عن عمر بن حفص بن ذكوان عن مولى الحرقة - يعني عبد الرحمن بن يعقوب - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام فلما سمعت الملائكة قالوا طوبى لأمة ينزل عليهم هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبي لألسن تتكلم بهذا" هذا حديث غريب وفيه نكارة وإبراهيم بن مهاجر وشيخه تكلم فيهما .
قد

تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسين بن محمد بن شيبة الواسطي حدثنا أبو أحمد - يعني الزبيري - أنبأنا إسرائيل عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : طه يا رجل وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء محمد بن كعب وأبي مالك وعطية العوفي والحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن أبزى أنهم قالوا : طه بمعنى يا رجل وفي رواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والثوري أنها كلمة بالنبطية معناها يا رجل وقال أبو صالح هي معربة وأسند القاضي عياض في كتابه الشفاء من طريق عبد بن حميد في تفسيره حدثنا هاشم بن القاسم عن ابن جعفر عن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى فأنزل الله تعالى "طه" يعني طأ الأرض
يا محمد "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" ثم قال ولا يخفى ما في هذا من الإكرام وحسن المعاملة .
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2)
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى
قوله "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" قال جويبر عن الضحاك لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم قام به هو وأصحابه فقال المشركون من قريش ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى فأنزل الله تعالى "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى" فليس الأمر كما زعمه المبطلون بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرا كثيرا كما ثبت في الصحيحين عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في ذلك حيث قال حدثنا أحمد بن زهير حدثنا العلاء بن سالم حدثنا إبراهيم الطالقانى حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن سماك بن حرب عن ثعلبة بن الحكم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي" إسناده جيد وثعلبة بن الحكم هذا هو الليثي ذكره أبو عمر في استيعابه وقال نزل البصرة ثم تحول إلى الكوفة وروى عنه سماك بن حرب وقال مجاهد في قوله "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" هي كقوله "فاقرءوا ما تيسر منه" وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة وقال قتادة "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" لا والله ما جعله شقاء ولكن

جعله رحمة ونورا ودليلا إلى الجنة .
إلا تذكرة لمن يخشى (3)
إلا تذكرة لمن يخشى
وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه .
تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا (4)
تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا
وقوله "تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى" أي هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك رب كل شيء ومليكه القادر على ما يشاء الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها وخلق السماوات العلى في ارتفاعها ولطافتها وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبعد ما بينها والتي تليها مسيرة خمسمائة عام وقد أورد ابن أبي حاتم هاهنا حديث الأوعال من رواية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه .
الرحمن على العرش استوى (5)
الرحمن على العرش استوى
وقوله "الرحمن على العرش استوى" تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته أيضا وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل .
له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى (6)
له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى
وقوله "له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى" أي الجميع ملكه وفي قبضته وتحت تصرفه ومشيئته وإرادته وحكمه وهو خالق ذلك ومالكه وإلهه لا إله سواه ولا رب غيره وقوله "وما تحت الثرى" قال محمد بن كعب أي ما تحت الأرض السابعة وقال الأوزاعي إن يحيى بن أبي كثير حدثه أن كعبا سئل فقيل له : ما تحت هذه الأرض ؟ فقال الماء قيل : وما تحت الماء ؟ قال الأرض قيل : وما تحت الأرض ؟ قال الماء قيل : وما تحت الماء ؟ قال الأرض قيل : وما تحت الأرض ؟ قال الماء قيل : وما تحت الماء ؟ قال الأرض قيل : وما تحت الأرض ؟ قال الماء قيل : وما تحت الماء ؟ قال الأرض قيل : وما تحت الأرض ؟ قال صخرة قيل : وما تحت

الصخرة ؟ قال : ملك قيل : وما تحت الملك ؟ قال حوت معلق طرفاه بالعرش قيل : وما تحت الحوت ؟ قال الهواء والظلمة وانقطع العلم وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهب حدثنا عمي حدثنا عبد الله بن عياش حدثنا عبد الله بن سلمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء والحوت على صخرة والصخرة بيد الملك والثانية سجن الريح والثالثة فيها حجارة جهنم والرابعة فيها كبريت جهنم والخامسة فيها حيات جهنم والسادسة فيها عقارب جهنم والسابعة فيها سقر وفيها إبليس مصفد بالحديد أمامه ويد خلفه فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه" وهذا حديث غريب جدا ورفعه فيه نظر .
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده حدثنا أبو موسى الهروي عن العباس بن الفضل قال : قلت ابن الفضل الأنصاري ؟ قال نعم عن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأقبلنا راجعين في حر شديد فنحن متفرقون بين واحد واثنين منتشرين قال وكنت في أول العسكر إذ عارضنا رجل فسلم ثم قال أيكم محمد ومضى أصحابي ووقفت معه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل في وسط العسكر على جمل أحمر مقنع بثوبه على رأسه من الشمس فقلت أيها السائل هذا رسول الله قد أتاك فقال أيهم هو ؟ فقلت صاحب البكر الأحمر فدنا منه فأخذ بخطام راحلته فكف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنت محمد ؟ قال "نعم" قال إني أريد أن أسألك عن خصال لا يعلمهن أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سل عما شئت" قال يا محمد أينام النبي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تنام عيناه ولا ينام قلبه" قال صدقت ثم قال يا محمد من أين يشبه الولد أباه وأمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأي الماءين غلب على الآخر نزع الولد" فقال صدقت فقال ما للرجل من الولد وما للمرأة منه فقال "للرجل العظام والعروق والعصب وللمرأة اللحم والدم والشعر" قال صدقت ثم قال يا

محمد ما تحت هذه يعني الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خلق" فقال فما تحتهم ؟ قال "أرض" قال فما تحت الأرض ؟ قال "الماء" قال فما تحت الماء ؟ قال "ظلمة" قال فما تحت الظلمة قال "الهواء" قال فما تحت الهواء ؟ قال "الثرى" قال فما تحت الثرى ؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء وقال "انقطع علم الخلق عند علم الخالق أيها السائل ما المسئول عنها بأعلم من السائل" قال فقال صدقت أشهد أنك رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيها الناس هل تدرون من هذا ؟" قالوا الله ورسوله أعلم قال "هذا جبريل" هذا حديث غريب جدا وسياق عجيب تفرد به القاسم بن عبد الرحمن هذا وقد قال فيه يحيى بن معين ليس يساوي شيئا وضعفه أبو حاتم الرازي وقال ابن عدي لا يعرف قلت وقد خلط في هذا الحديث ودخل عليه شيء في شيء وحديث في حديث وقد يحتمل أنه تعمد ذلك أو أدخل عليه فيه والله
أعلم .
وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى (7)
وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى
قوله "وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى" أي أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسماوات العلى الذي يعلم السر وأخفى كما قال تعالى "قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعلم السر وأخفى قال السر ما أسره ابن آدم في نفسه "وأخفى" ما أخفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه فالله يعلم ذلك كله فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة وهو قوله "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" وقال الضحاك يعلم السر وأخفى قال السر ما تحدث به نفسك

وأخفى ما لم تحدث به نفسك بعد وقال سعيد بن جبير أنت تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غدا والله يعلم ما تسر اليوم وما تسر غدا وقال مجاهد وأخفى يعني الوسوسة وقال أيضا هو وسعيد بن جبير وأخفى أي ما هو عامله مما لم يحدث به نفسه .
الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى (8)
الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى
أي الذي أنزل عليك القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى وقد تقدم بيان الأحاديث الواردة في الأسماء الحسنى في أواخر سورة الأعراف ولله الحمد والمنة .
وهل أتاك حديث موسى (9)
وهل أتاك حديث موسى
من هاهنا شرع تبارك وتعالى في ذكر قصة موسى وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه وذلك بعدما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم .
إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى (10)
إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى
من هاهنا شرع تبارك وتعالى في ذكر قصة موسى وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه وذلك بعدما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم وسار بأهله قيل قاصدا بلاد مصر بعدما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ومعه زوجته فأضل الطريق وكانت ليلة شاتية ونزل منزلا بين شعاب وجبال في برد وشتاء وسحاب وظلام وضباب وجعل يقدح بزند معه ليوري نارا كما جرت له العادة به فجعل لا يقدح شيئا ولا يخرج منه شرر ولا شيء فبينما هو كذلك إذ آنس من

جانب الطور نارا أي ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه فقال لأهله يبشرهم إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أي شهاب من نار وفي الآية الأخرى "أو جذوة من النار" وهي الجمر الذي معه لهب لعلكم تصطلون دل على وجود البرد وقوله بقبس دل على وجود الظلام وقوله أو أجد على النار هدى أي من يهديني الطريق دل على أنه قد تاه عن الطريق كما قال الثوري عن أبي سعد الأعور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله أو أجد على النار هدى قال من يهديني إلى الطريق وكانوا شاتين وضلوا الطريق فلما رأى النار قال إن لم أجد أحدا يهديني إلى الطريق أتيتكم بنار توقدون بها .
فلما أتاها نودي يا موسى (11)
فلما أتاها نودي يا
يقول تعالى فلما أتاها أي النار واقترب منها نودي يا موسى وفي الآية الأخرى "نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله" وقال هاهنا إني أنا ربك أي الذي يكلمك ويخاطبك .
إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى (12)
إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى
قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد من السلف كانتا من جلد حمار غير ذكي

وقيل إنما أمره بخلع نعليه تعظيما للبيعة وقال سعيد بن جبير كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة وقيل ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافيا غير منتعل وقيل غير ذلك والله أعلم وقوله "طوى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو اسم للوادي وكذا قال غير واحد فعلى هذا يكون عطف بيان وقيل عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه وقيل لأنه قدس مرتين وطوى له البركة وكررت والأول أصح كقوله إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى .
وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى (13)
وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى
وقوله "وأنا اخترتك" كقوله "إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه وقد قيل إن الله تعالى قال يا موسى أتدري لم خصصتك بالتكليم من بين الناس ؟ قال لا قال لأني لم يتواضع إلي أحد تواضعك وقوله "فاستمع لما يوحى" أي استمع الآن ما أقول لك وأوحيه إليك .
إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري (14)
إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري
هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وقوله "فاعبدني" أي وحدني وقم بعبادتي من غير شرك "وأقم الصلاة لذكري" قيل معناه صل لتذكرني وقيل معناه وأقم الصلاة عند ذكرك لي ويشهد لهذا الثاني ما قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال وأقم"

الصلاة لذكري "وفي الصحيحين عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "."
إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى (15)
إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى
وقوله "إن الساعة آتية" أي قائمة لا محالة وكائنة لا بد منها وقوله "أكاد أخفيها" قال الضحاك عن ابن عباس إنه كان يقرؤها أكاد أخفيها من نفسي يقول لأنها لا تخفى من نفس الله أبدا وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس من نفسه وكذا قال مجاهد وأبو صالح ويحيى بن رافع وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أكاد أخفيها يقول لا أطلع عليها أحدا غيري وقال السدي ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة وهي في قراءة ابن مسعود إني أكاد أخفيها من نفسي يقول كتمتها عن الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت .
وقال قتادة أكاد أخفيها وهي في بعض القراءات أخفيها من نفسي

ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين قلت وهذا كقوله تعالى "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله" وقال "ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة" أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب حدثنا أبو نميلة حدثني محمد بن سهل الأسدي عن ورقاء قال أقرأنيها سعيد بن جبير أكاد أخفيها يعني بنصب الألف وخفض الفاء يقول أظهرها ثم قال أما سمعت قول الشاعر :
داب شهرين ثم شهرا دميكا ... بأربكين يخفيان غميرا
قال السدي الغمير نبت رطب ينبت في خلال يبس والأربكين موضع والدميك الشهر التام وهذا الشعر لكعب بن زهير .
وقوله سبحانه وتعالى "لتجزى كل نفس بما تسعى" أي أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره "إنما تجزون ما كنتم تعملون ."
فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى (16)
فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى
وقوله "فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها" الآية المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة وأقبل على ملاذه في دنياه وعصى مولاه واتبع هواه فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر "فتردى" أي تهلك وتعطب قال الله تعالى "وما يغني عنه ماله إذا تردى" .
وما تلك بيمينك يا موسى (17)
وما تلك بيمينك يا
هذا برهان من الله تعالى لموسى عليه السلام ومعجزة عظيمة وخرق للعادة باهر دل على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل

وقوله "وما تلك بيمينك يا موسى" قال بعض المفسرين إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له وقيل إنما قال له ذلك على وجه التقرير أي أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها فسترى ما نصنع بها الآن "وما تلك بيمينك يا موسى" استفهام تقرير .
قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى (18)
قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى
"قال هي عصاي أتوكأ عليها" أي أعتمد عليها في حال المشي وأهش بها على غنمي أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي قال عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك : الهش أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ولا يكسر العود فهذا الهش ولا يخبط وكذا قال ميمون بن مهران أيضا وقوله "ولي فيها مآرب أخرى" أي مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك وقد تكلف بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت فقيل كانت تضيء له بالليل وتحرس له الغنم إذا نام ويغرسها فتصير شجرة تظله وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة والظاهر أنها لم تكن كذلك ولو كانت كذلك لما استنكر موسى عليه الصلاة والسلام صيرورتها ثعبانا فما كان يفر منها هاربا ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية وكذا قول بعضهم إنها كانت لآدم عليه الصلاة والسلام وقول الآخر إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة وروي عن ابن عباس أنه قال كان اسمها ما شاء والله أعلم بالصواب .
قال ألقها يا موسى (19)
قال ألقها يا
وقوله تعالى "قال ألقها يا موسى" أي هذه العصا التي في يدك يا موسى ألقها .
فألقاها فإذا هي حية تسعى (20)
فألقاها فإذا هي حية تسعى
"فألقاها فإذا هي حية تسعى" أي صارت في الحال حية عظيمة ثعبانا طويلا يتحرك حركة سريعة فإذا هي تهتز كأنها جان وهو أسرع الحيات حركة ولكنه صغير فهذه في غاية الكبر وفي غاية سرعة الحركة تسعى أي تمشي وتضطرب قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حفص بن جميع حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس فألقاها فإذا هي حية تسعى ولم تكن قبل ذلك حية فمرت بشجرة فأكلتها ومرت بصخرة فابتلعتها فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها فولى مدبرا ونودي أن يا موسى خذها فلم يأخذها ثم نودي الثانية أن خذها ولا تخف فقيل له في الثالثة إنك من الآمنين فأخذها .
وقال وهب بن منبه في قوله فألقاها فإذا هي حية تسعى قال فألقاها على وجه




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #344  
قديم 07-12-2025, 02:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة طه
من صـ 321 الى صــ 333
الحلقة (343)






الأرض ثم حانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يدب يلتمس كأنه يبتغي شيئا يريد أخذه يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها عيناه تتقدان نارا وقد عاد المحجن منها عرفا قيل شعر مثل النيازك وعاد الشعبتان فما مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرا ولم يعقب فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه مم نودي يا موسى أن ارجع حيث كنت فرجع موسى وهو شديد الخوف فقال خذها بيمينك .
قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى (21)
قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى
وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف فدخلها بخلال من عيدان فلما أمره بأخذها لف طرف المدرعة على يده فقال له ملك : أرأيت يا موسى لو أذن الله بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئا قال لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية حتى سمع حس الأضراس والأنياب ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين ولهذا قال تعالى سنعيدها سيرتها الأولى أي إلى حالها التي تعرف قبل ذلك .
واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى (22)
واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى
وهذا برهان ثان لموسى عليه السلام وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه كما صرح به في الآية الأخرى وهاهنا عبر عن ذلك بقوله "واضمم يدك إلى جناحك" وقال في مكان آخر "واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان"

من ربك إلى فرعون وملئه "وقال مجاهد واضمم يدك إلى جناحك كفك تحت عضدك وذلك أن موسى عليه السلام كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها تخرج تتلألأ كأنها فلقة قمر وقوله" تخرج بيضاء من غير سوء "أي من غير برص ولا أذى ومن غير شين قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والسدي وغيرهم وقال الحسن البصري أخرجها والله كأنها مصباح فعلم موسى أنه قد لقي ربه عز وجل ."
لنريك من آياتنا الكبرى (23)
لنريك من آياتنا الكبرى
ولهذا قال تعالى "لنريك من آياتنا الكبرى" وقال وهب قال له ربه : ادنه فلم يزل يدنيه حتى أسند ظهره بجذع الشجرة فاستقر وذهبت عنه الرعدة وجمع يده في العصا وخضع برأسه وعنقه .
اذهب إلى فرعون إنه طغى (24)
اذهب إلى فرعون إنه طغى
وقوله "اذهب إلى فرعون إنه طغى" أي اذهب إلى فرعون ملك مصر الذي خرجت فارا منه وهاربا فادعه إلى عبادة الله وحده لا شريك له ومره فليحسن إلى بني إسرائيل ولا يعذبهم فإنه قد طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا ونسي الرب الأعلى .
قال وهب بن منبه "قال الله لموسى انطلق برسالتي فإنك بسمعي وعيني وإن معك يدي وبصري وإني قد ألبستك جنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري فأنت جند عظيم من جندي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلق بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا عني حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي وزعم أنه لا يعرفني فإني"

أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار يغضب لغضبه السماوات والأرض والجبال والبحار فإن أمرت السماء حصبته وإن أمرت الأرض ابتلعته وإن أمرت الجبال دمرته وإن أمرت البحار غرقته ولكنه هان علي وسقط من عيني ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحقي أني أنا الغني لا غني غيري فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي وذكره أيامي وحذره نقمتي وبأسي وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ولا يروعنك ما ألبسته من لباس الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزه بالمحاربة تسبه وتتمثل به وتصد عباده عن سبيله وهو يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب ولو شاء الله أن يعجل لك العقوبة لفعل ولكنه ذو أناة وحلم عظيم وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما تحتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة ولا قليل مني تغلب الفئة الكثيرة بإذني ولا تعجبنكما زينته ولا ما متع به ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما وكذلك أفعل بأوليائي وقديما ما جرت عادتي في ذلك فإني لأذودهم عن نعيمها وزخارفها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم في دار كرامتي سالما موفرا لم تكلمه الدنيا واعلم أنه لا يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا فإنها زينة المتقين
عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع وسيماهم في وجوههم من أثر السجود أولئك أوليائي حقا حقا فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل قلبك ولسانك واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرض لي نفسه ودعاني إليها وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أكل نصرتهم إلى غيري "رواه ابن أبي حاتم ."
قال رب اشرح لي صدري (25)
قال رب اشرح لي صدري
"قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري" هذا سؤال من موسى عليه

السلام لربه عز وجل أن يشرح له صدره فيما بعثه به فإنه قد أمره بأمر عظيم وخطب جسيم , بعثه إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك وأجبرهم وأشدهم كفرا وأكثرهم جنودا وأعمرهم ملكا وأطغاهم وأبلغهم تمردا بلغ من أمره أن ادعى أنه لا يعرف الله ولا يعلم لرعاياه إلها غيره وهذا وقد مكث موسى في داره مدة وليدا عندهم في حجر فرعون على فراشه ثم قتل منهم نفسا فخافهم أن يقتلوه فهرب منهم هذه المدة بكمالها ثم بعد هذا بعثه ربه عز وجل إليهم نذيرا يدعوهم إلى الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له .
ويسر لي أمري (26)
ويسر لي أمري
قال "رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري" أي إن لم تكن أنت عوني ونصيري وعضدي وظهيري وإلا فلا طاقة لي بذلك .
واحلل عقدة من لساني (27)
واحلل عقدة من لساني
"واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي" وذلك لما كان أصابه من اللثغ حين عرض عليه التمرة والجمرة فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه كما سيأتي بيانه وما سأل أن يزول ذلك بالكلية بل بحيث يزول العي ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة ولو سأل الجميع لزال ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة ولهذا بقيت بقية قال الله تعالى إخبارا عن فرعون أنه قال "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين" أي يفصح بالكلام وقال الحسن البصري "واحلل عقدة من لساني" قال حل عقدة واحدة ولو سأل أكثر من ذلك أعطي وقال ابن عباس شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه فآتاه سؤله فحل عقدة من لسانه وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عمر بن عثمان حدثنا بقية عن أرطاة بن المنذر حدثني بعض أصحاب محمد بن كعب عنه قال أتاه ذو قرابة له فقال له ما بك بأس لولا أنك تلحن في كلامك ولست تعرب في قراءتك فقال القرظي يا ابن أخي ألست أفهمك إذا حدثتك .
قال نعم قال فإن موسى عليه السلام إنما سأل ربه أن يحلل عقدة من لسانه كي يفقه بنو إسرائيل كلامه ولم يزد عليها هذا لفظه .

يفقهوا قولي (28)
يفقهوا قولي
"يفقهوا قولي" وذلك لما كان أصابه من اللثغ حين عرض عليه التمرة والجمرة فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه كما سيأتي بيانه وما سأل أن يزول ذلك بالكلية بل بحيث يزول العي ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة ولو سأل الجميع لزال ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة ولهذا بقيت بقية قال الله تعالى إخبارا عن فرعون أنه قال "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين" أي يفصح بالكلام وقال الحسن البصري "واحلل عقدة من لساني" قال حل عقدة واحدة ولو سأل أكثر من ذلك أعطي وقال ابن عباس شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه فآتاه سؤله فحل عقدة من لسانه وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عمر بن عثمان حدثنا بقية عن أرطاة بن المنذر حدثني بعض أصحاب محمد بن كعب عنه قال أتاه ذو قرابة له فقال له ما بك بأس لولا أنك تلحن في كلامك ولست تعرب في قراءتك فقال القرظي يا ابن أخي ألست أفهمك إذا حدثتك .
قال نعم قال فإن موسى عليه السلام إنما سأل ربه أن يحلل عقدة من لسانه كي يفقه بنو إسرائيل كلامه ولم يزد عليها هذا لفظه .
واجعل لي وزيرا من أهلي (29)
واجعل لي وزيرا من أهلي
وقوله "واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي" وهذا أيضا سؤال من موسى عليه السلام في أمر خارجي عنه وهو مساعدة أخيه هارون له .
قال الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : نبئ هارون ساعتئذ حين نبئ موسى عليهما السلام وقال ابن أبي حاتم ذكر عن ابن نمير حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها خرجت فيما كانت تعتمر فنزلت ببعض الأعراب فسمعت رجلا يقول أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه ؟ قالوا لا ندري قال أنا والله أدري ؟ قالت فقلت في نفسي في حلفه لا يستثني إنه ليعلم أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه قال موسى حين سأل لأخيه النبوة فقلت صدق والله قلت ومن هذا قال الله تعالى في الثناء على موسى عليه السلام "وكان عند الله وجيها" .
هارون أخي (30)
هارون أخي
وقوله "واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي" وهذا أيضا سؤال من موسى عليه السلام في أمر خارجي عنه وهو مساعدة أخيه هارون له .
قال الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : نبئ هارون ساعتئذ حين نبئ موسى عليهما السلام وقال ابن أبي حاتم ذكر عن ابن نمير حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها خرجت فيما كانت تعتمر فنزلت ببعض الأعراب فسمعت رجلا يقول أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه ؟ قالوا لا ندري قال أنا والله أدري ؟ قالت فقلت في نفسي في حلفه لا يستثني إنه ليعلم أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه قال موسى حين سأل لأخيه النبوة فقلت صدق والله قلت ومن هذا قال الله تعالى في الثناء على موسى عليه السلام "وكان عند الله وجيها" .
اشدد به أزري (31)
اشدد به أزري
وقوله "اشدد به أزري" قال مجاهد ظهري .
وأشركه في أمري (32)
وأشركه في أمري
"وأشركه في أمري" أي في مشاورتي .
كي نسبحك كثيرا (33)
كي نسبحك كثيرا
"كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا" قال مجاهد لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا .
ونذكرك كثيرا (34)
ونذكرك كثيرا
"ونذكرك كثيرا" قال مجاهد لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا .
إنك كنت بنا بصيرا (35)
إنك كنت بنا بصيرا
وقوله "إنك كنت بنا بصيرا" أي في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون فلك الحمد على ذلك .
قال قد أوتيت سؤلك يا موسى (36)
قال قد أوتيت سؤلك يا
هذا إجابة من الله لرسوله موسى عليه السلام فيما سأل من ربه عز وجل وتذكير له بنعمه السالفة عليه فيما كان من أمر أمه حين كانت ترضعه وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان فاتخذت له تابوتا فكانت ترضعه ثم تضعه فيه وترسله في البحر وهو النيل وتمسكه إلى منزلها

بحبل فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت منها وذهب به البحر فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله "وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها" فذهب به البحر إلى دار فرعون "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا" أي قدرا مقدورا من الله حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل حذرا من وجود موسى فحكم الله وله السلطان العظيم والقدرة التامة أن لا يربى إلا على فراش فرعون ويغذى بطعامه وشرابه مع محبته وزوجته له .
ولقد مننا عليك مرة أخرى (37)
ولقد مننا عليك مرة أخرى
هذا إجابة من الله لرسوله موسى عليه السلام فيما سأل من ربه عز وجل وتذكير له بنعمه السالفة عليه فيما كان من أمر أمه حين كانت ترضعه وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان فاتخذت له تابوتا فكانت ترضعه ثم تضعه فيه وترسله في البحر وهو النيل وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت منها وذهب به البحر فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله "وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها" فذهب به البحر إلى دار فرعون "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا" أي قدرا مقدورا من الله حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل حذرا من وجود موسى فحكم الله وله السلطان العظيم والقدرة التامة أن لا يربى إلا على فراش فرعون ويغذى بطعامه وشرابه مع محبته وزوجته له .
إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى (38)
إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى
هذا إجابة من الله لرسوله موسى عليه السلام فيما سأل من ربه عز وجل وتذكير له بنعمه السالفة عليه فيما كان من أمر أمه حين كانت ترضعه وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان فاتخذت له تابوتا فكانت ترضعه ثم تضعه فيه وترسله في البحر وهو النيل وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت منها وذهب به البحر فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله "وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها" فذهب به البحر إلى دار فرعون "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا" أي قدرا مقدورا من الله حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل حذرا من وجود موسى فحكم الله وله السلطان العظيم والقدرة التامة أن لا يربى إلا على فراش فرعون ويغذى بطعامه وشرابه مع محبته وزوجته له .
أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني (39)
أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني
هذا إجابة من الله لرسوله موسى عليه السلام فيما سأل من ربه عز وجل وتذكير له بنعمه السالفة عليه فيما كان من أمر أمه حين كانت ترضعه وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان فاتخذت له تابوتا فكانت ترضعه ثم تضعه فيه وترسله في البحر وهو النيل وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت منها وذهب به البحر فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله "وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها" فذهب به البحر إلى دار فرعون "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا" أي قدرا مقدورا من الله حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل حذرا من وجود موسى فحكم الله وله السلطان العظيم والقدرة التامة أن لا يربى إلا على فراش فرعون ويغذى بطعامه وشرابه مع محبته وزوجته له ولهذا قال الله تعالى "يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني" أي عند عدوك جعلته يحبك قال سلمة بن كهيل "وألقيت عليك محبة مني" قال حببتك إلى عبادي "ولتصنع على عيني" قال أبو عمران الجوني تربى بعين الله وقال قتادة تغذى على عيني وقال معمر بن المثنى ولتصنع على عيني بحيث أرى وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف وغذاؤه عندهم غذاء الملك فتلك الصنعة .
إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى (40)
إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا
وقوله "إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها" وذلك أنه لما استقر عند آل فرعون عرضوا عليه المراضع فأباها قال الله تعالى "وحرمنا عليه المراضع من قبل" فجاءت أخته وقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون تعني هل أدلكم على من يرضعه لكم بالأجرة فذهبت به وهم معها إلى أمه فعرضت عليه ثديها فقبله ففرحوا بذلك فرحا شديدا واستأجروها على إرضاعه فنالها بسببه سعادة ورفعة وراحة في الدنيا وفي الآخرة أعظم وأجزل ولهذا جاء في الحديث "مثل الصانع الذي يحتسب في صنعته الخير كمثل أم موسى ترضع"

ولدها وتأخذ أجرها "وقال تعالى هاهنا فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن أي عليك وقتلت نفسا يعني القبطي فنجيناك من الغم وهو ما حصل له بسبب عزم آل فرعون على قتله ففر منهم هاربا حتى ورد ماء مدين وقال له ذلك الرجل الصالح لا تخف نجوت من القوم الظالمين وقوله وفتناك فتونا قال الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي رحمه الله في كتاب التفسير من سننه قوله وفتناك فتونا" حديث الفتون "حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا أصبغ بن زيد حدثنا القاسم بن أبي أيوب أخبرني سعيد بن جبير قال : سألت عبد الله بن عباس عن قول الله عز وجل لموسى عليه السلام" وفتناك فتونا "فسألته عن الفتون ما هو فقال استأنف النهار يا ابن جبير فإن لها حديثا طويلا فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني من حديث الفتون فقال تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم عليه السلام أن يجعل في ذمته أبناء وملوكا فقال بعضهم إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك لا يشكون فيه وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب فلما هلك قالوا ليس هكذا كان وعد إبراهيم فقال فرعون كيف ترون فائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه ففعلوا ذلك فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم والصغار يذبحون قالوا ليوشكن أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي يكفونكم فاقتلوا عاما كل مولود ذكرا واتركوا بناتهم ودعوا عاما فلا تقتلوا منهم أحدا فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم فتخافوا مكاثرتهم"
وإياكم ولم يفنوا بمن تقتلون وتحتاجون إليهم فأجمعوا أمرهم على ذلك فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدته علانية آمنة فلما كان من قابل حملت بموسى عليه السلام فوقع في قلبها الهم والحزن وذلك من الفتون يا ابن جبير ما دخل عليه وهو في بطن أمه مما يراد به فأوحى الله إليها أن لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فأمرها إذا ولدت أن تجعله في

تابوت ثم تلقيه في اليم فلما ولدت فعلت ذلك فلما توارى عنها ابنها أتاها الشيطان فقالت في نفسها ما فعلت بابني لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه فانتهى الماء به حتى أوفى به عند فرضة مستقى جواري امرأة فرعون فلما رأينه أخذنه فأردن أن يفتحن التابوت فقال بعضهن إن في هذا مالا وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه فحملنه كهيئته لم يخرجن منه شيئا حتى دفعنه إليها فلما فتحته رأت فيه غلاما فألقى الله عليه منها محبة لم يلق منها على أحد قط وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من ذكر كل شيء إلا من ذكر موسى فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير فقالت لهم أقروه فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل حتى آتي فرعون فأستوهبه منه فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم وإن أمر بذبحه لم ألمكم فأتت فرعون فقالت قرة عين لي ولك فقال فرعون يكون لك فأما لي فلا حاجة لي فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون قرة عين له كما أقرت امرأته لهداه الله كما هداها ولكن حرمه ذلك" فأرسلت إلى من حولها إلى كل امرأة لها لأن تختار له ظئرا فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل على ثديها حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت فأحزنها ذلك فأمرت به فأخرج إلى السوق ومجمع الناس ترجو أن تجد له ظئرا تأخذه منها فلم يقبل وأصبحت أم موسى والها فقالت لأخته قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا أحي ابني أم قد أكلته الدواب ونسيت ما كان الله وعدها فيه فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون والجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى شيء بعيد وهو إلى جنبه وهو لا يشعر به فقالت من الفرح حين أعياهم
الظؤرات أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فأخذوها فقالوا ما يدريك ما نصحهم له هل تعرفينه ؟ حتى شكوا في ذلك وذلك من الفتون يا ابن جبير فقالت نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في صهر الملك ورجاء منفعة الملك
فتركوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر فجاءت أمه فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباه ريا وانطلق البشير إلى امرأة فرعون يبشرونها أن قد وجدنا لابنك ظئرا فأرسلت إليها فأتت بها وبه فلما رأت ما يصنع بها قالت امكثي ترضعي ابني هذا فإني لم أحب شيئا حبه قط قالت أم موسى لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيرا فإني غير تاركة بيتي وولدي وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها فيه فتعاسرت على امرأة فرعون وأيقنت أن الله منجز وعده فرجعت به إلى بيتها من يومها وأنبته الله نباتا حسنا وحفظه لما قد قضى فيه فلم يزل بنو إسرائيل وهم في ناحية القرية ممتنعين من السخرة والظلم ما كان فيهم فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى أزيريني ابني فدعتها يوما تزيرها إياه فيه وقالت امرأة فرعون لخزانها وظؤرها وقهارمتها لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني اليوم بهدية وكرامة لأرى ذلك وأنا باعثة أمينا يحصي ما يصنع كل إنسان منكم فلم تزل الهدايا والكرامة والنحل تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون فلما دخل عليها بجلته وأكرمته وفرحت به ونحلت أمه لحسن أثرها عليه ثم قالت لآتين به فرعون فلينحلنه وليكرمنه فلما دخلت به عليه جعله في حجره فتناول موسى لحية فرعون فمدها إلى الأرض فقال الغواة من أعداء الله لفرعون ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه أنه زعم أن يرثك ويعلوك ويصرعك فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير بعد كل بلاء ابتلي به وأريد به فتونا فجاءت امرأة فرعون فقالت ما بدا لك في هذا الغلام الذي وهبته لي ؟ فقال ألا ترينه يزعم أنه يصرعني ويعلوني فقالت اجعل بيني وبينك أمرا يعرف الحق به ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقدمهن إليه فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين علمت أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على
اللؤلؤتين وهو يعقل فقرب إليه الجمرتين واللؤلؤتين فتناول الجمرتين فانتزعهما منه مخافة أن يحرقا يده فقالت المرأة

: ألا ترى فصرفه الله عنه بعدما كان قد هم به وكان الله بالغا فيه أمره فلما بلغ أشده وكان من الرجال لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة حتى امتنعوا كل الامتناع فبينما موسى عليه السلام يمشي في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما فرعوني والآخر إسرائيلي فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فغضب موسى غضبا شديدا لأنه تناوله وهو يعلم منزلته من بني إسرائيل وحفظه لهم لا يعلم الناس إلا إنما ذلك من الرضاع إلا أم موسى إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره فوكز موسى الفرعوني فقتله وليس يراهما أحد إلا الله عز وجل والإسرائيلي فقال موسى حين قتل الرجل هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ثم قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم فأصبح في المدينة خائفا يترقب الأخبار فأتي فرعون فقيل له إن بني إسرائيل قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم فقال ابغوني قاتله ومن يشهد عليه فإن الملك وإن كان صفوة مع قومه لا يستقيم له أن يقيد بغير بينة ولا ثبت فاطلبوا لي علم ذلك آخذ لكم بحقكم فبينما هم يطوفون لا يجدون ثبتا إذا بموسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلا من آل فرعون آخر فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى فندم على ما كان منه وكره الذي رأى فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم إنك لغوي مبين فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعدما قال له ما قال فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني فخاف أن يكون بعدما قال له إنك لغوي مبين أن يكون إياه أراد ولم يكن أراده إنما أراد الفرعوني فخاف الإسرائيلي وقال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس وإنما قاله مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله فتتاركا وانطلق الفرعوني فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم يطلبون موسى وهم لا
يخافون أن يفوتهم فجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة فاختصر طريقا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره وذلك من الفتون يا ابن جبير فخرج موسى متوجها نحو مدين ولم يلق بلاء قبل ذلك وليس له بالطريق علم إلا

حسن ظنه بربه عز وجل فإنه قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان يعني بذلك حابستين غنمهما فقال لهما ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس ؟ قالتا ليس لنا قوة نزاحم القوم وإنما نسقي من فضول حياضهم فسقى لهما فجعل يغترف في الدلو ماء كثيرا حتى كان أول الرعاء فانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما وانصرف موسى فاستظل بشجرة وقال ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير واستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا فقال إن لكما اليوم لشأنا فأخبرتاه بما صنع موسى فأمر إحداهما أن تدعوه فأتت موسى فدعته فلما كلمه قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان ولسنا في مملكته فقالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين فاحتملته الغيرة على أن قال لها ما يدريك ما قوته وما أمانته فقالت أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين سقى لنا لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه وأما الأمانة فإنه نظر إلي حين أقبلت إليه وشخصت له فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه حتى بلغته رسالتك ثم قال لي امشي خلفي وانعتي لي الطريق فلم يفعل هذا إلا وهو أمين فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت فقال له هل لك أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين ففعل فكانت على نبي الله موسى ثمان سنين واجبة وكانت سنتان عدة منه فقضى الله عنه عدته فأتمها عشرا قال سعيد وهو ابن جبير : فلقيني رجل من أهل النصرانية من علمائهم قال هل تدري أي الأجلين قضى موسى ؟ قلت لا وأنا يومئذ لا أدري فلقيت ابن عباس فذكرت له ذلك فقال أما علمت أن ثمانيا كانت على نبي الله واجبة لم يكن نبي الله لينقص منها شيئا ويعلم أن الله كان قاضيا عن موسى عدته التي كان وعده فإنه قضى عشر سنين فلقيت النصراني فأخبرته ذلك فقال الذي سألته فأخبرك أعلم منك بذلك
قلت أجل
وأولى فلما سار موسى بأهله كان من أمر النار والعصا ويده ما قص الله عليك في القرآن فشكا إلى الله تعالى ما يحذر من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه فآتاه الله سؤله وحل عقدة من لسانه وأوحى الله إلى هارون وأمره أن يلقاه فاندفع موسى بعصاه حتى لقي هارون فانطلقا جميعا إلى فرعون فأقاما على بابه حينا لا يؤذن لهما ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا إنا رسولا ربك قال فمن ربكما ؟ فأخبراه بالذي قص الله عليك في القرآن قال فما تريدان ؟ وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت قال أريد أن تؤمن بالله وترسل معنا بنى إسرائيل فأبى عليه وقال ائت بآية إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي حية تسعى عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون فلما رآها فرعون قاعدة إليه خافها فاقتحم عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء يعني من غير برص ثم ردها فعادت إلى لونها الأول فاستشار الملأ حوله فيما رأى فقالوا له هذان ساحران يريدان أن يخرجاكما من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش وأبوا على موسى أن يعطوه شيئا مما طلب وقالوا له اجمع لهما السحرة فإنهم بأرضك كثير حتى تغلب بسحرك سحرهما فأرسل إلى المدائن فحشر له كل ساحر متعالم فلما أتوا فرعون قالوا بما يعمل هذا الساحر ؟ قالوا يعمل بالحيات قالوا فلا والله ما أحد في الأرض يعمل بالسحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل فما أجرنا إن نحن غلبنا ؟ قال لهم أنتم أقاربي وخاصتي وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم فتواعدوا يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى قال سعيد بن جبير فحدثني ابن عباس أن يوم الزينة اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة هو يوم عاشوراء فلما اجتمعوا في صعيد واحد قال الناس بعضهم لبعض انطلقوا فلنحضر هذا الأمر لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين يعنون موسى وهارون استهزاء بهما فقالوا

يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال بل ألقوا فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة فأوحى الله إليه أن ألق عصاك فلما ألقاها
صارت ثعبانا عظيمة فاغرة فاها فجعلت العصي تلتبس بالحبال حتى صارت جرزا إلى الثعبان تدخل فيه حتى ما أبقت عصا ولا حبلا إلا ابتلعته فلما عرف السحرة ذلك قالوا لو كان هذا سحرا لم يبلغ من سحرنا كل هذا ولكن هذا أمر من الله عز وجل آمنا بالله وبما جاء به موسى من عند الله ونتوب إلى الله مما كنا عليه .
فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه وظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وامرأة فرعون بارزة متبذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه فمن رآها من آل فرعون ظن أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه وإنما كان حزنها وهمها لموسى فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة كلما جاء بآية وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل فإذا مضت أخلف موعده وقال هل يستطيع ربك أن يصنع غير هذا ؟ فأرسل الله على قومه الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات كل ذلك يشكو إلى موسى ويطلب إليه أن يكفها عنه ويواثقه على أن يرسل معه بني إسرائيل فإذا كف ذلك أخلف موعده ونكث عهده حتى أمر الله موسى بالخروج بقومه فخرج بهم ليلا فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا أرسل في المدائن حاشرين فتبعه بجنود عظيمة كثيرة وأوحى الله إلى البحر إذا ضربك عبدي موسى بعصاه فانفلق اثني عشرة فرقة حتى يجوز موسى ومن معه ثم التق على من بقي بعد من فرعون وأشياعه فنسي موسى أن يضرب البحر بالعصا وانتهى إلى البحر وله قصيف مخافة أن يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصيا لله .
فلما تراءى الجمعان وتقاربا قال أصحاب موسى إنا لمدركون افعل ما أمرك به ربك فإنه لم يكذب ولم تكذب.
قال وعدني ربي إذا أتيت البحر انفرق اثنتي عشرة فرقة

حتى أجاوزه ثم ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى فانفرق البحر كما أمره ربه وكما وعد موسى فلما أن جاز موسى وأصحابه كلهم البحر ودخل فرعون وأصحابه التقى عليهم البحر كما أمر فلما جاوز موسى البحر قال أصحابه إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه فدعا ربه فأخرجه له ببدنه حتى استيقنوا بهلاكه ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون "إن هؤلاء متبر ما هم فيه" الآية.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #345  
قديم 07-12-2025, 02:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة طه
من صـ 334 الى صــ 348
الحلقة (345)






قد رأيتم من العبر وسمعتم ما يكفيكم ومضى فأنزلهم موسى منزلا وقال أطيعوا هارون فإني قد استخلفته عليكم فإني ذاهب إلى ربي وأجلهم ثلاثين يوما أن يرجع إليهم فيها فلما أتى ربه وأراد أن يكلمه ثلاثين يوما وقد صامهن ليلهن ونهارهن وكره أن يكلم ربه وريح فيه ريح فم الصائم فتناول موسى من نبات الأرض شيئا فمضغه فقال له ربه حين أتاه لم أفطرت وهو أعلم بالذي كان قال يا رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح قال أوما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ارجع فصم عشرا ثم ائتني ففعل موسى عليه السلام ما أمر به فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل ساءهم ذلك وكان هارون قد خطبهم وقال إنكم قد خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عواري وودائع ولكم فيهم مثل ذلك فإني أرى أنكم تحتسبون ما لكم عندهم ولا أحل لكم وديعة استودعتموها ولا عارية ولسنا برادين إليهم شيئا من ذلك ولا ممسكيه لأنفسنا فحفر حفيرا وأمر كل قوم عندهم من ذلك من متاع أو حلية أن يقذفوه في ذلك الحفير ثم أوقد عليه النار فأحرقته فقال لا يكون لنا ولا لهم وكان السامري من قوم يعبدون البقر جيران لبني إسرائيل ولم يكن من بني إسرائيل فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا فقضي له أن رأى أثرا فقبض منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون يا سامري ألا تلقي ما في يدك وهو قابض عليه لا يراه أحد طول ذلك فقال هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر ولا ألقيها لشيء إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها أن يجعلها ما أريد فألقاها ودعا له هارون فقال أريد أن يكون عجلا فاجتمع ما كان في الحفيرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد فصار عجلا أجوف ليس فيه روح وله خوار
قال ابن عباس لا والله ما كان له صوت قط إنما كانت الريح تدخل في دبره وتخرج من فيه وكان ذلك الصوت من ذلك فتفرق بنو إسرائيل فرقا فقالت فرقة يا سامري ما هذا وأنت أعلم به ؟ قال هذا ربكم ولكن موسى أضل الطريق فقالت فرقة لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه وعجزنا فيه حين رأينا وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى وقالت فرقة هذا من عمل الشيطان وليس بربنا ولا نؤمن به ولا نصدق وأشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل وأعلنوا التكذيب به فقال لهم
هارون يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوما ثم أخلفنا هذه أربعون يوما قد مضت وقال سفهاؤهم أخطأ ربه فهو يطلبه يتبعه فلما كلم الله موسى وقال له ما قال أخبره بما لقي قومه من بعده فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا فقال لهم ما سمعتم في القرآن وأخذ برأس أخيه يجره إليه وألقى الألواح من الغضب ثم إنه عذر أخاه بعذره واستغفر له وانصرف إلى السامري فقال له ما حملك على ما صنعت ؟ قال قبضت قبضة من أثر الرسول وفطنت لها وعميت عليكم فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ولو كان إلها لم يخلص إلى ذلك منه فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون فقالوا لجماعتهم يا موسى سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها فيكفر عنا ما عملنا فاختار موسى قومه سبعين رجلا لذلك لا يألو الخير خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في العجل فانطلق بهم يسأل لهم التوبة فرجفت بهم الأرض فاستحيا نبي الله من قومه ومن وفده حين فعل بهم ما فعل فقال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا وفيهم من كان الله اطلع منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمانه به فلذلك رجفت بهم الأرض فقال ورحمتي وسعت كل شيء

فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فقال يا رب سألتك التوبة لقومي فقلت إن رحمتي كتبتها لقوم غير قومي هلا أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحومة فقال له إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون واطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما أمروا وغفر الله للقاتل والمقتول ثم سار بهم موسى عليه السلام متوجها نحو الأرض المقدسة وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب فأمرهم بالذي أمرهم به أن يبلغهم من الوظائف فثقل ذلك عليهم وأبوا أن يقروا بها فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ودنا منهم
حتى خافوا أن يقع عليهم فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الجبل والكتاب بأيديهم وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون خلقهم خلق منكر وذكروا من ثمارهم أمرا عجيبا من عظمها فقالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين لا طاقة لنا بهم ولا ندخلها ما داموا فيها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون قيل ليزيد هكذا قرأت قال نعم من الجبارين آمنا بموسى وخرجا إليه قالوا نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ويقول أناس إنهم من قوم موسى فقال الذين يخافون بنو إسرائيل "قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" فأغضبوا موسى فدعا عليهم وسماهم فاسقين ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذ فاستجاب الله له وسماهم كما سماهم موسى فاسقين وحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار وظلل عليهم الغمام في التيه وأنزل عليهم المن والسلوى وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ وجعل بين ظهرانيهم حجرا مربعا وأمر موسى فضربه


بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية ثلاثة أعين وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها فلا يرتحلون من مكان إلا وجدوا ذلك الحجر بينهم بالمكان الذي كان فيه بالأمس رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصدق ذلك عندي أن معاوية سمع ابن عباس يحدث هذا الحديث فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل فقال كيف يفشي عليه ولم يكن علم به ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك فغضب ابن عباس فأخذ بيد معاوية وانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري فقال له يا أبا إسحاق هل تذكر يوم حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون ؟ الإسرائيلي الذي أفشى عليه أم الفرعوني ؟ قال إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد على ذلك وحضره وهكذا رواه النسائي في السنن الكبرى وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما
كلهم من حديث يزيد بن هارون به وهو موقوف من كلام ابن عباس وليس فيه مرفوع إلا قليل منه وكأنه تلقاه ابن عباس مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره والله أعلم وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا .
واصطنعتك لنفسي (41)
واصطنعتك لنفسي
يقول تعالى مخاطبا لموسى عليه السلام إنه لبث مقيما في أهل مدين فارا من

فرعون وملئه يرعى على صهره حتى انتهت المدة وانقضى الأجل ثم جاء موافقا لقدر الله وإرادته من غير ميعاد والأمر كله لله تبارك وتعالى وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء ولهذا قال "ثم جئت على قدر يا موسى" قال مجاهد أي على موعد وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ثم جئت على قدر يا موسى قال على قدر الرسالة والنبوة وقوله "واصطنعتك لنفسي" أي اصطفيتك واجتبيتك رسولا لنفسي أي كما أريد وأشاء وقال البخاري عند تفسيرها حدثنا الصلت بن محمد حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "التقى آدم وموسى فقال موسى أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة ؟ فقال آدم وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة ؟ قال نعم قال فوجدته مكتوبا علي قبل أن يخلقني قال نعم فحج آدم موسى" أخرجاه .
اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري (42)
اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري
وقوله "اذهب أنت وأخوك بآياتي" أي بحججي وبراهيني ومعجزاتي "ولا تنيا في ذكري" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا تبطئا وقال مجاهد عن ابن عباس لا تضعفا

والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون ليكون ذكر الله عونا لهما عليه وقوة لهما وسلطانا كاسرا له كما جاء في الحديث "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه" .
اذهبا إلى فرعون إنه طغى (43)
اذهبا إلى فرعون إنه طغى
وقوله "اذهبا إلى فرعون إنه طغى" أي تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه .
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (44)
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى
"فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" هذه الآية فيها عبرة عظيمة وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين كما قال يزيد الرقاشي عند قوله "فقولا له قولا لينا" .
يا من يتحبب إلى من يعاديه ... فكيف بمن يتولاه ويناديه ؟
وقال وهب بن منبه قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة وعن عكرمة في قوله "فقولا له قولا لينا" قال لا إله إلا الله وقال عمرو بن عبيد عن الحسن البصري "فقولا له قولا لينا" أعذرا إليه قولا له إن لك ربا ولك معادا لأن بين يديك جنة ونارا ; وقال بقية عن علي بن هارون عن رجل عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي في قوله "فقولا له قولا لينا" قال كنه وكذا روي عن سفيان الثوري كنه بأبي مرة والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع كما قال تعالى "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وقوله "لعله يتذكر أو يخشى" أي لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة أو يخشى أي يوجد طاعة من خشية ربه كما قال تعالى "لمن أراد أن يذكر" أو يخشى فالتذكر الرجوع عن المحذور والخشية تحصيل الطاعة وقال الحسن البصري "لعله يتذكر أو يخشى" يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ; وهاهنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل ويروى لأمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن

إسحاق :
وأنت الذي من فضل من ورحمة ... بعثت إلى موسى رسولا مناديا
فقلت له فاذهب وهارون فادعوا ... إلى الله فرعون الذي كان باغيا
فقولا له هل أنت سويت هذه ... بلا وتد حتى استقلت كما هيا
وقولا له آأنت رفعت هذه ... بلا عمد أرفق إذن بك بانيا
وقولا له آأنت سويت وسطها ... منيرا إذا ما جنه الليل هاديا
قولا له من يخرج الشمس بكرة ... فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا
وقولا له من ينبت الحب في الثرى ... فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منه حبه في رءوسه ... ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى (45)
قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى
يقول تعالى إخبارا عن موسى وهارون عليهما السلام إنهما قالا مستجيرين بالله تعالى شاكيين إليه إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى يعنيان أن يبدر إليهما بعقوبة أو يعتدي عليهما فيعاقبهما وهما لا يستحقان منه ذلك .
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن يفرط يعجل وقال مجاهد يبسط علينا وقال الضحاك عن ابن عباس أو أن يطغى : يعتدي .
قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى (46)
قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى
"قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى" أي لا تخافا منه فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه وأرى مكانكما ومكانه لا يخفى علي من أمركم شيء واعلما أن

ناصيته بيدي فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما بعث الله عز وجل موسى إلى فرعون فقال رب أي شيء أقول قال قل هيا شراهيا قال الأعمش فسر ذلك أنا الحي قبل كل شيء والحي بعد كل شيء إسناده جيد وشيء غريب .
فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى (47)
فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى
"فأتياه فقولا إنا رسولا ربك" قد تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس أنه قال مكثا على بابه حينا لا يؤذن لهما حتى أذن لهما بعد حجاب شديد وذكر محمد بن إسحاق بن يسار أن موسى وأخاه هارون خرجا فوقفا بباب فرعون يلتمسان الإذن عليه وهما يقولان إنا رسولا رب العالمين فآذنوا بنا هذا الرجل فمكثا فيما بلغني سنتين يغدوان ويروحان لا يعلم بهما ولا يجترئ أحد على أن يخبره بشأنهما حتى دخل عليه بطال له يلاعبه ويضحكه فقال له أيها الملك إن على بابك رجلا يقول قولا عجيبا يزعم أن له إلها غيرك أرسله إليك قال ببابي ؟ قال نعم قال أدخلوه فدخل ومعه أخوه هارون وفي يده عصا فلما وقف على فرعون قال إني رسول رب العالمين فعرفه فرعون وذكر السدي أنه لما قدم بلاد مصر ضاف أمه وأخاه وهما لا يعرفانه وكان طعامهما ليلتئذ الطفيل وهو اللفت ثم عرفاه وسلما عليه فقال له موسى يا هارون إن ربي قد أمرني أن آتي هذا الرجل فرعون فأدعوه إلى الله وأمرك أن تعاونني قال افعل ما أمرك ربك فذهبا وكان ذلك ليلا فضرب موسى باب القصر بعصاه فسمع فرعون فغضب وقال من يجترئ على هذا الصنيع الشديد فأخبره السدنة والبوابون بأن هاهنا رجلا مجنونا يقول إنه رسول الله فقال علي به فلما وقفا بين يديه قالا وقال لهما

ما ذكر الله في 2?تابه وقوله "قد جئناك بآية من ربك" أي بدلالة ومعجزة من ربك والسلام على من اتبع الهدى أي والسلام عليك إن اتبعت الهدى ولهذا لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم كتابا كان أوله "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين" وكذلك لما كتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا صورته من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك أما بعد فإني قد أشركتك في الأمر فلك المدر ولي الوبر ولكن قريش قوم يعتدون.
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم "من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" ولهذا قال موسى وهارون عليهما السلام لفرعون .
إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى (48)
إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى
"إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى" أي قد أخبرنا الله فيما أوحاه إلينا من الوحي المعصوم أن العذاب متحمض لمن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته كما قال تعالى "فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى" وقال تعالى "فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى" وقال تعالى "فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى" أي كذب بقلبه وتولى بفعله .

قال فمن ربكما يا موسى (49)
قال فمن ربكما يا
يقول تعالى مخبرا عن فرعون أنه قال لموسى منكرا وجود الصانع الخالق إله كل شيء وربه ومليكه "قال فمن ربكما يا موسى" أي الذي بعثك وأرسلك من هو فإني لا أعرفه وما علمت لكم من إله غيري .
قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى (50)
قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
قوله "أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" قال أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه ولم يجعل للإنسان من خلق الدابة ولا للدابة من خلق الكلب ولا للكلب من خلق الشاة وأعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح وهيأ كل شيء على ذلك ليس شيء منها يشبه شيئا من أفعاله في الخلق والرزق والنكاح وقال بعض المفسرين أعطى كل شيء خلقه ثم هدى كقوله تعالى "الذي قدر فهدى" أي قدر قدرا وهدى الخلائق إليه أي كتب الأعمال والآجال

والأرزاق ثم الخلائق ماشون على ذلك لا يحيدون عنه ولا يقدر أحد على الخروج يقول ربنا الذي خلق الخلق وقدر القدر وجبل الخليقة على ما أراد .
قال فما بال القرون الأولى (51)
قال فما بال القرون الأولى
"قال فما بال القرون الأولى" أصح الأقوال في معنى ذلك أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى شرع يحتج بالقرون الأولى أي الذين لم يعبدوا الله أي فما بالهم إذا كان الأمر كذلك لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره .
قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى (52)
قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى
فقال له موسى في جواب ذلك هم وإن لم يعبدوه فإن عملهم عند الله مضبوط عليهم وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمار "لا يضل ربي ولا ينسى" أي لا يشذ عنه شيء ولا يفوته صغير ولا كبير ولا ينسى شيئا يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط وأنه لا ينسى شيئا تبارك وتعالى وتقدس وتنزه فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان أحدهما عدم الإحاطة بالشيء والآخر نسيانه بعد علمه فنزه نفسه عن ذلك .
الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى (53)
الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى
هذا من تمام كلام موسى فيما وصف به ربه عز وجل حين سأله فرعون عنه فقال الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ثم اعترض الكلام بين ذلك ثم قال الذي جعل لكم الأرض مهدا وفي قراءة بعضهم مهدا أي قرارا تستقرون عليها وتقومون وتنامون عليها وتسافرون على ظهرها وسلك لكم فيها سبلا أي جعل لكم طرقا تمشون في مناكبها كما قال تعالى "وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون" "وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات"

شتى "أي من أنواع النباتات من زروع وثمار ومن حامض وحلو ومر وسائر الأنواع ."
كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى (54)
كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى
"كلوا وارعوا أنعامكم" أي شيء لطعامكم وفاكهتكم وشيء لأنعامكم لأقواتها خضرا ويبسا إن في ذلك لآيات أي لدلالات وحجج وبراهين "لأولي النهى" أي لذوي العقول السليمة المستقيمة على أنه لا إله إلا الله ولا رب سواه .
منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى (55)
منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى
"منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" أي من الأرض مبدؤكم فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض وفيها نعيدكم أي وإليها تصيرون إذا متم وبليتم ومنها نخرجكم تارة أخرى يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا وهذه الآية كقوله تعالى "قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون" وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر جنازة فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر وقال منها خلقناكم ثم أخذ أخرى وقال وفيها نعيدكم ثم أخرى وقال ومنها نخرجكم تارة أخرى .
ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى (56)
ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى
وقوله "ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى" يعني فرعون أنه قامت عليه الحجج والآيات والدلالات وعاين ذلك وأبصره فكذب بها وأباها كفرا وعنادا وبغيا كما قال تعالى "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا" الآية .
قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى (57)
قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا

يقول تعالى مخبرا عن فرعون أنه قال لموسى حين أراه الآية الكبرى وهي إلقاء عصاه فصارت ثعبانا عظيما ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء فقال هذا سحر جئت به لتسحرنا وتستولي به على الناس فيتبعونك وتكاثرنا بهم ولا يتم هذا معك .
فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى (58)
فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى
فإن عندنا سحرا مثل سحرك فلا يغرنك ما أنت فيه "فاجعل بيننا وبينك موعدا" أي يوما نجتمع نحن وأنت فيه فنعارض ما جئت به بما عندك من السحر في مكان معين ووقت معين .
قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى (59)
قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى
فعند ذلك "قال" لهم موسى "موعدكم يوم الزينة" وهو يوم عيدهم وتفرغهم من أعمالهم واجتماع جميعهم ليشاهد الناس قدرة الله على ما يشاء ومعجزات الأنبياء وبطلان معارضة السحر لخوارق العادات النبوية ولهذا قال "وأن يحشر الناس" أي جميعهم "ضحى" أي ضحوة من النهار ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح وهكذا شأن الأنبياء كل أمرهم بين واضح ليس فيه خفاء ولا ترويج ولهذا لم يقل ليلا ولكن نهارا ضحى قال ابن عباس وكان يوم الزينة يوم عاشوراء وقال السدي وقتادة وابن زيد كان يوم عيدهم وقال سعيد بن جبير كان يوم سوقهم ولا منافاة قلت وفي مثله أهلك الله فرعون وجنوده كما ثبت في الصحيح وقال وهب بن منبه قال فرعون يا موسى اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر فيه قال موسى لم أؤمر بهذا إنما أمرت بمناجزتك إن أنت لم تخرج دخلت إليك فأوحى


الله إلى موسى أن اجعل بينك وبينه أجلا وقل له أن يجعل هو قال فرعون اجعله إلى أربعين يوما ففعل وقال مجاهد وقتادة مكانا سوى منصفا وقال السدي عدلا وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم مكانا سوى مستو بين الناس وما فيه لا يكون صوت ولا شيء يتغيب بعض ذلك عن بعض مستو حين يرى .
فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى (60)
فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى
يقول تعالى مخبرا عن فرعون أنه لما تواعد هو وموسى إلى وقت ومكان معلومين تولى أي شرع في جمع السحرة من مدائن مملكته كل من ينسب إلى السحر في ذلك الزمان وقد كان السحر فيهم كثيرا نافقا جدا كما قال تعالى "وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم" ثم أتي أي اجتمع الناس لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة وجلس فرعون على سرير مملكته واصطف له أكابر دولته ووقفت الرعايا يمنة ويسرة وأقبل موسى متوكئا على عصاه ومعه أخوه هارون ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفا وهو يحرضهم ويحثهم ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم ويتمنون عليه وهو يعدهم ويمنيهم يقولون "أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين" .
قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى (61)
قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى
"قال موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا" أي لا تخيلوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها وإنها مخلوقة وليست مخلوقة فتكونون قد كذبتم على الله فيسحتكم بعذاب أي يهلككم بعقوبة هلاكا لا بقية له "فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى" أي يهلككم بعقوبة هلاكا لا بقية له .
فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى (62)
فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى

قيل معناه أنهم تشاجروا فيما بينهم فقائل يقول ليس هذا بكلام ساحر إنما هذا كلام نبي وقائل يقول بل هو ساحر وقيل غير هذا والله أعلم .
وقوله "وأسروا النجوى" أي تناجوا فيما بينهم .
قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى (63)
قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى
"قالوا إن هذان لساحران" وهذه لغة لبعض العرب جاءت هذه القراءة على إعرابها ومنهم من قرأ إن هذين لساحران وهذه اللغة المشهورة وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم : تعلمون أن هذا الرجل وأخاه - يعنون موسى وهارون - ساحران عالمان خبيران بصناعة السحر يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس وتتبعهما العامة ويقاتلا فرعون وجنوده فينصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم وقوله "ويذهبا بطريقتكم المثلى" أي ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر فإنهم كانوا معظمين بسببها لهم أموال وأرزاق عليها يقولون إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض وتفردا بذلك وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم وقد تقدم في حديث الفتون أن ابن عباس قال في قوله "ويذهبا بطريقتكم المثلى" يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله ويذهبا بطريقتكم المثلى قال يصرفان وجوه الناس إليهما وقال مجاهد ويذهبا بطريقتكم المثلى قال أولو الشرف والعقل والأسنان.
وقال أبو صالح بطريقتكم المثلى أشرافكم وسرواتكم وقال عكرمة بخيركم وقال قتادة وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل وكانوا أكثر القوم عددا وأموالا فقال عدو الله يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما وقال عبد الرحمن بن زيد بطريقتكم المثلى بالذي أنتم عليه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #346  
قديم 07-12-2025, 02:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة طه
من صـ 349 الى صــ 363
الحلقة (346)









فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى (64)
فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى
وقوله "فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا" أي اجتمعوا كلكم صفا واحدا
وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة لتبهروا الأبصار وتغلبوا هذا وأخاه وقد أفلح اليوم من استعلى أي منا ومنه أما نحن فقد وعدنا هذا الملك العطاء الجزيل وأما هو فينال الرياسة العظيمة .
قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى (65)
قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من
يقول تعالى مخبرا عن السحرة حين توافقوا هم وموسى عليه السلام أنهم قالوا لموسى "إما أن تلقي" أي أنت أولا .
قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (66)
قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى
"قال بل ألقوا" أي أنتم أولا لنرى ماذا تصنعون من السحر وليظهر للناس جلية أمرهم "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" وفي الآية الأخرى أنهم لما ألقوا "قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون" وقال تعالى "سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم" وقال هاهنا "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها وإنما كانت حيلة وكانوا جما غفيرا وجمعا كثيرا فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضا .
فأوجس في نفسه خيفة موسى (67)
فأوجس في نفسه خيفة موسى
وقوله "فأوجس في نفسه خيفة موسى" أي خاف على الناس أن يفتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ألق ما في يمينك يعني عصاك فإذا هي تلقف ما صنعوا وذلك أنها صارت تنينا عظيما هائلا ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهرة نهارا ضحوة فقامت المعجزة واتضح البرهان ووقع الحق وبطل السحر .
قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى (68)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى (69)
وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى
"إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن موسى الشيباني حدثنا حماد بن خالد حدثنا ابن معاذ - أحسبه الصائغ - عن الحسن عن جندب بن عبد الله البجلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أخذتم - يعني الساحر - فاقتلوه ثم قرأ" ولا يفلح الساحر حيث أتى "قال لا يؤمن حيث وجد" وقد روى أصله الترمذي موقوفا ومرفوعا فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل وأنه حق لا مرية فيه ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء كن فيكون فعند ذلك وقعوا سجدا لله وقالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ولهذا قال ابن عباس وعبيد بن عمير : كانوا أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء بررة وقال محمد بن كعب كانوا ثمانين ألفا وقال القاسم بن أبي بزة كانوا سبعين ألفا وقال السدي بضعة وثلاثين ألفا وقال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفا وقال محمد بن إسحاق كانوا خمسة عشر ألفا
وقال كعب الأحبار كانوا اثني عشر ألفا وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن علي ابن حمزة حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس كانت السحرة سبعين رجلا أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا المسيب بن واضح بمكة حدثنا ابن المبارك قال : قال الأوزاعي لما خر السحرة سجدا رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها .
فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى (70)
فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى
قال وذكر عن سعيد بن سلام حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سلمان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قوله "ألقي السحرة سجدا" قال رأوا منازلهم تبين لهم وهم في سجودهم وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة .
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى (71)
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى
يقول تعالى مخبرا عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم وغلب كل الغلب شرع في المكابرة والبهت وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة فتهددهم وتوعدهم وقال آمنتم له أي صدقتموه قبل أن آذن لكم أي وما أمرتكم بذلك وافتتنتم علي في ذلك وقال قولا يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بهت وكذب "إنه لكبيركم الذي علمكم السحر" أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى واتفقتم أنتم وإياه علي وعلى رعيتي لتظهروه كما قال تعالى في الآية الأخرى "إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون" ثم أخذ يهددهم فقال لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل أي لأجعلنكم مثلة ولأقتلنكم ولأشهرنكم
قال ابن عباس فكان أول من فعل ذلك رواه ابن أبي حاتم وقوله ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى أي أنتم تقولون إني وقومي على ضلالة وأنتم مع موسى وقومه على الهدى فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل .
قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا (72)
قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا
و "قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات" أي لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين "والذي فطرنا" يحتمل أن يكون قسما ويحتمل أن يكون معطوفا على البينات يعنون لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم المبتدي خلقنا من الطين فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت فاقض ما أنت قاض أي فافعل ما شئت وما وصلت إليه يدك إنما تقضي هذه الحياة الدنيا أي إنما لك تسلط في هذه الدار وهي دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار .
إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى (73)
إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى
"إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا" أي ما كان منا من الآثام خصوصا ما أكرهتنا عليه من السحر لتعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى وما أكرهتنا عليه من السحر قال أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يعلموا السحر بالفرماء وقال علموهم تعليما لا يعلمه أحد في الأرض قال ابن عباس فهم من الذين آمنوا بموسى وهم من الذين قالوا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقوله "والله خير وأبقى" أي خير لنا منك وأبقى أي أدوم ثوابا مما كنت وعدتنا ومنيتنا وهو رواية عن ابن إسحاق رحمه الله وقال محمد بن كعب القرظي والله خير أي لنا منك إن أطيع
وأبقى أي منك عذابا إن عصي وروي نحوه عن ابن إسحاق أيضا والظاهر أن فرعون لعنه الله صمم على ذلك وفعله بهم رحمة لهم من الله ولهذا قال ابن عباس وغيره من السلف أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء .
إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى (74)
إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا
الظاهر من السياق أن هذا من تمام ما وعظ به السحرة لفرعون يحذرونه من نقمة الله وعذابه الدائم السرمدي ويرغبونه في ثوابه الأبدي المخلد فقالوا إنه من يأت ربه مجرما أي يلقى الله يوم القيامة وهو مجرم فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا كقوله "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور" وقال "ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا وقال تعالى" ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون "وقال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس تصيبهم النار بذنوبهم فتميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة جيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة فيقال يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل "فقال رجل من القوم كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية"
وهكذا أخرجه مسلم في كتابه الصحيح من رواية شعبة وبشر بن المفضل كلاهما عن أبي سلمة سعيد بن يزيد به وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا أبي حدثنا حبان سمعت سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية "إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا" قال النبي صلى الله عليه وسلم "أما أهلها الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون وأما الذين ليسوا من أهلها فإن النار تمسهم ثم يقوم الشفعاء فيشفعون فتجعل الضبائر فيؤتى بهم نهرا يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما ينبت العشب في حميل السيل" .
ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا (75)
ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا
وقوله تعالى "ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات" أي ومن لقي ربه يوم المعاد مؤمن القلب قد صدق ضميره بقوله وعمله "فأولئك لهم الدرجات العلى" أي الجنة ذات الدرجات العاليات والغرف الآمنات والمساكن الطيبات .
قال الإمام أحمد حدثنا عفان أنبأنا همام حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومنها تخرج الأنهار الأربعة والعرش فوقها فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس" ورواه الترمذي من حديث يزيد بن هارون عن همام به وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي أخبرنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال كان يقال الجنة مائة درجة في كل درجة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فيهن الياقوت والحلي في كل درجة أمير يرون له الفضل والسودد
وفي الصحيحين "إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء لتفاضل ما بينهم - قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء قال - بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" وفي السنن إن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما .
جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى (76)
جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى
وقوله "جنات عدن" أي إقامة وهي بدل من الدرجات العلى "تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" أي ماكثين أبدا "وذلك جزاء من تزكى" أي طهر نفسه من الدنس والخبث والشرك وعبد الله وحده لا شريك له واتبع المرسلين فيما جاءوا به من خير وطلب .
ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى (77)
ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى
يقول تعالى مخبرا أنه أمر موسى حين أبى فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل أن يسري بهم في الليل ويذهب بهم من قبضة فرعون وقد بسط الله هذا المقام في غير هذه السورة الكريمة وذلك أن موسى لما خرج ببني إسرائيل أصبحوا وليس منهم بمصر لا داع ولا مجيب فغضب فرعون غضبا شديدا وأرسل في المدائن حاشرين أي من يجمعون له الجند من بلدانه ورساتيقه يقول إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون ثم لما جمع جنده واستوثق له جيشه ساق في طلبهم فأتبعوهم مشرقين أي عند طلوع الشمس فلما تراءى الجمعان أي نظر كل من
الفريقين إلى الآخر قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهديني ووقف موسى ببني إسرائيل البحر أمامهم وفرعون وراءهم فعند ذلك أوحى الله إليه "فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا" فضرب البحر بعصاه وقال انفلق علي بإذن الله فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم أي الجبل العظيم فأرسل الله الريح على أرض البحر فلفحته حتى صار يابسا كوجه الأرض فلهذا قال "فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا" أي من فرعون "ولا تخشى" يعني من البحر أن يغرق قومك .
فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم (78)
فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم
قال تعالى "فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم" أي البحر ما غشيهم أي الذي هو معروف ومشهور وهذا يقال عند ال²?مر المعروف المشهور كما قال تعالى { والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى } وقال الشاعر :
أنا أبو النجم وشعري شعرى
أي الذي يعرف وهو مشهور وكما تقدمهم فرعون فسلك بهم في اليم فأضلهم وما هداهم إلى سبيل الرشاد كذلك يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود .
وأضل فرعون قومه وما هدى (79)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى (80)
يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن
يذكر تعالى نعمه على بني إسرائيل العظام ومننه الجسام حيث أنجاهم من عدوهم فرعون وأقر أعينهم منه وهم ينظرون إليه وإلى جنده قد غرقوا في صبيحة واحدة لم ينج منهم أحد كما قال "وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون" وقال البخاري حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة
حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء فسألهم فقالوا هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى على فرعون فقال "نحن أولى بموسى فصوموه" رواه مسلم أيضا في صحيحه ثم إنه تعالى واعد موسى وبني إسرائيل بعد هلاك فرعون إلى جانب الطور الأيمن وهو الذي كلمه الله تعالى عليه وسأل فيه الرؤية وأعطاه التوراة هنالك وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن والسلوى فقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة وغيرها فالمن حلوى كانت تنزل عليه من السماء والسلوى طائر يسقط عليهم فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد لطفا من الله ورحمة بهم وإحسانا إليهم .
كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى (81)
كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى
قال تعالى "كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي" أي كلوا من هذا الرزق الذي رزقتكم ولا تطغوا في رزقي فتأخذوه من غير حاجة وتخالفوا ما أمرتكم به فيحل عليكم غضبي أي أغضب عليكم ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي فقد شقي وقال شفي بن مانع إن في جهنم قصرا يرمى الكافر من أعلاه فيهوي في جهنم أربعين خريفا قبل أن يبلغ الصلصال وذلك قوله "ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى" رواه ابن أبي حاتم .
وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى (82)
وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى
وقوله "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا" أي كل من تاب إلي تبت عليه من أي ذنب كان حتى إنه تاب تعالى على من عبد العجل من بني إسرائيل وقوله تعالى "تاب" أي رجع عما كان فيه من كفر أو شرك أو معصية أونفاق
وقوله "وآمن" أي بقلبه "وعمل صالحا" أي بجوارحه وقوله "ثم اهتدى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي ثم لم يشكك وقال سعيد بن جبير "ثم اهتدى" أي استقام على السنة والجماعة وروي نحوه عن مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف وقال قتادة "ثم اهتدى" أي لزم الإسلام حتى يموت وقال سفيان الثوري "ثم اهتدى" أي علم أن لهذا ثوابا وثم هاهنا لترتيب الخبر على الخبر كقوله "ثم كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات" .
وما أعجلك عن قومك يا موسى (83)
وما أعجلك عن قومك يا
لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون وأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا "يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون" وواعده ربه ثلاثين ليلة ثم أتبعها عشرا فتمت أربعين ليلة أي يصومها ليلا ونهارا وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك فسارع موسى عليه السلام مبادرا إلى الطور واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون .
قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى (84)
قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى
لما سار موسى ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون وأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا "يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون" وواعده ربه ثلاثين ليلة ثم أتبعها عشرا فتمت أربعين ليلة أي يصومها ليلا ونهارا وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك فسارع موسى عليه السلام مبادرا إلى الطور واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون ولهذا قال تعالى "وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري" أي قادمون ينزلون قريبا من الطور .
قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري (85)
قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري
"قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري" أخبر تعالى نبيه موسى بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري .
وفي الكتب الإسرائيلية أنه كان اسمه هارون أيضا وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة كما قال تعالى "وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين" أي عاقبة الخارجين عن طاعتي المخالفين لأمري .
فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي (86)
فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم
وقوله "فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا" أي بعدما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم وفيها شرف لهم وهم قوم قد عبدوا غير الله ما يعلم كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه وسخافة عقولهم وأذهانهم ولهذا قال رجع إليهم غضبان أسفا والأسف شدة الغضب وقال مجاهد غضبان أسفا أي جزعا وقال قتادة والسدي أسفا حزينا على ما صنع قومه من بعده "قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا" أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله "أفطال عليكم العهد" أي في انتظار ما وعدكم الله ونسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم "أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم" أم هاهنا بمعنى بل وهي للإضراب عن الكلام الأول وعدول إلى الثاني كأنه يقول بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم "فأخلفتم موعدي" قالوا أي بنو إسرائيل في جواب ما أنبهم موسى وقرعهم .
قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري (87)
قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري
"ما أخلفنا موعدك بملكنا" أي عن قدرتنا واختيارنا ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوا من مصر فقذفناها أي ألقيناها عنا وقد تقدم في حديث الفتون أن هارون هو الذي كان أمرهم بإلقاء الحلي في حفرة فيها نار
وهي في رواية السدي عن أبي مالك عن ابن عباس إنما أراد هارون أن يجتمع الحلي كله في تلك الحفيرة ويجعل حجرا واحدا حتى إذا رجع موسى رأى فيه ما يشاء ثم جاء ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول وسأل من هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوة فدعا له هارون وهو لا يعلم ما يريد فأجيب له فقال السامري عند ذلك أسأل الله أن يكون عجلا فكان عجلا له خوار أي صوت استدراجا وإمهالا ومحنة واختبارا.
فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي (88)
فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي
قال "فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار" وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبادة بن البختري حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن هارون مر بالسامري وهو ينحت العجل فقال له ما تصنع فقال أصنع ما يضر ولا ينفع فقال هارون اللهم أعطه ما سأل على ما في نفسه ومضى هارون وقال السامري اللهم إني أسألك أن يخور فخار فكان إذا خار سجدوا له وإذا خار رفعوا رءوسهم .
ثم رواه من وجه آخر عن حماد وقال أعمل ما ينفع ولا يضر وقال السدي كان يخور ويمشي فقالوا أي الضلال منهم الذين افتتنوا بالعجل وعبدوه هذا إلهكم وإله موسى فنسي "أي نسيه هاهنا وذهب يتطلبه كذا تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقال سماك عن عكرمة عن ابن عباس فنسي أي نسي أن يذكركم أن هذا إلهكم وقال محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فقال هذا إلهكم وإله موسى قال فعكفوا عليه وأحبوه حبا لم يحبوا شيئا قط يعني مثله يقول الله فنسي أي ترك ما كان عليه من الإسلام يعني السامري قال الله تعالى ردا عليهم وتقريعا لهم وبيانا لفضيحتهم وسخافة عقولهم فيما ذهبوا إليه ."
أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا (89)
أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا
"أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا" أي العجل أفلا يرون أنه لا يجيبهم إذا سألوه ولا إذا خاطبوه ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا أي في دنياهم ولا في أخراهم
قال ابن عباس رضي الله عنهما لا والله ما كان خواره إلا أن يدخل الريح في دبره فيخرج من فمه فيسمع له صوت وقد تقدم في حديث الفتون عن الحسن البصري أن هذا العجل اسمه بهموت وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم وعبدوا العجل فتورعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب يعني هل يصلي فيه أم لا فقال ابن عمر رضي الله عنهما انظروا إلى أهل العراق قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الحسين وهم يسألون عن دم البعوضة .
ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري (90)
ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا
يخبر تعالى عما كان من نهي هارون لهم عن عبادتهم العجل وإخباره إياهم إنما هذا فتنة لكم وإن ربكم الرحمن الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا ذو العرش المجيد الفعال لما يريد "فاتبعوني وأطيعوا أمري" أي فيما آمركم به واتركوا ما أنهاكم عنه .
قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى (91)
قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى
"قالوا لن نبرج عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى" أي لا نترك عبادته حتى نسمع كلام موسى فيه وخالفوا هارون في ذلك وحاربوه وكادوا أن يقتلوه .
قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا (92)
قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم
يخبر تعالى عن موسى عليه السلام حين رجع إلى قومه فرأى ما قد حدث فيهم من الأمر العظيم فامتلأ عند ذلك غضبا وألقى ما كان في يده من الألواح الإلهية وأخذ برأس أخيه يجره إليه وقد قدمنا في سورة الأعراف بسط ذلك وذكرنا هناك حديث "ليس الخبر كالمعاينة" وشرع يلوم أخاه هارون فقال ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أي فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع أفعصيت أمري أي فيما كنت قدمت إليك وهو قوله اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين قال يا ابن أم ترفق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه لأن ذكر الأم هاهنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ولهذا قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي الآية.
هذا اعتذار من هارون عند موسى في سبب تأخره عنه حيث لم يلحقه فيخبره بما كان من هذا الخطب الجسيم قال إني خشيت أن أتبعك فأخبرك بهذا فتقول لي لم تركتهم وحدهم وفرقت بينهم ولم ترقب قولي أي وما راعيت ما أمرتك به حيث استخلفتك فيهم قال ابن عباس وكان هارون هائبا مطيعا له .
ألا تتبعن أفعصيت أمري (93)
ألا تتبعني أفعصيت أمري
يخبر تعالى عن موسى عليه السلام حين رجع إلى قومه فرأى ما قد حدث فيهم من الأمر العظيم فامتلأ عند ذلك غضبا وألقى ما كان في يده من الألواح الإلهية وأخذ برأس أخيه يجره إليه وقد قدمنا في سورة الأعراف بسط ذلك وذكرنا هناك حديث "ليس الخبر كالمعاينة" وشرع يلوم أخاه هارون فقال ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أي فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع أفعصيت أمري أي فيما كنت قدمت إليك وهو قوله اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين قال يا ابن أم ترفق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه لأن ذكر الأم هاهنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ولهذا قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي الآية.
هذا اعتذار من هارون عند موسى في سبب تأخره عنه حيث لم يلحقه فيخبره بما كان من هذا الخطب الجسيم قال إني خشيت أن أتبعك فأخبرك بهذا فتقول لي لم تركتهم وحدهم وفرقت بينهم ولم ترقب قولي أي وما راعيت ما أمرتك به حيث استخلفتك فيهم قال ابن عباس وكان هارون هائبا مطيعا له .
قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي (94)
قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم
يخبر تعالى عن موسى عليه السلام حين رجع إلى قومه فرأى ما قد حدث فيهم من الأمر العظيم فامتلأ عند ذلك غضبا وألقى ما كان في يده من الألواح الإلهية وأخذ برأس أخيه يجره إليه وقد قدمنا في سورة الأعراف بسط ذلك وذكرنا هناك حديث "ليس الخبر كالمعاينة" وشرع يلوم أخاه هارون فقال ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أي فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع أفعصيت أمري أي فيما كنت قدمت إليك وهو قوله اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين قال يا ابن أم ترفق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه لأن ذكر الأم هاهنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ولهذا قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي الآية.
هذا اعتذار من هارون عند موسى في سبب تأخره عنه حيث لم يلحقه فيخبره بما كان من هذا الخطب الجسيم قال إني خشيت أن أتبعك فأخبرك بهذا فتقول لي لم تركتهم وحدهم وفرقت بينهم ولم ترقب قولي أي وما راعيت ما أمرتك به حيث استخلفتك فيهم قال ابن عباس وكان هارون هائبا مطيعا له .
قال فما خطبك يا سامري (95)
قال فما خطبك يا
يقول موسى عليه السلام للسامري ما حملك على ما صنعت وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت
قال محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان السامري رجلا من أهل باجرما وكان من قوم يعبدون البقر وكان حب عبادة البقر في نفسه وكان قد أظهر الإسلام مع بني إسرائيل وكان اسمه موسى بن ظفر وفي رواية عن ابن عباس أنه كان من كرمان وقال قتادة كان من قرية سامرا .
قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي (96)
قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي
"قال بصرت بما لم يبصروا به" أي رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون فقبضت قبضة من أثر الرسول أي من أثر فرسه هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين أو أكثرهم وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عمار بن الحارث أخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن السدي عن أبي بن عمارة عن علي رضي الله عنه قال إن جبريل لما نزل فصعد بموسى إلى السماء بصر به السامري من بين الناس فقبض قبضة من أثر الفرس قال : وحمل جبريل موسى خلفه حتى إذا دنا من باب السماء صعد وكتب الله الألواح وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح فلما أخبره أن قومه قد فتنوا من بعده قال نزل موسى فأخذ العجل فأحرقه غريب وقال مجاهد فقبضت قبضة من أثر الرسول قال من تحت حافر فرس جبريل قال والقبضة ملء الكف والقبضة بأطراف الأصابع قال مجاهد نبذ السامري أي ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل فانسبك عجلا جسدا له خوار حفيف الريح فيه فهو خواره وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن يحيى أخبرنا علي بن المديني حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عمارة حدثنا عكرمة أن السامري رأى الرسول فألقي في روعه أنك إن أخذت من أثر هذا الفرس قبضة فألقيتها في شيء فقلت له كن فكان فقبض قبضة من أثر الرسول فيبست أصابعه على القبضة فلما ذهب موسى للميقات وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حلي آل فرعون فقال لهم السامري إنما أصابكم من أجل هذا الحلي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #347  
قديم 07-12-2025, 02:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة طه
من صـ 364 الى صــ 389
الحلقة (347)









فاجمعوا فجمعوه فأوقدوا عليه فذاب فرآه السامري فألقي في روعه أنك لو قذفت هذه القبضة في هذه فقلت كن فكان فقذف القبضة وقال كن فكان عجلا جسدا له خوار فقال هذا إلهكم وإله موسى ولهذا قال فنبذتها أي ألقيتها مع من ألقى وكذلك سولت لي نفسي أي حسنته وأعجبها إذ ذاك .
قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا (97)
قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا
قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس "أي كما أخذت ومسست ما لم يكن لك أخذه ومسه من أثر الرسول فعقوبتك في الدنيا أن تقول لا مساس أي لا تماس الناس ولا يمسونك وإن لك موعدا أي يوم القيامة لن تخلفه أي لا محيد لك عنه وقال قتادة أن تقول لا مساس قال عقوبة لهم وبقاياهم اليوم يقولون لا مساس ."
وقوله "وإن لك موعدا لن تخلفه" قال الحسن وقتادة وأبو نهيك لن تغيب عنه وقوله وانظر إلى إلهك أي معبودك "الذي ظلت عليه عاكفا" أي أقمت على عبادته يعني العجل لنحرقنه قال الضحاك عن ابن عباس والسدي سحله بالمبارد وألقاه على النار وقال قتادة استحال العجل من الذهب لحما ودما فحرقه بالنار ثم ألقى رماده في البحر ولهذا قال ثم لننسفنه في اليم نسفا وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن رجاء أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد الله وأبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال : إن موسى لما تعجل إلى ربه عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلي نساء بني إسرائيل ثم صوره عجلا قال فعمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد فبرده بها وهو على شط نهر فلم يشرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب فقالوا لموسى ما توبتنا ؟ قال يقتل بعضكم بعضا

وهكذا قال السدي وقد تقدم في تفسير سورة البقرة ثم في حديث الفتون بسط ذلك .
إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما (98)
إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما
وقوله تعالى "إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما" يقول لهم موسى عليه السلام ليس هذا إلهكم إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو أي لا يستحق ذلك على العباد إلا هو ولا تنبغي العبادة إلا له فإن كل شيء فقير إليه عبد له وقوله وسع كل شيء علما نصب على التميز أي هو عالم بكل شيء أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا فلا يعزب عنه مثقال ذرة وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين والآيات في هذا كثيرة جدا .
كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا (99)
كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا
يقول تعالى لنبيه محمد كما قصصنا عليك خبر موسى وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع كذلك نقص عليك الأخبار الماضية كما وقعت من غير زيادة ولا نقص هذا وقد آتيناك من لدنا أي من عندنا ذكرا وهو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي لم يعط نبي من الأنبياء منذ بعثوا إلى أن ختموا بمحمد كتابا مثله ولا أكمل منه ولا أجمع لخبر ما سبق وخبر ما هو كائن وحكم الفصل بين الناس منه .
من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا (100)
من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا
قال تعالى "من أعرض عنه" أي كذب به وأعرض عن اتباعه أمرا وطلبا وابتغى الهدى من غيره فإن الله يضله ويهديه إلى سواء الجحيم ولهذا قال "من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا" أي

إثما كما قال تعالى "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم أهل الكتاب وغيرهم كما قال "لأنذركم به ومن بلغ" فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع فمن اتبعه هدي ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا والنار موعده يوم القيامة .
خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا (101)
خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا
قال "من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه" أي لا محيد لهم عنه ولا انفكاك "وساء لهم يوم القيامة حملا" أي بئس الحمل حملهم .
يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا (102)
يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا
ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصور فقال "قرن ينفخ فيه" وقد جاء في حديث الصور من رواية أبي هريرة أنه قرن عظيم الدائرة منه بقدر السماوات والأرض ينفخ فيه إسرافيل وجاء في الحديث "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وانتظر أن يؤذن له" فقالوا يا رسول الله كيف نقول ؟ قال "قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا" وقوله "ونحشر المجرمين يومئذ زرقا" قيل معناه زرق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال .


يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا (103)
يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا
"يتخافتون بينهم" قال ابن عباس يتساورون بينهم أي يقول بعضهم لبعض "إن لبثتم إلا عشرا" أي في الدار الدنيا لقد كان لبثكم فيها قليلا عشرة أيام أو نحوها .
نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما (104)
نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما
قال الله تعالى "نحن أعلم بما يقولون" أي في حال تناجيهم بينهم "إذ يقول أمثلهم طريقة" أي العاقل الكامل فيهم إن لبثتم إلا يوما أي لقصر مدة الدنيا في أنفسهم يوم المعاد لأن الدنيا كلها وإن تكررت أوقاتها وتعاقبت لياليها وأيامها وساعاتها كأنها يوم واحد ولهذا يستقصر الكافرون مدة الحياة الدنيا يوم القيامة وكان غرضهم في ذلك درء قيام الحجة عليهم لقصر المدة ولهذا قال تعالى "يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة" - إلى قوله - ولكنكم كنتم لا تعلمون "وقال تعالى" أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير "الآية وقال تعالى" كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون "أي إنما كان لبثكم فيها قليلا لو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف قدمتم الحاضر الفاني على الدائم الباقي ."
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا (105)
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا
يقول تعالى "ويسألونك عن الجبال" أي هل تبقى يوم القيامة أو تزول ؟ فقل ينسفها ربي نسفا أي يذهبها عن أماكنها ويمحقها ويسيرها تسييرا .
فيذرها قاعا صفصفا (106)
فيذرها قاعا صفصفا
"فيذرها" أي الأرض "قاعا صفصفا" أي بساطا واحدا والقاع هو المستوي من الأرض والصفصف تأكيد لمعنى ذلك وقيل الذي لا نبات فيه والأول أولى وإن كان الآخر مرادا أيضا باللازم .
لا ترى فيها عوجا ولا أمتا (107)
لا ترى فيها عوجا ولا أمتا
قال "لا ترى فيها عوجا ولا أمتا" لا ترى في الأرض يومئذ واديا ولا رابية ولا مكانا منخفضا ولا مرتفعا كذا قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن البصري والضحاك وقتادة

وغير واحد من السلف .
يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا (108)
يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا
"يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له" أي يوم يرون هذه الأحوال والأهوال يستجيبون مسارعين إلى الداعي حيثما أمروا بادروا إليه ولو كان هذا في الدنيا لكان أنفع لهم ولكن حيث لا ينفعهم كما قال تعالى "أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا" وقال "مهطعين إلى الداعي" وقال محمد بن كعب القرظي يحشر الله الناس يوم القيامة في ظلمة ويطوي السماء وتتناثر النجوم وتذهب الشمس والقمر وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه فذلك قوله "يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له" وقال قتادة لا عوج له لا يميلون عنه وقال أبو صالح لا عوج له لا عوج عنه وقوله وخشعت الأصوات للرحمن قال ابن عباس سكنت وكذا قال السدي فلا تسمع إلا همسا قال سعيد بن جبير عن ابن عباس يعني وطء الأقدام وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس وقتادة وابن زيد وغيرهم وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فلا تسمع إلا همسا الصوت الخفي وهو رواية عن عكرمة والضحاك وقال سعيد بن جبير فلا تسمع إلا همسا الحديث وسره ووطء الأقدام فقد جمع سعيد كلا القولين وهو محتمل أما وطء الأقدام فالمراد سعي الناس إلى المحشر وهو مشيهم في سكون وخضوع وأما الكلام الخفي فقد يكون في حال دون حال فقد قال تعالى "يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ."
يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا (109)
يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا
يقول تعالى يومئذ أي يوم القيامة لا تنفع الشفاعة أي عنده إلا

من أذن له الرحمن ورضي له قولا كقوله "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" وقوله "وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" وقال "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون" وقال "لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له" وقال "يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا" وفي الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم وأكرم الخلائق على الله عز وجل أنه قال "آتي تحت العرش وأخر لله ساجدا ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع واشفع تشفع - قال - فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود" فذكر أربع مرات صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء .
وفي الحديث أيضا "يقول تعالى أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان فيخرجوا خلقا كثيرا ثم يقول أخرجوا من النار من كان في قلبه نصف مثقال من إيمان أخرجوا من النار من كان في قلبه ما يزن ذرة من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان" الحديث .


يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما (110)
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما
"يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم" أي يحيط علما بالخلائق كلهم ولا يحيطون به علما كقوله "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ."
وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما (111)
وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما
وقوله "وعنت الوجوه للحي القيوم" قال ابن عباس وغير واحد خضعت وذلت واستسلمت الخلائق لجبارها الحي الذي لا يموت القيوم الذي لا ينام وهو قيم على كل شيء يدبره ويحفظه فهو الكامل في نفسه الذي كل شيء فقير إليه لا قوام له إلا به وقوله "وقد خاب من حمل ظلما" أي يوم القيامة فإن الله سيؤدي كل حق إلى صاحبه حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء وفي الحديث "يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم" وفي الصحيح "إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو به مشرك فإن الله تعالى يقول" إن الشرك لظلم عظيم "."
ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما (112)
ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما
وقوله "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما" لما ذكر الظالمين ووعيدهم ثنى بالمتقين وحكمهم وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك

والحسن وقتادة وغير واحد فالظلم الزيادة بأن يحمل عليه ذنب غيره والهضم النقص .
وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا (113)
وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا
يقول تعالى ولما كان يوم المعاد والجزاء بالخير والشر واقع لا محالة أنزلنا القرآن بشيرا ونذيرا بلسان عربي مبين فصيح لا لبس فيه ولا عي "وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون" أي يتركون المآثم والمحارم والفواحش أو يحدث لهم ذكرا وهو إيجاد الطاعة وفعل القربات فتعالى الله الملك الحق أي تنزه وتقدس الملك الحق الذي هو حق ووعده حق ووعيده حق ورسله حق والجنة حق والنار حق وكل شيء منه حق وعدله تعالى أن لا يعذب أحدا قبل الإنذار وبعثة الرسل والإعذار إلى خلقه لئلا يبقى لأحد حجة ولا شبهة وقوله "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه" كقوله تعالى في سورة لا أقسم بيوم القيامة "لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه" وثبت في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعالج من الوحي شدة فكان مما يحرك به لسانه فأنزل الله هذه الآية يعني أنه كان إذا جاءه جبريل بالوحي كلما قال جبريل آية قالها معه من شدة حرصه على حفظ القرآن فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه لئلا يشق عليه فقال لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه أي أن نجمعه في صدرك ثم تقرأه على الناس من غير


أن تنسى منه شيئا "فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه" .
فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما (114)
فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما
وقال في هذه الآية "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه" أي بل أنصت فإذا فرغ الملك من قراءته عليك فاقرأه بعده "وقل رب زدني علما" أي زدني منك علما قال ابن عيينة رحمه الله ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة حتى توفاه الله عز وجل ولهذا جاء في الحديث "إن الله تابع الوحي على رسوله حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقال ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال" وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عن عبد الله بن نمير به وقال غريب من هذا الوجه ورواه البزار عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي عاصم عن موسى بن عبيدة به وزاد في آخره وأعوذ بالله من حال أهل النار "."
ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (115)
ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما


قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أسباط بن محمد حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي وكذا رواه علي بن أبي طلحة عنه وقال مجاهد والحسن ترك .
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى (116)
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى
وقوله "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم" يذكر تعالى تشريف آدم وتكريمه وما فضله به على كثير ممن خلق تفضيلا وقد تقدم الكلام على هذه القصة في سورة البقرة وفي الأعراف في الحجر والكهف وسيأتي في آخر سورة ص يذكر تعالى فيها خلق آدم وأمره الملائكة بالسجود له تشريفا وتكريما ويبين عداوة إبليس لبني آدم ولأبيهم قديما ولهذا قال تعالى "فسجدوا إلا إبليس أبى" أي امتنع واستكبر .
فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى (117)
فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة
"فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك" يعني حواء عليهما السلام "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" أي إياك أن تسعى في إخراجك منها فتتعب وتعنى وتشقى في طلب رزقك فإنك هاهنا في عيش رغيد هنيء بلا كلفة ولا مشقة .
إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى (118)
إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى
"إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى" إنما قرن بين الجوع والعري لأن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر .
وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى (119)
وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى
"وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى" وهذان أيضا متقابلان فالظمأ حر الباطن وهو العطش والضحى حر الظاهر .


فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى (120)
فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا
وقوله "فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" قد تقدم أنه دلاهما بغرور وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين وقد تقدم أن الله تعالى عهد إلى آدم وزوجه أن يأكلا من كل الثمار ولا يقربا هذه الشجرة المعينة في الجنة فلم يزل بهما إبليس حتى أكلا منها وكانت شجرة الخلد يعني التي من أكل منها خلد ودام مكثه وقد جاء في الحديث ذكر شجرة الخلد فقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن أبي الضحى سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها وهي شجرة الخلد" ورواه الإمام أحمد .
فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى (121)
فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى
"فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما" قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن أشكاب حدثنا علي بن عاصم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه فأول ما بدا منه عورته فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة فأخذت شعره شجرة فنازعها فناداه الرحمن يا آدم مني تفر فلما سمع كلام الرحمن قال يا رب لا ولكن استحياء أرأيت إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة ؟ قال نعم" فذلك قوله "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه" وهذا منقطع بين الحسن وأبي بن كعب فلم يسمعه منه وفي رفعه نظر أيضا وقوله "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" قال مجاهد يرقعان كهيئة الثوب وكذا قال قتادة والسدي

وقال ابن أبي حاتم حدثنا جعفر بن عون حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن سعد بن جبير عن ابن عباس "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" قال ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوآتهما .
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (122)
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى
وقوله "وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى" قال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا أيوب بن النجار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "حاج موسى آدم فقال له أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم ؟ قال آدم يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره الله علي قبل أن يخلقني - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فحج آدم موسى" وهذا الحديث له طرق في الصحيحين وغيرهما من المسانيد .

وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني أنس بن عياض عن الحارث بن أبي ذئاب عن يزيد بن هرمز قال سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى قال موسى أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك ؟ قال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عام قال آدم فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى ؟ قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فحج آدم موسى" قال الحارث وحدثني عبد الرحمن بن هرمز بذلك عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى (123)
قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى
يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس اهبطوا منها جميعا أي من الجنة كلكم وقد بسطنا ذلك في سورة البقرة بعضكم لبعض عدو قال آدم وذريته وإبليس وذريته وقوله : فإما يأتينكم مني هدى قال أبو العالية : الأنبياء والرسل والبيان فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى قال ابن عباس لا يضل في الدنيا ولا
يشقى في الآخرة .
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124)
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى
"ومن أعرض عن ذكري" أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه فإن له معيشة ضنكا أي ضنك في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فإن له معيشة ضنكا قال الشقاء وقال العوفي عن ابن عباس فإن له معيشة ضنكا قال كلما أعطيته عبدا من عبادي قل أو كثر لا يتقيني فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة وقال أيضا إن قوما ضلالا أعرضوا عن الحق وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين فكانت معيشتهم ضنكا وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفا لهم معايشهم من سوء ظنهم بالله والتكذيب فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظن به والثقة به اشتدت عليه معيشته فذلك الضنك وقال الضحاك هو العمل السيئ والرزق الخبيث وكذا قال عكرمة ومالك بن دينار وقال سفيان بن عيينة عن أبي حازم عن أبي سلمة عن أبي سعيد في قوله

معيشة ضنكا قال يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه قال أبو حاتم الرازي : النعمان بن أبي عياض يكنى أبا سلمة وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان أنبأنا الوليد أنبأنا عبد الله بن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل "فإن له معيشة ضنكا" قال "ضمة القبر له" والموقوف أصح .
وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج أبو السمح عن ابن حجيرة واسمه عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "المؤمن في قبره في روضة خضراء ويفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له قبره كالقمر ليلة البدر أتدرون فيما أنزلت هذه الآية فإن له معيشة ضنكا أتدرون ما المعيشة الضنك ؟" قالوا الله ورسوله أعلم قال "عذاب الكافر في قبره والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا أتدرون ما التنين ؟ تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رءوس ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون" رفعه منكر جدا

وقال البزار حدثنا محمد بن يحيى الأزدي حدثنا ابن عمرو حدثنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل "فإن له معيشة ضنكا" قال المعيشة الضنك الذي قال الله إنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة .
وقال أيضا حدثنا أبو زرعة حدثنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن له معيشة ضنكا قال "عذاب القبر" إسناد جيد وقوله "ونحشره يوم القيامة أعمى" قال مجاهد وأبو صالح والسدي لا حجة له وقال عكرمة عمي عليه كل شيء إلا جهنم ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضا كما قال تعالى "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم" الآية .
قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا (125)
قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا
ولهذا يقول "رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا" أي في الدنيا .
قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (126)
قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى
"قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" فإن الجزاء من جنس العمل .
فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص وإن كان متوعدا عليه من جهة أخرى قاله قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك قال الإمام أحمد حدثنا خلف بن الوليد حدثنا خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعيد بن عبادة عن النبي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #348  
قديم 07-12-2025, 02:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة الأنبياء
من صـ 380 الى صــ 395
الحلقة (348)








صلى الله عليه وسلم قال : "ما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم" ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء .
وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى (127)
وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى
يقول تعالى وهكذا نجازي المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة "لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق" ولهذا قال "ولعذاب الآخرة أشد وأبقى" أي أشد ألما من عذاب الدنيا وأدوم عليهم فهم مخلدون فيه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين "إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" .
أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى (128)
أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى

يقول تعالى أفلم يهد لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به يا محمد كم أهلكنا من الأمم المكذبين بالرسل قبلهم فبادوا فليس لهم باقية ولا عين ولا أثر كما يشاهدون ذلك من ديارهم الخالية التي خلفوهم فيها يمشون فيها إن في ذلك لآيات لأولي النهى أي العقول الصحيحة والألباب المستقيمة كما قال تعالى "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" وقال في سورة الم السجدة "أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم" الآية .
ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى (129)
ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى
قال تعالى "ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى" أي لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه والأجل المسمى الذي ضربه الله تعالى لهؤلاء المكذبين إلى مدة معينة لجاءهم العذاب بغتة .
فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى (130)
فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى
ولهذا قال لنبيه مسليا له "فاصبر على ما يقولون" أي من تكذيبهم لك وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس يعني صلاة الفجر وقبل غروبها يعني صلاة العصر كما جاء في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ هذه الآية وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عمارة بن رؤيبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لن يلج النار أحد"
صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها "رواه مسلم من حديث عبد الملك بن عمير به وفي المسند والسنن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه مسيرة ألف سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه وإن أعلاهم منزلة لمن ينظر إلى الله تعالى في اليوم مرتين "وقوله" ومن آناء الليل فسبح "أي من ساعاته فتهجد به وحمله بعضهم على المغرب والعشاء" وأطراف النهار "في مقابلة آناء الليل" لعلك ترضى "كما قال تعالى" ولسوف يعطيك ربك فترضى "وفي الصحيح" يقول الله تعالى يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول إني أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا "وفي الحديث الآخر" يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم خيرا من النظر إليه وهي الزيادة "."
ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى (131)
ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه

ورزق ربك خير وأبقى
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور وقال مجاهد أزواجا منهم يعني الأغنياء فقد آتاك خيرا مما آتاهم كما قال في الآية الأخرى "ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك" وكذا ما ادخره الله تعالى لرسوله في الآخرة أمر عظيم لا يحد ولا يوصف كما قال تعالى "ولسوف يعطيك ربك فترضى" ولهذا قال "ورزق ربك خير وأبقى" وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المشربة التي كان قد اعتزل فيها نساءه حين آلى منهم فرآه متوسدا مضطجعا على رمال حصير وليس في البيت إلا صبرة من قرظ واهية معلقة فابتدرت عينا عمر بالبكاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما يبكيك يا عمر ؟" فقال يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه فقال "أوفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا" فكان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا مع القدرة عليها إذا حصلت له ينفقها هكذا وهكذا في عباد الله ولم يدخر لنفسه شيئا لغد

قال ابن أبي حاتم أنبأنا يونس أخبرني ابن وهب أخبرني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا" قالوا وما زهرة الدنيا يا رسول الله قال "بركات الأرض" وقال قتادة والسدي : زهرة الحياة الدنيا يعني زينة الحياة الدنيا وقال قتادة "لنفتنهم فيه" لنبتليهم .
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى (132)
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى
وقوله "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" أي استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة واصبر أنت على فعلها كما قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يبيت عنده أنا ويرفأ وكان له ساعة من الليل يصلي فيها فربما لم يقم فنقول لا يقوم الليلة كما كان يقوم وكان إذا استيقظ أقام يعني أهله وقال وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها وقوله لا نسألك رزقا نحن نرزقك يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب كما قال تعالى "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" وقال تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني" إلى قوله "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" ولهذا قال "لا نسألك رزقا نحن نرزقك" وقال الثوري لا نسألك رزقا أي لا نكلفك الطلب وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث عن

هشام عن أبيه أنه كان إذا دخل على أهل الدنيا فرأى من دنياهم طرفا فإذا رجع إلى أهله فدخل الدار قرأ "ولا تمدن عينيك - إلى قوله - نحن نرزقك" ثم يقول الصلاة الصلاة رحمكم الله وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطراني حدثنا سيار حدثنا جعفر عن ثابت قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه خصاصة نادى أهله "يا أهلاه صلوا صلوا" قال ثابت وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث عمران بن زائدة عن أبيه عن أبي خالد الوالبي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله تعالى يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك" وروى ابن ماجه من حديث الضحاك عن الأسود عن ابن مسعود سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول "من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله هم دنياه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك" وروي أيضا من حديث شعبة عن عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان
عن أبيه عن زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت"
الآخرة نيته جمع له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة "وقوله" والعاقبة للتقوى "أي وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة وهي الجنة لمن اتقى الله وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأنا أتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة وأن ديننا قد طاب "."
وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى (133)
وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى
يقول تعالى مخبرا عن الكفار في قولهم لولا أي هلا يأتينا محمد بآية من ربه أي بعلامة دالة على صدقه في أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى "أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى" يعني القرآن الذي أنزله عليه الله وهو أمي لا يحسن الكتابة ولم يدارس أهل الكتاب وقد جاء فيه أخبار الأولين بما كان منهم في سالف الدهور بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها فإن القرآن مهيمن عليها يصدق الصحيح ويبين خطأ المكذوب فيها وعليها وهذه الآية كقوله تعالى

في سورة العنكبوت "وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون" وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" وإنما ذكر هاهنا أعظم الآيات التي أعطيها عليه السلام وهو القرآن وإلا فله من المعجزات ما لا يحد ولا يحصر كما هو مودع في كتبه ومقرر في مواضعه .
ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى (134)
ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى
قال تعالى "ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا" أي لو أنا أهلكنا هؤلاء المكذبين قبل أن نرسل إليهم هذا الرسول الكريم وننزل عليهم هذا الكتاب العظيم لكانوا قالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا قبل أن تهلكنا حتى نؤمن به ونتبعه كما قال "فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى" يبين تعالى أن هؤلاء المكذبين متعنتون معاندون لا يؤمنون "ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" كما قال تعالى "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون - إلى قوله - بما كانوا يصدفون" وقال "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم" الآية وقال "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها" الآيتين .
قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى (135)
قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى
قال تعالى "قل" أي يا محمد لمن كذبك وخالفك واستمر على كفره وعناده "كل متربص" أي منا ومنكم "فتربصوا" أي فانتظروا "فستعلمون من أصحاب الصراط السوي" أي الطريق المستقيم "ومن اهتدى" إلى الحق وسبيل الرشد وهذا كقوله تعالى "وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا" وقال "سيعلمون غدا من الكذاب الأشر" .
آخر تفسير سورة طه ولله الحمد والمنة ويتلوه إن شاء الله تفسير سورة الأنبياء ولله الحمد .


سورة الأنبياء
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون (1)
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون
سورة الأنبياء : قال البخاري حدثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال "بنو إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء هن من العتاق الأول وهن من تلادي ."
هذا تنبيه من الله عز وجل على اقتراب الساعة ودنوها وأن الناس في غفلة عنها أي لا يعملون لها ولا يستعدون من أجلها وقال النسائي حدثنا أحمد بن نصر حدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم "في غفلة معرضون" قال "في الدنيا" وقال تعالى "أتى"

أمر الله فلا تستعجلوه "وقال" اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا "الآية وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانئ أبي نواس الشاعر أنه قال : أشعر الناس الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول :"
الناس في غفلاتهم ... ورحا المنية تطحن
فقيل له من أين أخذ هذا ؟ قال من قول الله تعالى "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" وروي في ترجمة عامر بن ربيعة من طريق موسى بن عبيد الآمدي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عامر ابن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا في العرب وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك فقال عامر لا حاجة لي في قطيعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار فقال .
ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون (2)
ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون
"ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" أي جديد إنزاله "إلا استمعوه وهم يلعبون" كما قال ابن عباس : ما لكم تسألون أهل الكتب عما بأيديهم , وقد حرفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرءونه محضا لم يشب رواه البخاري بنحوه .
لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون (3)
لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون
وقوله "وأسروا النجوى الذين ظلموا" أي قائلين فيما بينهم خفية "هل هذا إلا بشر مثلكم" يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبيا لأنه بشر مثلهم فكيف اختص بالوحي دونهم ولهذا قال "أفتأتون السحر وأنتم تبصرون" أي أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر , وهو يعلم أنه سحر فقال

تعالى مجيبا لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب .
قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم (4)
قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم
"قال ربي يعلم القول في السماء والأرض" أي الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله إلا الذي يعلم السر في السموات والأرض وقوله "وهو السميع العليم" أي السميع لأقوالكم العليم بأحوالكم وفي هذا تهديد لهم ووعيد .
بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون (5)
بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون
وقوله "بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه" هذا إخبار عن تعنت الكفار وإلحادهم واختلافهم فيما يصفون به القرآن وحيرتهم فيه وضلالهم عنه فتارة يجعلونه سحرا وتارة يجعلونه شعرا وتارة يجعلونه أضغاث أحلام وتارة يجعلونه مفترى كما قال "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا" وقوله "فليأتنا بآية كما أرسل الأولون" يعنون كناقة صالح وآيات موسى وعيسى وقد قال الله "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون" الآية .
ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون (6)
ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون
ولهذا قال تعالى "ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون" أي ما آتينا قرية من القرى الذين بعث فيهم الرسل آية على يدي نبيها فآمنوا بها بل كذبوا فأهلكناهم بذلك أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك ؟ كلا بل "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" هذا كله وقد شاهدوا من الآيات الباهرات والحجج القاطعات والدلائل البينات على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى وأبهر وأقطع وأقهر مما شوهد مع غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
قال ابن أبي حاتم رحمه الله ذكر عن زيد بن الحباب حدثنا ابن لهيعة حدثنا الحارث بن زيد الحضرمي عن علي ابن رباح اللخمي حدثني من شهد عبادة بن الصامت يقول : كنا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ بعض القرآن فجاء عبد الله بن أبي بن سلول ومعه نمرقة وزربية فوضع واتكأ وكان

صبيحا فصيحا جدلا فقال يا أبا بكر قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الأولون ؟ جاء موسى بالألواح وجاء داود بالزبور وجاء صالح بالناقة وجاء عيسى بالإنجيل وبالمائدة .
فبكى أبو بكر - رضي الله عنه - فخرج رسول - الله صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر قوموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نستغيث به من هذا المنافق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "إنه لا يقام لي إنما يقام لله عز وجل" فقلنا يا رسول الله : "إنا لقينا من هذا المنافق فقال :" إن جبريل قال لي اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك وفضيلته التي فضلت بها فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود وأمرني أن أنذر الجن وآتاني كتابه وأنا أمي وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر وذكر اسمي في الأذان وأمدني بالملائكة وآتاني النصر وجعل الرعب أمامي وآتاني الكوثر وجعل حوضي من أكثر الحياض يوم القيامة ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعو رءوسهم وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس وأدخل في شفاعتي سبعين ألفا من أمتي الجنة بغير حساب وآتاني السلطان والملك وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم فليس فوقي أحد إلا الملائكة الذين يحملون العرش وأحل لي ولأمتي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلنا "وهذا الحديث غريب جدا ."
وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (7)
وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
يقول تعالى رادا على من أنكر بعثة الرسل من البشر "وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم" أي جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالا من البشر لم يكن فيهم أحد من الملائكة كما قال في الآية الأخرى "وما أرسلنا قبلك إلا رجالا"

نوحي إليهم من أهل القرى "وقال تعالى" قل ما كنت بدعا من الرسل "وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم لأنهم أنكروا ذلك فقالوا" أبشر يهدوننا "ولهذا قال تعالى" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "أي اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف هل كان الرسل الذين آتوهم بشرا أو ملائكة وإنما كانوا بشرا وذلك من تمام نعمة الله على خلقه إذ بعث فيهم رسلا منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم ."
وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين (8)
وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين
وقوله "وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام" أي بل قد كانوا أجسادا يأكلون الطعام كما قال تعالى "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق" أي قد كانوا بشرا من البشر يأكلون ويشربون مثل الناس ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة وليس ذلك بضار لهم ولا ناقص منهم شيئا كما توهمه المشركون في قولهم "ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها" الآية وقوله "وما كانوا خالدين" أي في الدنيا بل كانوا يعيشون ثم يموتون "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد" وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عز وجل تنزل عليهم الملائكة عن الله بما يحكمه في خلقه مما يأمر به وينهى عنه .
ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين (9)
ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين
وقوله "ثم صدقناهم الوعد" أي الذي وعدهم ربهم ليهلكن الظالمين صدقهم الله وعده وفعل ذلك ولهذا قال "فأنجيناهم ومن نشاء" أي أتباعهم من المؤمنين "وأهلكنا المسرفين" أي المكذبين بما جاءت به الرسل .
لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون (10)
لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون

يقول تعالى منبها على شرف القرآن ومحرضا لهم على معرفة قدره "لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم" قال ابن عباس شرفكم وقال مجاهد حديثكم وقال الحسن دينكم "أفلا تعقلون" أي هذه النعمة وتتلقونها بالقبول كما قال تعالى "وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون" .
وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين (11)
وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين
وقوله "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة" هذه صيغة تكثير كما قال "وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح" وقال تعالى "وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها" الآية .
وقوله "وأنشأنا بعدها قوما آخرين" أي أمة أخرى بعدهم .
فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون (12)
فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون
"فلما أحسوا بأسنا" أي تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة كما وعدهم نبيهم "إذا هم منها يركضون" أي يفرون هاربين .
لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون (13)
لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون
"لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم" هذا تهكم بهم نزرا أي قيل لهم نزرا لا تركضوا هاربين من نزول العذاب وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور والمعيشة والمساكن الطيبة قال قتادة استهزاء بهم "لعلكم تسألون" أي عما كنتم فيه من أداء شكر النعم .
قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين (14)
قالوا يا ويلنا إنا كنا
"قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين" اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك .
فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين (15)
فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين
"فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين أي ما زالت تلك المقالة وهي الاعتراف بالظلم هجيراهم حتى حصدناهم حصدا وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودا ."

وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين (16)
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين
يخبر تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق أي بالعدل والقسط ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى والله لم يخلق ذلك عبثا ولا لعبا كما قال "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" .
لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين (17)
لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين
قوله تعالى "لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين" قال ابن أبي نجيح عن مجاهد "لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا" يعني من عندنا يقول وما خلقنا جنة ولا نارا ولا موتا ولا بعثا ولا حسابا وقال الحسن وقتادة وغيرهما "لو أردنا أن نتخذ لهوا" اللهو المرأة بلسان أهل اليمن وقال إبراهيم النخعي "لاتخذناه" من الحور العين وقال عكرمة والسدي : المراد باللهو ههنا الولد وهذا والذي قبله متلازمان وهو كقوله تعالى "لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار" فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقا ولا سيما عما يقولون من الإفك والباطل من اتخاذ عيسى أو العزير أو الملائكة "سبحان الله عما يقولون علوا كبيرا" وقوله "إن كنا فاعلين" قال قتادة والسدي وإبراهيم النخعي ومغيرة بن مقسم

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #349  
قديم 07-12-2025, 02:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة الأنبياء
من صـ 396 الى صــ 409
الحلقة (349)






أي ما كنا فاعلين وقال مجاهد : كل شيء في القرآن إن فهو إنكار .
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون (18)
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون
وقوله "بل نقذف بالحق على الباطل" أي نبين الحق فيدحض الباطل ولهذا قال "فيدمغه فإذ هو زاهق" أي ذاهب مضمحل "ولكم الويل" أي أيها القاتلون لله ولد "مما تصفون" أي تقولون وتفترون ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له ودأبهم في طاعته ليلا ونهارا .
وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون (19)
وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون
فقال "وله من في السموات والأرض ومن عنده" يعني الملائكة "لا يستكبرون عن عبادته" أي لا يستنكفون عنها كما قال "لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا" وقوله "ولا يستحسرون" أي لا يتعبون ولا يملون .
يسبحون الليل والنهار لا يفترون (20)
يسبحون الليل والنهار لا يفترون
"يسبحون الليل والنهار لا يفترون" فهم دائبون في العمل ليلا ونهارا مطيعون قصدا وعملا قادرون عليه كما قال تعالى "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم "هل تسمعون ما أسمع" قالوا ما نسمع من شيء .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "."
إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم " غريب ولم يخرجوه ثم رواه أعني ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن أبي زريع عن سعيد عن قتادة مرسلا وقال محمد بن إسحاق عن حسان بن مخارق عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام فقلت له أرأيت قول الله تعالى للملائكة "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل ."
فقال من هذا الغلام ؟ فقالوا من بني عبد المطلب قال فقبل رأسي ثم قال : يا بني إنه

جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس ؟ .
أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون (21)
أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون
ينكر تعالى على من اتخذ من دونه آلهة فقال : "أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون" أي أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض أي لا يقدرون على شيء من ذلك فكيف جعلوها لله ندا وعبدوها معه ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السموات والأرض .
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون (22)
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون
فقال "لو كان فيهما آلهة" أي في السموات والأرض "لفسدتا" كقوله تعالى "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون" وقال ههنا "فسبحان الله رب العرش عما يصفون" أي عما يقولون إن له ولدا أو شريكا سبحانه وتعالى وتقدس وتنزه عن الذي يفترون ويأفكون علوا كبيرا .
لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (23)
لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
وقوله "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" أي هو الحاكم الذي لا معقب لحكمه ولا يعترض عليه أحد لعظمته وجلاله وكبريائه وعلمه وحكمته وعدله ولطفه "وهم يسألون" أي وهو سائل خلقه عما يعملون كقوله "فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون" وهذا كقوله تعالى "وهو يجير ولا يجار عليه" .
أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون (24)
أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون
أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون

يقول تعالى "أم اتخذوا من دونه آلهة قل" يا محمد "هاتوا برهانكم" أي دليلكم على ما تقولون "هذا ذكر من معي" يعني القرآن "وذكر من قبلي" يعني الكتب المتقدمة على خلاف ما تقولونه وتزعمون فكل كتاب أنزل على كل نبي أرسل ناطق بأنه لا إله إلا الله ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق فأنتم معرضون عنه ولهذا .
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (25)
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون
قال "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" كما قال "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" فكل نبي بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له والفطرة شاهدة بذلك أيضا والمشركون لا برهان لهم وحجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون (26)
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون
يقول تعالى رادا على من زعم أن له - تعالى وتقدس - ولدا من الملائكة كمن قال ذلك من العرب إن الملائكة بنات الله فقال "سبحانه بل عباد مكرمون" أي الملائكة عباد الله مكرمون عنده في منازل عالية ومقامات سامية وهم له في غاية الطاعة قولا وفعلا .
لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (27)
لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون
لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون "أي لا يتقدمون بين يديه بأمر ولا يخالفونه فيما أمرهم به بل يبادرون إلى فعله وهو تعالى علمه محيط بهم فلا يخفى عليهم منه خافية" .
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون (28)
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون
"وقوله" ولا يشفعون إلا لمن ارتضى "كقوله" من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه "وقوله" ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له "في آيات كثيرة في معنى ذلك"

"وهم من خشيته" أي من خوفه ورهبته .
ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين (29)
ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين
ومن يقل منهم إني إله من دونه "أي من ادعى منهم أنه إله من دون الله أي مع الله" فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين "أي كل من قال ذلك وهذا شرط والشرط لا يلزم وقوعه كقوله" قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين "وقوله" لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين "."
أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون (30)
أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون
الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون يقول تعالى منبها على قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء وقهره لجميع المخلوقات فقال "أولم ير الذين كفروا" أي الجاحدون لإلهيته العابدون معه غيره ألم يعلموا أن الله هو المستقل بالخلق المستبد بالتدبير فكيف يليق أن يعبد معه غيره أو يشرك به ما سواه ألم يروا أن السموات والأرض كانتا رتقا أي كان الجميع متصلا بعضه ببعض متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر ففتق هذه من هذه فجعل السموات سبعا والأرض سبعا وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء فأمطرت السماء وأنبتت الأرض ولهذا قال "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" أي وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئا فشيئا عيانا وذلك كله دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء .
ففي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
قال سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة قال سئل ابن عباس : الليل كان قبل أو النهار ؟ فقال أرأيتم السموات والأرض حين كانتا رتقا هل كان بينهما إلا ظلمة ؟ ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار

وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن أبي حمزة حدثنا حاتم عن حمزة بن أبي محمد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلا أتاه يسأله عن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما .
قال اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله .
ثم تعال فأخبرني بما قال لك قال فذهب إلى ابن عباس فسأله فقال ابن عباس نعم كانت السموات رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت فلما خلق للأرض أهلا فتق هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره فقال ابن عمر الآن قد علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علما صدق هكذا كانت قال ابن عمر قد كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن فالآن علمت أنه قد أوتي في القرآن علما وقال عطية العوفي كانت هذه رتقا لا تمطر فأمطرت وكانت هذه رتقا لا تنبت فأنبتت وقال إسماعيل بن أبي خالد سألت أبا صالح الحنفي عن قوله "أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما" قال كانت السماء واحدة ففتق منها سبع سموات وكانت الأرض واحدة ففتق منها سبع أرضين وهكذا قال مجاهد وزاد ولم تكن السماء والأرض متماستين وقال سعيد بن جبير بل كانت السماء والأرض ملتزقتين فلما رفع السماء وأبرز منها الأرض كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه وقال الحسن وقتادة كانتا جميعا ففصل بينهما بهذا الهواء وقوله "وجعلنا من الماء كل شيء حي" أي أصل كل الأحياء .
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو الجماهر حدثنا سعيد بن بشير حدثنا قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة أنه قال يا نبي الله إذا رأيتك قرت عيني وطابت نفسي فأخبرنا عن كل شيء قال "كل شيء خلق من ماء"

وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا همام عن قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء قال "كل شيء خلق من ماء" قال قلت أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنة قال "أفش السلام وأطعم الطعام وصل الأرحام وقم بالليل والناس نيام ثم ادخل الجنة بسلام" ورواه أيضا عبد الصمد وعفان وبهز عن همام تفرد به أحمد وهذا إسناد على شرط الصحيحين إلا أن أبا ميمونة من رجال السنن واسمه سليم والترمذي يصح له وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلا والله أعلم .
وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون (31)
وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون
وقوله "وجعلنا في الأرض رواسي" أي جبالا أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس أي تضطرب وتتحرك فلا يحصل لهم قرار عليها لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع فإنه باد للهواء والشمس ليشاهد أهلها السماء وما فيها من الآيات الباهرات والحكم والدلالات .
ولهذا قال "أن تميد بهم" أي لئلا تميد بهم وقوله وجعلنا فيها فجاجا سبلا "أي ثغرا في الجبال يسلكون فيها طرقا من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم كما هو المشاهد في الأرض يكون الجبل حائلا بين هذه البلاد وهذه البلاد فيجعل الله فيه فجوة ثغرة ليسلك الناس فيها من ههنا إلى ههنا ولهذا قال" لعلهم يهتدون "."
وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون (32)
وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون
وقوله "وجعلنا السماء سقفا محفوظا" أي على الأرض وهي كالقبة عليها كما قال "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" وقال "والسماء وما بناها" "أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج" والبناء هو نصب القبة

كما قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" "بني الإسلام على خمس" أي خمسة دعائم وهذا لا يكون إلا في الخيام كما تعهده العرب "محفوظا" أي عاليا محروسا أن ينال وقال مجاهد مرفوع .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي حدثني أبي عن أبيه عن أشعث يعني ابن إسحاق القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال رجل يا رسول الله ما هذه السماء قال "موج مكفوف عنكم" إسناده غريب وقوله "وهم عن آياتها معرضون" كقوله "وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" أي لا يتفكرون فيما خلق الله فيها من الاتساع العظيم والارتفاع الباهر وما زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها ونهارها من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكماله في يوم وليلة فتسير غاية لا يعلم قدرها إلا الله الذي قدرها وسخرها وسيرها .
وقد ذكر ابن أبي الدنيا - رحمه الله - في كتابه التفكر والاعتبار : "أن بعض عباد بني إسرائيل تعبد ثلاثين سنة وكان الرجل منهم إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته غمامة فلم ير ذلك الرجل شيئا مما كان محصل لغيره فشكا ذلك إلى أمه فقالت له يا بني فلعلك أذنبت في مدة عبادتك هذه فقال لا والله ما أعلمه قالت فلعلك هممت قال لا ولا هممت قالت فلعلك رفعت بصرك إلى السماء ثم رددته بغير فكر فقال نعم كثيرا قالت فمن ههنا أتيت ثم قال منبها على بعض آياته ."
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون (33)
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون
"وهو الذي خلق الليل والنهار" أي هذا في ظلامه وسكونه وهذا بضيائه وأنسه يطول هذا تارة ثم يقصر أخرى وعكسه الآخر "والشمس والقمر" هذه لها نور يخصها وفلك بذاته وزمان على حدة وحركة وسير خاص وهذا بنور آخر وفلك آخر وسير آخر وتقدير آخر "وكل في فلك يسبحون" أي يدورون

قال ابن عباس يدورون كما يدور المغزل في الفلكة قال مجاهد فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا كما قال تعالى "فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم" .
وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون (34)
وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون
يقول تعالى "وما جعلنا لبشر من قبلك" أي يا محمد "الخلد" أي في الدنيا بل "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر عليه السلام مات وليس بحي إلى الآن لأنه بشر سواء كان وليا أو نبيا أو رسولا وقد قال تعالى "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد" وقوله "أفإن مت" أي يا محمد "فهم الخالدون" أي يؤملون أن يعيشوا بعدك لا يكون هذا بل كل إلى الفناء .
كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون (35)
كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون
ولهذا قال تعالى "كل نفس ذائقة الموت" وقد روي عن الشافعي - رحمه الله - أنه أنشد واستشهد بهذين البيتين :
تمنى رجال أن أموت وإن ... أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
وقوله "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" أي نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم أخرى فننظر من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ومن يقنط كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ونبلوكم" يقول نبتليكم "بالشر والخير فتنة" بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية والهدى والضلال وقوله "وإلينا ترجعون" أي فنجازيكم بأعمالكم .
وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون (36)
وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر

آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون
يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه "إذا رآك الذين كفروا" يعني كفار قريش كأبي جهل وأشباهه "إن يتخذونك إلا هزوا" أي يستهزئون بك وينتقصونك يقولون "أهذا الذي يذكر آلهتكم" يعنون أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم قال تعالى "وهم بذكر الرحمن هم كافرون" أي وهم كافرون بالله ومع هذا يستهزئون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال في الآية الأخرى "وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا" .
خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون (37)
خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون
وقوله "خلق الإنسان من عجل" كما قال في الآية الأخرى "وكان الإنسان عجولا" أي في الأمور قال مجاهد خلق الله آدم بعد كل شيء من آخر النهار من يوم خلق الخلائق فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه ولم يبلغ أسفله قال يا رب استعجل بخلقي .
قبل غروب الشمس وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمد بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي - وقبض أصابعه يقللها - فسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه" قال أبو سلمة فقال عبد الله بن سلام قد عرفت تلك الساعة هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة

وهي التي خلق الله فيها آدم قال الله تعالى "خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون" والحكمة في ذكر عجلة الإنسان ههنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلوات الله وسلامه عليه وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ذلك فقال الله تعالى خلق الإنسان من عجل لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته يؤجل ثم يعجل وينظر ثم لا يؤخر ولهذا قال "سأريكم آياتي" أي نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني "فلا تستعجلون" .
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (38)
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين
يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضا بوقوع العذاب بهم تكذيبا وجحودا وكفرا وعنادا واستبعادا فقال "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين" .
لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون (39)
لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون
قال الله تعالى "لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم" أي لو تيقنوا أنها واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا به ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم "لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل" "لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش" وقال في هذه الآية "حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم" وقال : "سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار" فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم "ولا هم ينصرون أي لا ناصر لهم كما قال" وما لهم من الله من واق "."
بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون (40)
بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون
وقوله "بل تأتيهم بغتة" أي "تأتيهم النار بغتة" أي فجأة فتبهتهم "أي تذعرهم فيستسلمون لها حائرين لا يدرون ما يصنعون" فلا يستطيعون ردها "أي"

ليس لهم حيلة في ذلك ولا هم ينظرون "أي ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة ."
ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون (41)
ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون
يقول تعالى مسليا لرسوله عما آذاه به المشركون من الاستهزاء والتكذيب "ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون" يعني من العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه كما قال تعالى "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين" .
قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون (42)
قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون
ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار وكلاءته وحراسته لهم بعينه التي لا تنام فقال "قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن" أي بدل الرحمن يعني غيره كما قال الشاعر :
جارية لم تلبس المرققا ... ولم تذق من البقول الفستقا
أي لم تذق بدل البقول الفستق وقوله تعالى "بل هم عن ذكر ربهم معرضون" أي لا يعترفون بنعمة الله عليهم وإحسانه إليهم بل يعرضون عن آياته وآلائه .
أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون (43)
أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون
ثم قال "أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا" استفهام إنكار وتقرير .
وتوبيخ أي ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا ؟ ليس الأمر كما توهموا لا ولا كما زعموا ولهذا قال "لا يستطيعون نصر أنفسهم" أي هذه الآلهة التي استندوا إليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم وقوله "ولا هم منا يصحبون" قال العوفي عن ابن عباس "ولا هم منا"

يصحبون "أي يجارون وقال قتادة لا يصحبون من الله بخير وقال غيره ولا هم منا يصحبون يمنعون ."
بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون (44)
بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون
يقول تعالى مخبرا عن المشركين إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال أنهم متعوا في الحياة الدنيا ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه فاعتقدوا أنهم على شيء ثم قال واعظا لهم "أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" اختلف المفسرون في معناه وقد أسلفناه في سورة الرعد وأحسن ما فسر بقوله تعالى "ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون" وقال الحسن البصري يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر والمعنى أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإنجائه لعباده المؤمنين ولهذا قال "أفهم الغالبون" يعني بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون .
قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون (45)
قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون
وقوله "قل إنما أنذركم بالوحي" أي إنما أنا مبلغ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب والنكال ليس ذلك إلا عما أوحاه الله إلي ولكن لا يجدي هذا عمن أعمى الله بصيرته وختم على سمعه وقلبه ولهذا قال "ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون" .
ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين (46)
ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا
وقوله "ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين" أي ولئن مس هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله ليعترفون بذنوبهم وأنهم كانوا ظالمي أنفسهم في الدنيا

ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47)
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين
وقوله "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا" أي ونضع الموازين العدل ليوم القيامة الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه وقوله "فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين كما قال تعالى" ولا يظلم ربك أحدا "وقال" إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما "وقال لقمان" يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير "وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم" كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم "وقال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني حدثنا ابن المبارك عن ليث بن سعد عن عامر بن يحيى عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال لا يا رب قال أفلك عذر أو حسنة ؟ قال فبهت الرجل فيقول لا يا رب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فيقول أحضروه فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول إنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة قال فطاشت السجلات ونقلت البطاقة قال ولا يثقل شيء مع بسم

الله الرحمن الرحيم "ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث الليث بن سعد وقال الترمذي حسن غريب وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن يحيى عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله" صلى الله عليه وسلم ":" توضع الموازين يوم القيامة فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة ويوضع ما أحصي عليه فيميل به الميزان قال فيبعث به إلى النار قال فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن عز وجل يقول لا تعجلوا فإنه قد بقي له فيؤتى ببطاقة فيها : "لا إله إلا الله" فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان "وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو"
نوح مرارا أنبأنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رجلا من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" جلس بين يديه فقال يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم فقال له رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : "يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قبلك" فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ويهتف فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" "ما له لا يقرأ كتاب الله"




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #350  
قديم 07-12-2025, 02:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,823
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(9)
سورة الأنبياء
من صـ 410 الى صــ 423
الحلقة (350)







"ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" "فقال الرجل يا رسول الله ما أجد شيئا خيرا من فراق هؤلاء - يعني عبيده - إني أشهدك أنهم أحرار كلهم ."
ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين (48)
ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين
قد تقدم التنبيه على أن الله تعالى كثيرا ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما وبين كتابيهما ولهذا قال "ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان" قال مجاهد يعني الكتاب وقال أبو صالح التوراة وقال قتادة التوراة حلالها وحرامها وما فرق الله بين الحق والباطل وقال ابن زيد يعني النصر وجامع القول في ذلك أن الكتب السماوية مشتملة على التفرقة بين الحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد والحلال والحرام وعلى ما يحصل نورا في القلوب وهداية وخوفا وإنابة وخشية ولهذا قال "الفرقان وضياء وذكرا للمتقين" أي تذكيرا لهم وعظة .
الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون (49)
الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون
ثم وصفهم فقال "الذين يخشون ربهم بالغيب" كقوله "من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب" وقوله "إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير" "وهم من الساعة مشفقون" أي خائفون وجلون .
وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون (50)
وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون
ثم قال تعالى "وهذا ذكر مبارك أنزلناه" يعني القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد "أفأنتم له منكرون" أي أفتنكرونه وهو في غاية الجلاء والظهور ؟ .

ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين (51)
ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين
يخبر تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه آتاه رشده من قبل أي من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه كما قال تعالى "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" وما يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب وهو رضيع وأنه خرج بعد أيام فنظر إلى الكوكب والمخلوقات فتبصر فيها وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم فعامتها أحاديث بني إسرائيل فما وافق منها الحق مما بأيدينا عن المعصوم قبلناه لموافقته الصحيح وما خالف شيئا من ذلك رددناه وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه بل نجعله وفقا وما كان من هذا الضرب منها فقد رخص كثير من السلف في روايته وكثير من ذلك ما لا فائدة فيه ولا حاصل له مما ينتفع به في الدين ولو كانت فائدته تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية لما فيها من تضييع الزمان ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة .
والمقصود ههنا أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده من قبل أي من قبل ذلك وقوله "وكنا به عالمين" أي وكان أهلا لذلك .
إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون (52)
إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون
ثم قال "إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله عز وجل فقال "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" أي معتكفون على عبادتها قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد الصباح حدثنا أبو معاوية الضرير حدثنا سعيد بن طريف عن الأصبغ بن نباته قال : مر علي - رضي الله عنه - على قوم

يلعبون بالشطرنج فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لأن يمس أحدكم جمرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها .
قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين (53)
قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين
"قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين" لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال .
قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين (54)
قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين
ولهذا قال "لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين" أي الكلام مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم فلما سفه أحلامهم وضلل آباءهم واحتقر آلهتهم .
قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين (55)
قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين
قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين "يقولون هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعبا أو محقا فيه فإنا لم نسمع به قبلك ."
قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين (56)
قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين
"قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن" أي ربكم الذي لا إله غيره وهو الذي خلق السموات والأرض وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن وهو الخالق لجميع الأشياء "وأنا على ذلكم من الشاهدين" أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره ولا رب سواه .
وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين (57)
وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين
ثم أقسم الخليل قسما أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم أي ليحرضن على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا مدبرين أي إلى عيدهم وكان لهم عيد يخرجون إليه قال السدي : لما اقترب وقت ذلك العيد قال أبوه يا بني لو خرجت معنا إلى عيدك لأعجبك ديننا فخرج معهم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض

وقال إني سقيم فجعلوا يمرون عليه وهو صريع فيقولون : مه فيقول إني سقيم فلما جاز عامتهم وبقي ضعفاؤهم قال "تالله لأكيدن أصنامكم" فسمعه أولئك وقال ابن إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مروا عليه فقالوا يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال إني سقيم وقد كان بالأمس قال "تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين" فسمعه ناس منهم .
فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون (58)
فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون
وقوله "فجعلهم جذاذا" أي حطاما كسرها كلها إلا كبيرا لهم يعني إلا الصنم الكبير عندهم كما قال "فراغ عليهم ضربا باليمين" وقوله "لعلهم إليه يرجعون" ذكروا أنه وضع القدوم في يد كبيرهم لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غار لنفسه وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها .
قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين (59)
قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين
"قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين" أي حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل بأصنامهم من الإهانة والإذلال الدال على عدم إلهيتها وعلى سخافة عقول عابديها "قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين" أي في صنيعه هذا .
قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم (60)
قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم
قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم "أي قال من سمعه يحلف إنه ليكيدنهم سمعنا فتى أي شابا يذكرهم يقال له إبراهيم قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عوف حدثنا سعيد بن منصور حدثنا جرير بن عبد الحميد عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال : ما بعث الله نبيا إلا شابا ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب وتلا هذه الآية" قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم "."
قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون (61)
قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون
وقوله "قالوا فأتوا به على أعين الناس" أي على رءوس الأشهاد في الملإ الأكبر بحضرة الناس كلهم وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم عليه السلام أن يبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام التي لا تدفع عن نفسها ضرا ولا تملك لها نصرا فكيف يطلب منها شيء من ذلك ؟ "."
قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم (62)
قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا
قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا "يعني الذي تركه لم يكسره ."
قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون (63)
قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون
"فاسألوهم إن كانوا ينطقون" وإنما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم فيعترفوا أنهم لا ينطقون وأن هذا لا يصدر عن هذا الصنم لأنه جماد .

وفي الصحيحين من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال "إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله قوله" بل فعله كبيرهم هذا "وقوله" إني سقيم "قال وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس فأرسل إليه فجاء فقال ما هذه المرأة منك ؟ قال أختي ."
قال فاذهب فأرسل بها إلي فانطلق إلى سارة فقال إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال إنك لم تأتني بإنسان ولكنك أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت فلما أحس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم ؟ قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر وأخدمني هاجر "قال محمد بن سيرين فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث قال تلك أمكم يا بني ماء السماء ."
فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون (64)
فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون

يقول تعالى مخبرا عن قوم إبراهيم حين قال لهم ما قال "فرجعوا إلى أنفسهم" أي بالملامة في عدم احترازهم وحراستهم لآلهتهم فقالوا "إنكم أنتم الظالمون" أي في ترككم لها مهملة لا حافظ عندها "."
ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون (65)
ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون
ثم نكسوا على رءوسهم "أي ثم أطرقوا في الأرض فقالوا" لقد علمت ما هؤلاء ينطقون "قال قتادة أدركت القوم حيرة سوء فقالوا" لقد علمت ما هؤلاء ينطقون "وقال السدي" ثم نكسوا على رءوسهم "أي في الفتنة وقال ابن زيد أي في الرأي وقول قتادة أظهر في المعنى لأنهم إنما فعلوا ذلك حيرة وعجزا ولهذا قالوا له" لقد علمت ما هؤلاء ينطقون "فكيف تقول لنا سلوهم إن كانوا ينطقون وأنت تعلم أنها لا تنطق فعندها قال لهم إبراهيم لما اعترفوا بذلك" .
قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم (66)
قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم
أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم "أي إذا كانت لا تنطق وهي لا تنفع ولا تضر فلم تعبدونها من دون الله" .
أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون (67)
أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون
أي أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الغليظ الذي لا يروج إلا على جاهل ظالم فاجر فأقام عليهم الحجة وألزمهم بها ولهذا قال تعالى "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" الآية .
قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين (68)
قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين
لما دحضت حجتهم وبان عجزهم وظهر الحق واندفع الباطل عدلوا إلى استعمال جاه ملكهم فقالوا "حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين" فجمعوا حطبا كثيرا جدا قال السدي حتى إن كانت المرأة تمرض فتنذر إن عوفيت أن تحمل حطبا لحريق إبراهيم ثم جعلوه في جوبة من الأرض وأضرموها نارا فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع لم توقد نار قط مثلها وجعلوا إبراهيم عليه السلام في كفة المنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس من الأكراد قال شعيب الجبائي اسمه هيزن فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة فلما ألقوه قال : حسبي الله ونعم الوكيل

كما رواه البخاري عن ابن عباس أنه قال حسبي الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد عليه الصلاة والسلام حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وروى الحافظ أبو يعلى حدثنا ابن هشام حدثنا إسحاق بن سليمان عن أبي جعفر عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : "لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال الله إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك" ويروى أنه لما جعلوا يوثقونه قال : لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك وقال شعيب الجبائي كان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة فالله أعلم وذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا وأما من الله فبلى وقال سعيد بن جبير ويروى عن ابن عباس أيضا قال لما ألقي إبراهيم جعل خازن المطر يقول متى أؤمر بالمطر فأرسله قال فكان أمر الله أسرع من أمره .
قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم (69)
قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على
قال الله "يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم" قال لم يبق نار في الأرض إلا طفئت وقال كعب الأحبار لم ينتفع أحد يومئذ بنار ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه وقال الثوري عن الأعمش عن شيخ عن علي بن أبي طالب "قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم" قال لا تضر به


وقال ابن عباس وأبو العالية لولا أن الله عز وجل قال "وسلاما" لآذى إبراهيم بردها وقال جويبر عن الضحاك "كوني بردا وسلاما على إبراهيم" قالوا صنعوا له حظيرة من حطب جزل وأشعلوا فيه النار من كل جانب فأصبح ولم يصبه منها شيء حتى أخمدها الله قال ويذكرون أن جبريل كان معه يمسح وجهه من العرق فلم يصبه منها شيء غير ذلك وقال السدي كان معه فيها ملك الظل .
وقال علي بن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا يوسف بن موسى حدثنا مهران حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن المنهال بن عمرو قال أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار قال فكان فيها إما خمسين وإما أربعين قال ما كنت أياما وليالي قط أطيب عيشا إذ كنت فيها وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها وقال أبو زرعة ابن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال إن أحسن شيء قال أبو إبراهيم لما رفع عنه الطبق وهو في النار وجده يرش جبينه قال عند ذلك نعم الرب ربك يا إبراهيم وقال قتادة لم يأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ وقال الزهري أمر النبي "صلى الله عليه وسلم" بقتله وسماه فويسقا .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا عبيد الله بن أخي ابن وهب حدثني عمي حدثنا جرير بن حازم أن نافعا حدثه قال حدثتني مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا فقلت : يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح ؟ فقالت نقتل به هذه الأوزاغ إن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال "إن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا تطفئ النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم" فأمرنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بقتله .

وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين (70)
وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين
وقوله "وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين" أي المغلوبين الأسفلين لأنهم أرادوا بنبي الله كيدا فكادهم الله ونجاه من النار فغلبوا هنالك وقال عطية العوفي لما ألقي إبراهيم في النار جاء ملكهم لينظر إليه فطارت شرارة فوقعت على إبهامه فأحرقته مثل الصوفة .
ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين (71)
ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين
يقول تعالى مخبرا عن إبراهيم إنه سلمه الله من نار قومه وأخرجه من بين أظهرهم مهاجرا إلى بلاد الشام إلى الأرض المقدسة منها .
قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله "إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين" قال الشام وما من ماء عذب إلا يخرج من تحت الصخرة وكذا قال أبو العالية أيضا وقال قتادة كان بأرض العراق فأنجاه الله إلى الشام وكان يقال للشام أعقار دار الهجرة وما نقص من الأرض زيد في الشام وما نقص من الشام زيد في فلسطين وكان يقال هي أرض المحشر والمنشر وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام وبها يهلك المسيح الدجال وقال كعب الأحبار في قوله "إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين" إلى حران وقال السدي انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام فلقي إبراهيم سارة وهي ابنة ملك

حران وقد طعنت على قومها في دينهم فتزوجها على أن يفر بها رواه ابن جرير وهو غريب والمشهور أنها ابنة عمه وأنه خرج بها مهاجرا من بلاده وقال العوفي عن ابن عباس إلى مكة ألا تسمع إلى قوله "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا" .
ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين (72)
ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين
وقوله "ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة" قال عطاء ومجاهد عطية وقال ابن عباس وقتادة والحكم بن عيينة النافلة ولد الولد يعني أن يعقوب ولد إسحاق كما قال "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سأل واحدا فقال "رب هب لي من الصالحين" فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة "وكلا جعلنا صالحين" أي الجميع أهل خير وصلاح .
وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين (73)
وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين
"وجعلناهم أئمة" أي يقتدى بهم "يهدون بأمرنا" أي يدعون إلى الله بإذنه ولهذا قال "وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" من باب عطف الخاص على العام "وكانوا لنا عابدين" أي فاعلين لما يأمرون الناس به ثم عطف بذكر لوط وهو بن هاران بن آزر كان قد آمن بإبراهيم عليه السلام واتبعه وهاجر معه .
ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين (74)
ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين
كانوا قوم سوء فاسقين كما قال تعالى "فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي" فآتاه الله حكما وعلما وأوحى إليه وجعله نبيا وبعثه إلى سدوم وأعمالها فخالفوه وكذبوه فأهلكهم الله ودمر عليهم كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز ولهذا قال "ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين" .
وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين (75)
وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين
كما قال تعالى "فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي" فآتاه الله حكما وعلما وأوحى إليه وجعله نبيا وبعثه إلى سدوم وأعمالها فخالفوه وكذبوه فأهلكهم الله ودمر عليهم كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز ولهذا قال "ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين" .
ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم (76)
ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم
يخبر تعالى عن استجابته لعبده ورسوله نوح عليه السلام حين دعا على قومه لما

كذبوه "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" وقال نوح "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا" ولهذا قال ههنا "إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله" أي الذين آمنوا به كما قال "وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل" وقوله "من الكرب العظيم" أي من الشدة والتكذيب والأذى فإنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله عز وجل فلم يؤمن به منهم إلا القليل وكانوا يتصدون لأذاه ويتواصون قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل على خلافه .
ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين (77)
ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين
وقوله "ونصرناه من القوم" أي ونجيناه وخلصناه منتصرا من القوم "الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين" أي أهلكهم الله بعامة ولم يبق على وجه الأرض منهم أحد كما دعا عليهم نبيهم .
وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (78)
وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين
شاهدين قال ابن إسحاق عن مرة عن ابن مسعود كان ذلك الحرث كرما قد تدلت عناقيده وكذا قال شريح وقال ابن عباس النفش الرعي وقال شريح والزهري وقتادة : النفش لا يكون إلا بالليل زاد قتادة والهمل بالنهار وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب وهارون بن إدريس الأصم قالا حدثنا المحاربي

عن أشعث عن أبي إسحاق عن مرة عن ابن مسعود في قوله "وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم" قال كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته قال فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان غير هذا يا نبي الله قال وما ذاك ؟ قال تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها فذلك قوله "ففهمناها سليمان" وكذا روى العوفي عن ابن عباس .
وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد حدثني خليفة عن ابن عباس قال قضى داود بالغنم لأصحاب الحرث فخرج الرعاء معهم الكلاب فقال لهم سليمان كيف قضى بينكم فأخبروه فقال لو وليت أمركم لقضيت بغير هذا فأخبر بذلك داود فدعاه فقال كيف تقضي بينهم ؟ قال أدفع الغنم إلى صاحب الحرث فيكون له أولادها وألبانها وسلاؤها ومنافعها ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه أخذه أصحاب الحرث وردوا الغنم إلى أصحابها وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا خديج عن أبي إسحاق عن مرة عن مسروق قال الحرث الذي نفشت فيه الغنم إنما كان كرما فلم تدع فيه ورقة ولا عنقودا من عنب إلا أكلته فأتوا داود فأعطاهم رقابها فقال سليمان لا بل تؤخذ الغنم فيعطاها أهل الكرم فيكون لهم لبنها ونفعها ويعطى أهل الغنم الكرم فيعمروه ويصلحوه حتى يعود كالذي كان ليلة نفشت فيه الغنم ثم يعطى أهل الغنم غنمهم وأهل الكرم كرمهم .
وهكذا قال شريح ومرة ومجاهد وقتادة وابن زيد وغير واحد وقال ابن جرير حدثنا ابن أبي زياد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا إسماعيل عن عامر قال جاء رجلان إلى شريح فقال أحدهما إن شياه هذا قطعت غزلا لي فقال شريح نهارا أم ليلا ؟ فإن كان نهارا فقد برئ صاحب الشياه وإن كان ليلا ضمن ثم قرأ "وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث" الآية وهذا الذي قاله شريح شبيه بما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه من

حديث الليث بن سعد عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" على أهل الحوائط حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها وقد علل هذا الحديث وقد بسطنا الكلام عليه في كتاب الأحكام وبالله التوفيق .
ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين (79)
ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين
وقوله "ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد أن إياس ابن معاوية لما استقضى أتاه الحسن فبكى فقال ما يبكيك ؟ قال يا أبا سعيد بلغني أن القضاة رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار ورجل مال به الهوى فهو في النار ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة فقال الحسن البصري : إن فيما قص الله من نبأ داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام والأنبياء حكما يرد قول هؤلاء الناس عن قولهم قال الله تعالى "وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين" فأثنى الله على سليمان ولم يذم داود ثم قال يعني الحسن إن الله اتخذ على الحكام ثلاثا لا يشتروا به ثمنا قليلا ولا يتبعوا فيه الهوى ولا يخشوا فيه أحدا ثم تلا "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله" وقال "فلا تخشوا الناس واخشون" وقال "ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا" قلت أما الأنبياء عليهم السلام فكلهم معصومون مؤيدون من الله عز وجل وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المحققين من السلف والخلف وأما من سواهم فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن العاص أنه قال قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" فهذا الحديث يرد نصا ما توهمه إياس من أن القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النار والله أعلم

وفي السنن : القضاة ثلاثة قاض في الجنة وقاضيان في النار رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق وقضى خلافه فهو في النار وقريب من هذه القصة المذكورة في القرآن ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال حدثنا علي بن حفص أخبرنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" "بينما امرأتان معهما ابنان لهما إذ جاء الذئب فأخذ أحد الابنين فتحاكمتا إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا فدعاهما سليمان فقال هاتوا السكين أشقه بينكما فقالت الصغرى يرحمك الله هو ابنها لا تشقه فقضى به للصغرى" وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وبوب عليه النسائي في كتاب القضاة "باب الحاكم يوهم خلاف الحكم ليستعلم الحق" وهكذا القصة التي أوردها الحافظ
أبو القاسم بن عساكر في ترجمة سليمان عليه السلام من تاريخه عن طريق الحسن بن سفيان عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشر عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس فذكر قصة مطولة ملخصها أن امرأة حسناء في زمان بني إسرائيل راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم فامتنعت على كل منهم فاتفقوا فيما بينهم عليها فشهدوا عند داود عليه السلام






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 421.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 416.12 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]