|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#341
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (326) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ مَكِّيَّةٌ الاية1 إلى الاية 26 سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( الم ( 1 ) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ( 2 ) ) ( الم أَحَسِبَ النَّاسُ ) أَظَنَّ النَّاسُ ( أَنْ يُتْرَكُوا ) بِغَيْرِ اخْتِبَارٍ وَلَا ابْتِلَاءٍ ) ( أَنْ يَقُولُوا ) [ أَيْ : بِأَنْ يَقُولُوا ( آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) لَا يُبْتَلَوْنَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ؟ كَلَّا لَنَخْتَبِرَنَّهُمْ لِنُبَيِّنَ الْمُخَلِصَ مِنَ الْمُنَافِقِ وَالصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ . وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ الشَّعْبِيُّ : نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ كَانُوا بِمَكَّةَ قَدْ أَقَرُّوا بِالْإِسْلَامِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ إِقْرَارٌ بِالْإِسْلَامِ حَتَّى تُهَاجِرُوا ، فَخَرَجُوا عَامِدِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَاتَّبَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ . [ ص: 232 ] وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : أَرَادَ بِالنَّاسِ الَّذِينَ آمَنُوا بِمَكَّةَ : سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ ، وَعَيَّاشَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَغَيْرَهُمْ . وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، كَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - . وَقَالَ مُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ فِي مِهْجَعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى عُمَرَ ، كَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مِهْجَعٌ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ " ، فَجَزِعَ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ . وَقِيلَ : " وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ بِمُجَرَّدِ الْإِيمَانِ ، ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةَ ، وَالزَّكَاةَ ، وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ ، فَشَقَّ عَلَى بَعْضِهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ، ثُمَّ عَزَّاهُمْ فَقَالَ : ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) [ ص: 233 ] ( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ( 5 ) ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين ( 6 ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ( 7 ) ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ( 8 ) ) ( من كان يرجو لقاء الله ) قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ومقاتل : من كان يخشى البعث والحساب ، والرجاء بمعنى الخوف . وقال سعيد بن جبير - رضي الله عنه - : من كان يطمع في ثواب الله ( فإن أجل الله لآت ) يعني : ما وعد الله من الثواب والعقاب . وقال مقاتل : يعني : يوم القيامة لكائن . ومعنى الآية : أن من يخشى الله أو يأمله فليستعد له ، وليعمل لذلك اليوم . كما قال : " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا " الآية ( الكهف - 110 ( وهو السميع العليم ) ( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) له ثوابه ، " والجهاد " : هو الصبر على الشدة ، ويكون ذلك في الحرب ، وقد يكون على مخالفة النفس . ( إن الله لغني عن العالمين ) عن أعمالهم وعباداتهم . ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ) لنبطلنها ، يعني : حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل . والتكفير : إذهاب السيئة بالحسنة ( ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ) أي : بأحسن أعمالهم وهو الطاعة . وقيل : نعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن ، كما قال : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ( الأنعام - 160 ) . قوله - عز وجل - : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) أي : برا بهما وعطفا عليهما ، معناه : ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن . نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان ( الآية 15 ) ، والأحقاف ( الآية 15 ) في سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري ، وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس - لما أسلم ، وكان من السابقين الأولين ، وكان بارا بأمه ، قالت له أمه : ما هذا الدين الذي أحدثت ؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه ، أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ، ويقال : يا قاتل أمه . ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم [ ص: 234 ] تستظل ، فأصبحت قد جهدت ، ثم مكثت يوما آخر لم تأكل ولم تشرب ، فجاء سعد إليها وقال : يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ، فلما أيست منه أكلت وشربت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمره بالبر بوالديه والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك ، فذلك قوله - عز وجل - : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) . وجاء في الحديث : " لا طاعة لمخلوق في معصية الله " . ثم أوعد بالمصير إليه فقال : ( إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها . ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ( 9 ) ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ( 10 ) ) ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ) في زمرة الصالحين وهم الأنبياء والأولياء ، وقيل : في مدخل الصالحين ، وهو الجنة . قوله تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله ) أصابه بلاء من الناس افتتن ( جعل فتنة الناس كعذاب الله ) أي : جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة . أي : جزع من عذاب الناس ولم يصبر عليه ، فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه ، هذا قول السدي وابن زيد ، قالا هو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر . ( ولئن جاء نصر من ربك ) أي : فتح ودولة للمؤمنين ) ( ليقولن ) يعني : هؤلاء المنافقين للمؤمنين : ( إنا كنا معكم ) على عدوكم وكنا مسلمين وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا ، فكذبهم الله وقال : [ ص: 235 ] ( أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ) من الإيمان والنفاق . ( وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ( 11 ) وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ( 12 ) ) ( وليعلمن الله الذين آمنوا ) صدقوا فثبتوا على الإسلام عند البلاء ( وليعلمن المنافقين ) بترك الإسلام عند نزول البلاء . واختلفوا في نزول هذه الآية ، قال مجاهد : نزلت في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم ، فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا . وقال عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : نزلت في الذين أخرجهم المشركون إلى بدر ، وهم الذين نزلت فيهم : " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " ( النساء - 97 ) . وقال قتادة : نزلت في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة . وقال الشعبي : هذه الآيات العشر من أول السورة إلى هاهنا مدنية ، وباقي السورة مكية . ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ) قال مجاهد : هذا من قول كفار مكة لمن آمن منهم . وقال الكلبي ومقاتل : قاله أبو سفيان لمن آمن من قريش ، " اتبعوا سبيلنا " : ديننا وملة آبائنا ، ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم ، فذلك قوله : ( ولنحمل خطاياكم ) أوزاركم . قال الفراء : لفظه أمر ، ومعناه جزاء مجازه : إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم ، كقوله : " فليلقه اليم بالساحل " ( طه - 39 ) . وقيل : هو جزم على الأمر ، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك ، فأكذبهم الله - عز وجل - فقال : ( وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ) فيما قالوا من حمل خطاياهم . [ ص: 236 ] ) ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ( 13 ) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ( 14 ) ( فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ( 15 ) وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( 16 ) إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ( 17 ) ) ( وليحملن أثقالهم ) أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم ( وأثقالا مع أثقالهم ) أي : أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم . نظيره قوله - عز وجل - : " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " ( النحل - 25 ) . ( وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ) سؤال توبيخ وتقريع . قوله تعالى : ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان ) فغرقوا ) ( وهم ظالمون ) قال ابن عباس : مشركون . ( فأنجيناه وأصحاب السفينة ) يعني من الغرق ) ( وجعلناها ) يعني السفينة ) ( آية ) أي : عبرة ) ( للعالمين ) فإنها كانت باقية على الجودي مدة مديدة . وقيل : جعلنا عقوبتهم للغرق عبرة . وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : بعث نوح لأربعين سنة ، وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا ، وكان عمره ألفا وخمسين سنة . قوله - عز وجل - : ) ( وإبراهيم ) أي : وأرسلنا إبراهيم ، ( إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ) أطيعوا الله وخافوه ( ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ( إنما تعبدون من دون الله أوثانا ) أصناما ( وتخلقون إفكا ) تقولون كذبا . قال مجاهد : تصنعون أصناما بأيدكم فتسمونها آلهة ( إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ) لا يقدرون أن يرزقوكم ) ( فابتغوا ) فاطلبوا ( عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ) [ ص: 237 ] ) ( وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين ( 18 ) أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ( 19 ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ( 20 ) يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون ( 21 ) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( 22 ) ) ( وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم ) مثل عاد وثمود وغيرهم فأهلكوا ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) ( أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ) كيف يخلقهم ابتداء نطفة ثم علقة ثم مضغة ) ( ثم يعيده ) في الآخرة عند البعث ( إن ذلك على الله يسير ) ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) فانظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم ) . ( ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ) أي : ثم الله الذي خلقها ينشئها نشأة ثانية بعد الموت ، فكما لم يتعذر عليه إحداثها مبدءا لا يتعذر عليه إنشاؤها معيدا . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : ) ( النشأة ) بفتح الشين ممدودة حيث وقعت ، وقرأ الآخرون بسكون الشين مقصورة نظيرها : الرأفة والرآفة . ( إن الله على كل شيء قدير ) ( يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون ) تردون . ( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ) فإن قيل : ما وجه قوله : " ولا في السماء " والخطاب مع الآدميين وهم ليسوا في السماء ؟ . قال الفراء : معناه ولا من في السماء بمعجز ، كقول حسان بن ثابت : فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء أراد : من يمدحه ومن ينصره ، فأضمر " من " يريد : لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ، ولا أهل السماء في السماء . وقال قطرب : معناه وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها ، كقول الرجل : ما يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة ، أي : ولا بالبصرة لو كان بها ( وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) أي : من ولي يمنعكم مني ولا نصير ينصركم من عذابي . [ ص: 238 ] ) ( والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم ( 23 ) ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( 24 ) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ( 25 ) فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ( 26 ) ) ( والذين كفروا بآيات الله ولقائه ) بالقرآن وبالبعث ( أولئك يئسوا من رحمتي ) جنتي ( أولئك لهم عذاب أليم ) فهذه الآيات في تذكير أهل مكة وتحذيرهم ، وهي معترضة في قصة إبراهيم ، فقال جل ذكره : ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار ) ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار ) وجعلها عليه بردا وسلاما ( إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) يصدقون . ) ( وقال ) يعني إبراهيم لقومه : ( إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم ) قرأ ابن كثير ، والكسائي ، وأبو عمرو ، ويعقوب : " مودة " رفعا بلا تنوين " بينكم " خفضا بالإضافة على معنى : إن الذين اتخذتم من دون الله أوثانا هي مودة بينكم ( في الحياة الدنيا ) ثم تنقطع ولا تنفع في الآخرة . ونصب حمزة ، وحفص : " مودة " من غير تنوين على الإضافة بوقوع الاتخاذ عليها . وقرأ الآخرون " مودة " منصوبة منونة " بينكم " بالنصب معناه : إنكم إنما اتخذتم هذه الأوثان مودة بينكم في الحياة الدنيا تتواردون على عبادتها وتتواصلون عليها في الدنيا . ( ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ) تتبرأ الأوثان من عابديها ، وتتبرأ القادة من الأتباع ، وتلعن الأتباع القادة ) ( ومأواكم ) جميعا العابدون والمعبودون ( النار وما لكم من ناصرين ) ( فآمن له لوط ) يعني : صدقه ، وهو أول من صدق إبراهيم وكان ابن أخيه ) ( وقال ) يعني إبراهيم ، ( إني مهاجر إلى ربي ) فهاجر من كوثى ، وهو من سواد الكوفة ، إلى حران ثم إلى الشام ، ومعه لوط وامرأته سارة ، وهو أول من هاجر . قال مقاتل : هاجر إبراهيم - عليه السلام - وهو ابن خمس وسبعين سنة ، ( إنه هو العزيز الحكيم )
__________________
|
#342
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (327) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ مَكِّيَّةٌ الاية27 إلى الاية 46 ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( 27 ) ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( 28 ) أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ( 29 ) ) ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) يقال : إن الله لم يبعث نبيا بعد إبراهيم إلا من نسله ( وآتيناه أجره في الدنيا ) وهو الثناء الحسن فكل أهل الأديان يتولونه . وقال السدي : هو الولد الصالح ، وقيل : هو أنه رأى مكانه في الجنة ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) أي : في زمرة الصالحين . قال ابن عباس : مثل آدم ونوح . قوله تعالى : ( ولوطا إذ قال لقومه إنكم ) قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : " أئنكم " بالاستفهام ، وقرأ الباقون بلا استفهام ، واتفقوا على استفهام الثانية ( لتأتون الفاحشة ) وهي إتيان الرجال ( ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) ( أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل ) وذلك أنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من المسافرين ، فترك الناس الممر بهم . وقيل : تقطعون سبيل النسل بإيثار الرجال على النساء ( وتأتون في ناديكم المنكر ) النادي ، والندى ، والمنتدى : مجلس القوم ومتحدثهم . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو العباس بن سهل بن محمد المروزي ، أخبرنا جدي لأمي أبو الحسن المحمودي ، أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، أن بشر بن معاذ حدثهم : أخبرنا يزيد بن زريع ، أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن أبي صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب [ عن أم هانئ ] قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : ( وتأتون في ناديكم المنكر ) قلت : ما المنكر الذي كانوا يأتونه ؟ قال : " كانوا يحذفون أهل الطرق ويسخرون بهم " . [ ص: 240 ] ويروى أنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيه حصى فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان أولى به . وقيل : إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم ، ولهم قاض بذلك . وقال القاسم بن محمد : كانوا يتضارطون في مجالسهم . وقال مجاهد : كان يجامع بعضهم بعضا في مجالسهم . وعن عبد الله بن سلام قال : كان يبزق بعضهم على بعض . وعن مكحول قال : كان من أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء ، وحل الإزار ، والصفير ، والحذف ، واللواطية ( فما كان جواب قومه ) لما أنكر عليهم لوط ما يأتونه من القبائح ) ( إلا أن قالوا ) له استهزاء : ( ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ) أن العذاب نازل بنا ، فعند ذلك . ( قال رب انصرني على القوم المفسدين ( 30 ) ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ( 31 ) قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ( 32 ) ) ( قال ) لوط : ( رب انصرني على القوم المفسدين ) بتحقيق قولي في العذاب . ( ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) من الله بإسحاق ويعقوب ، ( قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية ) يعني قوم لوط ، والقرية سدوم ( إن أهلها كانوا ظالمين ) ( قال ) إبراهيم للرسل : ( إن فيها لوطا قالوا ) يعني : قالت الملائكة ( نحن أعلم بمن فيها لننجينه ) [ ص: 241 ] قرأ حمزة والكسائي ويعقوب : " ) ( لننجينه ) بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد ( وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) أي : الباقين في العذاب . ( ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين ( 33 ) إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ( 34 ) ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون ( 35 ) وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( 36 ) فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ( 37 ) ) ( ولما أن جاءت رسلنا لوطا ) ظن أنهم من الإنس ( سيء بهم وضاق بهم ) بمجيئهم ( ذرعا وقالوا لا تخف من ) قومك علينا ( ولا تحزن ) بإهلاكنا إياهم ( إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين ) قرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، ويعقوب : " منجوك " بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد . ( إنا منزلون ) قرأ ابن عامر بالتشديد ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ( على أهل هذه القرية رجزا ) عذابا ) ( من السماء ) قال مقاتل : الخسف والحصب ( بما كانوا يفسقون ) ( ولقد تركنا منها ) من قريات لوط ، ) ( آية بينة ) عبرة ظاهرة ) ( لقوم يعقلون ) يتدبرون الآيات تدبر ذوي العقول . قال ابن عباس : الآية البينة : آثار منازلهم الخربة . وقال قتادة : هي الحجارة التي أهلكوا بها أبقاها الله حتى أدركها أوائل هذه الأمة . وقال مجاهد : هي ظهور الماء الأسود على وجه الأرض . ( وإلى مدين أخاهم شعيبا ) أي : وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا ( فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ) أي : واخشوا ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ( وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ( 38 ) 3 . وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ( 39 ) فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 40 ) ) ( وعادا وثمود ) أي : وأهلكنا عادا وثمودا ، ( وقد تبين لكم ) يا أهل مكة ، ( من مساكنهم ) منازلهم بالحجر واليمن ، ( وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل ) عن سبيل الحق ( وكانوا مستبصرين ) قال مقاتل ، والكلبي ، وقتادة : كانوا معجبين في دينهم وضلالتهم ، يحسبون أنهم على هدى ، وهم على الباطل ، والمعنى : أنهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين . قال الفراء : كانوا عقلاء ذوي بصائر . ( وقارون وفرعون وهامان ) أي : أهلكنا هؤلاء ( ولقد جاءهم موسى بالبينات ) بالدلالات ( فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ) أي : فائتين من عذابنا . ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) وهم قوم لوط ، " والحاصب " : الريح التي تحمل الحصباء ، وهي الحصا الصغار ( ومنهم من أخذته الصيحة ) يعني ثمود ، ( ومنهم من خسفنا به الأرض ) يعني قارون وأصحابه ( ومنهم من أغرقنا ) يعني : قوم نوح ، وفرعون وقومه ( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) . ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ( 41 ) إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم ( 42 ) وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ( 43 ) ) ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ) يعني : الأصنام ، يرجون نصرها ونفعها ( كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ) لنفسها تأوي إليه ، وإن بيتها في غاية الضعف والوهاء ، لا يدفع عنها حرا ولا بردا ، وكذلك الأوثان لا تملك لعابديها نفعا ولا ضرا . ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) ( إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم ) قرأ أهل البصرة ، وعاصم : " يدعون " بالياء لذكر الأمم قبلها ، وقرأ الآخرون بالتاء . ( وتلك الأمثال ) الأشباه ، والمثل : كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول ، يريد : أمثال القرآن التي شبه بها أحوال كفار هذه الأمة بأحوال كفار الأمم المتقدمة ) ( نضربها ) نبينها ) ( للناس ) قال مقاتل : لكفار مكة ، ( وما يعقلها إلا العالمون ) أي : ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، أخبرنا ابن برزة ، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة ، أخبرنا داود بن المحبر ، أخبرنا عباد بن كثير ، عن ابن جريج عن عطاء وأبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية : ) ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) قال : " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " . ( خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين ( 44 ) اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ( 45 ) ) قوله - عز وجل - : ( خلق الله السماوات والأرض بالحق ) أي : للحق وإظهار الحق ) ( إن في ذلك ) في خلقها ) ( لآية ) لدلالة ) ( للمؤمنين ) على قدرته وتوحيده . ( اتل ما أوحي إليك من الكتاب ) يعني القرآن ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) الفحشاء : ما قبح من الأعمال ، والمنكر : ما لا يعرف في الشرع . قال ابن مسعود ، وابن عباس : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله ، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ، ولم تنهه عن المنكر ، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا . وقال الحسن ، وقتادة : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه . وروي عن أنس قال : كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات الخمس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه ، فوصف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاله فقال : " إن صلاته تنهاه يوما " [ ص: 245 ] فلم يلبث أن تاب وحسن حاله . وقال ابن عون : معنى الآية أن الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها . وقيل : أراد بالصلاة القرآن ، كما قال تعالى : " ولا تجهر بصلاتك " ( الإسراء - 110 ) أي : بقراءتك ، وأراد أنه يقرأ القرآن في الصلاة ، فالقرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، أخبرنا قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن رجلا يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق ، قال : " ستنهاه قراءته " . وفي رواية قيل : يا رسول الله إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل ، فقال : " إن صلاته لتردعه " . قوله - عز وجل - : ( ولذكر الله أكبر ) أي : ذكر الله أفضل الطاعات . أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ببغداد ، أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان البردعي ، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، [ ص: 246 ] أخبرنا هارون بن معروف أبو علي الضرير ، أخبرنا أنس بن عياض ، حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش ، عن أبي تجرية ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وأن تلقوا عدوكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم " ؟ قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " ذكر الله " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا أبو الأسود ، أخبرنا ابن لهيعة عن دراج ، عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل أي ، العباد أفضل ، درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : " الذاكرون الله كثيرا " قالوا : يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟ فقال : " لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر أو يختضب دما ، لكان الذاكر الله كثيرا أفضل منه درجة " . وروينا أن أعرابيا قال : يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : " أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله " . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أخبرنا مسلم بن الحجاج القشيري ، أخبرنا أمية بن بسطام العيشي ، أخبرنا يزيد ، يعني : ( ابن زريع ) ، أخبرنا روح بن القاسم ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان ، [ ص: 247 ] فقال : " سيروا ، هذا جمدان ، سبق المفردون " ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات " . أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا خلاد بن أسلم ، حدثنا النضر ، أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت الأغر قال : أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده " . وقال قوم : معنى قوله : " ولذكر الله أكبر " أي : ذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه . ويروى ذلك عن ابن عباس ، وهو قول مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ويروى ذلك مرفوعا عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال عطاء في قوله : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر " ، قال : ولذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية . ( والله يعلم ما تصنعون ) قال عطاء : يريد لا يخفى عليه شيء . ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ( 46 ) ) قوله تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب ) لا تخاصموهم ( إلا بالتي هي أحسن ) أي : بالقرآن والدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه وأراد من قبل الجزية منهم ( إلا الذين ظلموا منهم ) أي : أبوا أن يعطوا الجزية ونصبوا الحرب ، فجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ، [ ص: 248 ] ومجاز الآية : إلا الذين ظلموكم ، لأن جميعهم ظالم بالكفر . وقال سعيد بن جبير : هم أهل الحرب ومن لا عهد له . قال قتادة ومقاتل : صارت منسوخة بقوله : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله " ( التوبة - 29 ( وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ) يريد إذا أخبركم واحد منهم من قبل الجزية بشيء مما في كتبهم فلا تجادلوهم عليه ، ولا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم . ( وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ) أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا محمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم " . أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أخبرنا عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز ، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أخبرنا عبد الرازق ، أخبرنا معمر عن الزهري ، أخبرنا ابن أبي نملة الأنصاري أن أباه أبا نملة الأنصاري أخبره : أنه بينا هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل من اليهود ومر بجنازة ، فقال : يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله أعلم " ، فقال اليهودي : إنها تتكلم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله ، فإن كان باطلا لم تصدقوه وإن كان حقا لم تكذبوه " .
__________________
|
#343
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (328) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ مَكِّيَّةٌ الاية47 إلى الاية 69 ( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون ( 47 ) وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ( 48 ) ) قوله تعالى : ) ( وكذلك ) أي : كما أنزلنا إليهم الكتب ( أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ) يعني : مؤمني أهل الكتاب ، عبد الله بن سلام وأصحابه ) ( ومن هؤلاء ) يعني : أهل مكة ، ( من يؤمن به ) وهم مؤمنوا أهل مكة ( وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون ) ، وذلك أن اليهود عرفوا أن محمدا نبي ، والقرآن حق ، فجحدوا . قال قتادة : الجحود إنما يكون بعد المعرفة . ( وما كنت تتلو ) يا محمد ، ( من قبله من كتاب ) من قبل ما أنزلنا إليك الكتاب ( ولا تخطه بيمينك ) ولا تكتبه ، أي : لم تكن تقرأ ولا تكتب قبل الوحي ( إذا لارتاب المبطلون ) يعني لو كنت تكتب أو تقرأ الكتب قبل الوحي لشك المبطلون المشركون من أهل مكة ، وقالوا : إنه يقرؤه من كتب الأولين وينسخه منها ، قاله قتادة . وقال مقاتل : " المبطلون " هم اليهود ، ومعناه : إذا لشكوا فيك واتهموك ، وقالوا إن الذي نجد نعته في التوراة أمي لا يقرأ ولا يكتب وليس هذا على ذلك النعت . ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ( 49 ) وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين ( 50 ) أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ( 51 ) قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ( 52 ) ) ( بل هو آيات بينات ) قال الحسن : يعني القرآن آيات بينات ( في صدور الذين أوتوا العلم ) يعني المؤمنين الذين حملوا القرآن . وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - ، وقتادة : بل هو - يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - - ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب ، لأنهم يجدونه بنعته وصفته في كتبهم ( وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ) ( وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه ) كما أنزل على الأنبياء من قبل ، قرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : " آية " على التوحيد ، وقرأ الآخرون : " آيات من ربه " لقوله - عز وجل - : ( قل إنما الآيات عند الله ) القادر على إرسالها إذا شاء أرسلها ( وإنما أنا نذير مبين ) أنذر أهل المعصية بالنار ، وليس إنزال الآيات بيدي . ( أولم يكفهم ) هذا الجواب لقوله : " لولا أنزل عليه آيات من ربه " قال : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) يعني : أولم يكفهم من الآيات القرآن يتلى عليهم ) ( إن في ذلك ) في إنزال القرآن ( لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) أي : تذكيرا وعظة لمن آمن وعمل به . ( قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ) أني رسوله وهذا القرآن كتابه ( يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل ) قال ابن عباس : بغير الله . وقال مقاتل : بعبادة الشيطان ( وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ) [ ص: 251 ] ) ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ( 53 ) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( 54 ) يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ( 55 ) يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ( 56 ) ) ( ويستعجلونك بالعذاب ) نزلت في النضر بن الحارث حين قال : فأمطر علينا حجارة من السماء ( ولولا أجل مسمى ) قال ابن عباس : ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة كما قال : " بل الساعة موعدهم " ( القمر - 46 ) ، وقال الضحاك : مدة أعمارهم ، لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب ، وقيل : يوم بدر ، ( لجاءهم العذاب وليأتينهم ) يعني : العذاب وقيل الأجل ( بغتة وهم لا يشعرون ) بإتيانه . ( يستعجلونك بالعذاب ) أعاده تأكيدا ( وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) جامعة لهم لا يبقى أحد منهم إلا دخلها . ( يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) يعني : إذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم ، كما قال : " لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش " ( الأعراف - 41 ) ( ويقول ذوقوا ) قرأ نافع ، وأهل الكوفة : " ويقول " بالياء ، أي : ويقول لهم الموكل بعذابهم : ذوقوا ، وقرأ الآخرون بالنون; لأنه لما كان بأمره نسب إليه ( ما كنتم تعملون ) أي : جزاء ما كنتم تعملون . ( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ) قال مقاتل والكلبي : نزلت في ضعفاء مسلمي مكة ، يقول : إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فاخرجوا منها إلى أرض المدينة ، إن أرضي - يعني المدينة - واسعة آمنة . قال مجاهد : إن أرضي المدينة واسعة فهاجروا وجاهدوا فيها . وقال سعيد بن جبير : إذا عمل في أرض بالمعاصي فاخرجوا منها فإن أرضي واسعة . وقال عطاء : إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة . وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيها [ ص: 252 ] بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ له العبادة . وقيل : نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة ، وقالوا : نخشى ، إن هاجرنا ، من الجوع وضيق المعيشة ، فأنزل الله هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج . وقال مطرف بن عبد الله : " أرضي واسعة " أي : رزقي لكم واسع فاخرجوا . ( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ( 57 ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ( 58 ) الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ( 59 ) وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ( 60 ) ) ( كل نفس ذائقة الموت ) خوفهم بالموت ليهون عليهم الهجرة ، أي : كل واحد ميت أينما كان فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت ( ثم إلينا ترجعون ) فنجزيكم بأعمالكم ، وقرأ أبو بكر : " يرجعون بالياء " . ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم ) قرأ حمزة ، والكسائي : بالثاء ساكنة من غير همز ، يقال : ثوى الرجل إذا أقام ، وأثويته : إذا أنزلته منزلا يقيم فيه . وقرأ الآخرون بالباء وفتحها وتشديد الواو وهمزة بعدها ، أي : لننزلنهم ( من الجنة غرفا ) علالي ( تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ) ( الذين صبروا ) على الشدائد ولم يتركوا دينهم لشدة لحقتهم ( وعلى ربهم يتوكلون ) يعتمدون . ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها ) وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقد آذاهم المشركون : " هاجروا إلى المدينة " ، فقالوا : كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال ، فمن يطعمنا بها ويسقينا ؟ فأنزل الله : ( وكأين من دابة ) ذات حاجة إلى غذاء ( لا تحمل رزقها ) أي : لا ترفع رزقها معها ولا تدخر شيئا لغد مثل البهائم والطير ( الله يرزقها وإياكم ) [ ص: 253 ] حيث كنتم ( وهو السميع العليم ) السميع لأقوالكم : لا نجد ما ننفق بالمدينة ، العليم بما في قلوبكم . وقال سفيان عن علي بن الأقمر : وكأين من دابة لا تحمل رزقها ، قال : لا تدخر شيئا لغد . قال سفيان : ليس شيء من خلق الله يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الثقفي ، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق ، أخبرنا محمد بن عبد العزيز ، أخبرنا إسماعيل بن زرارة الرقي ، أخبرنا أبو العطوف الجراح بن منهال ، عن الزهري ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر قال : دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حائطا من حوائط الأنصار ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقط الرطب بيده ويأكل ، فقال : كل يا ابن عمر ، قلت : لا أشتهيها يا رسول الله ، قال : لكني أشتهيه ، وهذه صبح رابعة منذ لم أطعم طعاما ولم أجده ، فقلت إنا لله ، الله المستعان ، قال : يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنة ويضعف اليقين ، فنزلت ) ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الآية أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس السراج ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان لا يدخر شيئا لغد . [ ص: 254 ] وروينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " . أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري ، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل الفقيه ، أخبرنا أبو نصر بن حمدويه المطوعي ، أخبرنا أبو الموجه محمد بن عمرو ، أخبرنا عبدان ، عن أبي حمزة ، عن إسماعيل هو ابن أبي خالد ، عن رجلين أحدهما زبيد اليامي ، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به ، وليس شيء يقربكم إلى النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه ، وإن الروح الأمين قد نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته " وقال هشيم عن إسماعيل عن زبيد عمن أخبره عن ابن مسعود . ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون ( 61 ) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ( 62 ) ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ( 63 ) ) قوله تعالى : ( ولئن سألتهم ) يعني كفار مكة ، ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون ) . ( الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ) . ( ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله ) على أن الفاعل لهذه الأشياء هو الله ( بل أكثرهم لا يعقلون ) وقيل : قل الحمد لله على [ ص: 255 ] إقرارهم لزوم الحجة عليهم ( بل أكثرهم لا يعقلون ) ينكرون التوحيد مع إقرارهم بأنه الخالق لهذه الأشياء . ( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ( 64 ) فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ( 65 ) ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ( 66 ) أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ( 67 ) ) قوله تعالى : ( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ) اللهو هو : الاستمتاع بلذات الدنيا ، واللعب : العبث ، سميت بهما لأنها فانية . ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ) أي : الحياة الدائمة الباقية ، و " الحيوان " : بمعنى الحياة ، أي : فيها الحياة الدائمة ( لو كانوا يعلمون ) فناء الدنيا وبقاء الآخرة . قوله تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك ) وخافوا الغرق ( دعوا الله مخلصين له الدين ) وتركوا الأصنام ( فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) هذا إخبار عن عنادهم وأنهم عند الشدائد يقرون أن القادر على كشفها هو الله - عز وجل - وحده ، فإذا زالت عادوا إلى كفرهم . قال عكرمة : كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام فإذا اشتدت بهم الريح ألقوها في البحر وقالوا يا ربنا يا ربنا . ( ليكفروا بما آتيناهم ) هذا لام الأمر ، ومعناه التهديد والوعيد ، كقوله : " اعملوا ما شئتم " ( فصلت - 40 ) ، أي : ليجحدوا نعمة الله في إنجائه إياهم ) ( وليتمتعوا ) قرأ حمزة ، والكسائي : ساكنة اللام ، وقرأ الباقون بكسرها نسقا على قوله : " ليكفروا " ( فسوف يعلمون ) وقيل : من كسر اللام جعلها لام كي وكذلك في ليكفروا ، والمعنى لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يتمتعون به في العاجلة من غير نصيب في الآخرة . ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) يعني العرب ، يسبي بعضهم بعضا ، وأهل مكة آمنون ) ( أفبالباطل ) بالأصنام والشيطان ( يؤمنون وبنعمة الله ) بمحمد والإسلام ) ( يكفرون ) [ ص: 256 ] ) ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ( 68 ) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ( 69 ) ) ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) فزعم أن لله شريكا وأنه أمر بالفواحش ( أو كذب بالحق ) بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ( لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ) استفهام بمعنى التقرير ، معناه : أما لهذا الكافر المكذب مأوى في جهنم . ( والذين جاهدوا فينا ) الذين جاهدوا المشركين لنصرة ديننا ( لنهدينهم سبلنا ) لنثبتنهم على ما قاتلوا عليه . وقيل : لنزيدنهم هدى كما قال : " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " ( مريم - 76 ) ، وقيل : لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيمة ، والطريق المستقيمة هي التي يوصل بها إلى رضا الله - عز وجل - . قال سفيان بن عيينة : إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور ، فإن الله قال : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) وقيل : المجاهدة هي الصبر على الطاعات . قال الحسن : أفضل الجهاد مخالفة الهوى . وقال الفضيل بن عياض : والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به . وقال سهل بن عبد الله : والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة . وروي عن ابن عباس : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا . ( وإن الله لمع المحسنين ) بالنصر والمعونة في دنياهم وبالثواب والمغفرة في عقباهم .
__________________
|
#344
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (329) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ الرُّومِ مَكِّيَّةٌ الاية1 إلى الاية 24 سُورَةُ الرُّومِ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( الم ( 1 ) غلبت الروم ( 2 ) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( 3 ) ) ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض ) سبب نزول هذه الآية على - ما ذكره المفسرون : - أنه كان بين فارس والروم قتال ، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم ، لأن أهل فارس كانوا مجوسا أميين ، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس ، لكونهم أهل كتاب ، فبعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليها رجلا يقال له شهريراز ، وبعث قيصر جيشا إلى فارس واستعمل عليهم رجلا يدعى يحفس ، فالتقيا بأذرعات وبصرى ، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم ، فغلبت فارس الروم ، فبلغ ذلك المسلمين بمكة ، فشق عليهم ، وفرح به كفار مكة ، وقالوا للمسلمين : إنكم أهل كتاب ، والنصارى أهل كتاب ، ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار ، فقال : فرحتم بظهور إخوانكم ، فلا تفرحوا فوالله ليظهرن على فارس [ على ما ] أخبرنا بذلك نبينا ، فقام إليه أبي بن خلف الجمحي فقال : كذبت ، فقال : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه - والمناحبة : المراهنة - على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت ، وإن ظهرت فارس غرمت ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك ، وذلك قبل تحريم القمار ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاثة إلى التسع ، فزايده في الخطر وماده في الأجل ، فخرج [ ص: 260 ] أبو بكر ولقي أبيا ، فقال : لعلك ندمت ؟ قال : لا فتعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل ، فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين ، وقيل إلى سبع سنين ، قال قد فعلت : فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه ، وقال : إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلا فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر ، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه ، فقال : لا والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا . ثم خرج إلى أحد ثم رجع أبي بن خلف فمات بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بارزه ، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية ، وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم . وقيل : كان يوم بدر . قال الشعبي : لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بين أهل مكة ، وفيها صاحب ، قمارهم أبي بن خلف ، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر ، وذلك قبل تحريم القمار ، حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنو الرومية فقمر أبو بكر أبيا وأخذ مال الخطر من ورثته ، وجاء به يحمله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تصدق به " . وكان سبب غلبة الروم فارسا - على ما قاله عكرمة وغيره - : أن شهريراز بعدما غلبت الروم لم يزل يطؤهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج ، فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه : لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى ، فبلغت كلمته كسرى ، فكتب إلى شهريراز : إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان ، فكتب إليه : أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان ، إن له نكاية وصوتا في العدو ، فلا تفعل ، فكتب إليه : إن في رجال فارس خلفا منه ، فعجل برأسه ، فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه ، وبعث بريدا إلى أهل فارس أني قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان الملك ، ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة أمره فيها بقتل شهريراز ، وقال : إذا ولى فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه ، فلما قرأ شهريراز الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ونزل عن سريره وجلس فرخان ودفع إليه الصحيفة ، فقال : ائتوني بشهريراز ، فقدمه ليضرب عنقه ، فقال : لا تعجل علي حتى أكتب وصيتي . قال : نعم ، فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف ، وقال : كل هذا راجعت فيك كسرى ، وأنت تريد أن تقتلني بكتاب واحد ؟ فرد الملك إلى أخيه ، وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد ، ولا تبلغها الصحف ، فالقني ، ولا تلقني إلا في خمسين روميا ، فإني ألقاك في خمسين فارسيا . فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق ، وخاف أن يكون قد مكر به ، حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا ثم بسط لهما فالتقيا في قبة ديباج ضربت لهما ، ومع كل واحد منهما سكين ، فدعوا بترجمان بينهما ، [ ص: 261 ] فقال شهريراز : إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا ، وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت ، ثم أمر أخي أن يقتلني ، فقد خلعناه جميعا فنحن نقاتله معك . قال : قد أصبتما ، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا ، فقتلا الترجمان معا بسكينهما ، فأديلت الروم على فارس عند ذلك ، فاتبعوهم يقتلونهم ، ومات كسرى وجاء الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ففرح ومن معه ، فذلك قوله - عز وجل - : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض ) أي : أقرب أرض الشام إلى أرض فارس ، قال عكرمة : هي أذرعات وكسكر ، وقال مجاهد : أرض الجزيرة . وقال مقاتل : الأردن وفلسطين . ( وهم من بعد غلبهم ) أي : الروم من بعد غلبة فارس إياهم ، والغلب والغلبة لغتان ) ( سيغلبون ) فارسا . ( في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ( 4 ) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ( 5 ) ) ( في بضع سنين ) والبضع ما بين الثلاث إلى السبع ، وقيل : ما بين الثلاثة إلى التسع وقيل : ما دون العشرة . وقرأ عبد الله بن عمر ، وأبو سعيد الخدري ، والحسن ، وعيسى بن عمر : " غلبت " بفتح الغين واللام ، " سيغلبون " بضم الياء وبفتح اللام . وقالوا : نزلت حين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غلبة الروم فارسا . ومعنى الآية : الم غلبت الروم فارسا في أدنى الأرض إليكم ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون ، يغلبهم المسلمون في بضع سنين . وعند انقضاء هذه المدة أخذ المسلمون في جهاد الروم . والأول أصح ، وهو قول أكثر المفسرين . ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) أي : من قبل دولة الروم على فارس ومن بعدها ، فأي الفريقين كان لهم الغلبة فهو بأمر الله وقضائه وقدره . ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) الروم على فارس . قال السدي : فرح النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون بظهورهم على [ ص: 262 ] المشركين يوم بدر ، وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك ( ينصر من يشاء وهو العزيز ) الغالب ) ( الرحيم ) بالمؤمنين . ( وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 6 ) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ( 7 ) أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ( 8 ) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 9 ) ) ( وعد الله ) نصب على المصدر ، أي : وعد الله وعدا بظهور الروم على فارس ، ( لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) يعني : أمر معاشهم ، كيف يكتسبون ويتجرون ، ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون ، وكيف يبنون ويعيشون ، قال الحسن : إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطئ وهو لا يحسن يصلي ( وهم عن الآخرة هم غافلون ) ساهون عنها جاهلون بها ، لا يتفكرون فيها ولا يعملون لها . ( أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) أي : للحق ، وقيل : لإقامة الحق ( وأجل مسمى ) أي : لوقت معلوم إذا انتهت إليه فنيت ، وهو القيامة ( وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) أولم يسافروا في الأرض فينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم فيعتبروا ( كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض ) حرثوها وقلبوها للزراعة ( وعمروها أكثر مما عمروها ) [ أي : أكثر مما عمرها ] أهل مكة ، قيل : قال [ ص: 263 ] ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث ( وجاءتهم رسلهم بالبينات ) فلم يؤمنوا فأهلكهم الله ( فما كان الله ليظلمهم ) بنقص حقوقهم ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) ببخس حقوقهم . ( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون ( 10 ) الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون ( 11 ) ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ( 12 ) ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين ( 13 ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ( 14 ) ) ( ثم كان عاقبة الذين أساءوا ) أي : أساؤوا العمل ) ( السوأى ) يعني : الخلة التي تسوؤهم وهي النار ، وقيل : " السوأى " اسم لجهنم ، كما أن " الحسنى " اسم للجنة ) ( أن كذبوا ) أي : لأن كذبوا . وقيل تفسير " السوأى " ما بعده ، وهو قوله : " أن كذبوا " يعني : ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أن كذبوا ( أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون ) قرأ أهل الحجاز والبصرة : " عاقبة " بالرفع ، أي : ثم كان آخر أمرهم السوء ، وقرأ الآخرون بالنصب على خبر كان ، تقديره : ثم كان السوأى عاقبة الذين أساءوا . قوله تعالى : ( الله يبدأ الخلق ثم يعيده ) أي : يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء ، ولم يقل : يعيدهم ، رده إلى الخلق ( ثم إليه ترجعون ) فيجزيهم بأعمالهم . قرأ أبو عمرو ، وأبو بكر : " يرجعون " بالياء ، والآخرون بالتاء . ( ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ) قال قتادة ، والكلبي : ييأس المشركون من كل خير . وقال الفراء : ينقطع كلامهم وحجتهم . وقال مجاهد : يفتضحون . ( ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين ) جاحدين متبرئين يتبرءون منها وتتبرأ منهم . ( ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ) أي : يتميز أهل الجنة من أهل النار . وقال مقاتل : يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبدا . ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون ( 15 ) وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ( 16 ) فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ( 17 ) وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ( 18 ) ) ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة ) وهي البستان الذي في غاية النضارة ) ( يحبرون ) قال ابن عباس : يكرمون . وقال مجاهد وقتادة : ينعمون . وقال أبو عبيدة : يسرون . و " الحبرة " : السرور . وقيل : " الحبرة " في اللغة : كل نعمة حسنة ، والتحبير التحسين . وقال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير : " تحبرون " هو السماع في الجنة . وقال الأوزاعي : إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت ، وقال : ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم . ( وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ) أي : البعث يوم القيامة ( فأولئك في العذاب محضرون ) قوله تعالى : ( فسبحان الله ) أي : سبحوا الله ، ومعناه : صلوا لله ( حين تمسون ) أي : تدخلون في المساء ، وهو صلاة المغرب والعشاء ( وحين تصبحون ) أي : تدخلون في الصباح ، وهو صلاة الصبح . ( وله الحمد في السماوات والأرض ) قال ابن عباس : يحمده أهل السماوات والأرض ويصلون له ( وعشيا ) أي : صلوا لله عشيا ، يعني صلاة العصر ( وحين تظهرون ) تدخلون في الظهيرة ، وهو صلاة الظهر . قال نافع بن الأزرق لابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ قال : نعم ، وقرأ هاتين الآيتين ، وقال : جمعت الآية الصلوات الخمس ومواقيتها . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، [ ص: 265 ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قال : سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر . أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ، حدثنا السري ، بن خزيمة الأبيوردي ، حدثنا المعلى بن سعد ، أخبرنا عبد العزيز بن المختار ، عن سهيل ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده ، مائة مرة ، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد " . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، أخبرنا محمد بن فضيل ، أخبرنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم " أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا علي بن المديني ، أخبرنا ابن عيينة ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة قال : سمعت كريبا أبا رشدين يحدث عن ابن عباس ، عن جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات غداة من عندها ، وكان اسمها برة فحوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسماها جويرية ، وكره أن يقال خرج من عند برة ، فخرج وهي في المسجد ، ورجع بعدما تعالى النهار ، فقال : ما زلت في مجلسك هذا منذ خرجت ، بعد ؟ قالت : نعم ، فقال : " لقد قلت ، بعدك أربع كلمات ، ثلاث مرات ، لو وزنت بكلماتك لوزنتهن : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضاء نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته " . ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ( 19 ) ) قوله تعالى : ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ) [ ص: 266 ] قرأ حمزة والكسائي : " تخرجون " بفتح التاء وضم الراء ، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الراء . ( ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ( 20 ) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( 21 ) ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ( 22 ) ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ( 23 ) ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( 24 ) ) ( ومن آياته أن خلقكم من تراب ) أي : خلق أصلكم يعني آدم من تراب ( ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ) تنبسطون في الأرض . ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ) قيل : من جنسكم من بني آدم . وقيل : خلق حواء من ضلع آدم ( لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان ، وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) في عظمة الله وقدرته . ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم ) يعني : اختلاف اللغات من العربية والعجمية وغيرهما ) ( وألوانكم ) أبيض وأسود وأحمر ، وأنتم ولد رجل واحد وامرأة واحدة ( إن في ذلك لآيات للعالمين ) قرأ حفص : ) ( للعالمين ) بكسر اللام . ( ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ) أي : منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، أي : تصرفكم في طلب المعيشة ( إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) سماع تدبر واعتبار .
__________________
|
#345
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (330) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ الرُّومِ مَكِّيَّةٌ الاية25 إلى الاية 47 ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ( 25 ) وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ( 26 ) وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ( 27 ) ) ( ومن آياته يريكم البرق خوفا ) للمسافر من الصواعق ) ( وطمعا ) للمقيم في المطر . ( وينزل من السماء ماء فيحيي به ) يعني بالمطر ( الأرض بعد موتها ) أي : بعد يبسها [ ص: 267 ] وجدوبتها ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) قال ابن مسعود : قامتا على غير عمد بأمره . وقيل : يدوم قيامها بأمره ( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض ) قال ابن عباس : من القبور ( إذا أنتم تخرجون ) منها ، وأكثر العلماء على أن معنى الآية : ثم إذا دعاكم دعوة إذا أنتم تخرجون من الأرض . ( وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ) مطيعون ، قال الكلبي : هذا خاص لمن كان منهم مطيعا . وعن ابن عباس : كل له مطيعون في الحياة والبقاء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة . ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ) يخلقهم أولا ثم يعيدهم بعد الموت للبعث ( وهو أهون عليه ) قال الربيع بن خيثم ، والحسن ، وقتادة ، والكلبي : أي : هو هين عليه وما شيء عليه بعزيز ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس . وقد يجيء أفعل بمعنى الفاعل كقول الفرزدق ؟ إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول أي : عزيزة طويلة . وقال مجاهد وعكرمة : " وهو أهون عليه " : أي : أيسر ، ووجهه أنه على طريق ضرب المثل ، [ ص: 268 ] أي : هو أهون عليه على ما يقع في عقولكم ، فإن الذي يقع في عقول الناس أن الإعادة تكون أهون من الإنشاء ، أي : الابتداء . وقيل : هو أهون عليه عندكم وقيل : هو أهون عليه ، أي : على الخلق ، يقومون بصيحة واحدة ، فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نطفا ، ثم علقا ثم مضغا إلى أن يصيروا رجالا ونساء ، وهذا معنى رواية ابن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . ( وله المثل الأعلى ) أي : الصفة العليا ( في السماوات والأرض ) قال ابن عباس : هي أنه ليس كمثله شيء . وقال قتادة : هي أنه لا إله إلا هو ) ( وهو العزيز ) في ملكه ) ( الحكيم ) في خلقه . ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ( 28 ) ) ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم ) أي : بين لكم شبها بحالكم ، وذلك المثل من أنفسكم ثم بين المثل فقال : ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم ) أي : عبيدكم وإمائكم ( من شركاء في ما رزقناكم ) من المال ) ( فأنتم ) وهم ( فيه سواء ) أي : هل يشارككم عبيدكم في أموالكم التي أعطيناكم; ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) أي : تخافون أن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم كما يخاف الحر شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه بأمر دونه ، وكما يخاف الرجل شريكه في الميراث ، وهو يحب أن ينفرد به . قال ابن عباس : تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا فإذا لم تخافوا هذا من ماليككم ولم ترضوا ذلك لأنفسكم ، فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها شركائي وهم عبيدي ؟ . [ ص: 269 ] ومعنى قوله : " أنفسكم " ، أي : أمثالكم من الأحرار كقوله : " ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا " ( النور - 12 ) ، أي : بأمثالهم . ( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) ينظرون إلى هذه الدلائل بعقولهم . ( بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين ( 29 ) فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 30 ) ) ( بل اتبع الذين ظلموا ) أشركوا بالله ( أهواءهم ) في الشرك ) ( بغير علم ) جهلا بما يجب عليهم ( فمن يهدي من أضل الله ) أي : أضله الله ( وما لهم من ناصرين ) مانعين يمنعونهم من عذاب الله - عز وجل - . قوله تعالى : ( فأقم وجهك للدين ) أي : أخلص دينك لله ، قاله سعيد بن جبير ، وإقامة الوجه : إقامة الدين ، وقال غيره : سدد عملك . والوجه ما يتوجه إليه الإنسان ، ودينه وعمله مما يتوجه إليه لتسديده ) ( حنيفا ) مائلا مستقيما عليه ( فطرة الله ) دين الله ، وهو نصب على الإغراء ، أي : إلزم فطرة الله ( التي فطر الناس عليها ) أي : خلق الناس عليها ، وهذا قول ابن عباس وجماعة من المفسرين أن المراد بالفطرة : الدين ، وهو الإسلام . وذهب قوم إلى أن الآية خاصة في المؤمنين . وهم الذين فطرهم الله على الإسلام : أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه قال : حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من يولد يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتجون البهيمة ، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ؟ ، قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير ؟ قال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " . [ ص: 270 ] ورواه الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة من غير ذكر من يموت وهو صغير ، وزاد : ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) . قوله : " من يولد يولد على الفطرة " يعني على العهد الذي أخذ الله عليهم بقوله : " ألست ، بربكم قالوا بلى " ( الأعراف - 172 ) ، وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار ، وهو الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها وإن عبد غيره ، قال تعالى : " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " ( الزخرف - 87 ) ، وقالوا : " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " ( الزمر - 3 ) ، ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا ، وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ، ألا ترى أنه يقول : " فأبواه يهودانه " ؟ فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين ، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم " . ويحكى معنى هذا عن الأوزاعي ، وحماد بن سلمة . وحكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال : معنى الحديث إن كل مولود يولد على فطرته ، أي : على خلقته التي جبل عليها في علم الله تعالى من السعادة أو الشقاوة ، فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها ، وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها ، فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين ، فيحملانه - لشقائه - على اعتقاد دينهما . وقيل : معناه أن كل مولود يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ، لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول ، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات النشوء والتقليد ، فلو سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره . . . ثم يتمثل بأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك على الفطرة السليمة والمحجة المستقيمة . ذكر أبو سليمان الخطابي هذه المعاني في كتابه . [ ص: 271 ] قوله : ( لا تبديل لخلق الله ) فمن حمل الفطرة على الدين قال : معناه لا تبديل لدين الله ، وهو خبر بمعنى النهي ، أي : لا تبدلوا دين الله . قال مجاهد ، وإبراهيم : معنى الآية الزموا فطرة الله ، أي دين الله ، واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك ( ذلك الدين القيم ) المستقيم ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) وقيل : لا تبديل لخلق الله أي : ما جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاء لا يتبدل ، فلا يصير السعيد شقيا ولا الشقي سعيدا . وقال عكرمة ومجاهد : معناه تحريم إخصاء البهائم . ( منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ( 31 ) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ( 32 ) وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ( 33 ) ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ( 34 ) ) ( منيبين إليه ) أي : فأقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه لأن مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل معه فيها الأمة ، كما قال : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " ( الطلاق - 1 ) ( منيبين إليه ) أي : راجعين إليه بالتوبة مقبلين إليه بالطاعة ( واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) أي : صاروا فرقا مختلفة وهم اليهود والنصارى . وقيل : هم أهل البدع من هذه الأمة ( كل حزب بما لديهم فرحون ) أي : راضون بما عندهم . قوله تعالى : ( وإذا مس الناس ضر ) قحط وشدة ( دعوا ربهم منيبين إليه ) مقبلين إليه بالدعاء ( ثم إذا أذاقهم منه رحمة ) خصبا ونعمة ( إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم ) ثم خاطب هؤلاء الذين فعلوا هذا خطاب تهديد فقال : ( فتمتعوا فسوف تعلمون ) حالكم في الآخرة . [ ص: 272 ] ( أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون ( 35 ) وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ( 36 ) أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( 37 ) فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون ( 38 ) وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ( 39 ) ) ( أم أنزلنا عليهم سلطانا ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : حجة وعذرا . وقال قتادة : كتابا ( فهو يتكلم ) ينطق ( بما كانوا به يشركون ) أي : ينطق بشركهم ويأمرهم به . ( وإذا أذقنا الناس رحمة ) أي : الخصب وكثرة المطر ( فرحوا بها ) يعني فرح البطر ( وإن تصبهم سيئة ) أي : الجدب وقلة المطر ويقال : الخوف والبلاء ( بما قدمت أيديهم ) من السيئات ( إذا هم يقنطون ) ييأسون من رحمة الله ، وهذا خلاف وصف المؤمن ، فإنه يشكر الله عند النعمة ، ويرجو ربه عند الشدة . ( أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) قوله تعالى : ( فآت ذا القربى حقه ) البر والصلة ) ( والمسكين ، ) وحقه أن يتصدق عليه ) ( وابن السبيل ) يعني : المسافر ، وقيل : هو الضعيف ( ذلك خير للذين يريدون وجه الله ) يطلبون ثواب الله بما يعملون ) ( وأولئك هم المفلحون ) قوله - عز وجل - : ) ( وما آتيتم من ربا ) قرأ ابن كثير : " أتيتم " مقصورا ، وقرأ الآخرون بالمد ، أي : أعطيتم ، ومن قصر فمعناه : ما جئتم من ربا ، ومجيئوهم ذلك على وجه الإعطاء كما تقول : أتيت خطئا ، وأتيت صوابا ، فهو يؤول في المعنى إلى قول من مد . ( ليربوا في أموال الناس ) قرأ أهل المدينة ، ويعقوب : " لتربوا " بالتاء وضمها وسكون الواو على الخطاب ، أي : لتربوا أنتم وتصيروا ذوي زيادة من أموال الناس ، وقرأ الآخرون بالياء وفتحها ، ونصب الواو وجعلوا الفعل للربا لقوله : ( فلا يربو عند الله ) في أموال الناس ، أي : في اختطاف أموال الناس واجتذابها . [ ص: 273 ] واختلفوا في معنى الآية ، فقال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وطاوس ، وقتادة ، والضحاك ، وأكثر المفسرين : هو الرجل يعطي غيره العطية ليثب أكثر منها فهذا جائز حلال ، ولكن لا يثاب عليه في القيامة ، وهو معنى قوله - عز وجل - : " فلا يربوا عند الله " ، وكان هذا حراما على النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة لقوله تعالى : " ولا تمنن تستكثر " ( المدثر - 6 ) ، أي : لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيت . وقال النخعي : هو الرجل يعطي صديقه أو قريبه ليكثر ماله ولا يريد به وجه الله . وقال الشعبي : هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ماله التماس عونه ، لا لوجه الله ، فلا يربوا عند الله لأنه لم يرد به وجه الله تعالى . ( وما آتيتم من زكاة ) أعطيتم من صدقة ( تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) يضاعف لهم الثواب فيعطون بالحسنة عشر أمثالها فالمضعف ذو الأضعاف من الحسنات ، تقول العرب : القوم مهزولون ومسمونون : إذا هزلت أو سمنت إبلهم . ( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون )(40) . الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون [ ص: 274 ] ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ( 41 ) ) قوله - عز وجل - : ( ظهر الفساد في البر والبحر ) يعني : قحط المطر وقلة النبات ، وأراد بالبر البوادي والمفاوز ، وبالبحر المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية . قال عكرمة : العرب تسمي المصر بحرا ، تقول : أجدب البر وانقطعت مادة البحر ( بما كسبت أيدي الناس ) أي : بشؤم ذنوبهم ، وقال عطية وغيره : " البر " ظهر الأرض من الأمصار وغيرها ، و " البحر " هو البحر المعروف ، وقلة المطر كما تؤثر في البر تؤثر في البحر فتخلوا أجواف الأصداف لأن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ويفتح فاه فما يقع في فيه من المطر صار لؤلؤا . وقال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد : الفساد في البر : قتل أحد ابني آدم أخاه ، وفي البحر : غصب الملك الجائر السفينة . قال الضحاك : كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن ، آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة ، وكان ماء البحر عذبا وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم ، فلما قتل قابيل هابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحا زعافا وقصد الحيوان بعضها بعضا قال قتادة : هذا قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - امتلأت الأرض ظلما وضلالة ، فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - رجع راجعون من الناس بما كسبت أيدي الناس من المعاصي ، يعني كفار مكة . ( ليذيقهم بعض الذي عملوا ) أي : عقوبة بعض الذي عملوا من الذنوب ) ( لعلهم يرجعون ) عن الكفر وأعمالهم الخبيثة . [ ص: 275 ] ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين ( 42 ) فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون ( 43 ) من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ( 44 ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين ( 45 ) ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ( 46 ) ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين ( 47 ) ) ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ) لتروا منازلهم ومساكنهم خاوية ( كان أكثرهم مشركين ) أي : كانوا مشركين ، فأهلكوا بكفرهم . ( فأقم وجهك للدين القيم ) المستقيم وهو دين الإسلام ( من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ) يعني : يوم القيامة ، لا يقدر أحد على رده من الله ( يومئذ يصدعون ) أي : يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير . ( من كفر فعليه كفره ) أي : وبال كفره ( ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) يوطئون المضاجع ويسوونها في القبور . ( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم ( إنه لا يحب الكافرين ) قوله - عز وجل - : ( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ) تبشر بالمطر ( وليذيقكم من رحمته ) نعمة المطر وهي الخصب ( ولتجري الفلك بأمره ) بهذه الرياح ( بأمره ولتبتغوا من فضله ) لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر ( ولعلكم تشكرون ) رب هذه النعم . قوله تعالى : ( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات ) بالدلالات الواضحات على صدقهم ( فانتقمنا من الذين أجرموا ) عذبنا الذين كذبوهم ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) وإنجاؤهم من العذاب ، ففي هذا تبشير للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالظفر في العاقبة والنصر على الأعداء . قال الحسن : أنجاهم مع الرسل من عذاب الأمم . [ ص: 276 ] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا أحمد بن زنجويه ، أخبرنا أبو شيخ الحراني ، أخبرنا أبو موسى بن أعين ، عن ليث بن أبي سليم ، عن شهر بن حوشب ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة " ، ثم تلا هذه الآية " وكان حقا علينا نصر المؤمنين " .
__________________
|
#346
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (331) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ لُقْمَانَ مَكِّيَّةٌ الاية1 إلى الاية 12 ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ( 48 ) وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ( 49 ) ) ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا ) أي : ينشره ( فيبسطه في السماء كيف يشاء ) مسيرة يوم أو يومين وأكثر على من يشاء ( ويجعله كسفا ) قطعا متفرقة ( فترى الودق ) المطر ( يخرج من خلاله ) وسطه ( فإذا أصاب به من يشاء ) أي : بالودق ( من عباده إذا هم يستبشرون ) يفرحون بالمطر . ) ( وإن كانوا ) وقد كانوا ( من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ) أي آيسين ، وقيل : " وإن كانوا " ، أي : وما كانوا إلا مبلسين ، وأعاد قوله : " من قبله " تأكيدا . وقيل : الأولى ترجع إلى إنزال المطر ، والثانية إلى إنشاء السحاب . وفي حرف عبد الله بن مسعود : وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين ، غير مكرر . [ ص: 277 ] ( فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ( 50 ) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ( 51 ) فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ( 52 ) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ( 53 ) الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ( 54 ) ) ( فانظر إلى آثار رحمة الله ) هكذا قرأ أهل الحجاز ، والبصرة ، وأبو بكر . وقرأ الآخرون : ( إلى آثار رحمة الله ) على الجمع ، أراد برحمة الله : المطر ، أي : انظر إلى حسن تأثيره في الأرض ، وقال مقاتل : أثر رحمة الله أي : نعمته وهو النبت ( كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى ) يعني : إن ذلك الذي يحيي الأرض لمحيي الموتى ( وهو على كل شيء قدير ولئن أرسلنا ريحا ) باردة مضرة فأفسدت الزرع ( فرأوه مصفرا ) أي : رأوا النبت والزرع مصفرا بعد الخضرة ) ( لظلوا ) لصاروا ) ( من بعده ) أي : من بعد اصفرار الزرع ) ( يكفرون ) يجحدون ما سلف من النعمة ، يعني : أنهم يفرحون عند الخصب ، ولو أرسلت عذابا على زرعهم جحدوا سالف نعمتي . ( فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) . ( الله الذي خلقكم من ضعف ) قرئ بضم الضاد وفتحها ، فالضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم ، ومعنى " من ضعف " ، أي : من نطفة ، يريد من ذي ضعف ، أي : من ماء ذي ضعف كما قال [ ص: 278 ] تعالى : " ألم نخلقكم من ماء مهين " ( المرسلات - 20 ) ( ثم جعل من بعد ضعف قوة ) بعد ضعف الطفولية شبابا ، وهو وقت القوة ( ثم جعل من بعد قوة ضعفا ) هرما ( وشيبة يخلق ما يشاء ) الضعف والقوة والشباب والشيبة ) ( وهو العليم ) بتدبير خلقه ) ( القدير ) على ما يشاء . ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ( 55 ) وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ( 56 ) ) ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ) يحلف المشركون ( ما لبثوا ) في الدنيا ( غير ساعة ) إلا ساعة ، استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة . وقال مقاتل والكلبي : ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال : " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار " ( الأحقاف - 35 ) . ( كذلك كانوا يؤفكون ) يصرفون عن الحق في الدنيا ، قال الكلبي ومقاتل : كذبوا في قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث . والمعنى أن الله أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء تبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه ، وكان ذلك بقضاء الله وبقدره بدليل قوله : " يؤفكون " ، أي : يصرفون عن الحق . ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم فقال : ( وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله ) أي : فيما كتب الله لكم في سابق علمه من اللبث في القبور . وقيل : " في كتاب الله " أي : في حكم الله ، وقال قتادة ومقاتل : فيه تقديم وتأخير معناه . وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان : لقد لبثتم إلى يوم البعث ، يعني الذين يعلمون كتاب الله ، وقرأوا قوله تعالى : " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " ( المؤمنون - 100 ) ، أي : قالوا للمنكرين : لقد لبثتم ( إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ) الذي كنتم تنكرونه في الدنيا ( ولكنكم كنتم لا تعلمون ) وقوعه في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل قوله تعالى : [ ص: 279 ] ( فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ) ( فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ( 57 ) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ( 58 ) كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ( 59 ) فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ( 60 ) ) ( فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ) يعني عذرهم ( ولا هم يستعتبون ) لا يطلب منهم العتبى والرجوع في الآخرة ، قرأ أهل الكوفة : ) ( لا ينفع ) بالياء هاهنا وفي " حم " المؤمن ووافق نافع في " حم " المؤمن ، وقرأ الباقون بالتاء فيهما . ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ) ما أنتم إلا على باطل . ( كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ) توحيد الله . ( فاصبر إن وعد الله حق ) في نصرتك وإظهارك على عدوك ( ولا يستخفنك ) لا يستجهلنك ، معناه : لا يحملنك الذين لا يوقنون على الجهل واتباعهم في الغي . وقيل : لا يستخفن رأيك وحلمك ( الذين لا يوقنون ) بالبعث والحساب . سُورَةُ لُقْمَانَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( الم ( 1 ) تلك آيات الكتاب الحكيم ( 2 ) هدى ورحمة للمحسنين ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ( 4 ) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( 5 ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ( 6 ) ) ( الم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة ) قرأ حمزة : " ورحمة " بالرفع على الابتداء ، أي : هو هدى ورحمة ، وقرأ الآخرون بالنصب على الحال ) ( للمحسنين ) ( الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ) ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) الآية . قال الكلبي ، ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشا ، ويقول : إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة ، فيستملحون [ ص: 284 ] حديثه ويتركون استماع القرآن ، فأنزل الله هذه الآية . وقال مجاهد : يعني شراء القيان والمغنيين ، ووجه الكلام على هذا التأويل : من يشتري ذات لهو أو ذا لهو الحديث . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكي ، حدثنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة ، أخبرنا علي بن حجر ، أخبرنا مشمعل بن ملحان الطائي ، عن مطرح بن يزيد ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم بن عبد العزيز ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام " ، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " ، وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين : أحدهما على هذا المنكب ، والآخر على هذا المنكب ، فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت . أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القفال ، أخبرنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجردي ، أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي ، أخبرنا محمد بن غالب بن تمام ، أخبرنا خالد بن أبي يزيد ، عن هشام هو ابن حسان ، عن محمد هو ابن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن ثمن الكلب وكسب الزمارة " . قال مكحول : من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصل عليه ، إن الله يقول : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " الآية . وعن عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير قالوا : " لهو الحديث " هو الغناء ، والآية نزلت فيه . ومعنى قوله : ( يشتري لهو الحديث ) أي : يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن ، قال أبو الصباء البكري سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال : هو الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو ، يرددها ثلاث مرات . [ ص: 285 ] وقال إبراهيم النخعي : الغناء ينبت النفاق في القلب ، وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف . وقيل : الغناء رقية الزنا . وقال ابن جريج : هو الطبل وعن الضحاك قال : هو الشرك . وقال قتادة : هو كل لهو ولعب . ( ليضل عن سبيل الله بغير علم ) أي : يفعله عن جهل . قال قتادة : بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق . قوله تعالى : ( ويتخذها هزوا ) أي : يتخذ آيات الله هزوا . قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ، ويعقوب : ) ( ويتخذها ) بنصب الذال عطفا على قوله : " ليضل " ، وقرأ الآخرون بالرفع نسقا على قوله : " يشتري " . ( أولئك لهم عذاب مهين ) ( وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم ( 7 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ( 8 ) خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم ( 9 ) خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ( 10 ) ) ( وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ) حسن . [ ص: 286 ] ) ( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ( 11 ) ) ( هذا ) يعني الذي ذكرت مما تعاينون ( خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ) من آلهتكم التي تعبدونها ( بل الظالمون في ضلال مبين ) ( ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد ( 12 ) قوله تعالى : ( ولقد آتينا لقمان الحكمة ) يعني : العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور . قال محمد بن إسحاق : وهو لقمان بن ناعور بن ناحور بن تارخ وهو آزر . وقال وهب : كان ابن أخت أيوب ، وقال مقاتل : ذكر أنه كان ابن خالة أيوب . قال الواقدي : كان قاضيا في بني إسرائيل . واتفق العلماء على أنه كان حكيما ، ولم يكن نبيا ، إلا عكرمة فإنه قال : كان لقمان نبيا . وتفرد بهذا القول . وقال بعضهم : خير لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة . وروي أنه كان نائما نصف النهار فنودي : يا لقمان ، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض لتحكم بين الناس بالحق ؟ فأجاب الصوت فقال : إن خيرني ربي قبلت العافية ، ولم أقبل البلاء ، وإن عزم علي فسمعا وطاعة ، فإني أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان ؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها ، يغشاها الظلم من كل مكان أن يعدل فبالحري أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون [ ص: 287 ] شريفا ، ومن يختر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب الآخرة . فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فأعطي الحكمة ، فانتبه وهو يتكلم بها ، ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان ، فهوى في الخطيئة غير مرة ، كل ذلك يعفو الله عنه ، وكان لقمان يؤازره بحكمته . وعن خالد الربعي قال : كان لقمان عبدا حبشيا نجارا . وقال سعيد بن المسيب : كان خياطا . وقيل : كان راعي غنم . فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال : ألست فلانا الراعي فبم بلغت ما بلغت ؟ قال : بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنيني . وقال مجاهد : كان عبدا أسود عظيم الشفتين ومشقق القدمين . قوله - عز وجل - : ( أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد )
__________________
|
#347
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (332) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ لُقْمَانَ مَكِّيَّةٌ الاية13 إلى الاية 32 ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ( 13 ) ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ( 14 ) ) ( وإذ قال لقمان لابنه ) واسمه أنعم ، ويقال : مشكم ، ( وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) قرأ ابن كثير : " يا بني لا تشرك بالله " بإسكان الياء ، وفتحها حفص ، والباقون بالكسر ، " يا بني إنها " بفتح الياء حفص ، والباقون بالكسر ، " يا بني أقم الصلاة " ، بفتح الياء البزي عن ابن كثير وحفص ، وبإسكانها القواس ، والباقون بكسرها . ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن ) قال ابن عباس : شدة بعد شدة . وقال الضحاك : ضعفا على ضعف . قال مجاهد : مشقة على مشقة . وقال الزجاج : المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة . ويقال : الحمل ضعف ، والطلق ضعف ، والوضع ضعف . ) ( وفصاله ) أي : فطامه ( في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) المرجع ، قال سفيان بن عيينة في هذه الآية : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين . [ ص: 288 ] ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ( 15 ) يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ( 16 ) ) ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) أي : بالمعروف ، وهو البر والصلة والعشرة الجميلة ( واتبع سبيل من أناب إلي ) أي : دين من أقبل إلى طاعتي ، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . قال عطاء عن ابن عباس : يريد أبا بكر ، وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، فقالوا له : قد صدقت هذا الرجل وآمنت به ؟ قال : نعم ، هو صادق ، فآمنوا به ، ثم حملهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أسلموا ، فهؤلاء لهم سابقة الإسلام . أسلموا بإرشاد أبي بكر . قال الله تعالى : ( واتبع سبيل من أناب إلي ) يعني أبا بكر ، ( ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) وقيل : نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقاص وأمه ، وقد مضت القصة وقيل : الآية عامة في حق كافة الناس . ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ) الكناية في قوله : " إنها " راجعة إلى الخطيئة ، وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه : يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله ؟ فقال : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة ) قال قتادة : تكن في جبل . وقال ابن عباس : في صخرة تحت الأرضين السبع ، وهي التي تكتب فيها أعمال الفجار ، وخضرة السماء منها . قال السدي : خلق الله الأرض على حوت - وهو النون الذي ذكر الله - عز وجل - في القرآن " ن والقلم " - والحوت في الماء ، والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، [ ص: 289 ] وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض ، والصخرة على الريح ( أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف ) باستخراجها ) ( خبير ) عالم بمكانها ، قال الحسن : معنى الآية هو الإحاطة بالأشياء ، صغيرها وكبيرها ، وفي بعض الكتب إن هذه الكلمة آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات . ( يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ( 17 ) ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ( 18 ) واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ( 19 ) ) ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ) يعني من الأذى ( إن ذلك من عزم الأمور ) يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر على الأذى فيهما ، من الأمور الواجبة التي أمر الله بها ، أو من الأمور التي يعزم عليها لوجوبها . ( ولا تصعر خدك للناس ) قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب : " ولا تصعر " بتشديد العين من غير ألف ، وقرأ الآخرون : " تصاعر " بالألف ، يقال : صعر وجهه وصاعر : إذا مال وأعرض تكبرا ، ورجل أصعر : أي : مائل العنق . قال ابن عباس : يقول : لا تتكبر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك . وقال مجاهد : هو الرجل يكون بينك وبينه إحنة فتلقاه فيعرض عنك بوجهه . وقال عكرمة : هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه تكبرا . وقال الربيع بن أنس وقتادة : ولا تحتقر الفقراء ليكن الفقير والغني عندك سواء ( ولا تمش في الأرض مرحا ) خيلاء ( إن الله لا يحب كل مختال ) في مشيه ) ( فخور ) على الناس . ( واقصد في مشيك ) أي : ليكن مشيك قصدا لا تخيلا ولا إسراعا . وقال عطاء : امش بالوقار والسكينة ، كقوله : " يمشون على الأرض هونا " ( الفرقان - 63 ) ( واغضض من صوتك ) انقص من صوتك ، وقال مقاتل : اخفض صوتك ( إن أنكر الأصوات ) أقبح الأصوات ( لصوت الحمير ) أوله زفير وآخره شهيق ، وهما صوت أهل النار . [ ص: 290 ] وقال موسى بن أعين : سمعت سفيان الثوري يقول في قوله : ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) قال : صياح كل شيء تسبيح لله إلا الحمار . وقال جعفر الصادق في قوله : ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) قال : هي العطسة القبيحة المنكرة . قال وهب : تكلم لقمان باثنى عشر ألف باب من الحكمة ، أدخلها الناس في كلامهم وقضاياهم وحكمهم : قال خالد الربعي : كان لقمان عبدا حبشيا فدفع مولاه إليه شاة وقال : اذبحها وائتني بأطيب مضغتين منها ، فأتاه باللسان والقلب ، ثم دفع إليه شاة أخرى ، وقال : اذبحها وائتني بأخبث مضغتين منها فأتاه باللسان والقلب ، فسأله مولاه ، فقال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا . ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ( 20 ) ) قوله تعالى : ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم ) أتم وأكمل ) ( نعمه ) قرأ أهل المدينة ، وأبو عمرو ، وحفص : " نعمه " بفتح العين وضم الهاء على الجمع ، وقرأ الآخرون منونة على الواحد ، ومعناها الجمع أيضا كقوله : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " ( إبراهيم - 14 ) ( ظاهرة وباطنة ) قال عكرمة عن ابن عباس : النعمة الظاهرة : الإسلام والقرآن ، والباطنة : ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة وقال الضحاك : الظاهرة : حسن الصورة وتسوية الأعضاء ، والباطنة : المعرفة . وقال مقاتل : الظاهرة : تسوية الخلق ، والرزق ، والإسلام . والباطنة : ما ستر من الذنوب . وقال الربيع : الظاهرة بالجوارح ، والباطنة : بالقلب . وقيل : الظاهرة : الإقرار باللسان ، والباطنة : الاعتقاد بالقلب . وقيل : الظاهرة : تمام الرزق والباطنة : حسن الخلق . وقال عطاء : الظاهرة : تخفيف الشرائع ، والباطنة : الشفاعة . [ ص: 291 ] وقال مجاهد : الظاهرة : ظهور الإسلام والنصر على الأعداء ، والباطنة : الإمداد بالملائكة . وقيل : الظاهرة : الإمداد بالملائكة ، والباطنة : إلقاء الرعب في قلوب الكفار . وقال سهل بن عبد الله : الظاهرة : اتباع الرسول ، والباطنة : محبته . ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ) نزلت في النضر بن الحارث ، وأبي بن خلف ، وأمية بن خلف ، وأشباههم كانوا يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم - في الله وفي صفاته بغير علم ( ولا هدى ولا كتاب منير ) ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ( 21 ) ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ( 22 ) ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور ( 23 ) نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ( 24 ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( 25 ) ) ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ) قال الله - عز وجل - : ( أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ) وجواب " لو " محذوف ، ومجازه : يدعوهم فيتبعونه ، يعني : يتبعون الشيطان وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير . ( ومن يسلم وجهه إلى الله ) يعني : لله ، أي : يخلص دينه لله ، ويفوض أمره إلى الله ( وهو محسن ) في عمله ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي : اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه ( وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ) أي : نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا قليلا إلى انقضاء آجالهم ( ثم نضطرهم ) ثم نلجئهم ونردهم في الآخرة ( إلى عذاب غليظ ، ) وهو عذاب النار . ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) [ ص: 292 ] ( لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد ( 26 ) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ( 27 ) ) ( لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد ) قوله - عز وجل - : ) ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) الآية . قال المفسرون : نزلت بمكة ، قوله سبحانه وتعالى : " ويسئلونك عن الروح " ، إلى قوله : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " ( الإسراء - 85 ) ، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد ، بلغنا عنك أنك تقول : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " أفعنيتنا أم قومك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : كلا قد عنيت ، قالوا : ألست تتلوا فيما جاءك أنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم " ، قالوا : يا محمد كيف تزعم هذا وأنت تقول : " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " ( البقرة - 269 ) ، فكيف يجتمع هذا علم قليل وخير كثير ؟ فأنزل الله هذه الآية . قال قتادة : إن المشركين قالوا : إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفد فينقطع ، فنزلت : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) ، أي : بريت أقلاما ( والبحر يمده ) قرأ أبو عمرو ويعقوب : " والبحر " بالنصب عطفا على " ما " ، والباقون بالرفع على الاستئناف ) ( يمده ) أي : يزيده ، وينصب فيه ) ( من بعده ) خلفه ( سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) وفي الآية اختصار تقديره : ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر يكتب بها كلام الله ما نفدت كلمات الله . ( إن الله عزيز حكيم ) وهذه الآية على قول عطاء بن يسار مدنية ، وعلى قول غيره مكية ، وقالوا : إنما أمر اليهود وفد قريش أن يسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكة ، والله أعلم . [ ص: 293 ] ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير ( 28 ) ( ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ( 29 ) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ( 30 ) ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( 31 ) وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ( 32 ) ) ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) يعني كخلق نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء ( إن الله سميع بصير ( ذلك بأن الله هو الحق ) أي : ذلك الذي ذكرت لتعلموا أن الله هو الحق ( وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ) يريد أن ذلك من نعمة الله عليكم ( ليريكم من آياته ) عجائبه ( إن في ذلك لآيات لكل صبار ) على أمر الله ) ( شكور ) لنعمه . ( وإذا غشيهم موج كالظلل ) قال مقاتل : كالجبال . وقال الكلبي : كالسحاب . والظلل جمع الظلة شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها ، وجعل الموج ، وهو واحد ، كالظلل وهي جمع ، لأن الموج يأتي منه شيء بعد شيء ( دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) أي : عدل موف في البر بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد له ، يعني : ثبت على إيمانه . [ ص: 294 ] نزلت في عكرمة بن أبي جهل هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف ، فقال عكرمة : لئن أنجاني الله من هذا لأرجعن إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ولأضعن يدي في يده ، فسكنت الريح ، فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه وقال مجاهد : فمنهم مقتصد في القول مضمر للكفر . وقال الكلبي : مقتصد في القول ، أي : من الكفار ، لأن بعضهم كان أشد قولا وأغلى في الافتراء من بعض ( وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) والختر أسوأ الغدر .
__________________
|
#348
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (333) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ السَّجْدَةِ مَكِّيَّةٌ الاية1 إلى الاية 16 ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ( 33 ) إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ( 34 ) ) ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي ) لا يقضي ولا يغني ( والد عن ولده ولا مولود هو جاز ) مغن ( عن والده شيئا ) قال ابن عباس : كل امرئ يهمه نفسه ، ( إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) يعني الشيطان . قال سعيد بن جبير : هو أن يعمل المعصية ويتمنى المغفرة . ( إن الله عنده علم الساعة ) الآية نزلت في الوارث بن عمرو بن حارثة ، بن محارب ، ابن حفصة ، من أهل البادية أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الساعة ووقتها وقال : إن أرضنا أجدبت فمتى [ ص: 295 ] ينزل الغيث ؟ وتركت ، امرأتي حبلى ، فمتى تلد ؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت ؟ فأنزل الله هذه الآية ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ) وقرأ أبي بن كعب : " بأية أرض " ، والمشهور : " بأي أرض " لأن الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء . وقيل : أراد بالأرض المكان : أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله ، أخبرنا إبراهيم بن ساعدة عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " مفاتيح الغيب خمس : إن الله عنده علم الساعة ، وينزل الغيث ، ويعلم ما في الأرحام ، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، وما تدري نفس بأي أرض تموت " . ( إن الله عليم خبير ) سُورَةُ السَّجْدَةِ مَكِّيَّةٌ مكية ، قال عطاء : إلا ثلاث آيات من قوله " أفمن كان مؤمنا " إلى آخر ثلاث آيات بسم الله الرحمن الرحيم ) ( الم ( 1 ) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ( 2 ) أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ( 3 ) الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ( 4 ) ) ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) قال مقاتل : لا شك فيه أنه تنزيل من رب العالمين . ) ( أم يقولون ) بل يقولون ) ( افتراه ) وقيل الميم صلة ، أي : أيقولون افتراه ؟ استفهام توبيخ . وقيل : " أم " بمعنى الواو ، أي : ويقولون افتراه . وقيل : فيه إضمار ، مجازه فهل يؤمنون ، أم يقولون افتراه ، ثم قال : ) ( بل هو ) يعني القرآن ( الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم ) أي : لم يأتهم ( من نذير من قبلك ) قال قتادة : كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال ابن عباس ، ومقاتل : ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما ) ( لعلهم يهتدون ) ( الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ) [ ص: 300 ] ) ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( 5 ) ) ( يدبر الأمر ) أي : يحكم الأمر وينزل القضاء والقدر ( من السماء إلى الأرض ) وقيل : ينزل الوحي مع جبريل من السماء إلى الأرض ) ( ثم يعرج ) يصعد ) ( إليه ) جبريل بالأمر ( في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) أي : في يوم واحد من أيام الدنيا وقدر مسيرة ألف سنة ، خمسمائة نزوله ، وخمسمائة صعوده ، لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام ، يقول : لو سار فيه أحد من بني آدم لم يقطعه إلا في ألف سنة ، والملائكة يقطعون في يوم واحد ، هذا في وصف عروج الملك من الأرض إلى السماء ، وأما قوله : " تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " ( المعارج - 4 ) ، أراد مدة المسافة بين الأرض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل ، يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا . هذا كله معنى قول مجاهد والضحاك وقوله : " إليه " أي : إلى الله . وقيل : على هذا التأويل ، أي : إلى مكان الملك الذي أمره الله - عز وجل - أن يعرج إليه . وقال بعضهم : ألف سنة وخمسون ألف سنة كلها في القيامة ، يكون على بعضهم أطول وعلى بعضهم أقصر ، معناه : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا ، ثم يعرج أي : يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا ، وانقطاع أمر الأمراء وحكم الحكام في يوم كان مقداره ألف سنة ، وهو يوم القيامة ، وأما قوله : " خمسين ألف سنة " فإنه أراد على الكافر يجعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة ، وعلى المؤمن دون ذلك حتى جاء في الحديث : " أنه يكون على المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا " . وقال إبراهيم التيمي : لا يكون على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر . [ ص: 301 ] ويجوز أن يكون هذا إخبارا عن شدته وهوله ومشقته . وقال ابن أبي مليكة : دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية وعن قوله خمسين ألف سنة ؟ فقال له ابن عباس : أيام سماها الله لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم . ( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ( 6 ) الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ( 7 ) ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ( 8 ) ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ( 9 ) وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون ( 10 ) ) ( ذلك عالم الغيب والشهادة ) يعني : ذلك الذي صنع ما ذكره من خلق السماوات والأرض عالم ما غاب عن الخلق وما حضر ) ( العزيز الرحيم ) ( الذي أحسن كل شيء خلقه ) قرأ نافع وأهل الكوفة : " خلقه " بفتح اللام على الفعل وقرأ الآخرون بسكونها ، أي : أحسن خلق كل شيء ، قال ابن عباس : أتقنه وأحكمه . قال قتادة : حسنه . وقال مقاتل : علم كيف يخلق كل شيء ، من قولك : فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه . وقيل : خلق كل حيوان على صورته لم يخلق البعض على صورة البعض ، فكل حيوان كامل في خلقه حسن ، وكل عضو من أعضائه مقدر بما يصلح به معاشه . ( وبدأ خلق الإنسان من طين ) يعني آدم . ( ثم جعل نسله ) يعني ذريته ) ( من سلالة ) نطفة ، سميت سلالة لأنها تسل من الإنسان ) ( من ماء مهين ) أي : ضعيف وهو نطفة الرجل . ( ثم سواه ) ثم سوى خلقه ( ونفخ فيه من روحه ) ثم عاد إلى ذريته ، فقال : ( وجعل لكم ) بعد أن كنتم نطفا ( السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ) يعني : لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه . ) ( وقالوا ) يعني منكري البعث ( أئذا ضللنا ) هلكنا ) ( في الأرض ) وصرنا ترابا ، وأصله [ ص: 302 ] من قولهم : ضل الماء في اللبن إذا ذهب ( أئنا لفي خلق جديد ) استفهام إنكار . قال الله - عز وجل - : ( بل هم بلقاء ربهم كافرون ) أي : بالبعث بعد الموت . ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ( 11 ) ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ( 12 ) ) ( قل يتوفاكم ) يقبض أرواحكم ( ملك الموت الذي وكل بكم ) أي : وكل بقبض أرواحكم وهو عزرائيل ، والتوفي استيفاء العدد ، معناه أنه يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد من العدد الذي كتب عليه الموت . وروي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة ، فهو يقبض أنفس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها ، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب . وقال ابن عباس : إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب . وقال مجاهد : جعلت له الأرض مثل طست يتناول منها حيث يشاء . وفي بعض الأخبار : أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فينزع أعوانه روح الإنسان فإذا بلغ ثغره نحره قبضه ملك الموت . وروى خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال : إن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب ، وهو يتصفح وجوه الناس ، فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين ، فإذا رأى إنسانا قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة ، وقال : الآن يزار بك عسكر الأموات . قوله : ( ثم إلى ربكم ترجعون ) أي : تصيرون إليه أحياء فيجزيكم بأعمالكم . ( ولو ترى إذ المجرمون ) المشركون ( ناكسو رءوسهم ) مطأطؤ رءوسهم ( عند ربهم ) حياء وندما ) ( ربنا ) أي : يقولون ربنا ) ( أبصرنا ) ما كنا به مكذبين ) ( وسمعنا ) منك تصديق ما أتتنا به رسلك . وقيل : أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا ) ( فارجعنا ) فأرددنا إلى الدنيا ( نعمل صالحا إنا موقنون ) وجواب لو مضمر مجازه لرأيت العجب . [ ص: 303 ] ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( 13 ) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ( 14 ) إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ( 15 ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ( 16 ) ) ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) رشدها وتوفيقها للإيمان ( ولكن حق ) وجب ( القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) وهو قوله لإبليس : " لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين " ( ص - 85 ) . ثم يقال لأهل النار - وقال مقاتل : إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة - : ( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ) أي : تركتم الإيمان به في الدنيا ( إنا نسيناكم ) تركناكم ( وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ) من الكفر والتكذيب . قوله - عز وجل - : ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها ) وعظوا بها ( خروا سجدا ) سقطوا على وجوههم ساجدين ( وسبحوا بحمد ربهم ) قيل : صلوا بأمر ربهم . وقيل : قالوا سبحان الله وبحمده ( وهم لا يستكبرون ) عن الإيمان والسجود له . ) ( تتجافى ) ترتفع وتنبو ( جنوبهم عن المضاجع ) جمع مضجع ، وهو الموضع الذي يضطجع عليه ، يعني الفرش ، وهم المتهجدون بالليل ، اللذين يقومون للصلاة . واختلفوا في المراد بهذه الآية; قال أنس : نزلت فينا معشر الأنصار ، كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . وعن أنس أيضا قال : نزلت في أناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء وهو قول أبي حازم ومحمد بن المنكدر ، وقالا هي صلاة الأوابين . وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء ، وهي صلاة الأوابين . [ ص: 304 ] وقال عطاء : هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة . وعن أبي الدرداء ، وأبي ذر ، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم : هم الذين يصلون العشاء الآخرة والفجر في جماعة . وروينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن ابن صالح السمان ، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " . وأشهر الأقاويل أن المراد منه : صلاة الليل ، وهو قول الحسن ، ومجاهد ، ومالك ، والأوزاعي وجماعة . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي ، أخبرنا عبد الرازق ، أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرنا فأصبحت يوما قريبا منه وهو يسير فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار ، قال : " قد سألت عن أمر عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت " ، ثم قال : " ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة ، والصدقة تطفىء الخطيئة ، وصلاة الرجل في جوف الليل " ، ثم قرأ : " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " حتى بلغ " جزاء بما كانوا يعملون " ، ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد . ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا نبي الله ، قال : فأخذ بلسانه فقال : اكفف عليك هذا ، فقلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب [ ص: 305 ] الناس في النار على وجوههم ، أو قال على مناخرهم ، إلا حصائد ألسنتهم " . حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد المخلدي ، أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا أبو عبد الله بن صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، حدثني ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة لكم إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا روح بن أسلم ، أخبرنا حماد بن سلمة ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عجب ربنا من رجلين : رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حيه وأهله إلى صلاته " ، فيقول الله لملائكته : انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حيه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي ، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم معه أصحابه ، فعلم ما عليه في الانهزام وما له في الرجوع ، فرجع فقاتل حتى أهريق دمه ، فيقول الله لملائكته : " انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى أهريق دمه " ] . [ ص: 306 ] أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أخبرنا أبو محمد الجراحي ، أخبرنا أبو العباس المحبوبي ، أخبرنا أبو عيسى الترمذي ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، أخبرنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن ابن معانق ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن ألان الكلام ، وأطعم الطعام ، وتابع الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أصبغ ، أخبرني عبد الله بن وهب ، أخبرني يونس عن ابن شهاب ، أخبرنا الهيثم بن أبي سنان ، أخبرني أنه سمع أبا هريرة في قصصه يذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : " إن أخا لكم لا يقول الرفث " يعني بذلك عبد الله بن رواحة ، قال : وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا قوله - عز وجل - : ( يدعون ربهم خوفا وطمعا ) قال ابن عباس : خوفا من النار وطمعا في الجنة ( ومما رزقناهم ينفقون ) قيل : أراد به الصدقة المفروضة . وقيل : عام في الواجب والتطوع . به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
__________________
|
#349
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (334) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ الْأَحْزَابِ مَدَنِيَّةٌ الاية1 إلى الاية 4 ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( 17 ) ) ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ) قرأ حمزة ويعقوب : " أخفي لهم " ساكنة الياء ، أي : أنا أخفي لهم ومن حجته قراءة ابن مسعود " نخفي " بالنون . وقرأ الآخرون بفتحها . ( من قرة أعين ) مما تقر به أعينهم ( جزاء بما كانوا يعملون ) [ ص: 307 ] أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا إسحاق بن نصر ، أخبرنا أبو أسامة عن الأعمش ، أخبرنا أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعتم عليه " ، ثم قرأ : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : هذا مما لا تفسير له . وعن بعضهم قال : أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم . ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ( 18 ) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون ( 19 ) وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( 20 ) ) قوله - عز وجل - : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه ، وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء ، فقال الوليد بن عقبة لعلي اسكت فإنك صبي وأنا والله أبسط منك لسانا ، وأحد منك سنانا ، وأشجع منك جنانا ، وأملأ منك حشوا في الكتيبة . فقال له علي : اسكت فإنك فاسق ، فأنزل الله تعالى : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) ولم يقل : لا يستويان ، لأنه لم يرد مؤمنا واحدا وفاسقا واحدا ، بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين . (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى ) التي يأوي إليها المؤمنون ( نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ) [ ص: 308 ] ) ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ( 21 ) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون ( 22 ) ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل ( 23 ) ) ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) أي : سوى العذاب الأكبر ( لعلهم يرجعون ) قال أبي بن كعب ، والضحاك ، والحسن ، وإبراهيم : " العذاب الأدنى " مصائب الدنيا وأسقامها ، وهو رواية الوالبي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - . وقال عكرمة عنه : هو الحدود . وقال مقاتل : الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف والعظام والكلاب . وقال ابن مسعود : هو القتل بالسيف يوم بدر وهو قول قتادة والسدي ( دون العذاب الأكبر ) يعني : عذاب الآخرة ( لعلهم يرجعون ) إلى الإيمان ، يعني : من بقي منهم بعد بدر وبعد القحط . قوله - عز وجل - : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين ) يعني : المشركين ) ( منتقمون ) ( ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه ) يعني : فلا تكن في شك من لقاء موسى ليلة المعراج ، قاله ابن عباس وغيره . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا غندر ، عن شعبة ، عن قتادة رحمه الله قال : وقال لي خليفة ، أخبرنا يزيد بن زريع ، أخبرنا سعيد عن قتادة ، عن أبي العالية قال : أخبرنا ابن عم نبيكم - يعني ابن عباس - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط [ ص: 309 ] الرأس ، ورأيت مالكا خازن النار ، والدجال في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه " . أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أخبرنا عبد الله المحاملي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزاز ، أخبرنا محمد بن يونس ، أخبرنا عمر بن حبيب القاضي ، أخبرنا سليمان التيمي ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لما أسري بي إلى السماء رأيت موسى يصلي في قبره " . وروينا في المعراج أنه رآه في السماء السادسة ومراجعته في أمر الصلاة . قال السدي : " فلا تكن في مرية من لقائه " ، أي : من تلقي موسى كتاب الله بالرضا والقبول . ) ( وجعلناه ) يعني : الكتاب وهو التوراة ، وقال قتادة : موسى ( هدى لبني إسرائيل ) ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ( 24 ) إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( 25 ) أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ( 26 ) أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ( 27 ) ) ( وجعلنا منهم ) يعني : من بني إسرائيل ) ( أئمة ) قادة في الخير يقتدى بهم ، يعني : الأنبياء الذين كانوا فيهم . وقال قتادة : أتباع الأنبياء ) ( يهدون ) يدعون ( بأمرنا لما صبروا ) قرأ حمزة والكسائي ، بكسر اللام وتخفيف الميم ، أي : لصبرهم ، وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد الميم ، أي : حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر ( وكانوا بآياتنا يوقنون إن ربك هو يفصل ) يقضي ( بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون أولم يهد ) لم يتبين ( لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ) آيات الله وعظاته فيتعظون بها . ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ) أي : اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها ، قال ابن عباس : هي أرض باليمن . وقال مجاهد : هي أرض بابين ( فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم ) [ ص: 310 ] من العشب والتبن ) ( وأنفسهم ) من الحبوب والأقوات ) ( أفلا يبصرون ) ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( 28 ) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( 29 ) فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ( 30 ) ) ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ) قيل : أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الحكم بين العباد ، قال قتادة : قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - للكفار : إن لنا يوما نتنعم فيه ونستريح ويحكم بيننا وبينكم ، فقالوا استهزاء : متى هذا الفتح ؟ أي : القضاء والحكم ، وقال الكلبي : يعني فتح مكة . وقال السدي : يوم بدر لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون لهم : إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم ، فيقولون متى هذا الفتح . ( قل يوم الفتح ) يوم القيامة ( لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ) ومن حمل الفتح على فتح مكة أو القتل يوم بدر قال : معناه لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إذا جاءهم العذاب وقتلوا ( ولا هم ينظرون ) لا يمهلون ليتوبوا ويعتذروا . ( فأعرض عنهم ) قال ابن عباس : نسختها آية السيف ( وانتظر إنهم منتظرون ) قيل : انتظر موعدي لك بالنصر إنهم منتظرون بك حوادث الزمان . وقيل : انتظر عذابنا فيهم فإنهم منتظرون ذلك . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو نعيم ، أخبرنا سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن هرمز ، عن أبي هريرة أنه قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر يوم الجمعة ( آلم تنزيل ) و ( هل أتى على الإنسان ) . [ ص: 311 ] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا أبو نعيم ، أخبرنا سفيان ، عن ليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينام حتى يقرأ : " تبارك " و " آلم تنزيل " . سُورَةُ الْأَحْزَابِ مَدَنِيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما ( 1 ) ) ( يا أيها النبي اتق الله ) نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور وعمرو بن سفيان السلمي ، وذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين بعد قتال أحد ، وقد أعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمان على أن يكلموه ، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا ، اللات والعزى ومناة ، وقل : إن لها شفاعة لمن عبدها ، وندعك وربك ، فشق على النبي - صلى الله عليه وسلم - قولهم ، فقال عمر : يا رسول الله ائذن لنا في قتلهم ، فقال : إني قد أعطيتهم الأمان ، فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر أن يخرجهم من المدينة فأنزل الله تعالى : ( يا أيها النبي اتق الله ) أي : دم على التقوى ، كالرجل يقول لغيره وهو قائم : قم هاهنا ، أي : اثبت قائما . وقيل الخطاب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به الأمة . وقال الضحاك : معناه اتق الله ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم . [ ص: 316 ] ( ولا تطع الكافرين ) من أهل مكة ، يعني : أبا سفيان ، وعكرمة ، وأبا الأعور ) ( والمنافقين ) من أهل المدينة ، عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعد ، وطعمة ( إن الله كان عليما ) بخلقه ، قبل أن يخلقهم ) ( حكيما ) فيما دبره لهم . ( واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا ( 2 ) وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ( 3 ) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( 4 ) ) ( واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا ) قرأ أبو عمرو : " يعملون خبيرا " و " يعملون بصيرا " بالياء فيهما ، وقرأ غيره بالتاء . ( وتوكل على الله ) ثق بالله ( وكفى بالله وكيلا ) حافظا لك ، وقيل : كفيلا برزقك . قوله - عز وجل - : ) ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) نزلت في أبي معمر ، جميل بن معمر الفهري ، وكان رجلا لبيبا حافظا لما يسمع ، فقالت قريش : ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا وله قلبان ، وكان يقول : إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ، فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم ، فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه بيده ، والأخرى في رجله ، فقال له : يا أبا معمر ما حال الناس ؟ قال انهزموا ، قال : فما لك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك ؟ فقال أبو معمر : ما شعرت إلا أنهما في رجلي ، فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده . وقال الزهري ومقاتل هذا مثل ضربه الله - عز وجل - للمظاهر من امرأته وللمتبني ولد غيره ، يقول : فكما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى تكون أمان ، ولا يكون له ولد واحد ابن رجلين . [ ص: 317 ] ( وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ) قرأ أهل الشام والكوفة : " اللائي " هاهنا وفي سورة الطلاق بياء بعد الهمزة ، وقرأ قالون عن نافع ويعقوب بغير ياء بعد الهمزة ، وقرأ الآخرون بتليين الهمزة ، وكلها لغات معروفة ، " تظاهرون " قرأ عاصم بالألف وضم التاء وكسر الهاء مخففا ، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء والهاء مخففا وقرأ ابن عامر بفتحها وتشديد الظاء ، وقرأ الآخرون بفتحها وتشديد الظاء والهاء من غير ألف بينهما . وصورة الظهار : أن يقول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي . يقول الله تعالى : ما جعل نساءكم اللائي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم ، ولكنه منكر وزور ، وفيه كفارة نذكرها إن شاء الله تعالى في سورة المجادلة . ( وما جعل أدعياءكم ) يعني : من تبنيتموه ) ( أبناءكم ) فيه نسخ التبني ، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يتبنى الرجل فيجعله كالابن المولود له ، يدعوه الناس إليه ، ويرث ميراثه ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي ، وتبناه قبل الوحي ، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب ، فلما تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة ، قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ونسخ التبني ( ذلكم قولكم بأفواهكم ) لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد - صلى الله عليه وسلم - وادعاء نسب لا حقيقة له ( والله يقول الحق ) أي : قوله الحق ( وهو يهدي السبيل ) أي : يرشد إلى سبيل الحق .
__________________
|
#350
|
||||
|
||||
![]() الحلقة (335) الجزء السادس - تفسير البغوى سُورَةُ الْأَحْزَابِ مَدَنِيَّةٌ الاية5 إلى الاية 19 ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ( 5 ) ) ( ادعوهم لآبائهم ) الذين ولدوهم ( هو أقسط ) أعدل ( عند الله ) أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا معلى بن أسد ، أخبرنا عبد العزيز بن المختار ، أخبرنا موسى بن عقبة ، حدثني سالم عن عبد الله بن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن . [ ص: 318 ] ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم ) أي : فهم إخوانكم ( في الدين ومواليكم ) إن كانوا محررين وليسوا ببنيكم ، أي : سموهم بأسماء إخوانكم في الدين . وقيل : " مواليكم " أي : أولياءكم في الدين ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ) قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه ( ولكن ما تعمدت قلوبكم ) من دعائهم إلى غير آبائهم بعد النهي . وقال قتادة : " فيما أخطأتم به " أن تدعوه لغير أبيه ، وهو يظن أنه كذلك . ومحل " ما " في قوله تعالى : " ما تعمدت " خفض ردا على " ما " التي في قوله " فيما أخطأتم به " مجازه : ولكن فيما تعمدت قلوبكم . ( وكان الله غفورا رحيما ) أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا غندر ، أخبرنا شعبة عن عاصم ، قال : سمعت أبا عثمان قال : سمعت سعدا ، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وأبا بكرة وكان قد تسور حصن الطائف في أناس ، فجاءا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالا سمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " . ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا ( 6 ) ) قوله - عز وجل - : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه عليهم ووجوب طاعته عليهم . وقال ابن عباس وعطاء : يعني إذا دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بهم من طاعتهم أنفسهم . وقال ابن زيد : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيما قضى فيهم ، كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه . وقيل : هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه . [ ص: 319 ] وقيل : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج إلى الجهاد فيقول قوم : نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا ، فنزلت الآية . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا أبو عامر ، أخبرنا فليح ، عن هلال بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة " ، اقرأوا إن شئتم ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته ، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه " . قوله - عز وجل - : ( وأزواجه أمهاتهم ) وفي حرف أبي : ( وأزواجه وأمهاتهم وهو أب لهم ) وهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأبيد ، لا في النظر إليهن والخلوة بهن ، فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب ، قال الله تعالى : " وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب " ( الأحزاب - 53 ) ، ولا يقال لبناتهن هن أخوات المؤمنين ولا لأخوانهن وأخواتهن هم أخوال المؤمنين وخالاتهم . قال الشافعي : تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر ، وهي أخت أم المؤمنين ، ولم يقل هي خالة المؤمنين . واختلفوا في أنهن هل كن أمهات النساء المؤمنات ؟ قيل : كن أمهات المؤمنين والمؤمنات جميعا . وقيل كن أمهات المؤمنين دون النساء ، روى الشعبي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها : قالت يا أمه! فقالت لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم فبان بهذا معنى هذه الأمومة وهو تحريم نكاحهن . قوله - عز وجل - : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) يعني : في الميراث ، قال قتادة : كان المسلمون يتوارثون بالهجرة . قال الكلبي : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الناس ، فكان يؤاخي بين رجلين فإذا مات أحدهما ورثه الآخر دون عصبته ، حتى نزلت هذه الآية : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) في حكم الله ) ( من المؤمنين ) الذين آخى رسول الله [ ص: 320 ] - صلى الله عليه وسلم - بينهم ) ( والمهاجرين ) يعني ذوي القرابات ، بعضهم أولى بميراث بعض من أن يرث بالإيمان والهجرة ، فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة والهجرة وصارت بالقرابة . قوله : ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) أراد بالمعروف الوصية للذين يتولونه من المعاقدين ، وذلك أن الله لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة أباح أن يوصي الرجل لمن يتولاه بما أحب من ثلثه . وقال مجاهد : أراد بالمعروف النصرة وحفظ الحرمة لحق الإيمان والهجرة . وقيل : أراد بالآية إثبات الميراث بالإيمان والهجرة ، يعني : وأولوا الأرحام من المؤمنين والمهاجرين بعضهم أولى ببعض ، أي : لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ، أي : إلا أن توصوا لذوي قراباتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان والهجرة ، وهذا قول قتادة وعطاء وعكرمة . ( كان ذلك في الكتاب مسطورا ) أي : كان الذي ذكرت من أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في اللوح المحفوظ مسطورا مكتوبا . وقال القرظي : في التوراة . ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( 7 ) ) قوله - عز وجل - : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ) على الوفاء بما حملوا وأن يصدق بعضهم بعضا ويبشر بعضهم ببعض . قال مقاتل : أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادة الله ويصدق بعضهم بعضا وينصحوا لقومهم ( ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ) خص هؤلاء الخمسة بالذكر من بين النبيين لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولوا العزم من الرسل ، وقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر لما : [ ص: 321 ] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد الحديثي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ ، أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان الساعدي ، أخبرنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال ، أخبرنا أبي ، أخبرنا سعيد - يعني ابن بشير - عن قتادة عن الحسن ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث " . قال قتادة : وذلك قول الله - عز وجل - : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) فبدأ به - صلى الله عليه وسلم - قبلهم . ( وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا . ( ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما ( 8 ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ( 9 ) ) ( ليسأل الصادقين عن صدقهم ) يقول : أخذنا ميثاقهم لكي نسأل الصادقين عن صدقهم ، يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة . والحكمة في سؤالهم ، مع علمه أنهم صادقون ، تبكيت من أرسلوا إليهم . وقيل : ليسأل الصادقين عن عملهم لله - عز وجل - . وقيل : ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم . ( وأعد للكافرين عذابا أليما ) قوله - عز وجل - : ) ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ) وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام الخندق ( إذ جاءتكم جنود ) يعني الأحزاب ، وهم قريش ، وغطفان ، ويهود قريظة ، والنضير ( فأرسلنا عليهم ريحا ) وهي الصبا ، قال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل ، وكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا [ ص: 322 ] أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا آدم ، أخبرنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " . قوله تعالى : ( وجنودا لم تروها ) وهم الملائكة ، ولم تقاتل الملائكة يومئذ ، فبعث الله عليهم تلك الليلة ريحا باردة فقلعت الأوتاد ، وقطعت أطناب الفساطيط ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور ، وجالت الخيل بعضها في بعض ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول : يا بني فلان هلم إلي ، فإذا اجتمعوا عنده قال : النجاء النجاء ، لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال . ( وكان الله بما تعملون بصيرا ) قال محمد بن إسحاق : حدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير ، عن عروة بن الزبير ومن لا أتهم ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، وعن الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الله بن أبي بكرة بن محمد بن عمرو بن حزم ، وعن محمد بن كعب القرظي ، وعن غيرهم من علمائنا ، دخل حديث بعضهم في بعض : أن نفرا من اليهود ، منهم سلام بن أبي الحقيق ، وحيي بن أخطب ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وهودة بن قيس وأبي عمار الوائلي ، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل ، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله ، فقالت لهم قريش : يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، فديننا خير أم دينه ؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق منهم ، قال : فهم الذين أنزل الله فيهم : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت " ، إلى قوله : " وكفى بجهنم سعيرا " ( النساء 51 - 55 ) . فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ، فأجمعوا لذلك ، ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان من قيس غيلان ، فدعوهم إلى ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه ، وأن قريشا قد بايعوهم على ذلك ، فأجابوهم . فخرجت قريش ، وقائدها أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان ، وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في فزارة ، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة ، ومسعود بن [ ص: 323 ] رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة . وكان الذي أشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق سلمان الفارسي ، وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذ حر ، فقال : يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا عليها ، فعمل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حتى أحكموه . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد الأصبهاني ، أخبرنا محمد بن جعفر الطبري ، حدثنا حماد بن الحسن ، حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ، حدثنا كثير بن عبد الله ، عن عمرو بن عوف ، حدثني أبي عن أبيه قال : خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق عام الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا ، قال : فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا ، فقال المهاجرون : سلمان منا ، وقال الأنصار : سلمان منا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " سلمان منا أهل البيت " . قال عمرو بن عوف : كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المازني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب أخرج الله في بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا ، فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره خبر هذه الصخرة ، فإما أن يعدل عنها فإن المعدل قريب ، وإما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه ، قال : فرقي سلمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ضارب عليه قبة تركية ، فقال : يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير ، فمرنا فيها بأمرك ، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك ، فهبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع سلمان الخندق والتسعة على شق الخندق ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها - يعني المدينة - حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح وكبر المسلمون ، ثم ضربها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثانية وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح وكبر المسلمون ، ثم ضربها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكسرها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح ، وكبر المسلمون ، فأخذ بيد سلمان ورقي ، فقال [ ص: 324 ] سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط ، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى القوم فقال : " أرأيتم ما يقول سلمان " ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : " ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور الحيرة من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها ، فأبشروا " ، فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صدق ، وعدنا النصر بعد الحصر ، فقال المنافقون : ألا تعجبون من محمد يعدكم ويمنيكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا ؟ قال فنزل القرآن : ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) وأنزل الله هذه القصة : " قل اللهم مالك الملك " الآية ( آل عمران - 26 ) . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا معاوية بن عمرو ، أخبرنا أبو إسحاق ، عن حميد قال : سمعت أنسا يقول : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك عنهم ، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع ، قال : " اللهم إن العيش عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة " ، فقالوا مجيبين له : نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه - أو اغبر - وهو يقول : والله لولا ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا ويرفع بها صوته : أبينا أبينا . [ ص: 325 ] رجعنا إلى حديث ابن إسحاق ، قال : فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة من الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ، ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد ، حتى نزلوا بذنب نقمى إلى جانب أحد ، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ، حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم . وأمر بالنساء والذراري فرفعوا في الآطام . وخرج عدو الله حيي بن أخطب من بني النضير حتى أتى كعب بن أسد القرظي ، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ، وكان قد وادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قومه وعاهده على ذلك ، فلما سمع كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه حصنه ، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له ، فناداه حيي : يا كعب افتح لي ، فقال : ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم وإني قد عاهدت محمدا ، فلست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا . قال : ويحك افتح لي أكلمك ، قال : ما أنا بفاعل ، قال : والله إن أغلقت دوني إلا على جشيشتك أن آكل معك منها ، فأحفظ الرجل ، ففتح له ، فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة ، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد ، قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه . قال له كعب بن أسد : جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماؤه برعد وبرق ، وليس فيه شيء ، فدعني ومحمدا وما أنا عليه ، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء ، فلم يزل حيي بن أخطب بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له ، على أن أعطاه من الله عهدا وميثاقا . لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك ، فنقض كعب بن أسد عهده وتبرأ مما كان عليه فيما كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر وإلى المسلمين ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ ، أحد بني عبد الأشهل ، وهو يومئذ سيد الأوس ، وسعد بن عبادة أحد بني ساعدة ، وهو يومئذ سيد الخزرج ، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بني الحارث بن الخزرج ، وخوات بن جبير ، أخو بني عمرو بن عوف ، فقال : انطلقوا حتى تنظروا ، أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟ فإن كان [ ص: 326 ] حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتوا في أعضاد الناس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به جهرا للناس ، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم منهم ، ونالوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد ، فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه ، وكان رجلا فيه حدة ، فقال له سعد بن معاذ : دع عنك مشاتمتهم فإن ما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ، ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلموا عليه وقالوا : عضل والقارة ، لغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أصحاب الرجيع : خبيب بن عدي وأصحابه; فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين . يتبع
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |