|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (331) صـ 295 إلى صـ 304 [وهذه أحاديث كثيرة مستفيضة متواترة عند أهل العلم بالحديث، ولا يقولون: إنا نقف في الأحكام المطلقة، بل نعلم أن الله يدخل النار من يدخله من أهل الكبائر] [1] ، وناس آخرون لا يدخلونها لأسباب. لكن تنازعوا: هل يكون الداخلون بسبب اقتضى ذلك، كعظم [2] الذنوب وكثرتها، والذين لم يدخلوها بسبب منع ذلك، كالحسنات المعارضة ونحوها؟ وأنه - سبحانه وتعالى - يفعل ما يفعله بحكمة وأسباب؟ أم قد يفرق بين المتماثلين بمحض المشيئة، فيعذب الشخص ويعفو عمن هو مثله من كل وجه بمحض المشيئة؟ هذا لهم فيه قولان والنصوص وأقوال السلف توافق الأول. وإنما قد نقف في الشخص المعين ; فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم، لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به، لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء. ولهم في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال: منهم من لا يشهد بالجنة لأحد إلا للأنبياء. وهذا قول محمد ابن الحنفية والأوزاعي. والثاني: أنه يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه نص. وهذا قول كثير من أهل الحديث. والثالث: يشهد بالجنة لهؤلاء ولمن شهد له المؤمنون. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«أنتم شهداء الله في الأرض»" [3] . وقال: "«يوشك أن" (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. (2) كعظم: كذا في (ب) فقط، وهو صواب، وفي سائر النسخ: لعظم. (3) سبق الحديث فيما مضى 3/498 وأوله: (وجبت) تعلموا أهل الجنة من أهل النار "قالوا: بم يا رسول الله؟ قال:" بالثناء الحسن والثناء السيئ» "[1] فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة وأهل النار. وكان أبو ثور يقول:" أشهد أن أحمد بن حنبل في الجنة "ويحتج بهذا. وبسط هذه المسألة له موضع آخر." والإيمان عندهم يتفاضل، فيكون إيمان أكمل من إيمان. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»" [2] فيقولون: قوله: {إنما يتقبل الله من المتقين} [سورة المائدة: 27] أي ممن اتقاه في ذلك العمل، ليس المراد به الخلو من الذنوب، ولا مجرد الخلو من الشرك، بل من اتقاه في عمل قبله منه وإن كانت له ذنوب أخرى، بدليل قوله: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} [سورة هود: 114] فلو كانت الحسنة لا تقبل من صاحب السيئة لم تمحها. وقد ثبت بالكتاب والسنة المتواترة [3] الموازنة بين الحسنات والسيئات، فلو كانت الكبيرة تحبط الحسنات لم تبق حسنة توزن معها. (1) سبق الحديث فيما مضى 3/498 (2) الحديث عن أبي هريرة وعائشة - رضي الله عنهما -، في: سنن أبي داود 4/304 كتاب السنة باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، سنن الترمذي 2/315 كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، 4/122 كتاب الإيمان، باب في استكمال الإيمان والزيادة والنقصان، وقال الترمذي عن حديث أبي هريرة: وفي الباب عن عائشة وابن عباس، حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والحديث أيضا في سنن الدارمي 2/323 كتاب الرقاق، باب في حسن الخلق، "المسند" (ط. المعارف) 13/133، (ط. الحلبي) 2/472، 527، 6/47، 99 (3) المتواترة: زيادة في (ب) فقط. وقد ثبت في الصحيحين «أن بغيا سقت كلبا فغفر الله» [1] لها بسقيه [2] . قالوا: وابنا آدم لم يكن أحدهما مشركا، ولكن لم يقصد التقرب إلى الله بالطيب من ماله، كما جاء في الأثر. فلهذا لم يتقبل الله قربانه. وقد قال - تعالى - في حق المنافقين: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} [سورة التوبة: 54] فجعل هذه موانع قبول النفقة دون مطلق الذنوب. قال أهل الحديث والسنة [3] : ومن نفى عنه الإيمان فلأنه ترك بعض واجباته. والعبادة ينفى اسمها بنفي بعض واجباتها، لأنها لم تبق كاملة، ولا يلزم من ذلك أن لا يبقى منه شيء، بل قد دلت النصوص على أنه يبقى بعضه، ويخرج من النار من بقي معه بعضه. ومعلوم أن العبادات فيها واجب كالحج، فيه واجب إذا تركه كان حجه ناقصا، يأثم بما ترك، ولا إعادة عليه، بل يجبره بدم، كرمي الجمار، وإن لم يجبره بقي في ذمته. فكذلك الإيمان ينقص بالذنوب، فإن تاب عاد، وإلا بقي ناقصا نقصا يأثم به. وقد يحرم في الحج أفعال إذا فعلها (1) الله: في (ن) ، (م) فقط. (2) الحديث مع اختلاف في اللفظ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في: البخاري 4/173 (كتاب الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان. . . .) ، ونصه فيه: (بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به) والموق: الخف. والحديث في مسلم 4/1761 كتاب السلام، باب فضل ساقي المحترمة وإطعامها، وأوله فيه: (إن امرأة بغيا. . . إلخ) "المسند" (ط. الحلبي) 2/507 (3) والسنة: ساقطة من (ح) ، (ب) . نقص حجه ولم يبطل، كالتطيب ولبس الثياب، بل يجبر ذلك ولا يفسده من المحرمات إلا الجماع. فكذلك لا يزيل الإيمان كله إلا الكفر المحض، الذي لا يبقى مع صاحبه شيء من الإيمان. قالوا: وهذا هو الذي يحبط جميع الأعمال. وأما ما دون ذلك فقد يحبط بعض العمل، كما في آية المن والأذى ; فإن ذلك يبطل تلك الصدقة، لا يبطل سائر أعماله [1] . والذين كرهوا ما أنزل الله كفار، وأعمال القلوب، مثل حب الله ورسوله، وخشية الله، ونحو ذلك، كلها من الإيمان. وكراهة ما أنزل الله كفر. وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله. وقد قال - تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} [سورة المجادلة: 22] . وقوله في السابق والمقتصد والظالم لنفسه: {جنات عدن يدخلونها} [سورة الرعد: 23] لا يمنع أن يكون الظالم لنفسه قد عذب قبل هذا ثم يدخلها. وقوله: {لا يصلاها إلا الأشقى} [سورة الليل: 15] لا يخلو إما أن يكون المراد بالصلي نوعا من التعذيب ; كما قيل: إن الذي تصليه النار هو الذي تحيط به، وأهل القبلة لا تحرق النار منهم مواضع السجود، أو تكون نارا مخصوصة. وقوله: {يخوف الله به عباده} [سورة الزمر: 16] كقول النبي - صلى الله (1) الإشارة هنا إلى آية 264 من سورة البقرة، (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) الآية. عليه وسلم - في الشمس والقمر: "«إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده»" [1] . وقد قال تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} [سورة الإسراء: 59] والآيات التي خوف الله بها عباده [2] تكون سببا في شر ينزل بالناس، فمن اتقى الله بفعل ما أمر به وقي ذلك الشر. ولو كان مما لا حقيقة له أصلا لم يخف أحد إذا علم أنه لا شر في الباطن، وإنما يبقى التخويف للجاهل الفدم [3] كما يفزع الصبيان بالخيال. وقد قال - تعالى: {ذلك يخوف الله به عباده ياعباد فاتقون} [سورة الزمر: 16] فخوف العباد مطلقا، وأمرهم بتقواه، لئلا ينزل المخوف، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، والإنذار هو الإعلام بما يخاف منه، وقد وجدت المخوفات في الدنيا، وعاقب الله على الذنوب أمما كثيرة، كما قصه في كتابه، وكما شوهد من الآيات، وأخبر عن دخول أهل النار النار في غير موضع من القرآن. وقال - تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [سورة فاطر: 28] ولو كان الأمر كما يتوهمه الجاهل لكان إنما يخشاه من عباده الجهال الذين (1) الحديث بلفظ مقارب عن أبي بكرة، وأبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنهما - في: البخاري 2/36 كتاب الكسوف باب يخوف الله عباده بالكسوف، مسلم 2/628 كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف، وجاء الحديث بمعناه عن عدد من الصحابة وبألفاظ مختلفة في الكسوف في كل من البخاري ومسلم، وفي مواضع أخرى في البخاري، وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والمسند والموطأ. (2) عباده: زيادة في (ح) ، (ب) . (3) في اللسان: الفدم من الناس: العيي عن الحجة والكلام مع ثقل ورخاوة وقلة فهم. يتخيلون ما لا حقيقة له. وهذا كله [1] مبسوط في موضعه، وإنما الغرض هنا التمثيل بأقوال المختلفين [2] التي كلها باطلة. ومثال ذلك: إذا تنازع في القدر القدرية من المعتزلة وغيرهم، والقدرية المجبرة [3] من الجهمية وغيرهم، فقالوا جميعا: إرادة الله هي محبته وهي رضاه [4] . ثم قالت المعتزلة: وهو سبحانه يحب الإيمان والعمل الصالح، ويكره الكفر والفسوق والعصيان، فلا يكون مريدا له. قالوا: والدليل على ذلك قوله: {ولا يرضى لعباده الكفر} [سورة الزمر: 7] وقوله: {إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} [سورة النساء: 10] ، وقوله: {والله لا يحب الفساد} [سورة البقرة: 205] . والفقهاء متفقون على أن أفعال البر تنقسم إلى واجب ومستحب، والمستحب هو ما أحبه الله ورسوله، وأن المنهي عنه [5] كله مكروه، كرهه الله ورسوله. والكراهة نوعان: كراهة تحريم، وكراهة تنزيه. وقد قال - تعالى - لما ذكر المحرمات: {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} [سورة الإسراء: 38] . وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«إن الله يكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة" (1) كله: ساقطة من (ن) ، (م) . (2) ن، م: التمثيل بين أقوال المختلفين، ي: التمثيل وأقوال المختلفين. (3) ن: والجهمية المجبرة. (4) ب: هي محبته ورضاه، و: هي تحببه وهي رضاه. (5) عنه: زيادة في (ب) فقط. المال» "[1] وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال:" «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب» "[2] قالوا: فهذا دليل على أنه يكون في العالم ما هو مكروه لله، [فلا يكون مرادا لله] [3] فيكون في العالم ما لا يريده الله، وهو ما لم يأمر الله به أو ينه عنه [4] ." قالوا: والأمر لا يعقل أمرا إلا بإرادة الآمر لما أمر به من المأمور، ومن قدر أن الآمر يطلب المأمور به طلبا لا يكون إرادة ولا مستلزما للإرادة، فهذا قد ادعى ما يعلم فساده بالضرورة، وما يحتج به من التمثيل بأمر الممتحن، فذاك لم يكن طالبا [5] للمأمور به، ولا مريدا له في الباطن، بل أظهر أنه مريد طالب. [وقالوا] [6] : قد قال الله - تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [سورة البقرة: 185] . (1) سبق الحديث فيما مضى 3/159 ولفظه إن الله كره (2) هذا جزء من حديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في: البخاري 8/49 كتاب الأدب، باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب ولفظه فيه: "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان" . وجاء الحديث مرة أخرى في البخاري 8/50 كتاب الأدب، باب إذا تثاءب فليضع يده على فيه، وهو في سنن الترمذي 4/180 - 181 كتاب الأدب باب ما جاء في خفض الصوت وتخمير الوجه عند العطاس، المسند (ط. المعارف) 14/31 - 33 وانظر تعليق المحقق، 18/151 (ط. الحلبي) 2/571. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) (4) ن، م: أو نهى عنه (5) م: طلبا. (6) وقالوا: ساقطة من (ن) ، (م) وقال تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} [سورة المائدة: 6] . وقال - تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم - والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما - يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} [سورة النساء: 26 - 28] . وقال الله - تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب: 33] . فهذه المرادات كلها قد أمر بها عباده، فمنهم من أطاع، ومنهم من عصى، فعلم أنه قد يريد من العباد ما لا يفعلونه، كما يأمرهم [1] بما لا يفعلونه. قالت القدرية الجبرية من الجهمية، ومن اتبعهم: بل إرادته - تعالى - تتناول ما وجد دون ما لم يوجد، فإن المسلمين متفقون على قولهم: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولأن إرادة ما علم أنه لا يكون تمن. وقد قال سبحانه: {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [سورة إبراهيم: 27] ، فكل ما يشاؤه فقد فعله. وقال تعالى: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [سورة السجدة: 13] فعلم أنه لم يشأ ذلك، فلم يرد هدى كل أحد، وإن كان قد أمر به. (1) ح، ر، ي: كما أمرهم وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [سورة الأنعام: 125] ، فعلم أنه يريد الإضلال، كما يريد شرح الصدر للإسلام. وقال نوح: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} [سورة هود: 34] ، فدل على أنه يريد إغواء من غوى. وقد قال - تعالى: {الله خالق كل شيء} [سورة الرعد: 16] ، فكل ما وجد من أفعال [العباد] [1] . وغيرها فإن الله خالقه. [قالوا] [2] : وما أراده فقد أحبه ورضيه، وقوله: {لا يحب الفساد} [سورة البقرة: 205] أي: ممن لم يفسد، أو لا يحبه دينا [3] . وكذلك قوله: {ولا يرضى لعباده الكفر} [سورة الزمر: 7] أي: ممن لم يكفر، أو لا يرضاه [4] دينا، كما أنه لا يحب الإيمان ممن لم يؤمن، أو لا يحبه غير دين. قال المنازعون لهم من المعتزلة وغيرهم: فقد قال: {إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} [سورة النساء: 108] . وأولئك منافقون، وذاك القول محرم عليهم، وهو واقع منهم، وقد أخبر أنه لا يرضاه، فعلم أنه [5] . ما وقع من المعاصي لا يرضاه. وكذلك قوله: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر} (1) العباد: ساقطة من (ن) (2) قالوا: ساقطة من (ن) (3) ن: ولا يحبه. (4) ن: ولا يرضاه. (5) ب فقط: أن [سورة الزمر: 7] : أخبر أنه لا يرضاه بتقدير وقوعه، ولا يقال: إنه يرضى كل موجود. وقولكم: لا يرضاه دينا، فالرضا في كتاب الله متعلق بنفس الفعل، [لا بشيء] [1] محذوف، وكونه لا يرضاه دينا عندكم، معناه: لا يريد أن يثيب صاحبه عليه، ومعلوم أن إبليس والشياطين لا يرضونه دينا بهذا الاعتبار، مع أن إبليس يرضى الكفر ويختاره، فإنه قد يحب ما يبغضه الله ويبغض ما يحبه [الله] [2] ليغوي الناس بذلك. قال الله تعالى عنه: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا} [سورة الكهف: 50] وقال تعالى: {ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين - وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} [سورة يس: 60 - 61] . قالوا: والأمة متفقة على أن الله - سبحانه - يحب الإيمان والعمل الصالح، ويحب المتقين والمحسنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب المقسطين، ولا يحب المعاصي ولا يرضاها. واحتجاجنا بهذا الإجماع أقوى من احتجاجكم بقولهم [3] : "ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن" فإنهم كلهم يقولون: إن الصلاة والصدقة والأعمال الصالحة يرضاها الله ورسوله، ويحبها الله ورسوله، ويقولون عن الفواحش والظلم: هذا لا يرضاه الله ورسوله، ولا يحبه الله ورسوله. (1) لا بشيء: ساقطة من (ن) (2) لفظ الجلالة ليس في (ن) (3) ح، ب: بقول، و: بقوله
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (332) صـ 305 إلى صـ 314 فأنتم خالفتم الكتاب والسنة والإجماع في قولكم: إن كل ما وقع من الكفر [والفسوق] [1] والعصيان فإن الله يحبه ويرضاه. قالت القدرية المجبرة من الجهمية وغيرهم: أنتم تقولون: إن الله لم يختص المؤمنين بنعمة اهتدوا بها، بل نعمته على الكفار والمؤمنين في الإيمان سواء، وهذا خلاف الشرع [والعقل] [2] ; فإن الله تعالى يقول: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} [سورة الحجرات: 7] . وقال تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} [سورة الحجرات: 17] . وقال تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} [سورة الأنعام: 53] ، وقال: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا} [سورة النور: 21] . وقال تعالى: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [سورة الأنفال: 24] . وقال الخليل - عليه السلام: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [سورة البقرة: 128] . وقال: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} [سورة إبراهيم: 35 - 36] ، وقال تعالى: {لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [سورة التكوير: 28 - 29] . (1) والفسوق: ساقطة من (ن) ، (م) ، وفي (و) : الفسق (2) والعقل: ساقطة من (ن) فقط وقال: {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} [سورة المزمل: 19] . [وقال] [1] : {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما} [سورة الإنسان: 30] . وقال: {فمن شاء ذكره - وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة} [سورة المدثر: 55 - 56] . وقد أمرنا أن نقول في الصلاة: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [سورة الفاتحة: 6 - 7] . والذين أنعم الله عليهم: هم [2] المذكورون في قوله - تعالى: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [سورة النساء: 69] . والإنعام المطلق إنما يدخل فيه المؤمنون، فدل ذلك على [أن] الطاعة [3] الحاصلة من المؤمنين هو الذي أنعم بها، ولو كانت نعمته عليهم كنعمته على الكفار لكان الجميع من المنعم عليهم، أهل الصراط المستقيم. وقوله تعالى: {غير المغضوب عليهم} [سورة الفاتحة: 7] صفة لا استثناء [4] ; لأنه خفض "غير" كما تقول العرب: إني لأمر بالصادق غير (1) وقال: في (ح) ، (ب) فقط (2) هم: ساقطة من (ح) ، (ب) (3) ن: فدل ذلك على الطاعة، م: فدل ذلك إنما الطاعة (4) ن، م: صفة الاستثناء الكاذب. فالمغضوب عليهم والضالون لم يدخلوا في المنعم عليهم حتى يخرجوا، بل بين أن هؤلاء مغايرون لأولئك، كمغايرة الصادق للكاذب. وقد قال تعالى: {من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} [سورة الكهف: 17] فدل على أن كل من هداه الله اهتدى، ولو هدى الكافر كما هدى المؤمن لاهتدى. وقال الخليل: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي} [سورة إبراهيم: 40 - 41] فتبين أنه سبحانه هو الذي يجعله مقيم الصلاة. [وقال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} ] [1] [سورة الأنبياء: 73] . وقال تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} [سورة القصص: 41] فهو الذي جعل هؤلاء أئمة هدى وهؤلاء أئمة ضلال. وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم} [سورة آل عمران: 159] فبين أن لينه برحمة من الله. وقال أهل الجنة: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق} [سورة الأعراف: 43] . وقال - تعالى - لما ذكر الأنبياء: {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم - ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} إلى قوله: (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [سورة الأنعام: 87 - 90] فأخبر: أنه يخص بهذا الهدى من يشاء من عباده، وأخبر: أن هؤلاء هم الذين هداهم الله، فعلم أنه خص بهذا الهدى من اهتدى به دون من لم يهتد به [1] ، ودل على تخصيص المهتدين بأنه هداهم ولم يهد من لم يهتد. والهدى يكون بمعنى البيان والدعوة، وهذا يشترك فيه المؤمن والكافر. كقوله - تعالى: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [سورة فصلت: 17] . ويكون بمعنى جعله [2] مهتديا، وهذا يختص بالمؤمنين، وهو المطلوب بقوله: {اهدنا الصراط المستقيم} [سورة الفاتحة: 7] ، وبقوله: {هدى للمتقين} [سورة البقرة: 2] . وذلك أن هدى بمعنى دل وأرشد قد يكون بالقوة، فهذا مشترك، وقد يكون بالفعل فهذا مختص. كما تقول [3] : علمته فتعلم، وعلمته فما تعلم. وكذلك: هديته فاهتدى، وهديته فما اهتدى، فالأول مختص بالمؤمنين، والثاني مشترك. وليس تعليمه وهداه كتعليم البشر بعضهم بعضا، فإن المعلم يقول، والمتعلم يتعلم بأسباب لا يقدر عليها المعلم، والله - تعالى - هو الذي يجعل العلم في قلوب [4] من علمه. ولهذا يطلب منه ذلك فيقال: {اهدنا الصراط المستقيم} ولا يقال ذلك للبشر [5] ; فإنهم لا يقدرون عليه. (1) و: من هدى به دون من لم يهده. (2) ن، م: جعلته (3) ن، م: وهذا مختص بقوله. . (4) ح، ب، ي: في قلب (5) ن، م: لبشر ويطلب العبد من الله أن يفهمه ويعلمه [1] ويشرح صدره، وأن يحبب إليه الإيمان والعمل الصالح، ولا يطلب هذا من غير الله. قال تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} [سورة الزمر: 22] . وقال: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} [سورة الأنعام: 125] . وقال: {ففهمناها سليمان} [سورة الأنبياء: 79] ، فخص سليمان بالتفهيم مع أنهما كانا حاكمين، لم يخص أحدهما بعلم ظاهر، وقال تعالى: {ونفس وما سواها - فألهمها فجورها وتقواها} [سورة الشمس: 7 - 8] . «وكانت أكثر يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "لا ومقلب القلوب»" [2] . وقال: "«ما من قلب من قلوب العباد إلا وهو بين إصبعين من أصابع" (1) ح، ب: أن يعلمه ويفهمه (2) الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما - في البخاري 8/128 - 129 كتاب الأيمان باب كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم - 9/118 كتاب التوحيد، باب مقلب القلوب، سنن الترمذي 3/48 كتاب النذور، باب كيف كان يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -، سنن النسائي 7/3، كتاب الأيمان والنذور باب الحلف بمصرف القلوب، في موضعين، سنن ابن ماجه 1/676 (كتاب الكفارات، باب يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان يحلف بها) ، سنن الدارمي 2/187 كتاب النذور والأيمان، باب بأي أسماء الله حلفت لزمك، الموطأ 2/480 كتاب النذور والأيمان، باب جامع الأيمان، "المسند" (ط. المعارف) 7/17، 215 الرحمن، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه» "[1] ." و [قد] قال [تعالى] في دعاء [2] المؤمنين: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} [سورة آل عمران: 8] . وقال تعالى: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} [سورة الكهف: 39] . وقال: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} [سورة يونس: 99] . وقال: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} [سورة هود: 118] . وقال: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات} [سورة البقرة: 253] . وقال: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [سورة السجدة: 13] . وقال: {ولو شاء ربك ما فعلوه} [سورة الأنعام: 112] . وقال: {ولو شاء الله ما أشركوا} [سورة الأنعام: 107] . وقال: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} (1) الحديث مع اختلاف في اللفظ، عن النواس بن سمعان الكلابي - رضي الله عنه - في: سنن ابن ماجه 1/72 المقدمة باب فيما أنكرت الجهمية، وفي التعليق: في الزوائد إسناده صحيح والحديث في المسند (ط. الحلبي) 4/182 وصححه الألباني في تخريج كتاب السنة لابن أبي عاصم 1/98 - 99 ط. المكتب الإسلامي 1400/1980 وتكلم عليه. (2) ن: وقال في دعاء. . [سورة يس: 8 - 9] . والآيات والنصوص المثبتة للقدر كثيرة جدا، وهذا كله حجة على بطلان قول المعتزلة، وغيرهم من القدرية النافية، فصار مع هؤلاء نصوص يقولون بها، ومع هؤلاء نصوص. وكل من الطائفتين يتأول نصوص الأخرى بتأويلات فاسدة، ويضم إلى النصوص التي يحتج [1] بها أمور لا تدل عليها النصوص. وأما أهل السنة والحديث، من الصحابة والتابعين [لهم بإحسان، وأئمة المسلمين] وعلماء أهل السنة والحديث - رضي الله عنهم - فآمنوا [2] بالكتاب كله، ولم يحرفوا شيئا من النصوص، وقالوا: نحن نقول: "ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن" ونقول: إن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، فكل ما سوى الله مخلوق له [3] ، حادث بمشيئته وقدرته، ولا يكون في ملكه ما لا يشاؤه ويخلقه، فلا يقدر أحد أن يمنع الله عما أراد أن يخلقه ويكونه، فإن الواحد القهار ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده [وهو العزيز الحكيم] ] [4] [سورة فاطر: 2] . وقالوا: إن الله يأمر بالإيمان والعمل الصالح، وينهى عن الكفر والفسوق والعصيان، ويحب كل ما أمر به ويرضاه، ويكره ما نهى عنه (1) ن، م: التي احتج. (2) ن، م: والتابعين وعلماء المسلمين فآمنوا. (3) ن، م: فكل ما سواه مخلوق له. (4) ما بين المعقوفتين زيادة في (ح) ، (ب) . ويسخطه، وهو - سبحانه - لا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر. قالوا: وليس كل ما أمر العباد به وأراد منهم أن يفعلوه، أراد هو أن يخلقه لهم ويعينهم عليه، بل إعانته على الطاعة لمن أمره بها فضل منه كسائر النعم، وهو يختص برحمته من يشاء. والطائفتان غلطوا من حيث أنهم [لم] [1] يميزوا بين إرادته لما يخلقه في عباده، وإرادته لما يأمر به عباده، وقد قال سبحانه: {ألا له الخلق والأمر} [سورة الأعراف: 54] ، فالرب خالق كل شيء، وكل ما خلقه فبإرادته خلقه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما لم يكن لم يرد أن يخلقه، وما كان فقد أراد أن يخلقه، وهو لا يريد [أن يخلق] [2] إلا ما سبق علمه بأنه سيخلقه، فإن العلم يطابق المعلوم. وقد أمر العباد [3] بالحسنات التي تنفعهم، ونهاهم عن السيئات التي تضرهم. والحسنات محبوبة لله مرضية [4] والسيئات مكروهة له يسخطها ويسخط على أهلها، وإن كان الجميع مخلوقا له، فإنه خلق جبريل وإبليس، وهو يحب جبريل ويبغض إبليس، وخلق الجنة والنار، وجعل الظلمات والنور، وخلق الظل والحرور، وخلق الموت والحياة، و [خلق] الذكر والأنثى، و [خلق] الأعمى [5] والبصير. (1) لم: ساقطة من (ن) . (2) أن يخلق: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) . (3) ن، م: عباده. (4) ح، ب: محبوبة مرضية لله. (5) ن، م: والذكر والأنثى والأعمى. . وقد قال: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} [سورة الحشر: 20] . وقال: {وما يستوي الأعمى والبصير - ولا الظلمات ولا النور - ولا الظل ولا الحرور - وما يستوي الأحياء ولا الأموات} [سورة فاطر: 19 - 22] . وقال: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين - ما لكم كيف تحكمون} [سورة القلم: 35 - 36] . وقال: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} [سورة ص: 28] . وقال: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [سورة الجاثية: 21] . وقد خلق الطيبات والخبائث، وليس [1] الطيبات كالخبائث، ولا الفواكه والحبوب كالبول والعذرة، وهو - سبحانه - إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، وهو طيب لا يقبل إلا طيبا، وهو نظيف يحب النظافة، وجميل يحب الجمال، وليس كل ما خلقه يصعد إليه، ويكون [طيبا] [2] محبوبا له مرضيا عنده، بل إنما يسكن في جنته من يناسبها ويصلح لها، وكذلك النار. قال تعالى: {طبتم فادخلوها خالدين} [سورة الزمر: 73] . (1) ب فقط: وليست. (2) طيبا: ساقطة من (ن) فقط. وفي الصحيح أنه إذا عبر أهل الجنة الصراط، وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم [1] من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فلا يدخلون الجنة إلا بعد التهذيب والتنقية [2] كما قال تعالى: {طبتم فادخلوها خالدين} [سورة الزمر: 73] . ولما قال إبليس: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين - قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين} [سورة الأعراف: 12 - 13] ، فبين سبحانه أنه ليس لمن في الجنة أن يتكبر. وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان" [3] قال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا [4] أفمن الكبر ذاك؟ قال: "لا. إن الله جميل يحب" (1) ح، ب: لبعض، م: بعضهم. (2) الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في: البخاري 3/128 (كتاب المظالم والغصب، باب قصاص المظالم. ونصه: "إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد - صلى الله عليه وسلم - بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا" . وجاء الحديث مرة أخرى في: البخاري 8/111 (كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، وهو في المسند (ط. الحلبي) 3/13، 57، 63، 74. (3) مضى هذا الحديث من قبل في هذا الجزء ص 205 (4) ثوبه حسنا ونعله حسنا، كذا في (ح) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: نعله حسنا وثوبه حسنا.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (333) صـ 315 إلى صـ 324 الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس» "[1] وقوله:" «جميل يحب الجمال» "أي: يحب أن يتجمل العبد له ويتزين، كما قال تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} [سورة الأعراف: 31] ." وهو يكره أن يصلي العبد له عريانا، بل يكره - سبحانه - أن تصلي المرأة له مكشوفة الرأس، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار»" [2] . ولهذا [لما] [3] كان المشركون يطوفون بالبيت عراة، ويقولون: إن الله أمرنا بهذا، قال تعالى: {إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} [سورة الأعراف: 28] . فتحسين النعل والثوب لعبادة الله هو من التجمل الذي يحبه الله، ولو تزين [به] [4] لمعصية [5] لم يحب ذلك. والمؤمن الذي نور الله قلبه بالإيمان يظهر نور الإيمان على وجهه، ويكسى محبة ومهابة، والمنافق (1) جمع ابن تيمية بين الحديث السابق وهذا الحديث، والرواية الصحيحة فيها قطعة من الحديث السابق فقط، هي: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) وسبق الحديث فيما مضى 3/161. (2) الحديث بلفظ: (لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار) عن عائشة - رضي الله عنها -، في سنن الترمذي 1/234 (كتاب الصلاة، باب ما جاء لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار) . وقال الترمذي: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، حديث عائشة حديث حسن" ، وجاء الحديث بلفظ: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" في سنن ابن ماجه 1/213 - 214 كتاب الطهارة، باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار. والحديث في المسند (ط. الحلبي) 6/218، 259 (3) لما: ساقطة من (ن) ، (م) . (4) به: ساقطة من (ب) فقط، وفي (و) : ولو تجمل به. (5) ح، ر، ي: لمعصيته، ب: لمعصية له. بالعكس. وأما الصورة المجردة، سواء كانت حسنة مشتهاة، كشهوة الرجال للنساء، والنساء للرجال، أو لم تكن مشتهاة، فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»" [1] ، ويقال: ولا إلى لباسكم. وقد قال - تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا - وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا} [سورة مريم: 73 - 74] ، والأثاث: اللباس والمال. والرئي: المنظر والصورة. وقال - تعالى - [عن المنافقين] [2] : {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون} [سورة المنافقون: 4] ، فبين أن لهم أجساما ومناظر، قال ابن عباس: كان ابن أبي جسيما، فصيحا، طلق [3] اللسان. قال المفسرون: وصفهم الله بحسن الصورة وإبانة المنطق، ثم أبان أنهم في عدم الفهم والاستغفار بمنزلة الخشب المسندة الممالة إلى الجدار، والمراد أنها ليست بأشجار تثمر [4] ، [بل هي خشب مسندة إلى (1) الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في: مسلم 4/1987 (كتاب البر، باب تحريم ظلم المسلم) سنن ابن ماجه 2/1388، كتاب الزهد، باب القناعة، "المسند" (ط. المعارف) 14/277 رقم 7814 (ط. الحلبي) 2/539 (2) عن المنافقين: ساقطة من (ن) . (3) و: ذلق (4) م: مثمرة، و: وثمر. حائط] [1] ، ثم عابهم بالجبن فقال: {يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون} أي: لا يسمعون صوتا إلا ظنوا أنهم قد أتوا، لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله أسرارهم. فصاحب الصورة الجميلة إذا كان من أهل هذه الأعمال التي يبغضها الله، كان الله يبغضه ولا يحبه لجماله، فإن الله لا ينظر إلى صورته، وإنما ينظر إلى قلبه وعمله. ويوسف الصديق، وإن كان أجمل من غيره من الأنبياء، وفي الصحيح: "«أنه أعطي شطر الحسن»" [2] ، فلم يكن بذلك أفضل من غيره، بل غيره أفضل منه، كإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد، - صلوات الله عليهم أجمعين - ويوسف، وإن كانت صورته أجمل، فإن إيمان هؤلاء وأعمالهم كانت أفضل من إيمانه وعمله، وهؤلاء أوذوا على نفس الإيمان والدعوة إلى الله، فكان الذين عادوهم معادين لله ورسوله، وكان صبرهم صبرا على توحيد الله وعبادته (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (ر) . (2) في حديث الإسراء الذي رواه مسلم 1/145 - 147 كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فإذا أنا بيوسف - صلى الله عليه وسلم - إذا هو قد أعطي شطر الحسن، وجاء الحديث عن أنس - رضي الله عنه - بلفظ: أعطي يوسف - عليه الصلاة والسلام - شطر الحسن. في المسند (ط. الحلبي) 3/286 المستدرك للحاكم 2/570 وقال: يوسف وأمه شطر الحسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وتكلم الألباني على الحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/470 وقال: صحيح على شرط مسلم. وطاعته، وهكذا سائر قصص الأنبياء التي في القرآن. ويوسف - عليه السلام - إنما آذاه إخوته لتقريب أبيه له، حسدا على حظ من حظوظ الأنفس، لا على دين. ولهذا كان صبره على التي راودته، وحبس الذين حبسوه على ذلك، أفضل له من صبره على أذى إخوته، فإن هذا صبر على تقوى الله باختياره حتى لا يفعل المحرم، وذلك صبر على أذى الغير الحاصل بغير اختياره، فهذا من جنس صبر المصاب على مصيبته، وذاك من جنس صبر المؤمن على الذين يأمرونه بالمعاصي، ويدعونه إليها فيصبر على طاعة الله وعن معصيته، ويغلب هواه وشهوته، وهذا أفضل. فأما صبر إبراهيم وموسى وعيسى ونبينا - صلوات الله وسلامه عليهم - على أذى الكفار، وعداوتهم على الإيمان بالله ورسوله، فذاك أفضل من هذا [1] كله، كما أن التوحيد والإيمان أفضل من مجرد ترك الزنا، وكما أن [تلك] [2] الطاعات أعظم، فالصبر عليها وعلى معاداة أهلها أعظم. وأيضا فهؤلاء كانوا يطلبون قتل من يؤمن وإهلاكه بكل طريق، لا يحبون المؤمنين أصلا، بخلاف يوسف فإنه إنما ابتلي بالحبس [3] ، وكانت المرأة تحبه فلم تعاقبه بأكثر من ذلك. وقوله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص} [سورة يوسف: 3] ، سواء كان القصص مصدر قص يقص قصصا، أو كان مفعولا: أي أحسن (1) ن، م: ذلك. (2) تلك: ساقطة من (ن) . (3) ن: بالحسن. المقصوص، فذاك لا يختص بقصة يوسف، بل قصة موسى أعظم منها قدرا وأحسن، ولهذا [كرر] [1] ذكرها في القرآن وبسطها، قال تعالى: {فلما جاءه وقص عليه القصص} [سورة القصص: 25] ولهذا قال: {بما أوحينا إليك هذا القرآن} [سورة يوسف: 3] وقد قرئ: {أحسن القصص} بالكسر، ولا تختص بقصة يوسف، بل كل ما قصه الله فهو أحسن القصص، فهو أحسن مقصوص، وقد قصه الله أحسن قصص. وقوله - صلى الله عليه وسلم: "«إن الله جميل يحب الجمال»" قاله جوابا للسائل في بيان ما يحبه الله من الأفعال وما يكرهه، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "«لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان»" [2] . ومعلوم أن هذا الكبر من كسب العبد الداخل تحت قدرته ومشيئته، وهو منهي عنه ومأمور بضده، فخاف السائل أن يكون ما يتجمل به [3] الإنسان، فيكون أجمل به ممن لم يعمل مثله من الكبر المذموم، فقال: إني أحب أن يكون ثوبي حسنا [ونعلي حسنا] [4] ، أفمن الكبر ذاك؟ وحسن ثوبه ونعله هو مما حصل بفعله وقصده، ليس هو شيئا مخلوقا فيه بغير كسبه كصورته، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم: "«إن الله جميل يحب الجمال»" ففرق بين الكبر الذي يمقته الله، وبين الجمال (1) كرر: ساقطة من (ن) ، وفي (م) أكثر. (2) سبق هذا الحديث قبل صفحات ص 314 (3) ن: ما يتحلى به. (4) ونعلي حسنا: ساقطة من (ن) ، (م) . الذي يحبه الله. ومعلوم أن الله إذا خلق شخصا أعظم من شخص، وأكبر منه في بعض الصفات: إما في جسمه، وإما في قوته، و [إما في] عقله [1] ، وذكائه ونحو ذلك، لم يكن هذا مبغضا، فإن هذا ليس باختيار العبد، بل هذا خلق فيه بغير اختياره، بخلاف ما إذا كان هو متكبرا على غيره، بذلك أو بغيره، فيكون هذا من عمله الذي يمقته الله عليه، كما قال لإبليس: {فما يكون لك أن تتكبر فيها} [سورة الأعراف: 13] . كذلك من خلقه الله حسن اللون معتدل القامة جميل الصورة، فهذا ليس من عمله الذي يحمد عليه أو يذم، أو يثاب [2] أو يعاقب [3] ويحبه الله ورسوله عليه أو يبغضه [عليه، كما أنه إذا كان أسود أو قصيرا، أو طويلا ونحو ذلك، لم يكن هذا من عمله الذي يحمد عليه أو يذم، ويثاب أو يعاقب [4] ، ويحبه الله ورسوله عليه أو يبغضه] [5] ; ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى»" [6] . ولهذا [لما] [7] كان المنافقون لهم جمال في الصورة] وليس في (1) ن، م: قوته وعقله. (2) ب فقط: ويثاب. (3) ن، م، ر، ي: ويعاقب. (4) ي، و، ر: ويذم ويثاب ويعاقب. (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (6) سبق هذا الحديث فيما مضى 4/606 (7) لما: ساقطة من (ن) ، (م) . قلوبهم إيمان، شبههم الله - سبحانه - بالخشب المسندة اليابسة التي لا تثمر، فالخشبة [اليابسة] إذا كانت [لا ثمر فيها] لا تمدح [1] ولو كانت عظيمة، وهكذا الصورة مع القلب [2] ، نعم قد تكون الصورة عونا على الإيمان والعمل الصالح، [كما تكون القوة] والمال [3] وغير ذلك، فيحمد صاحبها إذا استعان بها [4] في طاعة الله وعف عن معاصيه، ويكون حينئذ فيه الجمال الذي يحبه الله ولو كان أسود، وفعل ما يحبه الله من الجمال كان أيضا فيه الجمال الذي يحبه الله. والمقصود هنا ذكر ما يحبه الله ويرضاه، وهو الذي يثاب أصحابه عليه ويدخلون الجنة. ومن المعلوم أن الفرق بين مطلق الإرادة وبين المحبة موجود في الناس وغيرهم، فالإنسان يريد كل ما يفعله باختياره، وإن كان في ذلك ما هو بغيض إليه مكروه له ; يريده لأنه وسيلة إلى ما هو محبوب له، كما يريد المريض تناول [5] الدواء الذي يكرهه ويتألم منه ; لأنه وسيلة إلى ما يحبه من العافية، وإلى زوال ما هو أبغض إليه من الآلام [6] . والجهمية والقدرية إنما لم تفرق بين ما يشاؤه وما يحبه ; لأنهم لا يثبتون لله محبة لبعض الأمور المخلوقة دون بعض، وفرحا بتوبة التائب. وكان أول من أنكر هذا: الجعد بن درهم، فضحى به خالد بن (1) ن: فالخشبة إذا كانت لا تمدح. (2) و: الصور مع القلوب. (3) ن، م: والعمل الصالح والمال. (4) ن، م: إذا اشتغل بها. (5) و: بتناوله. (6) ح، ب: من الألم. عبد الله [القسري] [1] وقال: "ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني [2] مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما، ولا اتخذ إبراهيم خليلا [3] ، تعالى الله عما يقول الجعد [بن درهم] [4] علوا كبيرا" ثم نزل [عن المنبر] [5] فذبحه [6] ، فإنه الخلة من توابع المحبة، فمن كان من أصله: أن الله لا يحب ولا يحب، لم يكن للخلة عنده معنى [7] ، والرسل - صلوات الله عليهم أجمعين - إنما جاءوا بإثبات هذا الأصل، وهو أن الله يحب بعض الأمور المخلوقة [8] ويرضاها [9] ، ويسخط بعض الأمور ويمقتها، وأن أعمال العباد ترضيه [تارة] [10] وتسخطه أخرى. قال تعالى: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 28] . وقال - تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم} [سورة الفتح: 18] . وقال: {فلما آسفونا انتقمنا منهم} [سورة الزخرف: 55] . عن ابن عباس: أغضبونا. قال ابن قتيبة: الأسف الغضب، [يقال: أسفت (1) القسري: ساقطة من (ن) ، (م) (2) ن: يقبل الله ضحاياكم فإني، و: تقبل الله منكم فإني. (3) ن، م، و: لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما. (4) بن درهم: ساقطة من (ن) ، (و) . (5) عن المنبر: في (ح) ، (ر) ، (ب) فقط. (6) سبق الكلام على الجعد بن درهم وعلى هذه الواقعة فيما مضى 1/309 (7) ن: للخلة له معنى. (8) و: ويرضى بها. (9) ن، م: المختلفة. (10) تارة: ساقطة من (ن) . أسفا، أي: غضبت] [1] . وقال الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} [سورة النساء: 93] . و [قد ثبت] في الصحيح [2] من غير وجه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دوية [3] مهلكة عليها طعامه وشرابه، فطلبها فلم يجدها، فقال [4] تحت شجرة ينتظر الموت، فاستيقظ فإذا هو بدابته عليها طعامه وشرابه. فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته»" [5] . والفرح إنما يكون بحصول المحبوب، والمذنب كالعبد الآبق من مولاه الفار منه، فإذا تاب فهو كالعائد إلى مولاه وإلى طاعته. وهذا المثل [6] الذي ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين من محبة الله وفرحه بتوبة العبد، ومن كراهته لمعاصيه، ما يبين أن ذلك أعظم من التمثيل بالعبد الآبق، فإن الإنسان إذا فقد الدابة التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة [7] ، فإنه يحصل عنده ما الله به عليم من التأذي، من جهة فقد الطعام والشراب والمركب، وكون الأرض مفازة لا يمكن الخلاص منها، وإذا طلبها فلم يجدها يئس واطمأن إلى الموت، وإذا استيقظ فوجدها كان عنده من الفرح ما لا يمكن التعبير عنه بوجود [8] ما يحبه (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) . (2) ن، م: وفي الصحيح. (3) ب فقط: داوية. (4) ب: فنام، م: فمال. (5) سبق هذا الحديث فيما مضى 2/430 (6) و: لكن هذا المثل. (7) و: وشرابه في الهلكة. (8) و: بوجوده. ويرضاه، بعد الفقد المنافي لذلك. وهذا يبين من محبة الله للتوبة المتضمنة للإيمان والعمل الصالح، ومن كراهته لخلاف ذلك، ما يرد على منكري الفرق من الجهمية والقدرية، فإن الطائفتين تجعل جميع الأشياء بالنسبة إليه سواء. [ثم] [1] القدرية يقولون: هو يقصد نفع العبد لكون ذلك حسنا، ولا يقصد الظلم لكونه قبيحا، والجهمية يقولون: إذا كان لا فرق بالنسبة إليه بين هذا وهذا، امتنع أن يكون عنده شيء حسن وشيء قبيح، وإنما يرجع ذلك إلى أمور إضافية للعباد. فالحسن بالنسبة إلى العبد ما يلائمه وما ترتب [2] عليه ثواب يلائمه، والقبيح [3] بالعكس، ومن هنا جعلوا المحبة والإرادة سواء، فلو أثبتوا أنه - سبحانه - يحب ويفرح بحصول محبوبه - كما أخبر به الرسول - تبين لهم حكمته، وتبين أيضا أنه يفعل الأفعال لحكمة. فإن الجهمية قالوا: إذا كانت الأشياء بالنسبة إليه سواء، امتنع أن يفعل لحكمة، [والمعتزلة قالوا: يفعل لحكمة] [4] تعود إلى العباد. فقالت لهم الجهمية: [تلك الحكمة] [5] يعود إليه منها حكم [6] أو لا يعود؟ فالأول [7] خلاف الأصل الذي أصلتموه [8] . والثاني ممتنع، فيمتنع أن أحدا يختار الحسن على (1) ثم: ساقطة من (ن) ، (م) . (2) ب: وما يترتب. (3) و: والقبح. (4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. (5) تلك الحكمة: ساقطة من (ن) ، (م) . (6) و: حكمة. (7) فالأول: كذا في (ح) ، (ب) وفي سائر النسخ: والأول. (8) و: أصلوه.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (334) صـ 325 إلى صـ 334 القبيح [1] إن لم يكن له من فعل الحسن معنى يعود إليه، فيكون فعل الحسن يناسبه، بخلاف القبيح. فإذا قدر نفي ذلك امتنع أن يفعل لحكمة. ثم إن هذه الصفة من أعظم صفات الكمال، وكذلك كونه محبوبا لذاته هو [2] أصل دين الرسل، فإنهم كلهم دعوا إلى عبادة الله وحده، وأن لا إله إلا هو، والإله هو المستحق أن يعبد، والعبادة لا تكون إلا بتعظيم ومحبة، وإلا فمن عمل لغيره لعوض [3] يعطيه إياه، ولم يكن يحبه، لم يكن عابدا [له] [4] . وقد قال تعالى: {يحبهم ويحبونه} [سورة المائدة: 54] ، وقال تعالى: {والذين آمنوا أشد حبا لله} [سورة البقرة: 165] ، وهؤلاء الذين ينفون أن الله يحب ويحب آخر أمرهم أنه [5] لا يبقى عندهم فرق بالنسبة إلى الله بين أوليائه وبين أعدائه، ولا بين الإيمان والكفر، ولا بين ما أمر به وما نهى عنه، ولا بين بيوته التي هي المساجد وبين الحانات ومواضع الشرك. وغاية ما يثبتونه من الفرق أن هذا علم على لذة تحصل للإنسان، وهذا علم على ألم يحصل للإنسان [6] ، فإن كانوا [7] من الصوفية الذين (1) و، م: القبح. (2) ح، ب: وهو. (3) ح: لعرض. (4) له: ساقطة من (ن) . (5) عبارة "آخر أمرهم أنه: ساقطة من (و) ." (6) ن، م، ر، ي: يحصل له، وسقطت "للإنسان" من (و) . (7) ح، ر، ب: فإن كان. يجعلون الكمال في فناء العبد عن حظوظه، دخلوا في مقام الفناء في توحيد الربوبية، الذي يقولون فيه: [1] العارف لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة. ويجعلون [2] هذا غاية العرفان، فيبقى عندهم لا فرق بين أولياء الله وأعدائه، ولا بين الإيمان [3] والكفر به، ولا بين حمده والثناء عليه وعبادته، وبين سبه وشتمه، وجعله ثالث ثلاثة، ولا بين رسول الله وبين أبي جهل [4] ، ولا بين موسى وفرعون. وقد بسطنا الكلام على هؤلاء [5] في غير هذا الموضع، وإن كان من المتكلمين الذين يقولون: ما ثم إلا ما هو حظ للعبد من المخلوقات صاروا مسخرين في العبادات مستثقلين لها [6] ، وفي قلوبهم مرتع للشيطان، فإنه يقع لهم: لم لا ينعم بالثواب بدون هذا التكليف [7] ؟ فإذا أجابوا أنفسهم بأن هذا ألذ [8] كان هذا [9] من أبرد الأجوبة وأسمجها [10] . (1) و: الذي فيه يقولون، ح، ب، م: الذين يقولون فيه. (2) ح، ر: ويجعل. (3) ن، و: وبين الإيمان به. (4) ن، م: ولا بين رسول الله وأبي جهل، و: ولا بين محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين أبي جهل. (5) ن، م: على هذا. (6) ن، م: مستقلين لها. (7) ح، ر، ي: التكلف. (8) ح: بأن هذا الذي، وهو تحريف. (9) بعد عبارة "كان هذا" توجد ورقة ناقصة في مصورة (م) وسأشير إلى بداية الكلام الموجود فيها عند موضعه إن شاء الله. (10) وأسمجها: ساقطة من (و) . فإن هذا [إنما] [1] يقال في المناظرين [2] ، وأما رب العالمين فلا أحد إلا [وهو] [3] مقر بفضله وإحسانه، ثم يقال: قد حصل بطلب الألذ من شقاوة الأكثرين، ما كان خلقهم في الجنة ابتداء بلا هذا الألذ أجود لهم، وهو قادر على خلق لذات عظيمة، إلى أمثال هذه الأجوبة. وإن كان من المرجئة، الذين إيمانهم بالوعيد ضعيف، استرسلت نفسه في المحرمات وترك الواجبات، حتى يكون من شر الخلق. بخلاف من وجد حلاوة الإيمان بمحبة الله، وعلمه بأنه يحب العبادات، وأنه يحب أفعالا وأشخاصا، ويبغض أفعالا وأشخاصا، ويرضى عن هؤلاء، ويغضب على هؤلاء، ويفرح بتوبة التائبين، إلى غير ذلك مما أخبر به [4] الرسول، فإن هذا هو الإسلام الذي به يشهد العبد أن لا إله إلا الله. ومن لم يقل بالفرق، فلم يجعل الله معبودا محبوبا، فإنما يشهد [5] أن لا رب إلا هو، والمشركون كانوا يقرون بهذه الشهادة، لم يشهدوا أن لا إله إلا الله [6] ، والرسل - عليهم الصلاة والسلام - بعثوا بتوحيد الألوهية، المتضمن توحيد الربوبية. [وأما توحيد الربوبية] [7] مجردا، فقد كان المشركون يقرون [8] بأن الله [9] وحده [10] خالق السماوات والأرض، كما أخبر الله بذلك عنهم [في (1) إنما: زيادة في (ب) فقط. (2) ب فقط: في المتناظرين. (3) وهو: ساقطة من (ن) . (4) ن: مما جاء به. (5) فإنما يشهد: كذا في (ح) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: فإنما شهد. (6) و: إلا هو. (7) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) . (8) ح، ر: يؤمنون. (9) ن: بالله. (10) وحده: ساقطة من (و) . غير موضع من القرآن] [1] . قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [سورة الزمر: 38] . وقال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [سورة يوسف: 106] . وهذا قد بسطناه في موضع آخر. وهؤلاء يدعون محبة الله في الابتداء، ويعظمون أمر محبته، ويستحبون السماع بالغناء والدفوف والشبابات، ويرونه قربة ; لأن ذلك بزعمهم يحرك محبة الله في قلوبهم، وإذا حقق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبة المشركين لا محبة الموحدين، فإن محبة الموحدين بمتابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله. قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} [سورة آل عمران: 31] . وقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} [سورة التوبة: 24] . وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} [سورة المائدة: 54] . وهؤلاء لا يحققون متابعة الرسول، ولا الجهاد في سبيل الله، بل كثير (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) . منهم - أو أكثرهم - يكرهون متابعة الرسول، وهم من أبعد الناس عن الجهاد في سبيل الله، بل يعاونون [1] أعداءه، ويدعون محبته ; لأن محبتهم من جنس محبة المشركين الذين [2] قال الله فيهم: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [سورة الأنفال: 35] . ولهذا يحبون سماع القصائد أعظم مما يحبون سماع القرآن، ويجتهدون [3] في دعاء مشايخهم، والاستغاثة بهم عند قبورهم، وفي حياتهم في مغيبهم، أعظم مما يجتهدون في دعاء الله، والاستغاثة به في المساجد [والبيوت] [4] . وهذا كله من فعل أهل الشرك ليس من فعل المخلصين لله دينهم، كالصحابة والتابعين [لهم بإحسان] [5] ، فأولئك أنكروا محبته، وهؤلاء دخلوا في محبة المشركين، والطائفتان خارجتان عن الكتاب والسنة. فنفس محبته أصل لعبادته، والشرك في محبته أصل الإشراك في عبادته، وأولئك فيهم شبه من اليهود [6] ، وعندهم كبر من جنس كبر اليهود. وهؤلاء فيهم شبه من النصارى، وفيهم شرك من جنس شرك النصارى. والنصارى ضالون لهم عبادة ورحمة ورهبانية لكن بلا علم، ولهذا يتبعون أهواءهم بلا علم، قال تعالى [: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} (1) ن: يعاقبون، وهو تحريف. (2) الذين ساقطة من (ح) ، (ب) . (3) ن: ومجتهدين. (4) والبيوت ساقطة من (ن) . (5) لهم بإحسان: ساقطة من (ن) . (6) ح، ب: شبه باليهود. [سورة النساء: 171] . وقال تعالى] [1] : {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [سورة المائدة: 77] أي: وسط الطريق، وهي السبيل القصد الذي قال الله فيها: {وعلى الله قصد السبيل} [سورة النحل: 9] ، وهي الصراط المستقيم، فأخبر بتقدم ضلالهم، ثم ذكر صفة ضلالهم. والأهواء هي إرادات النفس [2] بغير علم، فكل من فعل ما تريده نفسه بغير علم يبين أنه مصلحة فهو متبع هواه، والعلم بالذي هو مصلحة العبد عند الله في الآخرة هو [العلم] [3] الذي [جاءت] [4] به الرسل. قال تعالى: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} [سورة القصص: 50] . وقال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} [سورة البقرة: 120] . وقال تعالى: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} [سورة المائدة: 48] . وقال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} [سورة الجاثية: 18] . (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) . (2) ن: النفوس (3) العلم: ساقطة من (ن) ، (و) . (4) جاءت ساقطة من (ن) . [التعليق على كلام بعض الصوفية الذي يتضمن الاتحاد والحلول ووحدة الوجود] ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون أهل الاستقامة يوصون كثيرا بمتابعة العلم ومتابعة الشرع ; لأن كثيرا منهم سلكوا في العبادة لله مجرد [1] محبة النفس وإراداتها وهواها، من غير اعتصام بالعلم الذي جاء به الكتاب والسنة، فضلوا بسبب ذلك ضلالا يشبه ضلال النصارى. ولهذا قال بعض الشيوخ - وهو أبو عمرو بن نجيد [2]: "كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل" ، وقال سهل [3] : "كل عمل بلا اقتداء فهو عيش النفس، وكل عمل باقتداء فهو عذاب على النفس" . وقال أبو عثمان النيسابوري [4] : "من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق" (1) ح، ر، ى، ب: بمجرد. (2) في جميع النسخ: عمرو بن نجيد، وأشار محقق (ب) إلى وجود نسخة عنده فيها: أبو عمرو بن نجد، وهو أبو عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف السلمي، قال أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية ص 454: جدي لأمي، لقي الجنيد وكان أكبر مشايخ وقته، توفي سنة 366 هـ. انظر ترجمته وأقواله في القشيرية 1/171، طبقات الصوفية، ص 454 - 457، الطبقات الكبرى 1/103 طبقات الشافعية 3/222 - 224 المنتظم 7/84 - 85، شذرات الذهب 3/50 (3) أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس التستري، من كبار الصوفية، ولد سنة 200 وتوفي سنة 283، انظر ترجمته وأقواله في طبقات الصوفية ص 206 - 211، الطبقات الكبرى 1/66 - 68، صفة الصفوة 4/46 - 48، شذرات الذهب 2/182 - 184، الأعلام 3/210، والنص التالي في القشيرية 1/85 (وترجمة سهل التستري في القشيرية 1/83 - 85) (4) هو أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور الحيري النيسابوري وأصله من الري، شيخ الصوفية بنيسابور وبها توفي سنة 298 انظر ترجمته وأقواله في: طبقات الصوفية ص 170 - 175، صفة الصفوة 4/85 - 88، الطبقات الكبرى 1/74 - 75، وفيات الأعيان 2/111 - 112 تاريخ بغداد 9/99 - 102 المنتظم 6/106 - 108، الرسالة القشيرية 1/109 - 111 وهذا النص في القشيرية 1/111 بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه [قولا وفعلا] [1] نطق بالبدعة ; لأن الله تعالى يقول {وإن تطيعوه تهتدوا} [سورة النور: 54] ". وقال بعضهم:" ما ترك أحد شيئا من السنة إلا لكبر في نفسه "." وهو كما قالوا، فإنه إذا لم يكن متبعا للأمر الذي جاء به الرسول كان يعمل بإرادة نفسه، فيكون متبعا لهواه بغير هدى من الله، وهذا عيش النفس، وهو من الكبر، فإنه شعبة [2] من قول الذين قالوا: {لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} [سورة الأنعام: 124] . وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياضته واجتهاده في العبادة وتصفية نفسه إلى ما وصلت إليه الأنبياء، من غير اتباع لطريقهم [3] ، وفيهم طوائف يظنون أنهم صاروا أفضل من الأنبياء، وأن الولي [4] الذي يظنون هم أنه الولي أفضل من الأنبياء، وفيهم [5] من يقول: إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء، ويدعي في نفسه أنه خاتم الأولياء، ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون: إن هذا (1) قولا وفعلا: ساقطة من (ن) . (2) ن: شيعة. (3) ح، ب، ي، ر: لطريقتهم. (4) ح، الأولياء. (5) ن، و: ومنهم. الوجود المشهود واجب بنفسه، ليس له صانع مباين له. لكن هذا يقول: هو الله [1] ، وفرعون أظهر الإنكار بالكلية، لكن كان فرعون في الباطن أعرف منهم، فإن كان مثبتا للصانع. وهؤلاء ظنوا [2] أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق، كما يقول ذلك ابن عربي وأمثاله من الاتحادية [3] . والمقصود ذكر من عدل عن العبادات التي شرعها الرسول، إلى عبادات بإرادته وذوقه ووجده ومحبته وهواه، وأنهم صاروا في أنواع من الضلال، [من جنس ضلال] [4] النصارى. ففيهم من يدعي إسقاط وساطة الأنبياء، والوصول إلى الله بغير طريقهم، ويدعي ما هو أفضل من النبوة، ومنهم من يدعي الاتحاد والحلول الخاص: إما لنفسه، وإما لشيخه، وإما لطائفته الواصلين [5] ، إلى حقيقة التوحيد بزعمه [6] . وهذا قول النصارى، والنصارى موصوفون بالغلو وكذلك هؤلاء (1) انظر ما ذكره ابن تيمية في رسالة "في الرد على ابن عربي في دعوى إيمان فرعون" في "جامع الرسائل" 1/203 - 210 وانظر تعليقاتي هناك. (2) و: يظنون. (3) انظر "جامع الرسائل" 1/164 - 167 (4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) . (5) ن: الواصلة. (6) بزعمه: ساقطة من (و) . مبتدعة العباد الغلو فيهم وفي الرافضة، ولهذا يوجد في هذين الصنفين كثير ممن يدعي إما لنفسه وإما لشيخه [الإلهية] [1] ، كما يدعيه كثير من الإسماعيلية [2] لأئمتهم بني عبيد، وكما يدعيه كثير من الغالية: إما للاثنى عشر، وإما لغيرهم من أهل البيت ومن غير أهل البيت، كما تدعيه النصيرية وغيرهم. وكذلك في جنس المبتدعة الخارجين عن الكتاب والسنة من أهل التعبد [والتأله] [3] والتصوف، منهم طوائف من الغلاة يدعون الإلهية، ودعوى ما هو فوق النبوة، وإن كان متفلسفا يجوز وجود نبي بعد محمد، كالسهروردي المقتول في الزندقة [4] ، وابن سبعين [5] ، وغيرهما، صاروا (1) الإلهية: ساقطة من (ن) . (2) و: كما تدعيه الإسماعيلية، وسبق الكلام على الإسماعيلية في الجزء الأول من هذا الكتاب ص [0 - 9] 0 (3) والتأله زيادة في (و) فقط. (4) شهاب الدين أبو الفتوح يحيى بن الحسن بن أميرك السهروردي، المولود بسهرورد سنة 549، وقتل بحلب سنة 587 هـ، وعرف بفلسفته الإشراقية، انظر عنه وعن آرائه: وفيات الأعيان 5/312 - 318 لسان الميزان 3/156 - 158، النجوم الزاهرة 6/114 - 115، الأعلام 9/169 - 170 وانظر: كتاب: "أصول الفلسفة الإشراقية" تأليف الدكتور محمد علي أبي ريان (ط. الأنجلو) القاهرة 1959، الكتاب التذكاري للسهروردي في الذكرى المئوية الثامنة لوفاته، أشرف عليه الدكتور إبراهيم مدكور، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1394/1974 (5) سبقت ترجمته فيما مضى من هذا الكتاب 1/366
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (335) صـ 335 إلى صـ 344 يطلبون النبوة [1] ، بخلاف من أقر بما جاء به الشرع، ورأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره ; فإنه يقول: النبوة ختمت، لكن الولاية لم تختم. ويدعي من [2] الولاية ما هو أعظم من النبوة، وما يكون للأنبياء والمرسلين، وأن الأنبياء يستفيدون منها. ومن هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد، وهم في [3] الحلول والاتحاد نوعان [4] : نوع يقول بالحلول والاتحاد العام المطلق، كابن عربي وأمثاله، ويقولون في النبوة: إن الولاية أعظم منها، كما قال ابن عربي: (1) ذكر ابن تيمية في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 5/22 وصار كل من هؤلاء يدعي النبوة والرسالة، أو يريد أن يفصح بذلك لولا السيف، كما فعل السهروردي المقتول، فإنه كان يقول: لا أموت حتى يقال لي: قم فأنذر. وكان ابن سبعين يقول: لقد زرب ابن آمنة حيث قال: لا نبي بعدي، ويقال: إنه كان يتحرى غار حراء لينزل عليه فيه الوحي. وعلقت على هذا الكلام بقولي: "يقول الدكتور محمد علي أبو ريان في مقدمته لكتاب" هياكل النور "للسهروردي ص 11 ط. التجارية القاهرة 1377/1957 إن علماء حلب سألوا السهروردي أثناء مناقشته في مسجد حلب: هل يقدر الله على أن يخلق نبيا آخر بعد محمد؟ فأجابهم الشيخ بأن:" لا حد لقدرته ". ويقول الدكتور أبو الوفا التفتازاني في مقالة" ابن سبعين وحكيم الإشراق "، ص 296 الكتاب التذكاري لشهاب الدين السهروردي ط. القاهرة 1394/1974 وكذلك الأمر بالنسبة إلى ابن سبعين فإنه في" بد العارف "يصرح بأن النبوة رتبة ممنوعة ولا طمع فيها بوجه من الوجوه، وإن كان في طبع الإنسان أو في طبع جنسه أن توجد له النبوة، فالأنبياء بشر" ، انظر ما ذكره الأستاذان في المرجعين السابقين وما ذكره الدكتور أبو ريان في: أصول الفلسفة الإشراقية، ص 304 - 312 مقدمة كتاب حكمة الإشراق للسهروردي ص 11 - 12 "ط باريس" ، 1952 مجموعة في الحكمة الإلهية للسهروردي، كتاب التلويحات، ص 95 - 113 ط. استانبول، 1945 (2) و: في (3) و: وما يكون للأنبياء، والمرسلون يستفيدون منها، يعني القول بوحدة الوجود، وهم في. (4) و: أنواع. مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي [1] وقال ابن عربي في "الفصوص" [2] : "وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأنبياء، وما يراه أحد من الأنبياء إلا من مشكاة خاتم الأنبياء [3] ، وما يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة خاتم الأولياء [4] ، [حتى إن الرسل إذا رأوه لا يرونه -[إذا رأوه] [5] - إلا من مشكاة خاتم الأولياء] [6] ، فإن الرسالة والنبوة - أعني رسالة التشريع ونبوته [7] - تنقطعان، وأما الولاية فلا تنقطع أبدا [8] . فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء [9] ، فكيف بمن [10] دونهم من الأولياء؟ وإن كان" (1) لم أعثر على هذا البيت، ولكن وجدت بيتا بمعناه في كتاب لطائف الأسرار لابن عربي تحقيق أحمد زكي عطية وطه عبد الباقي سرور، دار الفكر العربي، 1380/1960 ص 49 ونصه: سماء النبوة في برزخ دوين الولي وفوق الرسول وفي الفتوحات المكية 2/252 يقول: بين الولاية والرسالة برزخ فيه النبوة حكمها لا يجهل وانظر الفتوحات 2/52 - 53 (2) في فصوص الحكم 1/62 (3) فصوص الحكم: من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم. (4) فصوص الحكم: ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم. (5) إذا رأوه في (و) ، فقط، وفي "فصوص الحكم" متى رأوه. (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) . (7) فصوص الحكم: أعني نبوة التشريع ورسالته. (8) الفصوص: والولاية لا تنقطع أبدا. (9) ن: الأنبياء، وهو خطأ. (10) الفصوص: من. خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه، ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل، ومن وجه [1] يكون أعلى "." قال [2] : "ولما مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - [النبوة] [3] بالحائط من اللبن، فرآها قد كملت إلا موضع لبنة [4] ، فكان هو - صلى الله عليه وسلم - موضع اللبنة، وأما خاتم [5] الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله النبي - صلى الله عليه وسلم - [6] ، ويرى نفسه في الحائط موضع لبنتين، ويرى نفسه [7] تنطبع [في] [8] موضع [تينك] [9] اللبنتين، فيكمل الحائط [10] ، والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أن الحائط لبنة من ذهب" (1) ن، و: كما أنه من وجه. (2) بعد الكلام السابق بخمسة أسطر 1/63 (3) النبوة: ساقطة من (ن) . (4) الفصوص: من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة. (5) الفصوص: فكان - صلى الله عليه وسلم - تلك اللبنة غير أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يراها إلا كما قال لبنة واحدة، وأما خاتم. (6) الفصوص: فيرى ما مثله به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (7) الفصوص: ويرى في الحائط موضع لبنتين، واللبن من ذهب وفضة، فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة، فلا بد أن يرى نفسه. (8) في: ساقطة من (ن) . (9) تينك: في (و) فقط، وهي في فصوص الحكم. (10) الفصوص: اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين، فيكمل الحائط. ولبنة من فضة، واللبنة الفضة هي ظاهره [1] وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله في السر ما هو في الصورة [2] الظاهرة متبع فيه ; لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى [به] [3] إلى الرسول "." قال [4] : فإن فهمت ما أشرنا إليه [5] ، فقد حصل لك العلم النافع [6] "." قلت: وقد بسطنا الرد على هؤلاء في مواضع، وبينا كشف ما هم عليه من الضلال والخيال، والنفاق والزندقة. وأما الذين يقولون بالاتحاد الخاص، فهؤلاء منهم من يصرح بذلك. وأما من كان عنده علم بالنصوص [الظاهرة] [7] ، ورأى أن هذا يناقض ما عليه المسلمون في الظاهر، فإنه يجعل هذا مما يشار إليه ويرمز به، ولا يباح به. ثم إن كان معظما للرسول والقرآن [ظن أن الرسول] [8] كان يقول بذلك، لكنه لم يبح به ; لأنه مما لا يمكن البشر أن يبوحوا به، وإن كان (1) الفصوص: لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره. (2) الفصوص: بالصورة. (3) به: ساقطة من (ن) . (4) في فصوص الحكم 1/63 بعد الكلام السابق مباشرة. (5) الفصوص: ما أشرت به. (6) الفصوص: النافع بكل شيء. (7) الظاهرة: زيادة في (ب) فقط. (8) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. غير معظم للرسول، زعم أنه تعدى حد الرسول، وهذا الضلال حدث قديما من جهال العباد. ولهذا كان العارفون، كالجنيد بن محمد: سيد الطائفة [1] - قدس الله روحه - [2] لما سئل عن التوحيد قال: "التوحيد إفراد الحدوث عن القدم" [3] فإنه كان عارفا، ورأى أقواما ينتهي بهم الأمر إلى الاتحاد، فلا يميزون بين القديم والمحدث، وكان أيضا [طائفة] [4] من أصحابه وقعوا في الفناء في توحيد الربوبية، الذي لا يميز فيه بين المأمور والمحظور، فدعاهم الجنيد إلى الفرق الثاني، وهو توحيد الإلهية، الذي يميز فيه بين المأمور والمحظور، فمنهم من وافقه، ومنهم من خالفه، ومنهم لم يفهم كلامه. وقد ذكر بعض ما جرى من ذلك أبو سعيد الأعرابي في "طبقات" (1) سيد الطائفة: ساقطة من (و) . (2) ح، ب: سره، وهو أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزار، أصل أبيه من نهاوند، وكان يبيع الزجاج، ولذلك يقال له القواريري، والجنيد إمام الصوفية، وسمي بسيد الطائفة لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، توفي ببغداد سنة 279 وقيل 298 انظر ترجمته وأقواله في: طبقات الصوفية ص 155 - 163، الطبقات الكبرى 1/72 - 74، صفة الصفوة 2/235 - 240، وفيات الأعيان 1/323 - 325، شذرات الذهب 2/228 - 230، طبقات الشافعية 2/260 - 265، الأعلام 2/137 - 138. (3) أورد هذه العبارة ونسبها إلى الجنيد القشيري في الرسالة القشيرية 1/24 - 25 وقال: التوحيد إفراد القدم من الحدث. (4) طائفة ساقطة من (ن) . النساك "[1] وكان من أصحاب الجنيد، ومن شيوخ [2] أبي طالب المكي، [كان] [3] من أهل العلم بالحديث وغيره، ومن أهل المعرفة بأخبار الزهاد وأهل الحقائق." وهذا الذي ذكره الجنيد من الفرق بين القديم والمحدث، والفرق بين المأمور والمحظور، بهما يزول ما وقع فيه كثير من الصوفية من هذا الضلال. ولهذا كان الضلال منهم يذمون الجنيد على ذلك، كابن عربي وأمثاله، فإن له كتابا سماه "الإسرا إلى المقام الأسرى" [4] مضمونه حديث نفس ووساوس [5] شيطان حصلت في نفسه، جعل ذلك معراجا كمعراج الأنبياء [6] ، وأخذ يعيب على الجنيد وعلى غيره من الشيوخ ما ذكروه، وعاب على الجنيد قوله: "التوحيد إفراد الحدوث عن القدم" وقال: قلت له: يا جنيد، ما يميز بين الشيئين إلا من كان خارجا عنهما، وأنت إما (1) ن: أبو سعد الأعرابي، وهو أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي، ولد سنة 246، وكان من أصحاب الجنيد وأبي الحسين النوري، وتوفي سنة 341، وذكر سزكين كتابه "طبقات النساك" ، وقال: أفاد منه أبو نعيم في "حلية الأولياء" والذهبي في "تذكرة الحفاظ" . وانظر ترجمته وأقواله في القشيرية 1/165، طبقات الصوفية، ص 427 - 430، شذرات الذهب 2/354 - 355، حلية الأولياء 10/375 - 376، لسان الميزان 1/308 - 309، الأعلام 1/199 سزكين م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 155 - 156. (2) ن: ومن أصحاب. (3) كان: ساقطة من (ن) . (4) هذا الكتاب لابن عربي ضمن مجموعة رسائل ابن العربي، ط حيدر آباد الدكن 1367/1948 (5) و: ووسوسة. (6) انظر كتاب "الإسرا إلى مقام الأسرى وانظر قوله ص 9 - 10" فبينما أنا نائم، وسر وجودي متهجد قائم، جاءني رسول التوفيق، ليهديني سواء الطريق، ومع براق الإخلاص، عليه لبد الفوز ولجام الإخلاص، فكشف عن سقف محلي، وأخذ في نقضي وحلي، وشق صدري بسكين السكينة، وأسرى بي من حرم الأكوان، إلى قدس الجنان، فربطت البراق بحلقة بابه، وأتيت بالخمر واللبن، فشربت ميراث تمام اللبن، وتركت الخمر، حذرا أن أكشف السر بالسكر. قديم أو محدث، فكيف تميز؟ "[1] ." وهذا جهل منه، فإن المميز بين الشيئين هو الذي يعرف أن هذا غير هذا، ليس من شرطه أن يكون ثالثا، بل كل إنسان يميز بين نفسه وبين غيره وليس هو ثالثا، والرب سبحانه يميز نفسه وبين غيره، وليس هناك ثالث. وهذا الذي ذمه الجنيد - رحمه الله -، وأمثاله من الشيوخ العارفين، وقع فيه خلق كثير، حتى من أهل العلم بالقرآن وتفسيره والحديث والآثار، ومن المعظمين لله ورسوله باطنا وظاهرا، المحبين لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذابين عنها - وقعوا في هذا غلطا لا تعمدا، وهم يحسبون أن هذا نهاية التوحيد. كما ذكر ذلك صاحب "منازل السائرين" (1) لم أجد هذا الكلام في الكتاب السابق، ويبدو أنه في كتاب آخر لابن عربي، ووجدت نصا من كتاب "التجليات الإلهية" ، لابن عربي نشره الدكتور عثمان يحيى ضمن مقاله "نصوص تاريخية خاصة بنظرية التوحيد في التفكر الإسلامي" وهو مقال في "الكتاب التذكاري: محيي الدين بن عربي في الذكرى المئوية الثامنة لميلاده" نشر الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر. 1389/1969 وهذا النص في ص 264 وهو: "رأيت الجنيد في هذا التجلي فقلت له: يا أبا القاسم، كيف تقول في التوحيد: يتميز العبد من الرب؟ وأين تكون أنت عند هذا التمييز؟ لا يصح أن تكون عبدا ولا ربا، فلا بد أن تكون في بينونة تقتضي الاستواء والعلم بالمقامين، مع تجردك عنهما حتى تراهما، فخجل وأطرق" ، وانظر ما بعد ذلك إلى ص 268 مع علمه وسنته، ومعرفته ودينه [1] . وقد ذكر في كتابه "منازل السائرين" أشياء حسنة نافعة، وأشياء باطلة. ولكن هو فيه ينتهي إلى الفناء في توحيد الربوبية، ثم إلى التوحيد الذي هو حقيقة الاتحاد. ولهذا قال [2] : "باب التوحيد: قال الله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [سورة آل عمران: 18] التوحيد: تنزيه الله عن الحدث [3] ." قال [4] : وإنما نطق العلماء بما نطقوا به، وأشار المحققون [5] إلى ما أشاروا إليه [6] في هذا الطريق لقصد تصحيح التوحيد، وما سواه من حال أو مقام فكله مصحوب العلل "." (1) صاحب كتاب "منازل السائرين" ، هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي الأنصاري، كان يدعى شيخ الإسلام، وكان إمام أهل السنة بهراة ويسمى خطيب العجم لتبحر علمه وفصاحته ونبله، توفي سنة 481. انظر ترجمته في: طبقات الحنابلة 2/247 - 248، الذيل لابن رجب 1/50 - 68، الأعلام 4/267، تذكرة الحفاظ 3/1183 - 1190، معجم المؤلفين 6/133 - 134. وانظر كتاب "شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري الهروي" ، تأليف دكتور محمد سعيد عبد المجيد سعيد الأفغاني (ط. دار الكتب الحديثة) القاهرة 1388/1968 (2) ص 110 - 113 (ط. المعهد العلمي الفرنسي) ، تحقيق س. دي لوجيه، القاهرة 1962 (3) الحديث: كذا في (و) ، منازل السائرين، وفي سائر النسخ: الحدوث. (4) بعد الكلام السابق مباشرة. (5) ن: وأشار العلماء المحققون. (6) منازل السائرين: بما أشاروا إليه. قال [1] : "والتوحيد على ثلاثة أوجه: [2] : الأول [3] : توحيد العامة الذي يصح بالشواهد، والثاني [4] : توحيد الخاصة وهو الذي يثبت بالحقائق. والوجه الثالث: توحيد قائم بالقدم، وهو توحيد خاصة الخاصة." فأما التوحيد الأول فهو شهادة أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له] [5] ، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. هذا هو التوحيد الظاهر الجلي، الذي نفى الشرك الأعظم، وعليه نصبت القبلة، وبه وجبت الذمة، وبه حقنت الدماء والأموال، وانفصلت دار الإسلام من دار الكفر، وصحت به الملة للعامة، وإن لم يقوموا بحسن [6] الاستدلال، بعد أن سلموا [7] من الشبهة والحيرة والريبة، بصدق شهادة صححها قبول القلب. هذا [8] توحيد العامة الذي يصح بالشواهد، والشواهد هي الرسالة، والصنائع تجب [9] بالسمع، وتوجد [10] بتبصير الحق، وتنمو [11] على مشاهدة [12] الشواهد "." (1) بعد الكلام السابق مباشرة. (2) منازل السائرين: وجوه. (3) منازل السائرين: الوجه الأول. (4) منازل السائرين: والوجه الثاني. (5) عبارة "وحده لا شريك له" في (و) ، منازل السائرين فقط. (6) منازل السائرين ص 111: بحق. (7) سلموا: كذا في (و) ، منازل السائرين وفي سائر النسخ: يسلموا. (8) هذا: كذا في (و) ، "منازل السائرين" ، وفي سائر النسخ: وهذا. (9) منازل السائرين: يجب. (10) ن: وتوحيد، وهو تحريف، ح، ي: وتؤخذ، منازل السائرين: ويوجد. (11) ن، و: منازل السائرين: وينمو. (12) و: مشاهد. قال [1] : "وأما التوحيد الثاني الذي يثبت بالحقائق فهو توحيد الخاصة. وهو إسقاط الأسباب الظاهرة، والصعود عن [2] منازعات العقول [3] ، وعن التعلق بالشواهد، وهو أن لا يشهد [4] في التوحيد دليلا، ولا في التوكل سببا، ولا في النجاة [5] وسيلة [6] ، فيكون [7] مشاهدا سبق [8] الحق بحكمه وعلمه، ووضعه الأشياء مواضعها، وتعليقه [9] إياها بأحايينها، وإخفائه [10] إياها في رسومها [11] ، ويحقق [12] معرفة العلل، ويسلك [13] سبيل إسقاط الحدث [14] . هذا توحيد [15] الخاصة الذي يصح بعلم الفناء، ويصفو في علم الجمع، ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع" . قال [16] : "وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه،" (1) بعد الكلام السابق مباشرة ص 111 (2) ح: من. (3) و: المعقول. (4) منازل السائرين تشهد. (5) منازل السائرين: للنجاة. (6) عند كلمة "وسيلة" تعود نسخة (م) بعد الانقطاع. (7) منازل السائرين: فتكون. (8) ن: يسبق، م: لسبق. (9) ن، م: وتعليقها. (10) ب (فقط) : وإخفائه. (11) و: شئونها. (12) منازل السائرين، ر، ح، ي وتحقق. (13) ن، منازل السائرين وتسلك. (14) م، ب: الحدوث. (15) ح، ب: هذا هو توحيد. (16) بعد الكلام السابق مباشرة، ص 112
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (336) صـ 345 إلى صـ 354 واستحقه بقدره، وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته، وأخرسهم عن نعته، وأعجزهم عن بثه. والذي يشار [به] [1] إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث [2] ، وإثبات القدم، على أن هذا الرمز في ذلك التوحيد علة، لا يصح [ذلك التوحيد] [3] إلا بإسقاطها. هذا قطب الإشارة إليه على ألسن علماء أهل هذا الطريق [4] ، وإن زخرفوا له نعوتا، وفصلوه فصولا [5] ، فإن ذلك التوحيد تزيده العبارة خفاء [6] ، والصفة نفورا، والبسط صعوبة، وإلى هذا التوحيد [7] شخص أهل الرياضة وأرباب الأحوال، وإليه [8] قصد أهل التعظيم، وإياه [9] عنى المتكلمون في عين الجمع، وعليه تصطلم الإشارات، ثم لم ينطق عنه [10] لسان، ولم تشر إليه عبارة، فإن التوحيد وراء ما يشير إليه مكون، أو يتعاطاه خبر [11] ، أو يقله سبب "." قال [12] : "وقد أجبت في سالف الدهر [13] سائلا سألني عن توحيد الصوفية" (1) به: ساقطة من جميع النسخ، وأثبتها من منازل السائرين. (2) ب، م: الحدوث. (3) عبارة "ذلك التوحيد" ساقطة من (ن) فقط. (4) و: منازل السائرين: علماء هذا الطريق. (5) فصولا كذا في (ن) ، (م) منازل السائرين، وفي سائر النسخ: تفصيلا. (6) و: جفاء، ن: حقا. (7) ح، ب، ر، ي: وإلى أهل هذا التوحيد. (8) منازل السائرين: وله. (9) ي، ر: وإليه وإياه. (10) ن، م: به. (11) منازل السائرين ص 113: حين. (12) بعد الكلام السابق مباشرة ص 113 (13) منازل السائرين: الزمان. بهذه القوافي الثلاث: ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد توحيد من ينطق عن نعته ... عارية أبطلها الواحد توحيده إياه توحيده ... ونعت من ينعته لاحد قلت: وقد بسطت [1] الكلام على [هذا وأمثاله] في غير [2] هذا الموضع، لكن ننبه هنا على ما يليق بهذا الموضع، فنقول؟ أما التوحيد [الأول] [3] الذي ذكره فهو التوحيد الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، وبه بعث الله الأولين والآخرين من الرسل. قال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} [سورة الزخرف: 45] . وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة} [سورة النحل: 36] . وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [سورة الأنبياء: 25] . وقد أخبر الله - تعالى - عن كل من الرسل، مثل نوح وهود، وصالح وشعيب، وغيرهم، أنهم قالوا لقومهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. وهذا أول دعوة الرسل وآخرها. (1) و: بسطنا. (2) ن، م: عليه في غير. (3) الأول: ساقطة من (ن) . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المشهور: "«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»" [1] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أيضا: "«من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة»" [2] . وقال: "«من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»" [3] . والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه، وتعليق النجاة والفلاح، واقتضاء السعادة في الآخرة به. ومعلوم أن الناس متفاضلون في تحقيقه، وحقيقته إخلاص الدين كله لله. والفناء في هذا التوحيد مقرون بالبقاء [4] ، وهو أن تثبت إلهية الحق في قلبك، وتنفي إلهية ما سواه، فتجمع بين النفي والإثبات، فتقول: لا إله إلا الله، فالنفي هو الفناء، والإثبات هو البقاء. وحقيقته أن تفنى بعبادته عما سواه، [ومحبته عن محبة ما سواه] [5] ، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، وبموالاته عن موالاة ما سواه، وبسؤاله عن سؤال ما سواه، وبالاستعاذة به عن الاستعاذة [6] بما سواه، وبالتوكل عليه عن التوكل على (1) سبق هذا الحديث فيما مضى 2/121 (2) الحديث عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في: مسلم 1/55 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات دخل الجنة قطعا) ، "المسند" (ط. المعارف) 1/376 (3) سبق هذا الحديث فيما مضى 2/122 (4) ن، م: بالفناء. (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. (6) ن: وبالاستغاثة به عن الاستغاثة. ما سواه، وبالتفويض إليه عن التفويض إلى ما سواه، وبالإنابة إليه عن الإنابة إلى ما سواه، وبالتحاكم إليه عن التحاكم إلى ما سواه، وبالتخاصم إليه عن التخاصم إلى ما سواه. وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «كان يقول: (* إذا قام يصلي من الليل، وقد روي أنه كان يقوله [1] بعد التكبير *) [2] : "اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات [3] والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد [4] أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق [5] ، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت ; فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»" [6] . وقال - تعالى: {قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم} [سورة الأنعام: 14] . (1) ح، ر، ي، ب، م: يقول. (2) ما بين النجمتين ساقط من (و) . (3) و: رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات. (4) عبارة "ولك الحمد" ليست في (و) . (5) ب: أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك حق، ح: أنت الحق وقولك حق ووعدك الحق. (6) الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما في البخاري 2/48 - 49 (كتاب التهجد، باب التهجد من الليل) وجاء الحديث في مواضع أخرى في البخاري وهو في: مسلم 1/532 - 534 (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه) . والحديث في: سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والموطأ، وهو في "المسند" (ط. المعارف) 4/249 - 250، 291 - 292، 5/125 وقال: {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} [سورة الأنعام: 114] . وقال: {أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون - ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين - بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} [سورة الزمر: 64 - 66] . وقال - تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين - قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين - لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين - قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها} [سورة الأنعام: 161 - 164] . وهذا التوحيد كثير في القرآن، وهو أول الدين وآخره، وباطن الدين وظاهره، وذروة سنام هذا التوحيد لأولي العزم من الرسل، ثم للخليلين محمد وإبراهيم - صلى الله عليهما وسلم تسليما -. فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أنه قال: "«إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا»" [1] . (1) هذا جزء من حديث سبق فيما مضى 1/475 عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه -، وذكرت هناك مكانه في مسلم ونصه فيه: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله - تعالى - قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك، وجاءت الألفاظ الواردة هنا في حديث آخر عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - في: سنن ابن ماجه 1/50 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم: فضل العباس، ونصه:" إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة يوم القيامة تجاهين، والعباس بيننا مؤمن بين خليلين "، إلا أن في التعليق على هذا الحديث في الزوائد ما يبين أنه ضعيف بل موضوع، وكذا قال عنه الألباني إنه موضوع في" ضعيف الجامع الصغير "2/66" وأفضل الرسل بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم ; فإنه قد ثبت في الصحيح عنه أنه قال عن «خير البرية: "إنه إبراهيم» [1] . وهو الإمام الذي جعله الله إماما، وجعله أمة، والأمة القدوة الذي يقتدى به، فإنه حقق هذا التوحيد، وهو الحنيفية ملته." قال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير - ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم - لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [سورة الممتحنة: 4 - 6] . وقال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون - إلا الذي فطرني فإنه سيهدين - وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} [سورة الزخرف: 26 - 28] . (1) الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - في مسلم 4/1839 (كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم -) ، ولفظه: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا خير البرية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:" ذاك إبراهيم - عليه السلام - ". والحديث في سنن أبي داود 4/302 (كتاب السنة، باب التخيير بين الأنبياء) " المسند "(ط. الحلبي) 3/178، 184" وقال عن إبراهيم أنه قال: {ياقوم إني بريء مما تشركون - إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين - وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون - وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون - الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون - وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} [سورة الأنعام: 78 - 83] . وقال: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون - أنتم وآباؤكم الأقدمون - فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} [سورة الشعراء: 75 - 77] . والخليل هو الذي تخللت محبة خليله قلبه [1] ، فلم يكن فيه مسلك لغيره كما قيل: قد تخللت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلا وقد قيل: إنه [مأخوذ من الخليل، وهو الفقير، مشتق من الخلة بالفتح. كما قيل: (1) و، ي: محبة الخليل قلبه، ح: محبته قلب خليله. وإن أتاه خليل يوم مسغبة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم [1] والصواب أنه [2] من الأول، وهو مستلزم للثاني فإن كمال] [3] حبه لله هو محبة عبودية وافتقار، ليست كمحبة الرب لعبده، فإنها محبة استغناء وإحسان. ولهذا قال - تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا} [سورة الإسراء: 111] . فالرب لا يوالي عبده من ذل [4] ، كما يوالي المخلوق لغيره، بل يواليه إحسانا إليه، والولي من الولاية، والولاية ضد العداوة. وأصل الولاية الحب، وأصل العداوة البغض، وإذا قيل: هو مأخوذ من الولي، وهو القرب. فهذا جزء معناه [5] ، فإن الولي يقرب إلى [6] وليه، والعدو يبعد عن عدوه. ولما كانت الخلة تستلزم كمال المحبة واستيعاب القلب، لم يصلح للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخالل مخلوقا [7] ، بل قال: "«لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله»" [8] . (1) البيت من شعر زهير بن أبي سلمى (ديوانه، ط. دار الكتب ص 153) (2) و: أنها. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) . (4) ح، ب: من الذل. (5) و: معناها. (6) ح، ب: من. (7) ن، م: أحدا. (8) سبق الحديث فيما مضى 1/512 ولهذا امتحن الله إبراهيم بذبح ابنه. والذبيح على القول الصحيح ابنه الكبير إسماعيل، كما دلت على ذلك سورة "الصافات" وغير ذلك، فإنه قد كان [1] سأل ربه أن يهب له من الصالحين، فبشره بالغلام الحليم إسماعيل، فلما بلغ معه السعي أمره أن يذبحه، لئلا يبقى في قلبه محبة مخلوق تزاحم محبة الخالق، إذ كان قد طلبه وهو بكره. وكذلك في التوراة يقول: "اذبح ابنك وحيدك" ، وفي ترجمة أخرى "بكرك" ، ولكن ألحق المبدلون لفظ إسحاق، وهو باطل [2] . فإن إسحاق هو الثاني من أولاده [3] باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، فليس هو وحيده ولا بكره، وإنما وحيده وبكره إسماعيل. ولهذا لما ذكر الله قصة الذبيح في القرآن قال بعد هذا: {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} [سورة الصافات: 112] . وقال في الآية الأخرى {فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [سورة هود: 71] . فكيف يبشره بولد ثم يأمره بذبحه؟ . والبشارة بإسحاق وقعت لسارة، وكانت قد غارت من هاجر لما ولدت إسماعيل، وأمر الله إبراهيم أن يذهب بإسماعيل وأمه إلى مكة، ثم لما جاء الضيف - وهم الملائكة - لإبراهيم، بشروها [4] بإسحاق، فكيف يأمره بذبح إسحاق مع بقاء إسماعيل؟ . وهي لم تصبر على وجود إسماعيل وحده، بل غارت أن يكون له ابن (1) قد كان: كذا في (ح) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: كان قد. (2) ح، ي، ر، و: ممتنع. (3) و: من الأولاد. (4) ب فقط: وبشروها. من غيرها، فكيف تصبر على ذبح ابنها وبقاء ابن ضرتها؟ وكيف يأمر الله إبراهيم بذبح ابنه [1] وأمه مبشرة به وبابن ابنه [يعقوب] [2] ؟ وأيضا [3] فالذبح إنما كان بمكة، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قرني الكبش في البيت فقال للحاجب: "«إني رأيت قرني الكبش في الكعبة، فخمرهما [4] ; فإنه لا ينبغي أن يكون في الكعبة شيء يلهي المصلي»" [5] . وإبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة بنص القرآن، وإسحاق [6] كان في الشام. والمقصود بالأمر بالذبح أن لا يبقى في قلبه محبة لغير الله تعالى. وهذا إذا كان له ابن واحد، فإذا صار له ابنان، فالمقصود لا (1) و: إبراهيم بذبحه. (2) وبابن ابنه يعقوب: كذا في (م) وفي (ن) ، (ر) ، (ي) : وبابن ابنه، وفي (ح) ، (ب) وبابنه وسقطت عبارة "وبابن ابنه" من (و) . (3) ح، ب: أيضا، وسقطت الكلمة من (و) . (4) ح، ي، ب: فخمرها، وفي هامش (ر) "يعني: فغطاهما" . (5) الحديث في سنن أبي داود 2/289 - 290 (كتاب المناسك، باب في دخول الكعبة) ونصه: "حدثنا ابن السرح وسعيد بن منصور ومسدد، قالوا: ثنا سفيان، عن منصور الحجبي، حدثني خالي، عن أمي صفية بنت شيبة، قالت: سمعت الأسلمية تقول: قلت لعثمان: ما قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دعاك؟ قال: قال: إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي. قال ابن السرح: خالي مسافع بن شيبة. وجاء في التعليق على هذا الحديث رقم 2030: قد اختلف في إسناد هذا الحديث فروي كما قاله أبو داود، وروي عن منصور عن خاله مسافع، عن صفية بنت شيبة، عن امرأة من بني سليم، وروي عنه عن خاله عن امرأة من بني سليم، ولم يذكر أمه. وجاء الحديث - مع أختلاف في اللفظ - في المسند (ط. الحلبي) 4/68، 5/380 وذكر السيوطي الحديث في الجامع الكبير 1/316 وقال السيوطي" حم (أحمد) ض (الضياء المقدسي في الجنان) ق (البيهقي في السنن) عن امرأة من بني سليم عن عثمان بن طلحة "." (6) ن، م: وإبراهيم، وهو خطأ.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (337) صـ 355 إلى صـ 364 يحصل إلا بذبحهما جميعا. وكل من قال: إنه إسحاق، فإنما أخذه عن اليهود، أهل التحريف والتبديل، كما أخبر الله - تعالى - عنهم. [وقد بسطنا هذه المسألة في مصنف مفرد] [1] . والمقصود هنا أن الخليلين هما أكمل خاصة الخاصة توحيدا ; فلا يجوز أن يكون في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من هو أكمل توحيدا من نبي من الأنبياء، فضلا عن الرسل، فضلا عن أولي العزم، فضلا عن الخليلين. وكمال توحيدهما بتحقيق إفراد الألوهية، وهو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلا، بل يبقى العبد [2] مواليا لربه في كل شيء، يحب ما أحب، ويبغض ما أبغض، ويرضى بما رضي [3] ، ويسخط بما سخط [4] ، ويأمر بما أمر، وينهى عما نهى. وأما التوحيد الثاني الذي ذكره وسماه "توحيد الخاصة" ، فهو الفناء في توحيد الربوبية، وهو أن يشهد ربوبية [5] الرب لكل ما سواه، وأنه وحده رب كل شيء ومليكه، والفناء إذا كان في توحيد الألوهية: وهو [6] أن (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، وفي (و) بدلا منه: "وهذا مبسوط في موضعه" . وقال ابن الهادي في "العقود الدرية" ص 54 "وله جواب في أن الذبيح من ولد إبراهيم - عليه السلام - هو إسماعيل، واحتج لذلك بأدلة كثيرة" ، وذكره ابن القيم في "أسماء مؤلفات ابن تيمية" ، ص 22. (2) ب فقط: لغير الله أصلا، وكمال هذا التوحيد يوجب أن يبقى العبد. (3) رضي: كذا في (و) ، (ب) وفي سائر النسخ: يرضى. (4) ن، م، ي: يسخط. (5) ح، ب، و: بربوبية. (6) ب فقط: هو. يستولي على القلب شهود معبوده وذكره ومحبته، حتى لا يحس بشيء آخر، مع العلم بثبوت ما أثبته الحق من الأسباب والحكم، وعبادته وحده لا شريك له بالأمر والنهي، ولكن غلب على القلب شهود الواحد، كما يقال: غاب بموجوده عن وجوده، وبمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته. كما يذكر أن رجلا كان يحب آخر، فوقع المحبوب في اليم، فألقى المحب نفسه خلفه، فقال له: أنا وقعت فلماذا وقعت أنت؟ فقال: غبت بك عني، فظننت أن أني [1] . فصاحب هذا الفناء إذا غلب [2] في ذلك فهو معذور، لعجزه عند غلبة ذكر الرب على قلبه عن شعوره بشيء آخر، كما يعذر من سمع الحق فمات أو غشي عليه، وكما عذر موسى - صلى الله عليه وسلم - لما صعق حين تجلى ربه للجبل. وليس هذا الحال غاية السالكين، ولا لازما لكل سالك. [ومن الناس من يظن أنه لا بد لكل سالك] [3] منه، وليس كذلك. فنبينا - صلى الله عليه وسلم - والسابقون الأولون، هم أفضل. وما أصاب أحدا منهم هذا الفناء ولا صعق ولا موت [4] عند سماع القرآن. وإنما تجد [5] هذا الصعق في التابعين، لا سيما في عباد البصريين. (1) ب: فظننت أنك أنا، ن، م: حتى ظننت أنك أني. (2) ح، ر، ب: إذا غاب. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (4) ح، ب: ولا صعق ولا مات. (5) تجد: كذا في (ي) وفي (ن) تجد وفي (م) يجد وفي (ح) ، (ر) (و) (ب) تجدد. ومن الناس من يجعل هذا الفناء هو الغاية التي ينتهي إليها سير العارفين. وهذا أضعف [من الذي قبله] [1] . وما يذكر عن أبي يزيد البسطامي [2] من قوله: "ما في الجبة إلا الله" وقوله: "أين أبو يزيد؟ أنا أطلب أبا يزيد منذ كذا وكذا سنة" ونحو ذلك [3] ، فقد حملوه على أنه كان من هذا الباب ; ولهذا يقال عنه: إنه كان إذا أفاق أنكر هذا. فهذا ونحوه كفر، لكن إذا زال العقل بسبب يعذر فيه الإنسان، كالنوم (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (2) أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي ويقال: با يزيد، صوفي شهير له شطحات كثيرة، يقول الزركلي: "وفي المستشرقين من يرى أنه كان يقول بوحدة الوجود وأنه كان أول قائل بمذهب الفناء Nirvana ويعرف أتباعه بالطيفورية أو البسطامية" ، ولد سنة 188 وتوفي سنة 261 انظر ترجمته ومذهبه في: طبقات الصوفية ص 67 - 74، الطبقات الكبرى 1/65 - 66، صفة الصفوة 4/89 - 94، شذرات الذهب 2/143 - 144، ميزان الاعتدال 2/346 - 347، الرسالة القشيرية 1/80 - 82، الأعلام 3/339 (3) للدكتور عبد الرحمن بدوي كتاب "شطحات الصوفية" ، أورد فيه الكثير من شطحات أبي يزيد البسطامي ونشر فيه رسالة "النور من كلمات أبي طيفور" المنسوبة إلى السهلجي (ط. النهضة المصرية) ، القاهرة 1949 "ووجدت في هذه الرسالة النص التالي ص 65. قصد أبا يزيد رجل من أصحاب ذي النون فقال له: من تطلب؟ قال: أبا يزيد، فقال: يا بني أبو يزيد يطلب أبا يزيد منذ أربعين سنة. فرجع إلى ذي النون وأخبره فغشي عليه. وهو نص مقارب للنص الثاني الذي أورده ابن تيمية (وانظر ص 110) . أما النص الأول فلم أجده، وهو ينسب في الغالب إلى الحلاج (انظر كتاب" مدخل إلى التصوف الإسلامي "للدكتور أبي الوفا التفتازاني، ص 129 ط. دار الثقافة القاهرة 1979) ، على أن البسطامي له عبارات مشابهة بل أكثر شناعة مثل قوله:" سبحاني ما أعظم سلطاني "،" شطحات ص 111 "وقوله لما جاءه رجل فقرأ عنده إن بطش ربك لشديد قال:" وحياته إن بطشي أشد من بطشه "، (شطحات ص 111) وقوله:" كنت أطوف حول بيت الله الحرام، فلما أن وصلت إليه رأيت البيت يطوف حولي "ص 108" والإغماء، لم يكن مؤاخذا بما يصدر عنه في حال عدم التكليف، ولا ريب أن هذا من ضعف العقل والتمييز. وأما الفناء الذي يذكره صاحب "المنازل" فهو الفناء في توحيد الربوبية، لا في توحيد الإلهية [1] ، وهو يثبت توحيد الربوبية مع نفي الأسباب والحكم، كما هو قول القدرية المجبرة [2] ، كالجهم بن صفوان ومن اتبعه، والأشعري وغيره. وشيخ الإسلام [3] ، وإن كان - رحمه الله - من أشد الناس مباينة للجهمية في الصفات، وقد صنف كتابه "الفاروق في الفرق بين المثبتة والمعطلة" [4] وصنف كتاب "تكفير الجهمية" [5] وصنف كتاب "ذم الكلام وأهله" [6] ، وزاد في هذا الباب حتى صار يوصف بالغلو في الإثبات للصفات، لكنه في القدر على رأي الجهمية، نفاة الحكم والأسباب. (1) ن، م: الألوهية. (2) ح، ب: القدرة والمجبرة. (3) ويقصد به ابن تيمية أبا إسماعيل الهروي الأنصاري صاحب منازل السائرين (4) و: الفاروق بين المثبتة. . وذكر محمد سعيد الأفغاني هذا الكتاب في كتابه عن الهروي وقال (ص 102) "ذكره ابن رجب في ص 51 من كتابه" الذيل على طبقات الحنابلة "وأيضا أشار إليه إسماعيل باشا (المجلد الأول ص 452) والعلامة السبكي (طبقات الشافعية ج [0 - 9] ص [0 - 9] 20) " (5) ذكره الهروي الأنصاري في كتابه "ذم الكلام وأهله" (انظر كتاب الأفغاني ص 105) (6) ذكره محمد سعيد الأفغاني في كتابه (ص 104 - 105) وأشار إلى وجود نسخ خطية منه في المكتبة الظاهرية وفي مكتب المتحف البريطاني بلندن وفي معهد الإلهيات بأنقرة كما أن منه نسخة مصورة في معهد المخطوطات بالجامعة العربية، وقد لخصه السيوطي في كتابه: "صون المنطق والكلام" . وقد نقل ابن تيمية نصوصا من هذا الكتاب في "درء تعارض العقل والنقل" 2/82 - 83 7/185 والكلام في الصفات نوع، والكلام في القدر نوع، وهذا الفناء عنده لا يجامع البقاء ; فإنه نفي لكل ما سوى حكم الرب بإرادته الشاملة، التي تخصص أحد المتماثلين بلا مخصص. ولهذا قال في "باب التوبة" في لطائف أسرار التوبة [1] : "اللطيفة [2] الثالثة: أن [3] مشاهدة العبد الحكم لم تدع له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة، لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم" أي الحكم القدري، وهو خلقه لكل شيء بقدرته وإرادته ; فإن من لم يثبت في الوجود فرقا بالنسبة إلى الرب، بل يقول: كل ما سواه محبوب له، مرضي له، مراد له، سواء بالنسبة إليه، ليس يحب شيئا ويبغض شيئا، فإن مشاهدة هذا لا يكون معه استحسان حسنة، ولا استقباح سيئة بالنسبة إلى الرب ; إذ الاستحسان والاستقباح على هذا المذهب لا يكون إلا بالنسبة إلى العبد: يستحسن ما يلائمه، ويستقبح ما ينافيه. وفي عين الفناء لا يشهد نفسه ولا غيره، بل لا يشهد إلا فعل ربه، فعند هذه المشاهدة لا يستحسن شيئا ويستقبح آخر، على قول هؤلاء القدرية الجبرية، المتبعين لجهم بن صفوان وأمثاله. وهؤلاء وافقوا القدرية في أن مشيئة الرب وإرادته ومحبته ورضاه سواء. ثم قالت القدرية النفاة: وهو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان، فهو لا يريده ولا يشاؤه ; فيكون في ملكه ما لا يشاء. (1) في كتابه منازل السائرين ص 11 (2) منازل السائرين واللطيفة. (3) أن: ساقطة من (ح) ، (ر) ، (ي) . وقالت الجهمية المجبرة: بل هو يشاء كل شيء، فهو يريده ويحبه ويرضاه. وأما السلف وأتباعهم: فيفرقون بين المشيئة والمحبة. وأما الإرادة فتكون تارة بمعنى المشيئة، وتارة بمعنى المحبة. وقد ذكر الأشعري القولين عن أهل السنة المثبتين للقدر: قول من فرق بين المحبة والرضا. وقول من سوى بينهما، واختار هو التسوية، وأبو المعالي يقول: إن أبا الحسن أول من سوى بينهما، لكني رأيته في "الموجز" قد حكى قوله عن سليمان بن حرب، وعن ابن كلاب، وعن الكرابيسي، وعن داود بن علي، وكذلك ابن عقيل يقول: "أجمع المسلمون على أن الله لا يحب الكفر والفسوق والعصيان، ولم يقل: إنه يحبه، غير الأشعري" . وأما القاضي أبو يعلى فهو في "المعتمد" يوافق الأشعري، وفي "مختصره" ذكر القولين، وذكر في "المعتمد" قول أبي بكر عبد العزيز: أنه يقول بالفرق، وتأول كلام أبي بكر بتأويل باطل [1] . لكن أهل الملل كلهم متفقون على أن الله يثيب على الطاعات، ويعاقب على المعاصي، وإن كانت المشيئة شاملة للنوعين، فهم يسلمون الفرق بالنسبة إلى العباد، والمدعون للمعرفة والحقيقة والفناء فيهما يطلبون أن لا يكون لهم مراد، بل يريدون ما يريد الحق - تعالى - ; فيقولون: الكمال أن تفنى عن إرادتك، وتبقى مع إرادة ربك، وعندهم أن جميع الكائنات بالنسبة إلى (1) أمام هذا الموضع في هامش نسختي (ر) (ي) كتب ما يلي: "وجد في أصل الأصل مكتوب بخط مصنفه من عند الإشارة إلى قوله:" ولكن المقصود هنا بيان قولهم ". والإشارة في النسختين عند العبارة التالية التي تبدأ هكذا: لكن أهل الملل. ." . الرب سواء، فلا يستحسنون حسنة، ولا يستقبحون سيئة. وهذا الذي قالوه ممتنع عقلا محرم شرعا، ولكن المقصود هنا بيان قولهم. ولهذا قال شيخ الإسلام في توحيدهم، وهو التوحيد الثاني: "إنه إسقاط الأسباب الظاهرة" فإن عندهم لم يخلق الله شيئا بسبب، بل يفعل عنده لا به. قال: "والصعود عن منازعات العقول، وعن التعلق بالشواهد، وهو أن لا يشهد في التوحيد دليلا، ولا في التوكل سببا، [ولا في النجاة وسيلة" وذلك ; لأن عندهم ليس في الوجود شيء يكون سببا] [1] لشيء أصلا، ولا شيء جعل لأجل شيء، ولا يكون شيء بشيء. فالشبع عندهم لا يكون بالأكل، ولا العلم الحاصل في القلب بالدليل، ولا ما يحصل للمتوكل من الرزق والنصر له سبب أصلا: لا في نفسه، ولا في نفس الأمر، ولا الطاعات عندهم سبب للثواب، ولا المعاصي سبب للعقاب، فليس للنجاة وسيلة، بل محض الإرادة الواحدة يصدر عنها كل حادث، ويصدر مع الآخر مقترنا به اقترانا عاديا، لا أن أحدهما معلق بالآخر، أو سبب له، أو حكمة له، ولكن لأجل ما جرت به العادة من اقتران أحدهما بالآخر، يجعل أحدهما أمارة وعلما، ودليلا على الآخر، بمعنى أنه إذا وجد أحد المقترنين عادة كان الآخر موجودا معه، وليس العلم الحاصل في القلب حاصلا بهذا الدليل، بل هذا أيضا من جملة الاقترانات العادية. (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . ولهذا قال: "فيكون مشاهدا سبق الحق بحكمه وعلمه" أى: يشهد أنه علم ما سيكون وحكم به، أي أراده وقضاه وكتبه، وليس عندهم شيء إلا هذا. وكثير من أهل هذا المذهب يتركون الأسباب الدنيوية، ويجعلون وجود السبب كعدمه. ومنهم قوم يتركون الأسباب الأخروية، فيقولون: إن سبق العلم والحكم أنا سعداء فنحن سعداء، وإن سبق أنا أشقياء فنحن أشقياء، فلا فائدة في العمل. ومنهم من يترك الدعاء بناء على هذا الأصل الفاسد. ولا ريب أن هذا الأصل الفاسد [1] مخالف للكتاب والسنة، وإجماع السلف وأئمة الدين، ومخالف لصريح المعقول، ومخالف للحس والمشاهدة. وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إسقاط الأسباب نظرا إلى القدر [2] ، فرد ذلك. كما [ثبت] [3] في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار" قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: "لا. اعملوا فكل ميسر لما خلق له»" [4] (1) الفاسد: ساقطة من (ح) ، (ب) . (2) ح، ب: للقدر. (3) ثبت: زيادة في (ح) ، (ب) . (4) هذا جزء من حديث مروي - مع اختلاف في الألفاظ - عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في أكثر كتب السنة وفي عدة مواضع، انظر مثلا في البخاري 2/96 (كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر) 6/170 - 171 (كتاب التفسير باب سورة والليل إذا يغشى) ، 8/123 - 124 (كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا) ، مسلم 4/2039 - 2040 (كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه) ، سنن أبي داود 4/307 - 308 (كتاب السنة، باب في القدر) . وجاء الحديث في: سنن الترمذي 3/301 - 302 (كتاب القدر، باب ما جاء في الشقاء والسعادة) ، سنن ابن ماجه 1 - 31 (المقدمة، باب في القدر) ، "المسند" (ط. المعارف) ، في مواضع كثيرة، انظر الأرقام 621، 1067، 1068، 1110، 1181، 1348. . وفي الصحيح أيضا أنه «قيل له: يا رسول الله، أرأيت ما يكدح الناس فيه اليوم ويعملون، أشيء قضي عليهم ومضى، أم فيما يستقبلون مما أتاهم فيه الحجة؟ فقال: "بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم" قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على كتابنا؟ فقال: "لا. اعملوا فكل ميسر لما خلق له» [1] ." وفي السنن «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له: أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ فقال: "هي من قدر الله» [2] ." وقد قال تعالى في كتابه: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات} [سورة الأعراف: 57] . (1) جمع ابن تيمية هنا بين الحديث السابق عن علي - رضي الله عنه - وبين جزء من حديث عن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - جاء في مسلم 4/2041 - 2042 (الموضع السابق في التعليق السابق) وفيه: أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: "لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها [سورة الشمس: 7، 8] ." (2) سبق هذا الحديث فيما مضى 3/232 وقال: {وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها} [سورة الجاثية: 5] . وقال: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم} [سورة التوبة: 14] . وقال: {ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} [سورة التوبة: 52] . وقال: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين} [سورة البقرة: 26] . وقال: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [سورة المائدة: 16] . وقال: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [سورة الشورى: 52] . وقال: {ولكل قوم هاد} [سورة الرعد: 7] فكيف لا يشهد الدليل؟ ! . قال: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} [سورة الزمر: 61] . وقال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} [سورة يونس: 9] . وقال: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} [سورة الطور: 21] . وقال: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم} [سورة إبراهيم: 1] . وقال: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية} [سورة الحاقة: 24] .
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (338) صـ 365 إلى صـ 374 وقال: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [سورة النحل: 32] . وقال: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} [سورة الأنفال: 29] . وقال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ويرزقه من حيث لا يحتسب} [سورة الطلاق: 2 - 3] . وقال: {فبما رحمة من الله لنت لهم} [سورة آل عمران: 159] . وقال: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا - وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل} [سورة النساء: 160 - 161] . وقال: {فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} [سورة الأنعام: 6] . وقال: {فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار} [سورة المائدة: 85] . وقال: {وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا} [سورة الإنسان: 42] . وقال: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} [سورة آل عمران: 190] . وقال: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} [سورة البقرة: 164] وأمثال ذلك في القرآن كثير. (* وفي الصحيحين «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لسعد: "عسى أن تخلف فينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون» *) [1] ، فكيف يمكن أن يشهد أن الله لم ينصب على توحيده دليلا، ولا جعل للنجاة من عذابه وسيلة، ولا جعل لما يفعله المتوكل من عباده سببا." وهو مسبب الأسباب، وخالق كل شيء بسبب منه، لكن الأسباب كما قال فيها [2] أبو حامد، وأبو الفرج [بن الجوزي] [3] وغيرهما: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا تغيير [4] في وجه العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع" . والتوكل معنى يلتئم [5] من معنى التوحيد [6] والعقل والشرع، فالموحد [7] المتوكل لا يلتفت إلى الأسباب، بمعنى أنه لا يطمئن إليها، (1) ما بين النجمتين ساقط من (و) ، والحديث عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - البخاري 2/81 (كتاب الجنائز باب رثاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة) ونصه: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي. . الحديث وفيه: فقلت: يا رسول الله، أخلف بعد أصحابي، قال: إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به درجة ورفعة، ثم لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مات بمكة" . وجاء الحديث في البخاري مرة أخرى في 5/68 - 69 (كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم. .) ، وجاء مرة ثالثة في كتاب الفرائض. (2) لكن التوحيد كما قال فيه. (3) ابن الجوزي ساقطة من (ح) ، (ر) ، (ي) . (4) ب: تغبير، وتغير، ن: تعتبر. (5) ح، ر: ملتئم. (6) ن، م: والتوكل معنى يلتئم معنى التوحيد، وسقطت كلمة معنى الثانية من (ب) . (7) ن، م: فالمؤمن. ولا يثق بها، ولا يرجوها، ولا يخافها ; فإنه ليس في الوجود سبب يستقل بحكم، بل كل سبب فهو مفتقر إلى أمور أخرى تضم إليه، وله موانع وعوائق تمنع موجبه، وما ثم سبب مستقل بالإحداث إلا مشيئة الله وحده، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وما شاء خلقه بالأسباب التي يحدثها ويصرف عنه الموانع، فلا يجوز التوكل إلا عليه. كما قال تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [سورة آل عمران: 160] . وما سبق من علمه وحكمه فهو حق. وقد علم وحكم بأن الشيء الفلاني يحدثه هو - سبحانه - بالسبب الفلاني. فمن نظر إلى علمه وحكمه فليشهد الحدوث بما أحدثه، وإذا نظر إلى الحدوث بلا سبب منه لم يكن شهوده مطابقا لعلمه وحكمه. فمن شهد أن الله - تعالى - خلق الولد لا من أبوين لسبق علمه وحكمه ; فهذا شهوده عمى، بل يشهد أن الله - تبارك وتعالى - سبق علمه وحكمه بأن يخلق الولد من الأبوين، والأبوان سبب في وجوده، فكيف يجوز أن يقال: إنه سبق علمه وحكمه بحدوثه بلا سبب. وإذا كان علمه وحكمه قد أثبت السبب، فكيف أشهد الأمور بخلاف ما هي [عليه] [1] في علمه وحكمه؟ والعلل التي تنفى نوعان: أحدهما: أن تعتمد على الأسباب وتتوكل عليها. وهذا شرك محرم [2] . والثاني: أن تترك ما أمرت به من الأسباب، (1) عليه: زيادة في (ح) ، (ب) ، (ر) . (2) ح: شرك ومحرم. وهذا أيضا محرم. بل عليك أن تعبده بفعل ما أمرك به من الأسباب، وعليك أن تتوكل عليه في أن يعينك على ما أمرك به، وأن يفعل هو ما لا تقدر أنت عليه بدون سبب منك [1] ، فليست العلة إلا ترك ما أمرك به الرب أمر إيجاب أو استحباب [2] ، ومن فعل ما أمر به كما أمر به فليس عنده علة، ولكن قد يجهل حقيقة ما أمر به [كما أمر به] [3] فيكون منه علة. وقول القائل: "يسلك سبيل إسقاط الحدث، إن أراد أني [4] أعتقد نفي حدوث شيء، فهذا مكابرة وتكذيب بخلق الرب وجحد للصانع، وإن أراد أني أسقط الحدث من قلبي فلا أشهد محدثا - وهو مرادهم - فهذا خلاف ما أمرت به، وخلاف الحق." بل قد أمرت أن أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأشهد حدوث المحدثات بمشيئته بما [5] خلقه من الأسباب، ولما خلقه من الحكم [6] ، وما أمرت أن لا أشهد بقلبي حدوث شيء قط. وقول القائل: "يفنى [7] من لم يكن، ويبقى [8] من لم يزل" إن أراد أنه (1) ح، ر، و، ي: وأن يفعل هو ما يفعله بدون سبب منك. (2) و: به الرب واجبا أو مستحبا، ن: به الرب أمر إيجاب واستحباب، م: به الرب أمر إيجاب أو استحسان. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (و) ، (ب) . (4) و: أن. (5) و: وبما. (6) من الحكم: كذا في (ح) ، (ي) ، وفي سائر النسخ: من الحكمة. (7) و: فنى. (8) و: وبقي. يبقى على الوجه المأمور [به] [1] بحيث يشهد أن الحق هو المحدث لكل ما سواه بما أحدثه من الأسباب، ولما أراده من الحكمة، فهذا حق. وإن أراد [2] أني لا أشهد قط مخلوقا، بل لا أشهد إلا القديم فقط ; فهذا نقص في الإيمان والتوحيد والتحقيق، وهذا من باب الجهل والضلال، وهذا إذا غلب على قلب العبد كان معذورا. أما أن يكون هذا مما [3] أمر الله به ورسوله ; فهذا خلاف الكتاب والسنة والإجماع. ولما كان هذا مرادهم قال [4] : "هذا توحيد الخاصة، الذي يصح بعلم الفناء، ويصفو في علم الجمع، ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع" ، فإن المراد بالجمع أن يشهد [5] الأشياء كلها مجتمعة في خلق الرب ومشيئته، وأنها صادرة بإرادته، لا يرجح [6] مثلا عن مثل، فلا يفرق بين مأمور ومحظور، وحسن وقبيح، وأولياء [الله] وأعدائه [7] . والوقوف عند هذا الجمع هو الذي أنكره الجنيد وغيره من أئمة طريق أهل الله أهل الحق [8] ; فإنهم أمروا بالفرق الثاني، وهو أن يشهد [9] مع هذا الجمع أن الرب فرق بين ما أمر به وبين ما نهى عنه، فأحب هذا، (1) به: زيادة في (ح) ، (ر) ، (ب) ، (ي) . (2) و: وإن أريد. (3) ح: لما. (4) أي: الأنصاري الهروي، وهو كلامه الذي سبق من قبل. (5) ح، ر، ي: أن تشهد. (6) ح، ر، ي: بإرادة ترجح. (7) ن، م، و: وأولياء وأعداء. (8) ب فقط: أهل التحقيق. (9) ح، ر، ي: أن تشهد. وأبغض هذا، وأثاب على هذا، وعاقب على هذا، فيحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويشهد الفرق [1] في الجمع، والجمع في الفرق، لا [2] يشهد جمعا محضا، ولا فرقا محضا [3] . وأما قوله: "ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع" فسيأتي. وهؤلاء شربوا من العين التي شرب منها نفاة القدر، فإن أولئك الذين قالوا: الأمر أنف. قالوا: إذا سبق علمه وحكمه بشيء، امتنع أن يأمر بخلافه، ووجب وجوده. وفي ذلك إبطال الأمر والنهي، لكن أولئك كانوا معظمين [4] للأمر والنهي ; فظنوا أن إثبات ما سبق من العلم والحكم ينافيه، فأثبتوا الشرع ونفوا القدر. وهؤلاء اعتقدوا ذلك أيضا، لكن أثبتوا القدر ونفوا عمن شاهده أن يستحسن حسنة يأمر بها، أو يستقبح سيئة ينهى عنها ; فأثبتوا القدر، وأبطلوا الشرع عمن شاهد القدر. وهذا القول أشد منافاة لدين الإسلام من قول نفاة القدر. قال: "وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه، واستحقه بقدره. . . إلى آخر كلامه" وقد تقدم حكايته. فهؤلاء هم الذين أنكر عليهم أئمة الطريق، كالجنيد وغيره، حيث لم يفرقوا بين القديم والمحدث، وحقيقة قول هؤلاء الاتحاد والحلول الخاص، من جنس قول النصارى في المسيح، وهو أن يكون الموحد هو الموحد، ولا يوحد (1) و: ويشهد بهذا الفرق. (2) ح، ر، ي: ولا. (3) عبارة "ولا فرقا محضا" ساقطة من (و) . (4) و: معطلين. الله إلا الله، وكل من جعل غير الله يوحد الله فهو جاحد عندهم، كما قال: ما وحد الواحد من واحد (أي من واحد غيره) ... إذ كل من وحده جاحد فإنه على قولهم: هو الموحد والموحد. ولهذا قال: توحيد من ينطق عن نعته ... عارية أبطلها الواحد يعني إذا تكلم العبد بالتوحيد، وهو يرى أنه المتكلم، فإنما ينطق عن نعت نفسه، فيستعير ما ليس له، فيتكلم به، وهذه عارية أبطلها الواحد، ولكن إذا فنى عن شهود نفسه، وكان الحق هو المتكلم على لسانه، حيث فنى من لم يكن، وبقي من لم يزل، فيكون الحق هو الناطق بنعت نفسه، لا بنعت العبد، ويكون هو الموحد وهو الموحد، ولهذا قال: توحيده إياه توحيده - أي توحيد الحق إياه - أي: نفسه هو [1] ، توحيده هو، لا توحيد المخلوقين له) فإنه لا يوحده عندهم مخلوق، بمعنى أنه هو الناطق بالتوحيد على لسان خاصته، ليس الناطق هو المخلوق، كما يقوله النصارى في المسيح: إن اللاهوت تكلم بلسان الناسوت. وحقيقة الأمر أن كل من تكلم بالتوحيد أو تصوره، وهو يشهد غير الله، فليس بموحد [2] عندهم. وإذا غاب وفنى عن نفسه بالكلية ; فتم له مقام توحيد الفناء [3] ، الذي يجذبه [4] ، إلى توحيد أرباب الجمع، صار الحق هو (1) ن، م، و: هي. (2) ح، ر، ي: فليس يوحد. (3) و: تم له مقام الفناء ; ر، ح، ي: فتم له توحيد الفناء. (4) ب فقط: الذي يجذبه. الناطق المتكلم بالتوحيد، وكان هو الموحد، وهو الموحد، لا موحد غيره. وحقيقة هذا القول لا يكون إلا بأن يصير الرب والعبد شيئا واحدا، وهو الاتحاد فيتحد اللاهوت والناسوت، كما يقول النصارى: إن المتكلم بما كان يسمع من المسيح هو الله. وعندهم أن الذين سمعوا منه هم رسل الله، وهم عندهم أفضل من إبراهيم وموسى [1] . ولهذا تكلم بلفظ اللاهوت والناسوت طائفة من الشيوخ الذين وقعوا في الاتحاد والحلول مطلقا ومعينا، فكانوا ينشدون قصيدة ابن الفارض، ويتحلون بما فيها من تحقيق الاتحاد العام، ويرون كل ما في الوجود هو مجلى ومظهر، ظهر فيه عين الحق، وإذا رأى أحدهم منظرا حسنا [2] أنشد: يتجلى في كل طرفة عين ... بلباس [3] من الجمال جديد وينشد الآخر: هيهات يشهد ناظري معكم سوى ... إذا أنتم عين الجوارح والقوى (* وينشد الثالث: أعاين في كل الوجود جمالكم ... وأسمع من كل الجهات نداكم [4] (1) و: وموسى وعيسى. (2) و: ما ألفوا به. (3) و: في لباس. (4) بعد هذا البيت في (ن) ، (م) ، (ي) : "وأرشف" ، وبعدها بياض في (ن) ، (م) ، وكتب في (ي) ويتلوه بياض. وتلتذ [1] إن مرت على جسدي يدي لأني في التحقيق لست سواكم *) [2] ولما كان ظهور قول النصارى بين المسلمين مما يظهر أنه باطل، لم يمكن أصحاب هذا الاتحاد أن يتكلموا به كما تكلمت به النصارى، بل صار عندهم مما يشهد ولا ينطق به، وهو عندهم من الأسرار التي لا يباح بها، ومن باح بالسر قتل. وقد يقول بعضهم: إن الحلاج لما باح [3] بهذا السر وجب قتله ; ولهذا قال [4] : "هو توحيد اختصه الحق لنفسه، واستحقه بقدره، وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته، وأخرسهم عن نعته، وأعجزهم عن بثه" . فيقال: أما توحيد الحق نفسه [5] بنفسه، وهو علمه بنفسه وكلامه الذي يخبر به عن نفسه، كقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [سورة آل عمران: 18] ، وقوله: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} [سورة طه: 14] ; فذاك صفته القائمة به، كما تقوم به سائر صفاته من حياته وقدرته، وغير ذلك. وذلك لا يفارق ذات الرب وينتقل إلى غيره أصلا، كسائر صفاته، بل صفات المخلوق لا تفارق ذاته وتنتقل إلى غيره، فكيف بصفات الخالق؟ ! . (1) م: وألتذ. (2) ما بين النجمتين ساقط من (و) . (3) ن، م: أباح. (4) ن: ولهذا قتل قال. (5) ح، ب: لنفسه. ولكن هو - سبحانه - ينزل [1] على أنبيائه من علمه وكلامه ما أنزله [2] ، كما أنزل القرآن [3] ، وهو كلامه، على خاتم الرسل. وقد قال - سبحانه: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [سورة آل عمران: 18] ، فهو سبحانه يشهد لنفسه بالوحدانية، والملائكة يشهدون، وأولو العلم من عباده يشهدون، والشهادات متطابقة متوافقة. وقد يقال: هذه الشهادة هي هذه، بمعنى أنها نوعها، وليس نفس صفة المخلوق هي نفس صفة الخالق، ولكن كلام الله الذي أنزله على رسوله هو القرآن الذي يقرؤه المسلمون، وهو كلامه - سبحانه - مسموعا من المبلغين له، ليس تلاوة العباد له وسماع بعضهم من بعض، بمنزلة سمع موسى له من الله بلا واسطة، فإن موسى سمع نفس كلام الرب، كما يسمع كلام المتكلم منه، كما يسمع الصحابة كلام الرسول منه، وأما سائر الناس فسمعوه مبلغا عن الله، كما يسمع [4] التابعون ومن بعدهم كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - مبلغا عنه. ولهذا قال لرسوله: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} [سورة المائدة: 67] ، وقال: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم} [سورة الجن: 28] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«بلغوا عني [ولو آية] »" [5] . وقال: (1) و: نزل. (2) و، م: ما أنزل، و: ما نزله. (3) م: الفرقان. (4) و: كما سمع. (5) ولو آية: زيادة في (و) فقط، ونص الحديث "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" ، وهو عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - في: البخاري 4/170، (كتاب الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل) ، سنن الترمذي 4/147 (كتاب العلم، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل) ، المسند (ط. المعارف) 9/250 - 251، 11/127، 207
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (339) صـ 375 إلى صـ 384 "«نضر الله امرأ سمع منا [1] حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه ; فرب حامل فقه غير فقيه [2] ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»" [3] . وقال: "«ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي»" [4] . وقول القائل: "وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته، وأخرسهم عن نعته، وأعجزهم عن بثه" . فيقال: أفضل صفوته هم الأنبياء، وأفضلهم الرسل، وأفضل الرسل أولو العزم، وأفضل أولي العزم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما ألاحه الله على أسرار هؤلاء فهو أكمل توحيد عرفه العباد، وهم قد تكلموا بالتوحيد ونعتوه وبثوه، وما يقدر أحد قط أن ينقل عن نبي من الأنبياء، ولا (1) ح، ب: مني. (2) ح، ب: فقه إلى غير فقيه. (3) ورد هذا الحديث مع اختلاف في الألفاظ، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، كما جاء بألفاظ مقاربة عن أنس بن مالك وجبير بن مطعم وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، - رضي الله عنهم -، في سنن الترمذي 4/141 - 142 كتاب العلم باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، وقال الترمذي: حديث زيد بن ثابت حديث حسن وهو في سنن أبي داود 3/438، (كتاب العلم باب فضل نشر العلم) ، سنن ابن ماجه 1/84 - 86 (المقدمة، باب من بلغ علما) ، "المسند" (ط. الحلبي) 3/225 (4) الحديث عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في سنن أبي داود 4/324 (كتاب السنة باب في القرآن) سنن الترمذي 4/255 (كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب" . وارث نبي، أنه يدعي أنه يعلم توحيدا لا يمكنه النطق به، بل كل ما علمه القلب أمكن التعبير عنه، لكن قد لا يفهمه إلا بعض الناس. فأما أن يقال: إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - عاجز عن أن يبين ما عرفه الله من توحيده. فهذا ليس كذلك. ثم يقال: إن أريد بهذا اللائح أن يكون الرب نفسه هو الموحد لنفسه في قلوب صفوته لاتحاده بهم، أو حلوله فيهم. فهذا قول النصارى، وهو باطل شرعا وعقلا. وإن أريد أنه يعرف صفوته من توحيده ومعرفته والإيمان به ما لا يعرفه غيرهم. فهذا حق، لكن ما قام بقلوبهم ليس هو نفس الرب [الخالق] تعالى [1] ، بل هو العلم به ومحبته ومعرفته وتوحيده. وقد يسمى المثل الأعلى، ويفسر به قوله - تعالى: {وله المثل الأعلى في السماوات والأرض} [سورة الروم: 27] أي في قلوب أهل السماوات والأرض، ويقال له: المثال الحبي والمثال العلمي [2] . وقد يخيل لناقص العقل إذا أحب شخصا محبة تامة، بحيث فني في حبه، حتى لا يشهد في قلبه غيره، أن نفس المحبوب صار [3] في قلبه، وهو غالط [4] في ذلك، بل المحبوب في موضع آخر: إما في بيته، وإما في المسجد [5] ، وإما في (1) ن، م: ليس هو نفس الرب - تعالى -، ب: ليس هو نفس الخالق، ح، ر، و، ي: ليس هو نفس الرب الخالق. (2) و: المثال العلي والمثال الحسي. (3) ن: صارت. (4) ن، م: وهذا غلط. (5) ن، م: إما في المسجد وإما في بيته. موضع آخر. ولكن الذي في قلبه هو مثاله. وكثيرا ما يقول القائل: أنت في قلبي، وأنت في فؤادي، والمراد هذا المثال ; لأنه قد علم أنه لم يعن ذاته، فإن ذاته منفصلة عنه. كما يقال: أنت بين عيني، وأنت دائما على لساني [1] ، كما قال الشاعر: مثالك في عيني وذكرك في فمي ... ومثواك في قلبي فكيف تغيب [2] وقال آخر: ساكن في القلب يعمره ... لست أنساه فأذكره فجعله ساكنا عامرا للقلب لا ينسى، ولم يرد أن ذاته حصلت في قلبه كما يحصل [3] الإنسان الساكن في بيته، بل هذا الحاصل هو المثال العلمي. (* وقال آخر: ومن عجب أني أحن إليهم ... وأسأل عنهم من لقيت وهم معي وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي *) [4] ومن هذا الباب قول القائل: "القلب بيت الرب" وما يذكرونه في الإسرائيليات من قوله: "ما وسعتني أرضي ولا سمائي، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن، التقي النقي، الورع [5] اللين [6]" ، فليس المراد أن الله (1) ح، ر: دائما في لساني. (2) و: فأين تغيب. (3) و: جعلت في قلبه كما يجعل. (4) ما بين النجمتين ساقط من (و) . (5) الورع: كذا في (ح) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: الوارع. (6) قال العجلوني في "كشف الخفاء" 2/195: "ذكره في الإحياء" (أي الغزالي) ، بلفظ: قال الله: لم يسعني سمائي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع - قال العراقي في تخريجه: لم أر له أصلا. ووافقه في "الدرر" تبعا للزركشي، وذكر العجلوني كلام ابن تيمية فقال: "وقال ابن تيمية: هو مذكور في الإسرائيليات، وليس له إسناد معروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -" ، ثم قال: "وقال في" المقاصد "تبعا لشيخه في" اللآلئ ": ليس له إسناد معروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر السيوطي الحديث في" الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة "ص 175 تحقيق الدكتور محمد بن لطفي الصباغ، ط. الرياض 1403/1983، وبين الدكتور الصباغ في تعليقه مواضع الحديث في كتب الأحاديث الموضوعة." نفسه يكون في قلب كل عبد، بل في القلب معرفته، ومحبته، وعبادته. والنائم يرى في المنام إنسانا يخاطبه ويشاهده، ويجري معه فصولا [1] ، وذلك المرئي قاعد في بيته، أو ميت في قبره، وإنما رأى مثاله. وكذلك يرى في المرآة الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من المرئيات، ويراها تكبر بكبر المرآة، وتصغر بصغرها، وتستدير باستدارتها، وتصفوا بصفائها، وتلك مثال المرئيات القائمة بالمرآة، وأما نفس الشمس التي في السماء، فلم تصر ذاتها في المرآة. وقد خاطبني مرة شيخ من هؤلاء في مثل هذا، وكان ممن يظن أن الحلاج قال: "أنا الحق" ; لكونه كان في هذا التوحيد. فقال: الفرق بين فرعون والحلاج: أن فرعون قال: {أنا ربكم الأعلى} [سورة النازعات: 24] وهو يشير إلى نفسه. وأما الحلاج فكان فانيا [2] عن نفسه، والحق نطق على لسانه. فقلت له: أفصار الحق في قلب الحلاج ينطق على لسانه كما ينطق الجني على لسان المصروع؟ ! (1) و: فصول. (2) ب فقط: غائبا. (1 وهو سبحانه بائن عن قلب الحلاج وغيره من المخلوقات [1] 1) ، فقلب [2] الحلاج أو غيره كيف يسع ذات الحق؟ ! ثم الجني يدخل في جسد الإنسان ويشغل [3] جميع أعضائه، (4 والإنسان المصروع لا يحس بما يقوله الجني ويفعله بأعضائه [4] 4) ، لا يكون الجني في قلبه فقط، فإن القلب كل ما قام به فإنما هو عرض من الأعراض، ليس شيئا موجودا قائما بنفسه، ولهذا لا يكون الجني بقلبه الذي هو روحه. وهؤلاء قد يدعون [5] أن ذات الحق قامت بقلبه فقط، فهذا يستحيل في حق المخلوق [6] ، فكيف بالخالق جل جلاله؟ ! . وقد يحتج بعضهم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم: "«فإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا، ولك الحمد»" [7] ; فإن الله قال على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم: "«سمع الله لمن حمده» فيقال لهم: النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد ما أردتم من الحلول" (1) ساقط من (و) . (2) ن، م: فقلت، و: وقلت. (3) و: ويستعمل. (4) ساقط من (و) . (5) و: قد يزعمون. (6) و: المكلف. (7) هذا جزء من حديث طويل عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، وأوله - وهذه رواية مسلم - "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم. ." ، الحديث، وهو في: مسلم 1/303 - 305 (كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة) ، سنن النسائي 2/75 - 76 (كتاب الإمامة، باب مبادرة الإمام) 2/192 - 193 (كتاب التطبيق باب نوع آخر من التشهد) . والاتحاد، ولكن أراد أن الله بلغكم هذا الكلام على لسان رسوله، وأخبركم أنه يسمع [1] دعاء من حمده فاحمدوه أنتم، وقولوا: ربنا ولك الحمد ; حتى يسمع الله لكم دعاءكم ; فإن الحمد قبل الدعاء سبب لاستجابة الدعاء. وهذا أمر معروف، يقول المرسل لرسوله: قل على لساني كذا وكذا، ويقول الرسول لمرسله: قلت على لسانك كذا وكذا، ويقول المرسل أيضا: قلت لكم على لسان رسولي [2] كذا وكذا. وقد قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [سورة الشورى: 51] ، فالله تعالى إذا أرسل رسولا من الملائكة أو من البشر برسالة، كان مكلما لعباده بواسطة رسوله، بما أرسل به رسوله، وكان مبينا لهم بذلك. كما قال تعالى: {قد نبأنا الله من أخباركم} [سورة التوبة: 94] أي: بواسطة رسوله. وقال: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [سورة القيامة: 18] ، وقال: {نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق} [سورة القصص: 3] ، وقال: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} [سورة يوسف: 3] . فكانت تلك التلاوة والقراءة والقصص بواسطة جبريل ; فإنه سبحانه يكلم عباده بواسطة رسول يرسله، فيوحي بإذنه ما يشاء ; ولهذا جاء بلفظ (1) ب فقط: سمع. (2) ح: رسولكم. الجمع، فإن ما فعله المطاع بجنده يقال فيه: نحن نفعل كذا، والملائكة رسل الله فيما يخلقه ويأمر به، فما خلقه وأمر به بواسطة رسله من الملائكة قال فيه: نحن فعلنا، كما قال - تعالى: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [سورة القيامة: 18] . وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: إن علينا أن نجمعه في قلبك، ثم أن [1] نقرأه بلسانك، فإذا قرأه جبريل فاستمع له حتى يفرغ [2] . كما قال [3] في الآية الأخرى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} [سورة طه: 114] أي: لا تعجل بتلاوة ما يقرؤه جبريل عليك من قبل أن يقضي جبريل تلاوته، بل استمع له حتى يقضي [4] تلاوته، ثم (1) أن: ساقطة من (ح) ، (ر) ، (ب) . (2) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ -، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في ثلاثة مواضع في البخاري 1/4 (كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي. .) ، 6/163 (كتاب التفسير، سورة القيامة) 9/152 - 153 (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: لا تحرك به لسانك. .) ، والحديث أيضا في مسلم 1/330 - 331 (كتاب الصلاة، باب الاستماع للقراءة) ، المسند (ط. المعارف) 3/278، (مختصرا) 5/69 وأورد ابن كثير الحديث في تفسير (ط. الشعب) 5/312، 8/303 - 304 ولفظ الحديث في إحدى رواياته (البخاري 6/163) : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه، وكان يعرف منه، فأنزل الله الآية التي في (لا أقسم بيوم القيامة) : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه [سورة القيامة: 16، 17] قال: علينا أن نجمعه في صدرك (وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) فإذا أنزلناه فاستمع (ثم إن علينا بيانه) علينا أن نبينه بلسانك. قال: فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله" . (3) ح، ب: كما قيل. (4) ح، ب: تقضى. بعد هذا اقرأ ما أنزله [1] إليك، وعلينا أن نجمع ذلك في قلبك، وأن تقرأه بلسانك، ثم أن تبينه [2] للناس بعد ذهاب جبريل عنك. وقوله: "والذي يشار إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث [3] ، وإثبات القدم" . فيقال: مرادهم بهذا نفي المحدث [4] ، أي: ليس هنا إلا القديم، وهذا على وجهين. فإن أريد به نفي المحدث [5] بالكلية، وأن العبد هو القديم، فهذا شر من قول النصارى، إلا أنه قريب إلى قول اليعقوبية من النصارى ; فإن اليعقوبية يقولون: إن اللاهوت والناسوت امتزجا واختلطا فصارا جوهرا واحدا، وأقنوما واحدا، وطبيعة واحدة، ويقول بعضهم: إن اليدين اللتين سمرتا [6] هما اليدان اللتان خلق بهما آدم. وأما النسطورية فيقولون بحلول اللاهوت في الناسوت، والملكانية [7] يقولون: شخص واحد، له أقنوم واحد، بطبيعتين ومشيئتين [8] . ويشبهونه بالحديدة والنار، والنسطورية يشبهونه بالماء في الظروف، واليعقوبية يشبهونه باختلاط الماء واللبن، والماء والخمر [9] . (1) ب (فقط) : ما أنزل. (2) و: ثم إن علينا أن نبينه. (3) ب، م: الحدوث. (4) و: الحدث. (5) ح: فإن أريد نفي للحدث. (6) ن: شمرنا (7) ح: والملكية. (8) و: ونسبتين. (9) ب فقط: والحمر، وانظر أقوال اليعقوبية والنسطورية والملكانية من النصارى في الملل والنحل للشهرستاني 1/203 - 208 الفصل في الملل والنحل 1/110 - 132 وانظر كتاب "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" لابن تيمية ط. المدني القاهرة 1379/1959 فقول القائل: "إسقاط الحدوث" [1] إن أراد به أن المحدث عدم ; فهذا مكابرة، وإن أراد به إسقاط المحدث من قلب العبد، وأنه لم يبق في قلبه إلا القديم ; فهذا إن أريد به ذات القديم فهو قول النسطورية من النصارى، وإن أريد به معرفته والإيمان به وتوحيده، أو قيل: مثله، أو المثل [2] العلمي، أو نوره، أو نحو ذلك، فهذا المعنى صحيح، فإن قلوب أهل التوحيد مملوءة بهذا، لكن ليس في قلوبهم ذات الرب القديم وصفاته القائمة به. وأما أهل الاتحاد العام فيقولون: ما في الوجود إلا الوجود القديم، وهذا قول الجهمية. وأبو إسماعيل لم يرد هذا، فإنه قد صرح في غير موضع من كتبه بتكفير هؤلاء الجهمية الحلولية، الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان، وإنما يشير إلى ما يختص به بعض الناس. ولهذا قال: "ألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته" . [الكلام على رؤية الله تعالى] والاتحاد والحلول الخاص وقع فيه كثير من العباد والصوفية وأهل الأحوال ; فإنه [3] يفجؤهم ما يعجزون عن معرفته، وتضعف عقولهم عن تمييزه، فيظنونه ذات الحق، وكثير منهم يظن أنه رأى الله بعينه، وفيهم من يحكي مخاطباته [4] له، ومعاتباته [5] . وذاك كله إنما هو في قلوبهم من (1) و: المحدث. (2) ح: أو مثل، ب: أو المثال. (3) ح، ب: فإنهم. (4) ح، ب: مخاطبته. (5) ح، ب: ومعاتبته، ن، م: ومعايناته. المثال العلمي الذي في قلوبهم بحسب إيمانهم به. ومما يشبه المثال العلمي رؤية الرب تعالى [1] في المنام، فإنه يرى في صور [2] مختلفة، يراه كل عبد [3] على حسب إيمانه، ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم إيمانا من غيره رآه في أحسن صورة، وهي رؤية منام بالمدينة، كما نطقت بذلك الأحاديث المأثورة عنه [4] ، وأما ليلة المعراج فليس في شيء من الأحاديث المعروفة أنه رآه ليلة المعراج، لكن روي في ذلك حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، رواه الخلال من طريق أبي عبيد، وذكره القاضي أبو يعلى في "إبطال التأويل" [5] ، والذي نص عليه الإمام أحمد في الرؤية هو ما جاء عن النبي - صلى الله عليه (1) و: رؤية الحق. (2) ن، م، ر: صورة. (3) كل عبد كذا في (و) وفي سائر النسخ: يراه العبد. (4) روى الإمام أحمد في مسنده (ط. المعارف) 4/201 (رقم 2580) ، 221 (رقم 2634) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي تبارك وتعالى" . وصحح أحمد شاكر الحديثين وقال: "وهو في مجمع الزوائد 1/78 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح" ، وعقد أبو بكر عمرو بن أبي عاصم في "كتاب السنة" فصلا بعنوان "باب ما ذكر من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه تعالى" (ص 188 - 193) أورد فيه عدة أحاديث منها حديث ابن عباس (رقم 433) وقد صححه الألباني وقال: أخرجه أحمد والآجري (ص 494) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 444) والضياء في "المختارة" ، وانظر كلام الألباني على باقي الأحاديث، وقد علق في "صحيح الجامع الصغير" 3/168 على حديث ابن عباس بقوله: "يعني في المنام كما تدل عليه الروايات الأخرى" . (5) سبقت ترجمة أبي يعلى 1/142 وكتابه "إبطال التأويل" ، ذكره بروكلمان gal الملحق 3/503 ولم يذكر أنه موجود. على أنه ظهر مخطوطا مؤخرا، وهو موضع رسالة للدكتوراة (دراسة وتحقيق) مقدمة إلى قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (340) صـ 385 إلى صـ 394 وسلم -، وما قاله أصحابه، فتارة يقول: رآه بفؤاده متبعا لأبي ذر ; فإنه روى بإسناده عن أبي ذر - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بفؤاده [1] . وقد ثبت في صحيح مسلم: «أن أبا ذر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه» [2] . ولم ينقل هذا السؤال عن غير أبي ذر. وأما ما يذكره بعض العامة من أن أبا بكر - رضي الله عنه - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال [3] :" نعم رأيته "، وأن عائشة سألته، فقال:" لم أره "فهو كذب، لم يروه أحد من أهل العلم، ولا يجيب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسألة واحدة بالنفي والإثبات مطلقا، فهو منزه عن ذلك [4] ." (1) ذكرت في تعليقي على كلام مماثل لابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل" 8/42 أنني بحثت عن حديث أبي ذر رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد "مسند أبي ذر في الجزء الخامس من طبعة الحلبي" ، فلم أجده. وقلت: "ولعل الإمام أحمد رواه في غير المسند" . والحديث رواه ابن خزيمة في كتاب "التوحيد" (تحقيق الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله ط. القاهرة 1387 1968) ص 208 ونصه: "حدثنا أحمد بن منيع غير مرة، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا منصور وهو ابن زاذان، عن الحكم، عن يزيد بن الرشك عن أبي ذر في قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى قال: ثنا هشيم، قال: أنبأ منصور، عن الحكم، عن يزيد بن الرشك عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينه" . (2) سبق هذا الحديث فيما مضى 2/636 - 637 (3) و: سأله فقال. (4) انظر كتاب الشريعة للآجري بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله ط. السنة المحمدية 1369 1950 ص 491 - 497 (وانظر تعليقات الشيخ محمد حامد) ، وانظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 197 - 230 وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي ص 433 - 447 تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري ط. السعادة 1358 فلما كان أبو ذر أعلم من غيره اتبعه أحمد، مع ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: رآه بفؤاده مرتين [1] . وتارة يقول أحمد: رآه. فيطلق [2] اللفظ ولا يقيده بعين ولا قلب (* اتباعا للحديث، وتارة يستحسن قول من يقول: رآه. ولا يقول بعين ولا قلب *) [3] ، ولم ينقل أحد من أصحاب أحمد الذين باشروه عنه أنه قال: رآه بعينه، وقد ذكر ما نقلوه عن أحمد الخلال في كتاب "السنة" وغيره [4] . وكذلك لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه قال: "رآه بعينه" ، بل الثابت عنه إما الإطلاق، وإما التقييد بالفؤاد. وقد ذكر طائفة من أصحاب أحمد، كالقاضي أبي يعلى [5] ومن اتبعه عن أحمد ثلاث روايات في رؤيته تعالى: إحداها: أنه رآه بعينه، واختاروا ذلك. وكذلك اختاره الأشعري وطائفة. ولم ينقل هؤلاء عن (1) روى مسلم في صحيحه 1/158 - 159 (كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: ولقد رآه نزلة أخرى) أثرين عن ابن عباس: الأول عن ابن عباس: رآه بقلبه والثاني، عن أبي العالية عن ابن عباس قال: (ما كذب الفؤاد ما رأى) [سورة النجم: 11] (ولقد رآه نزلة أخرى [سورة النجم: 13] قال: رآه بفؤاده مرتين، وذكر الترمذي في سننه 5/70 (كتاب التفسير سورة النجم) أثرا عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رآه بقلبه. قال الترمذي: "هذا حديث حسن" ، وجاء الأثر بنفس المعنى في المسند (ط. المعارف) 3/294 عن ابن عباس، وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه: "ونسبه السيوطي في الدر المنثور 6/124 أيضا للطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات" . (2) ح، ب: ويطلق. (3) ما بين النجمتين ساقط من (ح) . (4) لعل كلام أحمد وروايته لحديث أبي ذر بالإسناد رواه عنه الخلال في كتاب "السنة" . (5) ن: كالقاضي أبي بكر، وهو تحريف. أحمد لفظا صريحا بذلك، ولا عن ابن عباس، ولكن المنقول الثابت عن أحمد من جنس النقول الثابتة عن ابن عباس: إما تقييد الرؤية بالقلب، وإما إطلاقها، وأما تقييدها بالعين فلم يثبت لا عن أحمد ولا عن ابن عباس. وأما من سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكر الإمام أحمد اتفاق السلف على أنه لم يره أحد بعينه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت»" [1] ، وهذا لبسطه موضع آخر. وإنما المقصود هنا أن كثيرا من السالكين يرد عليه من الأحوال ما يصطلمه [2] ، حتى يظن أنه هو الحق، وأن الحق فيه، أو أن الحق يتكلم على لسانه، أو أنه يرى الحق، أو نحو ذلك، وإنما يكون الذي يشاهدونه ويخاطبونه هو الشيطان، وفيهم من يرى عرشا عليه نور، ويرى الملائكة (1) في صحيح مسلم 4/2245 (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد) . قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حذر الناس الدجال: "إنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه من كره عمله، أو يقرؤه كل مؤمن" . وقال: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت" . وجاء الحديث في: سنن الترمذي 3/345 (كتاب الفتن، باب ما جاء في الدجال) ، وفيه: "تعلمون أنه لن يرى. . الحديث. وقال الترمذي:" هذا الحديث حسن صحيح "." (2) قال القاشاني في كتاب "اصطلاحات الصوفية" (تحقيق د. محمد كمال جعفر، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1981) ص 30 "الاصطلام" : هو الوله الغالب على القلب، وهو قريب من الهيمان ". وقال ابن عربي في رسالة "اصطلاحات الصوفية" ص 240: " الاصطلام: نوع وله يرد على القلب فيسكن تحت سلطانه "." حول العرش، ويكون ذلك الشيطان، وتلك الشياطين حوله، وقد جرى هذا لغير واحد. [فصل الكلام على محبة الله تعالى] (فصل) وقد اعترف طوائف بأنه يستحق أن يحب، وأنكروا أنه يحب غيره إلا بمعنى الإرادة العامة، فإن محبة المؤمنين لربهم أمر موجود في القلوب [1] والفطر، شهد به الكتاب والسنة، واستفاض عن سلف الأمة وأهل الصفوة، واتفق عليه أهل المعرفة بالله. وقد ثبت أن التذاذ المؤمنين يوم القيامة بالنظر إلى الله أعظم لذة في الجنة، ففي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة: إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه. وهو الزيادة»" [2] . وفي حديث آخر رواه النسائي وغيره: "«أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة» [3]" . (1) ن: القلب. (2) سبق الحديث فيما مضى 3/166 (3) سبق الحديث والتعليق عليه فيما مضى 2/114 - 115، 3/166 - 167 فقوله في الحديث الصحيح: "«فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه»" يبين أن اللذة الحاصلة بالنظر إليه أعظم من كل لذة في الجنة، والإنسان في الدنيا يجد في قلبه بذكر الله، وذكر محامده، وآلائه، وعبادته، من اللذة ما لا يجده بشيء آخر. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«جعلت قرة عيني في الصلاة»" [1] ، وكان يقول: "«أرحنا بالصلاة يا بلال»" [2] وفي الحديث: "«إذا مررتم" (1) هذا جزء من حديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه ونصه: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة" ، وهو في سنن النسائي 7/58 - 60 (كتاب عشرة النساء، باب حب النساء) ، وأوله: "حبب إلي من الدنيا. . الحديث وهو في المسند (ط. الحلبي) 3/128 - 119 - 285 وأضاف السيوطي في" الجامع الصغير "أن الحديث في المستدرك للحاكم وفي السنن للبيهقي، وصحح الألباني الحديث في" صحيح الجامع "3/87 وقال في تعليقه على" مشكاة المصابيح "للتبريزي 2/669 (ط. المكتب الإسلامي دمشق 1381 1961) :" وقد اشتهرت على الألسنة زيادة أخرى وهي "ثلاث" ولا أصل لها في شيء من طرق الحديث، بل هي مفسدة للمعنى كما لا يخفى ". وانظر ما ذكرته عن الحديث وعن الزيادة في" جامع الرسائل "2/118 - 119" (2) ح، ر، و: أرحنا بها يا بلال. والحديث عن رجل من الصحابة في سنن داود 4/406 (كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة) ونصه: عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال رجل - قال مسعر: أراه من خزاعة: ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها" . والحديث بهذه الألفاظ في: المسند (ط. الحلبي) 5/364 ثم جاء الحديث في سنن أبي داود بعد الحديث السابق ونصه: عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن محمد بن الحنفية، قال: انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده، فحضرت الصلاة، فقال لبعض أهله: يا جارية ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح، قال: فأنكرنا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة" . والحديث بهذه الألفاظ في المسند (ط. الحلبي) 5/371 وصحح الألباني الحديث في "مشكاة المصابيح" 1/393 وفي "صحيح الجامع الصغير" 6/284 برياض الجنة فارتعوا ". قالوا: وما رياض الجنة؟ قال:" مجالس الذكر» "[1] . ومن هذا الباب قوله:" «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» "[2] ; فإن هذا كان أعظم مجالس الذكر." والمنكرون لرؤيته من الجهمية والمعتزلة تنكر هذه اللذة، وقد يفسرها من يتأول [3] الرؤية بمزيد العلم على لذة العلم به، كاللذة التي في الدنيا بذكره، لكن تلك أكمل. وهذا قول متصوفة الفلاسفة والنفاة، كالفارابي، وكأبي حامد، وأمثاله، فإن ما في كتبه من "الإحياء" وغيره من لذة النظر إلى وجهه هو بهذا المعنى [4] ، [والفلاسفة تثبت اللذة العقلية، وأبو نصر الفارابي (1) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في سنن الترمذي 5/194 (كتاب الدعوات، باب منه) ، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ثابت عن أنس) والحديث في المسند (ط. الحلبي) 3/150" (2) الحديث عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه في البخاري 2/61 (كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر) ، وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 3/23 (كتاب فضائل المدينة، باب حدثنا مسدد عن يحيى. . .) وزاد ومنبري على حوضي 8/121 (كتاب الرقاق، باب في الحوض) 9/105 (كتاب الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم. .) ، سنن الترمذي 5/376 - 377 (كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل المدينة) ، والحديث في سنن النسائي والموطأ والمسند. (3) ن: من ينكر. (4) يتكلم الغزالي على لذة النظر إلى الله تعالى في "الإحياء" 14/62 - 76 فيقول: 14 "62 اعلم أن اللذات تابعة للإدراكات" ، ويفصل القول في هذه النقطة، ثم يقول 14/64: "وبهذا يتبين أن العلم لذيذ، وأن ألذ العلوم العلم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله وتدبيره في مملكته من منتهى عرشه إلى تخوم الأرضين. فينبغي أن يعلم أن لذة المعرفة أقوى من سائر اللذات أعني لذة الشهوة والغضب. إلخ ثم يقول 14/70:" اعلم أن المدركات تنقسم إلى ما يدخل في الخيال. . . وإلى ما لا يدخل في الخيال، كذات الله تعالى وكل ما ليس بجسم، كالعلم والقدرة وغيرهما. . إلى أن يقول 14/71 "ووافى استحقاق الجنة، وذلك وقت مبهم. .، لأن فيه يتجلى الحق سبحانه وتعالى، فيتجلى له تجليا يكون انكشاف تجليه بالإضافة إلى ما علمه كانكشاف تجلي المرآة بالإضافة إلى ما تخيله، وهذه المشاهدة والتجلي هي التي تسمى رؤية. ." . وأمثاله [1] من المتفلسفة يثبت الرؤية لله، ويفسرها بهذا المعنى] [2] . وهذه اللذة أيضا ثابتة بعد الموت، لكنهم مقصرون في تحقيقها، وإثبات غيرها من لذات الآخرة، كما هو مبسوط في موضعه. وأما أبو المعالي، وابن عقيل، ونحوهما فينكرون أن يلتذ أحد بالنظر إليه. وقال أبو المعالي: يمكن أن يحصل [3] مع النظر إليه لذة ببعض (1) م: الفارابي وأبي حامد وأمثاله، ويقول الدكتور إبراهيم مدكور في كتابه "في الفلسفة الإسلامية: منهج وتطبيق ص 35 - 36 ط. عيسى الحلبي 1367 - 1947" لعل أخص خصائص النظرية الصوفية التي قال بها الفارابي إنها قائمة على أساس عقلي فليس تصوفه بالتصوف الروحي البحت الذي يقوم على محاربة الجسم والبعد عن اللذائذ لتطهر النفس وترقى في مدارج الكمال، بل هو تصوف نظري يعتمد على الدراسة والتأمل. . إلخ "، ويقول الفارابي في" كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة "ص 16 - 17 ط. مكتبة الحسين التجارية، الطبعة الثانية 1368 1948" وإذا كان الأول وجوده أفضل الوجود، فجماله فائت لجمال كل ذي الجمال، وكذلك زينته وبهاؤه، واللذة والسرور والغبطة إنما ينتج ويحصل أكثر بأن يدرك الأجمل والأبهى والأزين بالإدراك الأتقن والأتم، فإذا كان هو الأجمل في النهاية والأبهى والأزين، فإدراكه لذاته الإدراك الأتقن في الغاية وعلمه بجوهره العلم الأفضل. . لذة لا نفهم نحن كنهها ولا ندري مقدار عظمها إلا بالقياس والإضافة إلى ما نجده من اللذة عندما نكون قد أدركنا ما هو عندنا أكمل وأبهى إدراكا وأتقن وأتم. . إلخ "." (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. (3) و: أن نجعل. المخلوقات من الجنة، فتكون اللذة مع النظر بذلك المخلوق [1] . وسمع ابن عقيل رجلا يقول: أسألك لذة النظر إلى وجهك. فقال: هب أن له وجها أفتلتذ بالنظر إليه؟ ! . وهذا ونحوه مما أنكر على ابن عقيل ; فإنه كان فاضلا ذكيا، وكان تتلون آراؤه في هذه المواضع ; ولهذا يوجد في كلامه كثير مما يوافق فيه قول المعتزلة والجهمية، وهذا من ذاك. وكذلك أبو المعالي بنى هذا على أصل الجهمية الذي وافقهم فيه الأشعري ومن وافقه، كالقاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى وغيرهما: أن الله لا يحب ذاته، ويزعمون أن الخلاف في ذلك مع الصوفية. وهذا القول من بقايا أقوال جهم بن صفوان، وأول من عرف في الإسلام أنه أنكر أن الله يحب أو يحب الجهم بن صفوان وشيخه الجعد بن درهم، وكذلك هو أول من عرف أنه أنكر حقيقة تكليم الله لموسى وغيره، وكان جهم ينفي الصفات والأسماء، ثم انتقل بعض [2] ذلك إلى المعتزلة وغيرهم ; فنفوا الصفات دون الأسماء. وليس هذا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها [3] ، بل كلهم متفقون على أن الله يستحق أن يحب، وليس شيء أحق بأن يحب من الله سبحانه، بل لا يصلح أن يحب غيره إلا لأجله وكل ما يحبه المؤمن من طعام وشراب ولباس وغير ذلك لا ينبغي أن يفعله إلا ليستعين به على عبادته (1) لم أجد هذا الكلام فيما بين يدي من مؤلفات الجويني، ولعله في كتاب من كتبه المفقودة. (2) ر، ب، ح، ي: بعد. (3) ح، ب: وأئمتهم. سبحانه، المتضمنة لمحبته، فإن الله إنما خلق الخلق لعبادته، وخلق فيهم الشهوات ليتناولوا بها ما يستعينون به [1] على عبادته، ومن لم يعبد الله فإنه فاسد هالك، والله لا يغفر أن يشرك به فيعبد معه غيره، فكيف بمن عطل عبادته فلم يعبده البتة كفرعون وأمثاله؟ ! . وقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [سورة النساء: 48] ، [والتعطيل ليس دون الشرك، بل أعظم منه، فالمستكبرون عن عبادته أعظم جرما من الذين يعبدونه ويعبدون معه غيره، وهو لا يغفر لهم، فأولئك أولى [2] ، وما من مؤمن إلا وفي قلبه حب الله] [3] ، ولو أنكر ذلك بلسانه. وهؤلاء الذين أنكروا محبته من أهل الكلام - وهم مؤمنون - لو رجعوا إلى فطرتهم التي فطروا عليها، واعتبروا أحوال قلوبهم عند عبادته ; لوجدوا في قلوبهم من محبته ما لا يعبر عن قدره، وهم من أكثر الناس نظرا في العلم به وبصفاته وذكره، وذلك كله من محبته [4] ، وإلا فما لا يحب لا تحرص النفوس على ذكره إلا لتعلق حاجتها به ; ولهذا يقال: من أحب شيئا أكثر من ذكره. والمؤمن يجد نفسه محتاجة إلى الله في تحصيل مطالبه، ويجد في قلبه محبة الله غير هذا، فهو محتاج إلى الله من جهة أنه ربه، ومن جهة (1) ح: بها. (2) و: أعظم. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) . (4) و: وذلك طريق محبته. أنه إلهه، قال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} ، فلا بد أن يكون العبد عابدا لله، ولا بد أن يكون مستعينا به ; ولهذا كان هذا فرضا على كل مسلم أن يقوله في صلاته. وهذه الكلمة بين العبد وبين الرب، وقد روي عن [1] الحسن البصري - رحمه الله: أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، جمع سرها في الأربعة، وجمع سر الأربعة في القرآن، وجمع سر [2] القرآن في الفاتحة، وجمع [3] سر الفاتحة في هاتين الكلمتين: [ {إياك نعبد وإياك نستعين} ] [4] ; ولهذا ثناها الله [في كتابه] [5] في غير موضع من القرآن، كقوله: {فاعبده وتوكل عليه} [سورة هود: 123] ، وقوله: {عليه توكلت وإليه أنيب} [سورة هود: 88] ، وقوله: {عليه توكلت وإليه متاب} [سورة الرعد: 30] ، وقوله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [سورة الطلاق: 2 - 3] وأمثال ذلك. وهم يتأولون محبته على محبة عبادته وطاعته. فيقال لهم: فيمتنع في الفطرة أن يحب الإنسان طاعة مطاع وعبادته، إلا أن يكون محبا لله، وإلا فما لا يحب في نفسه [6] لا يحب الإنسان لا (1) عن: ساقطة من (ح) ، (ب) . (2) سر: ساقطة من (و) ، (ر) . (3) و، ح، ر، ي: وجعل. (4) ما بين المعقوفتين في (ح) ، (ر) ، (ب) فقط. (5) في كتابه: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) . (6) ح، ب: فما لا يحب لنفسه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |