تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 35 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4957 - عددالزوار : 2061639 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4533 - عددالزوار : 1330270 )           »          ابتسامة تدوم مدى الحياة: دليلك للعناية بالأسنان في كل مرحلة عمرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          كم يحتاج الجسم من البروتين يوميًا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          أطعمة ممنوعة للمرضع: قللي منها لصحة طفلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          مكملات البروبيوتيك: كل ما تحتاج معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          التخلص من التوتر: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          أطعمة مفيدة لمرضى الربو: قائمة بأهمها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          كيفية التعامل مع الطفل العنيد: 9 نصائح ذكية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          كيف يؤثر التدخين على لياقتك البدنية وأدائك الرياضي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #341  
قديم 29-09-2022, 12:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (341)
صــ 485 إلى صــ 492




[ ص: 485 ] قوله تعالى : " وقد جعلتم الله عليكم كفيلا " أي : بالوفاء ، وذلك أن من حلف بالله ، فكأنه أكفل الله بالوفاء بما حلف عليه .

وللمفسرين في معنى " كفيلا " ثلاثة أقوال :

أحدها : شهيدا ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : وكيلا ، قاله مجاهد .

والثالث : حفيظا مراعيا لعقدكم ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها " قال مجاهد : هذا فعل نساء أهل نجد ، تنقض إحداهن حبلها ، ثم تنفشه ، ثم تخلطه بالصوف فتغزله . وقال مقاتل : هي امرأة من قريش تسمى " ريطة " بنت عمرو بن كعب ، كانت إذا غزلت ، نقضته . وقال ابن السائب : اسمها " رائطة " وقال ابن الأنباري : اسمها " ريطة " بنت عمرو المرية ، ولقبها الجعراء ، وهي من أهل مكة ، وكانت معروفة عند المخاطبين ، فعرفوها بوصفها ، ولم يكن لها نظير في فعلها ذلك ، كانت متناهية الحمق ، تغزل الغزل من القطن أو الصوف فتحكمه ، ثم تأمر جاريتها بتقطيعه . وقال بعضهم : كانت تغزل هي وجواريها ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، فضربها الله مثلا لناقضي العهد . و " نقضت " بمعنى : تنقض ، كقوله : ونادى أصحاب الجنة [الأعراف :43] بمعنى : وينادي .

وفي المراد بالغزل قولان :

أحدهما : أنه الغزل المعروف ، سواء كان من قطن أو صوف أو شعر ، وهو قول الأكثرين .

والثاني : أنه الحبل ، قاله مجاهد . وقوله : " من بعد قوة " قال قتادة : من بعد إبرام ، وقوله : " أنكاثا " أي : أنقاضا . قال ابن قتيبة : الأنكاث : ما نقض من غزل الشعر وغيره . وواحدها نكث . يقول : لا تؤكدوا على [ ص: 486 ] أنفسكم الأيمان والعهود ، ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا فيه ، فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت ، ثم نقضت ذلك النسج ، فجعلته أنكاثا .

قوله تعالى : " تتخذون أيمانكم دخلا بينكم " أي : دغلا ، ومكرا ، وخديعة ، وكل شيء دخله عيب ، فهو مدخول ، وفيه دخل .

قوله تعالى : " أن تكون أمة " قال ابن قتيبة : لأن تكون أمة ، " هي أربى " أي : هي أغنى " من أمة " . وقال [الزجاج] : المعنى : بأن تكون أمة هي أكثر ، يقال : ربا الشيء يربو : إذا كثر . قال ابن الأنباري : قال اللغويون : " أربى " : أزيد عددا . قال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك ، فنهوا عن ذلك . وقال الفراء : المعنى : لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم ، أو قلتكم وكثرتهم وقد غررتموهم بالأيمان .

قوله تعالى : " إنما يبلوكم الله به " في هذه الآية ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى الكثرة ، قاله سعيد بن جبير ، وابن السائب ، ومقاتل ، فيكون المعنى : إنما يختبركم الله بالكثرة ، فإذا كان بين قومين عهد ، فكثر أحدهما ، فلا ينبغي أن يفسخ الذي بينه وبين الأقل . فإن قيل : إذا كنى عن الكثرة ، فهلا قيل بها ؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، بأن الكثرة ليس تأنيثها حقيقيا ، فحملت على معنى التذكير ، كما حملت الصيحة على معنى الصياح .

والثاني : أنها ترجع إلى العهد ، فإنه لدلالة الأيمان عليه ، يجري مجرى المظهر ، ذكره ابن الأنباري .

والثالث : أنها ترجع إلى الأمر بالوفاء ، ذكره بعض المفسرين .

قوله تعالى : " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " قد فسرناه في آخر (هود :118) .

[ ص: 487 ] قوله تعالى : " ولكن يضل من يشاء " صريح في تكذيب القدرية ، حيث أضاف الإضلال والهداية إليه ، وعلقهما بمشيئته .
ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون

قوله تعالى : " ولا تتخذوا أيمانكم دخلا " هذا استئناف للنهي عن أيمان الخديعة . " فتزل قدم بعد ثبوتها " قال أبو عبيدة : هذا مثل يقال لكل مبتلى بعد عافية ، أو ساقط في ورطة بعد سلامة : زلت به قدمه . قال مقاتل : ناقض العهد يزل في دينه كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة ، قال المفسرون : وهذا نهي للذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ونصرة الدين عن نقض العهد ، ويدل عليه قوله تعالى : " وتذوقوا السوء " يعني : العقوبة " بما صددتم عن سبيل الله " يريد أنهم إذا نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدوا الناس عن الإسلام ، فاستحقوا العذاب .

وقوله تعالى : " ولكم عذاب عظيم " يعني : في الآخرة . ثم أكد ذلك بقوله : " ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا " قال أبو صالح عن ابن عباس : نزلت في رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض ، يقال لأحدهما : " عيدان بن أشوع " وهو صاحب الأرض ، وللآخر : " امرؤ القيس " وهو المدعى عليه ، فهم امرؤ القيس أن يحلف ، فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية . وذكر أبو بكر الخطيب أن اسم صاحب الأرض " : ربيعة بن عبدان " وقيل : " عيدان " ، [ ص: 488 ] بفتح العين وياء معجمة باثنتين . ومعنى الآية :لا تنقضوا عهودكم ، تطلبون بنقضها عرضا يسيرا من الدنيا ، إن ما عند الله من الثواب على الوفاء هو خير لكم من العاجل . " ما عندكم ينفد " أي : يفنى " وما عند الله " في الآخرة " باق " وقف بالياء ابن كثير في رواية عنه ، ولا خلاف في حذفها في الوصل . " ولنجزين الذين صبروا " قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " وليجزين " بالياء . وقرأ ابن كثير ، وعاصم : " ولنجزين " بالنون . ولم يختلفوا في " ولنجزينهم أجرهم " أنها بالنون ، ومعنى هذه الآية : وليجزين الذين صبروا على أمره بأحسن ما كانوا يعملون في الدنيا ، ويتجاوز عن سيئاتهم .
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون

قوله تعالى : " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن " في سبب نزولها قولان : أحدهما : أن امرأ القيس المتقدم ذكره أقر بالحق الذي هم أن يحلف عليه ، فنزلت فيه : " من عمل صالحا " ، وهو إقراره بالحق ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أن ناسا من أهل التوراة ، وأهل الإنجيل ، وأهل الأوثان ، جلسوا ، فتفاضلوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح .

قوله تعالى : " فلنحيينه حياة طيبة " اختلفوا أين تكون هذه الحياة الطيبة على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها في الدنيا ، رواه العوفي عن ابن عباس . ثم فيها للمفسرين تسعة أقوال : أحدها : أنها القناعة ، قاله علي عليه السلام ، وابن عباس في رواية ، والحسن في [ ص: 489 ] رواية، ووهب بن منبه . والثاني : أنها الرزق الحلال ، رواه أبو مالك عن ابن عباس . وقال الضحاك : يأكل حلالا ويلبس حلالا . والثالث : أنها السعادة ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . والرابع : أنها الطاعة ، قاله عكرمة . والخامس : أنها رزق يوم بيوم ، قاله قتادة . والسادس : أنها الرزق الطيب ، والعمل الصالح ، قاله إسماعيل بن أبي خالد . والسابع : أنها حلاوة الطاعة ، قاله أبو بكر الوراق . والثامن : العافية والكفاية . والتاسع : الرضى بالقضاء، ذكرهما الماوردي .

والثاني : أنها في الآخرة ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن زيد ، وذلك إنما يكون في الجنة .

والثالث : أنها في القبر ، رواه أبو غسان عن شريك .
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين

قوله تعالى : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المعنى : فإذا أردت القراءة فاستعذ ، ومثله إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [المائدة :6] وقوله : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب [الأحزاب :53] وقوله : إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة [المجادلة :12] .

ومثله في الكلام : إذا أكلت ، فقل باسم الله ، هذا قول عامة العلماء واللغويين .

[ ص: 490 ] والثاني : أنه على ظاهره ، وأن الاستعاذة بعد القراءة . روي عن أبي هريرة ، وداود .

والثالث : أنه من المقدم والمؤخر ، فالمعنى : فإذا استعذت بالله فاقرأ ، قاله أبو حاتم السجستاني ، والأول أصح .

فصل

والاستعاذة عند القراءة سنة في الصلاة وغيرها .

وفي صفتها عن أحمد روايتان :

إحداهما : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، رواها أبو بكر المروزي .

والثانية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، رواها حنبل . وقد بينا معنى " أعوذ " في أول الكتاب [ص:7] ، وشرحنا اشتقاق الشيطان في (البقرة :14) ، والرجيم في (آل عمران : 36) .

قوله تعالى : " إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا " في المراد بالسلطان قولان :

أحدهما : أنه التسلط . ثم فيه ثلاثة أقوال : أحدها : ليس له عليهم سلطان بحال ، لأن الله صرف سلطانه عنهم بقوله : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [الحجر :42] . والثاني : ليس له عليهم سلطان ، لاستعاذتهم منه . والثالث : ليس له قدرة على أن يحملهم على ذنب لا يغفر .

والثاني : أنه الحجة . فالمعنى : ليس له حجة على ما يدعوهم إليه من المعاصي ، قاله مجاهد .

[ ص: 491 ] فأما قوله " يتولونه " معناه : يطيعونه .

وفي هاء الكناية في قوله : " والذين هم به مشركون " قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الله تعالى ، قاله مجاهد ، والضحاك .

والثاني : أنها ترجع إلى الشيطان ، فالمعنى : الذين هم من أجله مشركون بالله ، وهذا كما يقال : صار فلان بك عالما ، أي : من أجلك ، هذا قول ابن قتيبة . وقال ابن الأنباري : المعنى : والذين هم بإشراكهم إبليس في العبادة ، مشركون بالله تعالى .

قوله تعالى : " وإذا بدلنا آية مكان آية " سبب نزولها أن الله تعالى كان ينزل الآية ، فيعمل بها مدة ، ثم ينسخها ، فقال كفار قريش : والله ما محمد إلا يسخر من أصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر ، ويأتيهم غدا بما هو أهون عليهم منه ،فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والمعنى : إذا نسخنا آية بآية ، إما نسخ الحكم والتلاوة ، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة " والله أعلم بما ينزل " من ناسخ ومنسوخ ، وتشديد وتخفيف ، فهو عليم بالمصلحة في ذلك " قالوا إنما أنت مفتر " أي : كاذب " بل أكثرهم لا يعلمون " فيه قولان :

أحدهما لا يعلمون أن الله أنزله . والثاني : لا يعلمون فائدة النسخ .

قوله تعالى : " قل نزله " يعني : القرآن " روح القدس " يعني : جبريل وقد شرحنا هذا الاسم في (البقرة :87) .

قوله تعالى : " من ربك " أي : من كلامه " بالحق " أي : بالأمر الصحيح " ليثبت الذين آمنوا " بما فيه من البينات فيزدادوا يقينا .
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين إن الذين [ ص: 492 ] لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون

قوله تعالى : " ولقد نعلم أنهم يقولون " يعني : قريشا " إنما يعلمه بشر " أي : آدمي ، وما هو من عند الله .

وفيمن أرادوا بهذا البشر تسعة أقوال :

أحدها : أنه كان لبني المغيرة غلام يقال له " يعيش " يقرأ التوراة ، فقالوا : منه يتعلم محمد ، فنزلت هذه الآية ، رواه عكرمة عن ابن عباس . وقال عكرمة في رواية : كان هذا الغلام لبني عامر بن لؤي ، وكان روميا .

والثاني : أنه فتى كان بمكة يسمى " بلعام " وكان نصرانيا أعجميا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه ، فلما رأى المشركون دخوله إليه وخروجه ، قالوا ذلك ، روي عن ابن عباس أيضا .

والثالث : أنه نزلت في كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه سلم ، فيملي عليه " سميع عليم " فيكتب هو " عزيز حكيم " أو نحو هذا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أي ذلك كتبت فهو كذلك " ، فافتتن ، وقال : إن محمدا يكل ذلك إلي فأكتب ما شئت ، روي عن سعيد بن المسيب .

والرابع : أنه غلام أعجمي لامرأة من قريش يقال له : " جابر " ، وكان جابر يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتعلم منه ، فقال المشركون : إنما يتعلم محمد من هذا ، قاله سعيد بن جبير .

[ ص: 493 ] والخامس : أنهم عنوا سلمان الفارسي ، قاله الضحاك ; وفيه بعد من جهة أن سلمان أسلم بالمدينة ، وهذه [الآية] مكية .

والسادس : أنهم عنوا به رجلا حدادا كان يقال " يحنس " النصراني ، قاله ابن زيد .

والسابع : أنهم عنوا به غلاما لعامر بن الحضرمي ، وكان يهوديا أعجميا ، واسمه " يسار " ويكنى " أبا فكيهة " ، قاله مقاتل . وقد روي عن سعيد بن جبير نحو هذا ، إلا أنه لم يقل : إنه كان يهوديا .

والثامن : أنهم عنوا غلاما أعجميا اسمه " عايش " ، وكان مملوكا لحويطب ، وكان قد أسلم ، قاله الفراء ، والزجاج .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #342  
قديم 29-09-2022, 12:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (342)
صــ 493 إلى صــ 500



والتاسع : أنهما رجلان ، قال عبد الله بن مسلم الحضرمي : كان لنا عبدان من أهل عين التمر ، يقال لأحدهما : " يسار " وللآخر " جبر " وكانا يصنعان السيوف بمكة ، ويقرآن الإنجيل ، فربما مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يقرآن ، فيقف يستمع ، فقال المشركون : إنما يتعلم منهما . قال ابن الأنباري : فعلى هذا القول ، يكون البشر واقعا على اثنين ، والبشر من أسماء الأجناس ، يعبر عن اثنين ، كما يعبر " أحد " عن الاثنين والجميع ، والمذكر والمؤنث .

قوله تعالى : " لسان الذي يلحدون إليه أعجمي " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم : " يلحدون " بضم الياء وكسر الحاء ، وقرأ حمزة ، والكسائي : " يلحدون " بفتح الياء والحاء . فأما القراءة الأولى ، فقال [ ص: 494 ] ابن قتيبة : " يلحدون " أي : يميلون إليه ، ويزعمون أنه يعلمه ، وأصل الإلحاد الميل . وقال الفراء : " يلحدون " بضم الياء : يعترضون ، ومنه قوله : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم [الحج:25] أي : باعتراض ، و " يلحدون " بفتح الياء : يميلون . وقال الزجاج : يلحدون إليه ، أي : يميلون القول فيه أنه أعجمي .

قال ابن قتيبة : لا يكاد عوام الناس يفرقون بين العجمي والأعجمي ، والعربي والأعرابي ، فالأعجمي : الذي لا يفصح وإن كان نازلا بالبادية ، والعجمي : منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا ، والأعرابي : هو البدوي ، والعربي : منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا .

قوله تعالى : " وهذا لسان " يعني : القرآن ، " عربي " قال الزجاج : أي : أن صاحبه يتكلم بالعربية .

قوله تعالى : " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله " أي : الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله ، كذبوا بها ، " وأولئك هم الكاذبون " أي : أن الكذب نعت لازم لهم ، وعادة من عاداتهم ، وهذا رد عليهم إذ قالوا : " إنما أنت مفتر " [النحل :101] . وهذه الآية من أبلغ الزجر عن الكذب ، لأنه خص به من لا يؤمن .
من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين [ ص: 495 ] طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون

قوله تعالى : " من كفر بالله من بعد إيمانه " قال مقاتل : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن أنس بن خطل ، وطعمة بن أبيرق ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وقيس بن الفاكه المخزومي .

فأما قوله تعالى : " إلا من أكره " فاختلفوا فيمن نزل على أربعة أقوال :

أحدها : أنه نزل في عمار بن ياسر ، أخذه المشركون فعذبوه ، فأعطاهم ما أرادوا بلسانه ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال قتادة .

والثاني : أنه لما نزل قوله : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . . . . إلى آخر الآيتين اللتين في سورة النساء [96، 97] كتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى من كان بمكة ، فخرج ناس ممن أقر بالإسلام ، فاتبعهم المشركون فأدركوهم ، حتى أعطوا الفتنة ، فنزل " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والثالث : أنه نزل في عياش بن أبي ربيعة ، كان قد هاجر فحلفت أمه ألا تستظل ولا تشبع من طعام حتى يرجع ، فرجع إليها ، فأكرهه المشركون حتى أعطاهم بعض ما يريدون ، قاله ابن سيرين .

والرابع : أنه نزل في جبر غلام ابن الحضرمي ، كان يهوديا فأسلم فضربه سيده [ ص: 496 ] حتى رجع إلى اليهودية ، قاله مقاتل . وأما قوله : " ولكن من شرح بالكفر صدرا " فقال مقاتل : هم النفر المسمون في أول الآية .

فأما التفسير ، فاختلف النحاة في قوله : " من كفر " وقوله : " ولكن من شرح " فقال الكوفيون : جوابهما جميعا في قوله : " فعليهم غضب " فقال البصريون : بل قوله : " من كفر " مرفوع بالرد على " الذين لا يؤمنون " . قال ابن الأنباري : ويجوز أن يكون خبر " من كفر " محذوفا ، لوضوح معناه ، تقديره : من كفر بالله ، فالله عليه غضبان .

قوله تعالى : " وقلبه مطمئن بالإيمان " أي : ساكن إليه راض به . " ولكن من شرح بالكفر صدرا " قال قتادة : من أتاه بإيثار واختيار . وقال ابن قتيبة : من فتح له صدره بالقبول . وقال أبو عبيدة : المعنى : من تابعته نفسه ، وانبسط إلى ذلك ، يقال : ما ينشرح صدري بذلك ، أي : ما يطيب . وجاء قوله : " فعليهم غضب " على معنى الجميع ، لأن " من " تقع على الجميع .

فصل

الإكراه على كلمة الكفر يبيح النطق بها .

وفي الإكراه المبيح لذلك عن أحمد روايتان :

إحداهما : أنه يخاف على نفسه أو على بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمر به .

والثانية : أن التخويف لا يكون إكراها حتى ينال بعذاب . وإذ ثبت جواز " التقية " فالأفضل ألا يفعل ، نص عليه أحمد ، في أسير خير بين القتل [ ص: 497 ] وشرب الخمر ، فقال : إن صبر على القتل فله الشرف ، وإن لم يصبر فله الرخصة ، فظاهر هذا ، الجواز . وروى عنه الأثرم أنه سئل عن التقية في شرب الخمر فقال : إنما التقية في القول . فظاهر هذا أنه لا يجوز له ذلك ، فأما إذا أكره على الزنا ، لم يجز له الفعل ، ولم يصح إكراهه ، نص عليه أحمد . فإن أكره على الطلاق ، لم يقع طلاقه ، نص عليه أحمد ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وقال أبو حنيفة : يقع .

قوله تعالى : " ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا " في المشار إليه بذلك قولان :

أحدهما : أنه الغضب والعذاب ، قاله مقاتل .

الثاني : أنه شرح الصدر للكفر . و " استحبوا " بمعنى : أحبوا الدنيا واختاروها على الآخرة .

قوله تعالى : " وأن الله " أي : وبأن الله لا يريد هدايتهم . وما بعد هذا قد سبق شرحه [البقرة :7، والنساء :155، والمائدة :67] إلى قوله : " وأولئك هم الغافلون " ففيه قولان :

أحدهما : الغافلون عما يراد بهم ، قاله ابن عباس . والثاني : عن الآخرة ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " لا جرم " قد شرحناها في (هود :22) .

قوله تعالى : " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا " اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال :

أحدها : أنها نزلت فيمن كان يفتن بمكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني : أن قوما من المسلمين خرجوا للهجرة ، فلحقهم المشركون فأعطوهم [ ص: 498 ] الفتنة فنزل فيهم ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله [العنكبوت :10] ، فكتب المسلمون إليهم بذلك ، فخرجوا ، وأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى من نجا ، وقتل من قتل ، فنزلت فيهم هذه الآية ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث : أنها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان الشيطان قد أزله حتى لحق بالكفار ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح ، فاستجار له عثمان بن عفان ، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مروي عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وفيه بعد ، لأن المشار إليه وإن كان [قد] عاد إلى الإسلام ، فإن الهجرة انقطعت بالفتح .

والرابع : أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل بن عمرو ، وعبد الله بن أسيد الثقفي ، قاله مقاتل .

فأما قوله تعالى : " من بعد ما فتنوا " فقرأ الأكثرون : " فتنوا " بضم الفاء وكسر التاء ، على معنى : من بعد ما فتنهم المشركون عن دينهم . قال ابن عباس : فتنوا بمعنى : عذبوا . وقرأ عبد الله بن عامر : " فتنوا " بفتح الفاء والتاء ، على معنى : من بعد ما فتنوا الناس عن دين الله ، يشير إلى من أسلم من المشركين . وقال أبو علي : من بعد ما فتنوا أنفسهم بإظهار ما أظهروا للتقية ، لأن الرخصة لم تكن نزلت بعد .

قوله تعالى : " ثم جاهدوا " أي : قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " وصبروا " على الدين والجهاد . " إن ربك من بعدها " في المكني عنها أربعة أقوال :

أحدها : الفتنة ، وهو مذهب مقاتل . والثاني : الفعلة التي فعلوها ، قاله الزجاج . [ ص: 499 ] والثالث : المجاهدة ، والمهاجرة ، والصبر . والرابع : المهاجرة . ذكرهما واللذين قبلهما ابن الأنباري .

قوله تعالى : " يوم تأتي " قال الزجاج : هو منصوب على أحد شيئين ، إما على معنى : إن ربك لغفور يوم تأتي ، وإما على معنى : اذكر يوم تأتي . ومعنى " تجادل عن نفسها " أي : عنها . والمراد : أن كل إنسان يجادل عن نفسه . وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لكعب الأحبار : يا كعب خوفنا ، فقال : إن لجهنم زفرة ما يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقع جاثيا على ركبتيه ، حتى إن إبراهيم خليل الرحمن ليدلي بالخلة فيقول : " يا رب أنا خليلك إبراهيم ، لا أسألك إلا نفسي " ، وإن تصديق ذلك في كتاب الله " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها " . وقد شرحنا معنى الجدال في (هود :32) .
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون

قوله تعالى : " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة " في هذه القرية قولان :

أحدهما : أنها مكة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور ، وهو الصحيح .

والثاني : أنها قرية أوسع الله على أهلها حتى كانوا يستنجون بالخبز ، فبعث الله عليهم الجوع حتى كانوا يأكلون ما يقعدون ، قاله الحسن . فأما ما يروى عن [ ص: 500 ] حفصة أنها قالت : هي المدينة ، فذلك على سبيل التمثيل ، لا على وجه التفسير ، وبيانه ما روى سليم بن عنز ، قال : صدرنا من الحج مع حفصة ، وعثمان محصور بالمدينة ، فرأت راكبين فسألتهما عنه ، فقالا : قتل ، فقالت : والذي نفسي بيده إنها للقرية ، تعني المدينة التي قال الله تعالى في كتابه : " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة " ، تعني حفصة : أنها كانت على قانون الاستقامة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، " فكفرت بأنعم الله " عند قتل عثمان رضي الله عنه . ومعنى " كانت آمنة " أي : ذات أمن يأمن فيها أهلها أن يغار عليهم ، " مطمئنة " أي : ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق . وقد شرحنا معنى الرغد في (البقرة :35،58) .

وقوله : " من كل مكان " أي : يجلب إليها من كل بلد ، وذلك كله بدعوة إبراهيم عليه السلام ، " فكفرت بأنعم الله " بتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفي واحد الأنعم قولان :

أحدهما : أن واحدها " نعم " قاله أبو عبيدة ، وابن قتيبة .

والثاني : " نعمة " قاله الزجاج . قال ابن قتيبة : ليس قول من قال : هو جمع " نعمة " بشيء ، لأن " فعلة " لا تجمع على " أفعل " ، وإنما هو جمع " نعم " ، يقال : يوم نعم ، ويوم بؤس ، ويجمع " أنعما " ، و " أبؤسا " .

قوله تعالى : " فأذاقها الله لباس الجوع والخوف " وروى عبيد بن عقيل ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : " والخوف " بنصب الفاء . وأصل الذوق إنما هو بالفم ، وهذا استعارة منه ، وقد شرحنا هذا المعنى في (آل عمران :106،185) . وإنما ذكر اللباس هاهنا تجوزا ، لما يظهر عليهم من أثر الجوع والخوف ، فهو كقوله : ولباس التقوى [الأعراف :26] وذلك لما يظهر على المتقي من أثر [ ص: 501 ] التقوى . قال المفسرون : عذبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام المحترقة . فأما الخوف ، فهو خوفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سراياه التي كان يبعثها حولهم . والكلام في هذه الآية خرج على القرية ، والمراد أهلها ، ولذلك قال : " بما كانوا يصنعون " يعني به : بتكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإخراجهم إياه وما هموا به من قتله .
ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون

قوله تعالى : " ولقد جاءهم " يعني أهل مكة " رسول منهم " يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، " فكذبوه فأخذهم العذاب " وفيه قولان :

أحدهما : أنه الجوع ، قاله ابن عباس . والثاني : القتل ببدر ، قاله مجاهد . قال ابن السائب : " وهم ظالمون " أي : كافرون .
فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم

قوله تعالى : " فكلوا مما رزقكم الله " في المخاطبين بهذا قولان :

أحدهما : أنهم المسلمون ، وهو قول الجمهور .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #343  
قديم 29-09-2022, 12:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (343)
صــ 501 إلى صــ 509




والثاني : أنهم أهل مكة المشركون ، لما اشتدت مجاعتهم ، كلم رؤساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت عاديت الرجال ، فما بال النساء والصبيان ؟! فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أن يحملوا الطعام إليهم ، حكاه الثعلبي ، وذكر نحوه الفراء ، وهذه الآية والتي تليها مفسرتان في (البقرة :172،173) .
[ ص: 502 ] ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم

قوله تعالى : " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب " قال ابن الأنباري : اللام في " لما " بمعنى من أجل ، وتلخيص الكلام : ولا تقولوا : هذه الميتة حلال ، وهذه البحيرة حرام ، من أجل كذبكم ، وإقدامكم على الوصف ، والتخرص لما لا أصل له ، فجرت اللام هاهنا مجراها في قوله : وإنه لحب الخير لشديد [العاديات :8] أي : وإنه من أجل حب الخير لبخيل ، و " ما " بمعنى المصدر ، والكذب منصوب بـ " تصف " ، والتلخيص : لا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب . وقرأ ابن أبي عبلة : " الكذب " قال ابن القاسم : هو نعت الألسنة ، وهو جمع كذوب . قال المفسرون : والمعنى : أن تحليلكم وتحريمكم ليس له معنى إلا الكذب . والإشارة بقوله : " هذا حلال وهذا حرام " إلى ما كانوا يحلون ويحرمون " لتفتروا على الله الكذب " وذلك أنهم كانوا ينسبون ذلك التحليل والتحريم إلى الله تعالى ، ويقولون هو أمرنا بهذا .

وقوله : " متاع قليل " أي : متاعهم بهذا الذي فعلوه قليل .
وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم

قوله تعالى : " وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل " يعني به [ ص: 503 ] ما ذكر في (الأنعام :126) وهو قوله : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " وما ظلمناهم " بتحريمنا ما حرمنا عليهم ، " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " بالبغي والمعاصي .

قوله تعالى : " ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة " قد شرحناه في سورة (النساء :17) ، وشرحنا في (البقرة :160) التوبة والإصلاح ، وذكرنا معنى قوله : " من بعدها " آنفا .
إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين

قوله تعالى : " إن إبراهيم كان أمة " قال ابن الأنباري : هذا مثل قول العرب : فلان رحمة ، وفلان علامة ، ونسابة ، ويقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه ، والعرب قد توقع الأسماء المبهمة على الجماعة ، وعلى الواحد ، كقوله : فنادته الملائكة [آل عمران :39] ، وإنما ناداه جبريل وحده .

وللمفسرين في المراد بالأمة هاهنا ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الأمة : الذي يعلم الخير ، قاله ابن مسعود ، والفراء ، وابن قتيبة .

والثاني : أنه المؤمن وحده في زمانه ، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والثالث : أنه الإمام الذي يقتدى به ، قاله قتادة ، ومقاتل ، وأبو عبيدة ، وهو في معنى القول الأول . فأما القانت فقال ابن مسعود : هو المطيع . وقد شرحنا " القنوت " في (البقرة 116،238) وكذلك الحنيف [البقرة :135] .

[ ص: 504 ] قوله تعالى : " ولم يك " قال الزجاج : أصلها : لم يكن ، وإنما حذفت النون عند سيبويه ، لكثرة استعمال هذا الحرف ، وذكر الجلة من البصريين أنها إنما احتملت الحذف ، لأنه اجتمع فيها كثرة الاستعمال ، وأنها عبارة عن كل ما يمضي من الأفعال وما يستأنف ، وأنها قد أشبهت حروف اللين ، وأنها تكون علامة كما تكون حروف اللين علامة ، وأنها غنة تخرج من الأنف ، فلذلك احتملت الحذف .

قوله تعالى : " شاكرا لأنعمه " انتصب بدلا من قوله : " أمة قانتا " وقد ذكرنا واحد الأنعم آنفا ، وشرحنا معنى " الاجتباء " في (الأنعام :87) قال مقاتل : والمراد بالصراط المستقيم هاهنا : الإسلام .

قوله تعالى : " وآتيناه في الدنيا حسنة " فيها ستة أقوال :

أحدها : أنها الذكر الحسن ، قاله ابن عباس . والثاني : النبوة ، قاله الحسن .

والثالث : لسان صدق ، قاله مجاهد . والرابع : اجتماع الملل على ولايته ، فكلهم يتولونه ويرضونه ، قاله قتادة . والخامس : أنها الصلاة عليه مقرونة بالصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل بن حيان . والسادس : الأولاد الأبرار على الكبر ، حكاه الثعلبي . وباقي الآية مفسر في (البقرة :130) .
ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

قوله تعالى : " ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم " ملته : دينه .

وفيما أمر باتباعه من ذلك قولان :

أحدهما : أنه أمر باتباعه في جميع ملته ، إلا ما أمر بتركه ، وهذا هو الظاهر .

[والثاني : اتباعه في التبرؤ من الأوثان ، والتدين بالإسلام ، قاله [ ص: 505 ] أبو جعفر الطبري] .

وفي هذه الآية دليل على جواز اتباع المفضول ، لأن رسولنا أفضل الرسل ، وإنما أمر باتباعه ، لسبقه إلى القول بالحق .
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون

قوله تعالى : " إنما جعل السبت " أي : إنما فرض تعظيمه وتحريمه ، وقرأ الحسن وأبو حيوة : " إنما جعل " بفتح الجيم والعين " السبت " بنصب التاء " على الذين اختلفوا فيه " والهاء ترجع إلى السبت .

وفي معنى اختلافهم فيه قولان :

أحدهما : أن موسى قال لهم : تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوما ، فاعبدوه في يوم الجمعة ، ولا تعملوا فيه شيئا من صنيعكم ، فأبوا أن يقبلوا ذلك ، وقالوا : لا نبتغي إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق ، وهو يوم السبت ، فجعل ذلك عليهم ، وشدد عليهم فيه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال مقاتل : لما أمرهم موسى بيوم الجمعة ، قالوا : نتفرغ يوم السبت ، فإن الله لم يخلق فيه شيئا ، فقال : إنما أمرت بيوم الجمعة ، فقال أحبارهم : انتهوا إلى أمر نبيكم ، فأبوا ، فذلك اختلافهم ، فلما رأى موسى حرصهم على السبت ، أمرهم به ، فاستحلوا فيه المعاصي . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : رأى موسى رجلا يحمل قصبا يوم السبت ، فضرب عنقه ، وعكفت عليه الطير أربعين صباحا . وذكر ابن قتيبة في " مختلف الحديث " : أن الله تعالى بعث موسى بالسبت ، ونسخ السبت بالمسيح .

والثاني : أن بعضهم استحله ، وبعضهم حرمه ، قاله قتادة .
[ ص: 506 ] ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين

قوله تعالى : " ادع إلى سبيل ربك " قال ابن عباس : نزلت مع الآية التي بعدها ، وسنذكر هناك السبب . فأما السبيل ، فقال مقاتل : هو دين الإسلام .

وفي المراد بالحكمة ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها القرآن ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الفقه ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثالث : النبوة ، ذكره الزجاج .

وفي " الموعظة الحسنة " قولان :

أحدهما : مواعظ القرآن ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الأدب الجميل الذي يعرفونه ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

قوله تعالى : " وجادلهم " في المشار إليه قولان :

أحدهما : أنهم أهل مكة ، قاله أبو صالح . والثاني : أهل الكتاب ، قاله مقاتل .

وفي قوله : " بالتي هي أحسن " ثلاثة أقوال :

أحدها : جادلهم بالقرآن . والثاني : بـ " لا إله إلا الله " روي القولان عن ابن عباس . والثالث : جادلهم غير فظ ولا غليظ ، وألن لهم جانبك ، قاله الزجاج . وقال بعض علماء التفسير : وهذا منسوخ بآية السيف .

قوله تعالى : " إن ربك هو أعلم " المعنى : هو أعلم بالفريقين ، فهو يأمرك فيهما بما فيه الصلاح .
[ ص: 507 ] وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

قوله تعالى : " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " في سبب نزولها قولان :

أحدهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على حمزة ، فرآه صريعا ، فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه ، فقال : " والله لأمثلن بسبعين منهم " ، فنزل جبريل ، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف ، بقوله : " وإن عاقبتم . . " إلى آخرها ، فصبر رسول الله وكفر عن يمينه ، قاله أبو هريرة . وقال ابن عباس : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة قد شق بطنه ، وجدعت أذناه ، فقال : " لولا أن تحزن النساء ، أو تكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير ، ولأقتلن مكانه سبعين رجلا منهم " فنزل قوله : " ادع إلى سبيل ربك " إلى قوله : " وما صبرك إلا بالله " . وروى الضحاك عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : " لئن ظفرت بقاتل حمزة لأمثلن به مثلة تتحدث بها العرب " ، وكانت هند وآخرون معها قد مثلوا به ، فنزلت هذه الآية .

والثاني : أنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون ، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة ، ومثلوا بقتلاهم ، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما من الدهر ، لنزيدن على عدتهم مرتين ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبي بن كعب . [ ص: 508 ] وروى أبو صالح عن ابن عباس أن المسلمين قالوا : لئن أمكننا الله منهم ، لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات ، فنزلت هذه الآية . يقول : إن كنتم فاعلين ، فمثلوا بالأموات ، كما مثلوا بأمواتكم . قال ابن الأنباري : وإنما سمى فعل المشركين معاقبة وهم ابتدؤوا بالمثلة ، ليزدوج اللفظان ، فيخف على اللسان ، كقوله : وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى :40] .

فصل

واختلف العلماء ، هل هذه [الآية] منسوخة ، أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : أنها نزلت قبل (براءة) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل من قاتله ، ولا يبدأ بالقتال ، ثم نسخ ذلك ، وأمر بالجهاد ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، فعلى هذا يكون المعنى : " ولئن صبرتم " عن القتال ، ثم نسخ هذا بقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة :5] .

والثاني : أنها محكمة ، وإنما نزلت فيمن ظلم ظلامة ، فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما ناله الظالم منه ، قاله مجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وابن سيرين ، والثوري ، وعلى هذا يكون المعنى : ولئن صبرتم عن المثلة ، لا عن القتال .

قوله تعالى : " واصبر وما صبرك إلا بالله " أي : بتوفيقه ومعونته . وهذا أمر بالعزيمة .

وفي قوله : " ولا تحزن عليهم " قولان :

أحدهما : على كفار مكة إن لم يسلموا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : ولا تحزن على قتلى أحد ، فإنهم أفضوا إلى رحمة الله ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري .

[ ص: 509 ] قوله تعالى : " ولا تك في ضيق " قرأ الأكثرون بنصب الضاد ، وقرأ ابن كثير : " في ضيق " بكسر الضاد هاهنا وفي (النمل :70) . قال الفراء : الضيق بفتح الضاد : ما ضاق عنه صدرك ، والضيق : ما يكون في الذي يضيق ويتسع ، مثل الدار والثوب وأشباه ذلك . وقال ابن قتيبة : الضيق : تخفيف ضيق ، مثل : هين ولين ، وهو ، إذا كان على هذا التأويل : صفة ، كأنه قال : لا تك في أمر ضيق من مكرهم . قال : ويقال : مكان ضيق وضيق ، بمعنى واحد ، كما يقال : رطل ورطل ، وهذا أعجب إلي . فأما مكرهم المذكور هاهنا ، فقال أبو صالح عن ابن عباس : فعلهم وعملهم .

قوله تعالى : " إن الله مع الذين اتقوا " ما نهاهم عنه ، وأحسنوا فيما أمرهم به ، بالعون والنصر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #344  
قديم 29-09-2022, 12:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ
الْإِسْرَاءِ
الحلقة (344)
صــ 3 إلى صــ 10





[ ص: 3 ]
سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ

فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا


هِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: فِيهَا مَدَنِيٌّ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَمَانِ آيَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ إِلَى قَوْلِهِ: نَصِيرًا [ الْإِسْرَاءِ: 73 - 75 ]، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِيهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [ الْإِسْرَاءِ: 80 ]، وَقَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ [ الْإِسْرَاءِ: 107 ]، وَقَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ [ الْإِسْرَاءِ: 60 ]، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ [ الْإِسْرَاءِ: 73 ]، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ [ الْإِسْرَاءِ: 76 ]، وَقَوْلُهُ: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ وَالَّتِي تَلِيهَا [ الْإِسْرَاءِ: 74، 75 ] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنَ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: " سُبْحَانَ " رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ " سُبْحَانَ اللَّهِ " ، فَقَالَ: " تَنْزِيهٌ لِلَّهِ عَنْ كُلِّ سُوءٍ " ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي ( الْبَقَرَةِ: 32 ) . [ ص: 4 ]

قَالَ الزَّجَّاجُ: وَ " أَسْرَى " بِمَعْنَى: سَيَّرَ عَبْدَهُ، يُقَالُ: أَسْرَيْتُ وَسَرَيْتُ: إِذَا سِرْتُ لَيْلًا . وَقَدْ جَاءَتِ اللُّغَتَانِ فِي الْقُرْآَنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ [ الْفَجْرِ: 4 ] .

وَفِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ هَاهُنَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَرَبَ تُسَبِّحُ عِنْدَ الْأَمْرِ الْمُعَجِّبِ، فَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَجَّبَ الْعِبَادَ مِمَّا أَسْدَى إِلَى رَسُولِهِ مِنَ النِّعْمَةِ .

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَخْرَجَ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَهُمْ بِالْإِسْرَاءِ كَذَّبُوهُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: تَنَزَّهَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ رَسُولًا كَذَّابًا . وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَبْدِهِ هَاهُنَا: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَفِي قَوْلِهِ: " مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ نَفْسِ الْمَسْجِدِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَيَسْنِدُهُ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " : " بَيْنَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ " ، وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: " فِي الْحِجْرِ " .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، [ ص: 5 ] فَعَلَى هَذَا يَعْنِي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: الْحَرَمُ . وَالْحَرَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ .

فَأَمَّا " الْمَسْجِدِ الأَقْصَى " : فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ لَهُ: الْأَقْصَى; لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ . وَمَعْنَى " بَارَكْنَا حَوْلَهُ " : أَنَّ اللَّهَ أَجْرَى حَوْلَهُ الْأَنْهَارَ وَأَنْبَتَ الثِّمَارَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطُ الْمَلَائِكَةِ .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَمْ لَا ; فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَصَلَّى فِيهِ بِالْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ . وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، وَلَا نَزَلَ عَنِ الْبُرَاقِ حَتَّى عُرِجَ بِهِ .

فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى " ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ ؟

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ إِلَى هُنَالِكَ، وَالْمِعْرَاجَ كَانَ مِنْ هُنَالِكَ .

وَقِيلَ: إِنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذِكْرِ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَوْ أُخْبِرَ بِصُعُودِهِ إِلَى السَّمَاءِ فِي بَدْءِ الْحَدِيثِ، لَاشْتَدَّ إِنْكَارُهُمْ، فَلَمَّا أُخْبِرَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبَانَ لَهُمْ صِدْقُهُ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَلَامَاتِ الصَّادِقَةِ، أُخْبِرَ بِمِعْرَاجِهِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: " لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا " ، يَعْنِي: مَا رَأَى ; أَيْ: تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّاسَ . " إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ " لِمَقَالَةِ قُرَيْشٍ، " الْبَصِيرُ " بِهَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِـ " الْحَدَائِقِ " أَحَادِيثَ الْمِعْرَاجِ، وَكَرِهْنَا الْإِطَالَةَ هَاهُنَا .
وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا . [ ص: 6 ]

قوله تعالى: " وآتينا موسى الكتاب " لما ذكر في الآية الأولى إكرام محمد صلى الله عليه وسلم، ذكر في هذه كرامة موسى . و " الكتاب " : التوراة .

" وجعلناه هدى لبني إسرائيل " ; أي: دللناهم به على الهدى . " ألا تتخذوا " قرأ أبو عمرو: ( يتخذوا ) بالياء، والمعنى: هديناهم لئلا يتخذوا . وقرأ الباقون بالتاء، قال أبو علي: وهو على الانصراف إلى الخطاب بعد الغيبة، مثل: " الحمد لله " ، ثم [ قال ] " إياك نعبد " .

قوله تعالى: " وكيلا " قال مجاهد: شريكا . وقال الزجاج: ربا . قال ابن الأنباري: وإنما قيل للرب: وكيل ; لكفايته وقيامه بشأن عباده ; من أجل أن الوكيل عند الناس قد علم أنه يقوم بشؤون أصحابه، وتفقد أمورهم، فكان الرب وكيلا من هذه الجهة، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكل وانحطاط أمر الوكيل .

قوله تعالى: " ذرية من حملنا " قال مجاهد: هو نداء يا ذرية من حملنا . قال ابن الأنباري: من قرأ: ( ألا تتخذوا ) بالتاء، فإنه يقول: بعد الذرية مضمر حذف اعتمادا على دلالة ما سبق، تلخيصه: يا ذرية من حملنا مع نوح لا تتخذوا وكيلا، ويجوز أن يستغني عن الإضمار بقوله: إنه كان عبدا شكورا ; لأنه بمعنى: اشكروني كشكره . ومن قرأ: ( لا يتخذوا ) بالياء، جعل النداء متصلا بالخطاب، و " الذرية " تنتصب بالنداء، ويجوز نصبها بالاتخاذ على أنها مفعول ثان، تلخيص الكلام: أن لا يتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلا . قال قتادة: الناس كلهم ذرية من أنجى الله في تلك السفينة .

قال العلماء: ووجه الإنعام على الخلق بهذا القول، أنهم كانوا في صلب من نجا .

قوله تعالى: " إنه كان عبدا شكورا " قال سلمان الفارسي: كان إذا أكل [ ص: 7 ] قال: " الحمد لله " ، وإذا شرب قال: " الحمد لله " . وقال غيره: كان إذا لبس ثوبا قال: " الحمد لله " ، فسماه الله عبدا شكورا .
وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا .

قوله تعالى: " وقضينا إلى بني إسرائيل " فيه قولان:

أحدهما: أخبرناهم، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني: قضينا عليهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، فعلى الأول تكون " إلى " على أصلها، ويكون الكتاب: التوراة، وعلى الثاني تكون " إلى " بمعنى " على " ، ويكون الكتاب: الذكر الأول .

قوله تعالى: " لتفسدن في الأرض " ، يعني: أرض مصر " مرتين " بالمعاصي ومخالفة التوراة .

وفي من قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان:

أحدهما: زكريا، قاله السدي عن أشياخه . [ ص: 8 ]

والثاني: شعيا، قاله ابن إسحاق . فأما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني فهو يحيى بن زكريا . قال مقاتل: كان بين الفسادين مئتا سنة وعشر سنين . فأما السبب في قتلهم زكريا، فإنهم اتهموه بمريم، وقالوا: منه حملت، فهرب منهم، فانفتحت له شجرة، فدخل فيها وبقي من ردائه هدب، فجاءهم الشيطان فدلهم عليه، فقطعوا الشجرة بالمنشار وهو فيها . وأما السبب في قتلهم شعيا، فهو أنه قام فيهم برسالة من الله ينهاهم عن المعاصي . وقيل: هو الذي هرب منهم فدخل في الشجرة حتى قطعوه بالمنشار، وأن زكريا مات حتف أنفه . وأما السبب في قتلهم يحيى بن زكريا ففيه قولان:

أحدهما: أن ملكهم أراد نكاح امرأة لا تحل له، فنهاه عنها يحيى . ثم فيها أربعة أقوال: أحدها: أنها ابنة أخيه، قاله ابن عباس . والثاني: ابنته، قاله عبد الله بن الزبير . والثالث: أنها امرأة أخيه، وكان ذلك لا يصلح عندهم، قاله الحسين بن علي عليهما السلام . والرابع: ابنة امرأته، قاله السدي عن أشياخه، وذكر أن السبب في ذلك: أن ملك بني إسرائيل هوي بنت امرأته، فسأل يحيى عن نكاحها فنهاه، فحنقت أمها على يحيى حين نهاه أن يتزوج ابنتها، وعمدت إلى ابنتها فزينتها وأرسلتها إلى الملك حين جلس على شرابه، وأمرتها أن تسقيه، وأن تعرض له، فإن أرادها على نفسها، أبت حتى يؤتى برأس يحيى بن زكريا في طست، ففعلت ذلك، فقال: ويحك سليني غير هذا، فقالت: ما أريد إلا هذا، فأمر، فأتي برأسه والرأس يتكلم ويقول: لا تحل لك، لا تحل لك .

والقول الثاني: أن امرأة الملك رأت يحيى عليه السلام، وكان قد أعطي حسنا وجمالا، فأرادته على نفسه فأبى، فقالت لابنتها: سلي أباك رأس يحيى، فأعطاها [ ص: 9 ] ما سألت، قاله الربيع بن أنس . قال العلماء بالسير: ما زال دم يحيى يغلي حتى قتل عليه من بني إسرائيل سبعون ألفا فسكن، وقيل: لم يسكن حتى جاء قاتله، فقال: أنا قتلته، فقتل، فسكن .

قوله تعالى: " ولتعلن علوا كبيرا " ; أي: لتعظمن عن الطاعة ولتبغن .

قوله تعالى: " فإذا جاء وعد أولاهما " ; أي: عقوبة أولى المرتين " بعثنا " ; أي: أرسلنا " عليكم عبادا لنا " ، وفيهم خمسة أقوال:

أحدها: أنهم جالوت وجنوده، قاله ابن عباس وقتادة . والثاني: ( بختنصر ) ، قاله سعيد بن المسيب، واختاره الفراء والزجاج . والثالث العمالقة، وكانوا كفارا، قاله الحسن . والرابع: سنحاريب، قاله سعيد بن جبير . والخامس: قوم من أهل فارس، قاله مجاهد . وقال ابن زيد: سلط [ الله ] عليهم سابور ذا الأكتاف من ملوك فارس .

قوله تعالى: " أولي بأس شديد " ; أي: ذوي عدد وقوة في القتال .

وفي قوله: " فجاسوا خلال الديار " ثلاثة أقوال:

أحدها: مشوا بين منازلهم، قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال مجاهد: يتجسسون أخبارهم، ولم يكن قتال . وقال الزجاج: طافوا خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه . و( الجوس ) : طلب الشيء باستقصاء .

والثاني: قتلوهم بين بيوتهم، قاله الفراء وأبو عبيدة . [ ص: 10 ]

والثالث: عاثوا وأفسدوا، يقال: جاسوا وحاسوا، فهم يجوسون ويحوسون إذا فعلوا ذلك، قاله ابن قتيبة .

فأما الخلال: فهي جمع خلل، وهو الانفراج بين الشيئين . وقرأ أبو رزين، والحسن، وابن جبير، وأبو المتوكل: ( خلل الديار ) بفتح الخاء واللام من غير ألف . " وكان وعدا مفعولا " ; أي: لا بد من كونه .

قوله تعالى: " ثم رددنا لكم الكرة عليهم " ; أي: أظفرناكم بهم . والكرة معناها: الرجعة والدولة، وذلك حين قتل داود جالوت وعاد ملكهم إليهم . وحكى الفراء أن رجلا دعا على ( بختنصر ) ، فقتله الله وعاد ملكهم إليهم . وقيل: غزوا ملك بابل فأخذوا ما كان في يده من المال والأسرى .

قوله تعالى: " وجعلناكم أكثر نفيرا " ; أي: أكثر عددا وأنصارا منهم . قال ابن قتيبة: النفير والنافر واحد، كما يقال: قدير وقادر، وأصله: من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته .
إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا .

قوله تعالى: إن أحسنتم ; أي: وقلنا لكم: إن أحسنتم فأطعتم الله " أحسنتم لأنفسكم " ; أي: عاقبة الطاعة لكم " وإن أسأتم " بالفساد والمعاصي " فلها " ، وفيه قولان:

أحدهما: أنه بمعنى: فإليها . والثاني: فعليها .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #345  
قديم 29-09-2022, 12:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ
الْإِسْرَاءِ
الحلقة (345)
صــ 11 إلى صــ 18






" فإذا جاء وعد الآخرة، جواب " فإذا " محذوف، تقديره: فإذا جاء [ ص: 11 ] وعد عقوبة المرة الآخرة من إفسادكم، بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم، وهذا الفساد الثاني هو قتلهم يحيى بن زكريا، وقصدهم قتل " عيسى " فرفع، وسلط الله عليهم ملوك فارس والروم فقتلوهم وسبوهم، فذلك قوله: " ليسوءوا وجوهكم " . قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم: ( ليسوؤوا ) بالياء على الجميع والهمز بين الواوين، والإشارة إلى المبعوثين . وقرأ ابن عامر، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم: ( ليسوء وجوهكم ) على التوحيد . قال أبو علي: فيه وجهان: أحدهما: ليسوء الله عز وجل . والثاني: ليسوء البعث . وقرأ الكسائي: ( لنسوء ) بالنون، وذلك راجع إلى الله تعالى .

وفيمن بعث عليهم في المرة الثانية قولان:

أحدهما: بختنصر، قاله مجاهد وقتادة، وكثير من الرواة يأبى هذا القول، يقولون: كان بين تخريب ( بختنصر ) بيت المقدس وبين مولد يحيى بن زكريا زمان طويل .

والثاني: انطياخوس الرومي، قاله مقاتل . ومعنى " ليسوءوا وجوهكم " ; أي: ليدخلوا عليكم الحزن بما يفعلون من قتلكم وسبيكم، وخصت المساءة بالوجوه، والمراد: أصحاب الوجوه، لما يبدو عليها من أثر الحزن والكآبة .

قوله تعالى: " وليدخلوا المسجد " ، يعني: بيت المقدس، " كما دخلوه " في المرة الأولى، " وليتبروا " ; أي: ليدمروا ويخربوا . قال الزجاج: يقال لكل شيء ينكسر من الزجاج والحديد والذهب: تبر، ومعنى " ما علوا " ; أي: ليدمروا في حال علوهم عليكم .

قوله تعالى: " عسى ربكم أن يرحمكم " هذا مما وعدوا به في التوراة . و " عسى " من الله واجبة، فرحمهم [ الله ] بعد انتقامه منهم، وعمر بلادهم، وأعاد نعمهم [ ص: 12 ] بعد سبعين سنة . " وإن عدتم " إلى معصيتنا " عدنا " إلى عقوبتكم . قال المفسرون: ثم إنهم عادوا إلى المعصية، فبعث الله عليهم ملوكا من ملوك فارس والروم . قال قتادة: ثم كان آخر ذلك أن بعث الله عليهم محمدا صلى الله عليه وسلم، فهم في عذاب إلى يوم القيامة، فيعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .

قوله تعالى: " وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " فيه قولان:

أحدهما: سجنا، قاله ابن عباس، والضحاك، وقتادة . وقال مجاهد: يحصرون فيها . وقال أبو عبيدة وابن قتيبة: محبسا . وقال الزجاج: " حصيرا " : حبسا، أخذ من قولك: حصرت الرجل: إذا حبسته، فهو محصور، وهذا حصيره ; أي: محبسه، والحصير: المنسوج، سمي حصيرا ; لأنه حصرت طاقاته بعضها مع بعض، ويقال للجنب: حصير ; لأن بعض الأضلاع محصور مع بعض . وقال ابن الأنباري: حصيرا: بمعنى: حاصرة، فصرف من حاصرة إلى حصير، كما صرف ( مؤلم ) إلى أليم .

والثاني: فراشا ومهادا، قاله الحسن . قال أبو عبيدة: ويجوز أن تكون جهنم لهم مهادا بمنزلة الحصير، والحصير: البساط الصغير .
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما .

قوله تعالى: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " قال ابن الأنباري: " التي " وصف للجمع، والمعنى: يهدي إلى الخصال التي هي أقوم الخصال . قال المفسرون: وهي توحيد الله والإيمان به وبرسله والعمل بطاعته، " ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم " ; أي: بأن لهم " أجرا " وهو الجنة، " وأن [ ص: 13 ] الذين لا يؤمنون بالآخرة " ; أي: ويبشرهم بالعذاب لأعدائهم، وذلك أن المؤمنين كانوا في أذى من المشركين، فعجل الله لهم البشرى في الدنيا بعقاب الكافرين .
ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا .

قوله تعالى: " ويدع الإنسان بالشر " وذلك أن الإنسان يدعو في حال الضجر والغضب على نفسه وأهله بما لا يحب أن يستجاب له كما يدعو لنفسه بالخير . " وكان الإنسان عجولا " يعجل بالدعاء بالشر عند الغضب والضجر عجلته بالدعاء بالخير .

وفي المراد بالإنسان هاهنا ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه اسم جنس يراد به الناس، قاله الزجاج وغيره .

والثاني: آدم، فاكتفى بذكره من ذكر ولده، ذكره ابن الأنباري .

والثالث: أنه النضر بن الحارث حين قال: فأمطر علينا حجارة من السماء [ الأنفال: 32 ]، قاله مقاتل . وقال سلمان الفارسي: أول ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر إلى جسده كيف يخلق، قال فبقيت رجلاه، فقال: يا رب عجل، فذلك قوله: " وكان الإنسان عجولا " .
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا . [ ص: 14 ]

قوله تعالى: " وجعلنا الليل والنهار آيتين " ; أي: علامتين يدلان على قدرة خالقهما . " فمحونا آية الليل " فيه قولان:

أحدهما: أن آية الليل: القمر، ومحوها: ما في بعض القمر من الاسوداد . وإلى هذا المعنى ذهب علي عليه السلام، وابن عباس في آخرين .

والثاني: آية الليل محيت بالظلمة التي جعلت ملازمة لليل، فنسب المحو إلى الظلمة إذ كانت تمحو الأنوار وتبطلها، ذكره ابن الأنباري . ويروى أن الشمس والقمر كانا في النور والضوء سواء، فأرسل الله جبريل فأمر جناحه على وجه القمر وطمس عنه الضوء .

قوله تعالى: " وجعلنا آية النهار " يعني: الشمس، " مبصرة " فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: منيرة، قاله قتادة . قال ابن الأنباري: وإنما صلح وصف الآية بالإبصار على جهة المجاز، كما يقال: لعب الدهر ببني فلان .

والثاني: أن معنى " مبصرة " : مبصرا بها، قاله ابن قتيبة .

والثالث: أن معنى " مبصرة " : مبصرة، فجرى ( مفعل ) مجرى ( مفعل )، والمعنى: أنها تبصر الناس ; أي: تريهم الأشياء، قاله ابن الأنباري . ومعاني الأقوال تتقارب .

قوله تعالى: " لتبتغوا فضلا من ربكم " ; أي: لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم وتطلبون رزقكم بالنهار، " ولتعلموا عدد السنين والحساب " بمحو آية الليل، ولولا ذلك لم يعرف الليل من النهار، ولم يتبين العدد . " وكل شيء " ; أي: ما يحتاج إليه، " فصلناه تفصيلا " بيناه تبينا لا يلتبس معه بغيره . [ ص: 15 ]
وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا .

قوله تعالى: " وكل إنسان " وقرأ ابن أبي عبلة: ( وكل ) برفع اللام . وقرأ ابن مسعود وأبي والحسن: ( ألزمناه طيره ) بياء ساكنة من غير ألف .

وفي الطائر أربعة أقوال .

أحدها: شقاوته وسعادته، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال مجاهد: ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد .

والثاني: عمله، قاله الفراء، وعن الحسن كالقولين .

والثالث: أنه ما يصيبه، قاله خصيف . وقال أبو عبيدة: حظه .

قال ابن قتيبة: والمعنى فيما أرى - والله أعلم -: أن لكل امرئ حظا من الخير والشر قد قضاه الله [ عليه ]، فهو لازم عنقه،والعرب تقول لكل ما لزم الإنسان: قد لزم عنقه، وهذا لك علي وفي عنقي حتى أخرج منه، وإنما قيل للحظ من الخير والشر: ( طائر )، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر، على طريق الفأل والطيرة، فخاطبهم الله بما يستعملون وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر هو الذي يلزمه أعناقهم .

وقال الأزهري: الأصل في هذا أن الله تعالى لما خلق آدم، علم المطيع من ذريته والعاصي، فكتب ما علمه منهم أجمعين، وقضى سعادة من علمه مطيعا، وشقاوة من علمه عاصيا، فصار لكل منهم ما هو صائر إليه عند خلقه وإنشائه، فذلك قوله: " ألزمناه طائره في عنقه " .

والرابع: أنه ما يتطير من مثله من شيء عمله، وذكر العنق عبارة عن اللزوم [ ص: 16 ] له، كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس، هذا قول الزجاج . وقال ابن الأنباري: الأصل في تسميتهم العمل طائرا، أنهم كانوا يتطيرون من بعض الأعمال .

قوله تعالى: " ونخرج له " قرأ أبو جعفر: ( ويخرج ) بياء مضمومة وفتح الراء . وقرأ يعقوب وعبد الوارث بالياء مفتوحة وضم الراء . وقرأ قتادة وأبو المتوكل: ( ويخرج ) بياء مرفوعة وكسر الراء . وقرأ أبو الجوزاء والأعرج: ( وتخرج ) بتاء مفتوحة ورفع الراء . " يوم القيامة كتابا " وقرأ ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: ( كتاب ) بالرفع، " يلقاه " وقرأ ابن عامر وأبو جعفر: ( يلقاه ) بضم الياء وتشديد القاف . وأمال حمزة والكسائي القاف . قال المفسرون: هذا كتابه الذي فيه ما عمل . وكان أبو السوار العدوي إذا قرأ هذه الآية قال: نشرتان وطية، أما ما حييت يا ابن آدم، فصحيفتك منشورة، فأمل فيها ما شئت، فإذا مت طويت، ثم إذا بعثت نشرت .

قوله تعالى: " اقرأ كتابك " وقرأ أبو جعفر: ( اقرأ ) بتخفيف الهمزة، وفيه إضمار، تقديره: فيقال له: اقرأ كتابك . قال الحسن: يقرؤه أميا كان أو غير أمي، ولقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك .

وفي معنى " حسيبا " ثلاثة أقوال:

أحدها: محاسبا . والثاني: شاهدا . والثالث: كافيا، والمعنى: أن الإنسان يفوض إليه حسابه، ليعلم عدل الله بين العباد، ويرى وجوب حجة الله عليه واستحقاقه العقوبة، ويعلم أنه إن دخل الجنة فبفضل الله لا بعمله، وإن دخل النار فبذنبه . قال ابن الأنباري: وإنما قال: " حسيبا " ، والنفس مؤنثة ; لأنه يعني بالنفس: الشخص، أو لأنه لا علامة للتأنيث في لفظ النفس، فشبهت [ ص: 17 ] بالسماء والأرض . قال تعالى: السماء منفطر به [ المزمل: 18 ]، قال الشاعر:


[ فلا مزنة ودقت ودقها ] ولا أرض أبقل إبقالها

من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا .

قوله تعالى: " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه " ; أي: له ثواب اهتدائه، وعليه عقاب ضلاله .

قوله تعالى: " ولا تزر وازرة " ; أي: نفس وازرة . " وزر أخرى " قال ابن عباس: إن الوليد بن المغيرة قال: اتبعوني وأنا أحمل أوزاركم، فقال الله تعالى: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " . قال أبو عبيدة: والمعنى: ولا تأثم آثمة إثم أخرى . قال الزجاج: يقال: وزر، يزر، فهو وازر، وزرا، ووزرا، ووزرة، ومعناه: أثم إثما .

وفي تأويل هذه الآية وجهان:

أحدهما: أن الآثم لا يؤخذ بذنب غيره .

والثاني: أنه لا ينبغي أن يعمل الإنسان بالإثم ; لأن غيره عمله كما [ ص: 18 ] قال الكفار: إنا وجدنا آباءنا على أمة [ الزخرف: 22 ] . ومعنى " حتى نبعث رسولا " ; أي: حتى نبين ما به نعذب، وما من أجله ندخل الجنة .

فصل

قال القاضي أبو يعلى: في هذا دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلا، وإنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك لم يقطع عليه بالنار . قال: وقيل: معناه: أنه لا يعذب في ما طريقه السمع إلا بقيام حجة السمع من جهة الرسول، ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها، لم يلزمه قضاء شيء منها ; لأنها لم تلزمه إلا بعد قيام حجة السمع، والأصل فيه قصة أهل قباء حين استداروا إلى الكعبة ولم يستأنفوا، ولو أسلم في دار الإسلام ولم يعلم بفرض الصلاة، فالواجب عليه القضاء ; لأنه قد رأى الناس يصلون في المساجد بأذان وإقامة، وذلك دعاء إليها .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #346  
قديم 29-09-2022, 12:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ
الْإِسْرَاءِ
الحلقة (346)
صــ 19 إلى صــ 26






وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا .

قوله تعالى: " وإذا أردنا أن نهلك قرية " في سبب إرادته لذلك قولان:

أحدهما: ما سبق لهم في قضائه من الشقاء . والثاني: عنادهم الأنبياء وتكذيبهم إياهم .

قوله تعالى: " أمرنا مترفيها " قرأ الأكثرون: ( أمرنا ) مخففة على وزن ( فعلنا )، وفيها ثلاثة أقوال: [ ص: 19 ]

أحدها: أنه من الأمر، وفي الكلام إضمار، تقديره: أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا، هذا مذهب سعيد بن جبير . قال الزجاج: ومثله في الكلام: أمرتك فعصيتني، فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر .

والثاني: ( كثرنا ) يقال: أمرت الشيء وآمرته ; أي: كثرته، ومنه قولهم: مهرة مأمورة ; أي: كثيرة النتاج، يقال: أمر بنو فلان يأمرون أمرا: إذا كثروا، هذا قول أبي عبيدة وابن قتيبة .

والثالث: أن معنى " أمرنا " : أمرنا، يقال: أمرت الرجل، بمعنى: أمرته، والمعنى: سلطنا مترفيها بالإمارة، ذكره ابن الأنباري . وروى خارجة عن نافع: ( آمرنا ) ممدودة، مثل: ( آمنا )، وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثير، وهي قراءة ابن عباس، وأبي الدرداء، وأبي رزين، والحسن، والضحاك، ويعقوب . قال ابن قتيبة: وهي اللغة العالية المشهورة، ومعناه: كثرنا أيضا . وروى ابن مجاهد أن أبا عمرو قرأ: ( أمرنا ) مشددة الميم، وهي رواية أبان عن عاصم، وهي قراءة أبي العالية، والنخعي، والجحدري . قال ابن قتيبة: المعنى: جعلناهم أمراء . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن يعمر: ( أمرنا ) بفتح الهمزة مكسورة الميم مخففة . فأما المترفون فهم المتنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش، والمفسرون يقولون: هم الجبارون والمسلطون والملوك، وإنما خص المترفين بالذكر ; لأنهم الرؤساء، ومن عداهم تبع لهم .

قوله تعالى: ففسقوا فيها ; أي: تمردوا في كفرهم ; لأن الفسق في الكفر: الخروج إلى أفحشه . وقد شرحنا معنى الفسق في ( البقرة: 26، 197 ) .

قوله تعالى: " فحق عليها القول " قال مقاتل: وجب عليها العذاب . وقد ذكرنا معنى " التدمير " في ( الأعراف: 137 ) [ ص: 20 ]

قوله تعالى: " وكم أهلكنا من القرون " وهو جمع قرن . وقد ذكرنا اختلاف الناس فيه في ( الأنعام: 6 )، وشرحنا معنى " الخبير " و " البصير " في ( البقرة ) . قال مقاتل: وهذه الآية تخويف لأهل مكة .
من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا .

قوله تعالى: " من كان يريد العاجلة " يعني: من كان يريد بعمله الدنيا، فعبر بالنعت عن الاسم، " عجلنا له فيها ما نشاء " من عرض الدنيا، وقيل: من البسط والتقتير، " لمن نريد " فيه قولان:

أحدهما: لمن نريد هلكته، قاله أبو إسحاق الفزاري .

والثاني: لمن نريد أن نعجل له شيئا، وفي هذا ذم لمن أراد بعمله الدنيا، وبيان أنه لا ينال مع ما يقصده منها إلا ما قدر له، ثم يدخل النار في الآخرة . وقال ابن جرير: هذه الآية لمن لا يوقن بالمعاد . وقد ذكرنا معنى " جهنم " في ( البقرة: 206 ) ، ومعنى " يصلاها " في سورة ( النساء: 10 )، ومعنى " مذموما مدحورا " في ( الأعراف: 18 ) .

قوله تعالى: " ومن أراد الآخرة " يعني: الجنة . " وسعى لها سعيها " ; أي: عمل لها العمل الذي يصلح لها، وإنما قال: " وهو مؤمن " ; لأن الإيمان شرط في صحة الأعمال، " فأولئك كان سعيهم مشكورا " ; أي: مقبولا . وشكر الله عز وجل لهم: ثوابه إياهم وثناءه عليهم .
كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة [ ص: 21 ] أكبر درجات وأكبر تفضيلا لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا .

قوله تعالى: " كلا نمد هؤلاء " قال الزجاج: " كلا " منصوب بـ " نمد " ، " هؤلاء " بدل من " كل " ، والمعنى: نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك . قال المفسرون: كلا نعطي من الدنيا، البر والفاجر، والعطاء هاهنا: الرزق، والمحظور: الممنوع، والمعنى: أن الرزق يعم المؤمن والكافر، والآخرة للمتقين خاصة . ( انظر ) يا محمد، " كيف فضلنا بعضهم على بعض " وفيما فضلوا فيه قولان:

أحدهما: الرزق، منهم مقل ومنهم مكثر .

والثاني: الرزق والعمل، فمنهم موفق لعمل صالح، ومنهم ممنوع من ذلك .

قوله تعالى: " لا تجعل مع الله إلها آخر " الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى عام لجميع المكلفين . والمخذول: الذي لا ناصر له، والخذلان: ترك العون . قال مقاتل: نزلت حين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه .
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا .

قوله تعالى: " وقضى ربك " روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: أمر ربك . ونقل عنه الضحاك أنه قال: إنما هي ( ووصى ربك ) فالتصقت إحدى [ ص: 22 ] الواوين بـ( الصاد )، وكذلك قرأ أبي بن كعب، وأبو المتوكل، وسعيد بن جبير: ( ووصى )، وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإجماع، فلا يلتفت إليه . وقرأ أبو عمران، وعاصم الجحدري، ومعاذ القارئ: ( وقضاء ربك ) بقاف وضاد بالمد والهمز والرفع وخفض اسم الرب . قال ابن الأنباري: هذا القضاء من باب الحتم والوجوب، لكنه من باب الأمر والفرض، وأصل القضاء في اللغة: قطع الشيء بإحكام وإتقان، قال الشاعر يرثي عمر:


قضيت أمورا ثم غادرت بعدها بوائق في أكمامها لم تفتق


أراد: قطعتها محكما لها .

قوله تعالى: " وبالوالدين إحسانا " ; أي: وأمر بالوالدين إحسانا، وهو البر والإكرام، وقد ذكرنا هذا في ( البقرة: 83 ) .

قوله تعالى: " إما يبلغن " قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وعاصم، وابن عامر: ( يبلغن ) على التوحيد . وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: ( يبلغان ) [ ص: 23 ] على التثنية . قال الفراء: جعلت " يبلغن " فعلا لأحدهما، وكرت عليهما " كلاهما " . ومن قرأ: ( يبلغان )، فإنه ثنى ; لأن الوالدين قد ذكرا قبل هذا، فصار الفعل على عددهما، ثم قال: " أحدهما أو كلاهما " على الاستئناف، كقوله: فعموا وصموا [ المائدة: 71 ]، ثم استأنف فقال: " كثير منهم " .

قوله تعالى: " فلا تقل لهما أف " قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: ( أف ) بالكسر من غير تنوين . وقرأ ابن كثير، وابن عامر، ويعقوب، والمفضل: ( أف ) بالفتح من غير تنوين . وقرأ نافع وحفص عن عاصم: ( أف ) بالكسر والتنوين . وقرأ أبو الجوزاء وابن يعمر: ( أف ) بالرفع والتنوين وتشديد الفاء . وقرأ معاذ القارئ، وعاصم الجحدري، وحميد بن قيس: ( أفا ) مثل ( تعسا ) . وقرأ أبو عمران الجوني وأبو السماك العدوي: ( أف ) بالرفع من غير تنوين مع تشديد الفاء، وهي رواية الأصمعي عن أبي عمرو . وقرأ عكرمة، وأبو المتوكل، وأبو رجاء، وأبو الجوزاء: ( أف ) بإسكان الفاء وتخفيفها ; قال الأخفش: وهذا لأن بعض العرب يقول: ( أف لك ) على الحكاية، والرفع قبيح ; لأنه لم يجئ بعده لام . وقرأ أبو العالية وأبو حصين الأسدي: ( أفي ) بتشديد الفاء وياء . وروى ابن الأنباري أن بعضهم قرأها: ( إف ) بكسر الهمزة . وقال الزجاج: فيها سبع لغات: الكسر بلا تنوين وبتنوين، والضم بلا تنوين وبتنوين، والفتح بلا تنوين وبتنوين، واللغة السابعة لا تجوز في القراءة: ( أفي ) بالياء، هكذا قال الزجاج . وقال ابن الأنباري: في ( أف ) عشرة أوجه: ( أف لك ) بفتح الفاء، و( أف ) بكسرها، و( أف )، و( أفا لك ) بالنصب والتنوين على مذهب الدعاء [ ص: 24 ] كما تقول: ( ويلا ) للكافرين، و( أف لك ) بالرفع والتنوين، وهو رفع باللام، كقوله تعالى: ويل للمطففين [ المطففون: 1 ]، و( أفه لك ) بالخفض والتنوين تشبيها بالأصوات، كقولك: ( صه، ومه )، و( أفها لك ) على مذهب الدعاء أيضا، و( أفي لك ) على الإضافة إلى النفس، و( أف لك ) بسكون الفاء تشبيها بالأدوات، مثل: ( كم، وهل، وبل )، و( إف لك ) بكسر الألف . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: وتقول: ( أف منه، وأف، وأف، وأف، وأفا، وأف، وأفي مضاف، وأفها، وأفا بالألف )، ولا تقل: ( أفي ) بالياء، فإنه خطأ .

فأما معنى ( أف ) ففيه خمسة أقوال:

أحدها: أنه وسخ الظفر، قاله الخليل . والثاني: وسخ الأذن، قاله الأصمعي . والثالث: قلامة الظفر، قاله ثعلب . والرابع: أن ( الأف ): الاحتقار والاستصغار من ( الأفف ) . والأفف عند العرب: القلة، ذكره ابن الأنباري . والخامس: أن ( الأف ) ما رفعته من الأرض من عود أو قصبة، حكاه ابن فارس اللغوي . وقرأت على شيخنا أبي منصور، قال: معنى ( الأف ): النتن والتضجر، وأصلها: نفخك الشيء يسقط عليك من تراب ورماد، وللمكان تريد إماطة الأذى عنه، فقيلت لكل مستثقل . قال المصنف: وأما قولهم: ( تف ) فقد جعلها قوم بمعنى ( أف )، فروي عن أبي عبيد أنه قال: أصل ( الأف، والتف ): الوسخ على الأصابع إذا فتلته . وحكى ابن الأنباري فرقا، فقال: قال اللغويون: أصل ( الأف ) في اللغة: وسخ الأذن، و( التف ): وسخ الأظفار، فاستعملتهما العرب فيما يكره ويستقذر ويضجر منه . وحكى الزجاج فرقا آخر، فقال: قد [ ص: 25 ] قيل: إن ( أف ): وسخ الأظفار، و( التف ): الشيء الحقير، نحو: وسخ الأذن، أو الشظية تؤخذ من الأرض، ومعنى ( أف ): النتن، ومعنى الآية: لا تقل لهما كلاما تتبرم فيه بهما إذا كبرا وأسنا، فينبغي أن تتولى من خدمتهما مثل الذي توليا من القيام بشأنك وخدمتك . " ولا تنهرهما " ; أي: لا تكلمهما ضجرا صائحا في وجوههما . وقال عطاء بن أبي رباح: لا تنفض يدك عليهما، يقال: نهرته أنهره نهرا، وانتهرته انتهارا، بمعنى واحد . وقال ابن فارس: نهرت الرجل وانتهرته، مثل: زجرته . قال المفسرون: وإنما نهى عن أذاهما في الكبر، وإن كان منهيا عنه على كل حالة ; لأن حالة الكبر يظهر فيها منهما ما يضجر ويؤذي، وتكثر خدمتهما .

قوله تعالى: " وقل لهما قولا كريما " ; أي: لينا لطيفا أحسن ما تجد . وقال سعيد بن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ .

قوله تعالى: " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " ; أي: ألن لهما جانبك متذللا لهما من رحمتك إياهما . وخفض الجناح قد شرحناه في [ الحجر: 88 ] . قال عطاء: جناحك: يداك، فلا ترفعهما على والديك . والجمهور يضمون الذال من " الذل " . وقرأ أبو رزين، والحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعاصم الجحدري، وابن أبي عبلة: بكسر الذال . قال الفراء: الذل: أن تتذلل لهما، من الذل، والذل: أن تتذلل ولست بذليل في الخدمة، والذل والذلة: مصدر الذليل، والذل بالكسر: مصدر الذلول، مثل: الدابة والأرض . قال ابن الأنباري: من قرأ ( الذل ) بكسر الذال، جعله بمعنى الذل بضم الذال، والذي عليه كبراء أهل اللغة أن الذل من الرجل: الذليل، والذل من الدابة: الذلول .

قوله تعالى: " وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا " ; أي: مثل رحمتهما إياي في [ ص: 26 ] صغري حتى ربياني . وقد ذهب قوم إلى أن هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء لأهل الشرك بقوله: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين [ التوبة: 113 ]، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، ومقاتل . قال المصنف: ولا أرى هذا نسخا عند الفقهاء ; لأنه عام دخله التخصيص، وقد ذكر قريبا مما قلته ابن جرير .

قوله تعالى: " ربكم أعلم بما في نفوسكم " ; أي: بما تضمرون من البر والعقوق، فمن بدرت منه بادرة وهو لا يضمر العقوق، غفر له ذلك، وهو قوله: " إن تكونوا صالحين " ; أي: طائعين لله، [ وقيل ]: بارين، وقيل: توابين . " فإنه كان للأوابين غفورا " في الأواب عشرة أقوال:

أحدها: أنه المسلم، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني: أنه التواب، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك، وأبو عبيدة . وقال ابن قتيبة: هو التائب مرة بعد مرة . وقال الزجاج: هو التواب المقلع عن جميع ما نهاه الله عنه، يقال: قد آب يؤوب أوبا: إذا رجع .

والثالث: أنه المسبح، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والرابع: أنه المطيع لله تعالى، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

والخامس: أنه الذي يذكر ذنبه في الخلاء، فيستغفر الله منه، قاله عبيد بن عمير .

والسادس: أنه المقبل إلى الله تعالى بقلبه وعمله، قاله الحسن .

والسابع: المصلي، قاله قتادة .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #347  
قديم 29-09-2022, 12:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ
الْإِسْرَاءِ
الحلقة (347)
صــ 27 إلى صــ 34




والثامن: هو الذي يصلي بين المغرب والعشاء، قاله ابن المنكدر . [ ص: 27 ]

والتاسع: الذي يصلي صلاة الضحى، قاله عون العقيلي .

والعاشر: أنه الذي يذنب سرا ويتوب سرا، قاله السدي .
وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا .

قوله تعالى: " وآت ذا القربى حقه " فيه قولان:

أحدهما: أنه قرابة الرجل من قبل أبيه وأمه، قاله ابن عباس والحسن، فعلى هذا في حقهم ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد به: برهم وصلتهم . والثاني: النفقة الواجبة لهم وقت الحاجة . والثالث: الوصية لهم عند الوفاة .

والثاني: أنهم قرابة الرسول، قاله علي بن الحسين عليهما السلام، والسدي، فعلى هذا يكون حقهم: إعطاؤهم من الخمس، ويكون الخطاب للولاة .

قوله تعالى: " والمسكين وابن السبيل " قال القاضي أبو يعلى: يجوز أن يكون المراد: الصدقات الواجبة، يعني: الزكاة، ويجوز أن يكون الحق الذي يلزمه إعطاؤه عند الضرورة إليه . وقيل: حق المسكين من الصدقة، وابن السبيل من الضيافة .

قوله تعالى: " ولا تبذر تبذيرا " في التبذير قولان:

أحدهما: أنه إنفاق المال في غير حق، قاله ابن مسعود وابن [ ص: 28 ] عباس . وقال مجاهد: لو أنفق الرجل ماله كله في حق، ما كان مبذرا، ولو أنفق مدا في غير حق كان مبذرا . قال الزجاج: التبذير: النفقة في غير طاعة الله، وكانت الجاهلية تنحر الإبل وتبذر الأموال تطلب بذلك الفخر والسمعة، فأمر الله عز وجل بالنفقة في وجهها فيما يقرب منه .

والثاني: أنه الإسراف المتلف للمال، ذكره الماوردي . وقال أبو عبيدة: المبذر: هو المسرف المفسد العائث .

قوله تعالى: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " لأنهم يوافقونهم فيما يدعونهم إليه، ويشاكلونهم في معصية الله . " وكان الشيطان لربه كفورا " ; أي: جاحدا لنعمه، وهذا يتضمن أن المسرف كفور للنعم .

قوله تعالى: " وإما تعرضن عنهم " في المشار إليهم أربعة أقوال:

أحدها: أنهم الذين تقدم ذكرهم من الأقارب والمساكين وأبناء السبيل، قاله الأكثرون، فعلى هذا في علة هذا الإعراض قولان: أحدهما: الإعسار، قاله الجمهور . والثاني: خوف إنفاقهم ذلك في معصية الله، قاله ابن زيد، وعلى هذا في الرحمة قولان: أحدهما: الرزق، قاله الأكثرون . والثاني: أنه الصلاح والتوبة، هذا على قول ابن زيد .

والثاني: أنهم المشركون، فالمعنى: وإما تعرضن عنهم لتكذيبهم، قاله سعيد بن جبير . فتحتمل إذا الرحمة وجهين: أحدهما: انتظار النصر عليهم . والثاني: الهداية لهم .

والثالث: أنهم ناس من مزينة جاؤوا يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا أجد ما أحملكم عليه " ، فبكوا، فنزلت هذه الآية، قاله عطاء الخراساني . [ ص: 29 ]

والرابع: أنها نزلت في خباب، وبلال، وعمار، ومهجع، ونحوهم من الفقراء، كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجد ما يعطيهم، فيعرض عنهم ويسكت، قاله مقاتل، فعلى هذا القول والذي قبله تكون الرحمة بمعنى: الرزق .

قوله تعالى: " فقل لهم قولا ميسورا " قال أبو عبيدة: لينا هينا، وهو من اليسر . وللمفسرين فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه العدة الحسنة، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد .

والثاني: أنه القول الجميل، مثل أن يقول: رزقنا الله وإياك، قاله ابن زيد، وهذا على ما تقدم من قوله .

والثالث: أنه المداراة لهم باللسان على قول من قال: هم المشركون، قاله أبو سليمان الدمشقي، وعلى هذا القول تحتمل الآية النسخ .
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا .

قوله تعالى: " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك " سبب نزولها: أن غلاما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي تسألك كذا وكذا، قال: " ما عندنا اليوم شيء " ، قال: فتقول لك: اكسني قميصك، قال: فخلع قميصه فدفعه إليه، وجلس في البيت حاسرا، فنزلت هذه الآية، قاله ابن مسعود . وروى جابر [ ص: 30 ] ابن عبد الله نحو هذا، فزاد فيه: فأذن بلال للصلاة، وانتظروه فلم يخرج، فشغل قلوب الصحابة، فدخل عليه بعضهم، فرأوه عريانا، فنزلت هذه الآية، والمعنى: لا تمسك يدك عن البذل كل الإمساك حتى كأنها مقبوضة إلى عنقك، " ولا تبسطها كل البسط " في الإعطاء والنفقة، " فتقعد ملوما " تلوم نفسك ويلومك الناس، " محسورا " قال ابن قتيبة: تحسرك العطية وتقطعك كما يحسر السفر البعير، فيبقى منقطعا به . قال الزجاج: المحسور: الذي قد بلغ الغاية في التعب والإعياء، فالمعنى: فتقعد وقد بلغت في الحمل على نفسك وحالك حتى صرت بمنزلة من قد حسر . قال القاضي أبو يعلى: وهذا الخطاب أريد به غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه لم يكن يدخر شيئا لغد، وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه، وقد كان كثير من فضلاء الصحابة ينفقون جميع ما يملكون، فلم ينههم الله لصحة يقينهم، وإنما نهى من خيف عليه التحسر على ما خرج من يده، فأما من وثق بوعد الله تعالى، فهو غير مراد بالآية .

قوله تعالى: " إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " ; أي: يوسع على من يشاء ويضيق، " إنه كان بعباده خبيرا بصيرا " حيث أجرى أرزاقهم على ما علم فيه صلاحهم .

قوله تعالى: " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " قد فسرناه في ( الأنعام: 151 ) .

قوله تعالى: كان خطئا كبيرا قرأ نافع، وأبو عمرو ، وعاصم، وحمزة، والكسائي: ( خطأ ) مكسورة الخاء ساكنة الطاء مهموزة مقصورة . وقرأ ابن كثير وعطاء: ( خطاء ) مكسورة الخاء ممدودة مهموزة . وقرأ ابن عامر: ( خطأ ) بنصب الخاء والطاء وبالهمز من غير مد . وقرأ أبو رزين كذلك، إلا [ ص: 31 ] أنه مد . وقرأ الحسن وقتادة: ( خطأ ) بفتح الخاء وسكون الطاء مهموز مقصور . وقرأ الزهري وحميد بن قيس: ( خطا ) بكسر الخاء وتنوين الطاء من غير همز ولا مد . قال الفراء: الخطء: الإثم، وقد يكون في معنى ( خطأ )، كما قالوا: ( قتب وقتب، وحذر وحذر، ونجس ونجس )، والخطء والخطاء والخطاء ممدود: لغات . وقال أبو عبيدة: خطئت وأخطأت لغتان . وقال أبو علي: قراءة ابن كثير: ( خطاء يجوز أن تكون مصدر ( خاطأ )، وإن لم يسمع ( خاطأ )، ولكن قد جاء ما يدل عليه، أنشد أبو عبيدة:

الخطء والخطء والخطاء .

وقال الأخفش: خطئ يخطأ بمعنى ( أذنب )، وليس بمعنى أخطأ ; لأن ( أخطأ ): فيما لم يصنعه عمدا، تقول فيما أتيته عمدا: خطئت، وفيما لم تتعمده: ( أخطأت ) . وقال ابن الأنباري: ( الخطء ): الإثم، يقال: قد خطئ يخطأ: إذا أثم، وأخطأ يخطئ: إذا فارق الصواب . وقد شرحنا هذا في ( يوسف: 91 ) عند قوله: وإن كنا لخاطئين .
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا .

قوله تعالى: ولا تقربوا الزنا وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، والحسن: بالمد . قال أبو عبيدة: وقد يمد " الزنا " في كلام أهل نجد، قال الفرزدق:


أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا


[ ص: 32 ] وقال أيضا:


أخضبت فعلك للزناء ولم تكن يوم اللقاء لتخضب الأبطالا


وقال آخر:


[ كانت فريضة ما نقول ] كما كان الزناء فريضة الرجم


قوله تعالى: " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله " قد ذكرناه في ( الأنعام: 151 ) .

قوله تعالى: " فقد جعلنا " قال الزجاج: الأجود إدغام الدال مع الجيم، والإظهار جيد بالغ، إلا أن الجيم من وسط اللسان، والدال من طرف اللسان، والإدغام جائز ; لأن حروف وسط اللسان تقرب من حروف طرف اللسان . ووليه: الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه، فإن لم يكن له ولي، فالسلطان وليه .

وللمفسرين في السلطان قولان:

أحدهما: أنه الحجة، قاله ابن عباس . والثاني: أنه الوالي، والمعنى: فقد جعلنا لوليه سلطانا ينصره وينصفه في حقه، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: " فلا يسرف في القتل " قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وعاصم: ( فلا يسرف ) بالياء . وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء .

وفي المشار إليه في الآية قولان:

[ ص: 33 ] أحدهما: أنه ولي المقتول . وفي المراد بإسرافه خمسة أقوال: أحدها: أن يقتل غير القاتل، قاله ابن عباس والحسن . والثاني: أن يقتل اثنين بواحد، قاله سعيد بن جبير . والثالث: أن يقتل أشرف من الذي قتل، قاله ابن زيد . والرابع: أن يمثل، قاله قتادة . والخامس: أن يتولى هو قتل القاتل دون السلطان، ذكره الزجاج .

والثاني: أن الإشارة إلى القاتل الأول، والمعنى: فلا يسرف القاتل بالقتل تعديا وظلما، قاله مجاهد .

قوله تعالى: " إنه كان منصورا " ; أي: معانا عليه .

وفي هاء الكناية أربعة أقوال:

أحدها: أنها ترجع إلى الولي، فالمعنى: إنه كان منصورا بتمكينه من القود، قاله قتادة والجمهور .

والثاني: أنها ترجع إلى المقتول، فالمعنى: أنه كان منصورا بقتل قاتله، قاله مجاهد .

والثالث: أنها ترجع إلى الدم، فالمعنى: أن دم المقتول كان منصورا ; أي: مطلوبا به .

والرابع: أنها ترجع إلى القتل، ذكر القولين الفراء .
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن [ ص: 34 ] تأويلا ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا .

قوله تعالى: " ولا تقربوا مال اليتيم " قد شرحناه في ( الأنعام: 152 ) .

قوله تعالى: " وأوفوا بالعهد " وهو عام فيما بين العبد وبين ربه، وفيما بينه وبين الناس . قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد .

قوله تعالى: " كان مسؤولا " قال ابن قتيبة: أي: مسؤولا عنه .

قوله تعالى: " وأوفوا الكيل إذا كلتم " ; أي: أتموه ولا تبخسوا منه .

قوله تعالى: " وزنوا بالقسطاس " فيه خمس لغات: أحدها: ( قسطاس ) بضم القاف وسينين، وهذه قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وأبي بكر عن عاصم هاهنا وفي ( الشعراء: 182 ) . والثانية كذلك، إلا أن القاف مكسورة، وهذه قراءة حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم . قال الفراء: هما لغتان . والثالثة: ( قصطاص ) بصادين . والرابعة: ( قصطاس ) بصاد قبل الطاء وسين بعدها، وهاتان مرويتان عن حمزة . والخامسة: ( قسطان ) بالنون . قرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن دريد، قال: القسطاس: الميزان، رومي معرب، ويقال: قسطاس وقسطاس .

قوله تعالى: " ذلك خير " ; أي: ذلك الوفاء خير عند الله وأقرب إليه، " وأحسن تأويلا " ; أي: عاقبة في الجزاء .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #348  
قديم 29-09-2022, 12:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ
الْإِسْرَاءِ
الحلقة (348)
صــ 35 إلى صــ 42






قوله تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم " قال الفراء: أصل " تقف " من القيافة، وهي تتبع الأثر، وفيه لغتان: قفا يقفو، وقاف يقوف، وأكثر القراء يجعلونها من ( قفوت )، فيحرك الفاء إلى الواو ويجزم القاف، كما تقول: لا تدع . وقرأ معاذ القارئ: ( لا تقف )، مثل: تقل، والعرب [ ص: 35 ] تقول: قفت أثره، وقفوت، ومثله: عاث وعثا، وقاع الجمل الناقة، وقعاها: إذا ركبها . قال الزجاج: من قرأ بإسكان الفاء وضم القاف من قاف يقوف، فكأنه مقلوب من قفا يقفو، والمعنى واحد، تقول: قفوت الشيء أقفوه قفوا: إذا تبعت أثره . وقال ابن قتيبة: " ولا تقف " ; أي: لا تتبعه الظنون والحدس، وهو من القفاء مأخوذ، كأنك تقفو الأمور ; أي: تكون في أقفائها وأواخرها تتعقبها، والقائف: الذي يعرف الآثار ويتبعها، فكأنه مقلوب عن القافي .

وللمفسرين في المراد به أربعة أقوال:

أحدها: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني: لا تقل: رأيت، ولم تر، ولا سمعت، ولم تسمع، رواه عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، وبه قال قتادة .

والثالث: لا تشرك بالله شيئا، رواه عطاء أيضا عن ابن عباس .

والرابع: لا تشهد بالزور، قاله محمد بن الحنفية .

قوله تعالى: " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك " قال الزجاج: إنما قال: " كل " ، ثم قال: " كان " ; لأن كلا في لفظ الواحد، وإنما قال: " أولئك " لغير الناس ; لأن كل جمع أشرت إليه من الناس وغيرهم من الموات، تشير إليه بلفظ " أولئك " ، قال جرير:


ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام


قال المفسرون: الإشارة إلى الجوارح المذكورة، يسأل العبد يوم القيامة فيما إذا [ ص: 36 ] استعملها، وفي هذا زجر عن النظر إلى ما لا يحل، والاستماع إلى ما يحرم، والعزم على ما لا يجوز .
ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا .

قوله تعالى: ولا تمش في الأرض مرحا وقرأ الضحاك وابن يعمر: ( مرحا ) بكسر الراء، قال الأخفش: والكسر أجود ; لأن ( مرحا ) اسم الفاعل . قال الزجاج: وكلاهما في الجودة سواء، غير أن المصدر أوكد في الاستعمال، تقول: جاء زيد ركضا، وجاء زيد راكضا، فـ( ركضا ) أوكد في الاستعمال ; لأنه يدل على توكيد الفعل، وتأويل الآية: لا تمش في الأرض مختالا فخورا . والمرح: الأشر والبطر . وقال ابن فارس: المرح: شدة الفرح .

قوله تعالى: " إنك لن تخرق الأرض " فيه قولان:

أحدهما: لن تقطعها إلى آخرها . والثاني: لن تنفذها وتنقبها . قال ابن عباس: لن تخرق الأرض بكبرك، ولن تبلغ الجبال طولا بعظمتك . قال ابن قتيبة: والمعنى: لا ينبغي للعاجز أن يبذخ ويستكبر .

قوله تعالى: " كل ذلك كان سيئه " قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : ( سيئة ) منونا غير مضاف، على معنى: كان خطيئة، فعلى هذا يكون قوله: " كل ذلك " إشارة إلى المنهي عنه من المذكور فقط . وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: ( سيئه ) مضافا مذكرا، فتكون لفظة " كل " يشار بها إلى سائر ما تقدم ذكره . وكان أبو عمرو لا يرى هذه القراءة . قال الزجاج: [ ص: 37 ] وهذا غلط من أبي عمرو ; لأن في هذه الأقاصيص سيئا وحسنا، وذلك أن فيها الأمر ببر الوالدين، وإيتاء ذي القربى، والوفاء بالعهد، ونحو ذلك، فهذه القراءة أحسن من قراءة من نصب السيئة، وكذلك قال أبو عبيدة: تدبرت الآيات من قوله تعالى: " وقضى ربك " ، فوجدت فيها أمورا حسنة . وقال أبو علي: من قرأ: ( سيئة ) رأى أن الكلام انقطع عند قوله: " وأحسن تأويلا " ، وأن قوله: " ولا تقف " لا حسن فيه .

قوله تعالى: " ذلك مما أوحى إليك ربك " يشير إلى ما تقدم من الفرائض والسنن، " من الحكمة " ; أي: من الأمور المحكمة والأدب الجامع لكل خير . وقد سبق معنى " المدحور " ( الأعراف: 18) .
أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما .

قوله تعالى: " أفأصفاكم ربكم بالبنين " قال مقاتل: نزلت في مشركي العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الرحمن . وقال أبو عبيدة: ومعنى " أفأصفاكم " : اختصكم . وقال المفضل: أخلصكم . وقال الزجاج: اختار لكم صفوة الشيء . وهذا توبيخ للكفار، والمعنى: اختار لكم البنين دونه، وجعل البنات مشتركة بينكم وبينه، فاختصكم بالأعلى وجعل لنفسه الأدون .
ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا .

قوله تعالى: " ولقد صرفنا " معنى التصريف هاهنا: التبيين، وذلك أنه [ ص: 38 ] إنما يصرف القول ليبين . وقال ابن قتيبة: " صرفنا " بمعنى: وجهنا، وهو من قولك: صرفت إليك كذا ; أي: عدلت به إليك، وشدد للتكثير، كما تقول: فتحت الأبواب .

قوله تعالى: " ليذكروا " قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وعاصم، وابن عامر: ( ليذكروا ) مشدد . وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: ( ليذكروا ) مخفف، وكذلك قرؤوا في ( الفرقان: 50 ) . والتذكر: الاتعاظ والتدبر . " وما يزيدهم " تصريفنا وتذكيرنا . " إلا نفورا " قال ابن عباس: ينفرون من الحق ويتبعون الباطل .
قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا .

قوله تعالى: " قل لو كان معه آلهة كما يقولون " قرأ نافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: ( تقولون ) بالتاء . وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم: ( يقولون ) بالياء .

قوله تعالى: " إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا " فيه قولان:

أحدهما: لابتغوا سبيلا إلى ممانعته وإزالة ملكه، قاله الحسن وسعيد بن جبير .

والثاني: لابتغوا سبيلا إلى رضاه ; لأنهم دونه، قاله قتادة .

قوله تعالى: " عما يقولون " قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر، وحفص عن عاصم: ( يقولون ) بالياء . وقرأ حمزة والكسائي بالتاء . [ ص: 39 ]

قوله تعالى: " تسبح له السماوات السبع " قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: ( تسبح ) بالتاء . وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: ( يسبح ) بالياء . قال الفراء: وإنما حسنت الياء هاهنا ; لأنه عدد قليل، وإذا قل العدد من المؤنث والمذكر، كانت الياء فيه أحسن من التاء، قال عز وجل في المؤنث القليل: وقال نسوة [ يوسف: 30 ]، وقال في المذكر: فإذا انسلخ الأشهر الحرم [ التوبة: 5 ] . قال العلماء: والمراد بهذا التسبيح: الدلالة على أنه الخالق القادر .

قوله تعالى: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده " ( إن ) بمعنى ( ما ) . وهل هذا على إطلاقه أم لا ؟ فيه قولان:

أحدهما: أنه على إطلاقه، فكل شيء يسبحه حتى الثوب والطعام وصرير الباب، قاله إبراهيم النخعي .

والثاني: أنه عام يراد به الخاص . ثم فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كل شيء فيه الروح، قاله الحسن، وقتادة، والضحاك . والثاني: أنه كل ذي روح، وكل نام من شجر أو نبات ; قال عكرمة: الشجرة تسبح، والأسطوانة لا تسبح . وجلس الحسن على طعام فقدموا الخوان، فقيل له: أيسبح هذا الخوان ؟ فقال: قد كان يسبح مرة . والثالث: أنه كل شيء لم يغير عن حاله، فإذا تغير انقطع تسبيحه، روى خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب، قال: إن التراب ليسبح ما لم يبتل، فإذا ابتل ترك التسبيح، وإن الورقة تسبح ما دامت على الشجرة، فإذا سقطت تركت التسبيح، وإن الثوب ليسبح ما دام جديدا، فإذا توسخ ترك التسبيح . [ ص: 40 ]

فأما تسبيح الحيوان الناطق فمعلوم، وتسبيح الحيوان غير الناطق، فجائز أن يكون بصوته، وجائز أن يكون بدلالته على صانعه .

وفي تسبيح الجمادات ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه تسبيح لا يعلمه إلا الله . والثاني: أنه خضوعه وخشوعه لله . والثالث: أنه دلالته على صانعه، فيوجب ذلك تسبيح مبصره . فإن قلنا: إنه تسبيح حقيقة، كان قوله: " ولكن لا تفقهون تسبيحهم " لجميع الخلق، وإن قلنا: إنه دلالته على صانعه، كان الخطاب للكفار ; لأنهم لا يستدلون ولا يعتبرون . وقد شرحنا معنى " الحليم " و " الغفور " في ( البقرة: 225 ) .
وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا .

قوله تعالى: " حجابا مستورا " فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أن الحجاب هو الأكنة على قلوبهم، قاله قتادة . [ ص: 41 ]

والثاني: أنه حجاب يستره فلا ترونه، وقيل: إنها نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن . قال الكلبي: وهم أبو سفيان، والنضر بن الحارث، وأبو جهل، وأم جميل امرأة أبي لهب، فحجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن، فكانوا يأتونه ويمرون به ولا يرونه .

والثالث: أنه منع الله عز وجل إياهم عن أذاه، حكاه الزجاج .

وفي معنى " مستورا " قولان:

أحدهما: أنه بمعنى ساتر، قال الزجاج: وهذا قول أهل اللغة . قال الأخفش: وقد يكون الفاعل في لفظ المفعول، كما تقول: إنك مشؤوم علينا، وميمون علينا، وإنما هو شائم ويامن ; لأنه من ( شأمهم، ويمنهم ) .

والثاني: أن المعنى: حجابا مستورا عنكم لا ترونه، ذكره الماوردي . وقال ابن الأنباري: إذا قيل: الحجاب: هو الطبع على قلوبهم، فهو مستور عن الأبصار، فيكون " مستورا " باقيا على لفظه .

قوله تعالى: " وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه " قد شرحناه في ( الأنعام: 25 ) .

قوله تعالى: " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده " يعني: قلت: لا إله إلا الله، وأنت تتلو القرآن، " ولوا على أدبارهم " قال أبو عبيدة: أي: على أعقابهم، " نفورا " وهو: جمع نافر، بمنزلة قاعد وقعود، وجالس وجلوس . وقال الزجاج: تحتمل مذهبين: أحدهما: المصدر، فيكون المعنى: ولوا نافرين نفورا . والثاني: أن يكون " نفورا " جمع نافر .

وفي المشار إليهم قولان: أحدهما: أنهم الشياطين، قاله ابن عباس . والثاني: أنهم المشركون، وهذا مذهب ابن زيد .

قوله تعالى: " نحن أعلم بما يستمعون به " قال المفسرون: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 42 ] عليا عليه السلام أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين، ففعل ذلك، ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إلى التوحيد، وكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم: هو ساحر، هو مسحور، فنزلت هذه الآية: " نحن أعلم بما يستمعون به " ; أي: يستمعونه، والباء زائدة . " إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى " قال أبو عبيدة: هي مصدر من ( ناجيت ) واسم منها، فوصف القوم بها، والعرب تفعل ذلك، كقولهم: إنما هو عذاب، وأنتم غم، فجاءت في موضع ( متناجين ) . وقال الزجاج: والمعنى: وإذ هم ذوو نجوى، وكانوا يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون بينهم: هو ساحر، وهو مسحور، وما أشبه ذلك من القول .

قوله تعالى: " إذ يقول الظالمون " يعني: أولئك المشركون، " إن تتبعون " ; أي: ما تتبعون، " إلا رجلا مسحورا " وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه الذي سحر فذهب بعقله، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: مخدوعا مغرورا، قاله مجاهد .

والثالث: له سحر ; أي: رئة، وكل دابة أو طائر أو بشر يأكل فهو: مسحور ومسحر ; لأن له سحرا، قال لبيد:


فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر


وقال امرؤ القيس:


أرانا مرصدين لأمر غيب ونسحر بالطعام وبالشراب


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #349  
قديم 29-09-2022, 12:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ
الْإِسْرَاءِ
الحلقة (349)
صــ 43 إلى صــ 50





[ ص: 43 ]

أي: نغذى ; لأن أهل السماء لا يأكلون، فأراد أن يكون ملكا . فعلى هذا يكون المعنى: إن تتبعون إلا رجلا له سحر، خلقه الله كخلقكم، وليس بملك، وهذا قول أبي عبيدة .

قال ابن قتيبة: والقول قول مجاهد ; [ أي: مخدوعا ] ; لأن السحر حيلة وخديعة، ومعنى قول لبيد: ( المسحر ): المعلل، وقول امرئ القيس: ( ونسحر ); أي: نعلل، وكأنا نخدع، والناس يقولون: سحرتني بكلامك ; أي: خدعتني، ويدل عليه قوله: " انظر كيف ضربوا لك الأمثال " ; لأنهم لو أرادوا رجلا ذا رئة، لم يكن في ذلك مثل ضربوه، فلما أرادوا مخدوعا - كأنه بالخديعة سحر - كان مثلا ضربوه، وكأنهم ذهبوا إلى أن قوما يعلمونه ويخدعونه . قال المفسرون: ومعنى " ضربوا لك الأمثال " : بينوا لك الأشباه، حتى شبهوك بالساحر والشاعر والمجنون، " فضلوا " عن الحق، " فلا يستطيعون سبيلا " فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: لا يجدون سبيلا إلى تصحيح ما يعيبونك به .

والثاني: لا يستطيعون سبيلا إلى الهدى ; لأنا طبعنا على قلوبهم .

والثالث: لا يأتون سبيل الحق لثقله عليهم، ومثله قولهم: لا أستطيع أن أنظر إلى فلان، يعنون: أنا مبغض له، فنظري إليه يثقل، ذكرهن ابن الأنباري .

قوله تعالى: " أإذا كنا عظاما " قرأ ابن كثير: ( أيذا ) بهمزة ثم يأتي بياء ساكنة من غير مد، " أينا " مثله، وكذلك في كل القرآن . وكذلك روى قالون عن نافع، إلا أن نافعا كان لا يستفهم في ( أينا )، كان يجعل الثاني [ ص: 44 ] خبرا في كل القرآن، وكذلك مذهب الكسائي، غير أنه يهمز الأولى همزتين . وقرأ عاصم وحمزة بهمزتين في الحرفين جميعا . وقرأ ابن عامر: ( إذا كنا ) بغير استفهام بهمزة واحدة، ( آئنا ) بهمزتين يمد بينهما مدة .

قوله تعالى: " ورفاتا " فيه قولان:

أحدهما: أنه التراب، ولا واحد له، فهو بمنزلة الدقاق والحطام، قاله الفراء، وهو مذهب مجاهد .

والثاني: أنه العظام ما لم تتحطم، والرفات: الحطام، قاله أبو عبيدة . وقال الزجاج: الرفات: التراب . والرفات: كل شيء حطم وكسر . و " خلقا جديدا " في معنى مجددا .

قوله تعالى: " أو خلقا مما يكبر في صدوركم " فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه الموت، قاله ابن عمر، وابن عباس، والحسن، والأكثرون .

والثاني: أنه السماء والأرض والجبال، قاله مجاهد .

والثالث: [ أنه ] ما يكبر في صدوركم من كل ما استعظموه من خلق الله تعالى، قاله قتادة .

فإن قيل: كيف قيل لهم: " كونوا حجارة أو حديدا " وهم لا يقدرون على ذلك ؟ فعنه جوابان:

أحدهما: إن قدرتم على تغير حالاتكم، فكونوا حجارة أو أشد منها، فإنا نميتكم، وننفذ أحكامنا فيكم، ومثل هذا قولك للرجل: اصعد إلى السماء فإني لاحقك .

والثاني: تصوروا أنفسكم حجارة أو أصلب منها، فإنا سنبيدكم، قال الأحوص: [ ص: 45 ]


إذا كنت عزهاة عن اللهو والصبى فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا


معناه: فتصور نفسك حجرا، وهؤلاء قوم اعترفوا أن الله خالقهم وجحدوا البعث، فأعلموا أن الذي ابتدأ خلقهم هو الذي يحييهم .

قوله تعالى: " فسينغضون إليك رءوسهم " قال قتادة: يحركونها تكذيبا واستهزاء . قال الفراء: يقال: أنغض رأسه: إذا حركه إلى فوق وإلى أسفل . وقال ابن قتيبة: المعنى: يحركونها، كما يحرك الآيس من الشيء والمستبعد [ له ] رأسه، يقال: نغضت سنه: إذا تحركت .

قوله تعالى: " ويقولون متى هو " يعنون: البعث، " قل عسى أن يكون قريبا " ; أي: هو قريب . ثم بين متى يكون، فقال: " يوم يدعوكم " يعني: من القبور بالنداء الذي يسمعكم، وهو النفخة الأخيرة " فتستجيبون " ; أي: تجيبون . قال مقاتل: يقوم إسرافيل على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن، فيقول: أيتها العظام البالية، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها الشعور المتفرقة، وأيتها العروق المتقطعة، اخرجوا إلى فصل القضاء لتجزوا بأعمالكم، فيسمعون الصوت فيسعون إليه .

وفي معنى " بحمده " أربعة أقوال:

أحدها: بأمره، قاله ابن عباس، وابن جريج، وابن زيد .

والثاني: يخرجون من القبور وهم يقولون: سبحانك وبحمدك، قاله سعيد بن جبير . [ ص: 46 ]

والثالث: أن معنى " بحمده " : بمعرفته وطاعته، قاله قتادة . قال الزجاج: تستجيبون مقرين أنه خالقكم .

والرابع: تجيبون بحمد الله لا بحمد أنفسكم، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: " وتظنون إن لبثتم إلا قليلا " في هذا الظن قولان:

أحدهما: أنه بمعنى اليقين .

والثاني: أنه على أصله . وأين يظنون أنهم لبثوا قليلا ؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: بين النفختين، ومقداره أربعون سنة، ينقطع في ذلك العذاب عنهم، فيرون لبثهم في زمان الراحة قليلا، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: في الدنيا، لعلمهم بطول اللبث في الآخرة، قاله الحسن . والثالث: في القبور، قاله مقاتل . فعلى هذا إنما قصر اللبث في القبور عندهم ; لأنهم خرجوا إلى ما هو أعظم عذابا من عذاب القبور . وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية خطاب للمؤمنين ; لأنهم يجيبون المنادي وهم يحمدون الله على إحسانه إليهم، ويستقلون مدة اللبث في القبور ; لأنهم كانوا غير معذبين .
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا .

قوله تعالى: " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن " في سبب نزولها قولان:

أحدهما: أن المشركين كانوا يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بالقول والفعل، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أن رجلا من الكفار شتم عمر بن الخطاب، فهم به عمر رضي الله عنه، [ ص: 47 ] فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل، والمعنى: وقل لعبادي المؤمنين يقولوا الكلمة التي هي أحسن . واختلفوا فيمن تقال له هذه الكلمة على قولين:

أحدهما: أنهم المشركون، قال الحسن: تقول له: يهديك الله، وما ذكرنا من سبب نزول الآية يؤيد هذا القول . وذهب بعضهم إلى أنهم أمروا بهذه الآية بتحسين خطاب المشركين قبل الأمر بقتالهم، ثم نسخت هذه الآية بآية السيف .

والثاني: أنهم المسلمون، قاله ابن جرير . والمعنى: وقل لعبادي يقول بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة . وقد روى مبارك عن الحسن، قال: " التي هي أحسن " أن يقول له مثل قوله، ولكن يقول له: يرحمك الله ويغفر الله لك . قال الأخفش: وقوله: " يقولوا " مثل قوله: " يقيموا الصلاة " ، وقد شرحنا ذلك في سورة ( إبراهيم: 31 ) .

قوله تعالى: " إن الشيطان ينزغ بينهم " ; أي: يفسد ما بينهم، والعدو المبين: الظاهر العداوة .
ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا .

قوله تعالى: " ربكم أعلم بكم " فيمن خوطب بهذا قولان:

أحدهما: أنهم المؤمنون . ثم في معنى الكلام قولان: أحدهما: " إن يشأ يرحمكم " فينجيكم من أهل مكة، " و إن يشأ يعذبكم " فيسلطهم عليكم، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: إن يشأ يرحمكم بالتوبة، أو يعذبكم بالإقامة على الذنوب، قاله الحسن . [ ص: 48 ]

والثاني: أنهم المشركون . ثم في معنى الكلام قولان: أحدهما: إن يشأ يرحمكم فيهديكم للإيمان، أو إن يشأ يعذبكم فيميتكم على الكفر، قاله مقاتل . والثاني: أنه لما نزل القحط بالمشركين، فقالوا: ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون [ الدخان: 12 ]، قال الله تعالى: " ربكم أعلم بكم " من الذي يؤمن، ومن الذي لا يؤمن، " إن يشأ يرحمكم " فيكشف القحط عنكم، " أو إن يشأ يعذبكم " فيتركه عليكم، ذكره أبو سليمان الدمشقي . قال ابن الأنباري: و " أو " هاهنا دخلت لسعة الأمرين عند الله تعالى، وأنه لا يرد عنهما، فكانت ملحقة بـ( أو ) المبيحة في قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين، يعنون: قد وسعنا لك الأمر .

قوله تعالى: " وما أرسلناك عليهم وكيلا " فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: كفيلا تؤخذ بهم، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: حافظا وربا، قاله الفراء . والثالث: كفيلا بهدايتهم وقادرا على إصلاح قلوبهم، ذكره ابن الأنباري، وذهب بعض المفسرين إلى أن هذا منسوخ بآية السيف .
وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا .

قوله تعالى: " وربك أعلم بمن في السماوات والأرض " ; لأنه خالقهم، فهدى من شاء وأضل من شاء، وكذلك فضل بعض النبيين على بعض، وذلك عن حكمة منه وعلم، فخلق آدم بيده، ورفع إدريس، وجعل الذرية لنوح، واتخذ إبراهيم خليلا، وموسى كليما، وجعل عيسى روحا، وأعطى سليمان ملكا جسيما، ورفع محمدا صلى الله عليه وسلم فوق السماوات، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ويجوز أن يكون المفضلون أصحاب الكتب ; لأنه ختم الكلام بقوله: " وآتينا داود زبورا " . وقد شرحنا معنى " الزبور " في سورة ( النساء: 163 ) . [ ص: 49 ]
قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا .

قوله تعالى: " قل ادعوا الذين زعمتم من دونه " في سبب نزولها قولان:

أحدهما: أن نفرا من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجن والنفر من العرب لا يشعرون، فنزلت هذه الآية والتي بعدها، روي عن ابن مسعود .

والثاني: أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة، ويقولون: هي تشفع لنا عند الله، فلما ابتلوا بالقحط سبع سنين، قيل لهم: " ادعوا الذين زعمتم " ، قاله مقاتل، والمعنى: قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة، " فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا " له إلى غيركم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #350  
قديم 29-09-2022, 01:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ
الْإِسْرَاءِ
الحلقة (350)
صــ 51 إلى صــ 58



قوله تعالى: " أولئك الذين يدعون " في المشار إليهم بـ " أولئك " ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم الجن الذين أسلموا . والثاني: الملائكة، وقد سبق بيان [ ص: 50 ] القولين . والثالث: أنهم المسيح، وعزير، والملائكة، والشمس، والقمر، قاله ابن عباس . وفي معنى " يدعون " قولان:

أحدهما: يعبدون ; أي: يدعونهم آلهة، وهذا قول الأكثرين .

والثاني: أنه بمعنى يتضرعون إلى الله في طلب الوسيلة، وعلى هذا يكون قوله: " يدعون " راجعا إلى " أولئك " ، ويكون قوله: يبتغون تماما للكلام . وعلى القول الأول يكون " يدعون " راجعا إلى المشركين، ويكون قوله: " يبتغون " وصفا لـ " أولئك " مستأنفا . وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن: ( تدعون ) بالتاء . قال ابن الأنباري: فعلى هذا الفعل مردود إلى قوله: " فلا يملكون كشف الضر عنكم " . ومن قرأ: ( يدعون ) بالياء، قال: العرب تنصرف من الخطاب إلى الغيبة إذا أمن اللبس . ومعنى " يدعون " : يدعونهم آلهة . وقد فسرنا معنى " الوسيلة " في ( المائدة: 35 ) .

وفي قوله: " أيهم أقرب " قولان، ذكرهما الزجاج:

أحدهما: أن يكون " أيهم " مرفوعا بالابتداء، وخبره " أقرب " ، ويكون المعنى: يطلبون الوسيلة إلى ربهم، ينظرون أيهم أقرب إليه، فيتوسلون إلى الله به .

والثاني: أن يكون " أيهم أقرب " بدلا من الواو في " يبتغون " ، فيكون المعنى: يبتغي أيهم هو أقرب الوسيلة إلى الله ; أي: يتقرب إليه بالعمل الصالح .
وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا .

قوله تعالى: " وإن من قرية إلا نحن مهلكوها " ( إن ) بمعنى ( ما )، والقرية الصالحة هلاكها بالموت، والعاصية بالعذاب، والكتاب: اللوح المحفوظ، والمسطور: المكتوب . [ ص: 51 ]
وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا .

قوله تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات " سبب نزولها فيه قولان:

أحدهما: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئت نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم، قال: " لا، بل أستأني بهم " ، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني: قد ذكرناه عن الزبير في قوله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال [ الرعد: 31 ]، ومعنى الآية: وما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين، يعني: أن هؤلاء سألوا الآيات التي استوجب بتكذيبها الأولون العذاب، فلم يرسلها لئلا يكذب بها هؤلاء، فيهلكوا كما هلك أولئك، وسنة الله في الأمم أنهم إذا سألوا الآيات ثم كذبوا بها عذبهم .

قوله تعالى: " وآتينا ثمود الناقة مبصرة " قال ابن قتيبة: أي: بينة، يريد: مبصرا بها . قال ابن الأنباري: ويجوز أن تكون مبصرة، ويصلح أن يكون المعنى: مبصر مشاهدوها، فنسب إليها فعل غيرها تجوزا، كما يقال: لا أرينك هاهنا، فأدخل حرف النهي على غير المنهي عنه ; إذ المعنى: لا تحضر هاهنا حتى [ ص: 52 ] إذا جئت لم أرك فيه . ومن قرأ ( مبصرة ) بفتح الميم والصاد، فمعناه: المبالغة في وصف الناقة بالتبيان، كقولهم: الولد مجبنة .

قوله تعالى: " فظلموا بها " قال ابن عباس: فجحدوا بها . وقال الأخفش: بها كان ظلمهم .

قوله تعالى: " وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " ; أي: نخوف العباد ليتعظوا .

وللمفسرين في المراد بهذه الآيات أربعة أقوال:

أحدها: أنها الموت الذريع، قاله الحسن . والثاني: معجزات الرسل جعلها الله تعالى تخويفا للمكذبين . والثالث: آيات الانتقام تخويفا من المعاصي . والرابع: تقلب أحوال الإنسان من صغر إلى شباب، ثم إلى كهولة، ثم إلى مشيب ; ليعتبر بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره، ذكر هذه الأقوال الثلاثة الماوردي، ونسب القول الأخير منها إلى إمامنا أحمد رضي الله عنه .
وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا .

قوله تعالى: " وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس " فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أحاط علمه بالناس، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الربيع بن أنس . وقال مقاتل: أحاط علمه بالناس، يعني: أهل مكة، أن يفتحها لرسوله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 53 ]

والثاني: أحاطت قدرته بالناس فهم في قبضته، قاله مجاهد .

والثالث: حال بينك وبين الناس أن يقتلوك لتبلغ رسالته، قاله الحسن وقتادة .

قوله تعالى: " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس " في هذه الرؤيا قولان:

أحدهما: أنها رؤيا عين، وهي ما رأى ليلة أسري به من العجائب والآيات . روى عكرمة عن ابن عباس، قال: هي رؤيا عين رآها ليلة أسري به، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، ومسروق، والنخعي، وقتادة، وأبو مالك، وأبو صالح، وابن جريج، وابن زيد في آخرين . فعلى هذا يكون معنى الفتنة: الاختبار، فإن قوما آمنوا بما قال وقوما كفروا . قال ابن الأنباري: المختار في هذه الرؤية أن تكون يقظة، ولا فرق بين أن يقول القائل: رأيت فلانا رؤية، ورأيته رؤيا، إلا أن الرؤية يقل استعمالها في المنام، والرؤيا يكثر استعمالها في المنام، ويجوز كل واحد منهما في المعنيين .

والثاني: أنها رؤيا منام . ثم فيها قولان: أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 54 ] كان قد أري أنه يدخل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذ بالمدينة، فعجل قبل الأجل، فرده المشركون، فقال أناس: قد رد، وكان حدثنا أنه سيدخلها، فكان رجوعهم فتنتهم،رواه العوفي عن ابن عباس . وهذا لا ينافي حديث المعراج ; لأن هذا كان بالمدينة، والمعراج كان بمكة . قال أبو سليمان الدمشقي: وإنما ذكره ابن عباس على وجه الزيادة في الإخبار لنا أن المشركين بمكة افتتنوا برؤيا عينه، والمنافقين بالمدينة افتتنوا برؤيا نومه . والثاني: أنه أري بني أمية على المنابر فساءه ذلك، فقيل له: إنها الدنيا يعطونها، فسري عنه . فالفتنة هاهنا: البلاء، رواه علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب، وإن كان مثل هذا لا يصح، ولكن قد ذكره عامة المفسرين .

وروى ابن الأنباري أن سعيد بن المسيب قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما على منابر، فشق ذلك عليه، وفيه نزل: " والشجرة الملعونة في القرآن " ، قال: ومعنى قوله: " إلا فتنة للناس " : إلا بلاء للناس . قال ابن الأنباري: فمن ذهب إلى أن الشجرة رجال رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يصعدون على المنابر، احتج بأن الشجرة يكنى بها عن المرأة لتأنيثها، وعن الجماعة لاجتماع أغصانها . قالوا ووقعت اللعنة بهؤلاء الذين كني عنهم بالشجرة . قال المفسرون: وفي الآية تقديم وتأخير، تقديره: وما جعلنا الرؤيا والشجرة إلا فتنة للناس .

وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها شجرة الزقوم، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال [ ص: 55 ] مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومسروق، والنخعي، والجمهور . وقال مقاتل: لما ذكر الله تعالى شجرة الزقوم، قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا يخوفكم بشجرة الزقوم، ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر ؟ ومحمد يزعم أن النار تنبت الشجر، فهل تدرون ما الزقوم ؟ فقال عبد الله بن الزبعرى: إن الزقوم بلسان بربر: التمر والزبد، فقال أبو جهل: يا جارية ابغينا تمرا وزبدا، فجاءته به، فقال لمن حوله: تزقموا من هذا الذي يخوفكم به محمد، فأنزل الله تعالى: " ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا " . قال ابن قتيبة: كانت فتنتهم بالرؤيا قولهم: كيف يذهب إلى بيت المقدس ويرجع في ليلة ؟ وبالشجرة قولهم: كيف يكون في النار شجرة ؟

وللعلماء في معنى " الملعونة " ثلاثة أقوال: أحدها: المذمومة، قاله ابن عباس . والثاني: الملعون آكلها، ذكره الزجاج، وقال: إن لم يكن في القرآن ذكر لعنها، ففيه لعن آكليها، قال: والعرب تقول لكل طعام مكروه وضار: ملعون ; فأما قوله: " في القرآن " فالمعنى: التي ذكرت في القرآن، وهي مذكورة في قوله: إن شجرت الزقوم طعام الأثيم [ الدخان: 43، 44 ] . والثالث: أن معنى " الملعونة " : المبعدة عن منازل أهل الفضل، ذكره ابن الأنباري . [ ص: 56 ]

والقول الثاني: أن الشجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر، يعني: الكشوثى، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: أن الشجرة كناية عن الرجال على ما ذكرنا عن سعيد بن المسيب .

قوله تعالى: " ونخوفهم " قال ابن الأنباري: مفعول " نخوفهم " محذوف، تقديره: ونخوفهم العذاب، " فما يزيدهم " ; أي: فما يزيدهم التخويف " إلا طغيانا " ، وقد ذكرنا معنى الطغيان في ( البقرة: 15 )، وذكرنا هناك تفسير قوله: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس [ البقرة: 34 ] .
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا .

قوله تعالى: ( آسجد ) قرأه الكوفيون بهمزتين، وقرأه الباقون بهمزة مطولة، وهذا استفهام إنكار يعني به: لم أكن لأفعل .

قوله تعالى: " لمن خلقت طينا " قال الزجاج: " طينا " منصوب على وجهين:

[ ص: 57 ] أحدهما: التمييز، المعنى: لمن خلقته من طين . والثاني: على الحال، المعنى: أنشأته في حال كونه من طين . ولفظ " قال أرأيتك " جاء هاهنا بغير حرف عطف ; لأن المعنى: قال: آسجد لمن خلقت طينا وأرأيتك ؟ وهي في معنى: أخبرني، والكاف ذكرت في المخاطبة توكيدا، والجواب محذوف، والمعنى: أخبرني عن هذا الذي كرمت علي، لم كرمته علي وقد خلقتني من نار وخلقته من طين ؟ فحذف هذا ; لأن في الكلام دليلا عليه .

قوله تعالى: " لئن أخرتن إلى يوم القيامة " قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمر: ( أخرتني ) بياء في الوصل . ووقف ابن كثير بالياء . وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي بغير ياء في وصل ولا في وقف .

قوله تعالى: " لأحتنكن ذريته " فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: لأستولين عليهم، قاله ابن عباس والفراء . والثاني: لأضلنهم، قاله ابن زيد . والثالث: لأستأصلنهم، يقال: احتنك الجراد ما على الأرض: إذا أكله، واحتنك فلان ما عند فلان من العلم: إذا استقصاه، فالمعنى: لأقودنهم كيف شئت، هذا قول ابن قتيبة .

فإن قيل: من أين علم الغيب ؟ فقد أجبنا عنه في سورة ( النساء: 119 ) .

قوله تعالى: " إلا قليلا " قال ابن عباس: هم أولياء الله الذين عصمهم .

قوله تعالى: " قال اذهب " هذا اللفظ يتضمن إنظاره، " فمن تبعك " ; أي: تبع أمرك منهم، يعني: ذرية آدم . والموفور: الموفر . قال ابن قتيبة: يقال: وفرت ماله عليه، ووفرته، بالتخفيف والتشديد . [ ص: 58 ]

قوله تعالى: " واستفزز من استطعت منهم " قال ابن قتيبة: استخف، ومنه تقول: استفزني فلان .

وفي المراد بصوته قولان: أحدهما: أنه كل داع دعا إلى معصية الله، قاله ابن عباس . والثاني: أنه الغناء والمزامير، قاله مجاهد .

قوله تعالى: " وأجلب عليهم " ; أي: صح " بخيلك ورجلك " واحثثهم عليهم بالإغراء، يقال: أجلب القوم وجلبوا: إذا صاحوا . وقال الزجاج: المعنى: اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك ; فعلى هذا تكون الباء زائدة . قال ابن قتيبة: والرجل: الرجالة، يقال: راجل ورجل، مثل: تاجر وتجر، وصاحب وصحب . قال ابن عباس: كل خيل تسير في معصية الله، وكل رجل يسير في معصية الله . وقال قتادة: إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس . وروى حفص عن عاصم: ( بخيلك ورجلك ) بكسر الجيم، وهي قراءة ابن عباس، وأبي رزين، وأبي عبد الرحمن السلمي . قال أبو زيد: يقال: رجل رجل للراجل، ويقال: جاءنا حافيا رجلا . وقرأ ابن السميفع والجحدري: ( بخيلك ورجالك ) برفع الراء وتشديد الجيم مفتوحة وبألف بعدها . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعكرمة: ( ورجالك ) بكسر الراء وتخفيف الجيم مع ألف .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 472.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 467.02 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]