تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 34 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل كريمة الشوكولاتة المنزلية.. طعم غني بلمسة طبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          5 أسباب لظهور فقاعات في طلاء الحائط ونصائح لتجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          وصفات طبيعية لتوريد الشفاه وترطيبها في المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          5 خطوات لحماية شعرك في المصيف من المياه المالحة.. استمتعي بأمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          طريقة عمل مسقعة بالبشاميل والدجاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          5 أكلات غنية بالكولاجين الطبيعى لنضارة البشرة وترطيبها من الداخل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصفات طبيعية لتهدئة الحبوب الملتهبة في الحر.. بدون مواد كيميائية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          5 تقنيات وحيل للحصول على مكياج احترافى على الطريقة الكورية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          مشكلة إجازة الصيف.. 5 خطوات تساعد أولادك يناموا بدري ويقللوا السهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          طريقة عمل مشروب الخيار والنعناع للترطيب عشان يهون موجة الحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-09-2022, 12:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (334)
صــ 429 إلى صــ 436






خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين

قوله تعالى : " خلق الإنسان من نطفة " قال المفسرون : أخذ أبي بن خلف [ ص: 429 ] عظما رميما ، فجعل يفته ويقول : يا محمد كيف يبعث الله هذا بعد ما رم ؟ فنزلت فيه هذه الآية . والخصيم : المخاصم ، والمبين : الظاهر الخصومة .

والمعنى : أنه مخلوق من نطفة ، وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث ، أفلا يستدل بأوله على آخره ، وأن من قدر على إيجاده أولا يقدر على إعادته ثانية ؟! وفيه تنبيه على إنعام الله عليه حين نقله من حال ضعف النطفة إلى القوة التي أمكنه معها الخصام .
والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم

قوله تعالى : " والأنعام خلقها لكم " الأنعام : الإبل ، والبقر ، والغنم ،

قوله تعالى : " لكم فيها دفء " فيه قولان :

أحدهما : أنه ما استدفئ به من أوبارها تتخذ ثيابا ، وأخبية ، وغير ذلك . روى العوفي عن ابن عباس أنه قال : يعني بالدفء : اللباس ، وإلى هذا المعنى ذهب الأكثرون .

والثاني : أنه نسلها . روى عكرمة عن ابن عباس : " فيها دفء " قال الدفء : [ ص: 430 ] نسل كل دابة ، وذكر ابن السائب قال : يقال : الدفء أولادها ، ومن لا يحمل من الصغار ، وحكى ابن فارس اللغوي عن الأموي ، قال : الدفء عند العرب : نتاج الإبل وألبانها .

قوله تعالى : " ومنافع " أي : سوى الدفء من الجلود ، والألبان ، والنسل ، والركوب ، والعمل عليها ، إلى غير ذلك ، " ومنها تأكلون " يعني : من لحوم الأنعام

قوله تعالى : " ولكم فيها جمال " أي : زينة ، " حين تريحون " أي : [حين] تردونها إلى مراحها ، وهو المكان الذي تأوي إليه ، فترجع عظام الضروع والأسنمة ، فيقال : هذا مال فلان ، " وحين تسرحون " ترسلونها بالغداة إلى مراعيها .

فإن قيل : لم قدم الرواح وهو مؤخر ؟

فالجواب : أنها في حال الرواح تكون أجمل ; لأنها قد رعت ، وامتلأت ضروعها ، وامتدت أسنمتها .

قوله تعالى : " وتحمل أثقالكم " الإشارة بهذا إلى ما يطيق الحمل منها ، والأثقال : جمع ثقل ، وهو متاع المسافر .

وفي قوله تعالى : " إلى بلد " قولان :

أحدهما : أنه عام في كل بلد يقصده المسافر ، وهو قول الأكثرين .

والثاني : أن المراد به : مكة ، قاله عكرمة ، والأول أصح ، والمعنى : أنها تحملكم إلى كل بلد لو تكلفتم أنتم بلوغه لم تبلغوه إلا بشق الأنفس .

وفي معنى " شق الأنفس " قولان :

أحدهما : أنه المشقة ، قاله الأكثرون . قال ابن قتيبة : يقال : نحن بشق من [ ص: 431 ] العيش ، أي : بجهد ; وفي حديث أم زرع : " وجدني في أهل غنيمة بشق " .

والثاني : أن الشق : النصف ، فكان الجهد ينقص من قوة الرجل ونفسه كأنه قد ذهب نصفه ، ذكره الفراء .

قوله تعالى : " إن ربكم لرءوف رحيم " أي : حين من عليكم بالنعم التي فيها هذه المرافق .
والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون

قوله تعالى : " والخيل " أي : وخلق الخيل " والبغال والحمير لتركبوها وزينة " قال الزجاج : المعنى : وخلقها زينة .

فصل

ويجوز أكل لحم الخيل ، وإنما لم يذكر في الآية ، لأنه ليس هو المقصود ، وإنما معظم المقصود بها : الركوب والزينة ، وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا تؤكل لحوم الخيل .

قوله تعالى : " ويخلق ما لا تعلمون " ذكر قوم من المفسرين : أن المراد به [ ص: 432 ] عجائب المخلوقات في السموات والأرض التي لم يطلع عليها ، مثل ما يروى : أن لله ملكا من صفته كذا ، وتحت العرش نهر من صفته كذا . وقال قوم : هو ما أعد الله لأهل الجنة فيها ، ولأهل النار . وقال أبو سليمان الدمشقي : في الناس من كره تفسير هذا الحرف . وقال الشعبي : هذا الحرف من أسرار القرآن .
وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون

قوله تعالى : " وعلى الله قصد السبيل " القصد : استقامة الطريق ، يقال : طريق قصد وقاصد : إذا قصد بك ما تريد . قال الزجاج : المعنى : وعلى الله تبيين الطريق المستقيم ، والدعاء إليه بالحجج والبرهان .

قوله تعالى : " ومنها جائر " قال أبو عبيدة : السبيل لفظه لفظ الواحد ، وهو في موضع الجميع ، فكأنه قال : ومن السبل سبيل جائر . قال ابن الأنباري : لما ذكر السبيل ، دل على السبل ، فلذلك قال : " ومنها جائر " كما دل الحدثان على الحوادث في قول العبدي :


ولا يبقى على الحدثان حي فهل يبقى عليهن السلام


أراد : فهل يبقى على الحوادث ، والسلام : الصخور ، قال : ويجوز أن يكون إنما قال : " ومنها " لأن السبيل تؤنث وتذكر ، فالمعنى : من السبيل جائر . وقال ابن قتيبة : المعنى : ومن الطرق جائر لا يهتدون فيه ، والجائر : العادل عن [ ص: 433 ] القصد ، قال ابن عباس : ومنها جائر الأهواء المختلفة . وقال ابن المبارك : الأهواء والبدع .

قوله تعالى : " هو الذي أنزل من السماء ماء " يعني : المطر " لكم منه شراب " وهو ما تشربونه ، " ومنه شجر " ذكر ابن الأنباري في معناه قولين :

أحدهما : ومنه سقي شجر ، وشرب شجر ، فخلف المضاف إليه المضاف ، كقوله : وأشربوا في قلوبهم العجل [البقرة :93] .

والثاني : أن المعنى : ومن جهة الماء شجر ، ومن سقيه شجر ، ومن ناحيته شجر ، فحذف الأول ، وخلفه الثاني ، قال زهير :


[لمن الديار بقنة الحجر] . . . . أقوين من حجج ومن شهر


أي : من ممر حجج . قال ابن قتيبة : والمراد بهذه الشجر : المرعى . وقال الزجاج : كل ما نبت على الأرض فهو شجر، قال الشاعر يصف الخيل :


يعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر


يعني : أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض . و " تسيمون " بمعنى : ترعون ، يقال : سامت الإبل فهي سائمة : إذا رعت ، وإنما أخذ ذلك من السومة ، وهي : العلامة ، وتأويلها : أنها تؤثر في الأرض برعيها علامات .

قوله تعالى : " ينبت لكم به الزرع " وروى أبو بكر عن عاصم : " ننبت " بالنون . قال ابن عباس : يريد الحبوب ، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى : " والنجوم مسخرات بأمره " قال الأخفش : المعنى : وجعل النجوم مسخرات ، [ ص: 434 ] فجاز إضمار فعل غير الأول ، لأن هذا المضمر في المعنى مثل المظهر ، وقد تفعل العرب أشد من هذا ، قال الراجز :


تسمع في أجوافهن صردا وفي اليدين جسأة وبددا


المعنى : وترى في اليدين . والجسأة : اليبس . والبدد : السعة . وقال غيره : قوله تعالى : " مسخرات " حال مؤكدة ، لأن تسخيرها قد عرف بقوله تعالى : " وسخر " . وقرأ ابن عامر : والشمس والقمر والنجوم مسخرات ، رفعا كله ، وروى حفص عن عاصم : بالنصب كالجمهور ، إلا قوله تعالى : " والنجوم مسخرات " فإنه رفعها .
وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون

قوله تعالى : " وما ذرأ لكم " أي : وسخر ما ذرأ لكم . وذرأ بمعنى : خلق . و " سخر البحر " أي : ذلـله للركوب والغوص فيه " لتأكلوا منه لحما طريا " يعني : السمك " وتستخرجوا منه حلية تلبسونها " يعني : الدر ، واللؤلؤ ، والمرجان ، [ ص: 435 ] وفي هذا دلالة على أن حالفا لو حلف : لا يلبس حليا ، فلبس لؤلؤا ، أنه يحنث ، وقال أبو حنيفة: لا يحنث .

قوله تعالى : " وترى الفلك " يعني : السفن . وفي معنى " مواخر " قولان :

أحدهما : جواري ، قاله ابن عباس . قال اللغويون : يقال : مخرت السفينة مخرا : إذا شقت الماء في جريانها .

والثاني : المواقر ، يعني المملوءة ، قاله الحسن .

وفي قوله تعالى : " ولتبتغوا من فضله " قولان :

أحدهما : بالركوب فيه للتجارة ابتغاء الربح من فضل الله .

والثاني : بما تستخرجون من حليته ، وتصيدون من حيتانه . قال ابن الأنباري : وفي دخول الواو في قوله تعالى : " ولتبتغوا من فضله " وجهان :

أحدهما : أنها معطوفة على لام محذوفة ، تقديره : وترى الفلك مواخر فيه لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا .

والثاني : أنها دخلت لفعل مضمر ، تقديره : وفعل ذلك لكي تبتغوا .

قوله تعالى : " وألقى في الأرض رواسي " أي : نصب فيها جبالا ثوابت " أن تميد " أي : لئلا تميد ، وقال الزجاج : كراهة أن تميد ، يقال : ماد الرجل يميد ميدا : إذا أدير به ، وقال ابن قتيبة : الميد : الحركة والميل ، يقال : فلان يميد في مشيته ، أي : يتكفأ .

قوله تعالى : " وأنهارا " قال الزجاج : المعنى : وجعل فيها سبلا ، لأن معنى " ألقى " : " جعل " فأما السبل ، فهي الطرق . " ولعلكم تهتدون " أي : لكي تهتدوا إلى مقاصدكم .

[ ص: 436 ] قوله تعالى : " وعلامات " فيها ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها معالم الطرق بالنهار ، وبالنجم هم يهتدون بالليل ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أنها النجوم أيضا ، منها ما يكون علامة لا يهتدى به ، ومنها ما يهتدى به ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والنخعي .

والثالث : الجبال ، قاله ابن السائب ، ومقاتل .

وفي المراد بالنجم أربعة أقوال :

أحدها : أنه الثريا ، والفرقدان ، وبنات نعش ، والجدي ، قاله السدي .

والثاني : أنه الجدي ، والفرقدان ، قاله ابن السائب .

والثالث : أنه الجدي وحده ، لأنه أثبت النجوم كلها في مركزه ، ذكره الماوردي .

والرابع : أنه اسم جنس ، والمراد جميع النجوم ، قاله الزجاج . وقرأ الحسن ، والضحاك ، وأبو المتوكل ، ويحيى بن وثاب : " وبالنجم " بضم النون وإسكان الجيم ، وقرأ الجحدري : " وبالنجم " بضم النون والجيم ، وقرأ مجاهد : " وبالنجوم " بواو على الجمع .

وفي المراد بهذا الاهتداء قولان :

أحدهما : الاهتداء إلى القبلة . والثاني : إلى الطريق في السفر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-09-2022, 12:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (335)
صــ 437 إلى صــ 444





أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم والله يعلم ما تسرون وما تعلنون

[ ص: 437 ] قوله تعالى : " أفمن يخلق كمن لا يخلق " يعني : الأوثان ، وإنما عبر عنها بـ " من " لأنهم نحلوها العقل والتمييز ، " أفلا تذكرون " يعني : المشركين ، يقول : أفلا تتعظون كما اتعظ المؤمنون ؟ قال الفراء : وإنما جاز أن يقول : " كمن لا يخلق " ، لأنه ذكر مع الخالق ، كقوله : فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين [النور :45] ، والعرب تقول : اشتبه علي الراكب وجمله ، فما أدري من ذا من ذا ، لأنهم لما جمعوا بين الإنسان وغيره ، صلحت " من " فيهما جميعا .

قوله تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " قد فسرناه في (إبراهيم :34) .

قوله تعالى : " إن الله لغفور " أي : لما كان منكم من تقصيركم في شكر نعمه " رحيم " بكم إذ لم يقطعها عنكم بتقصيركم .

قوله تعالى : " والله يعلم ما تسرون وما تعلنون " روى عبد الوارث ، إلا القزاز " يسرون " و " يعلنون " بالياء .
والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون

قوله تعالى : " والذين تدعون من دون الله " قرأ عاصم : يدعون بالياء .

قوله تعالى : " أموات غير أحياء " يعني : الأصنام . قال الفراء : ومعنى الأموات هاهنا : أنها لا روح فيها . قال الأخفش : وقوله : " غير أحياء " توكيد .

قوله تعالى : " وما يشعرون أيان يبعثون " " أيان " بمعنى : " متى " .

وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنها الأصنام ، عبر عنها كما يعبر عن الآدميين . قال ابن عباس : [ ص: 438 ] وذلك أن الله تعالى يبعث الأصنام لها أرواح ومعها شياطينها ، فيتبرؤون من عبادتهم ، ثم يؤمر بالشياطين والذين كانوا يعبدونها إلى النار .

والثاني : أنهم الكفار ، لا يعلمون متى بعثهم ، قاله مقاتل .
إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين

قوله تعالى : " إلهكم إله واحد " قد ذكرناه في سورة (البقرة :163) .

قوله تعالى : " فالذين لا يؤمنون بالآخرة " أي : بالبعث والجزاء " قلوبهم منكرة " أي : جاحدة لا تعرف التوحيد " وهم مستكبرون " أي : ممتنعون من قبول الحق .

قوله تعالى : " لا جرم " قد فسرناه في (هود :22) ، ومعنى الآية : أنه يجازيهم بسرهم وعلنهم ، لأنه يعلمه . والمستكبرون : المتكبرون عن التوحيد والإيمان . وقال مقاتل : " ما يسرون " حين بعثوا في كل طريق من يصد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما يعلنون " حين أظهروا العداوة لرسول الله .

[ ص: 439 ] قوله تعالى : " وإذا قيل لهم " يعني : المستكبرين " ماذا أنزل ربكم " على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال الزجاج : " ماذا " بمعنى " ما الذي " . و " أساطير الأولين " مرفوعة على الجواب . كأنهم قالوا : الذي أنزل : أساطير الأولين ، أي : الذي تذكرون أنتم أنه منزل : أساطير الأولين . وقد شرحنا معنى الأساطير في (الأنعام :25) . قال مقاتل : الذين بعثهم الوليد بن المغيرة في طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان ، ويقول بعضهم : إن محمدا ساحر ، ويقول بعضهم : شاعر ، وقد شرحنا هذا المعنى في (الحجر:90) في ذكر المقتسمين .

قوله تعالى : " ليحملوا أوزارهم " هذه لام العاقبة ، وقد شرحناها في غير موضع ، والأوزار : الآثام ، وإنما قال : كاملة ، لأنه لم يكفر منها شيء بما يصيبهم من نكبة ، أو بلية ، كما يكفر عن المؤمن ، " ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " أي : أنهم أضلوهم بغير دليل ، وإنما حملوا من أوزار الأتباع ، لأنهم كانوا رؤساء يقتدى بهم في الضلالة ، وقد ذكر ابن الأنباري في " من " وجهين :

أحدهما : أنها للتبعيض ، فهم يحملون ما شركوهم فيه ، فأما ما ركبه أولئك باختيارهم من غير تزيين هؤلاء ، فلا يحملونه ، فيصح معنى التبعيض .

والثاني : أن " من " مؤكدة ، والمعنى : وأوزار الذين يضلونهم . " ألا ساء ما يزرون " أي : بئس ما حملوا على ظهورهم .

قوله تعالى : " قد مكر الذين من قبلهم " قال المفسرون : يعني به : النمرود بن كنعان ، وذلك أنه بنى صرحا طويلا . واختلفوا في طوله ، فقال ابن عباس : [ ص: 440 ] خمسة آلاف ذراع ، وقال مقاتل : كان طوله فرسخين ، قالوا : ورام أن يصعد إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه . ومعنى " المكر " هاهنا : التدبير الفاسد .

وفي الهاء والميم من " قبلهم " قولان :

أحدهما : أنها للمقتسمين على عقاب مكة ، قاله ابن السائب .

والثاني : لكفار مكة ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " فأتى الله بنيانهم من القواعد " أي : من الأساس . قال المفسرون : أرسل الله ريحا فألقت رأس الصرح في البحر ، وخر عليهم الباقي .

قال السدي : لما سقط الصرح ، تبلبلت ألسن الناس من الفزع ، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا ، فلذلك سميت " بابل " ، وإنما كان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية ، وهذا قول مردود ، لأن التبلبل يوجب الاختلاط والتكلم بشيء غير مستقيم ، فأما أن يوجب إحداث لغة مضبوطة الحواشي ، فباطل ، وإنما اللغات تعليم من الله تعالى .

فإن قيل : إذا كان الماكر واحدا ، فكيف قال : " الذين " ولم يقل : " الذي " ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه كان الماكر ملكا له أتباع ، فأدخلوا معه في الوصف .

والثاني : أن العرب توقع الجمع على الواحد ، فيقول قائلهم : خرجت إلى البصرة على البغال ، وإنما خرج على بغل واحد .

والثالث : أن " الذين " غير موقع على واحد معين ، لكنه يراد به : قد مكر الجبارون الذين من قبلهم ، فكان عاقبة مكرهم رجوع البلاء عليهم ، ذكر هذه الأجوبة ابن الأنباري . قال : وذكر بعض العلماء : أنه إنما قال : " من فوقهم " ، [ ص: 441 ] لينبه على أنهم كانوا تحته ، إذ لو لم يقل ذلك ، لاحتمل أنهم لم يكونوا تحته ، لأن العرب تقول : سقط علينا البيت ، وخر علينا الحانوت ، وتداعت علينا الدار ، وليسوا تحت ذلك .

قوله تعالى : " وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " أي : من حيث ظنوا أنهم آمنون فيه . قال السدي : أخذوا من مأمنهم . وروى عطية عن ابن عباس قال : خر عليهم عذاب من السماء . وعامة المفسرين على ما حكيناه من أنه بنيان سقط . وقال ابن قتيبة : هذا مثل ، والمعنى : أهلكهم الله ، كما هلك من هدم مسكنه من أسفله ، فخر عليه .

قوله تعالى : " ثم يوم القيامة يخزيهم " أي : يذلهم بالعذاب . " ويقول أين شركائي " قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : " شركائي الذين " بهمزة وفتح الياء ، وقال البزي عن ابن كثير : " شركاي " مثل " هداي " ، والمعنى : أين شركائي على زعمكم ؟ هلا دفعوا عنكم ! . " الذين كنتم تشاقون فيهم " أي : تخالفون المسلمين فتعبدونهم وهم يعبدون الله ، وقرأ نافع : " تشاقون " بكسر النون ، أراد : تشاقونني ، فحذف النون الثانية ، وأبقى الكسرة تدل عليها ، والمعنى : كنتم تنازعونني فيهم ، وتخالفون أمري لأجلهم .

قوله تعالى : " قال الذين أوتوا العلم " فيهم ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم الملائكة ، قاله ابن عباس . والثاني : الحفظة من الملائكة ، قاله مقاتل . والثالث : أنهم المؤمنون .

فأما " الخزي " فقد شرحناه في مواضع [آل عمران :192] و " السوء " هاهنا : العذاب .
الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون [ ص: 442 ] فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين

قوله تعالى : " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " قال عكرمة : هؤلاء قوم كانوا بمكة أقروا بالإسلام ولم يهاجروا ، فأخرجهم المشركون كرها إلى بدر ، فقتل بعضهم . وقد شرحنا هذا في سورة (النساء :97) .

قوله تعالى : " فألقوا السلم " قال ابن قتيبة : انقادوا واستسلموا ، والسلم : الاستسلام . قال المفسرون : وهذا عند الموت يتبرؤون من الشرك ، وهو قولهم : " ماكنا نعمل من سوء " وهو الشرك ، فترد عليهم الملائكة فتقول : " بلى " . وقيل : هذا رد خزنة جهنم عليهم " بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون " من الشرك والتكذيب . ثم يقال لهم : ادخلوا أبواب جهنم ، وقد سبق تفسير ألفاظ الآية [النساء :97] و[الحجر :44] .
وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون

قوله تعالى : " وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم " روى أبو صالح عن ابن عباس أن مشركي قريش بعثوا ستة عشر رجلا إلى عقاب مكة أيام الحج على طريق الناس ، ففرقوهم على كل عقبة أربعة رجال ، ليصدوا الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لهم : من أتاكم من الناس يسألكم عن محمد فليقل بعضكم : شاعر ، وبعضكم : كاهن ، وبعضكم : مجنون ، وألا تروه ولا يراكم خير لكم ، فإذا [ ص: 443 ] انتهوا إلينا صدقناكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث إلى كل أربعة منهم أربعة من المسلمين ، فيهم عبد الله بن مسعود ، فأمروا أن يكذبوهم ، فكان الناس إذا مروا على المشركين ، فقالوا ما قالوا ، رد عليهم المسلمون ، وقالوا كذبوا ، بل يدعو إلى الحق ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويدعو إلى الخير ، فيقولون : وما هذا الخير الذي يدعو إليه ؟ فيقولون : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " .

قوله تعالى : " قالوا خيرا " أي : أنزل خيرا ، ثم فسر ذلك الخير فقال : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا " قالوا : لا إله إلا الله ، وأحسنوا العمل " حسنة " أي : كرامة من الله تعالى في الآخرة ، وهي الجنة ، وقيل : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " في الدنيا وهي ما رزقهم من خيرها وطاعته فيها ، " ولدار الآخرة " يعني : الجنة " خير " من الدنيا .

وفي قوله تعالى : " ولنعم دار المتقين " قولان :

أحدهما : أنها الجنة ، قاله الجمهور . قال ابن الأنباري : في الكلام محذوف ، تقديره : ولنعم دار المتقين الآخرة ، غير أنه لما ذكرت أولا ، عرف معناها آخرا ، ويجوز أن يكون المعنى : ولنعم دار المتقين جنات عدن .

والثاني : أنها الدنيا . قال الحسن : ولنعم دار المتقين الدنيا ، لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة .

قوله تعالى : " جنات عدن " قد شرحناه في (براءة :72) .

قوله تعالى : " الذين تتوفاهم الملائكة " وقرأ حمزة " يتوفاهم " بياء مع الإمالة . وفي معنى " طيبين " خمسة أقوال :

أحدها : مؤمنين . والثاني : طاهرين من الشرك . والثالث: زاكية أفعالهم [ ص: 444 ] وأقوالهم . والرابع : طيبة وفاتهم ، سهل خروج أرواحهم . والخامسة : طيبة أنفسهم بالموت ، ثقة بالثواب .

قوله تعالى : " يقولون " يعني الملائكة " سلام عليكم " .

وفي أي وقت يكون هذا [السلام] فيه قولان :

أحدهما : عند الموت . قال البراء بن عازب : يسلم عليه ملك الموت إذا دخل عليه . وقال القرظي : ويقول له : الله عز وجل يقرأ عليك السلام ، ويبشره بالجنة .

والثاني : عند دخول الجنة . قال مقاتل : هذا قول خزنة الجنة لهم في الآخرة ، يقولون : سلام عليكم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-09-2022, 12:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (336)
صــ 445 إلى صــ 452





هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون

قوله تعالى : " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة " وقرأ حمزة ، والكسائي : " يأتيهم " بالياء ، وهذا تهديد للمشركين ، وقد شرحناه في (البقرة :210) وآخر (الأنعام :158) .

وفي قوله تعالى : " أو يأتي أمر ربك " قولان :

أحدهما : أمر الله فيهم ، قاله ابن عباس . والثاني : العذاب في الدنيا ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " كذلك فعل الذين من قبلهم " يريد : كفار الأمم الماضية ، كذبوا كما كذب هؤلاء . " وما ظلمهم الله " بإهلاكهم " ولكن كانوا أنفسهم [ ص: 445 ] يظلمون " ، بالشرك " فأصابهم سيئات ما عملوا " أي : جزاؤها ، قال ابن عباس : جزاء ما عملوا من الشرك ، " وحاق بهم " قد بيناه في (الأنعام :10) ، والمعنى : أحاط بهم " ما كانوا به يستهزئون " من العذاب .
وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين

قوله تعالى : " وقال الذين أشركوا " يعني : كفار مكة " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء " يعني : الأصنام ، أي : لو شاء ما أشركنا ولا حرمنا من دونه من شيء من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، والحرث ، وذلك أنه لما نزل وما تشاءون إلا أن يشاء الله [الدهر :30] قالوا هذا ، على سبيل الاستهزاء ، لا على سبيل الاعتقاد ، وقيل : معنى كلامهم : لو لم يأمرنا بهذا ويرده منا ، لم نأته .

قوله تعالى : " كذلك فعل الذين من قبلهم " أي : من تكذيب الرسل وتحريم ما أحل الله ، " فهل على الرسل إلا البلاغ المبين " يعني : ليس عليهم إلا التبليغ ، فأما الهداية فهي إلى الله تعالى ، وبين ذلك بقوله : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا " أي : كما بعثناك في هؤلاء " أن اعبدوا الله " أي : وحدوه " واجتنبوا الطاغوت " وهو الشيطان " فمنهم من هدى الله " أي : أرشده [ ص: 446 ] " ومنهم من حقت عليه الضلالة " أي : وجبت في سابق علم الله ، فأعلم الله عز وجل أنه إنما بعث الرسل بالأمر بالعبادة ، وهو من وراء الإضلال والهداية ، " فسيروا في الأرض " أي : معتبرين بآثار الأمم المكذبة ، ثم أكد أن من حقت عليه الضلالة لا يهتدي ، فقال : " إن تحرص على هداهم " أي : [إن] تطلب هداهم بجهدك " فإن الله لا يهدي من يضل " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، وابن عامر : " لا يهدى " برفع الياء وفتح الدال ، والمعنى : من أضله فلا هادي له ، وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " يهدي " بفتح الياء وكسر الدال ، ولم يختلفوا في " يضل " أنها بضم الياء وكسر الضاد ، وهذه القراءة تحتمل معنيين ، ذكرهما ابن الأنباري :

أحدهما : لا يهدي من طبعه ضالا ، وخلقه شقيا .

والثاني : لا يهدي ، أي : لا يهتدي من أضله ، أي : من أضله الله لا يهتدي ، فيكون معنى يهدي : يهتدي ، تقول العرب : قد هدي فلان الطريق ، يريدون : اهتدى .
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون

قوله تعالى : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم " سبب نزولها أن رجلا من المسلمين كان له على رجل من المشركين دين ، فأتاه يتقاضاه ، فكان فيما تكلم به : والذي [ ص: 447 ] أرجوه بعد الموت ، فقال المشرك : وإنك لتزعم أنك تبعث بعد الموت ؟! فأقسم بالله " لا يبعث الله من يموت " ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو العالية . و " جهد أيمانهم " مفسر في (المائدة :53) . وقوله : " بلى " رد عليهم ، قال الفراء : والمعنى : " بلى " ليبعثنهم " وعدا عليه حقا " .

قوله تعالى : " ليبين لهم الذي يختلفون فيه " قال الزجاج : يجوز أن يكون متعلقا بالبعث ، فيكون المعنى : بلى يبعثهم فيبين لهم ، ويجوز أن يكون متعلقا بقوله تعالى : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا " ليبين لهم .

وللمفسرين في قوله " ليبين لهم " قولان :

أحدهما : أنهم جميع الناس ، قاله قتادة .

والثاني : أنهم المشركون ، يبين لهم بالبعث ما خالفوا المؤمنين فيه .

قوله تعالى : " أنهم كانوا كاذبين " أي : فيما أقسموا عليه من نفي البعث . ثم أخبر بقدرته على البعث بقوله : " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة : " فيكون " رفعا ، وكذلك في كل القرآن . وقرأ ابن عامر ، والكسائي " فيكون " نصبا . قال مكي بن إبراهيم : من رفع ، قطعه عما قبله ، والمعنى : فهو يكون ، ومن نصب ، عطفه على " يقول " ، وهذا مثل قوله : وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وقد فسرناه في (البقرة :117) .

فإن قيل : كيف سمي الشيء قبل وجوده شيئا ؟

فالجواب : أن الشيء وقع على المعلوم عند الله قبل الخلق ، لأنه بمنزلة ما قد عوين وشوهد .

قوله تعالى : " والذين هاجروا في الله " اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال :

[ ص: 448 ] أحدها : أنها نزلت في ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بلال ، وعمار ، وصهيب ، وخباب بن الأرت ، وعايش وجبر موليان لقريش ، أخذهم أهل مكة فجعلوا يعذبونهم ، ليردوهم عن الإسلام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أنها نزلت في أبي جندل بن سهيل بن عمرو ، قاله داود بن أبي هند .

والثالث : أنهم جميع المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله قتادة . ومعنى " هاجروا في الله " ، أي : في طلب رضاه وثوابه " من بعد ما ظلموا " بما نال المشركون منهم ، " لنبوئنهم في الدنيا حسنة " وفيها خمسة أقوال :أحدها : لننزلنهم المدينة ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والشعبي ، وقتادة ، فيكون المعنى : لنبوئنهم دارا حسنة وبلدة حسنة . والثاني : لنرزقنهم في الدنيا الرزق الحسن ، قاله مجاهد . والثالث : النصر على العدو ، قاله الضحاك . والرابع : أنه ما بقي بعدهم من الثناء الحسن ، وصار لأولادهم من الشرف ، ذكره الماوردي ، وقد روي معناه عن مجاهد ، فروى عنه ابن أبي نجيح أنه قال : " لنبوئنهم في الدنيا حسنة " قال : لسان صادق . والخامس : أن المعنى : لنحسنن إليهم في الدنيا ، قال بعض أهل المعاني : فتكون على هذه الأقوال " لنبوئنهم " ، على سبيل الاستعارة ، إلا على القول الأول .

قوله تعالى : " ولأجر الآخرة أكبر " قال ابن عباس : يعني : الجنة ، " لو كانوا يعلمون " يعني : أهل مكة .

ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه كان إذا أعطى الرجل من [ ص: 449 ] المهاجرين عطاءه ، قال : خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ذخر لك في الآخرة أفضل ، ثم يتلو هذه الآية .

ثم إن الله أثنى عليهم ومدحهم بالصبر فقال : " الذين صبروا " أي : على دينهم ، لم يتركوه لأذى نالهم ، وهم في ذلك واثقون بربهم .
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون

قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا " قال المفسرون : لما أنكر مشركو قريش نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ; فهلا بعث إلينا ملكا ! فنزلت هذه الآية ، والمعنى : أن الرسل كانوا مثلك آدميين ، إلا أنهم يوحى إليهم . وقرأ حفص عن عاصم : " نوحي " بالنون وكسر الحاء . " فاسألوا " يا معشر المشركين " أهل الذكر " وفيهم أربعة أقوال :

أحدها : أنهم أهل التوراة والإنجيل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أهل التوراة ، قاله مجاهد . والثالث : أهل القرآن ، قاله ابن زيد . والرابع : العلماء بأخبار من سلف ، ذكره الماوردي .

وفي قوله تعالى : " إن كنتم لا تعلمون " قولان :

أحدهما : لا تعلمون أن الله تعالى بعث رسولا من البشر .

والثاني : لا تعلمون أن محمدا رسول الله ، فعلى القول الأول ، جائز أن [ ص: 450 ] يسأل من آمن برسول الله ومن كفر ، لأن أهل الكتاب والعلم بالسير متفقون على أن الأنبياء كلهم ، من البشر ، وعلى الثاني إنما يسأل من آمن من أهل الكتاب ، وقد روي عن مجاهد " فاسألوا أهل الذكر " قال : عبد الله بن سلام ، وعن قتادة ، قال : سلمان الفارسي .

قوله تعالى : " بالبينات والزبر " في هذه " الباء " قولان :

أحدهما : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا أرسلناهم بالبينات . والزبر : الكتب . وقد شرحنا هذا في (آل عمران :184) .

قوله تعالى : " وأنزلنا إليك الذكر " وهو القرآن بإجماع المفسرين " لتبين للناس ما نزل إليهم " [فيه] من حلال وحرام ، ووعد ووعيد " ولعلهم يتفكرون " في ذلك فيعتبرون .
أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم

قوله تعالى : " أفأمن الذين مكروا السيئات " قال المفسرون : أراد مشركي مكة . ومكرهم السيئات : شركهم وتكذيبهم ، وسمي ذلك مكرا ، لأن المكر في اللغة : السعي بالفساد ، وهذا استفهام إنكار ، ومعناه : ينبغي أن لا يأمنوا العقوبة ، وكان مجاهد يقول : عنى بهذا الكلام نمرود بن كنعان .

قوله تعالى : " أو يأخذهم في تقلبهم " فيه أربعة أقوال :

أحدها : في أسفارهم ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال قتادة .

[ ص: 451 ] والثاني : في منامهم ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : في ليلهم ونهارهم ، قاله الضحاك ، وابن جريج ، ومقاتل .

والرابع : أنه جميع ما يتقلبون فيه ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " أو يأخذهم على تخوف " فيه قولان :

أحدهما : على تنقص ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك . قال ابن قتيبة : التخوف : التنقص ، ومثله التخون . يقال : تخوفته الدهور وتخونته : إذا نقصته وأخذت من ماله وجسمه . وقال الهيثم بن عدي : التخوف : التنقص ، بلغة أزد شنوءة .

ثم في هذا التنقص ثلاثة أقوال : أحدها : أنه تنقص من أعمالهم ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أخذ واحد بعد واحد ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث : تنقص أموالهم وثمارهم حتى يهلكهم ، قاله الزجاج .

والثاني : أنه التخوف نفسه ، ثم فيه قولان : أحدهما : يأخذهم على خوف أن يعاقب أو يتجاوز ، قاله قتادة . والثاني : أنه يأخذ قرية لتخاف القرية الأخرى ، قاله الضحاك . وقال الزجاج : يأخذهم بعد أن يخيفهم بأن يهلك قرية فتخاف التي تليها ، فعلى هذا ، خوفهم قبل هلاكهم ، فلم يتوبوا ، فاستحقوا العذاب .

قوله تعالى : " فإن ربكم لرءوف رحيم " إذ لم يعجل بالعقوبة ، وأمهل للتوبة .
أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون

[ ص: 452 ] قوله تعالى : " أولم يروا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " أولم يروا " بالياء ، وقرأ حمزة ، والكسائي : " تروا " بالتاء ، واختلف عن عاصم .

قوله تعالى : " إلى ما خلق الله من شيء " أراد من شيء له ظل ، من جبل ، أو شجر ، أو جسم قائم " يتفيأ " قرأ الجماعة بالياء ، وقرأ أبو عمرو ، ويعقوب بالتاء " ظلاله " وهو جمع ظل ، وإنما جمع وهو مضاف إلى واحد ، لأنه واحد يراد به الكثرة ، كقوله تعالى : "لتستووا على ظهوره " [الزخرف :13] . قال ابن قتيبة : ومعنى يتفيأ ظلاله : يدور ويرجع من جانب إلى جانب ، والفيء : الرجوع ، ومنه قيل للظل بالعشي : فيء ، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق . قال المفسرون : إذا طلعت الشمس وأنت متوجه إلى القبلة ، كان الظل قدامك ، فإذا ارتفعت كان عن يمينك ، فإذا كان بعد ذلك كان خلفك ، وإذا دنت للغروب كان على يسارك ، وإنما وحد اليمين ، والمراد به : الجمع ، إيجازا في اللفظ ، كقوله تعالى : ويولون الدبر [القمر :45] ، ودلت " الشمائل " على أن المراد به الجميع ، وقال الفراء : إنما وحد اليمين ، وجمع الشمائل ، ولم يقل الشمال ، لأن كل ذلك جائز في اللغة ، وأنشد :


الواردون وتيم في ذرى سبإ قد عض أعناقهم جلد الجواميس


ولم يقل : جلود ، ومثله :


كلوا في نصف بطنكم تعيشوا فإن زمانكم زمن خميص


وإنما جاز التوحيد ، لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-09-2022, 12:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (337)
صــ 453 إلى صــ 460





[ ص: 453 ] وقال غيره : اليمين راجعة إلى لفظ ما ، وهو واحد ، والشمائل راجعة إلى المعنى .

قوله تعالى : " سجدا لله " قال ابن قتيبة : مستسلمة ، منقادة ، وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى : وظلالهم بالغدو والآصال [الرعد :15] .

وفي قوله تعالى : " وهم داخرون " قولان :

أحدهما: والكفار صاغرون .

والثاني : وهذه الأشياء داخرة مجبولة على الطاعة . قال الأخفش : إنما ذكر من ليس من الإنس ، لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا الإنس في الفعل .

قوله تعالى : " ولله يسجد ما في السماوات . . . . " الآية . الساجدون على ضربين :

أحدهما : من يعقل ، فسجوده عبادة .

والثاني : من لا يعقل ، فسجوده بيان أثر الصنعة فيه ، والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق ، هذا قول جماعة من العلماء ، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر :


بجيش تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر


[ ص: 454 ] قال ابن قتيبة : حجراته ، أي : جوانبه ، يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت . فأما الشمس والقمر والنجوم ، فألحقها جماعة بمن يعقل ، فقال أبو العالية : سجودها حقيقة ، ما منها غارب إلا خر ساجدا بين يدي الله عز وجل ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، ويشهد لقول أبي العالية ، حديث أبي ذر قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس ، فقال : " يا أبا ذر ! تدري أين ذهبت الشمس " قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل ، فتستأذن في الرجوع ، فيؤذن لها ، فكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت ، فترجع إلى مطلعها فذلك مستقرها ، ثم قرأ : والشمس تجري لمستقر لها [يس :38] " . أخرجه البخاري ومسلم . وأما النبات والشجر ، فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء :

أحدها : أن يكون سجودا لا نعلمه ، وهذا إذا قلنا : إن الله يودعه فهما . والثاني : أنه تفيؤ ظلاله . والثالث : بيان الصنعة فيه . والرابع : الانقياد لما سخر له .

قوله تعالى : " والملائكة " إنما أخرج الملائكة من الدواب ، لخروجهم بالأجنحة عن صفة الدبيب .

وفي قوله : " وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون " قولان :

أحدهما : أنه من صفة الملائكة خاصة ، قاله ابن السائب ، ومقاتل .

والثاني : أنه عام في جميع المذكورات ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

[ ص: 455 ] وفي قوله : " من فوقهم " قولان ذكرهما ابن الأنباري .

أحدهما : أنه ثناء على الله تعالى ، وتعظيم لشأنه ، وتلخيصه : يخافون ربهم عاليا رفيعا عظيما .

والثاني : أنه حال ، وتلخيصه : يخافون ربهم معظمين له عالمين بعظيم سلطانه .
وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون

قوله تعالى : " وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين " سبب نزولها : أن رجلا من المسلمين دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن ، فقال رجل من المشركين : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا ، فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل . قال الزجاج : ذكر الاثنين توكيد ، كما قال تعالى : " إنما هو إله واحد "

قوله تعالى : " وله الدين واصبا " في المراد بالدين أربعة أقوال :

أحدها : أنه الإخلاص ، قاله مجاهد . والثاني : العبادة ، قاله سعيد بن جبير .

والثالث : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقامة الحدود، والفرائض ، قاله عكرمة . والرابع : الطاعة ، قاله ابن قتيبة .

وفي معنى " واصبا " أربعة أقوال :

أحدها : دائما ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد ، والثوري ، واللغويون . قال أبو الأسود الدؤلي :

[ ص: 456 ]
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوما بذم الدهر أجمع واصبا


قال ابن قتيبة : معنى الكلام : أنه ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال أو هلكة ، غير الله عز وجل ، فإن الطاعة تدوم له .

والثاني : واجبا ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث : خالصا ، قاله الربيع بن أنس .

والرابع : وله الدين موصبا ، أي : متعبا ، لأن الحق ثقيل ، وهو كما تقول العرب : هم ناصب ، أي : منصب ، قال النابغة :


كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب


ذكره ابن الأنباري . قال الزجاج : ويجوز أن يكون المعنى : له الدين ، والطاعة ، رضي العبد بما يؤمر به وسهل عليه ، أو لم يسهل ، فله الدين وإن كان فيه الوصب ، والوصب : شدة التعب .
وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون

قوله تعالى : " وما بكم من نعمة " قال الزجاج : المعنى : ما حل بكم من نعمة ، من صحة في جسم ، أو سعة في رزق ، أو متاع من مال وولد " فمن الله " وقرأ ابن أبي عبلة : " فمن الله " بتشديد النون .

[ ص: 457 ] قوله تعالى : " ثم إذا مسكم الضر " قال ابن عباس : يريد الأسقام ، والأمراض ، والحاجة .

قوله تعالى : " فإليه تجأرون " قال الزجاج : " تجأرون " : ترفعون أصواتكم إليه بالاستغاثة . يقال : جأر يجأر جؤارا ، والأصوات مبنية على " فعال " و " فعيل " ، فأما " فعال " فنحو " الصراخ " و " الخوار " ، وأما " الفعيل " فنحو " العويل " و " الزئير " ، والفعال أكثر .

قوله تعالى : " إذا فريق منكم " قال ابن عباس : يريد أهل النفاق . قال ابن السائب : يعني الكفار .

قوله تعالى : " ليكفروا بما آتيناهم " قال الزجاج : المعنى : ليكفروا بأنا أنعمنا عليهم ، فجعلوا نعمنا سببا إلى الكفر ، وهو كقوله تعالى : ربنا إنك آتيت فرعون إلى قوله : ليضلوا عن سبيلك [يونس :88] ، ويجوز أن يكون " ليكفروا " ، أي : ليجحدوا نعمة الله في ذلك .

قوله تعالى : " فتمتعوا " تهدد ، " فسوف تعلمون " عاقبة أمركم .
ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون

قوله تعالى : " ويجعلون لما لا يعلمون " يعني : الأوثان .

وفي الذين لا يعلمون قولان :

[ ص: 458 ] أحدهما : أنهم الجاعلون ، وهم المشركون ، والمعنى : لما لا يعلمون لها ضرا ولا نفعا ; فمفعول العلم محذوف ، وتقديره : ما قلنا ، هذا قول مجاهد ، وقتادة .

والثاني : أنها الأصنام التي لا تعلم شيئا ، وليس لها حس ولا معرفة ، وإنما قال : يعلمون ، لأنهم لما نحلوها الفهم ، أجراها مجرى من يعقل على زعمهم ، قاله جماعة من أهل المعاني . قال المفسرون : وهؤلاء مشركوالعرب جعلوا لأوثانهم جزءا من أموالهم ، كالبحيرة ، والسائبة وغير ذلك مما شرحناه في (الأنعام :139) .

قوله تعالى : " تالله لتسألن " رجع عن الإخبار عنهم إلى الخطاب لهم ، وهذا سؤال توبيخ .

قوله تعالى : " ويجعلون لله البنات " قال المفسرون : يعني : خزاعة وكنانة ، زعموا أن الملائكة بنات الله " سبحانه " أي : تنـزه عما زعموا . " ولهم ما يشتهون " يعني : البنين . قال أبو سليمان : المعنى : ويتمنون لأنفسهم الذكور .

قوله تعالى : " وإذا بشر أحدهم بالأنثى " أي : أخبر أنه قد ولد له بنت " ظل وجهه مسودا " قال الزجاج : أي : متغيرا تغير مغتم ، يقال لكل من لقي مكروها : قد اسود وجهه غما وحزنا .

قوله تعالى : " وهو كظيم " أي : يكظم شدة وجده ، فلا يظهره ، وقد شرحناه في سورة (يوسف :84) .

قوله تعالى : " يتوارى من القوم " قال المفسرون : وهذا صنيع مشركي العرب ، كان أحدهم إذا ضرب امرأته المخاض ، توارى إلى أن يعلم ما يولد له ، فإن كان ذكرا ، سر به ، وإن كانت أنثى ، لم يظهر أياما يدبر كيف يصنع في أمرها ، وهو قوله تعالى : " أيمسكه على هون " فالهاء ترجع إلى ما في قوله : " ما بشر به " ، والهون في كلام العرب : الهوان . وقرأ ابن مسعود ، وابن [ ص: 459 ] أبي عبلة ، والجحدري : " على هوان " ، والدس : إخفاء الشيء في الشيء ، وكانوا يدفنون البنت وهي حية " ألا ساء ما يحكمون " إذ جعلوا لله البنات اللاتي محلهن منهم هذا ، ونسبوه إلى الولد ، وجعلوا لأنفسهم البنين .
للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم

قوله تعالى : " للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء " أي : صفة السوء من احتياجهم إلى الولد ، وكراهتهم للإناث ، خوف الفقر والعار ، " ولله المثل الأعلى " أي : الصفة العليا من تنـزهه وبراءته عن الولد .
ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون

قوله تعالى : " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم " أي : بشركهم ومعاصيهم ، كلما وجد شيء منهم أوخذوا به " ما ترك على ظهرها " يعني : الأرض ، وهذه كناية عن غير مذكور ، غير أنه مفهوم ، لأن الدواب إنما هي على الأرض .

وفي قوله " من دابة " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه عنى جميع ما يدب على وجه الأرض ، قاله ابن مسعود . قال قتادة : وقد فعل ذلك في زمن نوح عليه السلام ، وقال السدي : المعنى لأقحط المطر فلم تبق دابة إلا هلكت ، وإلى نحوه ذهب مقاتل .

والثاني : أنه أراد من الناس خاصة ، قاله ابن جريج .

والثالث : من الإنس والجن ، قاله ابن السائب ، وهو اختيار الزجاج .

[ ص: 460 ] قوله تعالى : " ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى " وهو منتهى آجالهم ، وباقي الآية قد تقدم [الأعراف :34] .
ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون

قوله تعالى : " ويجعلون لله ما يكرهون " المعنى : ويحكمون له بما يكرهونه لأنفسهم ، وهو البنات ، " وتصف ألسنتهم الكذب " أي : تقول الكذب ، وقرأ أبو العالية ، والنخعي ، وابن أبي عبلة : " الكذب " بضم الكاف والذال . ثم فسر ذلك الكذب بقوله : " أن لهم الحسنى " وفيها ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها البنون ، قاله مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل .

والثاني : أنها الجزاء الحسن من الله تعالى ، قاله الزجاج .

والثالث : [أنها] الجنة ، وذلك أنه لما وعد الله المؤمنين الجنة ، قال المشركون : إن كان ما تقولونه حقا ، لندخلنها قبلكم ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " لا جرم " قد شرحناها فيما مضى [هود :22] . وقال الزجاج : " لا " رد لقولهم ، والمعنى : ليس ذلك كما وصفوا " جرم " أن لهم النار ، المعنى : جرم فعلهم ، أي : كسب فعلهم هذا " أن لهم النار وأنهم مفرطون " وفيه أربعة أوجه ، قرأ الأكثرون : " مفرطون " بسكون الفاء وتخفيف الراء وفتحها ، وفي معناها قولان :

أحدهما : متركون ، قاله ابن عباس . وقال الفراء : منسيون في النار .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-09-2022, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (338)
صــ 461 إلى صــ 468





والثاني : معجلون ، قاله ابن عباس أيضا . وقال ابن قتيبة : معجلون إلى النار . قال الزجاج : معنى " الفرط " في اللغة : المتقدم ، فمعنى " مفرطون " : [ ص: 461 ] مقدمون إلى النار ، ومن فسرها " متركون " فهو كذلك [أيضا] ، أي : قد جعلوا مقدمين إلى العذاب أبدا ، متروكين فيه . وقرأ نافع ، ومحبوب ، عن أبي عمرو ، وقتيبة عن الكسائي " مفرطون " بسكون الفاء وكسر الراء وتخفيفها ، قال الزجاج : ومعناها : أنهم أفرطوا في معصية الله . وقرأ أبو جعفر وابن أبي عبلة " مفرطون " بفتح الفاء وتشديد الراء وكسرها . قال الزجاج : ومعناها : أنهم فرطوا في الدنيا فلم يعملوا فيها للآخرة ، وتصديق هذه القراءة يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله [الزمر :56] . وروى الوليد بن مسلم عن ابن عامر " مفرطون " بفتح الفاء والراء وتشديدها ، قال الزجاج : وتفسيرها كتفسير القراءة الأولى ، فالمفرط و المفرط بمعنى واحد .
تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون

قوله تعالى : " تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك " قال المفسرون : هذه [ ص: 462 ] تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم " فزين لهم الشيطان أعمالهم " الخبيثة حتى عصوا وكذبوا ، " فهو وليهم اليوم " فيه قولان :

أحدهما : أنه يوم القيامة ، قاله ابن السائب ، ومقاتل ، كأنهما أرادا : فهو وليهم يوم تكون لهم النار .

والثاني : أنه الدنيا ، فالمعنى فهو مواليهم في الدنيا " ولهم عذاب أليم " في الآخرة ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " إلا لتبين لهم " يعني : الكفار " الذي اختلفوا فيه " أي : ما خالفوا فيه المؤمنين من التوحيد والبعث والجزاء ، فالمعنى : أنزلناه بيانا لما وقع فيه الاختلاف .
والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون

قوله تعالى : " والله أنزل من السماء ماء " يعني : المطر " فأحيا به الأرض بعد موتها " أي : بعد يبسها " إن في ذلك لآية لقوم يسمعون " أي : يعتبرون .

قوله تعالى : " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم " قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، وحمزة ، والكسائي : " نسقيكم " بضم النون ، ومثله في (المؤمنون :21) . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " نسقيكم " بفتح النون فيهما . وقرأ أبو جعفر : " تسقيكم " بتاء مفتوحة ، وكذلك في (المؤمنون :21) ، [ ص: 463 ] وقد سبق بيان الأنعام . وذكرنا معنى " العبرة " في (آل عمران :13) ، والفرق بين " سقى " و " أسقى " في (الحجر :22) .

فأما قوله : " مما في بطونه " فقال الفراء : النعم والأنعام شيء واحد ، وهما جمعان ، فرجع التذكير إلى معنى " النعم " إذ كان يؤدي عن الأنعام ، أنشدني بعضهم :

وطاب ألبان اللقاح وبرد

فرجع إلى اللبن ، لأن اللبن والألبان في معنى ; قال : وقال الكسائي : أراد : نسقيكم مما في بطون ما ذكرنا ، وهو صواب ، أنشدني بعضهم :

مثل الفراخ نتفت حواصله

وقال المبرد : هذا فاش في القرآن ، كقوله للشمس : هذا ربي [الأنعام :78] يعني : هذا الشيء الطالع ، وكذلك وإني مرسلة إليهم بهدية ثم قال : فلما جاء سليمان [النمل :35،36] ولم يقل : " جاءت " لأن المعنى : جاء الشيء الذي ذكرنا ، وقال أبو عبيدة : الهاء في " بطونه " للبعض ، والمعنى : نسقيكم مما في بطون البعض الذي له لبن ، لأنه ليس لكل الأنعام لبن ، وقال ابن قتيبة : ذهب بقوله : " مما في بطونه " إلى النعم ، والنعم تذكر وتؤنث ، والفرث : ما في الكرش ، والمعنى : أن اللبن كان طعاما ، فخلص من ذلك الطعام دم ، وبقي منه فرث في الكرش ، وخلص من ذلك الدم " لبنا خالصا سائغا للشاربين " أي : سهلا في الشرب لا يشجى به شاربه ، ولا يغص . وقال بعضهم : سائغا ، أي : لا تعافه النفس وإن كان قد خرج من بين فرث ودم ، وروى [ ص: 464 ] أبو صالح عن ابن عباس قال : إذا استقر العلف في الكرش ، طحنه ، فصار أسفله فرثا ، وأعلاه دما ، وأوسطه لبنا ، والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة ، فيجري الدم في العروق ، واللبن في الضرع ، ويبقى الفرث في الكرش .

قوله تعالى : " ومن ثمرات النخيل والأعناب " تقدير الكلام : ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا . والعرب تضمر " ما " كقوله : وإذا رأيت ثم [الإنسان :20] أي : ما ثم . والكناية في " منه " عائدة على " ما " المضمرة . وقال الأخفش : إنما لم يقل : منهما ، لأنه أضمر الشيء ، كأنه قال : ومنها شيء تتخذون منه سكرا .

وفي المراد بالسكر ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الخمر ، قاله ابن مسعود ، وابن عمر ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وإبراهيم ابن أبي ليلى ، والزجاج ، وابن قتيبة . وروى عمرو بن سفيان عن ابن عباس : قال السكر : ما حرم من ثمرتها ، وقال هؤلاء المفسرون : وهذه الآية نزلت إذ كانت الخمرة مباحة ، ثم نسخ [ذلك] بقوله : فاجتنبوه [المائدة :90] وممن ذكر أنها منسوخة ، سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي .

والثاني : أن السكر : الخل ، بلغة الحبشة ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال الضحاك : هو الخل ، بلغة اليمن .

والثالث : أن " السكر " الطعم ، يقال : هذا له سكر ، أي : طعم ، وأنشدوا :

جعلت عيب الأكرمين سكرا

[ ص: 465 ] قاله أبو عبيدة . فعلى هذين القولين ، الآية محكمة . فأما الرزق الحسن ، فهو ما أحل منهما ، كالتمر ، والعنب ، والزبيب ، والخل ، ونحو ذلك .
وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون

قوله تعالى : " وأوحى ربك إلى النحل " في هذا الوحي قولان :

أحدهما : أنه إلهام ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والضحاك ، ومقاتل .

والثاني : أنه أمر ، رواه العوفي عن ابن عباس . وروى ابن مجاهد عن أبيه قال : أرسل إليها . والنحل : زنابير العسل ، واحدتها نحلة . و " يعرشون " يجعلونه عريشا . وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم " يعرشون " بضم الراء ، وهما لغتان ، يقال : " يعرش " و " يعرش " مثل " يعكف " و " يعكف " ثم فيه قولان :

أحدهما : ما يعرشون من الكروم ، قاله ابن زيد .

والثاني : أنها سقوف البيوت ، قاله الفراء . وقال ابن قتيبة : كل شيء عرش ، من كرم ، أو نبات ، أو سقف ، فهو عرش ، ومعروش . وقيل : المراد بـ " مما يعرشون " : مما يبنون لهم من الأماكن التي تلقي فيها العسل ، ولولا التسخير ، ما كانت تأوي إليها .

قوله تعالى : " ثم كلي من كل الثمرات " قال ابن قتيبة : أي : من الثمرات ، [ ص: 466 ] و " كل " هاهنا ليست على العموم ، ومثله قوله : تدمر كل شيء [الأحقاف :25] . قال الزجاج : فهي تأكل الحامض ، والمر ، وما لا يوصف طعمه ، فيحيل الله عز وجل من ذلك عسلا .

قوله تعالى : " فاسلكي سبل ربك " السبل : الطرق ، وهي التي يطلب فيها الرعي . و " الذلل " جمع ذلول . وفي الموصوف بها قولان :

أحدهما : أنها السبل ، فالمعنى : اسلكي السبل مذللة لك ، فلا يتوعر عليها مكان سلكته ، وهذا قول مجاهد ، واختيار الزجاج .

والثاني : أنها النحل ، فالمعنى : إنك مذللة بالتسخير لبني آدم ، وهذا قول قتادة ، واختيار ابن قتيبة .

قوله تعالى : " يخرج من بطونها شراب " يعني : العسل " مختلف ألوانه " قال ابن عباس : منه أحمر ، وأبيض ، وأصفر . قال الزجاج : [يخرج] من بطونها ، إلا أنها تلقيه من أفواهها ، وإنما قال : من بطونها ، لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن ، فيخرج كالريق الدائم الذي يخرج من فم ابن آدم .

قوله تعالى : " فيه شفاء للناس " في هاء الكناية ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى العسل ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال ابن مسعود . واختلفوا ، هل الشفاء الذي فيه يختص بمرض دون غيره ، أم لا ؟ على قولين : أحدهما : أنه عام في كل مرض . قال ابن مسعود : العسل شفاء من كل داء . وقال قتادة : فيه شفاء للناس من الأدواء . وقد روى أبو سعيد الخدري قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال : " اسقه عسلا " فسقاه ، ثم أتى فقال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، قال : " اسقه ، [ ص: 467 ] عسلا " ، فذكر الحديث . . . إلى أن قال : فشفي ، إما في الثالثة ، وإما في الرابعة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله ، وكذب بطن أخيك " أخرجه البخاري ومسلم . ويعني بقوله " صدق الله " : هذه الآية . والثاني : فيه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه ، قاله السدي . والصحيح أن ذلك خرج مخرج الغالب . قال ابن الأنباري : الغالب على العسل أنه يعمل في الأدواء ، ويدخل في الأدوية ، فإذا لم يوافق آحاد المرضى ، فقد وافق الأكثرين ، وهذا كقول العرب : الماء حياة كل شيء ، وقد نرى من يقتله الماء ، وإنما الكلام على الأغلب .

والثاني : أن الهاء ترجع إلى الاعتبار . والشفاء : بمعنى الهدى ، قاله الضحاك .

والثالث : أنها ترجع إلى القرآن ، قاله مجاهد .
والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير

قوله تعالى : " والله خلقكم " أي : أوجدكم ولم تكونوا شيئا " ثم يتوفاكم " عند انقضاء آجالكم ، " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " وهو أردؤه ، وأدونه ، وهي حالة الهرم . وفي مقداره من السنين ثلاثة أقوال :

أحدها : خمس وسبعون سنة ، قاله علي عليه السلام . والثاني : تسعون سنة ، قاله قتادة . والثالث : ثمانون سنة ، قاله قطرب .

قوله تعالى : " لكي لا يعلم بعد علم شيئا " قال الفراء : لكي لا يعقل من بعد عقله الأول شيئا . وقال ابن قتيبة : أي : حتى لا يعلم بعد علمه بالأمور شيئا ، لشدة هرمه . وقال الزجاج : المعنى : أن منكم من يكبر حتى يذهب عقله خرفا ، [ ص: 468 ] فيصير بعد أن كان عالما جاهلا ، ليريكم من قدرته ، كما قدر على إماتته وإحيائه ، أنه قادر على نقله من العلم إلى الجهل . وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : ليس هذا في المسلمين ، المسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء إلا كرامة عند الله ، وعقلا ، ومعرفة . وقال عكرمة : من قرأ القرآن ، لم يرد إلى أرذل العمر .
والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون

قوله تعالى : " والله فضل بعضكم على بعض في الرزق " يعني : فضل السادة على المماليك " فما الذين فضلوا " يعني : السادة " برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم " فعبرت " ما " عن " من " لأنه موضع إبهام ، تقول : ما في الدار ؟ فيقول المخاطب : رجلان أو ثلاثة ، ومعنى الآية : أن المولى لا يرد على ما ملكت يمينه من ماله حتى يكون المولى والمملوك في المال سواء ، وهو مثل ضربه الله تعالى للمشركين الذين جعلوا الأصنام شركاء له ، والأصنام ملكا له ، يقول : إذا لم يكن عبيدكم معكم في الملك سواء ، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء ، وترضون لي ما تأنفون لأنفسكم منه ؟! وروى العوفي عن ابن عباس ، قال : لم يكونوا أشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم ، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني .

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : نزلت في نصارى نجران حين قالوا : عيسى ابن الله تعالى .

قوله تعالى : " أفبنعمة الله يجحدون " قرأ أبو بكر عن عاصم : " تجحدون " بالتاء . وفي هذه النعمة قولان :

أحدهما : حجته وهدايته . والثاني : فضله ورزقه .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-09-2022, 12:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (339)
صــ 469 إلى صــ 476





[ ص: 469 ] والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون

قوله تعالى : " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا " يعني النساء .

وفي معنى " من أنفسكم " قولان :

أحدهما : أنه خلق آدم ، ثم خلق زوجته منه ، قاله قتادة .

والثاني : " من أنفسكم " ، أي : من جنسكم من بني آدم ، قاله ابن زيد .

وفي الحفدة خمسة أقوال :

أحدها : أنهم الأصهار ، أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، ومجاهد في رواية ، وسعيد بن جبير ، والنخعي ، وأنشدوا من ذلك :


ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد مما يعد كثير

ولكنها نفس علي أبية
عيوف لأصهار اللئام قذور


والثاني : أنهم الخدم ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية الحسن ، وطاووس ، وعكرمة في رواية الضحاك ، وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما : أنه يراد بالخدم : الأولاد ، فيكون المعنى : أن الأولاد يخدمون . قال ابن قتيبة : الحفدة : الخدم والأعوان ، فالمعنى : هم بنون ، وهم خدم . وأصل [ ص: 470 ] الحفد : مداركة الخطو والإسراع في المشي ، وإنما يفعل الخدم هذا ، فقيل لهم : حفدة . ومنه يقال في دعاء الوتر : " وإليك نسعى ونحفد " . والثاني : أن يراد بالخدم : المماليك ، فيكون معنى الآية : وجعل لكم من أزواجكم بنين ، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج ، ذكره ابن الأنباري .

والثالث : أنهم بنو امرأة الرجل من غيره ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .

والرابع : [أنهم] ولد الولد ، رواه مجاهد عن ابن عباس .

والخامس : أنهم كبار الأولاد ، والبنون : صغارهم ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . قال مقاتل : وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم . قال الزجاج : وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين ، ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة .

قوله تعالى : " ورزقكم من الطيبات " قال ابن عباس : يريد : من أنواع الثمار والحبوب والحيوان .

قوله تعالى : " أفبالباطل يؤمنون " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الأصنام ، قاله ابن عباس .

والثاني : أنه الشريك والصاحبة والولد ، فالمعنى : يصدقون أن لله ذلك ؟! قاله عطاء .

والثالث : أنه الشيطان ، أمرهم بتحريم البحيرة والسائبة ، فصدقوا .

وفي المراد بـ " نعمة الله " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها التوحيد ، قاله ابن عباس . والثاني : القرآن ، والرسول . والثالث : الحلال الذي أحله الله لهم .

[ ص: 471 ] قوله تعالى : " ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا " وفي المشار إليه قولان :

أحدهما : أنها الأصنام ، قاله قتادة . والثاني : الملائكة ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " من السماوات " يعني : المطر ، و " من الأرض " النبات ، والثمر .

قوله تعالى : " شيئا " قال الأخفش : جعل " شيئا " بدلا من الرزق ، والمعنى : لا يملكون رزقا قليلا ولا كثيرا ، " ولا يستطيعون " أي : لا يقدرون على شيء . قال الفراء : وإنما قال في أول الكلام : " يملك " وفي آخره : " يستطيعون " ، لأن " ما " في مذهب : جمع لآلهتهم ، فوحد " يملك " على لفظ " ما " وتوحيدها ، وجمع في " يستطيعون " على المعنى ، كقوله : ومنهم من يستمعون إليك [يونس :42] .

قوله تعالى : " فلا تضربوا لله الأمثال " أي : لا تشبهوه بخلقه ، لأنه لا يشبه شيئا ، ولا يشبهه شيء ، فالمعنى : لا تجعلوا له شريكا .

وفي قوله : " إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " أربعة أقوال :

أحدها : يعلم ضرب المثل ، وأنتم لا تعلمون ذلك ، قاله ابن السائب .

والثاني : يعلم أنه ليس له شريك ، وأنتم لا تعلمون أنه ليس له شريك ، قاله مقاتل .

والثالث : يعلم خطأ ما تضربون من الأمثال ، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه .

والرابع : يعلم ما كان ويكون ، وأنتم لا تعلمون قدر عظمته حين أشركتم به ، ونسبتموه إلى العجز عن بعث خلقه .
[ ص: 472 ] ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم

قوله تعالى : " ضرب الله مثلا " أي : بين شبها فيه بيان المقصود ، وفيه قولان :

أحدهما : أنه مثل للمؤمن والكافر . فالذي " لا يقدر على شيء " هو الكافر ، لأنه لا خير عنده ، وصاحب الرزق هو المؤمن ، لما عنده من الخير ، هذا قول ابن عباس ، وقتادة .

والثاني : أنه مثل ضربه الله تعالى لنفسه وللأوثان ، لأنه مالك كل شيء ، وهي لا تملك شيئا ، هذا قول مجاهد ، والسدي . وذكر في التفسير أن هذا المثل ضرب بقوم كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيهم قولان :

أحدهما : أن المملوك : أبو الجوار ، وصاحب الرزق الحسن : سيده هشام بن عمرو ، رواه عكرمة عن ابن عباس . وقال مقاتل : المملوك : أبو الحواجر .

والثاني : أن المملوك : أبو جهل بن هشام ، وصاحب الرزق الحسن : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، قاله ابن جريج . فأما قوله : " هل يستوون " ولم يقل : يستويان ، لأن المراد : الجنس . وقال ابن الأنباري : لفظ " من " لفظ توحيد ، ومعناها معنى الجمع ، ولم يقع المثل بعبد معين ، ومالك معين ، لكن عني [ ص: 473 ] بهما جماعة عبيد ، وقوم مالكون ، فلما فارق من تأويل الجمع ، جمع عائدها لذلك .

وقوله تعالى : " الحمد لله " أي : هو المستحق للحمد ، لأنه المنعم ، ولا نعمة للأصنام ، " بل أكثرهم " يعني المشركين :لا يعلمون " أن الحمد لله . قال العلماء : وصف أكثرهم بذلك ، والمراد : جميعهم .

قوله تعالى : " وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم " قد فسرنا " البكم " في (البقرة :18) . ومعنى " لا يقدر على شيء " أي : من الكلام ، لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه . " وهو كل على مولاه " قال ابن قتيبة : أي : ثقل على وليه وقرابته . وفيمن أريد بهذا المثل أربعة أقوال :

أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر ، فالكافر هو الأبكم ، والذي يأمر بالعدل [هو] المؤمن ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أنها نزلت في عثمان بن عفان ، هو الذي يأمر بالعدل ، وفي مولى له كان يكره الإسلام وينهى عثمان عن النفقة في سبيل الله ، وهو الأبكم ، رواه إبراهيم بن يعلى بن منية عن ابن عباس .

والثالث : أنه مثل ضربه الله تعالى لنفسه ، وللوثن . فالوثن : هو الأبكم ، والله تعالى : هو الآمر بالعدل ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة ، وابن السائب ، ومقاتل .

والرابع : أن المراد بالأبكم : أبي بن خلف ، وبالذي يأمر بالعدل : حمزة ، وعثمان بن عفان ، وعثمان بن مظعون ، قاله عطاء . فيخرج على هذه الأقوال في معنى " مولاه " قولان :

أحدهما : أنه مولى حقيقة ، إذا قلنا : إنه رجل من الناس .

والثاني : أنه بمعنى الولي ، إذا قلنا : إنه الصنم ، فالمعنى : وهو ثقل على [ ص: 474 ] وليه الذي يخدمه ويزينه .

ويخرج في معنى " أينما يوجهه " قولان : إن قلنا : إنه رجل ، فالمعنى : أينما يرسله ، والتوجيه : الإرسال في وجه من الطريق . وإن قلنا : إنه الصنم ، ففي معنى الكلام قولان : أحدهما : أينما يدعوه ، لا يجيبه ، قاله مقاتل . والثاني : أينما توجه تأميله إياه ورجاه له ، لا يأته ذلك بخير ، فحذف التأميل ، وخلفه الصنم ، كقوله : ما وعدتنا على رسلك [آل عمران :194] أي : على ألسنة رسلك . وقرأ البزي عن ابن محيصن " أينما توجهه " بالتاء على الخطاب . فأما قوله : " لا يأت بخير " فإن قلنا : هو رجل ، فإنما كان كذلك ، لأنه لا يفهم ما يقال له ، ولا يفهم عنه ، إما لكفره وجحوده ، أو لبكم به . وإن قلنا : إنه الصنم ، فلكونه جمادا . " هل يستوي هو " أي : هذا الأبكم " ومن يأمر بالعدل " أي : ومن هو قادر على التكلم ، ناطق الحق .
ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير

قوله تعالى : " ولله غيب السماوات والأرض " قد ذكرناه في آخر (هود :123) وسبب نزول هذه الآية أن كفار مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى الساعة ؟ فنزلت هذه ، قاله مقاتل . وقال ابن السائب : المراد بالغيب هاهنا : قيام الساعة .

قوله تعالى : " وما أمر الساعة " يعني : القيامة " إلا كلمح البصر " واللمح : النظر بسرعة ، والمعنى : إن القيامة في سرعة قيامها وبعث الخلائق ، كلمح العين ، لأن الله تعالى يقول : كن فيكون [البقرة :117] . " أو هو أقرب " قال مقاتل : بل هو أسرع . وقال الزجاج : ليس المراد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر ، ولكنه يصف سرعة القدرة على الإتيان بها متى شاء .
[ ص: 475 ] والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون

قوله تعالى : " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم " قرأ حمزة " إمهاتكم " بكسر الألف والميم ، وقرأ الكسائي بكسر الألف وفتح الميم ، والباقون بضم الألف وفتح الميم ، وكذلك في (النور :61) و(الزمر :6) و(النجم :32) ولا خلاف بينهم في الابتداء بضم الهمزة .

قوله تعالى : " وجعل لكم السمع " لفظه لفظ الواحد ، والمراد به الجميع ، وقد بينا علة ذلك في أول (البقرة :7) . والأفئدة : جمع فؤاد . قال الزجاج : مثل : غراب وأغربة ، ولم يجمع " فؤاد " على أكثر العدد ، لم يقل فيه :: " فئدان " مثل غراب وغربان . وقال أبو عبيدة : وإنما جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم ، غير أن العرب تقدم وتؤخر ، وأنشد "


ضخم تعلق أشناق الديات به إذا المؤون أمرت فوقه حملا


[الشنق : ما بين الفريضتين] . والمؤون أعظم من الشنق ، فبدأ بالأقل قبل الأعظم .

قال المفسرون : ومقصود الآية : أن الله تعالى أبان نعمه عليهم حيث أخرجهم جهالا بالأشياء ، وخلق لهم الآلات التي يتوصلون بها إلى العلم .
ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون

قوله تعالى : " مسخرات في جو السماء " قال الزجاج : هو الهواء البعيد من الأرض .

[ ص: 476 ] قوله تعالى : " ما يمسكهن إلا الله " فيه قولان :

أحدهما : ما يمسكهن عند قبض أجنحتهن وبسطها أن يقعن على الأرض إلا الله ، قاله الأكثرون .

والثاني : ما يمسكهن أن يرسلن الحجارة على شرار هذه الأمة ، كما فعل بغيرهم ، إلا الله ، قاله ابن السائب .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-09-2022, 12:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (340)
صــ 477 إلى صــ 484



والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون

قوله تعالى : " والله جعل لكم من بيوتكم سكنا " أي : موضعا تسكنون فيه ، وهي المساكن المتخذة من الحجر والمدر تستر العورات والحرم ، وذلك أن الله تعالى خلق الخشب والمدر والآلة التي بها يمكن بناء البيت وتسقيفه ، " وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا " وهي القباب والخيم المتخذة من الأدم " تستخفونها " أي : يخف عليكم حملها " يوم ظعنكم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو " ظعنكم " بفتح العين . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي [ ص: 477 ] بتسكين العين ، وهما لغتان ، كالشعر والشعر ، والنهر والنهر ، والمعنى : إذا سافرتم ، " ويوم إقامتكم " أي : لا تثقل عليكم في الحالين . " ومن أصوافها " يعني : الضأن " وأوبارها " يعني : الإبل " وأشعارها " يعني : المعز " أثاثا " قال الفراء : الأثاث : المتاع ، لا واحد له ، كما أن المتاع لا واحد له . والعرب تقول : جمع المتاع أمتعة ، ولو جمعت الأثاث ، لقلت : ثلاثة أإثة وأثث ، مثل : أعثة وعثث لا غير . وقال ابن قتيبة : الأثاث : متاع البيت من الفرش والأكسية . قال أبو زيد : واحد الأثاث : أثاثة . وقال الزجاج : يقال : قد أث يأث أثا : إذا صار ذا أثاث . وروي عن الخليل أنه قال : أصله الكثرة واجتماع بعض المتاع إلى بعض ، ومنه : شعر أثيث .

فأما قوله : " ومتاعا " فقيل : إنما جمع بينه وبين الأثاث ، لاختلاف اللفظين .

وفي قوله : " إلى حين " قولان :

أحدهما : أنه الموت ، والمعنى : ينتفعون به إلى حين الموت ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

والثاني : أنه إلى حين البلى ، فالمعنى : إلى أن يبلى ذلك الشيء ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " والله جعل لكم مما خلق ظلالا " أي : ما يقيكم حر الشمس ، وفيه خمسة أقوال :

أحدها : أنه ظلال الغمام ، قاله ابن عباس . والثاني : ظلال البيوت ، [قاله ابن السائب . والثالث : ظلال الشجر ، قاله قتادة ، والزجاج . والرابع : ظلال الشجر والجبال] ، وقاله ابن قتيبة . والخامس : أنه كل شيء له ظل من حائط ، وسقف ، وشجر وجبل ، وغير ذلك ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

[ ص: 478 ] قوله تعالى : " وجعل لكم من الجبال أكنانا " أي : ما يكنكم من الحر والبرد ، وهي الغيران والأسراب . وواحد الأكنان " كن " وكل شيء وقى شيئا وستره فهو " كن " . " وجعل لكم سرابيل " وهي القمص " تقيكم الحر " ولم يقل : البرد ، لأن ما وقى من الحر ، وقى من البرد ، وأنشد :


وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني


وقال الزجاج : إنما خص الحر ، لأنهم كانوا في مكاناتهم أكثر معاناة له من البرد ، وهذا مذهب عطاء الخراساني .

قوله تعالى : " وسرابيل تقيكم بأسكم " يريد الدروع التي يتقون بها شدة الطعن والضرب في الحرب .

قوله تعالى : " كذلك يتم نعمته عليكم " أي : مثلما أنعم الله عليكم بهذه الأشياء ، يتم نعمته عليكم في الدنيا " لعلكم تسلمون " والخطاب لأهل مكة ، وكان أكثرهم حينئذ كفارا ، ولو قيل : إنه خطاب للمسلمين ، فالمعنى : لعلكم تدومون على الإسلام ، وتقومون بحقه . وقرأ ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبو رجاء : " لعلكم تسلمون " بفتح التاء واللام ، على معنى : لعلكم إذا لبستم الدروع تسلمون من الجراح في الحرب .

قوله تعالى : " فإن تولوا " أعرضوا عن الإيمان " فإنما عليك البلاغ المبين " وهذه عند المفسرين منسوخة بآية السيف .

قوله تعالى : " يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها " وفي هذه النعمة قولان :

أحدهما : أنها [المساكن] نعم الله عز وجل عليهم في الدنيا . وفي إنكارها ثلاثة [ ص: 479 ] أقوال : أحدها : أنهم يقولون : هذه ورثناها [عن آبائنا] . روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : نعم الله : المساكن ، والأنعام ، وسرابيل الثياب ، والحديد ، يعرفه كفار قريش ، ثم ينكرونه بأن يقولوا : هذا كان لآبائنا ورثناه عنهم ، وهذا عن مجاهد . والثاني : أنهم يقولون : لولا فلان ، لكان كذا ، فهذا إنكارهم ، قاله عون بن عبد الله . والثالث : يعرفون أن النعم من الله ، ولكن يقولون : هذه بشفاعة آلهتنا ، قاله ابن السائب ، والفراء ، وابن قتيبة .

والثاني : أن المراد بالنعمة هاهنا : محمد صلى الله عليه وسلم يعرفون أنه نبي ثم يكذبونه ، وهذا مروي عن مجاهد ، والسدي ، والزجاج .

قوله تعالى : " وأكثرهم الكافرون " قال الحسن : وجميعهم كفار ، فذكر الأكثر ، والمراد به الجميع .
ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون

قوله تعالى : " ويوم نبعث من كل أمة شهيدا " يعني : يوم القيامة ، وشاهد كل أمة نبيها يشهد عليها بتصديقها وتكذيبها ، " ثم لا يؤذن للذين كفروا " في الاعتذار " ولا هم يستعتبون " أي : لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى ما أمر الله به ، لأن الآخرة ليست بدار تكليف .

[ ص: 480 ] قوله تعالى : " وإذا رأى الذين ظلموا " أي : أشركوا " العذاب " يعني : النار فلا يخفف عنهم " العذاب " ولا هم ينظرون " لا يؤخرون ، ولا يمهلون . " وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم " يعني : الأصنام التي جعلوها شركاء لله في العبادة ، وذلك أن الله يبعث كل معبود من دونه ، فيقول المشركون : " ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا " أي : نعبد من دونك .

فإن قيل : فهذا معلوم عند الله تعالى ، فما فائدة قولهم : " هؤلاء شركاؤنا " ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أنهم لما كتموا الشرك في قولهم : والله ما كنا مشركين ، عاقبهم الله تعالى بإصمات ألسنتهم ، وإنطاق جوارحهم ، فقالوا عند معاينة آلهتهم : " ربنا هؤلاء شركاؤنا " أي : قد أقررنا بعد الجحد ، وصدقنا بعد الكذب ، التماسا للرحمة ، وفرارا من الغضب ، وكأن هذا القول منهم على وجه الاعتراف بالذنب ، لا على وجه إعلام من لا يعلم .

والثاني : أنهم لما عاينوا عظم غضب الله تعالى قالوا : هؤلاء شركاؤنا ، تقدير أن يعود عليهم من هذا القول روح ، وأن تلزم الأصنام إجرامهم ، أو بعض ذنوبهم إذ كانوا يدعون لها العقل والتمييز ، فأجابتهم الأصنام بما حسم طمعهم .

قوله تعالى : " فألقوا إليهم القول " أي : أجابوهم وقالوا لهم " إنكم لكاذبون " قال الفراء : ردت عليهم آلهتهم قولهم . وقال أبو عبيدة : " فألقوا " ، أي : قالوا لهم . يقال : ألقيت إلى فلان كذا ، أي : قلت له . قال العلماء : كذبوهم في عبادتهم إياهم ، وذلك أن الأصنام كانت جمادا لا تعرف عابديها ، فظهرت فضيحتهم يومئذ إذ عبدوا من لم يعلم بعبادتهم ، وذلك كقوله : سيكفرون بعبادتهم [مريم :83] .

[ ص: 481 ] قوله تعالى : " وألقوا إلى الله يومئذ السلم " المعنى : أنهم استسلموا له . وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنهم المشركون ، قاله الأكثرون . ثم في معنى استسلامهم قولان : أحدهما : أنهم استسلموا [له] بالإقرار بتوحيده وربوبيته . والثاني : أنهم استسلموا لعذابه .

والثاني : أنهم المشركون والأصنام كلهم . قال الكلبي : والمعنى : أنهم استسلموا لله منقادين لحكمه .

قوله تعالى : " وضل عنهم ما كانوا يفترون " فيه قولان :

أحدهما : بطل قولهم أنها تشفع لهم . والثاني : ذهب عنهم ما زين لهم الشيطان أن لله شريكا وولدا .
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين

قوله تعالى : " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله " قال ابن عباس : منعوا الناس من طاعة الله والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : " زدناهم عذابا فوق العذاب " إنما نكر العذاب [الأول] ، لأنه نوع خاص لقوم بأعيانهم ، وعرف العذاب الثاني ، لأنه العذاب الذي يعذب به أكثر أهل النار ، فكان في شهرته بمنزلة النار في قول القائل : نعوذ بالله من النار ، وقد قيل : إنما زيدوا هذا العذاب على ما يستحقونه من عذابهم ، بصدهم عن سبيل الله .

[ ص: 482 ] وفي صفة هذا العذاب الذي زيدوا أربعة أقوال :

أحدها : أنها عقارب كأمثال النخل الطوال ، رواه مسروق عن ابن مسعود .

والثاني : أنها حيات كأمثال الفيلة ، وعقارب كأمثال البغال ، رواه زر عن ابن مسعود .

والثالث : أنها خمسة أنهار من صفر مذاب تسيل من تحت العرش يعذبون بها ، ثلاثة على مقدار الليل ، واثنان على مقدار النهار ، قاله ابن عباس .

والرابع : أنه الزمهرير ، ذكره ابن الأنباري .

قال الزجاج : يخرجون من حر النار إلى الزمهرير ، فيتبادرون من شدة برده إلى النار .

قوله تعالى : " وجئنا بك شهيدا على هؤلاء " وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنهم قومه ، قاله ابن عباس .

والثاني : أمته ، قاله مقاتل . وتم الكلام هاهنا . ثم قال : " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا " قال الزجاج : التبيان : اسم في معنى البيان .

فأما قوله تعالى : " لكل شيء " فقال العلماء بالمعاني : لكل شيء من أمور الدين ، إما بالنص عليه ، أو بالإحالة على ما يوجب العلم ، مثل بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين .
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم [ ص: 483 ] ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون

قوله تعالى : " إن الله يأمر بالعدل " فيه أربعة أقوال :

أحدها : أنه شهادة أن لا إله إلا الله ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني : أنه الحق ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : أنه استواء السريرة والعلانية في العمل لله تعالى ، قاله سفيان بن عيينة .

والرابع : أنه القضاء بالحق ، ذكره الماوردي . قال أبو سليمان : العدل في كلام العرب : الإنصاف ، وأعظم الإنصاف : الاعتراف للمنعم بنعمته .

وفي المراد بالإحسان خمسة أقوال :

أحدها : أنه أداء الفرائض ، رواه أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : العفو ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : الإخلاص ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والرابع : أن تعبد الله كأنك تراه ، رواه عطاء عن ابن عباس . والخامس : أن تكون السريرة أحسن من العلانية ، قاله سفيان بن عيينة .

فأما قوله تعالى : " وإيتاء ذي القربى " فالمراد به : صلة الأرحام . وفي الفحشاء قولان :

أحدهما : أنها الزنا ، قاله ابن عباس . والثاني : المعاصي ، قاله مقاتل .

[ ص: 484 ] وفي " المنكر " أربعة أقوال :

أحدها : أنه الشرك ، قاله مقاتل . والثاني : أنه ما لا يعرف في شريعة ولا سنة . والثالث : أنه ما وعد الله عليه النار ، ذكرهما ابن السائب . والرابع : أن تكون علانية الإنسان أحسن من سريرته ، قاله سفيان بن عيينة .

فأما " البغي " فقال ابن عباس : هو الظلم ، وقد سبق شرحه في مواضع [البقرة :173، والأعراف :33 ، ويونس :23،90] .

قوله تعالى : " يعظكم " قال ابن عباس : يؤدبكم ، وقد ذكرنا معنى الوعظ في (سورة النساء :58) . و " تذكرون " بمعنى : " تتعظون " قال ابن مسعود : هذه الآية أجمع آية في القرآن لخير أو لشر . وقال الحسن : والله ما ترك العدل والإحسان شيئا من طاعة [الله] إلا جمعاه ، ولا تركت الفحشاء والمنكر والبغي شيئا من معصية الله إلا جمعوه .

قوله تعالى : " وأوفوا بعهد الله " اختلفوا فيمن نزلت على قولين :

أحدهما : أنها نزلت في حلف أهل الجاهلية ، قاله مجاهد ، وقتادة .

والثاني : أنها نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال المفسرون : العهد الذي يجب الوفاء به ، هو الذي يحسن فعله ، فإذا عاهد العبد عليه ، وجب الوفاء به ، والوعد من العهد " ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها " أي : بعد تغليظها وتشديدها بالعزم والعقد على اليمين ، بخلاف لغو اليمين ، ووكدت الشيء توكيدا ، لغة أهل الحجاز . فأما أهل نجد ، فيقولون : أكدته تأكيدا . وقال الزجاج : يقال : وكدت الأمر ، وأكدت لغتان جيدتان ، والأصل الواو ، والهمزة بدل منها .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29-09-2022, 12:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (341)
صــ 485 إلى صــ 492




[ ص: 485 ] قوله تعالى : " وقد جعلتم الله عليكم كفيلا " أي : بالوفاء ، وذلك أن من حلف بالله ، فكأنه أكفل الله بالوفاء بما حلف عليه .

وللمفسرين في معنى " كفيلا " ثلاثة أقوال :

أحدها : شهيدا ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : وكيلا ، قاله مجاهد .

والثالث : حفيظا مراعيا لعقدكم ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها " قال مجاهد : هذا فعل نساء أهل نجد ، تنقض إحداهن حبلها ، ثم تنفشه ، ثم تخلطه بالصوف فتغزله . وقال مقاتل : هي امرأة من قريش تسمى " ريطة " بنت عمرو بن كعب ، كانت إذا غزلت ، نقضته . وقال ابن السائب : اسمها " رائطة " وقال ابن الأنباري : اسمها " ريطة " بنت عمرو المرية ، ولقبها الجعراء ، وهي من أهل مكة ، وكانت معروفة عند المخاطبين ، فعرفوها بوصفها ، ولم يكن لها نظير في فعلها ذلك ، كانت متناهية الحمق ، تغزل الغزل من القطن أو الصوف فتحكمه ، ثم تأمر جاريتها بتقطيعه . وقال بعضهم : كانت تغزل هي وجواريها ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، فضربها الله مثلا لناقضي العهد . و " نقضت " بمعنى : تنقض ، كقوله : ونادى أصحاب الجنة [الأعراف :43] بمعنى : وينادي .

وفي المراد بالغزل قولان :

أحدهما : أنه الغزل المعروف ، سواء كان من قطن أو صوف أو شعر ، وهو قول الأكثرين .

والثاني : أنه الحبل ، قاله مجاهد . وقوله : " من بعد قوة " قال قتادة : من بعد إبرام ، وقوله : " أنكاثا " أي : أنقاضا . قال ابن قتيبة : الأنكاث : ما نقض من غزل الشعر وغيره . وواحدها نكث . يقول : لا تؤكدوا على [ ص: 486 ] أنفسكم الأيمان والعهود ، ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا فيه ، فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت ، ثم نقضت ذلك النسج ، فجعلته أنكاثا .

قوله تعالى : " تتخذون أيمانكم دخلا بينكم " أي : دغلا ، ومكرا ، وخديعة ، وكل شيء دخله عيب ، فهو مدخول ، وفيه دخل .

قوله تعالى : " أن تكون أمة " قال ابن قتيبة : لأن تكون أمة ، " هي أربى " أي : هي أغنى " من أمة " . وقال [الزجاج] : المعنى : بأن تكون أمة هي أكثر ، يقال : ربا الشيء يربو : إذا كثر . قال ابن الأنباري : قال اللغويون : " أربى " : أزيد عددا . قال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك ، فنهوا عن ذلك . وقال الفراء : المعنى : لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم ، أو قلتكم وكثرتهم وقد غررتموهم بالأيمان .

قوله تعالى : " إنما يبلوكم الله به " في هذه الآية ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى الكثرة ، قاله سعيد بن جبير ، وابن السائب ، ومقاتل ، فيكون المعنى : إنما يختبركم الله بالكثرة ، فإذا كان بين قومين عهد ، فكثر أحدهما ، فلا ينبغي أن يفسخ الذي بينه وبين الأقل . فإن قيل : إذا كنى عن الكثرة ، فهلا قيل بها ؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، بأن الكثرة ليس تأنيثها حقيقيا ، فحملت على معنى التذكير ، كما حملت الصيحة على معنى الصياح .

والثاني : أنها ترجع إلى العهد ، فإنه لدلالة الأيمان عليه ، يجري مجرى المظهر ، ذكره ابن الأنباري .

والثالث : أنها ترجع إلى الأمر بالوفاء ، ذكره بعض المفسرين .

قوله تعالى : " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " قد فسرناه في آخر (هود :118) .

[ ص: 487 ] قوله تعالى : " ولكن يضل من يشاء " صريح في تكذيب القدرية ، حيث أضاف الإضلال والهداية إليه ، وعلقهما بمشيئته .
ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون

قوله تعالى : " ولا تتخذوا أيمانكم دخلا " هذا استئناف للنهي عن أيمان الخديعة . " فتزل قدم بعد ثبوتها " قال أبو عبيدة : هذا مثل يقال لكل مبتلى بعد عافية ، أو ساقط في ورطة بعد سلامة : زلت به قدمه . قال مقاتل : ناقض العهد يزل في دينه كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة ، قال المفسرون : وهذا نهي للذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ونصرة الدين عن نقض العهد ، ويدل عليه قوله تعالى : " وتذوقوا السوء " يعني : العقوبة " بما صددتم عن سبيل الله " يريد أنهم إذا نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدوا الناس عن الإسلام ، فاستحقوا العذاب .

وقوله تعالى : " ولكم عذاب عظيم " يعني : في الآخرة . ثم أكد ذلك بقوله : " ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا " قال أبو صالح عن ابن عباس : نزلت في رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض ، يقال لأحدهما : " عيدان بن أشوع " وهو صاحب الأرض ، وللآخر : " امرؤ القيس " وهو المدعى عليه ، فهم امرؤ القيس أن يحلف ، فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية . وذكر أبو بكر الخطيب أن اسم صاحب الأرض " : ربيعة بن عبدان " وقيل : " عيدان " ، [ ص: 488 ] بفتح العين وياء معجمة باثنتين . ومعنى الآية :لا تنقضوا عهودكم ، تطلبون بنقضها عرضا يسيرا من الدنيا ، إن ما عند الله من الثواب على الوفاء هو خير لكم من العاجل . " ما عندكم ينفد " أي : يفنى " وما عند الله " في الآخرة " باق " وقف بالياء ابن كثير في رواية عنه ، ولا خلاف في حذفها في الوصل . " ولنجزين الذين صبروا " قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " وليجزين " بالياء . وقرأ ابن كثير ، وعاصم : " ولنجزين " بالنون . ولم يختلفوا في " ولنجزينهم أجرهم " أنها بالنون ، ومعنى هذه الآية : وليجزين الذين صبروا على أمره بأحسن ما كانوا يعملون في الدنيا ، ويتجاوز عن سيئاتهم .
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون

قوله تعالى : " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن " في سبب نزولها قولان : أحدهما : أن امرأ القيس المتقدم ذكره أقر بالحق الذي هم أن يحلف عليه ، فنزلت فيه : " من عمل صالحا " ، وهو إقراره بالحق ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أن ناسا من أهل التوراة ، وأهل الإنجيل ، وأهل الأوثان ، جلسوا ، فتفاضلوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح .

قوله تعالى : " فلنحيينه حياة طيبة " اختلفوا أين تكون هذه الحياة الطيبة على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها في الدنيا ، رواه العوفي عن ابن عباس . ثم فيها للمفسرين تسعة أقوال : أحدها : أنها القناعة ، قاله علي عليه السلام ، وابن عباس في رواية ، والحسن في [ ص: 489 ] رواية، ووهب بن منبه . والثاني : أنها الرزق الحلال ، رواه أبو مالك عن ابن عباس . وقال الضحاك : يأكل حلالا ويلبس حلالا . والثالث : أنها السعادة ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . والرابع : أنها الطاعة ، قاله عكرمة . والخامس : أنها رزق يوم بيوم ، قاله قتادة . والسادس : أنها الرزق الطيب ، والعمل الصالح ، قاله إسماعيل بن أبي خالد . والسابع : أنها حلاوة الطاعة ، قاله أبو بكر الوراق . والثامن : العافية والكفاية . والتاسع : الرضى بالقضاء، ذكرهما الماوردي .

والثاني : أنها في الآخرة ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن زيد ، وذلك إنما يكون في الجنة .

والثالث : أنها في القبر ، رواه أبو غسان عن شريك .
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين

قوله تعالى : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المعنى : فإذا أردت القراءة فاستعذ ، ومثله إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [المائدة :6] وقوله : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب [الأحزاب :53] وقوله : إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة [المجادلة :12] .

ومثله في الكلام : إذا أكلت ، فقل باسم الله ، هذا قول عامة العلماء واللغويين .

[ ص: 490 ] والثاني : أنه على ظاهره ، وأن الاستعاذة بعد القراءة . روي عن أبي هريرة ، وداود .

والثالث : أنه من المقدم والمؤخر ، فالمعنى : فإذا استعذت بالله فاقرأ ، قاله أبو حاتم السجستاني ، والأول أصح .

فصل

والاستعاذة عند القراءة سنة في الصلاة وغيرها .

وفي صفتها عن أحمد روايتان :

إحداهما : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، رواها أبو بكر المروزي .

والثانية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، رواها حنبل . وقد بينا معنى " أعوذ " في أول الكتاب [ص:7] ، وشرحنا اشتقاق الشيطان في (البقرة :14) ، والرجيم في (آل عمران : 36) .

قوله تعالى : " إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا " في المراد بالسلطان قولان :

أحدهما : أنه التسلط . ثم فيه ثلاثة أقوال : أحدها : ليس له عليهم سلطان بحال ، لأن الله صرف سلطانه عنهم بقوله : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [الحجر :42] . والثاني : ليس له عليهم سلطان ، لاستعاذتهم منه . والثالث : ليس له قدرة على أن يحملهم على ذنب لا يغفر .

والثاني : أنه الحجة . فالمعنى : ليس له حجة على ما يدعوهم إليه من المعاصي ، قاله مجاهد .

[ ص: 491 ] فأما قوله " يتولونه " معناه : يطيعونه .

وفي هاء الكناية في قوله : " والذين هم به مشركون " قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الله تعالى ، قاله مجاهد ، والضحاك .

والثاني : أنها ترجع إلى الشيطان ، فالمعنى : الذين هم من أجله مشركون بالله ، وهذا كما يقال : صار فلان بك عالما ، أي : من أجلك ، هذا قول ابن قتيبة . وقال ابن الأنباري : المعنى : والذين هم بإشراكهم إبليس في العبادة ، مشركون بالله تعالى .

قوله تعالى : " وإذا بدلنا آية مكان آية " سبب نزولها أن الله تعالى كان ينزل الآية ، فيعمل بها مدة ، ثم ينسخها ، فقال كفار قريش : والله ما محمد إلا يسخر من أصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر ، ويأتيهم غدا بما هو أهون عليهم منه ،فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والمعنى : إذا نسخنا آية بآية ، إما نسخ الحكم والتلاوة ، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة " والله أعلم بما ينزل " من ناسخ ومنسوخ ، وتشديد وتخفيف ، فهو عليم بالمصلحة في ذلك " قالوا إنما أنت مفتر " أي : كاذب " بل أكثرهم لا يعلمون " فيه قولان :

أحدهما لا يعلمون أن الله أنزله . والثاني : لا يعلمون فائدة النسخ .

قوله تعالى : " قل نزله " يعني : القرآن " روح القدس " يعني : جبريل وقد شرحنا هذا الاسم في (البقرة :87) .

قوله تعالى : " من ربك " أي : من كلامه " بالحق " أي : بالأمر الصحيح " ليثبت الذين آمنوا " بما فيه من البينات فيزدادوا يقينا .
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين إن الذين [ ص: 492 ] لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون

قوله تعالى : " ولقد نعلم أنهم يقولون " يعني : قريشا " إنما يعلمه بشر " أي : آدمي ، وما هو من عند الله .

وفيمن أرادوا بهذا البشر تسعة أقوال :

أحدها : أنه كان لبني المغيرة غلام يقال له " يعيش " يقرأ التوراة ، فقالوا : منه يتعلم محمد ، فنزلت هذه الآية ، رواه عكرمة عن ابن عباس . وقال عكرمة في رواية : كان هذا الغلام لبني عامر بن لؤي ، وكان روميا .

والثاني : أنه فتى كان بمكة يسمى " بلعام " وكان نصرانيا أعجميا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه ، فلما رأى المشركون دخوله إليه وخروجه ، قالوا ذلك ، روي عن ابن عباس أيضا .

والثالث : أنه نزلت في كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه سلم ، فيملي عليه " سميع عليم " فيكتب هو " عزيز حكيم " أو نحو هذا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أي ذلك كتبت فهو كذلك " ، فافتتن ، وقال : إن محمدا يكل ذلك إلي فأكتب ما شئت ، روي عن سعيد بن المسيب .

والرابع : أنه غلام أعجمي لامرأة من قريش يقال له : " جابر " ، وكان جابر يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتعلم منه ، فقال المشركون : إنما يتعلم محمد من هذا ، قاله سعيد بن جبير .

[ ص: 493 ] والخامس : أنهم عنوا سلمان الفارسي ، قاله الضحاك ; وفيه بعد من جهة أن سلمان أسلم بالمدينة ، وهذه [الآية] مكية .

والسادس : أنهم عنوا به رجلا حدادا كان يقال " يحنس " النصراني ، قاله ابن زيد .

والسابع : أنهم عنوا به غلاما لعامر بن الحضرمي ، وكان يهوديا أعجميا ، واسمه " يسار " ويكنى " أبا فكيهة " ، قاله مقاتل . وقد روي عن سعيد بن جبير نحو هذا ، إلا أنه لم يقل : إنه كان يهوديا .

والثامن : أنهم عنوا غلاما أعجميا اسمه " عايش " ، وكان مملوكا لحويطب ، وكان قد أسلم ، قاله الفراء ، والزجاج .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29-09-2022, 12:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (342)
صــ 493 إلى صــ 500



والتاسع : أنهما رجلان ، قال عبد الله بن مسلم الحضرمي : كان لنا عبدان من أهل عين التمر ، يقال لأحدهما : " يسار " وللآخر " جبر " وكانا يصنعان السيوف بمكة ، ويقرآن الإنجيل ، فربما مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يقرآن ، فيقف يستمع ، فقال المشركون : إنما يتعلم منهما . قال ابن الأنباري : فعلى هذا القول ، يكون البشر واقعا على اثنين ، والبشر من أسماء الأجناس ، يعبر عن اثنين ، كما يعبر " أحد " عن الاثنين والجميع ، والمذكر والمؤنث .

قوله تعالى : " لسان الذي يلحدون إليه أعجمي " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم : " يلحدون " بضم الياء وكسر الحاء ، وقرأ حمزة ، والكسائي : " يلحدون " بفتح الياء والحاء . فأما القراءة الأولى ، فقال [ ص: 494 ] ابن قتيبة : " يلحدون " أي : يميلون إليه ، ويزعمون أنه يعلمه ، وأصل الإلحاد الميل . وقال الفراء : " يلحدون " بضم الياء : يعترضون ، ومنه قوله : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم [الحج:25] أي : باعتراض ، و " يلحدون " بفتح الياء : يميلون . وقال الزجاج : يلحدون إليه ، أي : يميلون القول فيه أنه أعجمي .

قال ابن قتيبة : لا يكاد عوام الناس يفرقون بين العجمي والأعجمي ، والعربي والأعرابي ، فالأعجمي : الذي لا يفصح وإن كان نازلا بالبادية ، والعجمي : منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا ، والأعرابي : هو البدوي ، والعربي : منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا .

قوله تعالى : " وهذا لسان " يعني : القرآن ، " عربي " قال الزجاج : أي : أن صاحبه يتكلم بالعربية .

قوله تعالى : " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله " أي : الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله ، كذبوا بها ، " وأولئك هم الكاذبون " أي : أن الكذب نعت لازم لهم ، وعادة من عاداتهم ، وهذا رد عليهم إذ قالوا : " إنما أنت مفتر " [النحل :101] . وهذه الآية من أبلغ الزجر عن الكذب ، لأنه خص به من لا يؤمن .
من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين [ ص: 495 ] طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون

قوله تعالى : " من كفر بالله من بعد إيمانه " قال مقاتل : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن أنس بن خطل ، وطعمة بن أبيرق ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وقيس بن الفاكه المخزومي .

فأما قوله تعالى : " إلا من أكره " فاختلفوا فيمن نزل على أربعة أقوال :

أحدها : أنه نزل في عمار بن ياسر ، أخذه المشركون فعذبوه ، فأعطاهم ما أرادوا بلسانه ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال قتادة .

والثاني : أنه لما نزل قوله : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . . . . إلى آخر الآيتين اللتين في سورة النساء [96، 97] كتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى من كان بمكة ، فخرج ناس ممن أقر بالإسلام ، فاتبعهم المشركون فأدركوهم ، حتى أعطوا الفتنة ، فنزل " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والثالث : أنه نزل في عياش بن أبي ربيعة ، كان قد هاجر فحلفت أمه ألا تستظل ولا تشبع من طعام حتى يرجع ، فرجع إليها ، فأكرهه المشركون حتى أعطاهم بعض ما يريدون ، قاله ابن سيرين .

والرابع : أنه نزل في جبر غلام ابن الحضرمي ، كان يهوديا فأسلم فضربه سيده [ ص: 496 ] حتى رجع إلى اليهودية ، قاله مقاتل . وأما قوله : " ولكن من شرح بالكفر صدرا " فقال مقاتل : هم النفر المسمون في أول الآية .

فأما التفسير ، فاختلف النحاة في قوله : " من كفر " وقوله : " ولكن من شرح " فقال الكوفيون : جوابهما جميعا في قوله : " فعليهم غضب " فقال البصريون : بل قوله : " من كفر " مرفوع بالرد على " الذين لا يؤمنون " . قال ابن الأنباري : ويجوز أن يكون خبر " من كفر " محذوفا ، لوضوح معناه ، تقديره : من كفر بالله ، فالله عليه غضبان .

قوله تعالى : " وقلبه مطمئن بالإيمان " أي : ساكن إليه راض به . " ولكن من شرح بالكفر صدرا " قال قتادة : من أتاه بإيثار واختيار . وقال ابن قتيبة : من فتح له صدره بالقبول . وقال أبو عبيدة : المعنى : من تابعته نفسه ، وانبسط إلى ذلك ، يقال : ما ينشرح صدري بذلك ، أي : ما يطيب . وجاء قوله : " فعليهم غضب " على معنى الجميع ، لأن " من " تقع على الجميع .

فصل

الإكراه على كلمة الكفر يبيح النطق بها .

وفي الإكراه المبيح لذلك عن أحمد روايتان :

إحداهما : أنه يخاف على نفسه أو على بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمر به .

والثانية : أن التخويف لا يكون إكراها حتى ينال بعذاب . وإذ ثبت جواز " التقية " فالأفضل ألا يفعل ، نص عليه أحمد ، في أسير خير بين القتل [ ص: 497 ] وشرب الخمر ، فقال : إن صبر على القتل فله الشرف ، وإن لم يصبر فله الرخصة ، فظاهر هذا ، الجواز . وروى عنه الأثرم أنه سئل عن التقية في شرب الخمر فقال : إنما التقية في القول . فظاهر هذا أنه لا يجوز له ذلك ، فأما إذا أكره على الزنا ، لم يجز له الفعل ، ولم يصح إكراهه ، نص عليه أحمد . فإن أكره على الطلاق ، لم يقع طلاقه ، نص عليه أحمد ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وقال أبو حنيفة : يقع .

قوله تعالى : " ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا " في المشار إليه بذلك قولان :

أحدهما : أنه الغضب والعذاب ، قاله مقاتل .

الثاني : أنه شرح الصدر للكفر . و " استحبوا " بمعنى : أحبوا الدنيا واختاروها على الآخرة .

قوله تعالى : " وأن الله " أي : وبأن الله لا يريد هدايتهم . وما بعد هذا قد سبق شرحه [البقرة :7، والنساء :155، والمائدة :67] إلى قوله : " وأولئك هم الغافلون " ففيه قولان :

أحدهما : الغافلون عما يراد بهم ، قاله ابن عباس . والثاني : عن الآخرة ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " لا جرم " قد شرحناها في (هود :22) .

قوله تعالى : " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا " اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال :

أحدها : أنها نزلت فيمن كان يفتن بمكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني : أن قوما من المسلمين خرجوا للهجرة ، فلحقهم المشركون فأعطوهم [ ص: 498 ] الفتنة فنزل فيهم ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله [العنكبوت :10] ، فكتب المسلمون إليهم بذلك ، فخرجوا ، وأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى من نجا ، وقتل من قتل ، فنزلت فيهم هذه الآية ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث : أنها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان الشيطان قد أزله حتى لحق بالكفار ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح ، فاستجار له عثمان بن عفان ، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مروي عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وفيه بعد ، لأن المشار إليه وإن كان [قد] عاد إلى الإسلام ، فإن الهجرة انقطعت بالفتح .

والرابع : أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل بن عمرو ، وعبد الله بن أسيد الثقفي ، قاله مقاتل .

فأما قوله تعالى : " من بعد ما فتنوا " فقرأ الأكثرون : " فتنوا " بضم الفاء وكسر التاء ، على معنى : من بعد ما فتنهم المشركون عن دينهم . قال ابن عباس : فتنوا بمعنى : عذبوا . وقرأ عبد الله بن عامر : " فتنوا " بفتح الفاء والتاء ، على معنى : من بعد ما فتنوا الناس عن دين الله ، يشير إلى من أسلم من المشركين . وقال أبو علي : من بعد ما فتنوا أنفسهم بإظهار ما أظهروا للتقية ، لأن الرخصة لم تكن نزلت بعد .

قوله تعالى : " ثم جاهدوا " أي : قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " وصبروا " على الدين والجهاد . " إن ربك من بعدها " في المكني عنها أربعة أقوال :

أحدها : الفتنة ، وهو مذهب مقاتل . والثاني : الفعلة التي فعلوها ، قاله الزجاج . [ ص: 499 ] والثالث : المجاهدة ، والمهاجرة ، والصبر . والرابع : المهاجرة . ذكرهما واللذين قبلهما ابن الأنباري .

قوله تعالى : " يوم تأتي " قال الزجاج : هو منصوب على أحد شيئين ، إما على معنى : إن ربك لغفور يوم تأتي ، وإما على معنى : اذكر يوم تأتي . ومعنى " تجادل عن نفسها " أي : عنها . والمراد : أن كل إنسان يجادل عن نفسه . وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لكعب الأحبار : يا كعب خوفنا ، فقال : إن لجهنم زفرة ما يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقع جاثيا على ركبتيه ، حتى إن إبراهيم خليل الرحمن ليدلي بالخلة فيقول : " يا رب أنا خليلك إبراهيم ، لا أسألك إلا نفسي " ، وإن تصديق ذلك في كتاب الله " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها " . وقد شرحنا معنى الجدال في (هود :32) .
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون

قوله تعالى : " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة " في هذه القرية قولان :

أحدهما : أنها مكة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور ، وهو الصحيح .

والثاني : أنها قرية أوسع الله على أهلها حتى كانوا يستنجون بالخبز ، فبعث الله عليهم الجوع حتى كانوا يأكلون ما يقعدون ، قاله الحسن . فأما ما يروى عن [ ص: 500 ] حفصة أنها قالت : هي المدينة ، فذلك على سبيل التمثيل ، لا على وجه التفسير ، وبيانه ما روى سليم بن عنز ، قال : صدرنا من الحج مع حفصة ، وعثمان محصور بالمدينة ، فرأت راكبين فسألتهما عنه ، فقالا : قتل ، فقالت : والذي نفسي بيده إنها للقرية ، تعني المدينة التي قال الله تعالى في كتابه : " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة " ، تعني حفصة : أنها كانت على قانون الاستقامة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، " فكفرت بأنعم الله " عند قتل عثمان رضي الله عنه . ومعنى " كانت آمنة " أي : ذات أمن يأمن فيها أهلها أن يغار عليهم ، " مطمئنة " أي : ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق . وقد شرحنا معنى الرغد في (البقرة :35،58) .

وقوله : " من كل مكان " أي : يجلب إليها من كل بلد ، وذلك كله بدعوة إبراهيم عليه السلام ، " فكفرت بأنعم الله " بتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفي واحد الأنعم قولان :

أحدهما : أن واحدها " نعم " قاله أبو عبيدة ، وابن قتيبة .

والثاني : " نعمة " قاله الزجاج . قال ابن قتيبة : ليس قول من قال : هو جمع " نعمة " بشيء ، لأن " فعلة " لا تجمع على " أفعل " ، وإنما هو جمع " نعم " ، يقال : يوم نعم ، ويوم بؤس ، ويجمع " أنعما " ، و " أبؤسا " .

قوله تعالى : " فأذاقها الله لباس الجوع والخوف " وروى عبيد بن عقيل ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : " والخوف " بنصب الفاء . وأصل الذوق إنما هو بالفم ، وهذا استعارة منه ، وقد شرحنا هذا المعنى في (آل عمران :106،185) . وإنما ذكر اللباس هاهنا تجوزا ، لما يظهر عليهم من أثر الجوع والخوف ، فهو كقوله : ولباس التقوى [الأعراف :26] وذلك لما يظهر على المتقي من أثر [ ص: 501 ] التقوى . قال المفسرون : عذبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام المحترقة . فأما الخوف ، فهو خوفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سراياه التي كان يبعثها حولهم . والكلام في هذه الآية خرج على القرية ، والمراد أهلها ، ولذلك قال : " بما كانوا يصنعون " يعني به : بتكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإخراجهم إياه وما هموا به من قتله .
ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون

قوله تعالى : " ولقد جاءهم " يعني أهل مكة " رسول منهم " يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، " فكذبوه فأخذهم العذاب " وفيه قولان :

أحدهما : أنه الجوع ، قاله ابن عباس . والثاني : القتل ببدر ، قاله مجاهد . قال ابن السائب : " وهم ظالمون " أي : كافرون .
فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم

قوله تعالى : " فكلوا مما رزقكم الله " في المخاطبين بهذا قولان :

أحدهما : أنهم المسلمون ، وهو قول الجمهور .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29-09-2022, 12:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (343)
صــ 501 إلى صــ 509




والثاني : أنهم أهل مكة المشركون ، لما اشتدت مجاعتهم ، كلم رؤساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت عاديت الرجال ، فما بال النساء والصبيان ؟! فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أن يحملوا الطعام إليهم ، حكاه الثعلبي ، وذكر نحوه الفراء ، وهذه الآية والتي تليها مفسرتان في (البقرة :172،173) .
[ ص: 502 ] ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم

قوله تعالى : " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب " قال ابن الأنباري : اللام في " لما " بمعنى من أجل ، وتلخيص الكلام : ولا تقولوا : هذه الميتة حلال ، وهذه البحيرة حرام ، من أجل كذبكم ، وإقدامكم على الوصف ، والتخرص لما لا أصل له ، فجرت اللام هاهنا مجراها في قوله : وإنه لحب الخير لشديد [العاديات :8] أي : وإنه من أجل حب الخير لبخيل ، و " ما " بمعنى المصدر ، والكذب منصوب بـ " تصف " ، والتلخيص : لا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب . وقرأ ابن أبي عبلة : " الكذب " قال ابن القاسم : هو نعت الألسنة ، وهو جمع كذوب . قال المفسرون : والمعنى : أن تحليلكم وتحريمكم ليس له معنى إلا الكذب . والإشارة بقوله : " هذا حلال وهذا حرام " إلى ما كانوا يحلون ويحرمون " لتفتروا على الله الكذب " وذلك أنهم كانوا ينسبون ذلك التحليل والتحريم إلى الله تعالى ، ويقولون هو أمرنا بهذا .

وقوله : " متاع قليل " أي : متاعهم بهذا الذي فعلوه قليل .
وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم

قوله تعالى : " وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل " يعني به [ ص: 503 ] ما ذكر في (الأنعام :126) وهو قوله : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " وما ظلمناهم " بتحريمنا ما حرمنا عليهم ، " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " بالبغي والمعاصي .

قوله تعالى : " ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة " قد شرحناه في سورة (النساء :17) ، وشرحنا في (البقرة :160) التوبة والإصلاح ، وذكرنا معنى قوله : " من بعدها " آنفا .
إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين

قوله تعالى : " إن إبراهيم كان أمة " قال ابن الأنباري : هذا مثل قول العرب : فلان رحمة ، وفلان علامة ، ونسابة ، ويقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه ، والعرب قد توقع الأسماء المبهمة على الجماعة ، وعلى الواحد ، كقوله : فنادته الملائكة [آل عمران :39] ، وإنما ناداه جبريل وحده .

وللمفسرين في المراد بالأمة هاهنا ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الأمة : الذي يعلم الخير ، قاله ابن مسعود ، والفراء ، وابن قتيبة .

والثاني : أنه المؤمن وحده في زمانه ، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والثالث : أنه الإمام الذي يقتدى به ، قاله قتادة ، ومقاتل ، وأبو عبيدة ، وهو في معنى القول الأول . فأما القانت فقال ابن مسعود : هو المطيع . وقد شرحنا " القنوت " في (البقرة 116،238) وكذلك الحنيف [البقرة :135] .

[ ص: 504 ] قوله تعالى : " ولم يك " قال الزجاج : أصلها : لم يكن ، وإنما حذفت النون عند سيبويه ، لكثرة استعمال هذا الحرف ، وذكر الجلة من البصريين أنها إنما احتملت الحذف ، لأنه اجتمع فيها كثرة الاستعمال ، وأنها عبارة عن كل ما يمضي من الأفعال وما يستأنف ، وأنها قد أشبهت حروف اللين ، وأنها تكون علامة كما تكون حروف اللين علامة ، وأنها غنة تخرج من الأنف ، فلذلك احتملت الحذف .

قوله تعالى : " شاكرا لأنعمه " انتصب بدلا من قوله : " أمة قانتا " وقد ذكرنا واحد الأنعم آنفا ، وشرحنا معنى " الاجتباء " في (الأنعام :87) قال مقاتل : والمراد بالصراط المستقيم هاهنا : الإسلام .

قوله تعالى : " وآتيناه في الدنيا حسنة " فيها ستة أقوال :

أحدها : أنها الذكر الحسن ، قاله ابن عباس . والثاني : النبوة ، قاله الحسن .

والثالث : لسان صدق ، قاله مجاهد . والرابع : اجتماع الملل على ولايته ، فكلهم يتولونه ويرضونه ، قاله قتادة . والخامس : أنها الصلاة عليه مقرونة بالصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل بن حيان . والسادس : الأولاد الأبرار على الكبر ، حكاه الثعلبي . وباقي الآية مفسر في (البقرة :130) .
ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

قوله تعالى : " ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم " ملته : دينه .

وفيما أمر باتباعه من ذلك قولان :

أحدهما : أنه أمر باتباعه في جميع ملته ، إلا ما أمر بتركه ، وهذا هو الظاهر .

[والثاني : اتباعه في التبرؤ من الأوثان ، والتدين بالإسلام ، قاله [ ص: 505 ] أبو جعفر الطبري] .

وفي هذه الآية دليل على جواز اتباع المفضول ، لأن رسولنا أفضل الرسل ، وإنما أمر باتباعه ، لسبقه إلى القول بالحق .
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون

قوله تعالى : " إنما جعل السبت " أي : إنما فرض تعظيمه وتحريمه ، وقرأ الحسن وأبو حيوة : " إنما جعل " بفتح الجيم والعين " السبت " بنصب التاء " على الذين اختلفوا فيه " والهاء ترجع إلى السبت .

وفي معنى اختلافهم فيه قولان :

أحدهما : أن موسى قال لهم : تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوما ، فاعبدوه في يوم الجمعة ، ولا تعملوا فيه شيئا من صنيعكم ، فأبوا أن يقبلوا ذلك ، وقالوا : لا نبتغي إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق ، وهو يوم السبت ، فجعل ذلك عليهم ، وشدد عليهم فيه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال مقاتل : لما أمرهم موسى بيوم الجمعة ، قالوا : نتفرغ يوم السبت ، فإن الله لم يخلق فيه شيئا ، فقال : إنما أمرت بيوم الجمعة ، فقال أحبارهم : انتهوا إلى أمر نبيكم ، فأبوا ، فذلك اختلافهم ، فلما رأى موسى حرصهم على السبت ، أمرهم به ، فاستحلوا فيه المعاصي . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : رأى موسى رجلا يحمل قصبا يوم السبت ، فضرب عنقه ، وعكفت عليه الطير أربعين صباحا . وذكر ابن قتيبة في " مختلف الحديث " : أن الله تعالى بعث موسى بالسبت ، ونسخ السبت بالمسيح .

والثاني : أن بعضهم استحله ، وبعضهم حرمه ، قاله قتادة .
[ ص: 506 ] ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين

قوله تعالى : " ادع إلى سبيل ربك " قال ابن عباس : نزلت مع الآية التي بعدها ، وسنذكر هناك السبب . فأما السبيل ، فقال مقاتل : هو دين الإسلام .

وفي المراد بالحكمة ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها القرآن ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الفقه ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثالث : النبوة ، ذكره الزجاج .

وفي " الموعظة الحسنة " قولان :

أحدهما : مواعظ القرآن ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الأدب الجميل الذي يعرفونه ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

قوله تعالى : " وجادلهم " في المشار إليه قولان :

أحدهما : أنهم أهل مكة ، قاله أبو صالح . والثاني : أهل الكتاب ، قاله مقاتل .

وفي قوله : " بالتي هي أحسن " ثلاثة أقوال :

أحدها : جادلهم بالقرآن . والثاني : بـ " لا إله إلا الله " روي القولان عن ابن عباس . والثالث : جادلهم غير فظ ولا غليظ ، وألن لهم جانبك ، قاله الزجاج . وقال بعض علماء التفسير : وهذا منسوخ بآية السيف .

قوله تعالى : " إن ربك هو أعلم " المعنى : هو أعلم بالفريقين ، فهو يأمرك فيهما بما فيه الصلاح .
[ ص: 507 ] وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

قوله تعالى : " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " في سبب نزولها قولان :

أحدهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على حمزة ، فرآه صريعا ، فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه ، فقال : " والله لأمثلن بسبعين منهم " ، فنزل جبريل ، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف ، بقوله : " وإن عاقبتم . . " إلى آخرها ، فصبر رسول الله وكفر عن يمينه ، قاله أبو هريرة . وقال ابن عباس : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة قد شق بطنه ، وجدعت أذناه ، فقال : " لولا أن تحزن النساء ، أو تكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير ، ولأقتلن مكانه سبعين رجلا منهم " فنزل قوله : " ادع إلى سبيل ربك " إلى قوله : " وما صبرك إلا بالله " . وروى الضحاك عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : " لئن ظفرت بقاتل حمزة لأمثلن به مثلة تتحدث بها العرب " ، وكانت هند وآخرون معها قد مثلوا به ، فنزلت هذه الآية .

والثاني : أنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون ، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة ، ومثلوا بقتلاهم ، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما من الدهر ، لنزيدن على عدتهم مرتين ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبي بن كعب . [ ص: 508 ] وروى أبو صالح عن ابن عباس أن المسلمين قالوا : لئن أمكننا الله منهم ، لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات ، فنزلت هذه الآية . يقول : إن كنتم فاعلين ، فمثلوا بالأموات ، كما مثلوا بأمواتكم . قال ابن الأنباري : وإنما سمى فعل المشركين معاقبة وهم ابتدؤوا بالمثلة ، ليزدوج اللفظان ، فيخف على اللسان ، كقوله : وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى :40] .

فصل

واختلف العلماء ، هل هذه [الآية] منسوخة ، أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : أنها نزلت قبل (براءة) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل من قاتله ، ولا يبدأ بالقتال ، ثم نسخ ذلك ، وأمر بالجهاد ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، فعلى هذا يكون المعنى : " ولئن صبرتم " عن القتال ، ثم نسخ هذا بقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة :5] .

والثاني : أنها محكمة ، وإنما نزلت فيمن ظلم ظلامة ، فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما ناله الظالم منه ، قاله مجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وابن سيرين ، والثوري ، وعلى هذا يكون المعنى : ولئن صبرتم عن المثلة ، لا عن القتال .

قوله تعالى : " واصبر وما صبرك إلا بالله " أي : بتوفيقه ومعونته . وهذا أمر بالعزيمة .

وفي قوله : " ولا تحزن عليهم " قولان :

أحدهما : على كفار مكة إن لم يسلموا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : ولا تحزن على قتلى أحد ، فإنهم أفضوا إلى رحمة الله ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري .

[ ص: 509 ] قوله تعالى : " ولا تك في ضيق " قرأ الأكثرون بنصب الضاد ، وقرأ ابن كثير : " في ضيق " بكسر الضاد هاهنا وفي (النمل :70) . قال الفراء : الضيق بفتح الضاد : ما ضاق عنه صدرك ، والضيق : ما يكون في الذي يضيق ويتسع ، مثل الدار والثوب وأشباه ذلك . وقال ابن قتيبة : الضيق : تخفيف ضيق ، مثل : هين ولين ، وهو ، إذا كان على هذا التأويل : صفة ، كأنه قال : لا تك في أمر ضيق من مكرهم . قال : ويقال : مكان ضيق وضيق ، بمعنى واحد ، كما يقال : رطل ورطل ، وهذا أعجب إلي . فأما مكرهم المذكور هاهنا ، فقال أبو صالح عن ابن عباس : فعلهم وعملهم .

قوله تعالى : " إن الله مع الذين اتقوا " ما نهاهم عنه ، وأحسنوا فيما أمرهم به ، بالعون والنصر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 544.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 538.33 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.08%)]