تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 31 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إيران عدو تاريخي للعرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 94 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 909 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 11519 )           »          إيقاظ الأفئدة بذكر النار الموقدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 105 )           »          علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 91 )           »          علة حديث: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 102 )           »          الأنفصال العاطفي بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 107 )           »          مقاومة السمنة في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 102 )           »          الذنوب قنطرة البلايا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 103 )           »          المشقة في مخالفة السنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #301  
قديم 09-11-2020, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون)
ثم قال تعالى موبخاً مؤدباً أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ [آل عمران:83] أي: كيف يطلبون ديناً غير دين الله، ويطلبون عبادة ما شرعها الله يعبدونه بها؟! فأين يذهب بعقولهم؟مع أنه أسلم لله من في السماوات ومن في الأرض، فلا يوجد كائن في الملكوت الأعلى أو الأسفل من الإنس والجان، والملائكة، والحيوان، والنباتات، والمخلوقات.. فكلها ذلت وخضعت لأمر الله يحكم بها ما يريد.والكافر ما أسلم وما خضع، يحييه الله متى شاء ويميته متى شاء، ويفقره متى شاء ويغنيه متى شاء، ويصححه ويمرضه، فهل يستطيع الكافر أن يخرج عن تدبير الله فيه؟!فكل الكائنات خاضعة مسلمة منقادة لله عز وجل، يحكم فيها بما يريد، ويدبرها كما يشاء، كيف يرغبون عن الإيمان بالله وعبادته وحده، وله أسلم من في السماوات والأرض؟وإذا قلنا: من في السماوات نذكر ذلك العالم الأقدس الأطهر وهم الملائكة الذين لا يحصي عددهم إلا الله، -وحسبنا- لما في الروضة سمعوا هزة ودوي، وقالوا: ما هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ( أطت السماء وحق لها أن تئط، ما عليها موضع شبر إلا وعليه ملك راكع أو ساجد )، ذلك العالم الذي لا يعصي الله عز وجل، ولا يترك ذكره ولا لحظة، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، وعالم الجن خاضع لأمر الله، ينفذه فيك ما شاء، عالم الإنس كذلك، عالم الحيوان.. الكل أسلم، أي: انقاد وخضع لأحكام الله فيه وقضائه عليها.فالكافر أوجده الله، ويميته الله، ويعطيه ويمنعه الله ويعزه ويذله الله عز وجل، فما خرج عن تدبير الله وحكمه ولا لحظة.

معنى قوله تعالى: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً)
قال تعالى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا [آل عمران:83] أي: الملائكة والمؤمنون والمؤمنات أسلموا طوعاً، وأذعنوا لله وخضعوا لأمره، والكفار مكرهون على أن ينفذ الله أمره فيهم، هذا يعميه وهذا يبصره، وهذا يعطيه وهذا يمنعه، وهذا يميته وهذا يحييه.

معنى قوله تعالى: (وإليه يرجعون)
ثم قال تعالى: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83] أي: إلى الله المصير، ومن ثم يتم الجزاء، جزاء العدل الإلهي عز وجل، فلو كانوا يرجعون إلى غيره لهان الأمر، يمكنهم أن يعربدوا كما يشاءون ما هم راجعين إليه، اخرجوا عن طاعتي وافسقوا عن أمري؛ لأنكم لا تعودون إلي، ولكن المصير إلى الله عز وجل: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83].قال تعالى: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83] أي: ليس باختيارهم، يرجعون رغم أنوفهم وحسب مراد الله منهم.أين يوجد الله الذين يرجعون إليه؟قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر:67-69] جاء الرب عز وجل. وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر:69-70].وانظر: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:71] أي: يساقون كما تساق الإبل والبهائم وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:71] أي: زمرة بعد زمرة، وطائفة بعد أخرى حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:71] أي: كانت الأبواب مغلقة؛ حتى لا يخرج لهبها ولا تتلطف ولا تصاب ببرودة. حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:71-72]. فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72] أي: الذين رفضوا أن يسجدوا لله، ورفضوا أن يخضعوا لله، ورفضوا أن يسلموا لله أمره في عباده، فامتنعوا عن طاعته وعبادته.وغير الكافرين أين هم؟ قال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:73] أي: أبواب الجنة الثمانية وهي مفتوحة من قبل، وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73]. سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ [الزمر:73] وطهرتم فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ [الزمر:73-74] أي: أرض الجنة فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:74-75].فاستقر أهل النعيم في نعيمهم وأهل العذاب في عذابهم، وانتهت الحياة بكاملها، وتمت حياة قائمة دائمة باقية ببقاء الله عز وجل إلى الأبد.موكبان أو مواكب صدر حكم الله: أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى [غافر:50]، وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71].إذاً: ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72].أهل الجنة: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ [الزمر:73] كيف يتقون ربهم؟! فهل: كما نتقيه، نجعل بيننا وبين غضبه وقاية ما يغضب علينا، إذا قال: صوموا صمنا، وإذا قال: أفطروا أفطرنا، إذا قال: خذوا أخذنا، وإذا قال: هاتوا أعطينا، بهذا يتقى الله عز وجل.ولكن معاشر المستمعين والمستمعات! لا ننسى أنه لا بد من معرفة كيف نتقي الله وبم نتقيه؟فهيهات هيهات أن يتقي الله عبد وهو ما عرف ما يحب الله ولا ما يكره، وهيهات هيهات أن تتقي الله امرأة وهي لا تعرف ما يحب الله ولا ما يكره، ولا تعرف كيف تؤدي ذلك المحبوب له، وكيف تقدمه على الصورة التي يحبها وهي التي شرعها، وبينها في كتابه وعلى لسان رسوله.فاليهود والنصارى أعرضوا عن دعوة الله، وحملهم على ذلك الكبر -والعياذ بالله- والطمع وأوساخ الدنيا، فضلوا وأضلوا أمماً وأجيالاً تعيش إلى جهنم. فالحمد لله الذي نجانا من هذه الفتنة.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال: [معنى الآيات: ما زال السياق] أي سياق الآيات [ في الرد] على من؟ [ على نصارى نجران، فيقول تعالى لرسوله: اذكر لهم -يا نبينا- ما أخذ الله على النبيين وأممهم من ميثاق ] وهذا الميثاق هو [ أنه مهما آتاهم من كتاب وحكمة ثم جاءهم رسول مصدق لما معهم من النور والهدى ليؤمنن به ولينصرنه على أعداءه ومناؤيه من أهل الكفر، وأنه تعالى قررهم فأقروا واعترفوا ثم استشدهم على ذلك فشهدوا وشهد تعالى أيضاً ] سبحان الله! كيف اليهودي أو النصراني يسمع بهذا ويفهم كما فهمنا ويبيت كافراً؟ أمراً عجب [ فقال: وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81] ثم أكد تعالى ذلك مرة أخرى بأن من يعرض عن هذا الميثاق ولم يف به يعتبر فاسقاً ويلقى جزاء الفاسقين ]. فجزاء الفاسقين الهون والدون، والشقاء والبلاء في دار الخلد التي لا تطلب الفناء، أي: عذاب أبدي.[ قال تعالى: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ [آل عمران:82] -أي: لا غيرهم- الْفَاسِقُونَ [آل عمران:82] ].قال: [ وقد نقض هذا الميثاق ] وحلوا ما أبرم فيه [ كل من اليهود والنصارى ]، فاليوم وقبل اليوم نقضوا، [ إذ لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، وقد أُخذ عليهم الميثاق بالإيمان به، وبنصره، فكفروا به، وخذلوه ] بل وحاربوه [ فكانوا بذلك الفاسقين المستوجبين لعذاب الله تعالى ] في الدنيا والآخرة.قال: [ ثم وبخ تعالى أهل الكتاب قائلاً: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ [آل عمران:83] ] فالهمز هنا للتوبيخ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ [آل عمران:83] يبغون: أي الإسلام.[ أي يطلبون، ولله أسلم، أي: انقاد وخضع من في السموات من الملائكة والأرض من سائر المخلوقات الأرضية طوعاً أو كرهاً، أي: طائعين أو مكرهين وفوق هذا أنكم ترجعون إليه فيحاسبكم، ويجزيكم بأعمالكم.هذا ما تضمنته الآية الأخيرة، إذ قال تعالى : أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ [آل عمران:83]] هذا الاستفهام توبيخ وإنكار عليهم غير دين الله يطلبون. وَلَهُ [آل عمران:83] أي: لله أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:83] وأنتم لا تسلمون؟ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83].

هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات:أولاً: بيان سنة الله تعالى في الأنبياء السابقين، وهي أن يؤمن بعضهم ببعض وينصر بعضهم بعضاً].مثلاً: ما كان من هارون مع موسى؟ وهل خذل موسى هارون أو هارون خذل موسى؟ لا والله.وما كان من إسماعيل وإسحاق ويعقوب مع بعضهم البعض في عصر واحد، هل كذّب أحدهم الآخر أو خذله أو وقف ضده، أو قال: لا تصدقوا فلان؟ الجواب: لا.وداود وسليمان نبيان رسولان فهل خذل أحدهما الآخر أو كذب أحدهما بالآخر؟ الجواب: لا. والله أبداً، بل كانا مسلمين مصدقين لبعضهم البعض.وزكريا ويحيى وعيسى مع بعضهم البعض هل كذب أحدهم الآخر؟ لا. شأنهم شأن العلماء في أمة الإسلام، فهل كذب أبو حنيفة مالكاً وقال: لا تأخذوا برأيه؟ لا والله.وهل كذب مالكاً الشافعي ؟ وهل كذب أحمد الشافعي أو مالك ؟ الجواب: لا؛ لأن أمرهم واحد: الإسلام لله عز وجل، وإلى الآن العلماء بحق، العارفين لا يكذب بعضهم بعضاً ولا يخذل بعضهم بعضاً، والله! ما كان، بل ينصر بعضهم بعضاً ويصدق بعضهم بعضاً، ومن جاء بالتدجيل والباطل والكذب فهو مرفوض ومرمي به بعيداً ولا يقبل، فإذا جاء الآن -كما قلت- من يدعي النبوة يقتل، وقد ادعاه ثلاثون رجلاً فلم تقبل منهم قتلوا.. يستتابوا ثلاثة أيام إما أن يتوب ويرجع ويقول: لست برسول ولا نبي وإلا يقتل.آخر واحد منهم جاءنا في البيت في القرن الخامس عشر كنا مع طالب في البيت فقال: أنا نبي الله! فقلت: أنت نبي الله؟! قال: نعم، آمنوا بي. قلنا له: كيف؟ اتق الله، قد ختم الله النبوة. فقال: ليس الأمر لكم، أنا على علم، أنا نبأني الله، أنا نبي.. اتبعوني.جاء: السلام عليكم. يا عبد الله! وعصاه في يده، هذا الشاب جاء من القصيم.. أو من الجنوب، يدعي أنه نبي، قال: وأنت نبي؟ قال: نعم، وانهال عليه بالعصا، اضرب.. اضرب حتى صرخ، أنا كاذب لست بنبي، هذا في في حارة السحمان.وهذا كان قبل ثلاث أو أربع سنين.وهكذا ادعى النبوة بعد نبينا ثلاثون رجلاً، الآن واحد وثلاثين، لكن يفضحون منهم من يقتل ومنهم من الضرب فقط يؤدبوه ويسكت.لكن قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ما ظهر نبي نبأه الله إلا وآمن به من كان قبله، ورحب به وأهل وسهل ووقف إلى جنبه؛ لأنه المبلغ عن الله عز وجل الرسالة، وهي أن يعبد الله بالأمر والنهي؛ من أجل أن يكمل الناس ويسعدوا في الدنيا والآخرة.فالعبادات من الوضوء، ومن الطهارة، إلى الجهاد والرباط ما خرجت عن كونه نظاماً إلهياً لإسعاد البشرية وإنجائها، فما من شريعة شرعها الله إلا وهي تؤدي هذا الغرض السامي، أن يسعد الناس ويطهروا ويكملوا في الدنيا ويكملون ويسعدون في الدار الآخرة في جنات النعيم، فهي دعوة واحدة، وملة واحدة، فمن جاء بنبوة قال الأنبياء: مرحباً، إن خالفهم أو عارضهم كذاب، دجال، ساحر.. يضربونه.فالآن نحن في المدينة لو يجيء عالم يدعي العلم أو كذا ننظر، إذا خرج عن منهج كتاب الله ورسوله فهو ساحر أو دجال، إن وافق ما في كتاب الله وسنة الرسول قدرناه وأجللناه وكبرناه، ووقفنا إلى جنبه، فهذه هي دعوة الله.وصل الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #302  
قديم 09-11-2020, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (23)
الحلقة (164)

تفسير سورة آل عمران (3)


أنزل الله عز وجل القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بسورة أو آية، وهم إلى اليوم عاجزون عن ذلك، وسيستمر عجزهم إلى قيام الساعة، فالقرآن كلام الله منه المحكم ومنه المتشابه، والمؤمنون القانتون يتبعون المحكم منه ويتركون أمر المتشابة لله، وأما الذين زاغت قلوبهم فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة لعباد الله المؤمنين.

تفسير قوله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات .... )
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )، فهنيئاً لكم معشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث من سورة آل عمران عليهم السلام، وتلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:7-9].وقبل أن نشرع في تدارس هذه الآيات أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن نيفاً وثمانين آية من هذه السورة نزل في وفد نجران، نجران تقع في جنوب المملكة، وكان فيها نصارى، وجاءت النصرانية من الشام وتوغلت هناك وظهرت، فلما رغبوا في محاجتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوا وفداً منهم مكوناًمن ستين فارساً، وجادلوا وهزموا شر هزيمة!لقد دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة فرغبوا، فما إن شاهدوا رسول الله وقد خرج كأنه البدر وإلى جنبه الحسن والحسين ووراءه علي وفاطمة -وهؤلاء أهل البيت- حتى انهاروا وقال رئيسهم: لو باهلتم هذا لم تبق فيكم عين تطرف، ورضوا بالجزية يدفعونها وعادوا إلى ديارهم. إذاً: قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران:7] تقرير لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقرير لألوهية الله العليم الحكيم الحي القيوم.


عظمة القرآن الكريم وتحدي الله للإنس والجن أن يأتوا بسورة من مثله

قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران:7] هو لا غيره ( الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) الفخم، العظيم، الجليل. إي والله، الله لا أفخم من القرآن ولا أجل ولا أعظم منه، ومن أراد أن يقول: كيف؟ فقد تحدى الله به الإنس والجن إلى اليوم على أن يأتوا بمثله فلم يأتوا بمثله، وتحدى العرب، وهم أرباب الفصاحة والبيان؛ على أن يأتوا بعشر سور من مثله فوالله ما استطاعوا، ثم تحداهم بعد فترة بسورة واحدة فما استطاعوا، وأعلمهم أنهم لن يستطيعوا، فأيأسهم، ولنقرأ لذلك قوله تعالى في أوائل سورة البقرة: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24]. هل فهمتم: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، هذه اللام الزمخشرية. ومن باب البيان والشرح والتفسير للأبناء والإخوان على عادتنا نقول: لن يستطيع أحد أن يقول: وَلَنْ تَفْعَلُوا إلا الله، فهو الذي يملك القلوب والوجوه، وبيده زمام كل الحياة.ونقول: في اليابان الصناعة تفوقت، فهل تستطيع أن تنتج آلة من الآلات الصناعية وتقول: أتحدى البشرية لمدة خمسين سنة أن يوجدوا مثلها؟ هل يمكن أن يقول أهل اليابان هذا ؟ لا يمكن. لما ما قالوا وتبجحوا فهل تستطيع أمريكا أو ألمانيا أو البلاشفة الحمر من الشيوعية أن يتحدوا العالم في إحداث صناعة من الصناعات؟ لا يستطيعون؛ لأنهم لا يدرون متى ينتج غيرهم ذلك ويتحداهم، أما الله جل جلاله وعظم سلطانه وهو الحي القيوم فقال لهم: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]. وهل فعلوا؟ مرت ألف وأربعمائة سنة وخمسة عشر عاماً واستطاع العرب أن يأتوا بسورة كسور القرآن؟ كتبوا وألفوا عشرات بل مئات المصنفات، فأين هي من كلام الله رب العالمين؟! لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].

معنى الآيات المحكمات
قال تعالى: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ [آل عمران:7]. أي: من هذا الكتاب العظيم الجليل آيات محكمات، لا خلل فيها أبداً، ولا يتطرق إليها الضعف ولا النقص ولا الخلل بحال، فهي محكمة متقنة، ظاهرة المعنى، بينة الدلالة، ليس فيها أبداً من الشبه ما يصرف الناس عنها، محكمة، متقنة. ومعنى محكمة بالمعنى الذي يراد هنا: أنها ظاهرة المعنى بينة الدلالة لا تلتبس على ذي عقل أو ذي فهم من البشر.إذاً: هُنَّ [آل عمران:7]، أي: تلك الآيات المحكمات، أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران:7]، تعرفون الأم أم لا؟ أم الأولاد من بنين وبنات منها انحدروا ووجدوا، فهذه الآيات المحكمات كل الأحكام الشرعية في بيان العقيدة، وفي بيان الحلال، الحرم، والآداب، والأخلاق، والسياسية، والمال، والاقتصاد، والحرب والسلم، كلها متولدة عنها، كما أن الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هي أيضاً أم الكتاب، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، والسبع المثاني: هي الآيات السبع، سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أم القرآن، وأم الكتاب، ومعلوم عندنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فلا صلاة له )، وقوله: ( من لم يقرأ بأم الكتاب فصلاته خداج خداج خداج ). لم؟ لأن الفاتحة اشتملت على العقائد، أسماء الله وصفاته، وربوبيته وألوهيته، اشتملت على البعث والدار الآخرة في كلمة يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، واشتملت على أنواع العبادات والقرب على تنوعها واختلافها، كما اشتملت على قصص وأحداث العالم إذا قال: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فهي حقاً أم الكتاب وفاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني.

معنى الآيات المتشابهات
قال الله: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]: ( هُنَّ ). أي: تلك الآيات المحكمة، (أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ) أي: وآيات أخر مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]. ومعنى التشابه فيها: أنه لا يظهر للسامع أو للقارئ معناها؛ لوجود التشابه؛ من باب الامتحان والاختبار والابتلاء، ومن باب أن نعرف أننا عجزة ضعفاء، فلو لا أن الله أقوانا على فهم الكتاب والله ما فهمناه! ولولا أنه علمنا والله ما علمنا، فمن نحن؟ آيات متشابهة يعجز العقل البشري عن إدراك معناها، وفهم مراد الله تعالى منها، ولو كان العرب مثلنا لهان الأمر، ولكنهم كانوا أرباب البيان واللسان، ويقفون عند هذه الآيات المتشابهة فيطأطئون رءوسهم.ومن الآيات المتشابهات: الحروف المقطعة في فواتح السور: الم [آل عمران:1]؟ الله أعلم بمراده، طسم [الشعراء:1]، الله أعلم بمراده، كهيعص [مريم:1]، الله أعلم بمراده به، فهذا من المتشابه، وأهل العلم والبصيرة وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، فالمحكم والمتشابه أنزلهما الله في كتابه على رسوله، والكل من عند الله، فكون عقولنا قصرت وما استطاعت أن تدرك فهذا ليس عيباً في الكلام الإلهي، بل هذا آية عجزنا وضعفنا عن فهم كلام ربنا عز وجل.يأجوج ومأجوج كيف تتصور أولئك القوم؟ كيف تدرك ماهيتهم؟ الله يخبرنا فيقول: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ [الأنبياء:96-97].. الآيات.من يأجوج ومأجوج؟ كيف؟ سلم الأمر لله، فهذه الآية ليست كآية: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43].نزول عيسى عليه السلام: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا [الزخرف:61]، هذا عيسى بن مريم، علامة على قرب الساعة. كيف ينزل؟ كيف أخذ؟ كيف رفع؟ قل: آمنت بالله وسلمت.ما معنى قوله تعالى في عيسى: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171] ؟ قل: آمنت بالله. وهذا شأن أهل العلم، قال تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، وقال تعالى: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]، اللهم اجعلنا منهم.


التحذير من الزيغ واتباع المتشابه من الآيات

قال الله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ [آل عمران:7]، أتدرون ما الزيغ هذا؟! يقال: زاغ يزيغ الثعلب؛ إذا مال، وزاغ البصر؛ إذا مال، فالزيغ: هو الميل، والقلب إذا زاغ مال عن الحق.إذاً: الزيغ: هو الميل، ميل إلى الشهوات والأهواء، وميل إلى الدنيا وما تحويه من هذه الملذات الفانية، فأصحاب القلوب المائلة الزائغة عن الحق يبحثون عن الآيات المتشابهة، ويأخذون في تأويلها؛ لإبطال الحق، ولتشتيت وتفريق جماعة المؤمنين، وقد حذر منهم أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فقال: ( إذا رأيتم الذين يبتغون المتشابه فأولئك الذين سماهم الله؛ فحذروهم! ).وهنا أذكر صورة توضح لكم أكثر: النصارى لما قيل لهم: كيف تؤلهون الله وهو الإله الواحد الأحد؟ قالوا: في كتابكم في القرآن يقول عز وجل: فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا [التحريم:12]، وهذا الضمير يعود إلى متعدد ولا يعود إلى واحد.وقالوا: أيضاً قوله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ [النحل:40]، قالوا: هذه النون نون الجماعة. هذا المتمسك عندهم، وهو والله لأوهى من خيط العنكبوت.فقلنا لهم: هذه لغة القرآن، لغة العرب، إذا كان المتكلم ذا جناب عظيم وسلطان قاهر وقدرة باهرة يتكلم بصيغة الجمع، وأنتم رؤساءكم إذا تكلموا يتكلمون كذلك: نحن فعلنا، نحن نفعل، نحن الذي قررنا هذا، هذا نظام دولتنا، فهذه شبهة لا تزن جناح بعوضة، فالذي قرره وحدانيته وقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، هو الذي تكلم بهذا الكلام؛ ليعلمنا بعظمته وجلاله، وأن الملكوت كله بيده، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يرفع ويضع، يبسط ويقبض، فهو يتكلم بصفة التعظيم، فالذين يريدون أن يتمسكوا بالباطل؛ ليستمروا على باطلهم وعلى أوساخهم وفهومهم السقيمة هم الذين يبحثون عن كذا آية من المتشابهات ويتشبثون بها، مع أن المتشابهات آيات جزئية ولا تمثل واحد إلى مائة من الكتاب الكريم، فأكثر الآيات من المحكم.إذاً: إذا رأيتم الذين يتتبعون هذا المتشابه فاحذروهم، فإنهم الذين سماهم الله، فقال عنهم: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7]، أي: من القرآن ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ [آل عمران:7]، وطلباً لها.يفتنون من؟ يفتنون المسلمين عن دينهم، ويبعدونهم عن رحمة ربهم؛ ليصبحوا أمثالهم هابطين لاصقين بالأرض وأوساخ البشرية، ويؤلهون الأصنام والأحجار ويعلقون الصلبان. الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران:7]، القرآن كله دار على هذه المحكمات؛ إذ فيها بيان الحلال والحرام، بيان ما ينجي ويسعد، بيان ما يشقي ويؤذي، بيان ما يعز ويذل وَأُخَرُ [آل عمران:7]، آيات أخرى متشابهات، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ [آل عمران:7] والزيغ: الميل من الحق إلى الباطل، ومن المعروف إلى المنكر، ومن الخير إلى الشر؛ اتباعاً للشهوات والأهواء، نسأل الله أن يطهر قلوبنا.ويروى: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أيام الردة التي أعلنها العرب على عهده كان يصلي المغرب بقصار المفصل، وفي الركعة الأخيرة يقرأ بهذه الآية: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].

معنى قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله)
قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، أي: لا يعلم ما يئول إليه الأمر إلا الله عز وجل، ومن عقيدة أهل الإيمان: أن الشقي منا كالسعيد قد مضى حكم الله فيه، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، فهل يستطيع أحدنا أن يقول: فلان من أهل الجنة، أو فلان من أهل النار؟الجواب: لا. من يستطيع؟! مؤمنون تمام الإيمان بأن السعيد من كتبت سعادته، والشقي من كتبت شقاوته في كتاب المقادير، ومع هذا لا نستطيع أن نقول: فلان من أهل النار أو فلان من أهل الجنة، إذ هذا متشابه علينا لا يعلمه إلا الله، وكل ما في الأمر: إذا بشر الله على لسان رسوله بأن فلاناً من أهل الجنة يجب أن نرددها وأن نقول وراءه وهي الحق، ثم إلى جانب ذلك علمنا وهو من علم الله، أن من كتب الله سعادته وإن زلت قدمه، وإن زاغ قلبه فإن أمره سيئول ويرجع إلى أن يستقيم قلبه ويوحد ربه ويعبده بعبادة تدخله الجنة، وأن من كتب الله شقاوته فسوف يعمل ولابد وأن يأتي يوم يزيغ قلبه، ويكفر بربه، ويخرج عن طاعته، ليدخل النار بموجب عمله؛ لأن الله حكم وهو العدل، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. يا معشر المستمعين والمستمعات! هذا حكم الله الصادر علينا، هل بلغكم؟ هذا حكم الله قد صدر، وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، أن من زكى نفسه بالإيمان وصالح الأعمال أفلح، فاز، نجا من النار ودخل الجنة، وأن من دسى نفسه وخبثها ولوثها ووضع عليها أطنان الذنوب والآثام فتدست فهو من أهل الخسران، أهل الخيبة والعياذ بالله، خاب من دخول الجنة واستقر في عالم الشقاء النار، ونحن نعرف هذا ولكن لا نجزم أبداً بأن فلان من أهل الجنة أو فلان من أهل النار؛ لقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، جل جلاله، وعظم سلطانه، أي: ما يئول إليه الأمر، أو ما هو المراد لله منه، هو وحده، لا ننسى ما قال أهل العلم عند الآيات المتشابهة كفواتح السور: الله أعلم بمراده به. تسلم، لأنك لا تستطيع أن تفهم، عاجز، ولولا أن الله علمنا والله ما علمنا، فاستأثر تعالى بهذه الآيات المتشابهة امتحاناً لنا: أنسلم له أو لا؟ فمن سلم سلم، ومن آمن أمن، ومن حاول أن يتعالى ويقول ما ليس له علم تعرض لغضب الله وسخطه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #303  
قديم 09-11-2020, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

أوصاف الراسخين في العلم
أهل العلم بالقراءات والتفسير قالوا: إن الوقف هنا وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] لابد منه، ويضعون عليها حرف الميم، وهو يعني الوقف اللازم.قالوا: ثم نستأنف كلاماً آخر ونقول: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، فلا تعطف والراسخون فتقول: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)، إياك! بل قف عند قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، واستأنف كلاماً جديداً، فقل: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمران:7]. من هم الراسخون في العلم؟ رسخ الشيء يرسخ رسوخاً إذا ثبت، إذا تقرر، ما بقي له أن يتزحزح أو يتبدل أو يتغير أبداً، هذا هو الرسوخ.وورد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الراسخ بالعلم فقال: ( الراسخ في العلم من برت يمينه ). ما معنى: (برت يمينه)؟ أي: لا يحلف بالكذب، فيمينه دائماً صادقة، ( وصدق لسانه )، فلا يقول غير الصدق والحق أبداً ( واستقام قلبه )، فلا يميل يميناً ولا شمالاً. هذا هو الراسخ في العلم، ولن نكون راسخين في العلم، إذا توفرت لنا هذه:أولاً: أن تكون أيماننا بارة، صادقة، ولا يقوى على هذا إلا من علم.ثانياً: أن تكون ألسنتا صادقة لا تقول الكذب أبداً؛ وذلك للعلم الراسخ في نفوسنا.ثالثاً: أن تكون قلوبنا مستقيمة، تنهج صراط الله المستقيم، لا تميل إلى يهودية ولا نصرانية، ولا شرك ولا باطل. هؤلاء هم الراسخون في العلم، أصحاب الأيمان البارة، والألسن الصادقة، والقلوب المستقيمة. ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أنا من الراسخين في العلم. إي والله! إنه لمن الراسخين في العلم، حبر هذه الأمة من الراسخين في العلم، ولكن لا يعلم المتشابه ولا يقول فيه كذا وكذا، فالراسخون في العلم موقفهم دائماً وأبداً: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]. (كُلٌّ)، أي: من المتشابه والمحكم، (مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا): هو الذي أنزله على رسولنا في كتابه القرآن العظيم المحفوظ في صدورنا والمكتوب في سطورنا، وهذا هو المنهج الرباني السليم.

تفسير قوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا... )
قال تعالى: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]. هذا تعليم الله، الله عز وجل أرشدنا إلى ما نقول إذا اضطربت النفس وتحير القلب، وهذا هو السؤال، اسأل الله، افزع إلى الله: رب لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني! يستجيب لك. ‏

استحباب طلب الهداية والاستعاذة من الفتن
روى مسلم عن الصديقة عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا استيقظ من الليل قال: لا إله إلا أنت سبحانك، أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة؛ إنك أنت الوهاب )، فيا ليتنا نحفظ هذا ونقوم به، هيا عبد الله! اكتبها سجلها جربها الليلة، لما أنت تستيقظ قل: ( لا إله إلا أنت سبحانك، أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )، فصاحب هذه الدعوة لا يخيب! فتوسل إلى الله بهذه الجملة: ( وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) لا غيرك!وقد بلغنا هذا العلم، وحاولت، وكنت إذا استيقظت يرتبك لساني فحاولت مرتين وثلاث مرات حتى رسخ، وأنبه لهذا قد تستيقظ وتحاول فتنساها، فلا تقل: نتركها، بل راجعها من اليوم الثاني، حتى تستقر ويكون هذا وردك إذا قمت من الليل، وهو في راية مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا إله إلا أنت سبحانك أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )، والله لجمعت خير الدنيا والآخرة ما تركت شيئاً تحتاج إليه، أبداً، لما تقول: ( لا إله إلا أنت )، هذه كلمة التوحيد بها تدخل الجنة، لا إله إلا الله ( من مات وآخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )، وإن زنا وإن سرق، فهذا الختم، قد يعاقب فيعذب بالنار، ولكن مصيره الأخير هو الجنة دار السلام.


حكم الحج والعمرة عن تارك الصلاة

هنا أعطيكم هذه اللطيفة: يأتيك الرجل ويقول لك: يا شيخ! أبي مات وهو لا يصلي فأحج عنه أو لا؟ أعتمر عنه أو لا ؟ ويأتي آخر ويقول: آه! أمي ماتت وهي تعبد عبد القادر الجيلاني أنحج عنها ونعتمر أو لا؟ كيف المخرج؟ الذي فتح الله به علي أن أقول: إذا كان على سرير الموت ولقنتموه الشهادة فكان آخر ما قال: لا إله إلا الله ومات عليها، نقول: نعم! حج عن أبيك واعتمر، وإذا مات على السرير وهو يغني وا ليلاه، ويتكلم عن البقلاوة والحلاوة فهذا لا ينفع، ولا تحج ولا تعتمر عنه، فهذا هو المرمى الأخير، من وفق إلى قول: أشهد أن لا إله إلا الله ثم فاضت روحه فهو من أهل الجنة، وذلك لما أخبر به الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من مات وآخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )، فهل عرف المسلمون هذا؟ بعضهم عرف ولا يبالي؛ لأنه من الهابطين، نزل من علياء السماء على الأرض، وبعضهم ما عرفوا.

مشروعية تلقين المحتضر لا إله إلا الله
لو عرفنا هذا لوظفنا في المستشفيات علماء وظيفتهم لما يشاهدون المريض يعاني من سكرات الموت يجلس أحدهم إلى جنبه ويقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله؛ فإن قال المريض: لا إله إلا الله، سكت عنه، ثم إذا أعاد المريض وتكلم بكلام آخر انقطعت تلك الصلة، فيعيد الملقن قول لا إله إلا الله، فإن قالها المريض سكت، فإن تكلم بكلام آخر وانقطع يعيدها عليه، وإن كانت آخر ما قال يبشره بالجنة. وينبغي أيضاً أن يوجد هذا في مستشفيات النساء، توظف عالمات وظيفتهن تلقين من شارف على الموت لا إله إلا الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ). فمن عاد مريضاً ووجده يعاني من سكرات الموت فليلقنه: (لا إله إلا الله)، فإن قالها وأنت تسمعه ومات عنها، فبشر بنعمة الله التي أنعمها عليه، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة الطاهرة زار يهودياً كان يخدمه -يخدم بيت الرسول وأبوه يهودي- لما بلغه صلى الله عليه وسلم أنه مريض، فذهب إليه ودخل وإذا بالغلام مريض وقد بلغ سن التكليف وما زال على اليهودية، فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( يا فلان! قل لا إله إلا الله! فنظر إلى أبيه فسكت أبوه، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أبيه فقال أبوه : أطع أبا القاسم. فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أخرجه بي من النار ). بنو عمنا فتنوهم فقط بفتنة الوطنية والمملكة وإعادة المجد، هذا الذي باعدهم عنا وإلا فهم عالمون عارفون أنه الحق فهم أبناء الأنبياء وأبناء الرسل، ولكنهم يقولون: إذا أسلمنا ودخلنا في الإسلام متى يعود مجد بني إسرائيل؟ متى تظهر مملكتهم وتسود العالم؟ فلهذا قالوا: لا ندخل في الإسلام؛ لأننا سنذوب فيه، فلا يبقى لنا وجود. هذه هي الحقيقة والله. إذاً: فلما قالها الغلام: لا إله إلا الله، قال: ( أبشر يا غلام بالجنة ).إذاً: عرفتم تلقين الميت أو لا؟ الرسول لقن. وإليكم صورة أخرى لمن كتب الله شقاوته أزلاً في كتاب المقادير وهو أبو طالب بن عبد المطلب ، هذا عم الحبيب صلى الله عليه وسلم، هذا ساعده الأيمن، هذا درعه الواقي أبو طالب ، أبو طالب الذي دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستطع أحد من أهل الشرك أن ينال من رسول الله بكلمة وأبو طالب موجود، وهو على ملة الكفر، فلما توفي نال المشركون من رسول الله ما نالوا، فهذا عقبة بن أبي معيط عليه لعائن الله يأتي والرسول يصلي خلف الكعبة فيضع سلا الجزور بين كتفي رسول الله وهو يصلي، والجماعة الطائشة يضحكون ويتمرغون على الأرض، فهل فعل هذا وأبو طالب حي؟ لا. لا يقدر.إذاً: مرض أبو طالب فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم يعوده في مرضه الذي توفي فيه، فوجد رجالات قريش ومشايخها من أبي جهل إلى عقبة إلى فلان وفلان، فقال: ( أي عم! -يا عمي- قل كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة، قل: لا إله إلا الله، فينظر أبو طالب إلى رجالات قريش، فيقولون له: أترغب عن ملة أجدادك يا أبا طالب ؟! )، أترغب عن ملة أبيك وجدك يا أبا طالب ؟ وكرر عليه الحبيب صلى الله عليه وسلم فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب . لأن قرناء السوء كانوا يقولون له: أترغب عن ملة عبد المطلب وتدخل في ملة جديدة ودين جديد؟! لما كتب الله شقاوته في كتاب المقادير فلن يقول إلا هذا، وعن إرادة واختيار قال هو على ملة عبد المطلب ، فقال الرسول: ( لأستغفرن لك إلا أن أنهى عن ذلك )، وأخذ يستغفر له ويطلب المغفرة حتى نزلت آية التوبة: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113].

حكم الاستغفار للمشركين
عجب هذا القرآن! مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ [التوبة:113]أي: لا ينبغي له هذا، مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113]، كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأعمام والعمات مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113]؛ لأن من مات على الكفر فهو من أصحاب الجحيم، قال تعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114]، إبراهيم واعد أباه أيضاً أن يستغفر له، قال: لأستغفرن لك، وأخذ يستغفر، فلما تجلت حقيقة شركه وكفره تركه. ومع هذا أخبرنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم عن هذه الحادثة فقال: ( إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة فقال له: قد نهيتك عن هذا فعصيتني. قال: لكنني اليوم لا أعصيك واحدة. قال: أي رب! وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد. قال: يا إبراهيم! إني حرمتها على الكافرين فأخذ منه. فقال: يا إبراهيم! أين أبوك؟ قال: أنت أخذته مني. قال: انظر أسفل منه فنظر فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه فأخذ بقوائمه فألقي في النار )، لأن إبراهيم عليه السلام أعلى درجة في باب الرحمة، لم تعرف الدنيا أرحم منك يا إبراهيم! ما الدليل؟ اذبح ولدك. لا إله إلا الله! هو الذي ملأ قلبه بالرحمة فأصبح أرحم أهل الأرض، هو الأب الرحيم، ومن ثم ليرفع منزلته قال: اذبح ولدك يا إبراهيم. كيف يذبح ولده؟ إن كنت تطيع وتعبدنا بحق فقد أمرناك أن تذبح ولدك، فساقه عليه السلام إلى منى وتله للجبين والمدية في يمينه، وقبل أن يذبحه التفت وإذا بجبريل يقول له: خذ هذا واترك هذا، قال تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الصافات:107-109]. إذاً: الرسول نهي رسمياً والمؤمنون أن يستغفروا لمن مات كافراً أو مشركاً.وها هو صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي والعالم أجمع يعود من مكة فيمر بالجحفة شرق رابغ وبها قبر أمه آمنة بنت وهب الزهرية ، مدفونة هناك، فقد كانت في زيارة لأخوله في المدنية، فماتت في الطريق، مرضت وماتت، فدفنت بالجحفة، فلما كان صلى الله عليه وسلم عائداً من مكة استأذن ربه أن يسمح له بأن يزور أمه، إذا قال: ( استأذنت ربي في أن أزور أمي فأذن لي )، ووراءه رجاله وتلامذته البررة، وهو واقف يبكي يبكي يبكي.. على قبرها، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله! قال: ( استأذنت ربي في أن أزور أمي فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي فلذا أنا أبكي ). عرفتم! هذا حكم الله الصادر على البشرية والجن معها: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، إما أن تزكي نفسك بالإيمان وصالح الأعمال وتبعدها عن مدسياتها من الشرك والأعمال الباطلة وإلا فالمصير معروف. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] سواءً كان أباً لإبراهيم أو ابناً له، أو أباً لرسول الله أو ابناً له، والقرآن وضح هذا وبينه. هل استطاع نوح أن يشفع لابنه؟ لا. قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [هود:45] قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46]. لماذا يا رب؟ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46].

حكم التوسل إلى الله بحق مخلوق
قال تعالى: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً [آل عمران:8]، رحمة عظيمة تغمرنا في حياتنا، وفي برزخنا ويوم نلقى ربنا إِنَّكَ أَنْتَ [آل عمران:8] لا غيرك الْوَهَّابُ [آل عمران:8]. هذه الجملة عندنا نحن، عرفنا أنها من باب التوسل إلى الله، أما إخواننا فيتوسلون: اللهم بحق نبيك أعطنا كذا، بجاه سيدي فلان! حرموهم أعداء الدين من أن يتوسلوا إلى الله بوسيلة مشروعة، ولكن اللهم إنا نسألك بجاه فلان، وأعطنا بحق فلان. وهذا لا يجوز، بل قدم شيئاً يحبه الله، قل: اللهم اغفر لفلان وارحمه واغفر لي أيضاً وارحمني، تكون قد توسلت؛ لأنك دعوت لمؤمن بالمغفرة والرحمة، وهذه وسيلة، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا [آل عمران:16]، توسلوا أو لا؟و نحن نتوسل إلى الله بابتسامة في وجه مؤمن، بلقمة في فم جائع، بشوكة نزيلها من الطريق، بصلاة ركعتين في جوف الليل، بذكر الله مائة مرة أو عشر مرات، ونسأل الله. وهذا الباب المفتوح أغلقه أعداء الإسلام في وجوه أمة الإسلام أكثر من سبعمائة سنة، ليس عندهم وسيلة إلا بحق فلان أو بجاه فلا، فلا يعرفون وسيلة إلا هذه، فسبحان الله العظيم!يروى عن الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رحمه الله أنه قال: من سأل الله بحق فلان فقد كفر. فما وجه كفره؟ لأن معنى كلامك حقيقة: إن لم تعطنني أنت فأعطني بحق فلان عليك! أعوذ بالله! هل يوجد إنسان مخلوق مربوب له حق على الله؟ أما نستحي أن نقول هذه الكلمة؟! هل يقولها عاقل؟الجواب لا. هل كفر من قال هذا أو لا؟ كفره كالشمس واضح. إخواننا وآباؤنا وأمهاتنا عاشوا قروناً لا يعرفون من الوسيلة إلا بحق فلان وجاه فلان. من حرمهم الوسيلة المشروعة؟ إنه الثالوث الأسود: اليهود، والمجوس، والنصارى، تعانقوا، تحابوا، تلاقوا وقالوا: نطفئ هذا النور؛ لتبقى لنا يهوديتنا ونصرانيتا ومجوسيتنا، وتعاونوا قروناً على تضليل الأمة، وإلى الآن ما زالوا متعاونين في الخفاء.

تفسير قوله تعالى: (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه.... )
يقول تعالى: رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران:9]. رَبَّنَا [آل عمران:9]، أي: يا ربنا. وحذفت الياء؛ لأن الله قريب ليس ببعيد حتى نقول يا ربنا. ‏

جمع الله الناس ليوم القيامة
إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران:9]، أي يوم هذا؟ هذا يوم لا شك فيه، يجمع الله الناس فيه ليقضي بينهم، ليحاسب ويسأل ويستنطق ويجزي الخير بالخير والشر بالشر. رَبَّنَا [آل عمران:9]: يا ربنا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ [آل عمران:9]، أي: لا شك فيه. أفي هذا شك؟ الشك يأتي من شخص يقول: نحن غير موجودين أبدا،ً ولا نموت. فهذا نقول له: إذا كانت موجود فمن أوجدك؟ وإذا كنت ستموت فمن يميتك؟ وإذا كنت تموت من يحييك؟ إذاً: كيف تقول: لا؟ قل: آمنت بالله.

إنجاز الله وعده لرسوله والمؤمنين
قال الله: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9]، الميعاد: الوعد المعين بالمكان. قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]. والله لقد تم هذا الوعد بالحرف الواحد! نزلت هذه الآية والمؤمن لا يستطيع أن يبول خارج بيته يخاف في الليل من اليهود والمشركين ومع هذا أنجز الله وعده لرسوله، والله يسير الراكب من هذا المدينة إلى السند لا يخاف إلا الله! إلى عدن لا يخاف إلا الله، في تلك الأيام الزاهرة! فلا يخلف الميعاد، وعدهم بأن يجمعهم مرة أخرى ويحاسبهم ويجزيهم إما في دار السلام في العلو، وإما في دار البوار في السفل ألا وهي النار، والعياذ بالله.وصل اللهم على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #304  
قديم 09-11-2020, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (24)
الحلقة (165)

تفسير سورة آل عمران (30)

سادات الناس هم الربانيون الذين يربون الناس بالعلم والحكمة، فيصلحونهم ويهذبونهم، وعظماء الناس من يعلمونهم الخير ويهدونهم إليه، أما الذين يجتهدون في إضلال الناس، ويأتون الضلال قبلهم، ويدلون الناس على الشر ويسوقونهم إليه فأولئك هم أراذل الناس وأسافلهم، وليس لهم عند الله في الآخرة من خلاق.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي... ) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال -فداه أبي وأمي والعالم أجمع- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم! رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.قد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين المباركتين من سورة آل عمران، نتلوهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:84-85]، هاتان الآيتان الكريمتان سبقهما آيتان درسناهما في درس سابق. فهيا نراجع ونستذكر ما استفدناه من الآيتين السابقتين. يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:79-80]، هاتان الآيتان نستمع إلى ثمرتهما ونتائجهما؛ فيتجلى لنا -أكثر- معرفة ما فيهما.

هداية الآيات
قال: [من هداية الآيات: أولاً: لم يكن من الممكن -مما يتأتى وقوعه- لمن آتاه الله الكتاب والحكمة -أي: الكتاب والسنة- وشرفه بالنبوة أن يدعو الناس لعبادة نفسه، فضلاً عن عبادة غيره]. فهذا والله! ليس من الممكن، بل ومن المستحيل أن يعطي الله عبداً الكتاب والحكمة، ويشرفه بالنبوة، ثم يقول للناس: اعبدوني من دون الله!فهكذا ينفي الله تعالى هذا الزعم الذي ادعاه اليهود والنصارى، فيقول: مَا كَانَ لِبَشَرٍ [آل عمران:79] أي إنسان من البشر أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79]؛ لأن السفهاء من اليهود قالوا: تريد منا أن نعبدك يا محمد؟! فإذا أمرهم بطاعته، أمرهم بطاعة الله عز وجل، بأن يعبدوا الله لا أن يعبدوه، فلما تفوه بعض السفهاء ألقمهم الله بهذا الحجر، ونفى أن يتم هذا لمخلوق، وإذا وجدنا من دعا الناس إلى عبادته؛ فإنه ما دعاهم إلا لجهله وضلاله وعماه، وبعده كل البعد عن الوحي الإلهي والحكمة الإلهية، أما وقد آتاه الله الكتاب والحكمة والنبوة ثم يدعو الناس لأن يعبدوه، فهذا والله! لن يكون. [ ثانياً: سادات الناس هم الربانيون الذين يربون الناس بالعلم والحكمة فيصلحونهم ويهذبونهم ] سادات الناس هم أولئك الربانيون الذين يربون الناس بالعلم والحكمة فيصلحونهم ويهذبونهم؛ إذ قال تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].أما رِبِّي اليهود ورهبان النصارى فليسوا أهلاً لهذا أبداً؛ لأنهم لا يعلمونهم الكتاب ولا يعلمونهم الحكمة، ولكن يحشون عقولهم بالأباطيل والضلالات والخرافات؛ ليبقوا مسخرين لهم يعبدونهم من دون الله. فرد عجيب! قوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79]. [ثالثاً: عظماء الناس من يعلمون الناس الخير ويهدونهم إليه] روى ابن عبد البر في كتابه العلم قال: ( من علم وعمل بما علم، وعلّمه غيره دُعي في السماء عظيماً )، قد كنا نقول من عظماء الرجال: نابليون وأفلاطون وسقراط ، وأخيراً عظماء الشيوعية ستالين ، ثم عبد الناصر ، ثم الزعيم الأوحد صدام .. لماذا؟ لأننا ما عرفنا وما علمنا.والآن علمنا وعرفنا أن عظماء الرجال هم الذين يتعلمون الهدى ويعملون به، ويعلمونه غيرهم، فأولئك هم عظماء الرجال في السماء والملكوت الأعلى، أما الذين يجاهدون الناس، ويعلمونهم الضلال ويأتونه قبلهم، فهؤلاء أسافل وأساقط الرجال.من علِم الكتاب والحكمة، وعمل بهما وعلَّم بهما أسرته وجيرانه، وأهل بلده، والناس عامة، فأولئك يدعون في السماء: عظماء الرجال. فالآية شاهدة، إذ يقول تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79]. [رابعاً: السجود لغير الله كفر؛ لما ورد أن الآية نزلت رداً على من أرادوا أن يسجدوا للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]]. (أيأمركم): استفهام إنكاري. ( هم من هم ممن جاءوا من الشام -وكانوا نصارى- أن يسجدوا للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: لا. السجود لله )، وهكذا تحيتنا تحية أهل الجنة: السلام عليكم، أما الانحناء والركوع والسجود فهذا لله لا لسواه، وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43].هناك غلطة شامية نلفت النظر إليها: أبناء الشام تربوا على هذه الخطيئة، يقبل يد أبيه.. يد الشيخ.. يد عمه، ثم يسجد عليها، فأصبح حتى الشباب الكبار إذا سلموا على المشايخ يفعلون هذا، يقبل يد الشيخ ثم يسجد، فمن لاحظها من أخيه يلفت نظره إليه، ويقول: هذا لا ينبغي، ويكفيك التقبيل، فلماذا تسجد؟!إذ السجود لغير الله كفر، فلا نعفر وجوهنا في التراب إلا لله رب الأرباب، فلا يستحق المخلوق ما هو حق لله دون سواه.وحتى التحية العسكرية لطفناها وقلنا للعسكري: إذا حييت الرئيس رد بـ: السلام عليكم؛ لأن هذه التحية مأخوذة عن المسيحيين، فنحن ندعو ربنا ونحييه برفع أيدينا الثنتين ونقول: الله أكبر، أما من كان له يد واحدة فالله غالب، لكن لو كان له يدان ويتوجه إلى الله فلا يجوز له أن يمد يد واحدة ويقول: الله أكبر، ألست تقول في آخر صلاتك: التحيات لله؟فقلنا لإخواننا لما فتح الله علينا: إذا حييت الرئيس، وإلا قل: السلام عليكم تخرج من الفتنة.قال أخونا: بعضهم يقبل المصحف ويسجد عليه. وهذا التقبيل أخف من أن يقبل يد الشيخ، وإن كان لا ينبغي، فهذا فعل الجهال، والذين سمعوا هذا وعرفوه وفعلوه، فإنه يخشى عليهم أن يهلكوا، فإن كنت جاهلاً معفي عنك، أما وقد علمت وتقول: إيش في هذا؟ فهل رأيت رسول الله فعل هذا؟ وهل ورد حديث وقال: اسجدوا للقرآن وعليه، فكيف تصر على هذا؟!وهكذا يرفع الله أقواماً ويضع آخرين بهذا القرآن، قبَّله وليس له حاجة، فكيف يقبله بفمه، ولا يحبه بقلبه ولا يقرأه طول عمره؟!لكن لا بأس بتقبيل المصحف، لكن لا تسجد عليه، فلا تؤلهه.فلو قال قائل: لا تلمنا يا شيخ! ما تعلمنا. نقول: نلومكم، فلم لا تتعلمون؟ تعرفون صنع السيارات وقيادتها، والمزارع وإنتاج البصل والفول.. وو...، إلا كيف تعبدون الله ما تعرفون؟!الوقت يا شيخ! لا يتسع.. ما عندنا وقت. لا، بل عندكم وقت، فإذا دقت الساعة السادسة مساءً فكل الدنيا يجب أن تتخلى عن الأعمال الدنيوية.فالنصارى واليهود إذا دقت الساعة السادسة أغلق الدكان.. ارم المسحاة.. ارم المطرقة.. هيا نروح على أنفسنا، فيأخذون نساءهم وأطفالهم إلى دور السينما والمراقص والمقاصف، أربع ساعات.. خمس ساعات من الليل.ونحن المسلمون لا نستطيع أن نغلق الدكان مع غروب الشمس، لم؟ لا ندري، ما فقهنا. فيكفي من صلاة الصبح وأنت تعمل إلى غروب الشمس، فهيا بابنتك وامرأتك وأولادك إلى بيت الرب، تطهروا وتنظفوا وائتوا إلى بيت مولاكم تستمطرون رحمته، وتبكون بين يديه، وتذكرونه بأسمائه، تتعلمون الهدى الموصلة إليه، ثم تصلون العشاء وتعودون في خير وبركة إلى بيوتكم، وهكذا كل ليلة طول العمر. فكيف لا نستطيع؟والله! لو أن أهل قرية أو حي من أحياء المدن أقبلوا على الله في صدق كل ليلة من المغرب إلى العشاء؛ يتعلمون الهدى ويعملون به لم يمض عليهم سنة أو أقل وهم كلهم عالمون عارفون أولياء الله، لو رفعوا أكفهم إلى الله على أن يزيل الجبال لأزالها؛ فتكون تحققت لهم ولاية الله.فاليهود والنصارى صرفونا عن هذا صرفاً عجباً، ونحن نائمون ما صحونا بعد!فطلب العلم واجب؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، والله تعالى يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فيجب على كل مؤمن ومؤمنة إن لم يعلم بما يعبد الله أن يسأل العلماء ليعرف، وعلى العالم أن يبين، وانتهى الجهل نهائياً، فالخنا، والزنا والدعارة، والتلصص، والإجرام، والخيانة، وسوء السلوك، وسوء الآداب، وفساد الأخلاق وقد خمت ديار المسلمين بها نتيجة للجهل فقط.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
يقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81]، فهذا أمر الله، وهذا عهد الله وميثاقه أخذه على النبيين وأممهم، أنه ما بعث نبياً ولا رسولاً إلا وجب إيمانهم به ونصرته، وقد بعث الله محمداً خاتم الأنبياء، فكفروا به وخذلوه ولم يقفوا إلى جنبه ويدعون أنهم مؤمنون.أي: اذكر يا رسولنا لهم، اذكر يا عبد الله! لليهودي والنصراني: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمران:81] والميثاق العهد المؤكد بالأيمان، لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] مهما آتيتكم مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ [آل عمران:81]، أما إذا جاء يكرر ما عندكم، فهو دجال وكذاب وليس بنبي، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81].ثم قال لهم: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81]، الله أكبر! فما من نبي نبأه الله، ولا رسول أرسله إلا أخذ عليه العهد والميثاق، إذا بعث الله بعده الرسول وهو موجود أن يؤمن به وأن ينصره، إلا إذا جاء بما يخالف ما عند النبي فمعناه أنه دجال وكذاب، وليس بنبي ولا برسول.ثم استقررهم: (أَأَقْرَرْتُمْ)؟ قالوا: أقررنا، (قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا -الله- مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)، بعد هذا هل بقي ليهودي أو لنصراني أو لصليبي أن يدخل الجنة بعد اليوم؟! ثم قال تعالى: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:82] لا غيرهم. ثم قال تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83]، عجباً كيف يكفر بالله هؤلاء الهابطون من اليهود والنصارى؟!

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #305  
قديم 09-11-2020, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

هداية الآيات
قال: [من هداية الآيات: أولاً: بيان سنة الله تعالى في الأنبياء السابقين، وهي أن يؤمن بعضهم ببعض وينصر بعضهم بعضاً].الآن في المدينة أمير عينه إمام المسلمين، فلو بعث أميراً آخر هل سينكره، ويقال له: ما نصدقك، ما أنت هو.. جاءك ببيان بما عندك؟ أم المفروض أن يقول: مرحباً وأهلاً، ونحن معك وإلى جنبك. هذا واضح.فكيف يرسل الله الرسول، أو ينبئ نبي ويأتي إلى أهل البلاد وبينهم نبيهم يقول: لا. لا. يكفي ما عندنا.. ما نؤمن بهذا.. ما نصدق.. يبقون مسلمين؟!مستحيل. فهؤلاء مجانين معتوهين، يستحقون الضرب والنقمة الإلهية.قال: (بيان سنة الله تعالى في الأنبياء السابقين) أي: لنبينا صلى الله عليه وسلم، (وهي أن يؤمن بعضهم ببعض وينصر بعضهم بعضاً).ألم يكن عيسى مع يحيى يشد ساعده؟ ألم يكن إسماعيل مع إسحاق؟ وهكذا دعوة الله، ما من نبي إلا ويجب عليه أن يؤمن بالنبي الجديد، وأن يقف إلى جنبه ينصره؛ لأن الرسالة واحدة، اللهم إلا إذا جاء ساحر دجال وقال: أنا نبي. فننظر هل يختلف ما جاء به مع ما عندنا أو يتفق؟ فإذا كان يتفق فهذا من عند الله، وإذا كان ما يتفق يجب أن يضرب على رأسه.أعيد القصة: أولاً: وجد في العالم الإسلامي ثلاثون نبياً دجالاً وكلهم أهلكوا ودمروا، آخر واحد جاءنا في البيت منذ أربع سنوات ونحن في المكتبة، قال: أنا نبي الله.ليس معقول هذا ولدي.قال: أنا نبي الله، نبأني الله، اسمعوا لي واستجيبوا. فبهتنا، ماذا نصنع؟فجاء فحل من فحول الحي أبو عبد العزيز بعصاه، فقلنا له: يا شيخ عبد الله ! هذا الشاب يقول: أنا نبي. فقال له: أنت تقول أنك نبي؟ قال: نعم، نبي. قال له: من نبأك؟ قال: الله. فينهال عليه بالعصا حتى صرخ وقال: أكذب ما أنا بنبي.إذاً: بالنسبة إلى عهد النبوة المحمدية قد ختمها الله بخاتم النبيين، فكل من جاء بما جاء به محمد، وقال: أنا نبي يجب أن يقطع رأسه فهو دجال كذاب؛ لأن الله قال: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] ما بقي، لعلم الله بأن الأرض أوشكت على النهاية، وأن العالم سيكون في منزلة بلد واحد، والآن يقرأ القرآن فيسمعه العالم بأسره، وهذا سر ختم الله النبوات بمحمد صلى الله عليه وسلم، لو يبقى العالم كما كان أهل إقليم ما يعرفون عن الآخر لكان على الله أن يبعث في كل إقليم رسول.[ثانياً: كفر أهل الكتاب وفسقهم بنقضهم الميثاق، وتوليهم عن الإسلام، وإعراضهم عنه بعد كفرهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا به ويتبعوه]، فهم كفار فساق ملعونون من أهل الخلود في النار، مهما نزلوا الصوامع أو عبدوا الشيطان. فمن يبلغهم هذا؟! سبق وأن قلت: إن اليهود والنصارى لما مكروا بالمسلمين وغشوهم وخدعوهم وضللوهم وهبطوهم نتيجة ذلك أن حرموا من الإسلام، فلما انتشر الإسلام في العالم وأضاءت أنواره في الكون من قام وأطفأها أليس اليهود والنصارى؟ بلى. إذاً: جزاؤهم أن أجيالهم بالملايين حرمت من الإسلام، ولو كان الإسلام كما كان والله ما بقي على الأرض من لا يسلم؛ ليشاهد أنواره ورفعته وعزته وطهره وصفاءه كما في أول القرون، لكن لما أطفئوا النور وأصبح المسلمون حيارى تائهين ضلالاً جهالاً، وغلبوهم وسادوهم وحكموهم فكيف سيسلمون؟! فهم عوقبوا بنفس ذنبهم، فلو أن الإسلام ترك ما حورب وامتد نوره وظله في العالم ما بقي بيت إلا وأسلم أهله؛ لأنه نور الله، القلوب تطهر.. النفوس تزكو.. العدل يسود.. الرحمة تنتشر.. الخير يعم، فلماذا لا يسلم الناس؟فلما مكروا اليهود والنصارى بالمسلمين والإسلام حرموا هداية الله، فالآن ملايين بل بلايين اليهود والنصارى إلى جهنم، فهم الذين حرموا أنفسهم: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123].[ثالثاً: بيان عظم شأن العهود والمواثيق].إذا عاهدت يا عبد الله! إياك أن تخلف عهدك أو تنقضه، شأن العهود والمواثيق عظيم؛ فلهذا كان العربي إذا عاهد لو يموت ما يخلف.فإسماعيل عليه السلام أثنى عليه تعالى بقوله: كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54]، أثنى عليه بكونه إذا واعد ما يخلف؛ لأنه أقام سنة ينتظر صاحبه، واعد وعداً فبقي في ذلك المكان عاماً كاملاً، وخاف أن يرجع فينقض العهد.وهذا حفيده الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام وهو قائم في مكانه ينتظر وعداً، ومن ثم يقول: ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق -من بينها-: إذا واعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ).وعندنا لطيفة أخرى أيضاً حدثنا بها شيخنا الطيب العقبي خريج المسجد النبوي، صاحب جريدة القبلة وأم القرى، محا اسمه الجزائريين محواً.بنى أحد الصالحين مسجداً وسماه: مسجد العقبي، فجاء وزير الأوقاف برجاله ومحاه هذا الاسم؛ لأنه ناشر دعوة التوحيد، وهدانا الله على يديه وعرفنا الله، إذاً فالضلال والخرافة والباطل والزعامات محوا اسم العقبي .قال العقبي : حججت أيام ما كان أهل البلد يحجون على الإبل، وأصحاب البادية ينزلون هنا في المدينة، ويطلبون الحجاج يخدمونهم حتى يحجوا ويعودون إلى المدينة، ويسمون: الركب، فالشيخ حج مع رجل من هؤلاء ومعه شاب يخدم الحجاج بأجرة، وتلك الأيام كان السلب والنهب مغطي البلاد، حتى إن الرجل يؤخذ بابه من بيته، فتجد بابك يباع في السوق فلا تتكلم وإلا تقتل، الفوضى بلغت نهايتها.والشاهد عندنا: هذا الشاب الذي يخدم الشيخ الطيب رحمة الله عليه عشرة أيام في الطريق، وأربعة أيام في مكة، ولما وصلوا عرفة قال الشيخ للشاب: آه. لو تسلم يا بني وتترك هذا الإجرام وتستقيم؟قال الشاب: أستأذن عمي، إذا أذن لي أتوب، معناه: لو قال: تبت ما يرجع، قال: أستأذن عمي، أي: ليس عمه أخو أبيه، بل عمه الذي يستخدمه، فلما جاء العم، قال: يا عم! إن هذا الشيخ يطلب مني أن أستقيم وأن أتوب، قال: لا. ومن لأسرتنا ومن لحالنا؟ كيف تتوب؟ محتاجين إلى السلب والنهب وكذا كيف نعيش؟!والشاهد عندنا في كلمة الصدق فلو قال: أتوب فلن يرجع أبداً.قال تعالى: كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54]، وهكذا المسلمون في الجملة، أما في العصور الذهبية فكل مسلم يرضى أن يموت ولا يخون عهده ولا ميثاقه.فلما عم الظلام وغطى البلاد، وعادت الجاهلية والجهل؛ اختلط أمر الناس، وإلى الآن المسلم البصير الواعي ذو العلم لا يخون عهداً ولا ينقضه ولو يخرج من ماله وأهله.[رابعاً: الإنكار على من يعرض عن دين الله الإسلام، مع أن الكون كله خاضع منقاد لأمر الله].قال تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83]، فلو أن اليهودي أسلم أو النصراني أسلم، فهل سيكون هناك من يخرج عن أوامر الله وتدبيره؟!فإذا أراد الله أن يخلقه ذكراً كان ذكراً، فهل تستطيع أمه أن تحوله؟ أراد الله أن يخلق هذه البنت أنثى، فهل تستطيع أن تحولها إلى ذكر؟أراد الله أن يخلق هذا الولد أسوداً، فهل تستطيع أن تجعله أبيضاً؟أراد الله أن يجعل هذا الولد قصير القامة، فهل تستطيع أن تجعله يطول؟مستحيل، خاضعون لأمر الله يفعل فينا ما يريد ويحكم ما يشاء، فقط كون أوامر تكليفية من أجل الجنة أو النار، هذه عرض علينا البشرى، وعرض علينا النذارة، فمن استجاب رفعه ومن أعرض هبطه، وإلا أمرنا بيد الله يحيي متى شاء، ويميت متى شاء، يعز.. يذل.. يغني.. يفقر.. يصح .. يمرض، هل يوجد من يرد على الله؟ هانحن مسلمون رغم أنوفنا، كيف يعرضون؟ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:83]، كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [البقرة:116].

تفسير قوله تعالى: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم ...)
قال تعالى: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84].علَّم الله الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن معه أتباعه أن نقول هذا القول، وليكفروا كلهم.. أمريكا والصين، فنحن آمنا بالله رباً وإلهاً، لا رب غيره ولا إله سواه، بيده كل شيء وإليه يرجع كل شيء، فهو المحيي والمميت، والمعطي والمانع، والضار، والنافع، رب الأولين والآخرين، منزل الكتاب، وباعث الرسل، أرحم الرحمين ورب العالمين، لا رب لنا غيره ولا إله لنا سواه.وآمنا بما أنزل علينا من القرآن الكريم، وما حواه من أحكام وهداية وتعاليم وشرائع وأخبار، الأمر الذي فوق طاقة البشر أن ينزلوا مثله، وآمنا بما أنزل على إبراهيم الخليل من التوحيد؛ قال الله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [النحل:120-123] أي: يا محمد أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل:123] أي: إبراهيم هذا الأب الرحيم، هذا الذي ابتلي فصبر ففاز وظفر، ولم يبتل ابتلاؤه غيره، وإليكم نظائر ذلك:فقد ابتلي بأن يواجه الطغاة والجبابرة ويجادلهم في الله ليؤمنوا بالله، وحكموا بإعدامه، وأججوا له النيران، وألقوه مكتوف اليدين والرجلين في جحيم لا تطاق -فمن أراد أن يعرف فلينظر إلى الأفران الكبيرة-، وخرج منها، وترك البلاد والعباد: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات:99]، خرج مع ابن أخيه لوط وامرأته سارة لا يحملون ديناراً ولا درهماً، ولا طعاماً ولا شراباً، خرجوا من أرض بابل اتجهوا غرباً إلى أرض الشام، فأي ابتلاء هذا؟فقد كانت أول هجرة عرفتها البشرية هي هجرة إبراهيم، أول من هاجر في ذات الله، ترك الكفر وأهله، وننزل ببلاد الشام وامتحن امتحاناً آخر، ما وجد آذاناً صاغية ولا قلوباً واعية، ولا..، فاتجه غرباً انتهى إلى بلاد مصر من طريق فلسطين، ما إن وصل إلى مصر ومعه امرأته سارة الربانية وهي بنت عمه، فشاهدها من نسميهم بالمغربية: القوادون، وفي المدينة الجرارون.فالمغرب الإفريقي يسمون من يقود إلى الفاحشة: القواد، وسيلة، وعندنا هنا في المدينة نسميه الجرار، ولا فرق، فالقواد يقود بالزمام، والجرار يسحبه على الأرض حتى يوصله إلى الفاحشة، والعياذ بالله!ما إن شاهد الجرارون والقوادون حتى أتوا سلطانهم وقالوا: توجد امرأة كالقمر لا تصلح إلا لك، يتملقون ليأخذوا الدراهم، فعرف إبراهيم عليه السلام، فمن ينصره؟ وماذا يصنع؟قال: يا سارة ! إنه لا يوجد على الأرض مؤمن إلا أنا وأنت، فأنا أخوك وأنت أختي، إذا سألك هذا الطاغية لا تقولي: زوجي، بل قولي أخي، ولست بكاذبة، وهذا هو الخروج من الكذب ويسمى بـ: (التورية)؛ لأنها لو قالت: زوجي، قال: اذبحوه، كيف يتزوجها وزوجها موجود؟ إذاً: ووصلت إلى سرير الملك، وجلست إلى جنبه وطيبوها وطهروها، وأراد أن يطايبها ويلاطفها فيضع يده على كتفها أو رأسها، فيصاب بالشلل الفوري، قبل أن تعرف البشرية الشلل هذا ما هو، تيبس يده، يصرخ: ادع ربك، تدعو تعود يده كما كانت، يأكلون ويتطايبون آكام، ثم يهم بيده ما إن تصل إلى جسمها يشل على الفور، ثلاث مرات، ثم قال: أخرجوا عني هذه الشيطانة فليست هذه بشرية، وهذا من تدبير الله عز وجل رب إبراهيم عليه السلام، قال: سنعوها، بلغة نجد أو الحجاز، بمعنى: أكرموها، أعطوها المال.. أعطوها بغلة تركبها.. أعطوها خادمة تخدمها، فأعطوها هاجر أم إسماعيل، فهي أمكم يا أولاد إسماعيل، وعادت منتصرة مستبشرة، قالت: أخزاه الله وأذله وأكرمنا، وتبرعت لإبراهيم عليه السلام ولتشاركه في المحنة بـهاجر خذ هذه، وتسرى بها يا إبراهيم -جزاها الله خيراً- فهذه سارة ابنة عم إبراهيم، خذ هذه الخادمة تسراها، أي: يحسن لباسها وفراشها ويجامعها مملوكة، فتسراها إبراهيم عليه السلام، فحملت وولدت إسماعيل ، وسارة اشتطات غيظاً وغضباً، وأصابها كرب، أنا مع ابن عمي عشرات السنين ما ولدت، وهذه بنت أمس تلد اليوم وتصبح بإسماعيل، ما أطاقت العيش معها، فأمر إبراهيم عليه السلام أن يذهب بها إلى صحراء الحجاز، وأبعدها عن أرض فلسطين، فما كان منه إلا أن خرج بها ليلاً، وهي تعفي أثرها أي: أرخت رداءها أو إزارها من أسفل حتى يغطي آثار الأقدام، ووصل بها إلى جبال فاران في الوادي الأمين في مكة، وتركها مع طفلها إسماعيل تحت شجرة، والبيت عبارة عن كوم من تراب أخذتها السيول من قرون، وقفل راجعاً، فقالت: لمن تتركنا يا إبراهيم؟ آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً فاذهب فإنه لن يضيعنا.يا عبد الله! ما تبيع الدخان في دكانك، وأنت في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا تقل: لا الزبائن لن يحضروا. فأنت توكلت أنت على الدخان، فأين توكلك على الله؟ هذا مثال.يتركها مع طفلها الرضيع تحت شجرة، دوحة عند ماء زمزم قبل أن يخرج، وتقول: آلله أمرك؟ فيقول: نعم، فتقول: إذاً فاذهب فإنه لن يضيعنا.وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #306  
قديم 12-11-2020, 12:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (25)
الحلقة (166)

تفسير سورة آل عمران (31)

من مقتضيات الإيمان أن يؤمن المرء بكل الرسل الذين أرسلهم الله على مر التاريخ، فلا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل دون بعض، كما لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض ما أنزل الله ويكفر بالبعض الآخر، وقد ختم الله عز وجل الرسالات برسالة الإسلام، وختم الأنبياء والرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم، وجعل دينه مهيمناً على الدين كله، فلا دين في الأرض إلا الإسلام.

تابع تفسير قوله تعالى: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سابق عهدنا في مثل هذا اليوم والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فحقق اللهم رجاءنا إنك ولينا، ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران، ومع هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:84-85].

معنى قوله تعالى: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا)
معاشر المستمعين والمستمعات! قول ربنا: قُلْ آمَنَّا [آل عمران:84] فالله يأمر نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول: آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا [آل عمران:84]، والرسول هنا معه أمته، ونحن من أفرادها، فلنقل جميعاً: آمنا بالله، أي: صدقنا بوجوده، وبكونه رباً لا رب غيره، وبكونه إلهاً لا إله سواه. وقولنا: آمنا بوجود الله إذ كل هذه الموجودات دالة على وجوده.نعم كل موجود من هذه الكائنات دال دلالة قطعية يقينية على وجود موجدها، فهل عرفت البشرية خالقاً سوى الله؟ وهل وُجِد خالق غير الله؟ وهل يعقل أن يوجد موجود بدون موجد؟ مستحيل.لو كان الموجود مقلمة أظافر فإنك لا تستطيع أن تقنعني أنها وجدت بدون موجد، ولو كان الموجود نعلاً على باب المسجد فإنك لا تستطيع أن تقنع ذا عقل بأن هذا النعل وجد هكذا من نفسه؟ وكذلك لا تستطيع أن تقنع ذا عقل أن كأساً من الماء وجد هكذا من نفسه على طاولة؟ فإذا كان كل ما سبق وغيره مستحيل الوجود بدون موجد، فكيف إذاً بهذه العوالم العلوية والسفلية؟وانظر إلى السماء وفكر فيمن بناها، أو هل وجدت من نفسها؟ هذا غير ممكن.وانظر إلى الشمس ومن علقها كالمنار في السماء.ولا تذهب بعيداً فانظر إلى نفسك تتجلى لك عظمة الخالق عز وجل: كيف أنك تنطق؟ كيف أنك تنظر؟ كيف أنك تحس وتشعر؟ كيف أنك تأكل وتشرب؟ كيف أنك تنام وتستيقظ؟!فقولوا: آمنا بالله رباً لا رب غيره وإلهاً، لا إله يستحق أن يؤله ويعبد سواه.إذاً قوله: (قولوا) أي: قل يا رسولنا وأمتك معك: ( آمنا بالله).وقال تعالى: ( وما أنزل علينا ) أي: من هذا القرآن العظيم، فآمنا بما أنزل علينا من هذا الكتاب الكريم، وهذه الشرائع والأحكام والتعاليم الإلهية الذي أنعم بها علينا.

الإيمان بما أنزل على إبراهيم
قال تعالى: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وإبراهيم باللغة العبرية: الأب الرحيم، وقد ذكرنا أن مما امتاز به الخليل أنه ممن هاجر في سبيل الله، فأول هجرة تمت على الأرض لله تعالى هجرة إبراهيم، وقيل في إبراهيم: خليل الرحمن؛ لأن محبة الله تخللت في قلبه ففاز بهذه فقيل فيه: الخليل، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ( لو كنت متخذاً غير ربي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً )، ولكن تكفيه خلة الإسلام.وقد ابتلي إبراهيم فنجح وفاز في ابتلاء الله تعالى له، إذ قال عز وجل من سورة البقرة: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]، فأصبح إمام الموحدين؛ لأنه ابتلي بالتكاليف فنهض بها ونجح فيها، ومن هذه التكاليف أنه أمر أن يبني له بيتاً في مكة في ذلك الوادي الأمين، ونهض بذلك إبراهيم وساعده ولده إسماعيل، وبنى لله داراً بيتاً في جبال فاران، فكانت واحدة من التكاليف.ودون ذلك بل وأعظم: أنه امتحن وهو الأب الرحيم بأن يقرب ولده إسماعيل قرباناً لله رب العالمين، واقرءوا ذلك في سورة اليقطين إذ قال تعالى عنه وقوله الحق وهو يخاطب إسماعيل: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102]، فقال الغلام الحليم إسماعيل ابن هاجر ، الذي كان سبب هجرة أمه إلى مكة: افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]، وأمر هاجر وطيبته وطهرته وأخذ بيده إلى منى حيث تراق الدماء، وثم صرعه على الأرض وتله للجبين وفاداه الله عز وجل بذبح عظيم، وفاز بها إبراهيم.وحسبنا في إبراهيم أننا نصلي عليه في صلواتنا الخمس فنقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.فإن سأل سائل: فهل إبراهيم أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟نقول: لا.فإن قال: كيف نقول: صل على نبينا كما صليت على إبراهيم، فالصلاة على إبراهيم إذاً أفضل من صلاتنا؟نقول له: يا بني! لا، وإنما إبراهيم وجد قبل نبينا، وصلى الله عليه قبل نبينا، فنحن نقول لمولانا: صل على نبينا كما صليت على نبيك إبراهيم، مع العلم أن نبينا أفضل الأنبياء، ومع هذا لم يسمح لنا أن نفضله على غيره من الأنبياء والرسل، فقال: ( لا تفضلوني على يونس بن متى )، لما علم المسلمون أن يونس ضعف في الدعوة وهرب منها خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن نفضل نبينا عليه فقال: ( لا تفضلوني على ابن متى ).والشاهد عندنا في إبراهيم.

الإيمان بما أنزل على إسماعيل
قال تعالى: وَإِسْمَاعِيلَ إسماعيل هو ابن هاجر المصرية، وقد أخذت قسراً إلى ملك مصر الذي أراه الله تعالى بعض آيات عظمته، وتلك الآيات هي التي جعلته يرسل إلى سارة ويتفضل عليها بأن يهديها جارية هي هاجر ، فقد أعطاها ما شاء الله أن يعطيها وأكرمها وأعطاها هاجر ، وهاجر هذه هي التي ولدت إسماعيل، وقد تسراها إبراهيم فولدت إسماعيل، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه الهداة الدعاة المجاهدين: ( إنكم ستفتحون أرضاً يكثر فيها ذكر القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً )، وهذا أيام كانوا محصورين في المدينة فيعدهم بأنهم سيفتحون الديار المصرية، فهو يقول: ( ستفتحون أرضاً يكثر فيها ذكر القيراط )، والقيراط هو جزء من أربعة وعشرين جزءاً، ( فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً )، والذمة والرحم سببهما أن هاجر أم إسماعيل قبطية مصرية، وأن المقوقس ملك مصر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما راسله ليدخل في الإسلام مع أمته أبى أن يدخل، ولكنه أهدى رسول رسول الله جارية وبغلة بيضاء تسمى الدلدل، وهذه الجارية هي مارية القبطية فتسراها رسول الله وأنجبت إبراهيم بن محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنه مات وهو رضيع قبل أن يفطم، فهذا الرحم وهذه هي الذمة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: ( فاستوصوا بإخوانكم المصريين خيراً فإن لهم ذمة ورحماً ).

الإيمان بما أنزل على إسحاق ويعقوب
قال تعالى: وَإِسْحَاقَ إسحاق هذا هو ابن إبراهيم، وأمه سارة بنت عم إبراهيم، وسارة هي التي هاجرت مع إبراهيم من أرض بابل إلى أرض الشام إلى فلسطين، وهي التي دفعتها الغيرة لما رأت الجارية تلد وهي لا تلد زمناً مع إبراهيم، فلما دفعتها الغيرة دبر الله ولي المؤمنين لإبراهيم أن يهاجر بإسماعيل ويلقيها بين جبال فاران، وقد قالت له: آلله أمرك بهذا يا إبراهيم؟ فيقول: نعم. فتقول: اذهب فإنه لن يضيعنا، فما الذي تم لها وقد تركها ومعها جراب فيه شيء من الطعام وسقاء فيه قليل من الماء، وتركها والرضيع في ذلك الوادي، وما هي إلا ساعات ولا أقول: أيام وقد نفد الماء الذي كان في ذلك السقاء، فالتفتت يميناً وشمالاً فلم تر شيئاً، والطفل والله يتلوى على الأرض من شدة العطش، والبلاد كما تعرفونها حارة.وجاشت النفس واضطربت هاجر ، وإذا بها تنظر إلى أقرب جبل تعلو عليه فوجدت الصفا، فأسرعت إلى الصفا فعلته وارتفعت عليه ونظرت يميناً وشمالاً فلم تر شيئاً، ثم رأت جبلاً أمامها وهو المروة فهبطت، وكان بين الجبلين واد منخفض الأرض فأسرعت لما وصلت إلى الوادي وهبطت أسرعت أكثر واجتازته وانتهت إلى المروة فعلت عليه وارتفعت، فنظرت يميناً وشمالاً ولا شيء، وفعلت ذلك سبع مرات، ثم وإذا بهاتف يهتف فتقول: أسمعت أسمعت، هل من غياث؟ولما هبطت من السعي إذا بجبريل عليه السلام واقف في صورة آدمي كريم، وبين يديه أو تحت رجليه إسماعيل يتلوى من العطش، فدنت، ولما دنت منه وقربت قال جبريل هكذا بقدمه الأرض ففار زمزم وذهب جبريل واختفى، وإذا بالماء يطير على الأرض وهاجر تزمه؛ حتى لا يسيخ في كل الأرض، فيقول حفيدها الطاهر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله أم إسماعيل لو تركته لكان عيناً معيناً تجري إلى يوم القيامة )، فما نحتاج إلى دلو أيام الدلاء ولا إلى مكينة أيام المكينات، فتسيل دائماً، وهذه كلمة أحلى عندنا من العسل وأدب من محمد صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله أم إسماعيل لو تركتها لكانت عيناً معيناً )، لكنها حشرتها بالتراب وأصبحت كالحوض فقط، فهذا هو زمزم.والله العظيم لو اجتمع علماء الطبيعة والكون والهبوط والصعود وقالوا: هذا ليس الماء الذي كان على عهد هاجر لكذبناهم ولعناهم، وهذا الآن أكثر من ستة آلاف سنة.وقد أطلق العليم الحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة فقال: ( زمزم لما شرب له )، وقال: ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم )، وكم وكم من مريض شفي، وكم من عقيم ولدت، وكم من غائب عاد، فأنت بقوة إيمانك وصدقك مع ربك وإقبالك على الله في صدق تشرب زمزم لغرض ما فيحققه الله تعالى إن كان فيه خير لك.ومن السنة: أن من طاف بالبيت سبعة أشواط وهو حاج وصلى ركعتين خلف المقام يأتي زمزم فيشرب ويتضلع، ومعنى التضلع: أن يشرب الحاج حتى يمتلئ ضلوعك بالماء.وأحد الإخوة الصالحين كان يشرب دلواً كاملاً من زمزم ويوسع بطنه بيديه، ليحقق معنى التضلع بيديه.وإسماعيل كان مع والدته وإذا بقافلة من قوافل العرب مارة وهي من جرهم، يطلبون الماء فلم يجدوه، وظمئوا، فأرسلوا من يطلب لهم الماء، فشاهد طائراً يحوم حول جبال مكة، فقال: لن يكون هنا إلا ماء، والطير لا يطير إلا حول الماء، فجاء فوجد الماء فسر وفرح وعاد إلى قبيلة جرهم وقال لهم: تعالوا فإن الماء موجود في جبال فاران، فجاءت القافلة فنزلوا. وقالوا: أتأذنين لنا يا أم إسماعيل في أن ننزل بهذه الديار حولك من أجل الماء؟وهذه امرأة غريبة الدار، لا ولي لها إلا الله، وما معها إلا طفلها إسماعيل، فيستأذنونها في البقاء في النزول هنا، وهل يفعل هذا غير المسلمين؟ أما المسلمين بحق فنعم أما نحن فلا.إذاً هي امرأة غريبة وحيدة يطلب إذنها في أن ينزلوا عندها، فتقول: نعم على ألا حق لكم في الماء، ويوافقون ويطأطئون رءوسهم: الماء ماؤك.أو ما فهمتم هذه اللغة السياسية: الآن لو أن يهودياً .. نصرانياً .. عربياً .. كافراً .. شيوعياً وجد امرأة على ماء فإنه لا يستأذنها بل يلوي رأسها وعنقها، ويأخذ البلاد والعباد بالقوة، والشيوعية مثلاً صادرت أموال الناس: مزارعهم .. مصانعهم .. أموالهم بالقوة.أما قبيلة جرهم فتستأذن امرأة غريبة: هل تسمحين لنا؟ولو قالت: لا نسمح لعادوا من حيث أتوا، ولو اشترطت ألا حق لهم في الماء، لقبلوا الشرط ونزلوا.وقد ذكرت لكم أن إسماعيل واعد شخصاً فأقام سنة كاملة، وأثنى الله تعالى عليه بقوله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم:54-55]، اللهم اجعلنا من محبيهم، أما أن نكون مثلهم فهذا لا يتحقق، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ [مريم:55]، وهم في مكة، فقد تزوج الجرهمية، وأنجب من أنجب، وكان من ولده عدنان، ونحن من ذرية عدنان.وقوله: وَإِسْحَاقَ [آل عمران:84]، فإسحاق هو ابن إبراهيم عليه السلام، وأمه هي سارة بالسين لا بالصاد.واليوم تعلمنا علماً جديداً، ونحن نفرح بالعلم وفهمنا أن الماسون بالفرنسية الماصون وهو الذي يبني، وفي اللغة الإنجليزية ليس عندهم الصاد فقالوا: ماسون، فالماصو باللغة الفرنسية البناء، فالماصونيون البناءون لأمجاد اليهود، ومعنى الماسونيين البناءون لأمجاد بني إسرائيل الهدامون لأمجاد الخلق كلهم إلا لمجدهم يبنون.وأم إسحاق كانت عاقراً لا تلد، وإبراهيم كبرت سنه، وقد انخدع بعض المفسرين وحكوا حكاية اليهود وقالوا: إن إسحاق ولد قبل إسماعيل، وإن إسحاق هو الذي أخذه إبراهيم ليذبحه قرباناً لله تعالى، وهذا خطأ فاحش، فقد هاجر إبراهيم مع سارة وكانت زوجته من قديم فتزوجها في بيته مع أمه وأبيه وما ولدت لعقمها، وشاخ إبراهيم وكبر واختتن لما بلغ الثمانين من عمره، والقصة في القرآن واضحة من سورة هود عليه السلام في ذلك القصص.المهم لما دخل الوفد أصحاب المهمة لنسف مدن سدوم وعمورة نزلوا على إبراهيم في طريقهم إلى مهمتهم: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [الذاريات:25-29]، كيف ألد؟ وضربت وجهها على عادة النساء قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الذاريات:30].والشاهد في (عجوز عقيم): قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:72-73]، فهذه هي سارة وقد بشرت الآن بأن تلد ولداً هو إسحاق، قال تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71]، ولا يقوى على هذه البشرى من الخلق إلا الله، فهو يبشرك بولد ويولد ويعيش ويولد له ولد اسمه يعقوب؛ ولهذا قال: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً [الأنبياء:72]، فالبشرى الأولى بإسحاق وزادوها نافلة أخرى يعقوب، فتكون أم إسحاق وجدة ليعقوب، ومن يفعل هذا سوى الله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #307  
قديم 12-11-2020, 12:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

الإيمان بما أنزل على الأسباط
قال تعالى: وَالأَسْبَاطِ [آل عمران:84] الأسباط جمع سبط، والسبط هو الحفيد ابن بنتك أو ابن ابنك، والأسباط هنا هم أولاد يعقوب، وهم اثنا عشر ولداً على رأسهم الصديق يوسف وأخوه بنيامين، وهؤلاء الأسباط كل منهم أصبح شيخ قبيلة، والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، فهذا جرهمي .. وهذا غفاري .. وهذا جهني، فكل واحد من أولاد يعقوب أصبح أباً لقبيلة، وإخوة يوسف نبأهم الله وكانوا أنبياء؛ ولهذا نؤمن بالأسباط.

الإيمان بما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم
قال تعالى: وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ نحن معاشر المسلمين منهجنا أننا نؤمن بكل نبي وكل رسول، ونؤمن بكل كتاب وصحيفة أنزلها الله عز وجل، فلا نؤمن ببعض الكتب ونكفر ببعض، ولا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض، فإن الذين يفعلون هذا قد خرجوا من دائرة الإسلام والإيمان، وهم كفار ملعونون، وهذه صفعة على وجه وفد نجران وقبائل اليهود الذين يتبجحون بأنهم مؤمنون ومسلمون، فأبطل الله دعواهم، وقرر هذه الحقيقة.

الإسلام دين الأنبياء كلهم
ختم الله تعالى الآيات بقوله: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84]، وهذا هو منهجنا: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136]، فهؤلاء هم المسلمون، وهم مناقدون خاضعون فنمتثل الأمر ونجتنب النهي، أما اليهود فقد آمنوا بموسى وكفروا بعيسى، ولا قيمة لإيمانهم، أما النصارى فقد آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا قيمة إيمانهم.واعلموا أن الإجماع قد انقعد على أن من كذب رسولاً كأنما كذب كل الرسل، وأن من كذب بصحيفة واحدة فكأنما كذب بكل الصحف والكتب؛ لأنه تعالى على الله وأصبح يختار، فيؤمن بهذا الكتاب ولا يؤمن بهذا، ويؤمن بهذا الرسول ولا يؤمن بهذا، والله أمر بالإيمان بالكتب كلها وحينئذ يكون قد كفر وخرج من ملة الإسلام.وقوله: مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ [آل عمران:84]، أي: ما أعطوا وما أوحي إليهم، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84].

تفسير قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ...)
أخيراً يقول تعالى: وَمَنْ (مَن) مِن ألفاظ العموم، الذكر والأنثى والكل وَمَنْ يَبْتَغِ أي: يطلب غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85]. يدين به لله، فوالله لن يقبل منه.وأيما أبيض .. أسود .. أصفر .. أحمر، نصراني .. مسيحي .. بوذي .. عربي .. عجمي، يطلب غير الإسلام ديناً له يتدين به لا يقبل منه، وهذه الآية قطعية الدلالة، ففي أول السورة أخبر تعالى بأن الدين عند الله هو الإسلام: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وتلك الآية عامة يقول: أنا مسلم قلبي ووجهي لله، وأنا أعبد الله بما جاء عن عيسى أو موسى مثلاً، لكن هنا: ومن يطلب غير الإسلام، أي: الإسلام المعروف الذي قواعده الخمس والذي بعثت به الرسل وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم .. أي: الإسلام ذو الإيمان والإحسان، فمن يبتغ ديناً يدين به لله غير الإسلام فلن يقبله الله منه، وفي الأخير هو من الخاسرين، فبطل كل دين على وجه الأرض بعد أن بعث الله محمداً وأرسله وأنزل عليه وحيه وكتابه، وبين له شرائع الله وما يعبد به، فمن يطلب ديناً غير الإسلام فهو كافر ولن يقبل منه وهو في الدار الآخرة من الخاسرين، الخاسرين لكل شيء حتى أنفسهم، إذ قال تعالى لرسوله: قُل ْ يا رسولنا إِنَّ الْخَاسِرِينَ أي: بحق الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]، وأي خسران لإنسان يوضع في تابوت وصندوق من حديد، ويغلق عليه الصندوق، ويرمى في عالم الشقاء فلا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يأكل ولا يشرب ولا يصاحب أحداً ولا يلازمه آخر ولا يتصل بأحد بليارات السنين، وهذا نوع من العذاب، فأي خسران أعظم من هذا؟ وأهل النار لا يجدون أباً ولا أماً ولا أختاً ولا صديقاً ولا زميلاً ولا غربة نهائياً، والغربة من أشد الآلام، وهذا يتحقق في عالم النار.

خلاصة تفسير الآيتين السابقتين
إذاً: هاتين الآيتين نعيد تلاوتهما وتأملوا: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ [آل عمران:84] أي: لله، مُسْلِمُونَ [آل عمران:84]، ومعنى مسلمون: منقادون خاضعون، فإن قال: لا تأكلوا؛ لا نأكل، وإن قال: صلوا صلينا، وإن قال: أعطوا أعطينا، وإن قال: امنعوا منعنا، فهذا هو الإسلام؛ انقياد كامل لله عز وجل مع حب الله وتعظيمه والخوف منه والرغبة فيه.ورسول الله يعلمكم يقول: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )، فالمسلم الحق هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، أما الذي يأكل أموال المسلمين أو يضرب أجسامهم أو يقتلهم ويسفك دماءهم فهذا المسلم! هل المسلم هو الذي يلغ في أعراض المسلمين فينهشها ويأكلها، ويسب ويشتم ويعير ويسخر ويستهزئ بالمسلمين أولياء الله؟! لا.وقوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]؛ لأن هذا الدين الذي دان به لله بدعة ابتدعها رجاله كالنصرانية واليهودية والهندوكية والبوذية والمجوسية، فما أنزل الله نصرانية ولا يهودية ولا بوذية، وهذه بدعة ابتدعوها، ولا يقبل الله إلا ما شرعه، وسر ذلك عند الدارسين معروف كالشمس في رابعة النهار.والعبادة إذا لم يشرعها الله ويقننها فإن هذه العبادة لن تزكي النفس ولن تطهر الروح، ولن يفلح صاحبها؛ لأن الفلاح متوقف على زكاة النفس وطهارتها: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فكونك تعبد الله بعبادات طول الليل ولا تزكي نفسك فماذا استفدت؟ ولهذا نددنا بالبدع وقلنا: كل بدعة ضلالة، حتى الذكر إذا لم يشرعه الله فلن ينفعك، فإن كنت تقول: أنا مع الله وأنت تذكر: هو هو هو هو، حي حي حي، طول الليل فلن ينفعك هذا؛ لأن الله ما شرع هذه العبادة، ولن تنتج لك الطاقة النورانية التي تزكو بها النفس البشرية.وقد جاءني كتاب فيه قصيدة فيها مائة بيت كذا لـعبد القادر الجيلاني قد جعلوه مثل الله، وأخذوا يمجدونه: يا قطب الأقطاب! لا قطب إلا أنت، يا كذا! يا كذا! يا كذا! والعامي يقرأ هذا طول الليل يتقرب به إلى الله، وهو والله إنما يتقرب إلى الشيطان: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال المؤلف: [ من هداية الآيات: أولاً: لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض ]. فلو قلت: أنا لا أؤمن بيوشع بن نون تلميذ موسى وخادمه خرجت من الإسلام، فإذا ثبتت نبوة نبي أو رسالة رسول ما بقي لنا خيار أبداً، آمنا بالله ورسله.وقوله: (لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض) كما هي حال اليهود والنصارى والمجوس ومن إليهم.قال: [ كما لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض ما أنزل الله تعالى على رسله ويكفر ببعض ] فلو يقول قائل: أنا أؤمن بالقرآن بكامله إلا آية واحدة مثل: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ [المائدة:3] فقائل هذا يبقى مسلماً؟ لا يصح إيمانه وإسلامه.قال: [ ثانياً: الإسلام هو الانقياد ] ما هو الانقياد؟أعطني حبلاً أجعله في رقبة أحدنا ونجره، فإذا مشى معي يقال: هذا انقاد، وإذا لوى رأسه وقال: لا أمشي، فهذا غير منقاد، فالإسلام في عنقك فإن مشيت وطبقت شرائعه وأحكامه انقدت، وإن قلت: أنا ما أطبق الصوم مثلاً، فهذا غير منقاد.قال: [ الإسلام هو الانقياد والخضوع لله تعالى، وهو يتنافى مع التخيير بين رسل الله ووحيه إليهم ]. فالمنقاد لا يخير يقول: أنا أؤمن بهذا ولا أؤمن بهذا.[ ثالثاً: بطلان سائر الأديان والملل سوى الدين الإسلامي وملة محمد صلى الله عليه وسلم ].فيجب أن يعلم هذا الأبيض والأصفر وفي دنيا البشر، فالإسلام دين البشرية كلها أبيضها وأصفرها، وليس دين المسلمين خاصة، فالإسلام: هو الانقياد لله والخضوع بفعل ما أمر وترك ما نهى، ويثبت ذلك الأمر والنهي في كتابه القرآن الذي نسخ به الكتب وعلى لسان رسوله الخاتم المبين المفسر الشارح لعبادات الله. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #308  
قديم 12-11-2020, 12:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (26)
الحلقة (167)

تفسير سورة آل عمران (32)


لقد توعد الله عز وجل من يكفر بعد إيمانه بالوعيد الشديد، وبين أن جزاءهم اللعن والطرد من رحمة الله، ولعنة الملائكة والناس أجمعين، ومن عطل شريعة الله سبحانه وتعالى بكاملها وأعرض عنها، واستورد عوضاً عنها القوانين الوضعية والأحكام البشرية، داخل في هذا الوعيد، إلا أن يتوب إلى الله من بعد ذلك ويعمل صالحاً.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الثلاثاء من يوم الإثنين ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ) .اللهم حقق رجاءنا يا ولينا؛ إنه لا ولي لنا سواك.وها نحن مع هذه الآيات الأربع من سورة آل عمران.وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:86-89].هذا كلام الله عز وجل. وقبل الشروع فيها نذكر أنفسنا بالآيتين السابقتين اللتين درسناهما الليلة الماضية.

الدعوة إلى الإيمان بالله والإسلام له
قال تعالى: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84] وهذه عقيدتنا مهما تغيرت الأزمان والأحوال، فأمرنا الله أن نقول، قلنا: يا ربنا، قال: قل يا رسولنا وأمتك معك: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا [آل عمران:84] من هذا القرآن وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84] أي: مسلمون لله، لا للدنيا ولا للهوى ولا للشهوة ولا للباطل، وإنما مسلمون لله.ولو قال لنا قائل: ماذا أسلمتم لله؟ تعلنون أنكم مسلمون فأي شيء أسلمتموه؟جوابنا: أسلمنا له قلوبنا فلا تتقلب أبداً إلا في طلب رضاه، وأسلمنا له وجوهنا وتبعتها أعضاؤنا، فو الله لا نبني ولا نهدم ولا نتزوج ولا نطلق ولا نأكل ولا نشرب ولا ننام ولا نستيقظ إلا من أجل الله؛ لأننا وقف على الله، وكل ريع الوقف يعود إلى من أوقف عليه، وآية الوقفية من سورة الأنعام المباركة وهي قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].إذاً: أنتم وقف على الله، فإياكم أن يضيع شيء منكم لغير الله. فلما تجلس يا شيخ عبد الله أمام شاشة الفيديو أو التلفاز، وتبدأ أنواع العروض تظهر من دقيقة إلى أخرى، وأنت وسيدتك وبناتك وأولادك، وهذه تضحك وهذا يقول: انظر يا بابا، وهذا كذا، ساعتين أو ثلاث ساعات، فهذا الوقت من سمح لكم ووهبكم أن تضيعوه في ما يغضب الله .. في ما يسخط الملائكة ويخرجهم من بيوتكم؟ وإذا فرغ المنزل يعمره العدو المتربص ألا وهم الشياطين.فإذا دخلت الشياطين ماذا تصنع معكم؟تطبخ لكم الطعام! تحرس لكم بيتكم من اللصوص! تزيد في طاقة إيمانكم!مهمة الشياطين إفساد قلوبكم؛ لتخبث نفوسكم، فتتحدون معهم في أنكم من أهل النار، وهذه مهمة إبليس، إذ قال لربه: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ يا رب لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82].فالذي يضيع الساعتين في هذا الباطل يكون الشيطان قد أخذ منه ربع وقفه؛ لأنه يستيقظ عشر ساعات ويقضي اثنا عشر ساعة في النوم.وكذلك لما تجلس تقول: هات يا ولد جريدة البلاد .. الجزيرة .. الرياض .. كذا، وتبدأ تتصفح وتقرأ ثم ترمي، ولمدة ساعتين. فما الذي استفدته وقدمته لله في الساعتين؟ أسألك بالله أن تخبرني.الجواب: لا شيء. هل نفعت هذه الصحف في زيادة المعارف والعلوم؟ وهل رقتهم وسمت بهم في آدابهم وأخلاقهم فتأتسي أنت وتجري وراءهم؟ كلا.أين الفائدة المرجوة؟!لو كنت مسئولاً على البلاد والعباد وأردت أن تتبع أحداث العالم فهل أنت وليهم لنعذرك، وهل يكون عملك هذا في قراءة الصحف بالساعة والساعتين هذا لله؛ لأنك تريد أن تحمي من تحتك وأنت أميرهم ووليهم، لكن ما دمت لا صلة لك بالسياسة ولا علاقة لك بالحكم فتضييعك لهذا الوقت في سبيل من؟!والله لأن تصلي ركعتين خير لك ألف مرة من تلك الساعتين التي تقرأ فيهما المجلات والصحف الهابطة، لا تتعلم فيهما آية ولا سنة.أين الوقفية على الله؟ اتصلت بي مؤمنة تقول: يا شيخ! زوجي يفجر بالخادمة وفي رمضان، فماذا أصنع؟قلت لها: انصحيه وقولي له: اسمع يا فحل! إما أن تتوب وإما أن نفارقك، فإن الله لا يجمع الطيبين مع الأخباث ولا الخبثاء مع الطيبين، فالطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات.ثم سألتها: هل عندكم في البيت تلفاز؟ قالت: نعم عندنا نلفاز نجلس عليه.قلت لها: لم؟ قالت: من أجل الأولاد.فوضعت السماعة وتركتها، وعرفت أن العلة في الشياطين فهي التي زينت وحسنت وحملت هذا الرجل على أن يفجر بخادمته وأم أولاده بين يديه.فمن مسخ قلبه وأزال ذلك النور وأبطله؟ كيف اكتسب هذا؟ والله إنه لمن السماع والنظر. إذاً: نقول: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ نعم يا رب! لك لا لسواك مسلمون، أسلمنا قلوبنا ووجوهنا، فلا هم لنا إلا أن يرضى الله ولا يسخط علينا، وليس هذا بمانع أن تتناول مسحاتك يا فلاح وتسقي زرعك أو أن تعمل في حديقتك لتكتسب قوتك، أو أن تحمل كيسك أو زنبيلك وتجول في الشوارع تلتقط الأوساخ كناس في البلدية، لنعم ذلك العمل إن كنت تريد به وجه الله عز وجل.

لا دين إلا الإسلام
الإسلام لا نبغي ديناً سواه للآية الأخيرة: وَمَنْ يَبْتَغِ أي: يطلب غَيْرَ الإِسْلامِ ديناً يتدين به فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ أولاً وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] فالخاسرون ليسوا الذين خسروا شياههم وأغنامهم وأولادهم بل كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الشورى:15].فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يفهم هذه الكلمة، فيعرف من هم الخاسرون، فالخاسرون عباد الله هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وهذا حكم الله عز وجل.والإسلام هو: الانقياد والخضوع، وتسليم القلب والوجه لله.ومبنى هذا الدين يقوم على: الإيمان والإسلام والإحسان، وحديث جبريل عليه السلام شاهد في هذا. فقد بعث الله جبريل وتزيا بزي المؤمنين ودخل كأنه بدوي يشق الصفوف والناس ينظرون إليه، حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه ليعلمنا كيف نتلقى العلم والمعرفة، ثم أخذ في السؤال: ( أخبرني يا محمد عن الإيمان، فيقول: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فيقول: صدقت. أخبرني عن الإسلام يا محمد. فيقول: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبيلاً، فيقول: صدقت. فقالوا: عجبنا له يسأله ويصدقه ) إذاً هو أعلم منه. ( أخبرني عن الإحسان يا محمد! قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ) فإن عجزت وهبطت وما استطعت أن تصل إلى هذا المستوى فعلى الأقل أن تعبد الله وأنت موقن أنه يراك، فإن لم تكن تراه أنت لعجزك وضعفك فهو يراك.فأيما مؤمن صادق الإيمان يدخل في عبادة ويؤديها كأنه ينظر إلى الله أو موقن أن الله ينظر إليه من المستحيل أن يعبث بها أو يخرج بها عن دائرتها، أو يؤديها على غير الوجه المطلوب منها لتثمر الزكاة والطهر لنفسه، لكن الذي يصلي ولا يشعر أنه مع الله ولا أن الله ينظر إليه ولا هو يتصور أنه بين يدي الله وأنه يناجيه كيف يعبد الله؟ إنها عبادة فارغة لا تنتج زكاة ولا طهراً.فإن قال قائل: ما الدليل على ما تقول يا شيخ؟الجواب: الدليل يقول تعالى في بيان سبيل الهداية والطرق الموصلة إلى الكمال، يقول لرسوله وأمته تابعة له: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ أي: اقرأ ما أوحي إليك من الكتاب وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]، فابتدأ بقوله: إِنَّ الصَّلاةَ التي أمرت أن تقيمها تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فيقول العليم الحكيم: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له. فهو كالذي لا يأكل فلا يشبع، والذي لا يشرب فلا يرتوي، والذي لا يستريح فلا يستريح، فإنها سنن لا تتبدل، فلو كانت تلك الصلاة قد أثمرت له زكاة روحه وطهارة نفسه لما خرج من المسجد يكذب، ولما صلى ثم خرج من المسجد يغش .. يخدع .. ينظر إلى نساء الناس .. يشتم ويلعن .. يعير ويضحك ويسخر.أين آثار الصلاة؟!والصحيح أنه ما صلى؛ إذ (لو صلى ما غنى) وهذه كلمة قيلت أيام كانت المدينة محط الأنوار على عهد التابعين، فقد مر رجلان في أزقة المدينة الضيقة أيام ما كانت سيارات ولا دبابات، وأثناء الليل وإذا بصوت مغني يسمع من الكوة أو النافذة، وليس بصوت عاهر أو فريد الأطرش ، قال: آه! يا ترى، هل صلى هذا العشاء؟ قال له صاحبه: لو صلى ما غنى. إي والله! لو صلى ما غنى.الآن مضت عليكم فترة، وقبل ثلاثين سنة .. سبع وعشرين سنة، كان الذي يستنكر الأغاني يعتبر معتوه لا قيمة له: كيف يستنكر الأغاني؟ والناس يهيئون الأفراد لهذا، فيتعلم الأغاني النساء والبنات والفتيات والرجال، وكانت هناك مدارس خاصة للتمثيل، وكان هناك فلان مغني، وفلانة مغنية، لكن الحمد لله! زالت تلك السحب ولاحت أنوار الشمس من جديد، وأصبح الحاضرون لا يتألم وممكن واحد في المائة إذا نددنا بالأغاني وأهلها، وقبل اليوم يا ويحك.على كل حال! عرفتم الإسلام الذي نحن من أهله: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي: آمنا بالله رباً وإلهاً، لا رب غيره ولا إله سواه، فلا نصرف طاعة من طاعته لغيره أبداً كيفما كانت الأحوال إلا إذا هددنا بالقتل أو التعذيب فقد رفع الله عنا ذلك: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].ثانياً: الإسلام قائم على الإيمان، ومن لم يؤمن لا يستطيع أن يسلم شيئاً، فهو شحيح، حتى بساعة من يومه أو ليلته، لكن إذا آمن وأيقن وأصبح على نور من ربه فهو مستعد أن يجاهد.لقد كان الأوائل يرقصون فرحاً إذا دخلوا الميدان ومعركة الجهاد فرحاً بلقاء الله عز وجل؛ لأنهم عرفوا الله عز وجل. وكان أحدهم يخرج بماله، وقد خرج أبو بكر من ماله كله، وخرج عمر من نصف ماله، وخرج شيخكم في جهاد الجزائر من نصف ماله، كان عندي قدر من المال قسمته قسمين وقدمناه للمجاهدين أيام كان الجهاد لله.أما الحكومة السعودية التي نسأل الله تعالى أن يميتنا قبل أن يسقطها، وألا يرينا الله تعالى فيها مكروهاً، فإنها آية الله وحجته على البشرية كلها، أين الذين يفقهون ويفهمون؟لما هبطت أمة الإسلام ولصقت بالأرض وسادها الكفر وقادها إلى العهر والفجور والسحر والباطل وعزم العالم كله ألا عودة للإسلام، وألا قيمة لهذا القرآن، يقرأ على الموتى، ولا يتحقق به أمن ولا طهارة ولا صفاء؛ فجاء الله بـعبد العزيز قدس الله روحه، ولعن الله من يلعنه، جاء به في ظروف قاسية وشديدة، واسألوا الذين كانوا في جيشه فقد كان راتبهم صاعاً من شعير أو تمر، ولا طائرة ولا سيارة ولا هاتف، فحكَّم كتاب الله، وأقام تلك الدولة البدوية الصحراوية على دعائم إلهية ربانية؛ أربع دعائم فقط جاءت في قول الله تعالى من سورة الحج يا أهل القرآن: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] وبالله الذي لا إله غيره لن تكمل أمة ولن يسعد شعب ولن تطهر بلاد ولن تعز ما لم تقم الدولة على هذه الأركان الأربعة.وساد البلاد أمن ما حلمت به هذه البلاد من عهد القرون الذهبية الأولى، بعدما كان الرجل في المدينة يجد باب بيته يباع في السوق فلا يتكلم. وكان الحاج يأكل ذهبه يدخرها في بطنه حتى إذا خرأها استخرجها وإلا تسلب منه.فساد هذه البلاد أمن، ويمشي الرجل من طرف المملكة إلى طرفها شرقاً وغرباً لا يخاف إلا الله، وقد سكنا من كذا وأربعين سنة في منزل والله بلا باب، وهذه السويقة الصغيرة باب السلام تمر بالذهب والدراهم والدنانير مكومة وعليها غشاء غطاء من خرقة بالية والمؤمنون بين يدي الله يصلون، لا يخافون أن يسلب دينار ولا درهم، فكيف تحقق هذا الأمن؟ بالسحر! تحقق بالبوليس! بالآلات!فرنسا رسمياً تعلن عن عشرة آلاف جريمة في كل يوم، ومن منا يملك طاقات الأمن كفرنسا؟ وهل نفعت؟!لقد تحقق طهر ما كانت تعرفه هذه البلاد إلا في عهد القرون الذهبية بقوة ماذا؟ لا شيء.لقد أراد الله أن يقيم حجته على الخلق ليعلموا أن الإسلام إذا طبق وعمل به لابد وأن يتحقق به مراد الله من الأمن والطهر والصفاء.وسحر اليهود العرب والمسلمون فاستقل لنا نيف وأربعون إقليماً، وعايشنا تلك الاستقلالات، فلما كان الإقليم يستقل كان نقول: الله أكبر! الله أكبر! فاستقلت باكستان .. استقلت إندونيسيا .. ولم يعرف إقليم واحد هذه القواعد الأربعة وبنى عليها دولته، وهو كذلك حال الدويلات الهابطة والتي فيها حفنات من البشر.أنا أعجب! حاربنا فرنسا وطردناها وأجليناها فلم لا نطبق شريعة الله؟طردنا بريطانيا وأبعدنا هولندا العجوز وقد كانت تحكمنا في إندونيسيا، كيف أن ثلاثة عشر مليوناً يسوسون مائة مليون، فأين المسلمون؟ الجواب: ماتوا. فلا أقيمت الصلاة في بلد ولا جبيت الزكاة في بلد ولا وجد من يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر في بلد.وكان المفروض بنا لو كنا متأهلين للخير أنه ما إن يستقل إقليم - ونحن ما استقللنا في يوم واحد ولا في عام واحد بل أكثر من خمسين سنة- في الشرق أو الغرب، في بلاد العجم أو العرب يأتي رجاله على الفور، وتأتي لجنة سباعية .. عشارية، ويقولون: أي عبد العزيز ! أنت إمام المسلمين، وهذه مفاتيح البلاد بين يديك، فابعث لنا قضاة يقضون بيننا بالكتاب والسنة كما عندكم، ويكونون هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيدخلون البلاد أولاً: إقام الصلاة إجبارية. ثانياً: جباية الزكاة رسمية، فلا ضريبة ولا مضروبة، وثالثاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم تابعون للدولة الإسلامية وجزء منها حتى تعود الخلافة من جديد. والله ما فعل هذا قطر ولا إقليم لا من العرب ولا من المسلمين. وهذا الواقع. وبعد ماذا أصابهم من بلاء؟ هل عزوا؟ هل كملوا؟ هل سعدوا؟ هل طابوا وطهروا؟أسألكم بالله! لا شيء، هذا جزاؤنا، لو تم هذا لكانت الخلافة قائمة، لكن على العكس هناك من يقول: السعودية اليهودية، السعودية الوهابية، فالسب والشتم. ومحدثكم هذا الذي تغضبون له وعليه سمع هذا من الشرق والغرب، كأنه لا عدو إلا هذا، والله بأذني هاتين ركبت حافلة في بلد ما، وطلع أعمى ومعه دف وزميله مساعده معه، يدفدفون هكذا ويطلبون الفلوس يقولون: يا سعودية يا يهودية؛ ليجمعوا الفلوس ويعطيهم إخوانكم. آه! فماذا عسانا أن نقول؟وجاءت الفاضحة، وليست الحاقة ولا الواقعة، وهي حرب الخليج، وإخواننا المسلمون يرقصون ويصفقون فرحون بالجهاد مع صدام . والله لولا الله لتبقى هذه الحجة له قائمة لكانوا في أربعة أيام يطبقون علينا نهائياً، وقد طوقونا من الشمال والجنوب والغرب والشرق، ولكن الله قال: قفوا، فما زالت حجة الله عز وجل. فوقفوا.هل من واع؟ كلا، فلا بصيرة ولا وعي.وفي داخل البلاد يعملون على إسقاطها وإحباطها، فيهزءون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسخرون من العلماء، ويستهزئون بالحكام وهم لا يشعرون.ونحن نقول: يا جماعة! يا مسلمون في الشرق والغرب! هذه آية ربكم لا تطفئوا نورها، فاعملوا على بقائها وتقويتها.إن الذي يزني في هذه البلاد يهدم في هذه الحكومة، والذي يكذب في هذه البلاد كالذي يسرق ويهدم، والذي يترك ذكر الله ويقبل على ذكر الشيطان هو يعمل على هدم هذه البقية الباقية، تقول: استقيموا، ولكن:أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تناديوليمض حكم الله وهو العزيز الحكيم.إلا أننا نتوقع أن محنة وفتنة وبلاء ستنزل بالعرب والمسلمين، لا ندري كيف، وظواهرها وبوادرها لائحة في الآفاق، لأننا ما عرفنا الطريق إلى الله. والعلة ما من مصيبة إلا بذنب، وصدق الله العظيم: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30].

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #309  
قديم 12-11-2020, 12:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم ...)
قال تعالى: كَيْفَ بمعنى الاستبعاد: كيف هذا؟ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ [آل عمران:86] أي: كيف ترجع هذه الأمة إلى ربها وتعود إلى منهج إلهها لتسموا وتكمل وقد هبطت؟قال: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:86] أي: كالشمس وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [آل عمران:86] أي: لا يهديهم إلى ما فيه سعادتهم وكمالهم .. لا يهديهم إلى طرق النجاة والسلامة من عذاب الدنيا وخزيها وعذاب الآخرة وخزيها.وهذه الآية وإن نزلت في أحداث فهي عامة.كم واحد دخل في الإسلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ذهبوا إلى مكة وارتدوا؟هناك مجموعة من اليهود حصل منهم هذا، لكن الآية ليست بسبب شخص أو أشخاص.قوله: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا قلوا أو كثروا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ أي: بعد أن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله انتكسوا وارتدوا وعبدوا غير الله، وكذبوا رسول الله وحاربوا دينه ورسالته.فيستبعد الله تعالى إيمان هؤلاء، فما يعودون.وبنو أبيرق كانوا قد سرقوا درعاً، والدروع كانت ذات قيمة في الحروب، فلما طلبوه وشعروا أخذوا الدرع ورموه في بيت يهودي وقالوا: تعالوا، فالدرع في سقيفة اليهودي. فجاء الأصحاب ووجدوا الدرع في بيت اليهودي، فقال اليهودي: أبداً، أنا ما فعلت، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، فدافع عن بني أبيرق، ثم فضحهم الله، وشرد زعيمهم وذهب إلى مكة مرتداً، وجاء يخون في منزل فحفر الجدار وأدخل رأسه فسقط عليه الجدار، فألقي كالفأر ميتاً كافراً في الجدار، وفيه نزل: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ... [النساء:105-106] الآيات.فهذه الأحداث وجدت، لكن الآية أعم من جماعة أو فرد.ثم لما نبحث في قوله: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ [آل عمران:86] نجد ينطبق على الذين عطلوا الشريعة بكاملها وأعرضوا عنها، ويستوردون القوانين الهابطة من ديار الشيوعية والصليبية والكفر ويعرضون عن الإسلام.وشيء آخر: هل سادوا أو عزوا وكملوا؟ هل ذاقوا نسيم الأمن والطهر في ديارهم؟ والله ما ذاقوه.هي نتوب إلى الله، فإن الله قال: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:89]. من يبلغهم هذا؟ لا أحد، فهناك إعراض كامل.

تفسير قوله تعالى: (أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
يقول تعالى في بيان الجزاء للمرتدين والمنتكسين والمعرضين بعدما لاحت أنوار القرآن وهدايته في الأرض، يقول: أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ ماذا؟ مائة ريال .. سجن .. أولئك البعداء الخاسرون: جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [آل عمران:87] واللعن هو: الطرد والبعد، تقول: العنه أي: اطرده وأبعده من ساحتك. فلعنة الله تعني إبعادهم عن كل خير، ولعنة الملائكة تعني الدعاء عليهم بالبلاء والشقاء، ولعنة الناس أجمعين تكون يوم القيامة، فالظالمون يلعن بعضهم بعضاً وهم في جهنم.إذاً أولئك البعداء جزاؤهم مقابل ردتهم وانتكاستهم وإعراضهم ونسيانهم لذكر الله بعدما جاءهم الحق وعرفوه، الكتاب بين أيديهم والرسول يعرفون حتى قبره وبلاده؛ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [آل عمران:87] .

تفسير قوله تعالى: (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون)
قال: خَالِدِينَ فِيهَا [آل عمران:88] فلا يخرجون من هذه اللعنة، من أين يخرجون وقد أغلقوا الباب على أنفسهم، فارتدوا وانتكسوا، ولو عرفوا الطريق وعادوا ممكن كما سيأتي، لكن الواقع هو هذا: خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ [آل عمران:88] لا يفتر ولا يخفف العذاب وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [آل عمران:88]، فالله غاضب ساخط عليهم، لا يرحمهم ولا يلتفت إليهم.

تفسير قوله تعالى: (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم)
اللهم: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا [آل عمران:89] فرجعوا إلى الإيمان والعمل الصالح وما أفسدوه، وأما القلوب التي أفسدوها والنفوس التي دسوها بالباطل والشر يعملون على إصلاحها.إذاً: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:89] فيغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم، إذ من صفاته صفات الجلال والكمال أنه غفور، فلو لم يكن من ذنب كيف يعرف أن الله غفور؟وهو رحيم بعباده .. بالحيوانات .. بكل المخلوقات، فكيف بمن رجعوا إليه واطرحوا بين يديه معلنين عن توبتهم وإسلامهم؟!هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما نقول ونسمع.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #310  
قديم 12-11-2020, 12:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (27)
الحلقة (168)

تفسير سورة آل عمران (33)


إن أعظم نعمة ينعم بها الله على عباده أن يهيئهم للإيمان والتوبة من العصيان، ومن أعظم الخذلان أن يكفر المرء بعد إيمان، وأن يعود إلى الظلمات بعد أن أخرجه الله منها، ومن كان هذا حاله فلن ينفعه شيء في الآخرة، ولن ينجيه من عذاب الله شيء، حتى لوى افتدى نفسه بملء الأرض ذهباً، وحتى لو افتدى نفسه بالقريب والبعيد.

تفسير قوله تعالى: (كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الثلاثاء من يوم الأربعاء، ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ).اللهم حقق لنا رجاءنا فيك يا رب العالمين.وبشرى أخرى نزفها لكم يا أيها المؤمنون! يقول صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ) فهنيئاً لكم.وثالثة: إذا صلى العبد الفريضة وجلس في مصلاه يذكر الله حتى صلى الفريضة الثانية غفر له ما تقدم من ذنبه، فالحمد لله الذي أعطانا ما حرمه غيرنا، والآن عشرات الآلاف من أبنائنا وإخواننا يتواجدون هنا وهناك وهم محرومون من هذه الجلسة، لا لشيء، فقط ما أقبلوا على الله لا أقل ولا أكثر، فالحمد لله! وهذه هبته وعطيته، فلا يحمد على الحقيقة إلا هو.وها نحن مع هذه الآيات الثلاث.تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:90-92].

أهمية الإسراع في التوبة وعدم الاستمرار على المعاصي
معشر المستمعين والمستمعات! انتبهوا لهذا الخبر، يقول الله العليم الحكيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ [آل عمران:90] بالنسبة إلى أهل الإيمان من أمثالكم -أكثر الله منكم- أن عبد الله أو أمته إذا تاب قبلت توبته ما لم يغرغر، فإذا حشرجت النفس في الصدر وأصبح غر لا يفصح عما يقول ثَمَّ أغلق باب التوبة عنه فلا يفتح، أما قبل أن يغرغر فإن توبته مقبولة ولو عصى الله في اليوم سبعين مرة وتاب عند كل معصية باب الله مفتوح.ولكن مع هذا تنبيه .. تحذير .. إعلام: احذر يا عبد الله واحذر يا أمة الله! من الاستمرار على المعصية، فإنه يأتي وقت يحال بينك وبين التوبة، فلا تستطيعها، ولا تقدر عليها، أما الله تعالى فهو مستعد لأن يقبلها إن جاءت، وإذا حال بينك وبينها حوائل فماذا تصنع؟!فليحذر عبد الله أو أمته من الاستمرار على المعصية.يا عبد الله! يا أمة الله! إذا زلت القدم وأصر عبد الله أو أمته على المعصية فليعجل التوبة وليسرع بها؛ خشية أن يحال بينه وبينها، واسمعوا قول الله عز وجل في هذا الشأن، فقد جاء من سورة النساء المدنية: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:17-18].ومن هنا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته سبيل نجاتها، فقال وقوله مستقى من كلام ربه، قال: ( عجلوا بالتوبة ولا تؤخروها )، فمن أذنب ذنباً فليسارع بالتوبة ولا يتماطل أو يتسوف، فأسرع يا عبد الله خشية أن يصبح العبد على حال لا يستطيع معها أن يتوب؛ لأنها سنة الله في الناس. فالذي تعود أكل الحلال .. تعود أن يتناول تمرة عند يقظته من نومه يصبح في حال لا يستطيع أن يصبر على ذلك، فقد تعود أن يأكل نوعاً من الطعام يصبح لا يرغب إلا فيه، وهذه أمور مشاهدة، كالذي يعتاد الكذب ويستمر عليه يصعب عليه أن يتوب منه، والذي يعتاد أية معصية ويستمر معها ولا يسارع إلى التوبة ولا يتوب منها ففي أغلب الأحوال أنه يموت عليها، ولهذا أجمع أهل هذه الملة على وجوب التوبة وعدم تأخيرها.قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ أي: واجبة على الله واجب تفضل به وامتن به علينا، وإلا الله من يوجب عليه؟ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ وهو كل سيئة من شأنها أن تسوء إلى النفس البشرية فتلوثها وتدسيها يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17] أما عمداً وتحدياً وعدم مبالاة بالله فمثل هذا لا يتوب الله عليه. ومن هذه الجهالات أن يقول: سأتوب إن شاء الله، أو إذا زال كذا، أو إذا حصل كذا، أو يقول: لو كان هذا حرام فلم فعله الشيخ الفلاني؟ أو لو كان هذا مما يكرهه الله فلم يفعله فلان وفلان؟ هذه أنواع الجهالات.بخلاف من يتحدى الله فيقول: أعرف ربي أنه حرم وأنا سآتيه، فمثل هذا لا يتاب عليه.ومن يقول: هذا ليس بحرام، ولا يفهم أنه حرام، فهذا نوع من الجهالة، وبمجرد أن يقبل على الله فإن الله يقبله ويتوب عليه، وله التوبة.ولاحظ هذا القيد فقال: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ أولاً: بِجَهَالَةٍ وثانياً: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17] والقرب هنا نسبي، فليس مسافة كيلو أو ميل أو عشرة، ولا مسافة يوم ولا عام ولا عشرين عاماً، فمن هنا كانت الحيطة تتطلب أنك بمجرد ما تفعل المعصية أن تقول: أستغفر الله وأتوب إليه.وإليكم صورة أمام أعينكم: في سوق التمَّارين كانت هناك امرأة مؤمنة زوجها في غزوة من غزوات المؤمنين، فاضطرت إلى أن تأتي إلى السوق لتشتري تمراً لأولادها إذ هذا غذاؤهم، فوقفت على بائع التمر، وأخرجت يدها بيضاء كفلقة القمر؛ لأنها مستورة، فأخرجت النقود، فما إن رآها الفحل التمار حتى أعماه الشيطان فأكب على ذلك الكبش يقبله، ثم قالت: أما تتقي الله؟ فأفاق والله من ذلك السوق وهو يجري ينتف شعر لحيته، ويحثو التراب على رأسه، وعاد يصرخ ويبكي إلى هذا المسجد .. إلى الروضة وهو في حالة لا تتصورها، فسأل أحد الصحابة فرده، وانتظر حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب بالمسلمين وشكا إليه وهو يبكي، فقال: ( صليت معنا هذه الصلاة؟ قال: نعم. قال: إن الله يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] فمسح دموعه ). والله يقول: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ). هذه هي التوبة.أما أن يستمر الليالي الطوال والأيام والأعوام على معصية من كبائر الذنوب فأنى له أن يتوب، ولكن باب الله واسع؛ فكم من إنسان لازم معصية عشر سنين وأقدره الله على التوبة وأعانه عليها فتاب، وكم من إنسان هلك في أسبوعه الأول، ومن هنا الحيطة تقتضي بمجرد ما أشعر أنني أخطأت تقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله وأتوب إليه.

عدم قبول توبة من ازداد كفراً بعد إيمان
قال تعالى في الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ [آل عمران:90] فكانوا مؤمنين، فلما بعث فيهم عيسى عليه السلام كفروا بعيسى وادعوا أنه ساحر وأنه ابن زنا وأنه.. وأنه..؛ محافظة على أموالهم ومناصبهم وعلى رئاستهم بين إخوانهم، والعوام يتبعون العلماء.ثم قال: ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا [آل عمران:90] أي: فزادوا كفرهم الأول كفرهم بالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وهؤلاء أخبر تعالى أنه لن يقبل توبتهم، لأنهم ليسوا بأهل لأن يتوبوا، ولو تابوا فلن تقبل توبتهم ولن يتوبوا، فإنهم كفروا على علم في المرة الأولى، ثم كفروا في المرة الثانية، وكفرهم ليس مجرد تكذيب، بل يضاف إليه الكيد والمكر والقتل وسفك الدماء وإثارة النفوس و.. و.. وجرائم أخرى فعلوها.وقد حاولوا قتل النبي ثلاث مرات، ومات والله متأثراً بالسم الذي سقته الخيبرية.وهذا النوع يقول فيه تعالى: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ [آل عمران:90] والضلال بعيد.وهذه مسألة أخرى نضرب لها مثلاً: فهناك فرق بين الضلال القريب والضلال البعيد، والآية فيها ضلال بعيد، فلو أراد أخونا أن يمشي إلى مكة الليلة، فاتجه شمالاً، ومشى طول الليل فتبين له أن مكة في الجنوب وليس في الشمال، فرجع وأمكنه؛ لأن الزاد ما زال عنده والإعياء ما أخذه والراحلة معه، لكن إذا ما كان قد مشى وواصل المشي شهراً أو شهرين فوصل إلى تركيا مثلاً فكيف يرجع؟ فما بقيت له قدرة على الرجوع؛ لأن ضلاله بعيد.ففرق بين الضلال القريب والبعيد، فمن هنا قوله تعالى: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ [آل عمران:90] لأنهم توغلوا في الكفر والشر والفساد والظلم والخبث، وما أصبحوا أهلاً لرضا الله أبداً، فلا يقبلهم الله عز وجل.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 250.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 244.44 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]