تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 30 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 599 - عددالزوار : 339276 )           »          أبناؤنا وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          7خطوات تعلمكِ العفو والسماح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تربية الزوجات على إسعاد الأزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حدث في العاشر من صفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الإنسان القرآني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الخطابة فنّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          متاعب الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #291  
قديم 14-08-2022, 10:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (291)
صــ 115 إلى صــ 121



قوله تعالى : " فلا تسألني ما ليس لك به علم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : " فلا تسألن " بفتح اللام ، وتشديد النون ، غير أن نافعا ، وابن عامر ، كسرا النون ، وفتحها ابن كثير ، وحذفوا الياء في الوصل والوقف . وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، بسكون اللام وتخفيف النون ، غير أن أبا عمرو ، [ ص: 115 ] وأبا جعفر ، أثبتا الياء في الوصل ، وحذفاها في الوقف ، ووقف عليها يعقوب بالياء ، والباقون يحذفونها في الحالين . قال أبو علي : من كسر النون ، فقد عدى السؤال إلى مفعولين ، أحدهما : اسم المتكلم ، والآخر : الاسم الموصول ، وحذفت النون المتصلة بياء المتكلم لاجتماع النونات . وأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل ، وحذفها أخف ، والكسرة تدل عليها ، وتعلم أن المفعول مراد في المعنى .

ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه نسبته إليه ، وليس منه .

والثاني : في إدخاله إياه في جملة أهله الذين وعده نجاتهم .

والثالث : سؤاله في إنجاء كافر من العذاب .

قوله تعالى : " إني أعظك أن تكون من الجاهلين " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن تكون من الجاهلين في سؤالك من ليس من حزبك .

والثاني : من الجاهلين بوعدي ، لأني وعدت بإنجاء المؤمنين .

والثالث : من الجاهلين بنسبك ، لأنه ليس من أهلك .
قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم

قوله تعالى : " يا نوح اهبط " قال ابن عباس : يريد : من السفينة إلى الأرض . " بسلام منا " أي : بسلامة .

قوله تعالى : " وبركات عليك " قال المفسرون : البركات عليه : أنه صار أبا للبشر جميعا ، لأن جميع الخلق من نسله . " وعلى أمم ممن معك " قال ابن عباس : يريد : من ولدك . قال ابن الأنباري : المعنى : من ذراري من معك ، والمراد : [ ص: 116 ] المؤمنون من ذريته . ثم ذكر الكفار ، فقال : " وأمم " أي : من الذرية أيضا ، والمعنى : وفيمن نصف لك أمم ، وفيمن نقص عليك أمره أمم . " سنمتعهم " أي : في الدنيا " ثم يمسهم منا عذاب أليم " في الآخرة . قال محمد بن كعب القرظي : لم يبق مؤمن ولا مؤمنة في أصلاب الرجال وأرحام النساء يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا وقد دخل في ذلك السلام والبركات ، ولم يبق كافر إلا دخل في ذلك المتاع والعذاب .
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين

قوله تعالى : " تلك من أنباء الغيب " في المشار إليه بـ " تلك " قولان :

أحدهما : قصة نوح . والثاني : آيات القرآن ، والمعنى : تلك من أخبار ما غاب عنك وعن قومك .

فإن قيل : كيف قال هاهنا : " تلك " ، وفي مكان آخر " ذلك " ؟

فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : " تلك " إشارة إلى آيات القرآن ، و " ذلك " إشارة إلى الخبر والحديث ، وكلاهما معروف في اللغة الفصيحة ، يقول [ ص: 117 ] الرجل : قد قدم فلان ، فيقول سامع قوله : قد فرحت به ، وقد سررت بها ، فإذا ذكر ، عنى القدوم ، وإذا أنث ، ذهب إلى القدمة .

قوله تعالى : " من قبل هذا " يعني القرآن . " فاصبر " كما صبر نوح على أذى قومه " إن العاقبة " أي : آخر الأمر بالظفر والتمكين " للمتقين " أي : لك ولقومك كما كان لمؤمني قوم نوح .

قوله تعالى : " إن أنتم إلا مفترون " أي : ما أنتم إلا كاذبون في إشراككم مع الله الأوثان . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [يونس :72] إلى قوله : " يرسل السماء عليكم مدرارا " وهذا أيضا قد سبق تفسيره في سورة [الأنعام :61] . والسبب في قوله لهم ذلك ، أن الله تعالى حبس المطر عنهم ثلاث سنين ، وأعقم أرحام نسائهم ، فوعدهم إحياء بلادهم وبسط الرزق لهم إن آمنوا .

قوله تعالى : " ويزدكم قوة إلى قوتكم " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الولد وولد الولد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : يزدكم شدة إلى شدتكم ، قاله مجاهد ، وابن زيد .

والثالث : خصبا إلى خصبكم ، قاله الضحاك .

قوله تعالى : " ولا تتولوا مجرمين " قال مقاتل : لا تعرضوا عن التوحيد مشركين .

قوله تعالى : " ما جئتنا ببينة " أي : بحجة واضحة . " وما نحن بتاركي آلهتنا " يعنون الأصنام . " عن قولك " أي : بقولك ، " والباء " و " عن " يتعاقبان .
إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم

[ ص: 118 ] قوله تعالى : " إن نقول " أي : ما نقول في سبب مخالفتك إيانا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لسبك إياها ، فالذي تظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير . قال ابن قتيبة : يقال عراني كذا ، واعتراني : إذا ألم بي . ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك ، عار ، ومنه قول النابغة :


أتيتك عاريا خلقا ثيابي على خوف تظن بي الظنون


قوله تعالى : " إني أشهد الله " إلى آخر الآية . حرك ياء " إني " نافع . ومعنى الآية : إن كنتم تقولون : إن الآلهة عاقبتني لطعني عليها ، فإني على يقين من عيبها والبراءة منها ، وها أنا ذا أزيد في الطعن عليها ، " فكيدوني جميعا " أي : احتالوا أنتم وأوثانكم في ضري ، ثم لا تمهلون . قال الزجاج : وهذا من أعظم آيات الرسل ، أن يكون الرسول وحده ، وأمته متعاونة عليه ، فيقول لهم : كيدوني ، فلا يستطيع أحد منهم ضره ، وكذلك قال نوح لقومه : فأجمعوا أمركم وشركاءكم [يونس :71] . وقال محمد صلى الله عليه وسلم : فإن كان لكم كيد فكيدون [المرسلات :39] .

قوله تعالى : " إلا هو آخذ بناصيتها " قال أبو عبيدة : المعنى : أنها في قبضته وملكه وسلطانه .

فإن قيل : لم خص الناصية ؟

فالجواب : أن الناصية شعر مقدم الرأس ، فإذا أخذت بها من شخص ، فقد ملكت سائر بدنه ، وذل لك .

قوله تعالى : " إن ربي على صراط مستقيم " قال مجاهد : على الحق ، وقال غيره : في الكلام إضمار ، تقديره : إن ربي يدل على صراط مستقيم .

[ ص: 119 ] فإن قيل : ما وجه المناسبة بين قوله : " إلا هو آخذ بناصيتها " وبين كونه على صراط مستقيم ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أنه لما أخبر أنه آخذ بنواصي الخلق ، كان معناه : أنهم لا يخرجون عن قبضته ، فأخبر أنه على طريق لا يعدل عنه هارب ، ولا يخفى عليه مستتر .

والثاني : أن المعنى : أنه وإن كان قادرا عليهم ، فهو لا يظلمهم ، ولا يريد إلا العدل ، ذكرهما ابن الأنباري .
فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ

قوله تعالى : " فإن تولوا " فيه قولان :

أحدهما : أنه فعل ماض ، معناه : فإن أعرضوا . فعلى هذا ، في الآية إضمار ، تلخيصه : فإن أعرضوا فقل لهم : قد أبلغتكم ، هذا مذهب مقاتل في آخرين .

والثاني : أنه خطاب للحاضرين ، وتقديره فإن تتولوا ، فاستثقلوا الجمع بين تاءين متحركتين ، فاقتصر على إحداهما ، وأسقطت الأخرى ، كما قال النابغة


المرء يهوى أن يعيـ ش وطول عيش قد يضره

[ ص: 120 ] تفنى بشاشته ويبـ
قى بعد حلو العيش مره

وتصرف الأيام حـ
تى ما يرى شيئا يسره


أراد : وتتصرف الأيام ، فأسقط إحدى التاءين ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى : " ويستخلف ربي قوما غيركم " فيه وعيد لهم بالهلاك . " إن ربي على كل شيء حفيظ " فيه قولان :

أحدهما : حفيظ على أعمال العباد حتى يجازيهم بها . والثاني : أن " على " بمعنى اللام ، فالمعنى : لكل شيء حافظ ، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء .
ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ

قوله تعالى : " ولما جاء أمرنا " فيه قولان :

أحدهما : جاء عذابنا ، قاله ابن عباس . والثاني : جاء أمرنا بهلاكهم

قوله تعالى : " نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا " فيه قولان :

أحدهما : نجيناهم من العذاب بنعمتنا . والثاني : نجيناهم بأن هديناهم إلى الإيمان ، وعصمناهم من الكفر ، روي القولان عن ابن عباس .

قوله تعالى : " ونجيناهم من عذاب غليظ " أي : شديد ، وهو ما استحقه قوم هود من عذاب الدنيا والآخرة .
وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد

قوله تعالى : " وتلك عاد " يعني القبيلة . " وعصوا رسله " لقائل أن يقول : إنما أرسل إليهم هود وحده ، فكيف ذكر بلفظ الجمع ؟

[ ص: 121 ] فالجواب من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه قد يذكر لفظ الجمع ويراد به الواحد ، كقوله : أم يحسدون الناس [النساء :54] والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وحده .

والثاني : أن من كذب رسولا واحدا فقد كذب الكل .

والثالث : أن كل مرة ينذرهم فيها هي رسالة مجددة وهو بها رسول .

قوله تعالى : " واتبعوا " أي : واتبع الأتباع أمر الرؤساء .

والجبار : الذي طال وفات اليد .

وللعلماء في الجبار أربعة أقوال :

أحدها : أنه الذي يقتل على الغضب ويعاقب على الغضب ، قاله الكلبي .

والثاني : أنه الذي يجبر الناس على ما يريد ، قاله الزجاج .

والثالث : أنه المسلط .

والرابع : أنه العظيم في نفسه ، المتكبر على العباد ، ذكرهما ابن الأنباري . والذي ذكرناه يجمع هذه الأقوال ، وقد زدنا هذا شرحا في [المائدة :22] .

وأما العنيد : فهو الذي لا يقبل الحق . قال ابن قتيبة : العنود ، والعنيد ، والعاند : المعارض لك بالخلاف عليك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #292  
قديم 14-08-2022, 10:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (292)
صــ 122 إلى صــ 128




وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا [ ص: 122 ] أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ

قوله تعالى : " وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة " أي : ألحقوا لعنة تنصرف معهم . " ويوم القيامة " أي : وفي يوم القيامة لعنوا أيضا . " ألا إن عادا كفروا ربهم " أي : بربهم فحذف الباء ، وأنشدوا :


أمرتك الخير فافعل ما أمرت به [فقد تركتك ذا مال وذا نشب]


قال الزجاج : قوله : " ألا " ابتداء وتنبيه ، و " بعدا " منصوب على معنى : أبعدهم الله فبعدوا بعدا ، والمعنى : أبعدهم من رحمته .

[ ص: 123 ] قوله تعالى : " هو أنشأكم من الأرض " فيه قولان :

أحدهما : خلقكم من آدم ، وآدم خلق من الأرض . والثاني : أنشأكم في الأرض .

وفي قوله : " واستعمركم فيها " ثلاثة أقوال :

أحدها : أعمركم فيها أي : جعلكم ساكنيها مدة أعماركم ، ومنه العمرى ، وهذا قول مجاهد .

والثاني : أطال أعماركم ، وكانت أعمارهم من ألف سنة إلى ثلاثمائة ، قاله الضحاك .

والثالث : جعلكم عمارها ، قاله أبو عبيدة .

قوله تعالى : " قد كنت فينا مرجوا قبل هذا " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم كانوا يرجونه للمملكة بعد ملكهم ، لأنه كان ذا حسب وثروة ، قاله كعب .

والثاني : أنه كان يبغض أصنامهم ويعدل عن دينهم ، وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم ، فلما أظهر إنذارهم ، انقطع رجاؤهم منه ، وإلى نحو هذا ذهب مقاتل .

والثالث : أنهم كانوا يرجون خيره ، فلما أنذرهم ، زعموا أن رجاءهم لخيره قد انقطع ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " وإننا لفي شك " إن قال قائل : لم قال هاهنا : " وإننا " وقال في (إبراهيم) : " وإنا " ؟

[ ص: 124 ] فالجواب : أنهما لغتان من لغات قريش السبع التي نزل القرآن عليها . قال الفراء : من قال : " إننا " أخرج الحرف على أصله ، لأن كناية المتكلمين " نا " فاجتمعت ثلاث نونات ، نونا " إن " والنون المضمومة إلى الألف ; ومن قال : " إنا " استثقل الجمع بين ثلاث نونات ، وأسقط الثالثة ،وأبقى الأوليين ; وكذلك يقال : إني وإنني ، ولعلي ولعلني ـ وليتي وليتني ، قال الله في اللغة العليا : لعلي أبلغ الأسباب [غافر :36] ، وقال الشاعر في اللغة الأخرى :
أريني جوادا مات هزلا لعلني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا


وقال تعالى : يا ليتني كنت معهم [النساء :73] ، وقال الشاعر :


كمنية جابر إذ قال ليتي أصادفه وأتلف بعض مالي


فأما المريب ، فهو الموقع للريبة والتهمة . والرحمة يراد بها هاهنا : النبوة .

قوله تعالى : " فما تزيدونني غير تخسير " التخسير : النقصان .

وفي معنى الكلام قولان :

أحدهما : فما تزيدونني غير بصارة في خسارتكم ، قاله ابن عباس . وقال الفراء : المعنى : فما تزيدونني غير تخسير لكم ، أي : كلما اعتذرتم عندي بعذر فهو يزيدكم تخسيرا . وقال ابن الأعرابي : غير تخسير لكم ، لا لي . وقال بعضهم : المعنى : فما تزيدونني بما قلتم إلا نسبتي لكم إلى الخسارة .

[ ص: 125 ] والقول الثاني : فما تزيدونني غير الخسران إن رجعت إلى دينكم ، وهذا معنى قول مقاتل .

فإن قيل : فظاهر هذا أنه كان خاسرا ، فزادوه خسارا ، فقد أسلفنا الجواب في قوله : لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا [التوبة :47] .

قوله تعالى : " هذه ناقة الله لكم آية " قد شرحناها في سورة [الأعراف :73] .

قوله تعالى : " تمتعوا في داركم " أي : استمتعوا بحياتكم ، وعبر عن الحياة بالتمتع ، لأن الحي يكون متمتعا بالحواس .

قوله تعالى : " ثلاثة أيام " قال المفسرون : لما عقرت الناقة صعد فصيلها إلى الجبل ، ورغا ثلاث مرات ، فقال صالح : لكل رغوة أجل يوم ، ألا إن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ; فلما أصبحوا في اليوم الأول ، إذا وجوههم مصفرة ، فصاحوا وضجوا وبكوا ، وعرفوا أنه العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الثاني ، إذا وجوههم محمرة ، فضجوا ، وبكوا ، فلما أصبحوا في اليوم الثالث ، إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار ، فصاحوا جميعا : ألا قد حضركم العذاب ; فتكفنوا وألقوا أنفسهم بالأرض ، لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الرابع ، أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم . وقال مقاتل : حفروا لأنفسهم قبورا ، فلما ارتفعت الشمس من اليوم الرابع ، ولم يأتهم العذاب ، ظنوا أن الله قد رحمهم ، فخرجوا من قبورهم يدعو بعضهم بعضا ، إذ نزل جبريل فقام فوق المدينة فسد ضوء الشمس ، فلما عاينوه دخلوا قبورهم ، فصاح بهم صيحة : موتوا عليكم لعنة الله فخرجت أرواحهم ، وتزلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم .

قوله تعالى : " ذلك وعد " أي : العذاب " غير مكذوب " أي : غير كذب .

[ ص: 126 ] قوله تعالى : " ومن خزي يومئذ " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، " يومئذ " بكسر الميم . وقرأ الكسائي بفتحها مع الإضافة . قال مكي : من كسر الميم ، أعرب ، وخفض ، لإضافة الخزي إلى اليوم ، ولم يبنه ; ومن فتح ، بنى اليوم على الفتح ، لإضافته إلى غير متمكن ، وهو " إذ " . وقرأ ابن مسعود " ومن خزي " بالتنوين ، " يومئذ " بفتح الميم . قال ابن الأنباري : هذه الواو في قوله : " ومن خزي " معطوفة على محذوف ، تقديره : نجيناهم من العذاب ومن خزي يومئذ . قال : ويجوز أن تكون دخلت لفعل مضمر ، تأويله : نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ، ونجيناهم من خزي يومئذ . قال : وإنما قال : " وأخذ " لأن الصيحة محمولة على الصياح .

قوله تعالى : " ألا بعدا لثمود " اختلفوا في صرف " ثمود " وترك إجرائه في خمسة مواضع : في (هود :69) ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ، وفي (الفرقان :38) وعادا وثمود وأصحاب الرس ، وفي (العنكبوت :38) وعادا وثمود وقد تبين لكم ، وفي (النجم :51) وثمود فما أبقى . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع منها ، وتركوا " ألا بعدا لثمود " فلم يصرفوه . وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف ، وصرفهن الكسائي . واختلف عن عاصم ، فروى حسين الجعفي عن أبي بكر عنه أنه أجرى الأربعة الأحرف مثل أبي عمرو ; وروى يحيى بن آدم أنه أجرى ثلاثة ، في (هود :69) " ألا إن ثمودا " ، وفي (الفرقان :38) ، و(العنكبوت :38) . وروى حفص عنه أنه لم يجر شيئا منها مثل حمزة .

واعلم أن ثمودا يراد به القبيلة تارة ، ويراد به الحي تارة ، فإذا أريد به القبيلة ، [ ص: 127 ] لم يصرف ، وإذا أريد به الحي ، صرف . وما أخللنا به ، فقد سبق تفسيره [الأعراف :73 ، والتوبة :70] إلى قوله : " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم " .

والرسل هاهنا : الملائكة وفي عددهم ستة أقوال :

أحدها : أنهم كانوا ثلاثة ، جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير . وقال مقاتل : جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت . والثاني : أنهم كانوا اثني عشر ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث : ثمانية ، قاله محمد بن كعب . والرابع : تسعة ، قاله الضحاك . والخامس : أحد عشر ، قاله السدي . والسادس : أربعة ، حكاه الماوردي .

وفي هذه البشرى أربعة أقوال :

أحدها : أنها البشرى بالولد ، قاله الحسن ، ومقاتل . والثاني : بهلاك قوم لوط ، قاله قتادة . والثالث : بنبوته ، قاله عكرمة . والرابع : بأن محمدا يخرج من صلبه ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " قالوا سلاما " قال ابن الأنباري : انتصب بالقول ، لأنه حرف مقول ، والسلام الثاني مرفوع بإضمار " عليكم " . وقال الفراء : فيه وجهان :

أحدهما : أنه أضمر " عليكم " كما قال الشاعر :


فقلنا السلام فاتقت من أميرها فما كان إلا ومؤها بالحواجب


والعرب تقول : التقينا فقلنا : سلام سلام .

والثاني : أن القوم سلموا ، فقال حين أنكرهم هو : سلام ، فمن أنتم ؟ لإنكاره إياهم . وقرأ حمزة ، والكسائي : " قال سلم " وهو بمعنى سلام ، كما [ ص: 128 ] قالوا : حل وحلال ، وحرم وحرام ; فعلى هذا ، يكون معنى " سلم " : سلام عليكم . قال أبو علي : فيكون معنى القراءتين واحدا وإن اختلف اللفظان . وقال الزجاج : من قرأ " سلم " فالمعنى : أمرنا سلم ، أي : لا بأس علينا .

قوله تعالى : " فما لبث " أي : ما أقام حتى جاء بعجل حنيذ ، لأنه ظنهم أضيافا ، وكانت الملائكة قد جاءته في صورة الغلمان الوضاء .

وفي الحنيذ ستة أقوال :

أحدها : أنه النضيج ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .

والثاني : أنه الذي يقطر ماؤه ودسمه وقد شوي ، قاله شمر بن عطية .

والثالث : أنه ما حفرت الأرض ثم غممته ، وهو من فعل أهل البادية ، معروف ، وأصله : محنوذ ، فقيل : حنيذ ، كما قيل : طبيخ للمطبوخ ، وقتيل للمقتول ، هذا قول الفراء .

والرابع : أنه المشوي ، قاله أبو عبيدة .

والخامس : المشوي بالحجارة المحماة ، قاله مقاتل ، وابن قتيبة .

والسادس : السميط ، ذكره الزجاج ، وقال : يقال إنه المشوي فقط ، ويقال : المشوي الذي يقطر ، ويقال : المشوي بالحجارة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #293  
قديم 14-08-2022, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (293)
صــ 129 إلى صــ 135


فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط


قوله تعالى : " فلما رأى أيديهم " يعني الملائكة " لا تصل إليه " يعني العجل " نكرهم " أي : أنكرهم . قال أبو عبيدة : نكرهم وأنكرهم واستنكرهم ، سواء ، قال الأعشى :

[ ص: 129 ]
فأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا


قوله تعالى : " وأوجس منهم خيفة " أي : أضمر في نفسه خوفا . قال الفراء : وكانت سنة في زمانهم إذا ورد عليهم القوم فأتوهم بالطعام فلم يمسوه ، ظنوا أنهم عدو أو لصوص ، فهنالك أوجس في نفسه خيفة ، فرأوا ذلك في وجهه ، فقالوا : " لا تخف " .

قوله تعالى : " إنا أرسلنا إلى قوم لوط " قال الزجاج : أي : أرسلنا بالعذاب إليهم . قال ابن الأنباري : وإنما أضمر ذلك هاهنا ، لقيام الدليل عليه بذكر الله تعالى له في سورة أخرى .
وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب

قوله تعالى : " وامرأته قائمة " واسمها سارة . واختلفوا أين كانت قائمة على ثلاثة أقوال :

أحدها : وراء الستر تسمع كلامهم ، قاله وهب .

والثاني : كانت قائمة تخدمهم ، قاله مجاهد ، والسدي .

والثالث : كانت قائمة تصلي ، قاله محمد بن إسحاق .

[ ص: 130 ] وفي قوله : " فضحكت " ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الضحك ها هنا بمعنى التعجب ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أن معنى " ضحكت " : حاضت ، قاله مجاهد ، وعكرمة . قال ابن قتيبة : وهذا من قولهم : ضحكت الأرنب : إذا حاضت فعلى هذا ، يكون حيضها حينئذ تأكيدا للبشارة بالولد ، لأن من لا تحيض لا تحمل . وقال الفراء : لم نسمع من ثقة أن معنى " ضحكت " حاضت . قال ابن الأنباري : أنكر الفراء ، وأبو عبيدة ، وأبو عبيد ، أن يكون " ضحكت " بمعنى حاضت ، وعرفه غيرهم . قال الشاعر :


تضحك الضبع لقتلى هذيل وترى الذئب لها يستهل


قال بعض أهل اللغة : معناه : تحيض .

والثالث : أنه الضحك المعروف ، وهو قول الأكثرين .

وفي سبب ضحكها ستة أقوال :

أحدها : أنها ضحكت من شدة خوف إبراهيم من أضيافه ، وقالت : من ماذا يخاف إبراهيم ، وإنما هم ثلاثة ، وهو في أهله وغلمانه ؟ رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

والثاني : أنها ضحكت من بشارة الملائكة لإبراهيم بالولد ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا ، ووهب بن منبه ; فعلى هذا ، إنما ضحكت سرورا بالبشارة ، ويكون في الآية تقديم وتأخير ، المعنى : وامرأته قائمة فبشرناها فضحكت ، وهو اختيار ابن قتيبة .

[ ص: 131 ] والثالث : ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم ، قاله قتادة .

والرابع : ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل ، وقالت : عجبا لأضيافنا ، نخدمهم بأنفسنا ، وهم لا يأكلون طعامنا ! قاله السدي .

والخامس : ضحكت سرورا بالأمن ، لأنها خافت كخوف إبراهيم ، قاله الفراء .

والسادس : أنها كانت قالت لإبراهيم : اضمم إليك ابن أخيك لوطا ، فإنه سينزل العذاب بقومه ، فلما جاءت الملائكة بعذابهم ، ضحكت سرورا بموافقتها للصواب ، ذكره ابن الأنباري .

قال المفسرون : قال جبريل لسارة : أبشري أيتها الضاحكة بولد اسمه إسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، فبشروها أنها تلد إسحاق ، وأنها تعيش إلى أن ترى ولد الولد .

وفي معنى الوراء قولان :

أحدهما : أنه بمعنى " بعد " ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره مقاتل ، وابن قتيبة .

والثاني : أن الوراء : ولد الولد ، روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال الشعبي ، واختاره أبو عبيدة .

فإن قيل : كيف يكون يعقوب وراء إسحاق وهو ولده لصلبه ، وإنما الوراء : ولد الولد ؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : المعنى : ومن وراء المنسوب إلى إسحاق يعقوب ، لأنه قد كان الوراء لإبراهيم من جهة إسحاق ، فلو قال : ومن الوراء يعقوب ، لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق ، أم إلى [ ص: 132 ] إسماعيل ؟ فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس . قال : ويجوز أن ينسب ولد إبراهيم من غير إسحاق إلى سارة على المجاز ، فكان تأويل الآية : من الوراء المنسوب إلى سارة ، وإلى إبراهيم من جهة إسحاق ، يعقوب . ومن حمل الوراء على " بعد " لزم ظاهر العربية .

واختلف القراء في " يعقوب " ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " يعقوب " بالرفع . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وحفص عن عاصم : " يعقوب " بالنصب .

قال الزجاج : وفي رفع " يعقوب " وجهان :

أحدهما : على الابتداء المؤخر ، معناه التقديم ; والمعنى : ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق .

والثاني : وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب .

ومن نصبه ، حمله على المعنى ، والمعنى : وهبنا لها إسحاق ، ووهبنا لها يعقوب .

قوله تعالى : " يا ويلتى أألد وأنا عجوز " هذه الكلمة تقال عند الإيذان بورود الأمر العظيم . ولم ترد بها الدعاء على نفسها ، وإنما هي كلمة تخف على ألسنة النساء عند الأمر العجيب . وقولها " أألد " استفهام تعجب . قال الزجاج : و " شيخا " منصوب على الحال . قال ابن الأنباري : إنما أشارت بقولها هذا لتنبه على شيخوخته .

واختلفوا في سن إبراهيم وسارة يومئذ على أربعة أقوال :

أحدها : أنه كان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة ، وسارة بنت ثمان وتسعين سنة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أنه كان إبراهيم ابن مائة سنة ، وسارة بنت تسع وتسعين ، قاله مجاهد .

[ ص: 133 ] والثالث : كان إبراهيم ابن تسعين ، وسارة مثله ، قاله قتادة .

والرابع : كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة ، وسارة بنت تسعين ، قاله عبيد بن عمير ، وابن إسحاق .
قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد

قوله تعالى : " قالوا أتعجبين من أمر الله " أي : من قضائه وقدرته ، وهو إيجاد ولد من بين كبيرين . قال السدي : قالت سارة لجبرئيل : ما آية ذلك ؟ فأخذ بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه فاهتز أخضر ، فقالت : هو إذن لله ذبيح .

قوله تعالى : " رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت " فيه وجهان :

أحدهما : أنه من دعاء الملائكة لهم .

والثاني : أنه إخبار عن ثبوت ذلك لهم .

ومن تلك البركات وجود أكثر الأنبياء والأسباط من إبراهيم وسارة .

والحميد بمعنى المحمود . فأما المجيد ، فقال ابن قتيبة : بمعنى الماجد ، وهو الشريف . وقال أبو سليمان الخطابي : هو الواسع الكرم . وأصل المجد في كلامهم : السعة ، يقال : رجل ماجد : إذا كان سخيا واسع العطاء . وفي بعض الأمثال : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار ، أي : استكثرا منها .
[ ص: 134 ] فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود

قوله تعالى : " فلما ذهب عن إبراهيم الروع " يعني الفزع الذي أصابه حين امتنعوا من الأكل . " يجادلنا " فيه إضمار أخذ وأقبل يجادلنا ، والمراد : يجادل رسلنا .

قال المفسرون : لما قالوا له : إنا مهلكو أهل هذه القرية [العنكبوت :31] ، قال : أتهلكون قرية فيها مائة مؤمن ؟ قالوا : لا . قال : أتهلكون قرية فيها خمسون مؤمنا ؟ قالوا : لا . قال : أربعون ؟ قالوا : لا . فما زال ينقص حتى قال : فواحد ؟ قالوا : لا . فقال حينئذ : إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها [العنكبوت :31] ، هذا قول ابن إسحاق . وقال غيره : قيل له : إن كان فيهم خمسة لم نعذبهم ، فما كان فيهم سوى لوط وابنتيه . وقال سعيد بن جبير : قال لهم أتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا ؟ قالوا : لا ; وكان إبراهيم يعدهم أربعة عشر مع امرأة لوط ، فسكت واطمأنت نفسه ; وإنما كانوا ثلاثة عشر فأهلكوا .

قوله تعالى : " إن إبراهيم لحليم أواه " قد فسرناه في (براءة :114) . فعند ذلك قالت الرسل لإبراهيم : " يا إبراهيم أعرض عن هذا " يعنون الجدال . " إنه قد جاء أمر ربك " بعذابهم . وقيل : قد جاء عذاب ربك ، فليس بمردود ، لأن الله قد قضى به .
ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا [ ص: 135 ] يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب

قوله تعالى : " ولما جاءت رسلنا لوطا " قال المفسرون : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط ، فأتوها عشاء . وقال السدي عن أشياخه : أتوها نصف النهار ، فلما بلغوا نهر سدوم ، لقوا بنت لوط تستقي الماء لأهلها ، فقالوا لها : ياجارية ، هل من منزل ؟ قالت : نعم ، مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم فرقا عليهم من قومها ، فأتت أباها ، فقالت : يا أبتاه ، أدرك فتيانا على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم هي أحسن منهم ، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم ; وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا ; فجاء بهم ، ولم يعلم بهم أحدا إلا أهل بيت لوط ; فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، فجاؤوا يهرعون إليه .

قوله تعالى : " سيء بهم " فيه قولان :

أحدهما : ساء ظنه بقومه ، قاله ابن عباس .

والثاني : ساءه مجيء الرسل ، لأنه لم يعرفهم ، وأشفق عليهم من قومه ، قاله ابن جرير .

قال الزجاج : وأصل " سيء بهم " سوئ بهم ، من السوء ، إلا أن الواو أسكنت ونقلت كسرتها إلى السين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #294  
قديم 14-08-2022, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (294)
صــ 136 إلى صــ 142



[ ص: 136 ] قوله تعالى : " وضاق بهم ذرعا " قال ابن عباس : ضاق ذرعا بأضيافه . قال الفراء : الأصل فيه : وضاق ذرعه بهم ، فنقل الفعل عن الذرع إلى ضمير لوط ، ونصب الذرع بتحول الفعل عنه ، كما قال : واشتعل الرأس شيبا [مريم :4] ومعناه : اشتعل شيب الرأس .

قال الزجاج : يقال : ضاق فلان بأمره ذرعا : إذا لم يجد من المكروه في ذلك الأمر مخلصا . وذكر ابن الأنباري فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن معناه : وقع به مكروه عظيم يصل إلى دفعه عن نفسه ; فالذرع كناية عن هذا المعنى .

والثاني : أن معناه : ضاق صبره وعظم المكروه عليه ; وأصله من ذرع فلانا القيء : إذا غلبه وسبقه .

والثالث : أن المعنى : ضاق بهم وسعه ، فناب الذرع والذراع عن الوسع ، لأن الذراع من اليد ، والعرب تقول : ليس هذا في يدي ، يعنون : ليس هذا في وسعي ; ويدل على صحة هذا أنهم يجعلون الذراع في موضع الذرع ، فيقولون : ضقت بهذا الأمر ذراعا ، قال الشاعر :


إليك إليك ضاق بهم ذراعا


فأما العصيب ، فقال أبو عبيدة : العصيب : الشديد الذي يعصب الناس بالشر ، وأنشد :


يوم عصيب يعصب الأبطالا عصب القوي السلم الطوالا


وقال أبو عبيد : يقال يوم عصيب ، ويوم عصبصب : إذا كان شديدا .

[ ص: 137 ] قوله تعالى : " يهرعون إليه " قال ابن عباس ، ومجاهد : " يهرعون " يسرعون . وقال الفراء ، والكسائي : لا يكون الإهراع إلا إسراعا مع رعدة . قال ابن قتيبة : الإهراع شبيه بالرعدة ، يقال : أهرع الرجل : إذا أسرع ، على لفظ ما لم يسم فاعله ، كما يقال : أرعد . قال ابن الأنباري الإهراع فعل واقع بالقوم وهو لهم في المعنى ، كما قالت العرب : قد أولع الرجل بالأمر ، فجعلوه مفعولا ، وهو صاحب الفعل ، ومثله أرعد زيد ، وسهي عمرو من السهو ، كل واحد من هذه الأفاعيل خرج الاسم معه مقدرا تقدير المفعول ، وهو صاحب الفعل لا يعرف له فاعل غيره . قال : وقال بعض النحويين : لا يجوز للفعل أن يجعل فاعله مفعولا ، وهذه الأفعال المذكورة فاعلوها محذوفون ، وتأويل " أولع زيد " : أولعه طبعه وجبلته ، و " أرعد الرجل " : أرعده غضبه ، و " سهي عمرو " جعله ساهيا ماله أو جهله ، و " أهرع " معناه : أهرعه خوفه ورعبه ، فلهذه العلة خرج هؤلاء الأسماء مخرج المفعول به . قال : وقال بعض اللغويين : لا يكون الإهراع إلا إسراع المذعور الخائف ; لا يقال لكل مسرع : مهرع حتى ينضم إلى إسراعه جزع وذعر . قال المفسرون : سبب إهراعهم ، أن امرأة لوط أخبرتهم بالأضياف .

" ومن قبل " أي : ومن قبل مجيئهم إلى لوط " كانوا يعملون السيئات " يعني فعلهم المنكر .

وفي قوله : " هؤلاء بناتي " قولان :

أحدهما : أنهن بناته لصلبه ، قاله ابن عباس .

فإن قيل : كيف جمع ، وقد كن اثنتين ؟

فالجواب أنه قد يقع الجمع على اثنين ، كقوله : وكنا لحكمهم شاهدين [الأنبياء :78] .

[ ص: 138 ] والثاني : أنه عنى نساء أمته ، لأن كل نبي أبو أمته ، والمعنى : أنه عرض عليهم التزويج ، أو أمرهم أن يكتفوا بنسائهم ، وهذا مذهب مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن جريج .

فإن قيل : كيف عرض تزويج المؤمنات على الكافرين ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أنه قد كان يجوز ذلك في شريعته ، وكان جائزا في صدر الإسلام حتى نسخ ، قاله الحسن .

والثاني : أنه عرض ذلك عليهم بشرط إسلامهم ، قاله الزجاج ، ويؤكده أن عرضهن عليهم موقوف على عقد النكاح ، فجاز أن يقف على شرط آخر .

قوله تعالى : " هن أطهر لكم " قال مقاتل : هن أحل من إتيان الرجال .

قوله تعالى : " فاتقوا الله " فيه قولان :

أحدهما : اتقوا عقوبته . والثاني : اتقوا معصيته .

قوله تعالى : " ولا تخزون في ضيفي " حرك ياء " ضيفي " أبو عمرو ، ونافع . وفي معنى هذا الخزي ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الفضيحة ، قاله ابن عباس . والثاني : الاستحياء ، والمعنى : لا تفعلوا بأضيافي فعلا يلزمني الاستحياء منه ، لأن المضيف يلزمه الاستحياء من كل فعل يصل إلى ضيفه . والعرب تقول : قد خزي الرجل يخزى خزاية : إذا استحيى ، قال الشاعر :


من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت بها مرطها أو زايل الحلي جيدها


والثالث : أنه بمعنى الهلاك ، لأن المعرة التي تقع بالمضيف في هذه الحال تلزمه هلكة ، ذكرهما ابن الأنباري .

[ ص: 139 ] قال ابن قتيبة : والضيف هاهنا : بمعنى الأضياف ، والواحد يدل على الجميع ، كما تقول : هؤلاء رسولي ووكيلي .

قوله تعالى : " أليس منكم رجل رشيد " في المراد بالرشيد قولان :

أحدهما : المؤمن . والثاني : الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر . رويا عن ابن عباس .

قال ابن الأنباري : يجوز أن يكون الرشيد بمعنى المرشد ، فيكون المعنى : أليس منكم مرشد يعظكم ويعرفكم قبيح ماتأتون ؟ فيكون الرشيد من صفة الفاعل ، كالعليم ، والشهيد . ويجوز أن يكون الرشيد بمعنى المرشد ، فيكون المعنى : أليس منكم رجل قد أسعده الله بما منحه من الرشاد يصرفكم عن إتيان هذه المعرة ؟ فيجري رشيد مجرى مفعول ، كالكتاب الحكيم بمعنى المحكم .

قوله تعالى : " ما لنا في بناتك من حق " فيه قولان :

أحدهما : مالنا فيهن حاجة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : لسن لنا بأزواج فنستحقهن ، قاله ابن إسحاق ، وابن قتيبة .

قوله تعالى : " وإنك لتعلم ما نريد " قال عطاء : وإنك لتعلم أنا نريد الرجال لا النساء .

قوله تعالى : " لو أن لي بكم قوة " أي : جماعة أقوى بهم عليكم ، وقيل : أراد بالقوة البطش . " أو آوي إلى ركن شديد " أي : أنضم إلى عشيرة وشيعة تمنعني . وجواب " لو " محذوف على تقدير : لحلت بينكم وبين المعصية . قال أبو عبيدة : قوله : " آوي " من قولهم : أويت إليك ، فأنا آوي أويا ، [ ص: 140 ] والمعنى : صرت إليك وانضممت . ومجاز الركن هاهنا : العشيرة العزيزة الكثيرة المنيعة ، وأنشد :


يأوي إلى ركن من الأركان في عدد طيس ومجد باني


والطيس : الكثير يقال أتانا لبن طيس وشراب طيس أي : كثير .

واختلفوا أي وقت قال هذا لوط ; فروي عن ابن عباس أن لوطا كان قد أغلق بابه والملائكة معه في الدار ، وهو يناظرهم ويناشدهم وراء الباب ، وهم يعالجون الباب ويرومون تسور الجدار ; فلما رأت الملائكة ما يلقى من الكرب ، قالوا : يا لوط إنا رسل ربك فافتح الباب ودعنا وإياهم ; ففتح الباب فدخلوا ، واستأذن جبريل ربه في عقوبتهم ، فأذن له ، فضرب بجناحه وجوههم فأعماهم ، فانصرفوا يقولون : النجاء النجاء ، فإن في بيت لوط أسحر قوم في الأرض ; وجعلوا يقولون : يا لوط ، كما أنت حتى تصبح ، يوعدونه ; فقال لهم لوط : متى موعد هلاكهم ؟ قالوا : الصبح ، قال : لو أهلكتموهم الآن ، فقالوا : أليس الصبح بقريب ؟ وقال أبو صالح عن ابن عباس : إنهم لما تواعدوه ، قال في نفسه : ينطلق هؤلاء القوم غدا من عندي ، وأبقى مع هؤلاء فيهلكوني ، فقال : لو أن لي بكم قوة .

قلت : وإنما يتوجه هذا إذا قلنا : إنه كان قبل علمه أنهم ملائكة . وقال قوم : إنه إنما قال هذا لما كسروا بابه وهجموا عليه . وقال آخرون : لما نهاهم عن أضيافه فأبوا قال هذا .

وفي الجملة ، ما أراد بالركن نصر الله وعونه ، لأنه لم يخل من ذلك ، وإنما ذهب إلى العشيرة والأسرة .

وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رحم الله لوطا ، لقد [ ص: 141 ] كان يأوي إلى ركن شديد ، وما بعث الله نبيا بعده إلا في ثروة من قومه "

قوله تعالى : " لن يصلوا إليك " قال مقاتل : فيه إضمار ، تقديره لن يصلوا إليك بسوء ، وذلك أنهم قالوا للوط : إنا نرى معك رجالا سحروا أبصارنا ، فستعلم غدا ما تلقى أنت وأهلك ; فقال له جبريل : " إنا رسل ربك لن يصلوا إليك " .

قوله تعالى : " فأسر بأهلك " قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي " فأسر " بإثبات الهمز في اللفظ من أسريت . وقرأ ابن كثير ، ونافع " فاسر بأهلك " بغير همز من سريت ، وهما لغتان . قال الزجاج : يقال : سريت ، وأسريت إذا سرت ليلا ، قال الشاعر :


سريت بهم حتى تكل مطيهم وحتى الجياد ما يقدن بأرسان


وقال النابغة :


أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البرد


وقد رووه : سرت . فأما أهله ، فقال مقاتل : هم امرأته وابنتاه ، واسم ابنتيه : ربثا وزعرثا . وقال السدي : اسم الكبرى : رية ، واسم الصغرى : عروبة ، [ ص: 142 ] والمراد بأهله : ابنتاه . فأما القطع ، فهو بمعنى القطعة ; يقال : مضى قطع من الليل ، أي : قطعة . قال ابن عباس : يريد به : آخر الليل . وقال ابن قتيبة : " بقطع " أي : ببقية تبقى من آخره . وقال ابن الأنباري : ذكر القطع بمعنى القطعة مختص بالليل ، ولا يقال : عندي قطع من الثوب ، بمعنى : عندي قطعة .

قوله تعالى : " ولا يلتفت منكم أحد " فيه قولان :

أحدهما : أنه بمعنى : لا يتخلف منكم أحد ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أنه الالتفات المعروف ، قاله مجاهد ، ومقاتل .

قوله تعالى : " إلا امرأتك " قرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بنصب التاء . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن جماز عن أبي جعفر برفع التاء . قال الزجاج : من قرأ بالنصب ، فالمعنى : فأسر بأهلك إلا امرأتك . ومن قرأ بالرفع حمله ، على " ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك " . وإنما أمروا بترك الالتفات لئلا يروا عظيم ما ينزل بهم من العذاب . قاله ابن الأنباري : وعلى قراءة الرفع ، يكون الاستثناء منقطعا ، معناه : لكن امرأتك ، فإنها تلتفت فيصيبها ما أصابهم ; فإذا كان استثناء منقطعا ، كان التفاتها معصية لربها ، لأنه ندب إلى ترك الالتفات . قال قتادة : ذكر لنا أنها كانت مع لوط حين خرج من القرية ، فلما سمعت هدة العذاب ، التفتت فقالت : واقوماه ، فأصابها حجر فأهلكها ، وهو قوله : " إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم " للعذاب " الصبح " .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #295  
قديم 14-08-2022, 10:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (295)
صــ 143 إلى صــ 149




قوله تعالى : " أليس الصبح بقريب " قال المفسرون : قالت الملائكة : " إن موعدهم الصبح " فقال : أريد أعجل من ذلك ، فقالوا له : " أليس الصبح بقريب " ؟
[ ص: 143 ] فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد

قوله تعالى : " فلما جاء أمرنا " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أمر الله الملائكة بعذابهم . والثاني : أن الأمر بمعنى العذاب . والثالث : أنه بمعنى القضاء بعذابهم .

قوله تعالى : " جعلنا عاليها سافلها " الكناية تعود إلى المؤتفكات ، وهي قرى قوم لوط ، وقد ذكرناها في (براءة :70) ، ونحن نشير إلى قصة هلاكهم هاهنا . قال ابن عباس : أمر جبريل لوطا بالخروج ، وقال : اخرج وأخرج غنمك وبقرك ، فقال : كيف لي بذلك وقد أغلقت أبواب المدينة ، فبسط جناحه ، وحمله وبنتيه ومالهم شيء ، فأخرجهم من المدينة ، وسأل جبريل ربه : فقال : يا رب ولني هلاك هؤلاء القوم ، فأوحى الله إليه أن تول هلاكهم ; فلما أن بدا الصبح ، غدا عليهم جبريل فاحتملها على جناحه ، ثم صعد بها حتى خرج الطير في الهواء لا يدري أين يذهب ، ثم كفأها عليهم ، وسمعوا وجبة شديدة ، فالتفتت امرأة لوط ، فرماها جبريل بحجر فقتلها ، ثم صعد حتى أشرف على الأرض ، فجعل يتبعهم مسافرهم ورعاتهم ومن تحول عن القرية ، فرماهم بالحجارة حتى قتلهم . وقال السدي : اقتلع جبريل الأرض من سبع أرضين ، فاحتملها حتى بلغ بها إلى أهل السماء الدنيا ، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ، ثم قلبها . وقال غيره : كانت خمس قرى ، أعظمها سدوم ، وكان القوم أربعة آلاف ألف . وقيل : كان في كل قرية مائة ألف مقاتل ، فلما رفعها إلى السماء ، لم ينكسر لهم إناء ولم [ ص: 144 ] يسقط حتى قلبها عليهم . وقيل : نجا من الخمس واحدة لم تكن تعمل مثل عملهم . وانفرد سعيد بن جبير ، فقال : إن جبريل وميكائيل توليا قلبها .

قوله تعالى : " وأمطرنا عليها " في هاء الكناية قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى القرى . والثاني إلى الأمة .

وفي السجل سبعة أقوال :

أحدها : أنها بالفارسية سنك وكل ، السنك : الحجر ، والكل : الطين ، هذا قول ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير . وقال مجاهد : أولها حجر ، وآخرها طين . وقال الضحاك : يعني الآجر . قال ابن قتيبة : من ذهب إلى هذا القول ، اعتبره بقوله : حجارة من طين [الذاريات :33] يعني الآجر . وحكى الفراء أنه طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الأرحاء .

والثاني : أنه بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض ، ومنه نزلت الحجارة ، قاله عكرمة .

والثالث : أن السجيل : اسم السماء الدنيا ، فالمعنى : حجارة من السماء الدنيا ، قاله ابن زيد .

والرابع : أنه الشديد من الحجارة الصلب ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد لابن مقبل :


[ورجلة يضربون البيض عن عرض] ضربا تواصت به الأبطال سجينا


[ ص: 145 ] ورد هذا القول ابن قتيبة ، فقال : هذا بالنون ، وذاك باللام ، وإنما هو في هذا البيت فعيل من سجنت ، أي : حبست ، كأنه يثبت صاحبه .

والخامس : أن قوله : " من سجيل " كقولك : من سجل ، أي : مما كتب لهم أن يعذبوا به ، وهذا اختيار الزجاج .

والسادس : أنه من أسجلته ، أي : أرسلته ، فكأنها مرسلة عليهم .

والسابع : أنه من أسجلت : إذا أعطيت ، حكى القولين الزجاج .

وفي قوله : " منضود " ثلاثة أقوال :

أحدها : يتبع بعضه بعضا ، قاله ابن عباس . والثاني : مصفوف ، قاله عكرمة ، وقتادة . والثالث : نضد بعضه على بعض ، لأنه طين جمع فجعل حجارة ، قاله الربيع بن أنس .

قوله تعالى : " مسومة " قال الزجاج : أي :معلمة ، أخذ من السومة ، وهي العلامة .

وفي علامتها ستة أقوال :

أحدها : بياض في حمرة ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال الحسن .

والثاني : أنها كانت مختومة ، فالحجر أبيض وفيه نقطة سوداء ، أو أسود وفيه نقطة بيضاء ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث : أنها المخططة بالسواد والحمرة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والرابع : عليها نضح من حمرة فيها خطوط حمر على هيئة الجزع ، قاله عكرمة ، وقتادة . [ ص: 146 ] والخامس : أنها كانت معلمة بعلامة يعرف بها أنها ليست من حجارة الدنيا ، قاله ابن جريج .

والسادس : أنه كان على كل حجر منها اسم صاحبه ، قاله الربيع . وحكي عن بعض من رأى تلك الحجارة أنه قال : كانت مثل رأس الإبل ، ومثل مبارك الإبل ، ومثل قبضة الرجل .

وفي قوله تعالى : " عند ربك " أربعة أقوال :

أحدها : أن المعنى : جاءت من عند ربك ، قاله ابن عباس ، ومقاتل .

والثاني : عند ربك معدة ، قاله أبو بكر الهزلي .

والثالث : أن المعنى : هذا التسويم لزم هذه الحجارة عند الله إيذانا بنفاذ قدرته وشدة عذابه ، قاله ابن الأنباري .

والرابع : أن معنى قوله : " عند ربك " : في خزائنه التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإذنه .

قوله تعالى : " وما هي من الظالمين ببعيد " في المراد بالظالمين هاهنا ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المراد بالظالمين هاهنا : كفار قريش ، خوفهم الله بها ، قاله الأكثرون .

والثاني : أنه عام في كل ظالم ; قال قتادة : والله ما أجار الله منها ظالما بعد قوم لوط ، فاتقوا الله وكونوا منه على حذر .

والثالث : أنهم قوم لوط ، فالمعنى : وما هي من الظالمين ، أي : من قوم لوط ببعيد ، والمعنى : لم تكن لتخطئهم ، قاله الفراء .
[ ص: 147 ] وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين

قوله تعالى : " وإلى مدين " قد ذكرناه في (الأعراف :85) .

قوله تعالى : " ولا تنقصوا المكيال والميزان " أي : تطففوا ; وكانوا يطففون مع كفرهم .

قوله تعالى : " إني أراكم بخير " فيه قولان :

أحدهما : أنه رخص الأسعار ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد .

والثاني : سعة المال ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال قتادة ، وابن زيد . وقال الفراء : أموالكم كثيرة ، وأسعاركم رخيصة ، فأي حاجة بكم إلى سوء الوزن والكيل ؟

قوله تعالى : " وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه غلاء السعر ، قاله ابن عباس . وقال مجاهد : القحط والجدب والغلاء .

والثاني : العذاب في الدنيا ، وهوالذي أصابهم ، قاله مقاتل .

والثالث : عذاب النار في الآخرة ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " أوفوا المكيال والميزان بالقسط " أي : أتموا ذلك بالعدل . والإيفاء : الإتمام . " ولا تعثوا في الأرض مفسدين " بنقص المكيال والميزان .
[ ص: 148 ] بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود

قوله تعالى : " بقيت الله خير لكم " فيه ثمانية أقوال :

أحدها : ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن ، خير من البخس ، قاله ابن عباس .

[ ص: 149 ] والثاني : رزق الله خير لكم ، روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال سفيان .

والثالث : طاعة الله خير لكم ، قاله مجاهد ، والزجاج .

والرابع : حظكم من الله خير لكم ، قاله قتادة .

والخامس : رحمة الله خير لكم ، قاله ابن زيد .

والسادس : وصية الله خير لكم ، قاله الربيع .

والسابع : ثواب الله في الآخرة خير لكم ، قاله مقاتل .

والثامن : مراقبة الله خير لكم ، ذكره الفراء .

وقرأ الحسن البصري : " تقية الله خير لكم " بالتاء .

قوله تعالى : " إن كنتم مؤمنين " شرط الإيمان في كونه خيرا لهم ، لأنهم إن كانوا مؤمنين بالله عز وجل ، عرفوا صحة ما يقول .

وفي قوله : " وما أنا عليكم بحفيظ " ثلاثة أقوال :

أحدها : ما أمرت بقتالكم وإكراهكم على الإيمان .

والثاني : ما أمرت بمراقبتكم عند كيلكم لئلا تبخسوا .

والثالث : ما أحفظكم من عذاب الله إن نالكم .

قوله تعالى : " أصلواتك تأمرك " وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، وحفص : " أصلاتك " على التوحيد .

وفي المراد بصلواته ثلاثة أقوال : أحدها : دينه ، قاله عطاء . والثاني : قراءته ، قاله الأعمش . والثالث : أنها الصلوات المعروفة . وكان شعيب كثير الصلاة .

قوله تعالى : " أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء " قال الفراء : معنى الآية : أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #296  
قديم 14-08-2022, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (296)
صــ 150 إلى صــ 156





[ ص: 150 ] وفي معنى الكلام على قراءة من قرأ بالنون قولان :

أحدهما : أن فعلهم في أموالهم هو البخس والتطفيف ، قاله ابن عباس ; فالمعنى : قد تراضينا فيما بيننا بذلك .

والثاني : أنهم كانوا يقطعون الدراهم والدنانير ، فنهاهم عن ذلك ، قاله ابن زيد . وقال القرظي : عذبوا في قطعهم الدراهم . قال ابن الأنباري : وقرأ الضحاك بن قيس الفهري " ما تشاء " بالتاء ، ونسق " أن تفعل " على " أن تترك " ، واستغنى عن الإضمار . قال سفيان الثوري : في معنى هذه القراءة أنه أمرهم بالزكاة فامتنعوا . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك ، وابن أبي عبلة : " أو أن تفعل في أموالنا ما تشاء " بالتاء فيهما ; ومعنى هذه القراءة كمعنى قراءة الفهري .

وفي قوله : " إنك لأنت الحليم الرشيد " أربعة أقوال :

أحدها : أنهم قالوه استهزاء به ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والفراء .

والثاني : أنهم قالوا له : إنك لأنت السفيه الجاهل ، فكنى بهذا عن ذلك ، ذكره الزجاج .

والثالث : أنهم سبوه بأنه ليس بحليم ولا رشيد ، فأثنى الله عز وجل عليه فقال : بل إنك لأنت الحليم الرشيد ، لا كما قال لك الكافرون ، حكاه أبو سليمان الدمشقي عن أبي الحسن المصيصي .

والرابع : أنهم اعترفوا له بالحلم والرشد حقيقة ، وقالوا : أنت حليم رشيد ، فلم تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟ حكاه الماوردي ، وذهب إلى نحوه ابن كيسان .

قوله تعالى : " إن كنت على بينة من ربي " قد تقدم تفسيره [هود :28 و63] .

[ ص: 151 ] وفي قوله : " ورزقني منه رزقا حسنا " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الحلال ; قال ابن عباس : وكان شعيب كثير المال .

والثاني : النبوة . والثالث : العلم والمعرفة .

قال الزجاج : وجواب الشرط هاهنا متروك ، والمعنى : إن كنت على بينة من ربي ، أتبع الضلال ؟ فترك الجواب ، لعلم المخاطبين بالمعنى ، وقد مر مثل هذا .

قوله تعالى : " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " قال قتادة : لم أكن لأنهاكم عن أمر ثم أرتكبه . وقال الزجاج : ما أقصد بخلافكم القصد إلى ارتكابه .

قوله تعالى : " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت " أي : ما أريد بما آمركم به إلا إصلاح أموركم بقدر طاقتي . وقدر طاقتي : إبلاغكم لا إجباركم .

قوله تعالى : " وما توفيقي إلا بالله " فتح تاء " توفيقي " أهل المدينة ، وابن عامر . ومعنى الكلام : ما إصابتي الحق في محاولة صلاحكم إلا بالله . " عليه توكلت " أي : فوضت أمري ، وذلك أنهم تواعدوه بقولهم : لنخرجنك يا شعيب [الأعراف :88] . " وإليه أنيب " : أي : أرجع .

قوله تعالى : " لا يجرمنكم شقاقي " حرك هذه الياء ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع . قال الزجاج : لا تكسبنكم عداوتكم إياي أن تعذبوا .

قوله تعالى : " وما قوم لوط منكم ببعيد " فيه قولان :

أحدهما : أنهم كانوا قريبا من مساكنهم .

والثاني : أنهم كانوا حديثي عهد بعذاب قوم لوط . قال الزجاج : كان إهلاك قوم لوط أقرب الإهلاكات التي عرفوها . قال ابن الأنباري : إنما وحد بعيدا ، لأنه أزاله عن صفة القوم ، وجعله نعتا لمكان محذوف ، تقديره : وما قوم لوط منكم بمكان بعيد .

[ ص: 152 ] قوله تعالى : " إن ربي رحيم ودود " قد سبق معنى الرحيم .

فأما الودود : فقال ابن الأنباري : معناه : المحب لعباده ، من قولهم : وددت الرجل أوده ودا وودا وودا ، ويقال : وددت الرجل ودادا و ودادة و ودادة . وقال الخطابي : هو اسم مأخوذ من الود ; وفيه وجهان :

أحدهما : أن يكون فعولا في محل مفعول ، كما قيل : رجل هيوب ، بمعنى مهيب ، وفرس ركوب ، بمعنى مركوب ، فالله سبحانه مودود في قلوب أوليائه لما يتعرفونه من إحسانه إليهم .

والوجه الآخر : أن يكون بمعنى الواد ، أي : أنه يود عباده الصالحين ، بمعنى أنه يرضى عنهم بتقبل أعمالهم ; ويكون معناه : أن يوددهم إلى خلقه ، كقوله : سيجعل لهم الرحمن ودا [مريم :96] .

قوله تعالى : " ما نفقه كثيرا مما تقول " قال ابن الأنباري : معناه : ما نفقه صحة كثير مما تقول ، لأنهم كانوا يتدينون بغيره ، ويجوز أن يكونوا لاستثقالهم ذلك كأنهم لا يفقهونه .

قوله تعالى : " وإنا لنراك فينا ضعيفا " وفيه أربعة أقوال :

أحدها : ضريرا ; قال ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة : كان أعمى . قال الزجاج : ويقال إن حمير تسمي المكفوف : ضعيفا .

والثاني : ذليلا ، قاله الحسن ، وأبو روق ، ومقاتل .

وزعم أبو روق أن الله لم يبعث نبيا أعمى ، ولا نبيا به زمانة .

والثالث : ضعيف البصر ، قاله سفيان .

والرابع : عاجزا عن التصرف في المكاسب ، ذكره ابن الأنباري .

[ ص: 153 ] قوله تعالى : " ولولا رهطك لرجمناك " قال الزجاج : لولا عشيرتك لقتلناك بالرجم ، والرجم من سيئ القتلات ، وكان رهطه من أهل ملتهم ، فلذلك أظهروا الميل إليهم والإكرام لهم . وذكر بعضهم أن الرجم هاهنا بمعنى الشتم والأذى .

قوله تعالى : " وما أنت علينا بعزيز " فيه قولان :

أحدهما : بكريم ، والثاني : بممتنع أن نقتلك .

قوله تعالى : " أرهطي أعز عليكم من الله " وأسكن ياء " رهطي " أهل الكوفة ، ويعقوب ، والمعنى : أتراعون رهطي في ، ولا تراعون الله في ؟

قوله تعالى : " واتخذتموه وراءكم " في هاء الكناية قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الله تعالى ، قاله الجمهور . قال الفراء : المعنى : رميتم بأمر الله وراء ظهوركم . قال الزجاج : والعرب تقول لكل من لا يعبأ بأمر : قد جعل فلان هذا الأمر بظهر ، قال الشاعر :


تميم بن قيس لا تكونن حاجتي بظهر فلا يعيا علي جوابها


والثاني: أنها كناية عما جاء به شعيب ، قاله مجاهد .

قوله تعالى : " إن ربي بما تعملون محيط " أي : عالم بأعمالكم ، فهو يجازيكم بها . وما بعد هذا قد سبق تفسيره إلى قوله : " سوف تعلمون " [الأنعام :135] .

فإن قال قائل : كيف قال هاهنا " سوف " وفي سورة أخرى " فسوف " ؟ [الأنعام :135]

فالجواب : أن كلا الأمرين حسن عند العرب ، إن أدخلوا الفاء ، دلوا على اتصال ما بعد الكلام بما قبله ، وإن أسقطوها ، بنوا الكلام الأول على أنه قد تم ، [ ص: 154 ] وما بعده مستأنف ، كقوله : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا [البقرة :67] ، والمعنى : فقالوا : أتتخذنا ، بالفاء ، فحذفت الفاء لتمام ما قبلها . قال امرؤ القيس :


فقالت يمين الله مالك حيلة وما إن أرى عنك الغواية تنجلي


خرجت بها أمشي تجر وراءنا على إثرنا أذيال مرط مرحل


قال ابن الأنباري : أراد : فخرجت ، فأسقط الفاء لتمام ما قبلها . ويروى : فقمت بها أمشي .

قوله تعالى : " وارتقبوا إني معكم رقيب " قال ابن عباس : ارتقبوا العذاب ، فإني أرتقب الثواب .

قوله تعالى : " وأخذت الذين ظلموا الصيحة " قال المفسرون : صاح بهم جبريل فماتوا في أمكنتهم . قال محمد بن كعب : عذب أهل مدين بثلاثة أصناف من العذاب ، أخذتهم رجفة في ديارهم ، حتى خافوا أن تسقط عليهم ، فخرجوا منها فأصابهم حر شديد ، فبعث الله الظلة ، فتنادوا : هلم إلى الظل ; فدخلوا جميعا في الظلة ، فصيح بهم صيحة واحدة فماتوا كلهم . قال ابن عباس : لم تعذب أمتان قط بعذاب واحد ، إلا قوم شعيب وصالح ، فأما قوم صالح ، فأخذتهم الصيحة من تحتهم ، وأما قوم شعيب فأخذتهم من فوقهم ، نشأت لهم سحابة كهيئة الظلة فيها ريح بعد أن امتنعت الريح عنهم ، فأتوها يستظلون تحتها فأحرقتهم .

قوله تعالى : " كما بعدت ثمود " أي : كما هلكت ثمود .

[ ص: 155 ] قال ابن قتيبة : يقال : بعد يبعد : إذا كان بعده هلكة ; وبعد يبعد : إذا نأى .
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد

قوله تعالى : " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا " قال الزجاج : بعلاماتنا التي تدل على صحة نبوته . " وسلطان مبين " أي : حجة بينة .

قوله تعالى : " فاتبعوا أمر فرعون " وهو ما أمرهم به من عبادته واتخاذه إلها . " وما أمر فرعون برشيد " أي : مرشد إلى خير .
يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود

قوله تعالى : " يقدم قومه يوم القيامة " قال الزجاج : يقال : قدمت القوم أقدمهم ، قدما وقدوما : إذا تقدمتهم ; والمعنى : يقدمهم إلى النار ; ويدل عليه قوله : " فأوردهم النار " قال ابن عباس : أوردهم بمعنى أدخلهم . وقال قتادة : يمضي بين أيديهم حتى يهجم بهم على النار .

قوله تعالى : " وبئس الورد المورود " قال المفسرون : الورد : الموضع الذي ترده . وقال ابن الأنباري : الورد : مصدر معناه : الورود ، تجعله العرب بمعنى الموضع المورود ; فتلخيص الحرف : وبئس المدخل المدخول النار .
وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود

قوله تعالى : " وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة " .

في هذه اللعنة قولان :

[ ص: 156 ] أحدهما : أنها في الدنيا الغرق . وفي الآخرة عذاب النار ، هذا قول الكلبي ، ومقاتل .

والثاني : أنها اللعنة في الدنيا من المؤمنين ، وفي الآخرة من الملائكة ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " بئس الرفد المرفود " قال ابن قتيبة : الرفد : العطية ; يقول : اللعنة بئس العطية ; يقال : رفدته أرفده : إذا أعطيته وأعنته . والمرفود : المعطى .

ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد

قوله تعالى : " ذلك من أنباء القرى " يعني ما تقدم من الخبر عن القرى المهلكة . " نقصه عليك " أي : نخبرك به . " منها قائم وحصيد " قال قتادة : القائم : ما يرى مكانه ، والحصيد : لا يرى أثره . وقال ابن قتيبة : القائم : الظاهر العين ، والحصيد : الذي قد أبيد وحصد . وقال الزجاج : القائم : ما بقيت حيطانه ، والحصيد : الذي خسف به وما قد انمحى أثره .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #297  
قديم 14-08-2022, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (297)
صــ 157 إلى صــ 163





وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب

قوله تعالى : " وما ظلمناهم " أي : بالعذاب والإهلاك . " ولكن ظلموا أنفسهم " بالكفر والمعاصي . " فما أغنت عنهم آلهتهم " أي : فما نفعتهم ولا دفعت عنهم شيئا " لما جاء أمر ربك " بالهلاك . " وما زادوهم " يعني الآلهة " غير تتبيب " وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه التخسير ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، [ ص: 157 ] وقتادة ، واختاره ابن قتيبة ، والزجاج . والثاني : أنه الشر ، قاله ابن زيد . والثالث : التدمير والإهلاك ، قاله أبو عبيدة .

فإن قيل : الآلهة جماد ، فكيف قال : " زادوهم " فعنه جوابان :

أحدهما : وما زادتهم عبادتها .

والثاني : أنها في القيامة تكون عونا عليهم فتزيدهم شرا .
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد

قوله تعالى : " وكذلك أخذ ربك " أي : وكما ذكر من إهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب أخذ ربك . " إذا أخذ القرى وهي ظالمة " وصف القرى بالظلم ، والمراد أهلها . وقال ابن عباس : الظلم هاهنا : بمعنى الكفر .
إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود

قوله تعالى : " إن في ذلك لآية " يعني ما ذكر من عذاب الأمم وأخذهم . والآية : العبرة والعظة . " ذلك يوم مجموع له الناس " لأن الخلق يحشرون فيه ، ويشهده البر والفاجر ، وأهل السماء والأرض . . " وما نؤخره " وروى زيد عن يعقوب ، وأبو زيد عن المفضل " وما يؤخره " بـالياء والمعنى : وما نؤخر ذلك اليوم إلا لوقت معلوم لا يعلمه إلا الله .
يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق [ ص: 158 ] خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ

قوله تعالى : " يوم يأت " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائي : " يوم يأتي " بياء في الوصل ، وحذفوها في الوقف ; غير أن ابن كثير كان يقف بالياء ، ويصل بالياء . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة بغير ياء في الوصل والوقف . قال الزجاج : الذي يختاره النحويون " يوم يأتي " بإثبات الياء ، والذي في المصحف وعليه أكثر القراءات بكسر التاء ، وهذيل تستعمل حذف هذه الياءات كثيرا . وقد حكى الخليل ، وسيبويه ، أن العرب تقول : لا أدر ، فتحذف الياء ، وتجتزئ بالكسرة ويزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال . وقال الفراء : كل ياء ساكنة وما قبلها مكسور ، أو واو ساكنة وما قبلها مضموم ، فإن العرب تحذفها وتجتزئ بالكسرة من الياء ، وبالضمة من الواو ، وأنشدني بعضهم :


كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما


قال المفسرون : وقوله : " يوم يأتي " يعني : يأتي ذلك اليوم ، لا تكلم نفس إلا بإذن الله ، فكل الخلائق ساكتون ، إلا من أذن الله له في الكلام . وقيل : المراد بهذا الكلام الشفاعة .

قوله تعالى : " فمنهم شقي " قال ابن عباس : منهم من كتبت عليه الشقاوة ، ومنهم من كتبت له السعادة .

قوله تعالى : " لهم فيها زفير وشهيق " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الزفير كزفير الحمار في الصدر ، وهو أول ما ينهق ، والشهيق كشهيق الحمار في الحلق ، وهو آخر ما يفرغ من نهيقه ، رواه أبو صالح عن ابن [ ص: 159 ] عباس ، وبه قال الضحاك ، ومقاتل ، والفراء . وقال الزجاج : الزفير : شديد الأنين وقبيحه ، والشهيق : الأنين الشديد المرتفع جدا ، وهما من أصوات المكروبين . وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النهيق ، والشهيق بمنزلة آخر صوته في النهيق .

والثاني : أن الزفير في الحلق ، والشهيق في الصدور ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال أبو العالية ، والربيع بن أنس . وفي رواية أخرى عن ابن عباس : الزفير : الصوت الشديد ، والشهيق : الصوت الضعيف . وقال ابن فارس : الشهيق ضد الزفير ، لأن الشهيق رد النفس ، والزفير إخراج النفس . وقال غيره : الزفير : الشديد ، مأخوذ من الزفر ، وهو الحمل على الظهر لشدته ; والشهيق : النفس الطويل الممتد ، مأخوذ من قولهم : جبل شاهق ، أي : طويل .

والثالث : أن الزفير زفير الحمار ، والشهيق شهيق البغال ، قاله ابن السائب .

قوله تعالى : " خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض " المعروف فيه قولان :

أحدهما : أنها السموات المعروفة عندنا ، والأرض المعروفة ; قال ابن قتيبة ، وابن الأنباري : للعرب في معنى الأبد ألفاظ ; تقول : لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار ، وما دامت السموات والأرض ، وما اختلفت الجرة والدرة ، وما أطت الإبل ، في أشباه لهذا كثيرة ، ظنا منهم أن هذه الأشياء لا تتغير ، فخاطبهم الله بما يستعملون في كلامهم .

[ ص: 160 ] والثاني : أنها سماوات الجنة والنار وأرضهما .

قوله تعالى : " إلا ما شاء ربك " في الاستثناء المذكور في حق أهل النار سبعة أقوال :

أحدها : أن الاستثناء في حق الموحدين الذين يخرجون بالشفاعة ، قاله ابن عباس ، والضحاك .

والثاني : أنه استثناء لا يفعله ، تقول : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وعزيمتك على ضربه ، ذكره الفراء ، وهو معنى قول أبي صالح عن ابن عباس : " إلا ما شاء ربك " قال : فقد شاء أن يخلدوا فيها . قال الزجاج : وفائدة هذا ، أنه لو شاء أن يرحمهم لرحمهم ، ولكنه أعلمنا أنهم خالدون أبدا .

والثالث : أن المعنى : خالدين فيها أبدا ، غير أن الله تعالى يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم ، ثم يجدد خلقهم ، فيرجع الاستثناء إلى تلك الحال ، قاله ابن مسعود .

والرابع : أن " إلا " بمعنى " سوى " تقول : لو كان معنا رجل إلا زيد أي : سوى زيد ; فالمعنى : خالدين فيها مقدار دوام السموات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود والزيادة ، وهذا اختيار الفراء . قال ابن قتيبة : ومثله في الكلام أن تقول : لأسكننك في هذه الدار حولا إلا ما شئت ; تريد : سوى ما شئت أن أزيدك .

والخامس : أنهم إذا حشروا وبعثوا ، فهم في شروط القيامة ; فالاستثناء واقع في الخلود بمقدار موقفهم في الحساب ، فالمعنى : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا مقدار موقفهم للمحاسبة ، ذكره الزجاج . وقال ابن كيسان : الاستثناء يعود إلى مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب ; قال ابن قتيبة : فالمعنى : خالدين في النار وخالدين في الجنة دوام السماء والأرض إلا ما شاء ربك [ ص: 161 ] من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك ، فكأنه جعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد على ما كانت العرب تستعمل ، وإن كانتا قد تتغيران . واستثنى المشيئة من دوامهما ، لأن أهل الجنة والنار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا ، لا في الجنة ، ولا في النار .

والسادس : أن الاستثناء وقع على أن لهم فيها زفيرا وشهيقا ، إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تذكر ; وكذلك لأهل الجنة نعيم مما ذكر ، ولهم مما لم يذكر ما شاء ربك ، ذكره الزجاج أيضا .

والسابع : أن " إلا " بمعنى " كما " ومنه قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف [النساء :22] ، ذكره الثعلبي .

فأما الاستثناء في حق أهل الجنة ، ففيه ستة أقوال :

أحدها : أنه استثناء لا يفعله . والثاني : أن " إلا " بمعنى " سوى " . والثالث: أنه يرجع إلى وقوفهم للحساب ولبثهم في القبور . والرابع : أنه بمعنى : إلا ما شاء أن يزيدهم من النعيم الذي لم يذكر . والخامس : أن " إلا " بمعنى " كما " ، وهذه الأقوال قد سبق شرحها . والسادس : أن الاستثناء يرجع إلى لبث من لبث في النار من الموحدين ، ثم أدخل الجنة ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، ومقاتل . قال ابن قتيبة : فيكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار ، فكأنه قال : إلا ما شاء ربك من إخراج المذنبين إلى الجنة ، وخالدين في الجنة إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة .

واختلف القراء في " سعدوا " فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن [ ص: 162 ] عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " سعدوا " بفتح السين . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : بضمها ، وهما لغتان .

قوله تعالى : " عطاء غير مجذوذ " نصب عطاء بما دل عليه الكلام ، كأنه قال : أعطاهم النعيم عطاء . والمجذوذ : المقطوع ; قال ابن قتيبة : يقال جذذت ، وجددت ، وجذفت ، وجدفت : إذا قطعت .
فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص

قوله تعالى : " فلا تك في مرية " أي : فلا تك يا محمد في شك " مما يعبد هؤلاء " المشركون من الأصنام ، أنه باطل وضلال ، إنما يقلدون آباءهم ، " وإنا لموفوهم نصيبهم " وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : ما قدر لهم من خير وشر ، قاله ابن عباس . والثاني : نصيبهم من الرزق ، قاله أبو العالية . والثالث : نصيبهم من العذاب ، قاله ابن زيد . وقال بعضهم : لا ينقصهم من عذاب آبائهم .
ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب

قوله تعالى : " ولقد آتينا موسى الكتاب " يعني التوراة " فاختلف فيه " فمن مصدق به ومكذب كما فعل قومك بالقرآن . قال المفسرون : وهذه تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : " ولولا كلمة سبقت من ربك " قال ابن عباس : يريد : إني أخرت أمتك إلى يوم القيامة ، ولولا ذلك لعجلت عقاب من كذبك . وقال ابن قتيبة : لولا نظرة لهم إلى يوم الدين لقضي بينهم في الدنيا . وقال ابن جرير : [ ص: 163 ] سبقت من ربك أنه لا يعجل على خلقه بالعذاب ، لقضي بين المصدق منهم والمكذب بإهلاك المكذب وإنجاء المصدق .

قوله تعالى : " وإنهم لفي شك منه " أي : من القرآن " مريب " أي : موقع للريب .
وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير

قوله تعالى : " وإن كلا " يشير إلى جميع من قص قصته في هذه السورة . وقال مقاتل : يعني به كفار هذه الأمة . وقيل : المعنى : وإن كلا لخلق أو بشر " ليوفينهم " . قرأ أبو عمرو ، والكسائي " وإن " مشددة النون ، " لما " خفيفة . واللام في " لما " لام التوكيد ، دخلت على " ما " وهي خبر " إن " . واللام في " ليوفينهم " اللام التي يتلقى بها القسم ، والتقدير : والله ليوفينهم ، ودخلت " ما " للفصل بين اللامين . قال مكي بن أبي طالب : وقيل: إن " ما " زائدة ، لكن دخلت لتفصل بين اللامين اللذين يتلقيان القسم ، وكلاهما مفتوح ، ففصل بـ " ما " بينهما ، وقرأ ابن كثير " وإن " بالتخفيف ، وكذلك " لما " . قال سيبويه : حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول : إن عمرا لمنطلق ، فيخففون " إن " ويعملونها وأنشد :


ووجه حسن النحر كأن ثدييه حقان

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #298  
قديم 14-08-2022, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (298)
صــ 164 إلى صــ 170





[ ص: 164 ] وقرأ نافع ، وأبو بكر عن عاصم : " وإن " خفيفة ، " لما " مشددة ، والمعنى : وما كلا إلا ; وهذا كما تقول : سألتك لما فعلت ، وإلا فعلت ، ومثله قوله : إن كل نفس لما عليها حافظ [الطارق :4] . وقرأ حمزة ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : " وإن " بالتشديد ، " لما " بالتشديد أيضا . قال أبو علي : هذه قراءة مشكلة ، لأنه كما لا يحسن : إن زيدا إلا منطلق ، كذلك لا يحسن تثقيل " إن " وتثقيل " لما " . وحكى عن الكسائي أنه قال : لا أعرف وجه التثقيل في " لما " ، ولم يبعد فيما قال . وقال مكي بن أبي طالب : الأصل فيها " لمن ما " ثم أدغمت النون في الميم ، فاجتمعت ثلاث ميمات في اللفظ ، فحذفت الميم المكسورة ; والتقدير : وإن كلا لمن خلق ليوفينهم . قال : وقيل : التقدير : " لمن ما " بفتح الميم في " من " فتكون " ما " زائدة ، وتحذف إحدى الميمات لتكرير الميم في اللفظ ; والتقدير : لخلق ليوفينهم ، ومعنى الكلام : ليوفينهم جزاء أعمالهم .
فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير

قوله تعالى : " فاستقم كما أمرت " قال ابن عيينة : استقم على القرآن . وقال ابن قتيبة : امض على ما أمرت به .

قوله تعالى : " ومن تاب معك " قال ابن عباس : من تاب معك من الشرك .

قوله تعالى : " ولا تطغوا " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : لا تطغوا في القرآن ، فتحلوا وتحرموا ما لم آمركم به ، قاله ابن عباس .

والثاني : لا تعصوا ربكم ولا تخالفوه ، قاله ابن زيد .

والثالث : لا تخلطوا التوحيد بشك ، قاله مقاتل .
[ ص: 165 ] ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون

قوله تعالى : " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا " روى عبد الوارث عن أبي عمرو : " تركنوا " بفتح التاء وضم الكاف ، وهي قراءة قتادة . وروى هارون عن أبي عمرو " تركنوا " بفتح التاء وكسر الكاف . وروى محبوب عن أبي عمرو : " تركنوا " بكسر التاء وفتح الكاف . وقرأ ابن أبي عبلة " تركنوا " بضم التاء وفتح الكاف على ما لم يسم فاعله . وفي المراد بهذا الركون أربعة أقوال .

أحدها : لا تميلوا إلى المشركين ، قاله ابن عباس . والثاني : لا ترضوا أعمالهم ، قاله أبو العالية . والثالث : لا تلحقوا بالمشركين ، قاله قتادة . والرابع : لا تداهنوا الظلمة ، قاله السدي ، وابن زيد .

وفي قوله : " فتمسكم النار " وجهان : أحدهما : فتصيبكم النار ، قاله ابن عباس . والثاني : فيتعدى إليكم ظلمهم كما تتعدى النار إلى إحراق ما جاورها ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " وما لكم من دون الله من أولياء " أي : ليس لكم أعوان يمنعونكم من العذاب .
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين

قوله تعالى : " وأقم الصلاة طرفي النهار " أما سبب نزولها ، فروى علقمة والأسود عن ابن مسعود أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني أخذت امرأة في البستان فقبلتها ، وضممتها ، إلي وباشرتها ، وفعلت بها كل شيء ، غير أني لم أجامعها ; [ ص: 166 ] فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى " وأقم الصلاة طرفي النهار . . . " الآية ، فدعا الرجل فقرأها عليه ، فقال عمر : أهي له خاصة ، أم للناس كافة ؟ قال : " لا ، بل للناس كافة " . وفي رواية أخرى عن ابن مسعود : أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ، فأتى رسول الله ، فذكر ذلك له ، فنزلت هذه الآية ، فقال الرجل : ألي هذه الآية ؟ فقال : " لمن عمل بها من أمتي " . وقال معاذ بن جبل : كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل ، فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل أصاب من امرأة مالا يحل له ، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا أصابه منها ، غير أنه لم يجامعها ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " توضأ وضوءا حسنا ، ثم قم فصل " فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال معاذ : أهي له خاصة ، أم للمسلمين عامة ؟ فقال : " بل هي للمسلمين عامة " . واختلفوا في اسم هذا الرجل ، فقال أبو صالح عن ابن عباس : هو عمرو بن غزية الأنصاري ، وفيه نزلت هذه الآية ، كان يبيع التمر ، فأتته امرأة تبتاع منه تمرا ، فأعجبته ، فقال : إن في البيت تمرا أجود من هذا ، فانطلقي معي حتى أعطيك منه ; فذكر نحو [ ص: 167 ] حديث معاذ . وقال مقاتل : هو أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري . وذكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ أنه أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري . وذكر في الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم ، أله خاصة ؟ ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه أبو اليسر صاحب القصة . والثاني : معاذ بن جبل . والثالث : عمر بن الخطاب .

فأما التفسير ، فقوله : " وأقم الصلاة " أي : أتم ركوعها وسجودها .

فأما طرفا النهار ، ففي الطرف الأول قولان :

أحدهما : أنه صلاة الفجر ، قاله الجمهور . والثاني : أنه الظهر ، حكاه ابن جرير .

وفي الطرف الثاني ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه صلاة المغرب ، قاله ابن عباس ، وابن زيد . الثاني : العصر ، قاله قتادة . وعن الحسن كالقولين . والثالث : الظهر ، والعصر ، قاله مجاهد ، والقرظي . وعن الضحاك كالأقوال الثلاثة .

قوله تعالى : " وزلفا من الليل " وقرأ أبو جعفر ، وشيبة " وزلفا " بضم اللام . قال أبو عبيدة : الزلف : الساعات ، واحدها : زلفة ، أي : ساعة ومنزلة وقربة ; ومنه سميت المزدلفة ، قال العجاج :

[ ص: 168 ]
ناج طواه الأين مما أوجفا طي الليالي زلفا فزلفا


سماوة الهلال حتى احقوقفا

قال ابن قتيبة : ومنه يقال : أزلفني كذا عندك ، أي : أدناني ; والمزالف : المنازل والدرج ، وكذلك الزلف :

وفيها للمفسرين قولان :

أحدهما : أنها صلاة العتمة ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وعوف عن الحسن ، وابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال ابن زيد .

والثاني : أنها صلاة المغرب والعشاء ، روي عن ابن عباس أيضا ، ورواه يونس عن الحسن ، ومنصور عن مجاهد ، وبه قال قتادة ، ومقاتل ، والزجاج .

قوله تعالى : " إن الحسنات يذهبن السيئات " في المراد بالحسنات قولان :

أحدهما : أنها الصلوات الخمس ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن المسيب ، ومسروق ، ومجاهد ، والقرظي ، والضحاك ، والمقاتلان : ابن سليمان ، وابن حيان .

والثاني : أنها سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، رواه منصور عن مجاهد . والأول أصح ، لأن الجمهور عليه ، وفيه حديث مسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه عثمان بن عفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ، وقال : من توضأ وضوئي هذا ، ثم صلى الظهر ، غفر له ما كان بينها وبين صلاة الصبح ، [ ص: 169 ] ومن صلى العصر ، غفر له ما بينها وبين صلاة الظهر ، ومن صلى المغرب ، غفر له ما بينها وبين صلاة العصر ، ثم صلى العشاء ، غفر له ما بينها وبين صلاة المغرب ، ثم لعله أن يبيت ليلته يتمرغ ، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح ، غفر له ما بينه وبين صلاة العشاء ، وهن الحسنات يذهبن السيئات " .

فأما السيئات المذكورة هاهنا ، فقال المفسرون : هي الصغائر من الذنوب . وقد روى معاذ بن جبل ، قال : قلت : يا رسول الله ، أوصني ; قال : " اتق الله حيثما كنت " ، قال : قلت : زدني ; قال : " أتبع السيئة الحسنة تمحها " ، قلت : زدني ; قال : " خالق الناس بخلق حسن " .

قوله تعالى : " ذلك ذكرى للذاكرين " في المشار إليه بـ " ذلك " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه القرآن . والثاني : إقام الصلاة . والثالث : جميع ما تقدم من الوصية بالاستقامة ، والنهي عن الطغيان ، وترك الميل إلى الظالمين ، والقيام بالصلاة .

[ ص: 170 ] وفي المراد بالذكرى قولان :

أحدهما : أنه بمعنى التوبة . والثاني : بمعنى العظة .
واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين

قوله تعالى : " واصبر " فيما أمر بالصبر عليه قولان :

أحدهما : لما يلقاه من أذى قومه . والثاني : الصلاة .

وفي المراد بالمحسنين ثلاثة أقوال :

أحدها : المصلون ، قاله ابن عباس . والثاني : المخلصون ، قاله مقاتل . والثالث : أنهم المحسنون في أعمالهم ، قاله أبو سليمان .
فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين

قوله تعالى : " فلولا كان من القرون " قال ابن عباس ، والفراء : المعنى : فلم يكن . وقال ابن قتيبة : المعنى : فهلا كان من القرون من قبلكم أولو بقية . وروى ابن جماز عن أبي جعفر " أولو بقية " بكسر الباء وسكون القاف وتخفيف الياء .

وفي معنى " أولو بقية " ثلاثة أقوال :

أحدها : أولو دين ، قاله ابن عباس . قال ابن قتيبة : يقال : قوم لهم بقية ، وفيهم بقية : إذا كانت بهم مسكة وفيهم خير . والثاني : أولو تمييز . والثالث : أولو طاعة ، ذكرهما الزجاج ، وقال : إذا قلت : فلان فيه بقية ، فمعناه : فيه فضل .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #299  
قديم 14-08-2022, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (299)
صــ 171 إلى صــ 177



قوله تعالى : " إلا قليلا " استثناء منقطع ، أي : لكن قليلا ممن أنجينا منهم [ ص: 171 ] ممن نهى عن الفساد . قال مقاتل : لم يكن من القرون من ينهى عن المعاصي والشرك إلا قليلا ممن أنجينا من العذاب مع الرسل .

قوله تعالى : " واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه " أي : اتبعوا مع ظلمهم ما أترفوا فيه مع استدامة نعيمهم ، فلم يقبلوا ما ينقص من ترفهم . قال الفراء : آثروا اللذات على أمر الآخرة . قال : ويقال : اتبعوا ذنوبهم السيئة إلى النار .
وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون

قوله تعالى : " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم " فيه قولان :

أحدهما : بغير جرم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : بشرك ، ذكره ابن جرير ، وأبو سليمان . وفي قوله : " وأهلها مصلحون " ثلاثة أقوال :

أحدها : ينتصف بعضهم من بعض ، رواه قيس بن أبي حازم عن جرير . قال أبو جعفر الطبري : فيكون المعنى : لا يهلكهم إذا تناصفوا وإن كانوا مشركين ، وإنما يهلكهم إذا تظالموا .

والثاني : مصلحون لأعمالهم ، متمسكون بالطاعة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : مؤمنون ، قاله مقاتل .
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين

قوله تعالى : " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة " قال ابن عباس : لو شاء أن يجعلهم كلهم مسلمين لفعل .

قوله تعالى : " ولا يزالون مختلفين " في المشار إليهم قولان :

[ ص: 172 ] أحدهما : أنهم أهل الحق وأهل الباطل ، رواه الضحاك عن ابن عباس ; فيكون المعنى : إن هؤلاء يخالفون هؤلاء .

والثاني : أنهم أهل الأهواء لا يزالون مختلفين ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

قوله تعالى : " إلا من رحم ربك " قال ابن عباس : هم أهل الحق . وقال الحسن : أهل رحمة الله لا يختلفون .

قوله تعالى : " ولذلك خلقهم " في المشار إليه بذلك أربعة أقوال :

أحدها : أنه يرجع إلى ما هم عليه . قال ابن عباس : خلقهم فريقين ، فريقا يرحم فلا يختلف ، وفريقا لا يرحم يختلف .

والثاني : أنه يرجع إلى الشقاء والسعادة ، قاله ابن عباس أيضا ، واختاره الزجاج ، قال : لأن اختلافهم مؤديهم إلى سعادة وشقاوة . قال ابن جرير : واللام في قوله : " ولذلك " بمعنى " على " .

والثالث : أنه يرجع إلى الاختلاف ، رواه مبارك عن الحسن .

والرابع : أنه يرجع إلى الرحمة ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ; فعلى هذا يكون المعنى : ولرحمته خلق الذين لا يختلفون في دينهم .

قوله تعالى : " وتمت كلمة ربك " قال ابن عباس : وجب قول ربك : " لأملأن جهنم " من كفار الجنة ، وكفار الناس .
وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين

قوله تعالى : " وكلا نقص " قال الزجاج : " كلا " منصوب بـ " نقص " ، [ ص: 173 ] المعنى : كل الذي تحتاج إليه من أنباء الرسل نقص عليك ، و " ما " منصوبة بدلا من كل ، المعنى : نقص عليك ما نثبت به فؤادك ; ومعنى تثبيت الفؤاد تسكين القلب هاهنا ، ليس للشك ، ولكن كلما كان البرهان والدلالة أكثر ، كان القلب أثبت .

قوله تعالى : " وجاءك في هذه الحق " في المشار إليه بـ " هذه " أربعة أقوال :

أحدها : أنها السورة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو العالية ، ورواه شيبان عن قتادة .

والثاني : أنها الدنيا ، فالمعنى : وجاءك في هذه الدنيا ، رواه سعيد عن قتادة ; وعن الحسن كالقولين .

والثالث : أنها الأقاصيص المذكورة .

والرابع : أنها هذه الآية بعينها ، ذكر القولين ابن الأنباري .

وفي المراد بالحق هاهنا ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها البيان . والثاني : صدق القصص والأنباء . والثالث : النبوة .

فإن قيل : أليس قد جاءه الحق في كل القرآن ، فلم خص هذه السورة ؟

فالجواب : أنا إن قلنا : إن الحق النبوة ، فالإشارة بـ " هذه " إلى الدنيا ، فيكون المعنى : وجاءك في هذه الدنيا النبوة ، فيرتفع الإشكال . وإن قلنا : إنها السورة ، فعنه أربعة أجوبة :

أحدها : أن المراد بالحق البيان ، وهذه السورة جمعت من تبيين إهلاك الأمم ، وشرح مآلهم ، ما لم يجمع غيرها ، فبان أثر التخصيص ، وهذا مذهب بعض المفسرين .

والثاني : أن بعض الحق أوكد من بعض في ظهوره عندنا وخفائه علينا ، [ ص: 174 ] ولهذا يقول الناس : فلان في الحق : إذا كان في الموت ، وإن لم يكن قبله في باطل ، ولكن لتعظيم ما هو فيه ، فكأن الحق المبين في هذه السورة أجلى من غيره ، وهذا مذهب الزجاج .

والثالث : أنه خص هذه السورة بذلك لبيان فضلها ، وإن كان في غيرها حق أيضا ، فهو كقوله : والصلاة الوسطى [البقرة :238] ، وقوله : وجبريل وميكال [البقرة :98] ، وهذا مذهب ابن الأنباري .

والرابع : أن المعنى : وجاءك في هذه السورة الحق مع ما جاءك من سائر السور ، قاله ابن جرير الطبري .

قوله تعالى : " وموعظة وذكرى للمؤمنين " أي : يتعظون إذا سمعوا هذه السورة وما نزل بالأمم فتلين قلوبهم .
وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون

قوله تعالى : وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم هذا تهديد ووعيد ، والمعنى : اعملوا ما أنتم عاملون ، فستعلمون عاقبة أمركم ، " وانتظروا " ما يعدكم الشيطان " إنا منتظرون " ما يعدنا ربنا .

فصل

قال المفسرون : وهذه الآية اقتضت تركهم على أعمالهم ، والاقتناع بإنذارهم ، وهي منسوخة بآية السيف .

واعلم أنه إذا قلنا : إن المراد بالآية التهديد ، لم يتوجه نسخ .
[ ص: 175 ] ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون .

قوله تعالى : " ولله غيب السماوات والأرض " أي : علم ما غاب عن العباد فيهما . " وإليه يرجع الأمر كله " قرأ نافع ، وحفص عن عاصم ، " يرجع الأمر كله " بضم الياء . وقرأ الباقون ، وأبو بكر عن عاصم " يرجع " بفتح الياء ، والمعنى : إن كل الأمور ترجع إليه في المعاد . " فاعبده " أي : وحده . " وتوكل عليه " أي : ثق به . " وما ربك بغافل عما يعملون " قرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم " تعملون " بالتاء . وقرأ الباقون بالياء . قال أبو علي : فمن قرأ بالياء ، فالمعنى : قل لهم : وما ربك بغافل عما يعملون . ومن قرأ بالتاء ، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم ، فهو أعم من الياء ، وهذا وعيد ، والمعنى : إنه يجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . قال كعب : خاتمة التوراة خاتمة " هود " .

سُورَةُ يُوسُفَ

[عَلَيْهِ السَّلَامُ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ

فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا

هِيَ مَكِّيَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ . وَفِي سَبَبِ نُزُولِهَا قَوْلَانِ : أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، فَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاهُ ، عَلَيْهِمْ زَمَانًا ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : " الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ " إِلَى قَوْلِهِ : " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ " ، فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ حَدَّثْتَنَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزُّمَرِ :23] كُلُّ ذَلِكَ يُؤْمَرُونَ بِالْقُرْآنِ . وَقَالَ [ ص: 177 ] عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : مَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَّةً ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزُّمَرِ :23] ، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَلُّوا مَلَّةً أُخْرَى ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَوْقَ الْحَدِيثِ ، وَدُونَ الْقُرْآنِ ، يَعْنُونَ الْقَصَصَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ " فَأَرَادُوا الْحَدِيثَ ، فَدَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْحَدِيثِ ، وَأَرَادُوا الْقَصَصَ ، فَدَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْقَصَصِ . وَالثَّانِي : رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَأَلَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : حَدِّثْنَا عَنْ أَمْرِ يَعْقُوبَ وَوَلَدِهِ وَشَأْنِ يُوسُفَ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا " وَذَلِكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِي َّةِ ، وَالْإِنْجِيلَ بِالسُّرْيَانِي َّةِ ، وَأَنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ ، وَلَوْ أَنْزَلْتُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَا فَهِمْتُمُوهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْسِيرَ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي أَوَّلِ (يُونُسَ) إِلَّا أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ زِيَادَةَ وَجْهٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، فَقَالَ : لَمَّا لَحِقَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَلٌ وَسَآمَةٌ ، فَقَالُوا لَهُ : حَدِّثْنَا بِمَا يُزِيلُ عَنَّا هَذَا الْمَلَلَ ، فَقَالَ : " تِلْكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَقْدِرُونَ الِانْتِفَاعَ بِهَا وَانْصِرَافَ الْمَلَلِ ، هِيَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ "

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #300  
قديم 14-08-2022, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,923
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (300)
صــ 178 إلى صــ 184



وَفِي مَعْنَى " الْمُبِينِ " خَمْسَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : الْبَيِّنُ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٌ . وَالثَّانِي : الْمُبَيِّنُ لِلْحُرُوفِ الَّتِي تَسْقُطُ عَنْ أَلْسُنِ الْأَعَاجِمِ ، رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ . وَالثَّالِثُ : الْبَيِّنُ هُدَاهُ وَرُشْدُهُ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالرَّابِعُ : الْمُبَيِّنُ لِلْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ . وَالْخَامِسُ : الْبَيِّنُ إِعْجَازُهُ فَلَا يُعَارَضُ ، ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ .
[ ص: 178 ] إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون

قوله تعالى : " إنا أنزلناه " في هاء الكناية قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الكتاب ، قاله الجمهور . والثاني : إلى خبر يوسف ، ذكره الزجاج ، وابن القاسم .

قوله تعالى : " قرآنا عربيا " قد ذكرنا معنى القرآن واشتقاقه في سورة (النساء :82) . وقد اختلف الناس ، هل في القرآن شيء بغير العربية ، أم لا ، فمذهب أصحابنا أنه ليس فيه شيء بغير العربية . وقال أبو عبيدة : من زعم أن في القرآن لسانا سوى العربية فقد أعظم على الله القول ، واحتج بقوله : إنا جعلناه قرآنا عربيا [الزخرف :3] وروي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة أن فيه من غير لسان العرب ، مثل " سجيل " و " المشكاة " و " اليم " و " الطور " و " أباريق " و " إستبرق " وغير ذلك . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : قال أبو عبيد : وهؤلاء أعلم من أبي عبيدة ، ولكنهم ذهبوا إلى مذهب ، وذهب هو إلى غيره ، وكلاهما مصيب إن شاء الله ، وذلك أن هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل ، فقال : أولئك على الأصل ، ثم لفظت به العرب بألسنتها فعربته فصار عربيا بتعريبها إياه ، فهي عربية في هذه الحالة ، أعجمية الأصل ، فهذا القول يصدق الفريقين جميعا .

قوله تعالى : " لعلكم تعقلون " قال ابن عباس : لكي تفهموا .
نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين

قوله تعالى : " نحن نقص عليك أحسن القصص " قد ذكرنا سبب نزولها في [ ص: 179 ] أول الكلام . وقد خصت بسبب آخر ، فروي عن سعيد بن جبير قال : اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى سلمان ، فقالوا : حدثنا عن التوراة فإنها حسن ما فيها ، فأنزل الله تعالى " نحن نقص عليك أحسن القصص " يعني : قصص القرآن أحسن مما في التوراة . قال الزجاج : والمعنى : نحن نبين لك أحسن البيان ، والقاص : الذي يأتي بالقصة على حقيقتها . قال : وقوله : " بما أوحينا إليك " أي : بوحينا إليك هذا القرآن .

قال العلماء : وإنما سميت قصة يوسف أحسن القصص ، لأنها جمعت ذكر الأنبياء ، والصالحين ، والملائكة ، والشياطين ، والأنعام ، وسير الملوك ، والمماليك ، والتجار ، والعلماء ، والرجال ، والنساء ، وحيلهن ، وذكر التوحيد ، والفقه ، والسر ، وتعبير الرؤيا ، والسياسة ، والمعاشرة ، وتدبير المعاش ، والصبر على الأذى ، والحلم ; والعز ، والحكم ، إلى غير ذلك من العجائب .

قوله تعالى : " وإن كنت " في " إن " قولان :

أحدهما : أنها بمعنى " قد " . والثاني بمعنى " ما " .

قوله تعالى : " من قبله " قال ابن عباس : من قبل نزول القرآن . " لمن الغافلين " عن علم خبر يوسف وما صنع به إخوته .
إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين

قوله تعالى : " إذ قال يوسف لأبيه " في " إذ " قولان :

أحدهما : أنها صلة للفعل المتقدم ، والمعنى : نحن نقص عليك إذ قال يوسف .

[ ص: 180 ] والثاني : أنها صلة لفعل مضمر ، تقديره : اذكر إذ قال يوسف ، ذكرهما الزجاج ، وابن الأنباري .

قوله تعالى : " يا أبت " قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، بفتح التاء ، ووقفا بالهاء ، وافقهما ابن كثير في الوقف بالهاء ، وقرأ الباقون بكسر التاء . فمن فتح التاء ، أراد : يا أبتا فحذف الألف كما تحذف الياء ، فبقيت الفتحة دالة على الألف ، كما أن الكسرة تبقى دالة على الياء . ومن وقف على الهاء ، فلأن تاء التأنيث تبدل منها الهاء في الوقف . وقرأ أبو جعفر أحد عشر ، وتسعة عشر ، بسكون العين فيهما .

وفي ما رآه يوسف قولان :

أحدهما : أنه رأى الشمس والقمر والكواكب ، وهو قول الأكثرين . قال الفراء : وإنما قال : " رأيتهم " على جمع ما يعقل ، لأن السجود فعل ما يعقل ، كقوله : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم [النمل :18] . قال المفسرون : كانت الكواكب في التأويل إخوته ، والشمس أمه ، والقمر أباه ، فلما قصها على يعقوب أشفق من حسد إخوته . وقال السدي : الشمس أبوه ، والقمر خالته ، لأن أمه كانت قد ماتت .

والثاني : أنه رأى : أبويه وإخوته ساجدين له ، فكنى عن ذكرهم ، وهذا مروي عن ابن عباس ، وقتادة . فأما تكرار قوله : " رأيتهم " فقال الزجاج : إنما كرره لما طال الكلام توكيدا .

وفي سن يوسف لما رأى هذا المنام ثلاثة أقوال :

أحدها : سبع سنين . والثاني : اثنتا عشرة سنة . والثالث : سبع عشرة سنة .

قال المفسرون : علم يعقوب أن إخوة يوسف يعلمون تأويل رؤياه ، فقال : " لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا " ، قال ابن قتيبة : يحتالوا لك [ ص: 181 ] حيلة ويغتالوك . وقال غيره : اللام صلة ، والمعنى : فيكيدوك . والعدو المبين : الظاهر العداوة .
وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم

قوله تعالى : " وكذلك يجتبيك ربك " قال الزجاج ، وابن الأنباري : ومثل ما رأيت من الرفعة والحال الجليلة ، يختارك ربك ويصطفيك من بين إخوتك . وقد شرحنا في (الأنعام :87) معنى الاجتباء . وقال ابن عباس : يصطفيك بالنبوة .

قوله تعالى : " ويعلمك من تأويل الأحاديث " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه تعبير الرؤيا ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، فعلى هذا سمي تأويلا لأنه بيان ما يؤول أمر المنام إليه .

والثاني : أنه العلم والحكمة ، قاله ابن زيد .

والثالث : تأويل أحاديث الأنبياء والأمم والكتب ، ذكره الزجاج . قال مقاتل : و " من " هاهنا صلة .

قوله تعالى : " ويتم نعمته عليك " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : بالنبوة ، قاله ابن عباس .

والثاني : بإعلاء الكلمة .

والثالث : بأن أحوج إخوته إليه حتى أنعم عليهم ، ذكرهما الماوردي .

وفي " آل يعقوب " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم ولده ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : يعقوب وامرأته وأولاده الأحد عشر ، أتم عليهم نعمته بالسجود ليوسف ، قاله مقاتل . [ ص: 182 ] والثالث : أهله ، قاله أبو عبيدة ، واحتج بأنك إذا صغرت الآل ، قلت : أهيل .

قوله تعالى : " كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق " قال عكرمة : فنعمته على إبراهيم أن نجاه من النار ، ونعمته على إسحاق أن نجاه من الذبح ،

قوله تعالى : " إن ربك عليم " أي : عليم حيث يضع النبوة " حكيم " في تدبير خلقه .
لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين

قوله تعالى : " لقد كان في يوسف وإخوته " أي : في خبر يوسف وقصة إخوته " آيات " أي : عبر لمن سأل عنهم ، فكل حال من أحواله آية . وقرأ ابن كثير " آية " قال المفسرون : وكان اليهود قد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف ، فأخبرهم بها كما في التوراة ، فعجبوا من ذلك .

وفي وجه هذه الآيات خمسة أقوال :

أحدها : الدلالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم حين أخبر أخبار قوم لم يشاهدهم ، ولا نظر في الكتب . والثاني ما أظهر الله في قصة يوسف من عواقب البغي عليه . والثالث : صدق رؤياه وصحة تأويله . والرابع : ضبط نفسه وقهر شهوته حتى قام بحق الأمانة . والخامس : حدوث السرور بعد اليأس .

فإن قيل : لم خص السائلين ، ولغيرهم فيها آيات أيضا ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أن المعنى : للسائلين وغيرهم ، فاكتفى بذكر السائلين من غيرهم ، كما اكتفى بذكر الحر من البرد في قوله : تقيكم الحر [النحل :81] .

والثاني : أنه إذا كان للسائلين عن خبر يوسف آية ، كان لغيرهم آية أيضا ; وإنما خص السائلين ، لأن سؤالهم نتج الأعجوبة وكشف الخبر .
[ ص: 183 ] إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين

قوله تعالى : " إذ قالوا " يعني إخوة يوسف . " ليوسف وأخوه " يعنون ابن يامين . وإنما قيل له : ابن يامين لأن أمه ماتت نفساء . ويامين بمعنى الوجع ، وكان أخاه لأمه وأبيه . والباقون إخوته لأبيه دون أمه .

فأما العصبة ، فقال الزجاج : هي في اللغة الجماعة الذين أمرهم واحد يتابع بعضهم بعضا في الفعل ، ويتعصب بعضهم لبعض .

وللمفسرين في العصبة ستة أقوال :

أحدها : أنها ما كان أكثر من عشرة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أنها ما بين العشرة إلى الأربعين ، روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال قتادة . والثالث : أنها ستة أو سبعة ، قاله سعيد بن جبير . والرابع : أنها من عشرة إلى خمسة عشر ، قاله مجاهد . والخامس : الجماعة ، قاله ابن زيد ، وابن قتيبة ، والزجاج . والسادس : عشرة ، قاله مقاتل . وقال الفراء : العصبة عشرة فما زاد .

قوله تعالى : " إن أبانا لفي ضلال مبين " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : لفي خطإ من رأيه ، قاله ابن زيد . والثاني : في شقاء ، قاله مقاتل ; والمراد به عناء الدنيا . والثالث : لفي ضلال عن طريق الصواب الذي يقتضي تعديل المحبة بيننا ، لأن نفعنا له أعم . قال الزجاج : ولو نسبوه إلى الضلال في الدين كانوا كفارا ، إنما أرادوا : إنه قدم ابنين صغيرين علينا في المحبة ونحن جماعة نفعنا أكثر .
اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين

[ ص: 184 ] قوله تعالى : " اقتلوا يوسف " قال أبو علي : قرأ ابن كثير ، ونافع ، والكسائي : " مبين اقتلوا " بضم التنوين ، لأن تحريكه يلزم لالتقاء الساكنين ، فحركوه بالضم ليتبعوا الضمة الضمة ، كما قالوا : " مد " " وظلمات " . وقرأ أبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، بكسر التنوين ، فلم يتبعوا الضمة كما قالوا : " مد " " ظلمات " . قال المفسرون : وهذا قولهم بينهم " أو اطرحوه أرضا " قال الزجاج : نصب " أرضا " على إسقاط " في " ، وأفضى الفعل إليها ; والمعنى : أو اطرحوه أرضا يبعد بها عن أبيه . وقال غيره : أرضا تأكله فيها السباع .

قوله تعالى : " يخل لكم وجه أبيكم " أي : يفرغ لكم من الشغل بيوسف . " وتكونوا من بعده " أي : من بعد يوسف . " قوما صالحين " فيه قولان :

أحدهما : صالحين بالتوبة من بعد قتله ، قاله ابن عباس .

والثاني : يصلح حالكم عند أبيكم ، قاله مقاتل . وفي قصتهم نكتة عجيبة ، وهو أنهم عزموا على التوبة قبل الذنب ، وكذلك المؤمن لا ينسى التوبة وإن كان مرتكبا للخطايا
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 444.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 438.81 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]