|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#21
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 76 الى صـــ 100 الحلقة (21) فصل استدرك الدارقطني في كتابه المسمى بـ «الاستدراكات والتتبع» عَلَى البخاري ومسلم أحاديث، وطعن في بعضها، وذلك في مائتي حديث مما في الكتابين (١). ولأبي مسعود الدمشقي (٢) عليهما استدراك (٣)، وكذا لأبي علي الغساني (٤) في «تقييده» (٥). وقد أجبت عن ذَلِكَ كله أو أكثره، وسترى ما يخص البخاري من -------------- (١) مطبوع بتحقيق العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي باسم «الإلزامات والتتبع» وسماه غير واحد من أهل العلم «الاستدراكات والتتبع» كالمصنف والنووي كما في «شرح مسلم» ١/ ٢٧، وجملة ما في الكتاب مائتان وثمانية عشر حديثًا. (٢) هو أبو مسعود، إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي، صنف كتاب «أطراف الصحيحين»، وكانت وفاته سنة إحدى وأربعمائة، وقيل: سنة أربعمائة. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٢٢٧، «شذرات الذهب» ٣/ ١٦٢. (٣) وله أيضًا كتاب أجاب فيه عن انتقاد الدارقطني لمسلم في أحاديث أخرجها في «صحيحه» سماه كتاب «الأجوبة» وهو مطبوع. (٤) هو أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني، صاحب كتاب: «تقييد المهمل» ولد في سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وكانت وفاته في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وكان من جهابذة الحفاظ، قويَّ العربية، بارع اللغة، مقدمًا في الآداب والشعر والنسب، له تصانيف كثيرة في هذِه الفنون. انظر: «سير أعلام النبلاء» ١٩/ ١٤٨ (٧٧)، «شذرات الذهب» ٣/ ٤٠٨، ٤٠٩. (٥) هو كتاب: «تقييد المهمل وتمييز المشكل» جمع فيه الأوهام التي تتعلق بـ «صحيح البخاري» و«صحيح مسلم» و«موطأ مالك» وهو مطبوع عدة طبعات وقد طبع جزء «صحيح مسلم» باسم «التنبيه على الأوهام الواقعة في صحيح الإمام مسلم». ذَلِكَ في مواضعه إن شاء الله تعالى وقدر (١). وقال النووي: الطعن الذي ذكره فاسد مبني عَلَى قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدًا مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول، ولقواعد الأدلة فلا يُغْترّ بذلك (٢). --------------- (١) وقد تصدى للرد على كثير من هذِه الانتقادات التي وجهت و«الصحيحين» جماعة من الأئمة منهم القاضي عياض في شرحه لمسلم وكذا النووي والحافظ ابن حجر في شرحه للبخاري. (٢) قاله في مقدمة «شرح البخاري» كما في «هدي الساري» ص ٣٤٦. فصل ألزم الدارقطني وغيره البخاري ومسلمًا إخراج أحاديث تركا إخراجها، مع أن أسانيدهما أسانيد قد أخرجا لرواتها في صحيحيهما. وذكر الدارقطني أن جماعة من الصحابة رووا عن النبي - ﷺ -، ورويت أحاديثهم من وجوه صحاح لا مطعن في ناقليها، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئًا فلزمهما إخراجها عَلَى مذهبهما (١). وذكر البيهقي أنهما اتفقا عَلَى أحاديث من صحيفة همام بن منبه، وأنَّ كل واحد منهما انفرد عن الآخر بأحاديث منها مع أن الإسناد واحد. وصنف الدارقطني والهروي (٢) في هذا النوع الذي ألزموهما. وهذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة، فإنهما لم يلزما استيعاب الصحيح بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جمل ----------------- (١) «الإلزامات والتتبع» ص ٨٣. (٢) هو الحافظ الإمام العلامة، شيخ الحرم، أبو ذر، عَبْد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير بن محمد، المعروف ببلده بابن السماك، الأنصاري الخراساني الهروي المالكي، راوى «الصحيح» عن المستملي، والحموي، والكشميهني، ولد سنة خمس أو ست وخمسين وثلاثمائة، من مصنفاته «مستدرك على الصحيحين»، «السنة»، «الجامع»، «الدعاء»، «فضائل القرآن»، «دلائل النبوة». توفي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وقيل: في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ١١/ ١٤١، «تذكرة الحفاظ» ٣/ ١١٠٣ - ١١٠٨، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٥٥٤ - ٥٦٣، «شذرات الذهب» ٣/ ٢٥٤. من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله لا أنه يحصر جميع مسائله، لكنهما إِذَا كان الحديث الذي تركاه أو تركه أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلًا في بابه ولم يخرجا له نظيرًا ولا ما يقوم مقامه، فالظاهر من حالهما أنهما اطلعا فيه عَلَى علة إن كان روياه أو تركاه إيثارا لترك الإطالة، أو لأنهما رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده أو لغير ذَلِكَ. فصل الذي استقر عليه الأمر وعليه الكثير أو الأكثر من العلماء أن المبتدع يحتج بحديثه إِذَا لم يكن داعية، ولا يحتج بحديثه إِذَا كان داعية. وفي الصحيح كثير من أحاديثهم في الأصول والشواهد فليحمل عَلَى ما إِذَا لم يكن داعية، وإن كان وقع فيه الرواية عمن هو داعية، كعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني فإنه كان داعية إلى الإرجاء كما قاله أبو داود (١)، وكعمران بن حطان فإنه من دعاة الشراة (٢) ولعله قليل في جنب الأول (٣). ---------------- (١) هو: عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، أبو يحيى الكوفي، والد يحيى بن عبد الحميد الحماني وعبد الرحمن لقبه بَشْمين أصله خوارزمي، وحمان من تميم. قال يحيى بن معين: يحيى بن عبد الحميد الحماني ثقة، وأبوه ثقة. وقال النسائي: ثقة، وفي موضع آخر قال: ليس بالقوي. روى له مسلم في مقدمة كتابه، والباقون، سوى النسائي، مات سنة اثنتين ومائتين. قال الحافظ في «هدي الساري» ص ٤١٦: كان ثقة ولكنه ضعيف العقل، روى له البخاري حديثًا واحدًا في فضائل القرآن من روايته عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي موسى فى قول النبي - ﷺ -: «لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود» وقال فى «التقريب» (٣٧٧١): صدوق يخطئ ورمي بالإرجاء. انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» ٦/ ٤٥ (١٦٥٣)، «الجرح والتعديل» ٦/ ١٦ (٧٩)، «الكامل» لابن عدي ٧/ ٩ (١٤٧٠)، «تهذيب الكمال» ١٦/ ٤٥٢ (٣٧٢٥). (٢) الشراة: الخوراج. انظر: «تهذيب اللغة» ٢/ ١٨٦٩، «لسان العرب» ٤/ ٢٢٥٣. (٣) هو عمران بن حطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو بن الحارث، وثقه العجلي، قال = فصل ادعى الحاكم في «مدخله إلى الإكليل» أن شرط البخاري ومسلم في صحيحيهما أن لا يذكرا إلا ما رواه صحابي مشهور عن النبي - ﷺ -، له راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه تابعي مشهور بالرواية عن الصحابة له أيضًا راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه مِن أتباع الأتباع الحافظ المتقن المشهور عَلَى ذَلِكَ الشرط. ثم كذلك قَالَ: والأحاديث المروية بهذِه الشريطة لا يبلغ عدها عشرة آلاف حديث (١). وهذا الشرط الذي ذكره عملهما يخالفه، فقد أخرجا في «الصحيحين» حديث عمر بن الخطاب: «إنما الأعمال بالنيات» ولا يصح إلا فردا كما سيأتي (٢)، وحديث المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب في وفاة أبي طالب ولم يرو عنه غير ابنه سعيد (٣)، -------------- = قتادة: كان عمران بن حطان لا يتهم في الحديث: قال الحافظ في «هدي الساري» ص ٤٣٢: لم يخرج له البخاري سوى حديث واحد. وقال في «التقريب» (٥١٥٢): صدوق إلا أنه كان على مذهب الخوراج، ويقال: رجع عن ذلك. انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» ٦/ ٤١٣ (٢٨٢٢)، «الجرح والتعديل» ٦/ ٢٩٦ (١٦٤٣)، «تهذيب الكمال» ٢٢/ ٣٢٢ (٤٤٨٧)، «سير أعلام النبلاء» ٤/ ٢١٤. (١) «المدخل إلى الإكليل» ص ٢٩. (٢) سيأتي برقم (١). (٣) سيأتي برقم (١٣٦٠) كتاب: الجنائز، باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله، ورواه مسلم (٢٤) كتاب: الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت … وأخرج مسلم حديث حميد بن هلال عن أبي رفاعة العدوي، ولم يرو عنه غير حميد (١)، قَالَ ابن الصلاح، وتبعه النووي: وأخرج البخاري حديث الحسن البصري، عن عمرو بن تغلب: «إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إليّ» (٢)، ولم يرو عنه غير الحسن (٣). قُلْتُ: لا، فقد روى عنه أيضًا الحكم بن الأعرج، كما نص عليه ابن أبي حاتم (٤). قالا: وأخرج أيضًا حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي «يذهب الصالحون الأول فالأول» (٥). ولم يرو عنه غير قيس (٦). قُلْتُ: لا، فقد روى عنه زياد بن علاقة أيضًا، كما ذكره ابن أبي حاتم أيضًا (٧). ------------ (١) مسلم (٨٧٦) كتاب: الجمعة، باب: حديث التعليم في الخطبة. (٢) سيأتي برقم (٩٢٣) كتاب: الجمعة، باب: من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد. (٣) «علوم الحديث» ص ٣٢٠، «التقريب مع التدريب» ٢/ ٣٨٢. (٤) «الجرح والتعديل» ٦/ ٢٢٢ في ترجمة عمرو بن تغلب (١٢٣٥)، ونص عليه أيضًا ابن عبد البر في «الاستيعاب» ٣/ ٢٥١ - ٢٥٢ ترجمة عمرو (١٩٢٠). (٥) سيأتي برقم (٦٤٣٤) كتاب: الرقاق، باب: ذهاب الصالحين ويقال: الذهاب المطر. (٦) «علوم الحديث» ص ٣٢٠، «التقريب مع التدريب» ٢٣/ ٣٨٢. (٧) قلت: هكذا ذكر المصنف هنا أن زياد بن علاقة يروي عن مرداس بن مالك الأسلمي، وذكره كذلك في «المقنع» ١/ ٢٦٠، وهو ما ذكره أيضًا المزي في «تهذيب الكمال» ٩/ ٤٩٨ في ترجمة زياد بن علاقة (٢٠٦١) فقال: روى عن مرداس الأسلمي، وكرره أيضًا في ترجمة مرداس الأسلمي من «التهذيب» ٢٧/ ٣٧٠ (٥٨٥٦) فقال: روى عنه: زياد بن علاقة وقيس بن أبي حازم، وذكره أيضًا الذهبي فقال في «الكاشف» ٢/ ٢٥١ (٥٣٥٥): مرداس بن مالك الأسلمي، عنه قيس بن أبي حازم، وزياد بن علاقة، وكذا العيني في «عمدة القاري» ١/ ٥ وهو وهم منهم جميعًا تتابعوا عليه. والصواب ما ذهب إليه ابن الصلاح والنووي من أن مرداس الأسلمي لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم، أما مرداس الذي يروي عنه = قالا: وأخرج مسلم حديث عبد الله بن الصامت عن رافع بن عمرو الغفاري (١)، ولم يرو عنه غير عبد الله (٢). ----------------- = زياد بن علاقة هو مرداس بن عروة، ومما يؤكد ذلك أن المصنف عزا قوله هنا لابن أبي حاتم، والذي عند ابن أبي حاتم يؤكد ما قلناه، ففي ترجمة زياد بن علاقة من «الجرح والتعديل» ٣/ ٥٤٠ (٢٤٣٧) أورد ابن أبي حاتم ترجمته ولم يذكر له رواية عن مرداس الأسلمي، وفي ترجمة مرداس الأسلمي ٨/ ٣٥٠ (١٦٠٧) قال: روى عنه قيس بن أبي حازم سمعت أبي يقول ذلك، ثم أورد ترجمة مرداس بن عروة (١٦٠٨) وقال: روى عنه زياد بن علاقة سمعت أبي يقول ذلك. وأيضًا قال مسلم في «المنفردات والوحدان» ص ٧٥ - ٧٧: أسامة بن شريك، ومرداس بن عروة لم يرو عنهما إلا زياد بن علاقة، وقال ابن حبان في «الثقات» ٥/ ٤٤٩: مرداس بن عروة روى عنه زياد بن علاقة، وقال أبو نعيم في «معرفة الصحابة» ٥/ ٢٥٦٦ (٢٧٣٦): مرداس بن عروة يعد في الكوفيين، روى عنه زياد بن علاقة، وكذا قال ابن الأثير في «أسد الغابة» ٥/ ١٤٠، وقال العراقي في «التقييد والإيضاح» ص ٣٣٤ الصواب ما قاله ابن الصلاح، فإن الذي روى عنه زياد بن علاقة إنما هو مرداس بن عروة صحابي آخر، وقال الحافظ في «الفتح» ٧/ ٤٤٥: قال ابن السكن، زعم بعض أهل الحديث أن مرداس بن عروة الذي روى عنه زياد بن علاقة هو الأسلمي، قال: والصحيح أنهما اثنان. قلت: وفي هذا تعقب على المزي في قوله في ترجمة مرداس الأسلمي: روى عنه قيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة، ووضح أن شيخ زياد غير مرداس الأسلمي. اهـ. وقال نحو هذا القول في «الفتح» ١١/ ٢٥١ - ٢٥٢، وقاله أيضًا في «التهذيب» ٤/ ٤٧، وكذا في «الإصابة» ٣/ ٤٠١ ترجمة مرداس الأسلمي (٧٨٩٤)، ويؤكد ما قلناه أيضًا ما رواه البخاري في «التاريخ الكبير» ٧/ ٤٣٥، وابن قانع في «معجم الصحابة» ٣/ ١١٧ - ١١٨، والطبراني ٢٠/ ٢٩٩ (٧١٠)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» ٥/ ٢٥٦٦ - ٢٥٦٧، البيهقي ٨/ ٤٣ من طريق محمد بن جابر والوليد بن أبي ثور كلاهما عن زياد بن علاقة، عن مرداس بن عروة: أن رجلًا رمى رجلًا بحجر فقتله، فأتي به النبي - ﷺ - فأقاده منه. (١) مسلم (١٠٦٧) كتاب: الزكاة، باب: الخوراج شر الخلق والخليقة. (٢) «علوم الحديث» ص ٣٢٠ - ٣٢١، «التقريب مع التدريب» ٢/ ٣٨٣. قُلْتُ: لا، ففي «الغيلانيات» من حديث سليمان بن المغيرة ثنا ابن أبي الحكم الغفاري، (حدثتني جدتي) (١)، عن رافع بن عمرو، فذكر حديثًا (٢). قالا: وأخرج حديث أبي بردة عن الأغر المزني: «إنه ليغان عَلَى قلبي» (٣) ولم يرو عنه غير أبي بردة (٤). قُلْتُ: لا، فقد ذكر العسكري أن ابن عمر روى عنه أيضًا (٥). قُلْتُ: ومعاولة بن قرة أيضًا (٦). ------------- (١) في الأصل: حدثني جدي، ولعل الصواب ما أثبتناه كما في «الغيلانيات» ص ٢٧٣. (٢) «الغيلانيات» ص ٢٧٣ (٧٦٩)، ورواه أيضًا أبو داود (٢٦٢٢)، وابن ماجه (٢٢٩٩) من طريق معتمر بن سليمان، عن ابن أبي الحكم الغفاري، عن جدته، عن عم أبيها رافع بن عمرو، والحديث ضعفه الألباني في «ضعيف أبي داود» (٤٥٣) لجهالة ابن أبي الحكم، وجدته. (٣) مسلم (٢٧٠٢) كتاب: الذكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه. (٤) «علوم الحديث» ص ٣٢١، ولم يذكره النووي في «التقريب» وإنما نقله السيوطي في «التدريب» ٢/ ٣٨٣ عن ابن الصلاح. (٥) روى البخاري في «الأدب المفرد» (٩٨٤)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» ٢/ ٣٥٧ (١١٢٨)، والطبراني ١/ ٣٠٠ (٨٧٩)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» ١/ ٣٣٢ (١٠٤٥)، والبيهقي في «الشعب» ٦/ ٤٣٣ - ٤٣٤ (٨٨٨٨)، والضياء في «المختارة» ٤/ ٣١٥ - ٣١٦ (١٤٩٥)، والمزي ١٧/ ٢٢٨ عن ابن عمر، عن الأغرِّ المزني أنه كانت له أوسق من تمر على رجل من بني عمرو بن عوف … الحديث. وحسنه الألباني في «الأدب المفرد» (٩٨٤)، فثبت بهذا الحديث ما ذكره المصنف عن العسكري أن ابن عمر يروي عن الأغر. (٦) وأما حديث معاوية بن قرة عن الأغر، فرواه البزار كما في «كشف الأستار» (٨٤٤)، والطبراني ١/ ٣٠٢ - ٣٠٣ (٨٩١)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» ١/ ٣٣٣ (١٠٤٨)، والضياء في «المختارة» ٤/ ٣١٨ (١٤٩٩) أن رجلًا أتى رسول الله = وفي «معرفة الصحابة» لابن قانع (١) قَالَ: ثابت البناني: عن الأغر، أغر مزينة (٢). وأغرب من قول الحاكم هذا قول الميانشي في «إيضاح ما لا يسع المحدث جهله»: شرطهما في صحيحيهما ألا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما، وذلك ما رواه عن رسول الله - ﷺ - اثنان من الصحابة فصاعدًا، وما نقله عن كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر، وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة. والظاهر أن شرطهما اتصال الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من مبتداه إلى منتهاه، من غير شذوذ ولا علة (٣). ---------------- = - ﷺ - فقال: يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، فقال: «إنما الوتر بالليل …» الحديث. قال الهيثمي في «المجمع» ٢/ ٢٤٦: رجاله موثقون، وإن كان في بعضهم كلام لا يضر، وحسنه الألباني في «الصحيحة» (١٧١٢). (١) هو الإمام الحافظ البارع القاضي أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق الأموي مولاهم البغدادي، ولد سنة خمس وستين ومائتين، وكان واسع الرحلة كثير الحديث بصيرًا به، قال البرقاني: البغداديون يوثقونه، وهو عندي ضعيف، وقال الدارقطني: كان يحفظ، ولكنه يخطئ ويصر، توفي سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ٤/ ١٤، «المنتظم» ٧/ ١٤، «سير أعلام النبلاء» ١٥/ ٥٢٦، «تذكرة الحفاظ» ٣/ ٨٨٣، «لسان الميزان» ٣/ ٣٨٣. (٢) «معجم الصحابة» ١/ ٥٠ - ٥١. (٣) قلت: وهذا هو تعريف الحديث الصحيح كما هو مقرر في مصطلح الحديث، وهو: ما اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة. انظر: «علوم الحديث» ص ١١ - ١٢، «المقنع» ١/ ٤١، «التقييد والإيضاح» ص ٢٤. فصل في معرفة الاعتبار والمتابعة والشاهد وقد أكثر البخاري من ذكر المتابعة، فإذا روى حماد مثلًا حديثًا عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - ﷺ -، نظرنا هل تابعه ثقة فرواه عن أيوب؟ فإن لم نجد فثقة غير أيوب عن ابن سيرين، وإلا فثقة غير ابن سيرين عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة، عن النبي - ﷺ -؛ فأي ذَلِكَ وُجِدَ عُلِمَ أنَّ له أصلًا يرجع إليه وإلا فلا، فهذا النظر هو الاعتبار. وأما المتابعة: فأن يرويه عن أيوب غير حماد، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي - ﷺ - غير أبي هريرة. فكل نوع من هذِه يسمى متابعة. وأفضلها الأولى، وهي: متابعة حماد في الرواية عن أيوب، ثمَّ ما بعده عَلَى الترتيب، وسببه أنها تقويه، والمتأخر إلى التقوية أحوج. وأما الشاهد: فأن يروى حديث آخر بمعناه. وتسمى المتابعة شاهدًا، ولا ينعكس، فإذا قالوا في مثل هذا: تفرد به أبو هريرة أو ابن سيرين أو أيوب أو حماد، كان مشعرًا بانتفاء وجوه المتابعات كلها فيه. ثمَّ إنه يدخل في المتابعة والاستشهاد رواية بعض الضعفاء. وفي «الصحيح» جماعة منهم ذكروا في المتابعات والشواهد، ولا يصلح لذلك كل ضعيف. ولهذا يقول الدارقطني وغيره: فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به. ولنذكر مثالًا للمتابع والشاهد ليتضح لك ذَلِكَ: فحديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس أنه - ﷺ - قَالَ: «لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به» (١) ورواه ابن جريج عن عمرو عن عطاء بدون الدباغ (٢). تابع عمرًا أسامة بن زيد فرواه عن عطاء عن ابن عباس أنه - ﷺ - قَالَ: «ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فانتفعتم به» (٣) وشاهده حديث عبد الرحمن بن وَعْلَة عن ابن عباس رفعه: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» (٤). ثمَّ اعلم أن البخاري -رحمه الله- قد يأتي بالمتابعة ظاهرًا، كقوله في مثل هذا: تابعه مالك عن أيوب. أي: تابع مالك حمادًا فرواه عن أيوب كرواية حماد، فالضمير في (تابعه) يعود إلى حماد، وتارة يقول: تابعه مالك ولا يزيد، فنحتاج إذًا إلى معرفة طبقات الرواة ومراتبهم، فتنبه لذلك. -------------------- (١) رواه مسلم (٣٦٣) كتاب: الحيض، باب: تطهير جلود الميتة. (٢) رواه أحمد ١/ ٢٢٧، الدارقطني ١/ ٤٤، والبيهقي ١/ ١٦. (٣) رواه االطحاوي في «شرح معاني الآثار» ١/ ٤٦٩، والدارقطني ١/ ٤٤، والبيهقي ١/ ١٦. (٤) رواه مسلم (٣٦٦) كتاب: الحيض، باب: طهارة جلود الميتة بالدباغ، والترمذي (١٧٢٨)، وابن الجارود (٦١، ٨٧٤)، وأبو عوانة (٥٦١)، وابن حبان (١٢٨٧ - ١٢٨٨)، والبيهقي ١/ ١٦. فصل في معرفة ألفاظ تتداول عَلَى الألسنة في هذا الفن منها: المرفوع (١)، وهو ما أضيف إلى رسول الله - ﷺ - خاصة قولًا، أو فعلًا أو تقريرًا، متصلًا كان أو منقطعًا أو مرسلًا. وقال الخطيب: هو ما أخبر به الصحابي عن فعل النبي - ﷺ - أو قوله (٢). فخصَّصه بالصحابة فيخرج مرسل التابعي. ومنها: الموقوف (٣): وهو ما أضيف إلى الصحابة كذلك، ويستعمل في غيرهم مقيدًا، فيقال: وقفه فلان عَلَى عطاء ونحوه. ومنها: المقطوع (٤): وهو ما أضيف إلى تابعي أو من دونه كذلك. ومنها: المنقطع (٥): وهو ما لم يتصل سنده عَلَى أي وجه كان انقطاعه، فإن سقط منه رجل فأكثر سمي أيضًا معضلًا بفتح الضاد. ------------------- (١) انظر: «علوم الحديث» ص ٤٥، «المقنع» ١/ ١١٣، «تدريب الرواي» ١/ ٢٢٦. (٢) «الكفاية في علم الرواية» ص ٥٨. (٣) نظر: «علوم الحديث» ص ٤٦، «المقنع» ١/ ١١٤ - ١١٥. (٤) انظر: «علوم الحديث» ص ٤٧ - ٥١، «المقنع» ١/ ١١٦ - ١٢٨، «تدريب الراوي» ١/ ٢٤٠. (٥) انظر: «علوم الحديث» ص ٥٦ - ٥٨، «المقنع» ١/ ١٤١ - ١٤٤، «تدريب الراوي» ١/ ٢٦٠ - ٢٦٣. ومنها: المرسل (١): فهو عند الفقهاء وجماعة من المحدثين أنه ما انقطع سنده كالمنقطع. وقال جماعة من المحدثين أو أكثرهم: لا يسمى مرسلًا إلا ما أخبر فيه التابعي عن رسول الله - ﷺ -، وشرط بعضهم أن يكون تابعيًّا كبيرًا. ثمَّ مذهب الشافعي والمحدثين: أن المرسل لا يحتج به، وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الفقهاء: يحتج به (٢)، ومذهب الشافعي: أنه إِذَا انضم إلى المرسل ما يعضده احتج به وبان بذلك صحته، وذلك بأن يروى مسندًا، وإن كان ضعيفًا أو مرسلًا من جهة أخرى، أو يعمل به بعض الصحابة أو أكثر العلماء أو عوام أهل العلم كما قاله الشافعي في «الرسالة» (٣)، أو يكون معه قول صحابي أو قياس، أو ينتشر من غير دافع، أو يعمل به أهل العصر، أو لا يوجد دلالة سواه، كما قَالَه الشافعي في الجديد -كما قَالَ الماوردى (٤) -، أو عرف أنه لا يرسل إلا عن عدل. وسواء في هذا مرسل سعيد بن المسيب وغيره، وقال بعض الشافعية: مرسل سعيد حجة مطلقًا؛ لأنها فتشت فوجدت مسندة، ------------------- (١) انظر: «علوم الحديث» ص ٥١ - ٥٦، «المقنع» ١/ ١٢٩ - ١٤٠، «تدريب الراوي» ١/ ٢٤١ - ٢٥٩. (٢) انظر: «التمهيد» ١/ ٢ - ٥، «المجموع» ١/ ١٠٠ - ١٠١، «جامع التحصيل» ص ٣٣ - ٤٩، «أصول مذهب الإمام أحمد» ص ٣٢٧ - ٣٤٣. (٣) «الرسالة» ص ٤٦٢ - ٤٦٥. (٤) «الحاوي» ٥/ ١٥٨، والماوردي هو: الإمام العلامة، أقضى القضاة، أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب البصري، الماوردي الشافعي، صاحب التصانيف، منها: «الحاوي»، تفسير القرآن المسمى «النكت والعيون»، «أدب الدنيا والدين». انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ١٢/ ١٠٢، «طبقات المفسرين» للداودى ١/ ٤٢٣، «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ٦٤ (٢٩)، «شذرات الذهب» ٣/ ٢٨٥. وليس كما قال (١). هذا في مرسل غير الصحابي. أما مرسله -وهو روايته- ما لم يدركه أو يحضره كقول عائشة رضي الله عنها: أول ما بدئ به رسول الله - ﷺ - من الوحي الرؤيا الصالحة (٢). فالجمهور عَلَى أنه حجة، وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني (٣) فقال: إنه ليس بحجة إلا أن يقول: لا أروي إلا عن صحابي؛ لأنه قد يروي عن تابعي، والصواب الأول؛ لأن روايته غالبًا عن النبي - ﷺ -، أو عن صحابي آخر، فإذا روى عن تابعي عَلَى الندور ينبه (٤). وقد أفرد الخطيب جزءًا فيما رواه الصحابة عن التابعين، وزاد عددهم عَلَى العشرين. -------------------- (١) انظر: «الكفاية في علم الرواية» ص ٥٧١ - ٥٧٢، «المجموع» ١/ ١٠٠ - ١٠١. (٢) سيأتي برقم (٣) كتاب: بدء الوحي، باب (٣). (٣) هو الإمام العلامة الأوحد، الأستاذ أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الأصولي الشافعي، الملقب بركن الدين، أحد المجتهدين في عصره، وصاحب المصنفات الباهرة، بنيت له بنيسابور مدرسة مشهورة، توفي بنيسابور يوم عاشوراء من سنة ثماني عشرة وأربعمائة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ١/ ٢٨، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٣٥٣ (٢٢٠)، «الوافي بالوفيات» ٦/ ١٠٤، «شذرات الذهب» ٣/ ٢٠٩. (٤) انظر: «المجموع» ١/ ١٠٣، «تدريب الراوي» ١/ ٢٥٩. فصل في قواعد يكثر الحاجة إليها وهي خمس عشرة قاعدة الأولى: إِذَا روى بعض الثقات الحديث متصلًا وبعضهم مرسلًا، أو بعضهم مرفوعًا وبعضهم موقوفًا أو وصله هو أو رفعه في وقت، وأرسله أو وقفه في وقت، فالصحيح الذي عليه الفقهاء وأهل الأصول ومحققو المحدثين أنه يحكم بالوصل والرفع؛ لأنه زيادة ثقة. وصححه الخطيب. وقيل: يحكم بالإرسال والوقف، ونقله الخطيب عن أكثر المحدثين، وقيل: يؤخذ برواية الأحفظ، وقيل: الأكبر (١). القاعدة الثانية: زيادة الثقة مقبولة عند الجمهور من الطوائف، وقيل: لا يقبل، وقيل: تقبل من غير من رواه ناقصًا ولا تقبل منه للتهمة. وأما إِذَا روى العدل الضابط المتقن حديثًا انفرد به فمقبول بلا خلاف. نقل الخطيب اتفاق العلماء عليه (٢). -------------------- (١) «الكفاية» للخطيب للبغدادي ص ٥٧٨ - ٥٨٢، وانظر: «علوم الحديث» لابن الصلاح ص ٨٥ - ٨٨ النوع السادس عشر، «المقنع» ١/ ١٩١ - ٢٠٨، «تدريب الراوي» ١/ ٣١٠ - ٣١٥. (٢) المصادر السابقة. القاعدة الثالثة: إِذَا قَالَ الصحابي: أمرنا بكذا، أو: نهينا عن كذا، أو: من السنة كذا، أو: أُمِر بلال أن يشفع الأذان (١) ونحو ذَلِكَ، فكله مرفوع عَلَى الصحيح الذي عليه الجمهور من الطوائف، سواء قَالَ ذَلِكَ في حياة رسول الله - ﷺ - أو بعده، وقيل: موقوف، والصواب الأول، وهو ما نصَّ عليه أيضًا الشافعي في «الأم» (٢) حيث قَالَ في باب: ما عدد كفن الميت؟ بعد ذكر ابن عباس، والضحاك: وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي - ﷺ -، لا يقولان السنة إلا سنة رسول الله - ﷺ -. ونقل ابن داود من أصحابنا في شرحه المختصر في كتاب الجنايات في أسنان الإبل عن الشافعي أنه كان يرى في القديم أن ذَلِكَ مرفوع من الصحابي أو التابعي، ثمَّ رجع عنه؛ لأنهم قد يطلقونه ويريدون به سنة البلد. أما إِذَا قَالَ التابعي: أمرنا بكذا. فقال الغزالي: يحتمل أن يريد: أمر النبي - ﷺ - أو أمر كل الأمة فيكون حجة. ويحتمل: أمر بعض الصحابة، لكن لا يليق بالعالم أن يطلق ذَلِكَ إلا وهو يريد من يجب طاعته (٣). ---------------------- (١) سيأتي برقم (٦٠٥) كتاب: الأذان، باب: الأذان مثنى مثنى. (٢) «الأم» ١/ ٢٤٠. (٣) «المستصفى من علم الأصول» ١/ ٢٤٩. والغزالي هو الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي، صاحب التصانيف، والذكاء المفرط من مصنفاته «الإحياء»، «الأربعين»، «القسطاس»، «محك النظر»، انظر ترجمته في: «المنتظم» ٩/ ١٦٨، «وفيات الأعيان» ٤/ ٢١٦، «سير أعلام النبلاء» ١٩/ ٣٢٢ (٢٠٤)، «الوافي بالوفيات» ١/ ٢٧٤، «شذرات الذهب» ٤/ ١٠. فروع: إِذَا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي: يرفعه أو ينميه أو يبلغ به أو رواية فمرفوع بالاتفاق، وإذا قَالَ الراوي عن التابعي: يرفعه أو يبلغ به فمرفوع مرسل، وإذا قَالَ التابعي: من السنة كذا، فالصحيح أنه موقوف، وقيل: مرفوع مرسل، وإذا قَالَ الصحابي: كنا نقول أو نفعل كذا، أو كانوا يقولون أو يفعلون كذا، أو لا يرون بأسًا بكذا. إن لم يضفه إلى حياة رسول الله - ﷺ - أو عهده أو نحو ذَلِكَ فموقوف، وإن أضافه فقال: كنا أو كانوا يفعلون في حياة رسول الله - ﷺ - أو عهده أو وهو فينا أو بين أَظْهُرنا فمرفوع عَلَى الصحيح. وقيل: موقوف، وقيل: إن كان أمرًا يظهر غالبًا فمرفوع وإلا فموقوف (١). وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي (٢). وقيل: مرفوع مطلقًا وهو ظاهر كلام كثيرين من المحدثين والفقهاء. قَالَ النووي: وهو قوي فإنه ظَاهِرُهُ (٣). --------------------- (١) انظر: «الكفاية» ص ٥٨٥، باب: التابعي عن الصحابي يرفع الحديث وينميه ويبلغ به، «علوم الحديث» لابن الصلاح ص ٤٧ النوع الثامن، «المقنع» لابن الملقن ١/ ١١٦. (٢) هو الشيخ الإمام القدوة المجتهد شيخ الإسلام، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أبادي، الشيرازي الشافعي، نزيل بغداد، قيل: لقبه جمال الدين، ولد في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، من مصنفاته: «المهذب»، «التنبيه»، «اللمع في أصول الفقه»، «الملخص في أصول الفقه». انظر ترجمته في: «الأنساب» ٩/ ٣٦١، «المنتظم» ٩/ ٧، «وفيات الأعيان» ١/ ٢٩، «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ٤٥٢ (٢٣٧)، «شذرات الذهب» ٣/ ٣٤٩. (٣) «مسلم بشرح النووي» ١/ ٣٠. وأغرب بعضهم فقال: إن كان الراوي الصديق، فمرفوع؛ لأنه لا يقول: أمرنا إلا وأمره النبي - ﷺ - بخلاف غيره من الصحابة، فإنه يحتمل غيره، حكاه ابن الأثير. وأما قول التابعي: كانوا يقولون أو يفعلون. فلا يدل عَلَى قول ولا عَلَى فعل جميع الأمة، فلا حجة فيه بلا خلاف، إلا أن يصرح بنقله عن أهل الإجماع. وفي ثبوت الإجماع بخبر الواحد خلاف، ذهب الأكثرون إلى أنه لا يثبت به. القاعدة الرابعة: إِذَا خلط الثقة لاختلال ضبطه بهرم أو ذهابِ بصر ونحوه، قُبِلَ حديث من أخذ عنه قبل الاختلاط، ولا يقبل من أخذ عنه بعد الاختلاط أو شككنا في وقت أخذه، وما كان في «الصحيحين» من هذا فمحمول عَلَى أنه علم أنه أخذ قبل الاختلاط (١). القاعدة الخامسة: الإسناد المُعنعَن: وهو فلان عن فلان، قيل: إنه مرسل أو منقطع، والصحيح عند جمهور الفقهاء والأصوليين والمحدثين -وادعى جماعة الإجماع عليه- أنه متصل بشرط أن لا يكون المُعنعِن مدلسًا، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا. وفي اشتراط ثبوث اللقاء، قولان: أحدهما: يشترط، وهو مذهب علي بن المديني وأبي بكر الصيرفي الشافعي والمحققين. ---------------- (١) انظر: «علوم الحديث» لابن الصلاح ص ٣٩١ - ٣٩٨ النوع الثاني والستون. «المقنع» ٢/ ٦٦٢ - ٦٦٧، «تدريب الراوي» ٢/ ٥٣٠ - ٥٤٤. قَالَ النووي في «شرح مسلم» وغيره: وهو الأصح (١). و(ثانيهما) (٢): لا، بل يكفي الإمكان وهو مذهب مسلم بن الحجاج، وادّعى في مقدمة «صحيحه» الإجماع عليه (٣). وفي اشتراط طول صحبته له قولان وكذا في معرفته بالرواية عنه. وباشتراط هذا قَالَ أبو عمرو المقري (٤). وإذا قَال: ثنا الزهري أن ابن المسيب حدث بكذا. أو قَالَ ابن المسيب كذا ونحوه. فقال الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة (٥) والبرديجي (٦) لا يلتحق ذَلِكَ ---------------- (١) «مسلم بشرح النووي» ١/ ٣٢. (٢) في الأصل: (ثانيها). (٣) «صحيح مسلم» ١/ ٢٣ - ٢٩. (٤) هو الإمام الحافظ المجود المقرئ الحاذق، عالم الأندلس، أبو عمرو، عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي، القرطبي ثم الداني، ويعرف قديمًا بابن الصيرفي، صنف: «التيسير»، «جامع البيان»، ولد سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وتوفي يوم نصف شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة. انظر ترجمته في: «معجم الأدباء» ١٢/ ١٢٤، «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ٧٧ (٣٦)، «تذكرة الحفاظ» ٣/ ١١٢٠، «شذرات الذهب» ٣/ ٢٧٢. (٥) هو يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور، الحافظ الكبير العلامة الثقة، أبو يوسف السدوسي البصري ثم البغدادي، صاحب «المسند الكبير» العديم النظير المعلل، الذي تمَّ من مسانيده نحو من ثلاثين مجلدًا، ولو كمل لجاء في مائة مجلد، ولد في حدود الثمانين ومائة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ١٤/ ٢٨١، «سير أعلام النبلاء» ١٢/ ٤٧٦ (١٧٤)، «تذكرة الحفاظ» ٢/ ٥٧٧، «شذرات الذهب» ٢/ ١٤٦. (٦) هو الإمام الحافظ الحجة، أبو بكر، أحمد بن هارون بن روح البرديجي البرذعي، نزيل بغداد، ولد بعد الثلاثين ومائتين، أو قبلها. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ٥/ ١٩٤، «سير أعلام النبلاء» ١٤/ ١٢٢ (٦٦)، «تذكرة الحفاظ» ٢/ ٧٤٦، «الوافي بالوفيات» ٨/ ٢٢٣. بعن، بل هو منقطع حتَّى يتبين السماع (١) وقال الجمهور كما نقله عنهم ابن عبد البر: هو كعن فيحمل عَلَى السماع بالشرط السالف (٢). القاعدة السادسة: التدليس قسمان: أحدهما: أن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهمًا سماعه قائلا: قَالَ فلان أو عن فلان ونحوه، وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره صغيرًا أو ضعيفًا تحسينا للحديث. وهذا القسم مذموم جدًّا، ذمَّه الجمهور، ولا يغتر بجلالة من تعاطاه من كبار العلماء، فقد كان لبعضهم فيه عذر، وهو أن الحديث قَدْ يكون عنده عمن يعتقد عدالته وضبطه، وهو عند الناس أو أكثرهم مجروح، فهو يعتقد صحة الحديث في نفس الأمر لكون الراوي ثقة عنده والناس يرونه ضعيفًا، فلو ترك التدليس وصرح باسم شيخه جعل الناس الحديث ضعيفًا وفاتت سنة عَلَى المسلمين، فعدل إلى التدليس لهذِه المصلحة مع أنه لم يكذب. فإن قُلْت: فعلى هذا ينبغي أن يحتج بعنعنة المدلس؛ لأنه إن كان فيه محذوف فهو ثقة. قُلْتُ: عنه جوابان للنووي رحمه الله: أحدهما: أن هذا الاحتمال وإن كان ممكنًا فلسنا عَلَى قَطْع منه ولا ظَنّ. ثانيهما: أنه وإن كان ثقة عنده فلا يحتج به حتَّى يسميه؛ لأنه قد يعتقده ثقة وهو مجروح للاختلاف في أسباب الجرح، ولهذا لو قَالَ: -------------------- (١) انظر: «علوم الحديث» ص ٦٢ - ٦٣، «التقييد والإيضاح» ص ٨٤ - ٨٥، «تدريب الراوي» ١/ ٢٧٠ - ٢٧٢. (٢) «التمهيد» ١/ ٢٦. أخبرني الثقة لم يحتج به عَلَى المذهب الصحيح، ثمَّ قَالَ قوم: من عرف بهذا التدليس صار مجروحًا ولا تقبل روايته وإنْ بَيَّنَ السماع. والصحيح الذي عليه الجمهور التفصيل فيما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع كعن وقال، فمرسل، وما بينه فيه كسمعت، وثنا، وأبنأ فمقبول محتج به. وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير جدًّا كقتادة والأعمش والسفيانين وهشيم وغيرهم. وهذا الحكم جارٍ فيمن ثبت أنه دلس مرة واحدة. وما كان في الصحيحين وشبههما من الكتب المعتمدة التي التزم مصنفوها المحققون الصحيح عن المدلسين (بعن) محمول عَلَى أنه ثبت سماع ذَلِكَ المدلس ذَلِكَ الحديث من ذَلِكَ الشخص من جهة أخرى. القسم الثاني: أن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بخلاف ما يعرف به، فكراهته أخف من الأولى، وسببها توعير طريق معرفته، ورمي الوليد بن مسلم وَبقِيَّة بن الوليد بتدليس التسوية، وهو لا يختص بشيخ المدلس بل بشيخ شيخه، مثاله: أن يكون بين الأوزاعي ونافع مثلًا من ضُغف، مع أن الأوزاعي روى عن نافع فيسقط بَقِيَّةُ الضعيف، ويروي الحديث عن الأوزاعي عن نافع فتنبه لذلك (١). القاعدة السابعة: إِذَا قَالَ الصحابي لنفسه قولًا ولم يخالفه غيره ولم ينتشر، فليس هو إجماعًا، وهل هو حجة؟ فيه خلاف للعلماء وهو قولان للشافعي: الجديد الصحيح: أنه ليس بحجة، والقديم: أنه حجة، فإن قلنا: ------------------ (١) انظر: «الكفاية» ص ٥١٠، «علوم الحديث» ص ٧٣ - ٧٦، «المقنع» ١/ ١٥٤ - ١٩٤، «تدريب الراوي» ١/ ٢٧٩ - ٢٩١. حجة قدم عَلَى القياس. ولزم التابعي وغيره العمل به ولا يجوز مخالفته، وهل يخص به العموم؟ فيه وجهان، وإذا قلنا: ليس بحجة قدم القياس عليه وجاز للتابعي مخالفته (١). وأما إِذَا اختلفت الصحابة فعلى الجديد: لا يقلد بعضهم ويطلب الدليل، وعلى القديم: هما دليلان تعارضا فنرجح أحدهما بكثرة العدد، فإن استويا قدم بالأئمة، فإن كان مع أقلهما عددًا إمام دون أكثرهما فهما سواء، فإن استويا في العدد والأئمة لكن في أحدهما أحد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فهل يقدم أم يستويان؟ فيه وجهان لأصحابنا، هذا كله إِذَا لم ينتشر، فأما إِذَا انتشر فإن خولف فحكمه ما سبق، وإن لم يخالف ففيه خمسة أوجه لأصحابنا: أصحها: أنه حجة وإجماع. وثانيها: لا فيهما. واختاره الغزالي في «المستصفى» (٢). وثالثها: حجة بلا إجماع. ورابعها: إن كان حكم إمام أو حاكم فليس بحجة وإن كان فُتيا غيرهما فحجة. وخامسها: عكسه؛ لأن الحكم غالبًا يكون بعد مشورة ومباحثة وينتشر انتشارًا ظاهرًا بخلاف الفتيا (٣). ----------------------- (١) انظر: «التلخيص» لإمام الحرمين ٣/ ٩٧، ٤٥٠ - ٤٥١، «مسلم بشرح النووي» ١/ ٣١، «الإبهاج في شرح المنهاج» ٣/ ١٩٢، «التمهيد» للإسنوي ص ٤٩٩ - ٥٠٠. (٢) «المستصفى» ١/ ٤٠٠. (٣) انظر: «التلخيص» ٣/ ٤٥١ - ٤٥٦، «المستصفى» ١/ ٤٠٠ - ٤٠٤، «مسلم بشرح النووي» ١/ ٣١، «التمهيد» للإسنوى ص ٤٩٩ - ٥٠٠. ولو قَالَ التابعي قولًا ولم ينتشر وخولف فليس بحجة قطعًا، فإن لم يخالف فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه كالصحابي، فيكون عَلَى الأوجه الخمسة، وقيل: لا يكون هذا حجة. قَالَ ابن الصباغ: والصحيح أنه إجماع. قَالَ النووي: وهو كما صحح؛ لأن التابعي في هذا كالصحابي من حيث أنه انتشر وبلغ الباقين ولم يخالفوا فكانوا مجمعين، وإجماع التابعين كإجماع الصحابة (١)، وقال في «شرح مسلم»: ما صححه صاحب «الشامل» هو الأفقه، فلا فرق في هذا بين الصحابي والتابعي (٢). القاعدة الثامنة: إِذَا أراد رواية الحديث بالمعنى فإن لم يكن خبيرًا بالألفاظ ومقاصدها عالمًا بما تختلف به دلالتها، لم يجز له الرواية بالمعنى بلا خلاف، بل عليه أداء اللفظ الذي سمعه فإن كان عالمًا بذلك فأقوال: أحدها: أنه لا يجوز أيضًا، قاله طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول. ثانيها: يجوز في غير حديث النبي - ﷺ - دون حديثه. ثالثها: يجوز في الجميع إِذَا قطع بأنه أدى المعنى، قاله الجمهور من الطوائف، وهو الصواب الذي تقتضيه أحوال الصحابة فمن بعدهم في نقلهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة، وهذا الخلاف في غير المصنفات، أما فيها: فلا يجوز تغييرها. وإن كان بالمعنى فإن من ---------------------- (١) «المجموع» ١/ ٩٨. (٢) «شرح مسلم للنووي» ١/ ٣١. رخص ثَمَّ؛ إنما رخص لما في الجمود عَلَى الألفاظ من الحرج وهو منتفٍ فيها (١). فرع: لو كان في أصل الرواية أو الكتاب لفظة وقعت غلطًا، فالصواب الذي عليه الجمهور أنه لا يغيره في الكتاب، بل يرويه عَلَى الصواب، وينبه عليه عَلَى حاشية الكتاب. وعند الرواية فيقول: كذا وقع والصواب كذا. وأحسن الإصلاح أن يكون ما جاء في رواية. وعن الشيخ عزالدين بن عبد السلام أنه لا يجوز روايته بواحد منهما، أما الصواب؛ فلأنه لم يسمعه من الشيخ كذلك، وأما الخطأ؛ فلأنه - ﷺ - لم يقله (٢). القاعدة التاسعة: إِذَا كان في سماعه عن رسول الله - ﷺ - فأراد أن يرويه ويقول عن النبي - ﷺ - أو عكسه، فالصحيح جوازه؛ لأنه لا يختلف به هنا معنى (٣). القاعدة العاشرة: ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه أو صفته عَلَى ما سمع من شيخه؛ لأنه يكون كاذبًا عَلَى شيخه، إلا أن يميز فيقول: حَدَّثَنِي فلان: قَالَ: ثنا فلان هو: ابن فلان أو يعني: ابن فلان. أو هو: الفلاني. وما أشبه هذا، فهذا جائز حسن قَدْ استعمله الأئمة، وهذا مما ينبغي أن يحفظ فهو كثير الاستعمال، وقد استعمل في «الصحيح» من هذا أشياء لا تنحصر وستمر بك إن شاء الله. -------------- (١) انظر: «الكفاية» ص ٣٢٨، «علوم الحديث» ص ٢١٣، «المقنع» ١/ ٣٧٢. (٢) انظر: «علوم الحديث» ص ٢٢٥، «المقنع» ١/ ٣٨٤. (٣) قلت: وممن اختار جوازه: حماد بن سلمة، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر الخطيب، وقال أبو عمرو بن الصلاح: لا يجوز، انظر: «مسلم بشرح النووي» ١/ ٣٨. ![]()
__________________
|
|
#22
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 101 الى صـــ 125 الحلقة (22) القاعدة الحادية عشر: إِذَا قدم بعض المتن عَلَى بعض، فإن اختلفت الدلالة به لم يجز وإلا جاز عَلَى الصحيح؛ بناءً عَلَى جواز الرواية بالمعنى، ولو قدم المتن عَلَى الإسناد أو بعض الإسناد مع المتن، ثمَّ ذكر باقي الإسناد حتَّى اتصل بما بدأ به جاز وهو سماع متصل. فلو أراد من سمع هكذا أن يقدم جميع الإسناد فالصحيح جوازه، ومنعه بعضهم (١). القاعدة الثانية عشر: اختصار الحديث والاقتصار عَلَى بعضه، الصحيح جوازه إِذَا كان ما فصله غير مرتبط الدلالة بالباقي، بحيث لا تختلف الدلالة، مفصلة كالحديثين المستقلين. ومنعه إن لم يكن كذلك. وأما تقطيع المصنف الحديث وتفريقه في أبواب فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد، وقد فعله مالك والبخاري وغير واحد من أئمة الحديث. القاعدة الثالثة عشر: معرفة الصحابي والتابعي وبها يعرف الاتصال والإرسال، فالصحابي: كل مسلم (رأى) (٢) النبي - ﷺ - ولو ساعة وإن لم يصحبه. هذا هو الصحيح في حده كما أوضحته في «المقنع في علوم الحديث» (٣) من ستة أقوال فيه، والتابعي: من (رأى) (٤) الصحابي عَلَى الأصح (٥). ------------- (١) انظر: «الكفاية» ص ٢٧١. (٢) في الأصل: رآه، والصواب ما أثبتناه. (٣) «المقنع» ٢/ ٤٩٠ - ٥٠٥. (٤) في الأصل: رآه، والصواب ما أثبتناه. (٥) انظر: «علوم الحديث» ص ٢٩١ - ٣٠٦، «تدريب الراوي» ٢/ ٢٩٨ - ٣٤٩. القاعدة الرابعة عشر: جرت العادة بحذف قَالَ ونحوه من رجال الإسناد خطًّا، ولابد للقارئ أن يتلفظ بها وإذا كان فيه: قرئ عَلَى فلان قَالَ: أخبرك فلان أو قرئ عَلَى فلان ثنا فلان، فليقل القارئ في الأول قيل له: أخبرك فلان وفي الثاني قَالَ: ثنا فلان، وإذا تكررت كلمة (قَالَ) كقوله في «صحيح البخاري»: (ثنا صالح قَالَ: قَالَ الشعبي) فإنهم يحذفون أحدهما خطًّّا، وعلى القارئ أن يتلفظ بها، فإن لم يتلفظ بـ (قال) في هذا كله فقد أخطأ، والظاهر صحة السماع للعلم بالمحفوظ، ويكون هذا من الحذف لدلالة الحال عليه (١). القاعدة الخامسة عشر: جرت العادة بالاقتصار عَلَى الرمز في حَدَّثَنَا وأخبرنا، واستمر الاصطلاح عليه من قديم الأعصار وهَلُمَّ جرَّا، بحيث لا يخفى فيكتبون من حَدَّثنَا (ثنا) وهو الثاء والنون والألف، وربما حذفوا الثاء. ويكتبون من أخبرنا (أنا)، ولا يحسن زيادة الباء قبل النون، وإن فعله البيهقي وغيره، وقد يزاد في علامة (ثنا) دال في أوله، و(أثنا) ثاء بعد الألف، ووجدت الدال في خط الحاكم والبيهقي. وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد (ح) مهملة والمختار أنها مأخوذة من التحول لتحوله من إسناد إلى إسناد، وأنه يقول القارئ إِذَا انتهى إليها: ح، ويستمر في قراءة ما بعدها، وهذِه الحاء كثيرة في «صحيح مسلم» قليلة في «صحيح البخاري» فتنبه لحكمها. ---------------- (١) انظر: «مسلم بشرح النووي» ١/ ٣٦. فصل مهم فى ضبط جمله من الأسماء المتكرره فيه وفي «صحيح مسلم» المشتبهة فمن ذَلِكَ (أُبَيّ) كله بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء المثناة تحت، إلا آبي اللحم فإنه بهمزة ممدودة مفتوحة، ثمَّ باء مكسورة ثمَّ ياء مثناة تحت مخففة؛ لأنه كان لا يأكله، وقيل: لا يأكل ما ذبح للصنم (١). (البراء) كله بتخفيف الراء إلا أبا معشر البراء، وأبا العالية البراء فبالتشديد وكله ممدود، وقيل: إن المخفف يجوز قصره، حكاه النووي (٢). والبراء هو الذي يبري العود. (يزيد) كله بالمثناة تحت والزاي إلا ثلاثة: بُرَيْد بن عبد الله بن أبي بردة يروي غالبًا عن أبي بُردة بضم الباء الموحدة وبالراء. والثاني: محمد بن عرعرة بن البِرِند بموحدة وراء مكسورتين، وقيل بفتحهما ثمَّ نون. والثالث: علي بن هاشم بن البِرِيد بموحدة مفتوحة ثمَّ راء مكسورة ثمَّ مثناة تحت --------------- (١) انظر: «مسلم بشرح النووي» ١/ ٣٩. (٢) «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي ١/ ١٣٢. (يسار) كله بمثناة تحت ثم مهملة، إلا محمد بن بشار شيخهما فبموحدة ثمَّ معجمة، وفيهما سيار بن سلامة، وسيار بن أبي سيار بمهملة ثمَّ بمثناة. (بشر) كله بموحدة ثمَّ شين معجمة، إلا أربعة فبالضم ثمَّ مهملة: عبد الله بن بسر الصحابي، وبسر بن سعيد، وبسر بن عبيد الله الحضرمي، وبسر بن محجن، وقيل: هذا بالمعجمة كالأول. (بشير) كله بفتح الموحدة وكسر المعجمة إلا اثنين فبالضم وفتح الشين وهما: بُشَير بن كعب، وبُشَير بن يسار، وإلا ثالثا فبضم المثناة وفتح المهملة وهو: يُسَير بن عمرو، ويقال: أسير، ورابعًا: فبضم النون وفتح المهملة قطن بن نسير. (حارثة) كله بالحاء المهملة والمثلثة، إلا: جارية بن قدامة، ويزيد ابن جارية فبالجيم والمثناة، قلت: كذا اقتصر عليهما ابن الصلاح. وأهمل عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة والأسود بن العلاء بن جارية ذكرهما الجياني، وقَالَ: الأول حديثه مخرّج في «الصحيحين»، الثاني في مسلم (١). (جرير) كله بالجيم وراء مكررة، إلا حريز بن عثمان، وأبا حريز عبد الله بن الحسين الراوي عن عكرمة فبالحاء والزاي آخرا، ويقاربه حدير بالحاء والدال: والد عمران ووالد زياد وزيد (حازم) كله بالحاء المهملة، إلا أبا معاوية محمد بن خازم فبالمعجمة، كذا اقتصر عليه ابن الصلاح وتبعه النووي (٢)، وأهملا ----------------- (١) «تقييدالمهمل» ١/ ١٦٩. (٢) «مسلم بشرح النووي» ١/ ٤٠. بشير بن أبي خازم الإمام الواسطي أخرجا له، ومحمد بن بشير العبدي كنَّياه أبا حازم بالمهملة. قَالَ أبو علي الجياني: والمحفوظ أنه بالمعجمة، كذا كناه أبو أسامة في روايته عنه، قاله الدارقطني (١). (حبيب) كله بفتح المهملة إلا خبيب بن عديّ، وخبيب بن عبد الرحمن، و(خبيبا) (٢) غير منسوب عن حفص بن عاصم، وخبيبا كنية ابن الزبير فبضم المعجمة. (حيان) كله بالفتح والمثناة، إلا حَبان بن منقذ والد واسعبن حبان وجدّ محمد بن يحيى بن حَبان وجدّ حَبان بن واسع بن حَبان، وإلا حَبان ابن هلال منسوبًا وغير منسوب عن شعبة ووهيب وهمام وغيرهم فبالموحدة وفتح الحاء، وإلا حبان بن العرقة وحبان بن عطية وحبان ابن موسى منسوبًا وغير منسوب عن عبد الله -هو: ابن المبارك- فبكسر الحاء وبالموحدة. قلت: وكذا أحمد بن سنان بن أسد بن حبان، روى لَهُ البخاري في الحج، ومسلم في الفضائل، كما نبه عليه الجياني (٣)، وأغفله ابن الصلاح ثم النووي. (خراش) كله بالخاء المعجمة، إلا والد ربعي فبالمهملة. (حزام) بالزاي في قريش وبالراء في الأنصار، كذا اقتصر عليه -أعني: ابن الصلاح والنووي (٤) - وفي «المختلف والمؤتلف» لابن ----------------- (١) «المؤتلف والمختلف» ٢/ ٦٥٦، «تقييد المهمل» ١/ ٢٠٥. (٢) في الأصل: (هو خبيب)، والمعنى لا يستقيم، وما أثبتناه هو الصواب إن شاء الله كما في «مسلم بشرح النووي» ١/ ٤٠. (٣) «تقييد المهمل» ١/ ٢٠٠ - ٢٠١. (٤) «مسلم بشرح النووي» ١/ ٤٠. حبيب في جذام: حرام بن جذام، وفي تميم بن مُرّ: حرام بن كعب، وفي خزاعة: حرام بن حبشية وفي عذرة حرام بن رضنّة (١). وأما حزام بالزاي فجماعة في غير قريش منهم: حزام بن هشام الخزاعي، وحزام بن ربيعة شاعر، وعروة بن حزام الشاعر العدوي. (حُصَين) كله بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، إلا أبا حَصِين عثمان بن عاصم فبالفتح وكسر الصاد، وإلا أبا ساسان حضين بن المنذر فبالضم وضاد معجمة. (حَكِيم) كله بفتح الحاء وكسر الكاف إلا حُكَيم بن عبد الله، ورزيق ابن حُكَيم فبالضم وفتح الكاف. (رباح) كله بالموحدة إلا زياد بن رياح عن أبي هريرة في أشراط الساعة فبالمثناة عند الأكثرين. وقال البخاري: بالوجهين، بالمثناة وبالموحدة. قُلْتُ: وفيهما أيضًا عَلَى ما ذكره أبو علي الجياني محمد بن أبي بكر ابن عوف بن رياح الثقفي سمع أنسًا وعنه مالك رويا له، ورياح بن عَبِيدة من ولد عمر بن عبد الوهاب الرياحي روى لَهُ مسلم، ورياح في نسب عمر بن الخطاب، وقيل: بالموحدة (٢). (زُبيد) بضم الزاي: هو ابن الحارث ليس فيهما غيره. وأما زُييد بن الصلت فبعد الزاي ياء مثناة مكررة وهو في «الموطأ» (٣). (الزُبير) بضم الزاي، إلا عبد الرحمن بن الزَبير -الذي تزوج امرأة ------------ (١) ذكره الدارقطني في «المؤتلف والمختلف» ٢/ ٥٧٤. (٢) «تقييد المهمل» ١/ ٢٦٢. (٣) كما في ص ٥١، ٥٥ من رواية يحيى. (عَبْدة) كله بإسكان الباء إلا عامر بن عبدة وبَجَالة بن عبدة ففيهما الفتح والإسكان، والفتح أشهر. وعند بعض رواة مسلم عامر بن عبد بلا هاء ولا يصح. (عُبيد) كله بضم العين. (عُبيدة) كله بالضم، إلا السلماني، وابن سفيان، وابن حميد، وعامر بن عَبيدة فبالفتح. قلت: وإلا عامر بن عَبيدة قاضي البصرة، ذكره البخاري في كتاب الأحكام كما نبه عليه الجياني (١) وأهمله ابن الصلاح ثم النووي. (عَقيل) كله بالفتح، إلا عُقيل بن خالد الأيلي، ويأتي كثيرًا عن الزهري غير منسوب، وإلا يحيى بن عُقيل، وبني عُقيل للقبيلة فبالضم. (عُمارة) كله بضم العين. (واقد) كله بالقاف. (يَسرة) بفتح المثناة تحت المهملة واحد، وهو يسرة بن صفوان شيخ البخاري، وأما بسرة بنت صفوان فليست في الصحيحين. الأنساب: (الأَيَلي) كله بفتح الهمزة والمثناة، ولا يرد شيبان بن فروخ الأُبلي بضم الهمزة والموحدة شيخ مسلم، لأنه لم يقع في «صحيح مسلم» منسوبًا، قلت: والأيلي نسبة إلى أيلة: قرية من قرى مصر (٢)، والأبلي بالباء نسبة إلى قرية من قرى البصرة (٣). ------------------- (١) «تقييد المهمل» ٢/ ٣٤٣. (٢) انظر: «معجم ما استعجم» ١/ ٩٨. (٣) انظر: «معجم ما استعجم» ١/ ٢١٦. (البصري) كله بالموحدة مفتوحة ومكسورة نسبة إلى البصرة مثلثة الباء، إلا مالك بن أوس بن الحدثان النصري، وعبد الواحد النصري، وسالمًا مولى النصريين فبالنون. (البزاز) بزايين محمد بن الصباح وغيره، إلا خلف بن هشام البزار، والحسن بن الصباح فآخرهما راء. قلت: وإلا يحيى بن محمد بن السكن بن حبيب، وبشر بن ثابت فبالراء أيضا، والأول حدّث عنه البخاري في صدقة الفطر والدعوات، والثانى استشهد به فى صلاة الجمعة نبه على ذلك الجياني (١)، وأهمله ابن الصلاح، ثم النووي. (الثوري) كله بالمثلثة، إلا أبا يعلى محمد بن الصلت التوزي فبالمثناة فوق وتشديد الواو المفتوحة وبالزاي، ذكره البخاري في كتاب الردة (٢). (الجُرَيري) بضم الجيم وفتح الراء، إلا يحيى بن بشر الحريري -شيخهما عَلَى ما ذكره ابن الصلاح، ولم يعلِّم له المزي إلا علامة مسلم فقط- فبالحاء المفتوحة (٣)، وعدّ ابن الصلاح من الأول ثلاثة، ثمَّ قَالَ: وهذا ما فيهما بالجيم المضمومة، وأهمل رابعًا وهو عباس بن فروخ روى لَهُ مسلم في الاستسقاء، وخامسًا وهو أبان بن تغلب روى لَهُ مسلم أيضًا (٤). ------------- (١) «تقييد المهمل» ١/ ١٢٨ - ١٢٩. (٢) سيأتي برقم (٦٨٠٣) كتاب: الحدود، باب: لم يحسم النبي - ﷺ - المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا. (٣) «تهذيب الكمال» ٣١/ ٢٤٢ - ٢٤٣ (٦٧٩٤). (٤) مسلم (٩١) كتاب: الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه. (الحارثي) كله بالحاء والمثلثة، ويقاربه سعد الجاريُّ بالجيم وبعد الراء ياء مشددة نسبة إلى الجار مرفأ السفن ساحل المدينة (١). (الحزامي) كله بالحاء والزاي، وقوله في «صحيح مسلم» في حديث أبي اليسر: كان لي عَلَى فلان الحرامي (٢)، قيل: بالزاي وبالراء، وقيل: الجذامي بالجيم والذال المعجمة. والحرامي بالحاء والراء المهملتين في الصحيحين جماعة منهم جابر ابن عبد الله. (السلمي) في الأنصار بفتح اللام وحكي كسرها وفي بني سليم بضمها وفتح اللام. (الهمْداني) كله بإسكان الميم ودال مهملة. كذا اقتصر عليه ابن الصلاح، ثم النووي، وقَالَ الجياني: أبو أحمد المرار بن حمويه الهمذاني -بفتح الميم وذال معجمة- يقال: إن البخاري حدّث عنه في الشروط (٣) فهذِه ألفاظ وجيزه نافعة جدًّا في المؤتلف والمختلف. وأما المفردات فلا تنحصر، وستمر بك -إن شاء الله تعالى- واضحة محققة. ------------------- (١) انظر: «معجم ما استعجم» ١/ ٣٥٥. (٢) مسلم (٣٠٠٦) كتاب: الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر. (٣) «تقييد المهمل» ٢/ ٤٨٨. فصل عن أبي علي سعيد بن عثمان بن السكن البصري: كل ما في البخاري أنا محمد، أنا عبد الله فهو ابن مقاتل المروزي عن ابن المبارك، وما كان أنا محمد عن أهل العراق كأبي معاوية وعبدة ويزيد بن هارون والفزاري فهو ابن سلام البيكندي، وما كان فيه عبد الله غير منسوب فهو عبد الله بن محمد الجعفي المسندي مولى محمد بن إسماعيل البخاري، وما كان أنا يحيى غير منسوب فهو ابن موسى البلخي وإسحاق غير منسوب فهو ابن راهويه. وهذا أخر ما يسره الله تعالى من هذِه الفصول، ونشرع الآن في المهم المقصود أعان الله على إكماله، ونفع به وهو حسبي ونعم الوكيل (١). -------------- (١) آخر الجزء الأول من تجزئة المصنف. ١ كتاب بدء الوحى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١ - كتاب بدء الوحى ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١] قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله: ١ - باب (١) كيف كان بدء الوحى إِلَى رَسُولِ اللِّه - ﷺ - وَقَوْلُ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)﴾ [النساء: ١٦٢] الكلام على هذِه الترجمة من وجوه: أحدها: قوله: (باب) يجوز رفعه بلا تنوين على الإضافة، وهو خبر مبتدأ ------------------ (١) ورد بهامش (ف): بلغ ثانيًا له مؤلفه. محذوف، أي: هذا باب، ويجوز تنوينه، وهما جاريان في نظائره أيضًا، ووقع في بعض نسخ البخاري بغير ذكر باب (١) وهي سماع أبي العز الحراني. ثانيها: (بَدْءُ) يجوز فيه الهمز من الابتداء، وتركه من الظهور مع سكون الدال، والأول أرجح، وقال القاضي عياض: بدأ (٢) بالهمز مع سكون الدال من الابتداء وبغير همز مع ضم الدال، وتشديد الواو من الظهور (٣). قال أهل اللغة: بدأت الشيء بداءً: ابتدأت به، وبدا الشيء -بلا همز- بدوًّا -بتشديد الواو- كقعد قعودًا، أي: ظهر. فالمعنى على الأول: كيف كان ابتداؤه، وعلى الثاني: كيف كان ظهوره. قال بعضهم فيما حكاه القاضي: الهمز أحسن؛ لأنه يجمع المعنيين، والأحاديث المذكورة في الباب تدل عليه؛ لأنه بيَّن فيه كيف يأتيه المَلَكُ ويظهر له، وكيف كان ابتداء أمره أول ما ابتدئ به (٤). وقيل: الظهور أحسن؛ لأنه أعم. ثالثها: قوله: (وَقَوْلُ اللهِ) هو مجرور ومرفوع معطوف على (كيف) قاله النووي في «تلخيصه»، وعبارة القاضي: يجوز الرفع على الابتداء، والكسر عطفًا على (كيف) وهي في موضع خفض، كأنه قال: باب ---------------- (١) كما في نسختي ابن عساكر وأبي الوقت، انظر: «صحيح البخاري» ١/ ٦ الطبعة السلطانية. (٢) في (ف): دوي، والصواب ما أثبتناه كما في «مشارق الأنوار» ١/ ٧٩ - ٨٠. (٣) «مشارق الأنوار» ١/ ٨٠. (٤) «مشارق الأنوار» ١/ ٨٠. كيف كذا، وباب معنى قول الله، أو الحجة بقول الله، قال: ولا يصح أن يحمل على الكيفية لقول الله تعالى، إذ لا يكيف كلام الله. رابعها: الوحي أصله الإعلام في خفاءٍ وسرعة ومنه: الوحاء الوحاء (١) وهي في عرف الشرع إعلام الله تعالى أنبياءه ما شاء من أحكامه، فكل ما دلت عليه من كتاب أو رسالة أو إشارة بشيء فهو وحي، ومن الوحي الرؤيا والإلهام، وأوحى أفصح من وحى، وبه جاء القرآن، والثانية أسدية كما قاله الفرَّاء، وقال القزاز في «جامعه»: هو من الله إلهام، ومن الناس إشارة، وستعرف في أول الحديث الثاني إن شاء الله تعالى أقسامه. والوحي بمعنى الأمر في قوله تعالى ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ﴾ [المائدة: ١١١]، وبمعنى الإلهام في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ [القصص: ٧]، وبمعنى التسخير في قوله: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨]، وبمعنى الإشارة في قوله: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١]. خامسها: قال أبو إسحاق الزجاج وغيره: هذِه الآية جواب لما تقدم من قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] الآية، فأَعْلم الله تعالى أن أمره كأمر النبيين من قبله يوحى إليه كما يوحى إليهم، وقيل: المعنى: أوحى الله تعالى إلى محمد - ﷺ - وحي رسالة كما أوحى إلى الأنبياء، لا وحي إلهام. ------------- (١) الوحاء: السرعة، ووَحَى يحي وَحاء إذا أسرع وعجل، والوحاء الوحاء: الإسراع. انظر: «الفائق» ٢/ ٢٩٩، «الصحاح» ٦/ ٢٥٢٠، «تاج العروس» ١/ ٨٦٤١ مادة: (وحى). سادسها: ذكر البخاري رحمه الله هذِه الآية في أول كتابه تبركًا ولمناسبتها لما ترجم له، وقد أسلفنا فيما مضى أنه يستدل للترجمة بما وقع له من قرآن وسنة مسندة وغيرهما، وأراد أن الوحى سنة الله تعالى في أنبيائه. سابعها: بدأ البخاري رحمه الله بالوحي، ومالك في «الموطأ» بوقوت الصلاة، ومنهم من بدأ بالإيمان، ومنهم من بدأ بالوضوء، ومنهم من بدأ بالطهارة، ومنهم من بدأ بالاستنجاء، ولكلٍّ وجه، والله الموفق. ثامنها: (نوح) أعجمي، والمشهور صرفه، ويجوز تركه. ١ - حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بْنُ سَعِيدِ الأنصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصِ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - عَلَى الِمنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». [٥٤، ٢٥٢٩، ٣٨٩٨، ٥٠٧٠، ٦٦٨٩، ٦٩٥٣ مسلم ١٩٠٧ - فتح ١/ ٩]. قال البخاري رحمه الله: ثَنَا الحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِى، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - عَلَى المِنْبَرِ يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». هذا حديث حفيل جليل، وقبل الخوض في الكلام عليه ننبه على خمسة أمور مهمة: أولها: وجه تعلق هذا الحديث بالآية أن الله تعالى أوحى إلى نبينا وإلى جميع الأنبياء أن الأعمال بالنيات، والحجة لَهُ قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥]، وقوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الشورى: ١٣]، والإخلاص: النية، قَالَ أبو العالية: وصاهم بالإخلاص في عبادته. وقال مجاهد: أوصيناك به والأنبياء دينًا واحدًا (١)، والمعنى: شرع لكم من الدين دينَ نوح ومحمد ومَن بينهما من الأنبياء، ثمَّ فسر المشروع المشترك بينهم، فقال: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣]. ثانيها: إن قُلْتَ: ما وجه تعلق هذا الحديث أيضًا بالترجمة والتبويب؟ قُلْتُ: عنه أوجه: أحدها: أنه -عليه السلام- خطب بهذا الحديث لما قدم المدينة حين وصل إلى دار الهجرة، وذلك كان بدء ظهوره ونصره واستعلائه (٢)، فالأول: مبدأ ------------------- (١) رواه الطبري ١١/ ١٣٤ - ١٣٥ (٣٠٦٣٣). (٢) قال الحافظ في «الفتح» ١/ ١٠: وهذا وجه حسن إلا إنني لم أر ما ذكره من كونه - ﷺ - خطب به -أول ما هاجر- منقولا، وقد وقع في باب ترك الحيل بلفظ: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: «يا أيها الناس، إنما الأعمال بالنية» الحديث، ففي هذا إيماء إلى أنه كان في حال الخطبة، أما كونه كان في ابتداء قدومه إلى المدينة فلم أر ما يدل عليه، ولعل قائله استند إلى ما روي في قصة مهاجر أم قيس، قال ابن دقيق العيد: نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ماينوى به، انتهى. وهذا لو صح لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبوية، وقصة مهاجر أم قيس = النبوة والرسالة والاصطفاء وهو قوله: باب بدء الوحي، والثاني: بدء النصر والظهور، ويؤيده أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة، فشكوا إلى النبي - ﷺ -، وسألوه أن يغتالوا مَنْ مكَّنَهُم منهم ويغدروا به، فنزلت: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ (١) [الحج: ٣٨]، فنهوا عن ذَلِكَ، وأمروا بالصبر إلى أن هاجر النبي - ﷺ - فنزلت ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] الآية فأباح الله قتالهم، فكان إباحة القتال مع الهجرة التي هي سبب النصر والغلبة وظهور الإسلام. ثانيها: أنه لما كان الحديث مشتملًا عَلَى الهجرة وكانت مقدمة النبوة في حقه - ﷺ - هجرته إلى الله تعالى، وإلى الخلو بمناجاته في غار حراء، فهجرته إليه كانت ابتداء فضله باصطفائه ونزول الوحي إليه مع التأييد الإلهي والتوفيق الرباني. ثالثها: أنه إنما أتى به عَلَى قصد الخطبة والترجمة للكتاب -كما سيأتي-. فإن قُلْتَ: لِمَ لَمْ يبتدئ في أول «صحيحه» بالحمد، وهو أمر مُهم، ------------- = رواها سعيد بن منصور قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس، ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها، فكنا نسميه مهاجر أم قيس. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك. اهـ. (١) قراءة متواترة قرأ بها أبو عمرو ويعقوب وابن كثير. انظر: «حجة القراءات» ص ٤٧٧، و«الكوكب الدري» ص ٤٩٩. لَهُ بال عظيم، وقد صحَّ من حديث أبي هريرة لكنه - رضي الله عنه - عبد الله أو عبد الرحمن بن صخر أمير المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- أن رسول الله - ﷺ - قَالَ: «كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» رواه أبو داود والنسائي في «سننهما» (١)، كذلك وابن ماجه في «سننه» بلفظ: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع» (٢). ورواه الحافظ عبد القادر الرهاوي (٣) فى «أربعينه» بلفظ: «بذكر الله وببسم الله الرحمن الرحيم» (٤). ------------- (١) أبو داود (٤٨٤٠)، والنسائي في «الكبرى» ٦/ ١٢٧ - ١٢٨ (١٠٣٢٨)، من طريق الوليد عن الأوزاعي، عن قرة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا به، لكن في النسائي بلفظ: أقطع. (٢) ابن ماجه (١٨٩٤) من طريق عبيد الله بن موسى، عن الأوزاعي، عن قرة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا به. ومن هذا الطريق رواه أيضًا ابن الأعرابي في «معجمه» (٣٦٢)، والبيهقي في «الدعوات الكبير» (١) بزيادة: «فهو». أي: فهو أقطع. (٣) هو الإمام أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي الحنبلي، ولد سنة ٥٣٦ هـ بالرها، ونشأ بالموصل، وتوفي سنة ٦١٢ هـ. قال الذهبي: عمل «الأربعين المتباينة الإسناد والبلدان» فدل على حفظه ونبله، وله فيها أوهام. انظر في ترجمته: «معجم البلدان» ٣/ ١٠٦، «البداية والنهاية» ١٣/ ٨٢، «سير أعلام النبلاء»، ٢٢/ ٧١ - ٧٥، «تاريخ الإسلام» ٤٤/ ١٠٨ - ١١٠. (٤) رواه من طريقه السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» ١/ ١٢ ولفظه: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» وفيه أحمد بن محمد بن عمران، قال الخطيب: كان يضعف في روايته، ويطعن عليه في مذهبه، وسئل الأزهري عنه فقال: ليس بشيء. اهـ. وقال العتيقي: كان يرمى بالتشيع، وكانت له أصول حسان. اهـ. وقال الذهبي: شيعي. انظر: «تاريخ بغداد» ٥/ ٧٧، «سير أعلام النبلاء» ١٦/ ٥٥٦، «ميزان الاعتدال» ١/ ١٤٧. والحديث ضعفه الألباني في «إرواء الغليل» ١/ ٢٩ (١). ورواه أبو عوانة وأبو حاتم ابن حبان في صحيحيهما (١). قَالَ ابن الصلاح: ورجاله رجال الصحيحين سوى قرة بن الرحمن، فإنه ممن انفرد مسلم عن البخاري بالتخريج له (٢). قَالَ: حديث حسن (٣). قُلْتُ: بل صحيح كما أسلفناه عن ذينك الإمامين (٤)، وقد تابع سعيدُ ------------ (١) أبو عوانة كما في «الإتحاف» ١٦/ ٧٢ (٢٠٤٠٤)، وابن حبان (١) من طريق عبد الحميد بن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن قرة به، بلفظ: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع». قلت: ورواه أيضًا الخليلي في «الإرشاد» ١/ ٤٤٨ (١١٨) بسنده ومتنه، وأحمد ٢/ ٢٥٩ من طريق ابن المبارك عن الأوزاعي عن قرة به، بلفظ: «كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله، فهو أبتر» أو قال: «أقطع». والدارقطني ١/ ٢٢٩ من طريق موسى بن أعين عن الأوزاعي، عن قرة به، بلفظ: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله أقطع»، والبيهقي ٣/ ٢٠٨ - ٢٠٩ من طريق أبي المغيرة، عن الأوزاعي عن قرة به، بلفظ: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع». والحديث مداره على قرة بن عبد الرحمن، وهو متكلم فيه، قال أحمد: منكر الحديث جدًّا، وقال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال أبو زرعة: الأحاديث التي يرويها مناكير. وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بقوي. انظر: «الجرح والتعديل» ٧/ ١٣١ - ١٣٢ (٧٥١)، «تهذيب الكمال» ٢٣/ ٥٨١ - ٥٨٣. وفيه علة أخرى وهي اضطرابه في متن الحديث، قال الألباني: فهو تارة يقول: «أقطع»، وتارة: «أبتر»، وتارة: «أجذم»، وتارة: يذكر الحمد، وأخرى يقول: «بذكر الله». اهـ. ومن ثمَّ فقد حكم عليه بالضعف. «إرواء الغليل» ١/ ٣١ - ٣٢. (٢) قال تاج الدين السبكي في «طبقاته» ١/ ٩: وأنا أقول: لم يخرج له مسلم إلا في الشواهد مقرونًا بغيره، وليس لها حكم الأصول. اهـ. (٣) وممن حكم عليه أيضًا بالحسن النووي في «شرح مسلم» ١/ ١٤٣، والمصنف في «البدر المنير» ٧/ ٥٢٨، والعجلوني في «كشف الخفاء» ٢/ ١١٩ (١٩٦٤). (٤) وممن حكم بصحة هذا الحديث مع الكلام على طرقه وألفاظه ومحاولة التوفيق بينها مستفيضًا تاج الدين السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» ١/ ٥ - ٢٤. ابنُ عبد العزيز قرةَ، كما أخرجه النسائي (١) فلم ينفرد به إذًا، فلا يلتفت إلى تضعيف ابن الصباغ (٢) -من أصحابنا- في «شامله» ولا إلى القاضي الحسين (٣)؛ حيث نقل ذَلِكَ عن الأصحاب، ولا إلى كونه روي مرة ---------------------- (١) «السنن الكبرى» ٦/ ١٢٧ (١٠٣٢٩) مرفوعًا، وقال النووي في «شرح مسلم» ١/ ٤٣: إسنادها جيد. اهـ. قلت: وتابعه أيضًا يونس بن يزيد كما رواه الخليلي في «الإرشاد» ١/ ٤٤٩ من طريق إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: «كل أمر لم يُبْدأ فيه بحمد الله، والصلاة على فهو أقطع، أبتر، ممحوق من كل بركه». قال الخليلي: إسماعيل بن أبي زياد شيخ ضعيف. اهـ، وقال أيضًا: ولا يعتمد على رواية إسماعيل عن يونس. اهـ. وقال الرهاوي كما في «فيض القدير» ٥/ ١٩: غريب، تفرد بذكر الصلاة فيه إسماعيل بن أبي زياد وهو ضعيف جدًّا لا يعتبر بروايته ولا بزيادته. اهـ. وقال السبكي في «طبقاته» ١/ ٤: حديث غير ثابت. اهـ. (٢) الإمام، العلامة، شيخ الشافعية، أبو نصر، عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر البغدادي الفقيه المعروف بابن الصباغ، مصنف كتاب «الشامل» وكتاب «الكامل» وكتاب «تذكرة العالم والطريق السالم»، ولد سنة ٤٠٠ هـ، قال ابن خلكان كان تقيًّا صالحًا. توفي ٤٧٧ هـ. انظر ترجمته في: «المنتظم» ٩/ ١٢ - ١٣، «الكامل» ٣/ ١٤١، «تهذيب الأسماء واللغات» ٢/ ٢٩٩ (٥٧٠)، «وفيات الأعيان» ٣/ ٢١٧، ٢١٨ (٣٩٩)، «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ٤٦٤، ٤٦٥ (٢٣٨)، «شذرات الذهب» ٣/ ٣٥٥. (٣) القاضي حسين بن محمد بن أحمد، العلامة شيخ الشافعية بخراسان، أبو علي المروزي ويقال أيضًا: المروروذي الشافعى حدث عن أبي نعيم سبط الحافظ أبي عوانة، وحدث عنه عبد الرزاق المنيعي، ومحيي السنة البغوي، وجماعة، له «التعليقة الكبرى»، و«الفتاوى» وغير ذلك وكان من أوعية العلم مات ٤٦٢ هـ. انظر ترجمته في: «تهذيب الأسماء واللغات» ١/ ١٦٤، «وفيات الأعيان» ٢/ ١٣٤، ١٣٥ (١٨٣)، «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ٢٦٠، ٢٦١، (١٣١)، «كشف الظنون» ١/ ٤٢٤، «شذارت الذهب» ٣/ ٣١٠. مرسلًا (١)؛ لأن الحكم للاتصال عند الجمهور؛ لأنها زيادة من ثقة فقبلت (٢). قُلْتُ: عنه سبعة أجوبة: أحدها: أن هذا الحديث ليس على شرطه في قرة السالف. ثانيها: على تقدير تسليم صحته على شرطه أن المراد بالحمد الذكر لأمرين: أحدهما: أنه قَدْ روي «بذِكْر الله» بدل «حمد الله» كما سلف. ثانيهما: تعذر استعماله؛ لأن التحميد إنْ قُدّم عَلَى التسمية خولف فيه العادة، وإن ذكر بعدها لم يقع به البداءة، فثبت بهذين الأمرين أن المراد به الذكر، وقد بدأ به لإتيانه بالبسملة أولًا، فالحمد: الثناء عَلَى الله تعالى، وقد أثنى البخارى عليه بإتيانه بالتسمية أولًا، وهي من أبلغ الثناء، ولأنها أفضل آي القرآن -كما قَالَه الروياني (٣) في -------------------- (١) رواه مرسلًا النسائي في «السنن الكبرى» ٦/ ١٢٧ (١٠٣٣٠)، وقال أبو داود في «سننه» بعد حديث (٤٨٤٠): رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن النبي - ﷺ - مرسلًا. ورجح الدارقطني إرساله كما في «سننه» ١/ ٢٢٩، «العلل» ٨/ ٢٩ - ٣٠. قال الألباني في «الإرواء» ١/ ٣١: وهو الصواب؛ لأن هؤلاء الذين أرسلوه أكثر وأوثق من قرة. اهـ. (٢) قلت: بل ليس بثقة، انظر ما سبق من كلام الأئمة الحفاظ فيه، وزِدْ عليه: قال الآجري عن أبي داود: في حديثه نكارة. وقال أيضًا: سألت أبا داود عن عقيل وقرة فقال: عقيل أحلى منه. وقال يحيى بن معين: كان يتساهل في السماع وفي الحديث، وليس بكذاب. انظر: «تهذيب التهذيب» ٣/ ٤٣٨. (٣) القاضي العلامة، فخر الإسلام، شيخ الشافعية، أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني، الطبري، الشافعي مولده في آخر سنة ٤١٠ هـ، وتفقه ببخارى مدة، ارتحل في طلب الحديث والفقه جميعًا، وبرع في الفقه، ومهر وناظر، وصنف التصانيف الباهرة منها «البحر» و«مناصيص الشافعي» = «البحر»- وقد أسلفنا في رواية بالبسملة بدل الحمد؛ وأيضًا فكتابه العزيز مفتتح بها، وكُتُب رسوله عليه أفضل الصلوات والسلام مبتدأة بها؛ فلذلك تأسى البخاري بها. ثالثها: وهو قريب مما قبله، أن بعض الذكر يقوم مقام البعض كما قاله - ﷺ - حكاية عن الله تعالى: «مَنْ شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» (١) فكذلك التسمية هنا تقوم مقامه، وكذا قوله - ﷺ -: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قُلْتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إلة إلا الله وحده لا شريك له» (٢) الحديث، قيل لسفيان: هذا ثناء وليس بدعاء فأنشد: إِذَا أثنى عليك المرء يومًا … كفاه من تعرضه الثناء --------------------- = و«حلية المؤمن» و«الكافي» قتل سنة إحدى وخمسمائة بيد الإسماعيلية بجامع آمل. انظر ترجمته في: «الأنساب» ٦/ ١٨٩، ١٩٠، «المنتظم» ٩/ ١٦٠، «معجم البلدان» ٣/ ١٠٤، «الكامل في التاريخ» ١٠/ ٤٧٣، «اللباب» ٢/ ٤٤، «تهذيب الأسماء واللغات» ٢/ ٢٧٧ (٤٦٤)، «سير أعلام النبلاء» ١٩/ ٢٦٠ (١٦٢). (١) رواه الترمذي (٢٩٢٦) من حديث أبي سعيد، وقال: هذا حديث حسن. ورواه البخاري في «خلق أفعال العباد» (٤٢٧)، والبيهقي في «الشعب» ١/ ٤١٣ (٥٧٢) كلاهما عن ابن عمر. قال ابن عبد البر في «التمهيد» ٦/ ٤٦ ليس يجيء هذا الحديث فيما علمت مرفوعًا إلا بهذا الإسناد، وصفوان بن أبي الصهباء وبكير بن عتيق رجلان صالحان وله طرق أخرى كثيرة كلها ضعيفة، والحديث ضعفه الألباني في «الضعيفة» (١٣٣٥)، (٤٩٨٩). (٢) رواه مالك ص ١٥٠ رواية يحيى، وعبد الرزاق في «المصنف» ٤/ ٣٧٨ (٨١٢٥)، والفاكهي في «أخبار مكة» ٥/ ٢٥ (٢٧٦٥)، والمحاملي في «الدعاء» (٦٥)، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٤/ ٢٨٤، وفي «فضائل الأوقات» (١٩١)، والبغوي في «شرح السنة» ٧/ ١٥٧ (١٩٢٩) من حديث عبيد الله بن كريز مرسلًا، قال البيهقي: هذا مرسل حسن. وصححه الألباني في «الصحيحة» (١٥٠٣). رابعها: أن الذي اقتضاه لفظ الحمد أن يحمد لا أن يكتبه، والظاهر أنه حمد بلسانه. خامسها: أن الأمر به محمول عَلَى ابتداءات الخطب دون غيرها، زجرًا عما كانت الجاهلية عليه من تقديم الشعر المنظوم والكلام المنثور، وإنما كان ذَلِكَ لثلاثة أمور: أحدها: ما روي أن أعرابيًّا خطب فترك التحميد فقال - ﷺ -: «كل أمر ذي بال» إلى آخره (١). ثانيها: أن أول ما نزل من القرآن: ﴿اقْرَأْ﴾ (٢) [العلق: ١] وقيل: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)﴾ (٣) [المدثر: ١]. وليس في ابتدائهما حمد الله، فلم يجز أن يأمر الشارع بما كتابُ الله على خلافه (٤). ثالثها: أن خبر الشارع لا يجوز أن يكون خلاف مخبره وقد قَالَ: «فهو أجذم» وروي «أبتر». و«صحيح البخاري» أصح المصنفات وأنفع المؤلفات، فعلم بهذِه الأمور أنه محمول عَلَى الخطب دون غيرها من المصنفات والكتب. سادسها: أن هذا الحديث منسوخ بأنه - ﷺ - لما صالح قريشًا عام -------------------- (١) قال العيني في «عمدة القاري» ١/ ١٣: وفيه نظر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. اهـ. (٢) سيأتي برقم (٤٩٢٢) كتاب: التفسير، ورواه مسلم (١٦١) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ -. (٣) سيأتي برقم (٤٩٥٤) كتاب: التفسير، باب: قوله: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)﴾ [العلق: ٣]، ورواه مسلم (١٦٠) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ -. (٤) قال العيني في «عمدة القاري» ١/ ١٣: وهذا ساقط جدًّا؛ لأن الاعتبار بحالة الترتيب العثماني لا بحالة النزول؛ إذ لو كان الأمر بالعكس، لكان ينبغي أن يترك التسمية أيضا. اهـ. ![]()
__________________
|
|
#23
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 126 الى صـــ 148 الحلقة (23) الحديبية كتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، هدا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو» (١) فلولا نَسْخُه لما تركه، وهذا بعيد، وأي دليل دلنا عَلَى النسخ فقد يكون الترك لبيان الجواز. سابعها: إنما تركه لأنه راعى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١]. فلم يقدم بين يدي الله ولا رسوله شيئًا، وابتدأ بكلام رسوله عوضًا عن كلام نفسه (٢)، وانضم إلى ذَلِكَ ما سلف أنه - ﷺ - خطب به عند قدومه المدينة، وخطب به عمر أيضًا، فجعله البخاري خطبة لكتابه (٣). فإن قُلْتَ: فقد قدم الترجمة فالجواب: أنها وإن تقدمت لفظًا فهي كالمتأخرة تقديرًا؛ لتقدم الدليل على مدلوله وضعًا وفي حكم التبع، وبهذا يندفع سؤال آخر وهو: لم قدم السند عَلَى المتن؟ الأمر الثالث: إن قُلْتَ: لِمَ لَمْ يبتدئ البخاري -رحمه الله- بخطبة في أول «صحيحه» كما فعله مسلم رحمه الله؟ قُلْتُ: لأنه خطب بالحديث للتأسي كما سلف، ونعم السلف. الرابع: سألني بعض الفضلاء في الدرس عن السر في ابتداء البخاري بهذا الحديث مختصرًا كما سلف عند إيراده، (ولِمَ لَمْ يذكره) (٤) ------------ (١) رواه مسلم (١٧٨٤) كتاب: الجهاد والسير، باب: صلح الحديبية في الحديبية، من حديث أنس. (٢) قال العيني في «عمدة القاري» ١/ ١٣: الآتي بالتحميد ليس بمقدم شيئا أجنبيًّا بين يدي الله ورسوله، وإنما هو ذكره بثنائه الجميل لأجل التعظيم على أنه مقدم بالترجمة وبسوق السند، وهو من كلام نفسه، فالعجب أن يكون بالتحميد الذي هو تعظيم الله تعالى مقدما ولا يكون بالكلام الأجنبي. اهـ. (٣) ورد في هامش (ف): بلغ مقابلة بحمد الله وعونه. (٤) في (ف): ولم لا ذكره، ولعل الصواب ما أثبتناه لمناسبة السياق. مطولًا كما ذكره في غيره من الأبواب؟ فأجبته في الحال بأن عمر قاله عَلَى المنبر وخطب به، فأراد التأسي به، لكن البخاري ذكره أيضًا مطولًا في ترك الحيل (١)، وفيه: أنه خطب به أيضًا كما ستعلمه، وقد قَالَ بعضهم: إن في الحديث ما يقوم مقام الترجمة من إعلام الناظر في كتابه أنه إنما قصد تأليفه وجمعه وجه الله تعالى، وتوصيته لَهُ أن يحذو حذوه ويفرغ جهده في طلب الإخلاص فيه، يحصل الفوز والخلاص. وقد قَالَ ابن مهدي الحافظ: من أراد أن يصنف كتابًا فليبدأ بهذا الحديث (٢). وقال: لو صنفت كتابًا لبدأت في كل باب منه بهذا الحديث (٣)، وقال الخطابي (٤) نقلًا عن الأئمة: ينبغي لمن صنف كتابًا أن يبتدئ بهذا الحديث؛ تنبيهًا للطالب على تصحيح النية، ولعموم الحاجة إليه. ------------ (١) سيأتي برقم (٦٩٥٣). (٢) رواه البيهقي في «السنن الصغرى» ١/ ٢٠ (٣). (٣) ذكره ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» ١/ ٦١. ونقل الترمذي ٤/ ١٨٠ عقب الرواية (١٦٤٧) عن ابن مهدي قوله: ينبغي أن نضع هذا الحديث في كل باب. (٤) هو أبو سليمان حمد -وقيل: أحمد- بن محمد بن إبراهيم الخطَّابي، نسبة إلى زيد بن الخطاب البُستي، ولد في مدينة (بُست) في شهر رجب سنة تسع عشرة وثلائمائة من الهجرة نشأ بها للعلم مجتهدًا في تحصيله من كل سبيل، وطوَّف من أجله في البلاد الإسلامية شرقًا وغربًا، تفقه على يد أبي بكر القفال الشاشي، وسمع الحديث بمكة المكرمة من أبي سعيد بن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد شيخ الحرم، وصنف فأبدع، ومن مصنفاته «أعلام الحديث»، «معالم السنن»، «غريب الحديث». توفي يوم السبت السادس عشر من ربيع الثاني سنة ست وثمانين وقيل: ثمان وثمانين وثلاثمائة من الهجرة المباركة بمدينة (بُست). انظر: «الأنساب» ٢/ ٢١٠، «المنتظم» ٦/ ٣٩٧، «معجم البلدان» ١/ ٤١٥، «اللباب» ١/ ١٥١، «وفيات الأعيان» ٢/ ٢١٤ - ٢١٦ (٢٠٧)، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٢٣ - ٢٨ (١٢)، «شذرات الذهب» ٣/ ١٢٧، ١٢٨. الخامس: بدأ البخاري -رحمه الله- بإخلاص القصد وختمه بالتسبيح حيث أورد في آخره حديث: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن» إلى آخره (١)؛ لأن به تتعطر المجالس وهو كفارة لما قد يقع من الجالس، والله تعالى يهدينا إلى صراطه القويم، ويعيذنا من الشيطان الرجيم. إِذَا تقررت هذِه الأمور فلنرجع إلى الكلام عَلَى الحديث، وهو من ثلاثة وأربعين وجهًا: أولها: في تعداد المواضع التي خرجه البخاري فيها: ونحن نسلك -إن شاء الله تعالى- هذا الأسلوب، نذكر في أول موضع ذُكِرَ فيه الحديث جميع طرقه إِذَا كان مكررًا؛ ليحال ما يقع بعد ذَلِكَ عليه. فنقول: ذكره البخاري هنا مختصرًا وهو مشهور بالطول، وساقه عنه الداودي بالسند المذكور مطولًا في أول «شرحه» ولم أرَ ذَلِكَ في نسخه، فتنبه لَهُ. قَالَ الخطابي: ولست أشك في أن ذَلِكَ لم يقع من جهة الحميدي، فقد رواه لنا الأثبات من طريقه مطولًا (٢)، قُلْت: وقد ذكره في ستة مواضع أخرى من «صحيحه» عن ستة شيوخ أخرى أيضًا: أولها: في الإيمان، في باب: ما جاء أن الأعمال بالنية، عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثنا مالك عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قَالَ: -------------- (١) سيأتي برقم (٧٥٦٣) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾. (٢) «أعلام الحديث» ١/ ١٠٩. «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ أمْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (١). وهذِه الزيادة وهي: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ» أنسب بهذا الموضع، وإن كان يقال: إنه استغنى عنها هنا بقوله: «فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» كأنه يفهم أن كل من هاجر إلى شيء فهجرته إليه، من شأنه العدول إلى الاستدلال الخفي مع الإمكان بالظاهر الجلي. ثانيها: في العتق، في باب: الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، ثنا يحيى بن سعيد، عن محمد، عن علقمة قَالَ: سمعت عمر يقول: عن النبي - ﷺ - قَالَ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلاِمْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ ..» الحديث بمثل اللفظ الذي قبله (٢). ثالثها: في باب: هجرة النبي - ﷺ - عن مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن يحيى، عن محمد، عن علقمة: سمعت عمر قَالَ: سمعت النبي - ﷺ -، يقول: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ أمْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ» (٣). رابعها: في النكاح، في باب: من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة فله ما نوى، عن يحيى بن قزعة، حَدَّثنَا مالك، عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن علقمة، عن عمر قَالَ: قَالَ رسول الله - ﷺ -: ------------- (١) سيأتي برقم (٥٤). (٢) سيأتي برقم (٢٥٢٩). (٣) سيأتي برقم (٣٨٩٨). «العمل بالنية، وإنما لامرئ ما نوى ..» الحديث بلفظه في الإيمان، إلا أنه قَالَ: «ينكحها» بدل «يتزوجها» (١). خامسها: في الأيمان والنذور، في باب: النية في الأيمان، عن قتيبة بن سعيد، ثنا عبد الوهاب: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني محمد بن إبراهيم أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر يقول: سمعت رسول الله - ﷺ -: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ أمْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا (فَهِجْرَتُهُ) (٢) إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (٣). سادسها: في ترك الحيل، في باب: في ترك الحيل وأن لكل امرئ ما نوى في الأيمان وغيره، عن أبي النعمان محمد بن الفضل، ثنا حماد بن زيد، عن يحيى، عن محمد، عن علقمة قَالَ: سمعت عمر يخطب قَالَ: سمعت النبي - ﷺ - يقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنَيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ هَاجَرَ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ أمْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (٤). وأخرجه مسلم في «صحيحه» في آخر كتاب الجهاد، عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك بلفظ: «إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى» (٥) --------------- (١) سيأتي برقم (٥٠٧٠). (٢) في (ف): هجرته، والصواب ما أثبتناه كلما في البخاري (٦٦٨٩). (٣) سيأتي برقم (٦٦٨٩)، وورد بهامش (ف): ثم بلغ ثانيًا له مؤلفه. (٤) سيأتي برقم (٦٩٥٣). (٥) رواه برقم (١٩٠٧) كتاب: الإمارة. الحديث مطولًا. وأخرجه أيضًا عن محمد بن رمح بن المهاجر، عن الليث، وعن أبي الربيع العتكي، عن حماد بن زيد، وعن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب الثقفي، وعن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي خالد الأحمر، وعن ابن نمير، عن حفص بن عتاب، ويزيد بن هارون، وعن محمد بن العلاء، عن ابن المبارك، وعن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، كلهم عن يحيى بن سعيد، عن محمد، عن علقمة، عن عمر، وفي حديث سفيان: سمعت عمر عَلَى المنبر يخبر عن رسول الله - ﷺ - (١). وأخرجه أبو داود في الطلاق عن محمد بن كثير، عن سفيان (٢). والترمذي في الحدود عن ابن المثنى، عن الثقفي (٣). والنسائي عن يحيى بن حبيب، عن حماد بن زيد، وعن سليمان بن منصور عن ابن المبارك، وعن إسحاق بن إبراهيم عن أبي خالد الأحمر، وعن عمرو بن منصور، عن القعنبي، وعن الحارث عن ابن القاسم جميعًا عن مالك ذكره في أربعة أبواب من «سننه» (٤): الأيمان (٥)، والطهارة (٦)، والرقاق، والطلاق (٧)، ورواه ابن ماجه في الزهد من --------------- (١) (١٩٠٧) كتاب: الإمارة. (٢) «سنن أبي داود» (٢٢٠١). (٣) «سنن الترمذي» (١٦٧٤). (٤) الحديث في الطهارة، والأيمان، والطلاق من «المجتبى»، وفي الرقائق من «السنن الكبرى» كما في «تحفة الأشراف» ٨/ ٩٢ - ٩٣ عن سويد بن نصر عن ابن المبارك. (٥) «سنن النسائي» ٧/ ١٣. عن إسحاق بن إبراهيم. (٦) «سنن النسائي» ١/ ٥٨ - ٦٠. عن يحيى بن حبيب، وعن سليمان بن منصور. (٧) «سنن النسائي» ٦/ ١٥٨ - ١٥٩، عن عمرو بن منصور، وعن الحارث بن مسكين. «سننه» عن أبي بكر عن يزيد بن هارون، وعن ابن رمح، عن الليث، كل هؤلاء عن يحيى، عن محمد، عن علقمة، عن عمر به (١). ورواه مع هؤلاء الستة -أعني: البخاري، ومسلمًا، وأبا داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه -الإمام الشافعي في «مختصر البويطي» والإمام أحمد في «مسنده» (٢)، والدارقطني (٣)، والبيهقي (٤) وأبو حاتم ابن حبان في «صحيحه» المسمى بـ «التقاسيم والأنواع» (٥)، ولم يبق من أصحاب الكتب المعتمد عليها من لم يخرجه سوى الإمام مالك فإنه لم يخرجه في «موطَّئِه» (٦). نعم رواه (خارجه) (٧)، كما علمته من طرق هؤلاء الأئمة، وقد أخرجه من حديثه الشيخان -كما سلف- ووهم ابن دحية الحافظ في «إملائه» فقال عَلَى هذا الحديث: أخرجه مالك في «الموطأ» ورواه الشافعي عنه، وهذا عجيب منه (٨). --------------- (١) «سنن ابن ماجه» (٤٢٢٧). (٢) «مسند أحمد» ١/ ٢٥ (١٦٨). (٣) «سنن الدارقطني» ١/ ٥٠. (٤) «سنن البيهقي» ١/ ٤١. (٥) «صحيح ابن حبان» (٣٨٨). (٦) بل خرجه فيه (٩٨٢) برواية محمد بن الحسن الشيباني. (٧) في (ف): خارجها، وما أثبتناه المناسب للسياق. (٨) قلت: وكذا قال الحافظ أيضًا في «الفتح» ١/ ١١، وهو عجيب منهما -أعني: المصنف والحافظ- فإن الحديث في «الموطأ» برواية محمد بن الحسن، وكأنهما لم يقفا عليه مع سعة اطلاعهما، والله أعلم. قال السيوطي في «تنوير الحوالك» ص ١٠ في معرض حديثه عن رواة «الموطأ»: ورواية محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة فيها أحاديث يسيرة زيادة على سائر الموطآت، منها حديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وبذلك تبين صحة قول من عزا روايته إلى «الموطأ» ووهم من خطأه في ذلك. اهـ. قلت: إلا أنه في كتابه «الأشباه والنظائر» ص ٨ قد تابعهما على ما قالا، بل وتعجب من عدم إخراج مالك له!! الوجه الثاني (١): تحصل لنا من هذِه الطرق أربعة ألفاظ واقعة في الحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنَيّاتِ»، «الأعمال بالنية»، «العمل بالنية» وادعى النووي في «تلخيصه» قلتها، رابعها: «إنما الأعمال بالنية»، وأورده القضاعي في «الشهاب» بلفظ خامس وهو: «الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ» (٢) بحذف (إنما) وجمع الأعمال والنيات، فقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: لا يصح إسنادها. وأقره النووي على ذَلِكَ في «تلخيصه» وغيره، وهو غريب منهما، فهي رواية صحيحة أخرجها إمامان حافظان، وحكما بصحتها: أحدهما: أبو حاتم ابن حبان، فإنه أورده في «صحيحه» عن على بن محمد القباني، ثنا عبد الله بن هاشم الطوسي، ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد، عن علقمة عن عمر قَالَ: قَالَ رسول الله - ﷺ -: «الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ..» الحديث بطوله (٣). ثانيهما: شيخه الحاكم أبو عبد الله، فإنه أورده في كتابه «الأربعين في شعار أهل الحديث» عن أبي بكر ابن خزيمة، ثنا القعنبي، ثنا مالك، عن يحيى بن سعيد به سواء ثمَّ حكم بصحته، وأورده ابن الجارود في «المنتقى» بلفظ سادس عن ابن المقرئ، ثنا سفيان، عن يحيى: «إن الأعمال بالنية، وإن لكل آمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرته إلى دنيا ..» (٤) ------------ (١) ورد بهامش (ف): بلغ الشيخ برهان الدين الحلبي قراءة على في الثاني و… الحاضري … وأبو الحسن … وابن بهرام … بهاء الدين محمد بن الصفدي وآخرون كالسلاوي. (٢) «مسند الشهاب» ١/ ٣٥ - ٣٦ (١). (٣) سبق تخريجه. (٤) «المنتقى» (٦٤). الحديث، وأورده الرافعي في «شرحه الكبير» بلفظ آخر غريب وهو: «ليس للمرء من عمله إلا ما نواه» (١). ولم أقف على من خرَّجه بهذا اللفظ بعد شدة البحث عنه (٢). وفي البيهقي من حديث أنس مرفوعًا: «إنه لا عمل لمن لا نية له» (٣) وهو بمعناه، لكن في إسناده جهالة. الوجه الثالث: في التعريف برواته: أما راويه عن النبي - ﷺ - فهو أمير المؤمنين أبو حفص -والحفص في اللغة: الأسد (٤) - وأول من كناه بذلك رسول الله - ﷺ -، كما رواه ابن الجوزي عنه، عمر -وهو اسم معدول عن عامر ولا ينصرف للعدل والتعريف- بن الخَطَّاب -وهو فَعَّال من الخطبة بالضم والكسر- بن نفيل -بضم أوله- بن عبد العزى بن رِياح -براء مكسورة ثمَّ مثناة تحت، وأبعد من أبدلها بموحدة -بن عبد الله بن قرط -بضم القاف ثمَّ راء وطاء مهملتين -بن رزاح -بفتح الراء والزاي. قَالَ شيخنا قطب الدين (٥) في «شرحه»: ومن عداه بكسر أوله، ولم --------------- (١) «الشرح الكبير» ١/ ١٨٥. (٢) وقال الحافظ في «التلخيص» ١/ ١٥٠: هذا الحديث بهذا اللفظ لم أجده. اهـ. (٣) رواه البيهقي ١/ ٤١. (٤) جمع حفص: أَحْفاصٌ وحُفُوصٌ، والحَفْصُ: البيت الصغير، والحَفْصُ: الشِّبْل، قال الأزهري: ولد الأسد يُسمى حفصًا. وقال ابن الأعرابي: هو السَّبُعُ أيضا، وقال ابن بَرِّي: قال صاحب «العين»: الأسد يكنَّى أبا حَفْصٍ، ويسمى شِبْلُهُ حفصًا. انظر: «تهذيب اللغة» ١/ ٨٦٦، «لسان العرب» ٢/ ٩٢٨. (٥) هو قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصري. أحد من جرد العناية ورحل وتعب وحصل وكتب وأخذ عن أصحاب ابن طبرزذ ضمن بعدهم وصنف التصانيف وظهرت فضائله مع حسن السمت والتواضع والتدين وملازمة العلم، ولد سنة أربع وتسعين وستمائة، وتوفي في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة. = أر من صنف في المؤتلف والمختلف ذكر ذَلِكَ بترجمته فاعلمه-. بن عدي -أخي مرة وهصيص- بن كعب بن لؤي -بالهمز وتركه- بن غالب الفهري العدوي القرشي، يجتمع مع رسول الله - ﷺ - في كعب بن لؤي الأب الثامن. واتفقوا عَلَى تسميته بالفاروق؛ لفرقانه بين الحق والباطل بإسلامه وظهور ذَلِكَ؛ ولأن الشيطان يفرُّ منه، فقيل: سماه الله بذلك. روته عائشة، وإسناده ضعيف كما قَالَ ابن دحيه (١). وقال ابن شهاب: سماه بذلك أهل الكتاب. ذكره الطبري (٢)، وقيل: رسول الله - ﷺ -. فهذِه ثلاثة أقوال. ---------------- = خرج لنفسه التساعيات والمتباينات والبلدانيات، وجمع لمصر تاريخًا حافلًا لو كمل لبلغ عشرين مجلدة بيض منه المحمدين في أربعة، واختصر «الإلمام» فحرره، وشرح سيرة عبد الغني، وشرع في شرح البخاري وهو مطول أيضًا، بيض أوائله إلى قريب النصف. وكان حنفي المذهب يدرس بالجامع الحاكمي. انظر ترجمته في: «تذكرة الحفاظ» ٤/ ١٥٠٢، «الدرر الكامنة» ٢/ ٣٩٨ - ٣٩٩، «شذرات الذهب» ٦/ ١١٠ - ١١١. (١) الشيخ العلامة المحدَّث الرحال المتفنن مجد الدين أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي بن الجميل، واسم الجميل محمد بن فرج بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملال بن أحمد بن بدر بن دحية بن خليفة الكلبي الداني ثم السبتي، كان بصيرًا بالحديث معتنيًا بتقييده، مكبًّا على سماعه حسن الخط، معروفًا بالضبط، له حظ وافر من اللغة ومشاركة في العربية وغيرها. قال الذهبي: كان هذا الرجل صاحب فنون وتوسع ويد في اللغة، وفي الحديث على ضعف فيه. توفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل: سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ٤٤٨ - ٤٥٠ (٤٩٧)، «سير أعلام النبلاء» ٢٢/ ٣٨٩ - ٣٩٥ (٢٤٨)، «لسان الميزان» ٤/ ٢٩٢، «شذرات الذهب» ٥/ ١٦٠، ١٦١. (٢) الطبري في «تاريخه» ٢/ ٥٦٢. وهو أول من سُمِّي أمير المؤمنين (١) عمومًا، وسمي به قبله خصوصًا عبد الله بن جحش على سرية في اثني عشر رجلًا، وقيل: ثمانية، وقد كان مسيلمة الكذاب يسمى بذلك أيضًا كما سيأتي في «الصحيح» في قصة قتله إن شاء الله (٢). وأمه حنتمة -بحاء مهملة مفتوحة ثمَّ نون ثمَّ مثناة فوق- بنت هاشم، يعرف بذي الرمحين -بن المغيرة بن عبد الله بن عمر، أخي عامر وعمران ابني مخزوم بن نقطة بن (مرة) (٣) بن كعب المخزومي، قَالَ أبو عمرو: من قَالَ: حنتمة بنت (هشام) (٤) فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، وإنما هي ابنة عمهما (٥)، وقد وقع في هذا الخطأ ابن قتيبة في «معارفه» (٦)، وقبله ابن منده في «المعرفة» وقال: هي أخت أبي جهل، وهو وَهْمٌ. قَالَ ابن عبد البر: الصحيح أنها بنت هاشم وقيل: بنت هشام، فمن قَالَ: هشام فهي أخت أبي جهل، ومن قَالَ: بنت هاشم فهي ابنة عم أبي جهل (٧) وهاشم وهشام ومهشم والوليد وأبو أمية حذيفة والفاكه ونوفل وأبو ربيعة عمرو وعبد الله وتيم وعبد شمس، كل هؤلاء أولاد المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو -يعني: المغيرة- بيت بني مخزوم. --------------- (١) ورد بهامش الأصل: في سببه خلاف مشهور. (٢) سيأتي برقم (٤٠٧٢) كتاب: المغازي، باب: قتل حمزة بن عبد المطلب، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري. (٣) في الأصل: مري، والصواب ما أثبتناه كما في «تاريخ بغداد» ٧/ ٤٢٣ (٣٩٩١). (٤) في (ف): هاشم، والصواب ما أثبتناه من «الاستيعاب» ٣/ ٢٣٥. (٥) «الاستيعاب» ٣/ ٢٣٥. (٦) «المعارف» لابن قتيبة ص ١٨٠. (٧) «الاستيعاب» ٣/ ٢٣٥. ولد بتبالة بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وقال عن نفسه: ولدت قبل الفجار الأعظم بأربع سنين. وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وأسلم بعد ست من النبوة، وقيل: خمس، بعد أن دخل رسول الله - ﷺ - دار الأرقم بعد أربعين رجلًا، وقيل: ثلاثة عشر وإحدى عشرة امرأة. وقال ابن الجوزي: لا خلاف أنه أسلم سنة ست من النبوة بعد أربعين، قَالَ: ولما أسلم نزل جبريل -عليه السلام- فقال: استبشر أهل السماء بإسلامه (١)، وقيل: إنه أسلم بعد أربع من النبوة وهاجر فهو من المهاجرين الأولين. وكان إسلامه عزًّا ظهر به الإسلام بدعوة النبي - ﷺ -، وسيأتي في الصحيح إن شاء الله: «ما زلنا أعزة منذُ أسْلَمَ عُمر» (٢) قَالَ ابن مسعود: كان إسلام عمر فتحًا، وهجرته نصرًا، وإمامته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت، حتَّى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتَّى تركونا فصلينا (٣)، وشهد بدرًا والمشاهد كلَّها. ------------- (١) رواه ابن ماجه (١٠٣)، والطبراني ١١/ ٨٠ - ٨١ (١١١٠٩)، وابن حبان (٦٨٨٣) من طريق عبد الله بن خراشي الحوشبي، عن العوام بن حوشب، عن مجاهد عن ابن عباس، ورواه أيضًا الحاكم في «المستدرك» ٣/ ٨٤، لكن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال: صحيح، وتعقبه الذهبي، وقال: عبد الله ضعفه الدارقطني. اهـ. وقال البوصيري ١/ ١٧: هذا الإسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد الله بن خراش، إلا ابن حبان فإنه ذكره في «الثقات». اهـ. والحديث ضعفه الألباني في «الضعيفة» (٤٣٤٠). (٢) سيأتي برقم (٣٦٨٤، ٣٨٦٣). (٣) رواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ٣/ ٢٧٠، وأحمد في «فضائل الصحابة» ١/ ٤٠٩، ٤١٠ (٤٨٢)، والطبراني ٩/ ١٦٢ (٨٨٠٦) قال الهيثمي في «المجمع» ٩/ ٦٣: رجاله رجال الصحيح إلا أن القاسم لم يدرك جده ابن مسعود. اهـ. بويع لَهُ بالخلافة يوم موت الصديق، وهو يوم الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة بوصاية الصديق إليه، فسار بأحسن سيرة، وزين الإسلام بعَدْلِهِ، وفتح الله به الفتوح الكبيرة كبيت المقدس وجميع الشام، ودوَّن الدواوين في العطاء ورتَّب الناس فيه، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، وهو أول من ضرب بالدرة وحملها، ومصَّر الأمصار، وكسر الأكاسرة، وقصر القياصرة، وأخَّر المقام إلى موضعه الآن، وكان ملصقًا بالبيت، ونوَّر المساجد لصلاة التراويح، وأول من أَرَّخ التاريخ من الهجرة، وأول قاضٍ في الإسلام، ولَّاه الصديق القضاء، وأول من جمع القرآن في المصحف، وآخى رسول - ﷺ - بينه وبين الصديق، حج بالناس عشر سنين متوالية، وحج في إحداهن بأمهات المؤمنين. وزهده ومناقبه جَمَّةٌ مَشْهورةٌ في «الصحيح» وغيره، وستقف على قطعة صالحة منها حيث ذكره البخاري -إن شاء الله- في كتاب المناقب (١). وكان طوالا جدًّا جسيمًا، كث اللحية، خفيف العارضين، أصلع شديد الصلع، أعسر يسر-أي: قوة يديه سواء- وكان يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ثمَّ يجمع جراميزه -أي: أطرافه- ويثبت، فكأنما خلق على ظهر فرسه، وكان يخضب بالحناء والكتم بحتًا، وكان شديد حمرة العينين. وكان أبيض يعلوه حمرة، وقيل: أبيض أمهق وقيل: آدم. ونقله ابن عبد البر عن الأكثرين (٢)، وأنكره الواقدي والجمهور، وقالوا: إنما كان أبيض. قالوا: ولعله صار في لونه سمرة --------------- (١) سيأتي برقم (٣٦٧٩ - ٣٦٩٤) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب. (٢) «الاستيعاب» ٣/ ٢٣٦. عام الرمادة لتخشنه (١)، وكان من مُحَدِّثي هذِه الأمة (٢). وسيأتي أنه وافق ربَّه في عدة مواضع إن شاء الله، وفي «الصحيح» أنه - ﷺ - قَالَ له: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» (٣). وشهد لَهُ بالشهادة (٤)، والجنة (٥) وسماه سراج أهل الجنة (٦)، وأخبر أن الله جعل الحق على لسانه (٧). روي لَهُ عن النبي - ﷺ - خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على ستة وعشرين منها، وانفرد البخاري بأربعة وثلاثين، ومسلم بأحد وعشرين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة ----------- (١) ورده ابن عبد البر في «الاستيعاب» ٣/ ٢٣٦ حيث قال: وزعم الواقدي أن سمرة عمر وأدمته إنما جاءت من أكله الزيت عام الرمادة، وهذا منكر من القول، وأصح ما في الباب -والله أعلم- حديث سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال: رأيت عمر شديد الأدمة. اهـ. وقد جود إسناد حديث زر بن حبيش الحافظ في «الإصابة» ٢/ ٥١٨. (٢) سيأتي برقم (٣٤٦٩) كتاب: حديث الأنبياء، باب: حديث الغار، وبرقم (٣٦٨٩) كتاب: المناقب، باب: مناقب عمر. (٣) سيأتي برقم (٣٢٩٤) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده. (٤) سيأتي برقم (٣٦٧٥) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر. (٥) رواه أبو داود (٤٦٤٩). (٦) رواه أحمد فى «فضائل الصحابة» ١/ ٥٢٣ (٦٧٧)، والبزار كما في «كشف الأستار» ٣/ ١٧٤ (٢٥٠٢) من طريق عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمر الغفاري، وهو منكر الحديث، ورواه أبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٣٣٣ من طريق الواقدي عن أبي هريرة، والواقدي كذاب. وقال الألباني في «الضعيفة» (٣٩١٦): باطل. (٧) رواه الترمذي (٣٦٨٢) كتاب: المناقب، وأحمد ٢/ ٥٣، وعبد بن حميد في «المنتخب» (٧٥٦)، وابن عبد البر في «التمهيد» ٨/ ١٠٩ - ١١٠ من حديث ابن عمر، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (١٧٣٦)، وفي الباب عن الفضل بن عباس وأبي ذر وأبي هريرة. وغيرهم. روى عنه نحو خمسين صحابيًّا منهم: عثمان وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف، وخلائق من التابعين. ولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر أو ستة أشهر قولان، واستشهد يوم الأربعاء لأربع أو لثلاث أو لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وقال الفلاس وابن نمير: سنة أربع وهو ابن ثلاث وستين عَلَى الصحيح كسن سيدنا رسول الله - ﷺ - وسن الصديق. وقيل: ابن ستين، قَالَ الواقدي: وهو أثبت الأقاويل عندنا، وقيل: ابن إحدى وستين، وقيل: ابن اثنتين وخمسين، وقيل: ابن أربع، وقيل: ابن خمس، وقيل: ست، وقيل: سبع وخمسين حكاهن الصُّرَيْفِيْنِيُّ، فهذِه ثمانية أقوال في سنه. وغسله ابنه الزاهد أبو عبد الرحمن عبد الله الأكبر، أفضل أولاده الذكور العشرة، وعاصم -أمه جميلة بنت عاصم- وعبيد الله قتل بصفين مع معاوية، وعبد الله الأصغر وعبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأوسط وعياض، وزيد الأكبر -أمه أم كلثوم بنت علي- وزيد الأصغر والعقب من الثلاثة الأولى الذكور، وكان لَهُ من الإناث حفصة وزينب، وكفنه عبد الله أيضًا في ثوبين سحوليين، وصلى عليه صهيب بن سنان الرومي، ودفن في الحجرة النبوية، عَلَى ساكنها أفضل الصلاة والسلام. قتله أبو لؤلؤة غلام نصراني، وقيل: مجوسي للمغيرة بن شعبة، وهو في صلاة الصبح، طعنه ثلاث طعنات بسكين مسموم ذات طرفين فقال: قتلني -أو أكلني الكلب- وطعن معه ثلاثة عشر رجلًا، فمات منهم تسعة، وفي رواية سبعة، فلما رأى ذَلِكَ رجل من المسلمين طرح عليه برنسًا، فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه، فصار إلى لعنة الله وغضبه، ثمَّ حُمل عمر إلى منزله، وبقي ثلاثة أيام وقيل: سبعة، وماترضي الله عنه - وعنَّا - به وكان وافر العلم. قَالَ ابن مسعود حين توفي عمر: ذهب تسعة أعشار العلم (١). ومن زهده وتواضعه أنه كان في قميصه أربع عشرة رقعة إحداها من أدم. فائدة: ليس في الصحابة من آسمه عمر بن الخطاب غيره، فهو من الأفراد (٢) -أحد أنواع علوم الحديث- وفي الصحابة عمر ثلاثة وعشرون نفسًا على خلاف في بعضهم، وربما يلتبس بعمرو بزيادة واو في آخره، وهم خلق فوق المائتين بزيادة أربعة وعشرين على خلاف في بعضهم - رضي الله عنهم -. فائدة ثانية: في الرواة عمر بن الخطاب غير هذا الإمام ستة: (أحدهم) (٣): كوفي (٤) روى عن خالد بن عبد الله الواسطي. ثانيهم: راسبي (٥) روى (عن سويد أبي حاتم) (٦). ------------------ (١) رواه الطبراني في «الكبير» ٩/ ١٦٢، ١٦٣ (٨٨٠٨، ٨٨٠٩)، وقال الهيثمي ٩/ ٦٩: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال هذا رجال الصحيح غير أسد بن موسى ثقة. (٢) انظر «علوم الحديث» لابن الصلاح ص ٣٢٥ - ٣٣٩، النوع التاسع والأربعون. (٣) فى (ف): أحدها، وهو ما أثبتناه هو المناسب للسياق. (٤) عمر بن الخطاب الكوفي، انظر: «إكمال تهذيب الكمال» ١٠/ ٤٥ (٣٩٦٥). (٥) عمر بن الخطاب بن زكريا الراسبي، أبو حفص البصري. انظر: «تهذيب الكمال» ٢١/ ٣١٥ (٤٢٢٤)، «تهذيب التهذيب» ٣/ ٢٢١، «التقريب» ص ٤١١ (٤٨٨٧). (٦) فى (ف): (عنه سويد أبو حاتم)، والصواب ما أثبتناه كما في مصادر الترجمة. ثالثهم: سكندري (١) روى عن ضمام بن إسماعيل. رابعهم: عنبري (٢) روى عن أبيه، عن يحيى بن سعيد الأنصاري. خامسهم: سجستاني (٣) روى عن محمد بن يوسف الفريابي. سادسهم: سدوسي (٤) بصري روى عن معتمر بن سليمان. فائدة ثالثة: عمر هذا ثاني العشرة، وهاك سرد وفاتهم على سبيل الاختصار لتستحضره فإنه مهم: الصديق مات سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وأبو عبيدة سنة ثمان عشرة، وعمر سنة ثلاث وعشرين كما سلف مع الخلاف فيه. وعثمان سنة خمس وثلاثين، وطلحة والزبير بعده بسنة، وابن عوف سنة اثنتين وثلاثين، وعلي سنة أربعين، وسعد بن أبي وقاص سنة خمس وخمسين على الأصح، وهو آخرهم موتا (....) (٥) خمسين (٦). ------------------ (١) عمر بن الخطاب بن حليلة -بمهملة ولامين، بوزن عظيمة- بن زياد بن أبي خالد الإسكندراني، مولى كندة، يكنى أبا الخطاب. انظر: «تهذيب الكمال» ١٣/ ٣١٢ في ترجمة ضمام بن إسماعيل، «إكمال التهذيب» ١٠/ ٤٥ (٣٩٦٦)، «تهذيب التهذيب» ٣/ ٢٢٢ - ٢٢٣. (٢) عمر بن الخطاب العنبري الكوفي، يعرف بابن أبي خيرة. انظر: «إكمال التهذيب» ١٠/ ٤٥ (٣٩٦٧). و«تهذيب التهذيب» ٣/ ٢٢٢. (٣) عمر بن الخطاب السجستاني القشيري، نزيل الأهواز. انظر: «تهذيب الكمال» ٢١/ ٣٢٦ (٤٢٢٦). و«تهذيب التهذيب» ٣/ ٢٢٢، و«تقريب التهذيب» ص ٤١٢ (٤٨٨٩). (٤) عمر بن الخطاب شيخ بصري سدوسي انظر: «تهذيب التهذيب» ٣/ ٢٢١. (٥) بياض بالأصل. (٦) هو تاريخ وفاة سعيد بن زيد، وهو عاشر العشرة. انظر: «الاستيعاب» ٢/ ١٨٢. وأما راويه عن عمر فهو أبو واقد -بالقاف- علقمة بن وقاص الليثي، نسبة إلى ليث بن بكر المدني العتواري، ولد على عهد النبي - ﷺ - فيما ذكره الواقدي. وروى ابن منده أنه شهد الخندق، وكان في الوفد الذين قدموا على النبي - ﷺ -، روى عن عمر وعائشة ومعاوية وغيرهم، وعنه ابناه عمر وعبد الله والزهري ومحمد بن إبراهيم التيمي وغيرهم. وروى له مع البخاري مسلم وباقي الستة، ذكره ابن منده وأبو عمر في الصحابة (١) والجمهور في التابعين، كما نبه عليه النووي في «إملائه» على هذا الحديث. وليس له في الصحيحين إلا هذا الحديث وحديث الإفك عن عائشة (٢)، كما نبه عليه شيخنا قطب الدين في «شرحه». مات بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان، قاله الواقدي (٣). فائدة: ليس في الكتب الستة من اسمه علقمة بن وقاص غيره. وأما راويه عن علقمة فهو أبو عبد الله محمد (ع) بن إبراهيم بن الحارث، وكان -أعني: الحارث- من المها جرين الأولين، وهو ------------ (١) «الاستيعاب» ٣/ ١٩٥ - ١٩٦. (٢) سيأتي برقم (٢٦٣٧) كتاب: الشهادات، باب: إذا عدَّل رجل أحدًا. (٣) علقمة بن وقاص بن محسن بن كلدة بن عبد ياليل بن طريف بن عتوارة بن عامر بن مالك بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الليثي العتواري المدني. قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث، وله دار بالمدينة في بني ليث وله به عقب، وثقه النسائي، وقال الحافظ ابن حجر: ثقة ثبت، أخطأ من قال: له صحبة. انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» ٥/ ٦٠، «التاريخ الكبير» ٧/ ٤٠ (١٧٦)، «الجرح والتعديل» ٦/ ٤٠٥ (٢٢٥٩)، «الثقات» ٥/ ٢٠٩، «تهذيب الكمال» ٢/ ٣١٣ - ٣١٤ (٤٠٢١)، «تقريب التهذيب» (٤٦٨٥). ابن عم الصديق ابن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي المدني التابعي. سمع ابن عمر وأنسًا وغيرهما من الصحابة، وعنه ابنه موسى المحدث الفقيه والزهري وخلق. ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل المدينة، وقال: أمه حفصة بنت أبي يحيى واسمه عمير، وكان من قدماء موالي بني تيم. قال: وكان ثقة، كثير الحديث (١)، وقال يحيى بن معين: ثقة، وكذا وثقه النسائي وأبو حاتم (٢) وابن خراش، وأخرج له مسلم أيضًا في «صحيحه» مع باقي الستة. وأما أحمد فقال فيما نقله العقيلي عن عبد الله بن أحمد عنه: في حديثه شيء، روى أحاديث مناكير (٣). مات سنة عشرين ومائة، وقيل: سنة إحدى وعشرين، وقيل: سنة تسع عشرة، وهو ابن أربعٍ وسبعين (٤). وأما راويه عن محمد فهو الإمام أبو سعيد يحيى (ع) بن سعيد بن قيس بن عمرو، وقيل: قهد بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج الأكبر الأنصاري النجاري -بالنون والجيم- المدني قاضيها، وأقدمه -------------- (١) «الطبقات الكبرى» الجزء المتمم ص ٩٩. (٢) «الجرح والتعديل» ٧/ ٨٤. (٣) «الضعفاء الكبير» للعقيلي ٤/ ٢٠. (٤) انظر ترجمته في: «الثقات» ٥/ ٣٨١، «تهذيب الكمال» ٢٤/ ٣٠١ - ٣٠٥ (٥٠٢٣)، «سير أعلام النبلاء» ٥/ ٢٩٤ - ٢٩٦ (١٤٠)، «تقريب التهذيب» (٥٦٩١)، «شذرات الذهب» ١١/ ١٥٧. المنصور العراق، وولاه القضاء بالهاشمية ومات بها، وقيل: إنه ولي قضاء بغداد ولم يصح. وهو تابعي صغير. سمع أنسًا والسائب بن يزيد وغيرهما. وعنه جماعة من التابعين منهم: هشام بن عروة وحميد الطويل وغيرهما. واتفقوا على جلالته وعدالته وحفظه وإتقانه وورعه، وقال أحمد في حقه: إنه أثبت الناس. وقال أبو حاتم: هو يوازي الزهري (١). وقال أيوب: ما تركت بالمدينة أفقه منه. وقال ابن حبان: كان خفيف الحال، فلما استقضاه أبو جعفر ارتفع شأنه ولم يتغير حاله، فقيل له في ذَلِكَ، فقال: من كانت نفسه واحدة لم يغيره المال (٢). مات سنة أربع، وقيل: ثلاث، وقيل: ست وأربعين ومائة. روى له الجماعة (٣). فائدة: في الرواة يحيى بن سعيد جماعة في «الصحيح»، لكن لا التباس لهم بهذا. يحيى (ع) بن سعيد بن أبان الأموي الحافظ (٤)، يحيى (ع) بن سعيد بن حيان أبو حيان التيمي الإمام (٥)، يحيى (حم) بن سعيد بن العاص الأموي تابعي (٦)، يحيى (عم) بن سعيد بن فروخ --------------- (١) «الجرح والتعديل» ٩/ ١٤٩. (٢) «الثقات» ٥/ ٥٢١ «تهذيب الكمال» ٣١/ ٣٥٧. (٣) انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» ٨/ ٢٧٥، ٢٧٦ (٢٩٨٠)، «معرفة الثقات» ٢/ ٣٥٢، ٣٥٣ (١٩٧٧)، «تهذيب الكمال» ٣١/ ٣٤٦ (٦٨٣٦)، «تقريب التهذيب» (٧٥٥٩). (٤) ستأتي ترجمته في حديث رقم (١١). (٥) ستأتي ترجمته في حديث رقم (٥٠). (٦) يحيى بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، أبو أيوب، ويقال: أبو الحارث المدني. = القطان التميمي الحافظ أحد الأعلام (١). ولهم يحيى بن سعيد العطار- براءٍ في آخره- واهٍ فاعلمه (٢). وجملة من اسمه يحيى بن سعيد في الحديث ستة عشر كما بينهم الخطيب في «المتفق والمفترق». فائدة أخرى: النجار الذي سلف في نسب يحيى بن سعيد لقب، واسمه تيم اللات، سمي النجار؛ لأنه اختتن بالقدوم وقيل: ضرب وجه رجل به فنجره، أي: نحته. وأما راويه (٣) عن يحيى بن سعيد فهو الإمام العلامة أبو محمد سُفيان (ع) -بضم السين على المشهور، وحكي كسرها وفتحها أيضًا- ابن عيينة:- بضم العين، وحكى النووي في «إملائه» […]، (٤) كسرها- ابن أبي عمران الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي. واسم أبي عمران: ميمون، مولى محمد بن مزاحِم أخي الضحاك، وقال الواقدي: مولى بني عبد الله بن رؤيبة من بني هلال بن عامر، وكان بنو عيينة عشرة خزازين، حدَّث منهم خمسة: محمد وإبراهيم وسفيان وآدم وعمران، وأجلهم وأشهرهم سُفيان هذا، وهو من تابعي التابعين، سكن مكة، ومات بها. -------------- = وثقه النسائي وابن حبان. انظر ترجمته في: «طبقات ابن سعد» ٥/ ٢٣٨، «التاريخ الكبير» ٨/ ٢٧٧ (٢٩٨٧)، «الجرح والتعديل» ٩/ ١٤٩ (٦٢١)، «تهذيب الكمال» ٣١/ ٣٢٥ - ٣٢٩ (٦٨٣٣). (١) ستأتي ترجمته في حديث رقم (١٣). (٢) يحيى بن سعيد العطار الأنصاري أبو زكريا الشامي الحمصي، ويقال: الدمشقي ضعفه الجمهور. انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» ٨١/ ٢٧٧ (٢٩٨٥)، «الجرح والتعديل» ٩/ ١٥٢ (٦٢٨)، «تهذيب الكمال» ٣١/ ٣٤٣ - ٣٤٦ (٦٨٣٥). (٣) أي: حديث النية. (٤) بياض في (ف) بمقدار كلمة. وسمع جماعات من التابعين منهم: الزهري. وعنه: مسعر وخلق، وروى الثوري عن يحيى القطان عنه، وهو من الطُّرَف. وكان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع والدين، ومن العلماء بكلام رب العالمين وسند سيد المرسلين، قرأ القرآن وهو ابن أربع، وكتب الحديث وهو ابن سبع، ولما بلغ خمس عشرة قال له أبوه: يا بني، قد انقطعت عنك شرائع الصبى فاخْتَلِطْ بالخير تكن من أهله، واعلم أنه لن يسعد بالعلماء إلا من أطاعهم فأطعهم واخدمهم تقتبس من علمهم. قال: فجعلت لا أعدل عن وصية أبي (١). وكان كثير التلاوة والحج، حج نيفًا وسبعين حجة كما قال ابن حبان (٢). وقال الحسن بن عمران بن عيينة: إن سفيان قال له بجمعٍ آخر حجة حجها: قد وافيت هذا الموضع سبعين مرة أقول في كل مرة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وقد استحييت من الله -عز وجل- من كثرة ما أساله. فرجع فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت غرة رجب سنة ثمانٍ وتسعين ومائة (٣)، ودفن بالحجون، وكان مولده سنة سبع ومائة (٤). روى له الجماعة. ومناقبه جمة، ومنها ما حكاه أبو يوسف الغسُّولي، عنه قال: دخلت ---------------- (١) رواه البيهقي في «الزهد الكبير» ٢/ ١١١ - ١١٢. (٢) «الثقات» ٦/ ٤٠٤. (٣) رواه الخطيب في «تاريخه» ٩/ ١٨٣ - ١٨٤. (٤) انظر: «طبقات ابن سعد» ٥/ ٤٩٨، «التاريخ الكبير» ٤/ ٩٤ (٢٠٨٢)، «معرفة الثقات» ١/ ٤١٧ (٦٣١)، «الجرح والتعديل» ٤/ ٢٢٥ - ٢٢٧ (٩٧٦)، «تاريخ بغداد» ٩/ ١٥٤، «تهذيب الكمال» ١١/ ١٧٧ - ١٩٧ (٢٤١٣). عليه وبين يديه قرصان من شعير فقال: يا أبا يوسف، إنهما طعامي منذ أربعين سنة (١). وكان ينشد: خَلتِ الدِّيارُ فَسُدتُ غير مُسوَّدِ … ومن الشَّقاءِ تَفَرُّدِي بالسُّؤددِ (٢) قال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز (٣). وقال أبو حاتم هما أثبت أصحاب الزهري. وقال الشافعي أيضًا: ما رأيت أحدًا فيه آلة العلم ما في سفيان، وما رأيت أحدًا أحسن لتفسير الحديث منه ولا أكف عن الفتيا منه (٤). وقال ابن وهب: ما رأيت أعلم بكتاب الله منه (٥). وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى أحمد بن النضر الهلالي قال: سمعت أبي يقول: كنت في مجلس سفيان بن عيينة، فنظر إلى صبي دَخل المجلس، فكان أهل المجلس تهاونوا به لصغره، فقال سفيان: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٩٤]. ثم قال لي: يا نضر، لو رأيتني ولي عشر سنين، طولي خمسة أشبار، ووجهي كالدينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صغار، وأكمامي قصار، وذيلي بمقدار، ونعلي كآذان الفار، أختلف إلى علماء الأمصار، ---------------- (١) رواه أبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» ٣/ ١٨٠ (٣٠٤)، وأبو نعيم في «الحلية» ٧/ ٢٧٢ - ٢٧٣، وجاء فيهما أبو يوسف الفسوي. والله أعلم. (٢) رواه أبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» ٢/ ٢٧٧ (١٧٣)، والخطيب في «تاريخه» ٩/ ١٧٨، وأبو نعيم في «الحلية» ٧/ ٢٧٤، ٢٩٠. (٣) رواه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ١/ ١٢، ٣٢، وأبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٣٢٢، والخطيب في «تاريخه» ٩/ ١٧٩، وابن عبد البر في «التمهيد» ١/ ٦٣. (٤) رواه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ١/ ٣٢ - ٣٣، وأبو يعلى الخليلي في «الإرشاد» ١/ ٣٦٨. (٥) رواه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ١/ ٣٣. ![]()
__________________
|
|
#24
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 149 الى صـــ 170 الحلقة (24) مثل: الزهري وعمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار، محبرتي كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمي كاللوزة، فإذا دخلت المجلس قال: أوسعوا للشيخ الصغير. قال: ثم تبسم ابن عيينة وضحك (١). فائدة: سفيان هذا أحد مشايخ الشافعي، ومن ينتهي إليه سلسلة أصحابنا في الفقه، ومنه إلى النبي - ﷺ -، وكان إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا التفت إلى الشافعي وقال: سلوا هذا (٢). وقيل عن الشافعي: إنه مات في غشية له. فقال: إن كان مات فقد مات أفضل أهل زمانه (٣). وأما راويه عن سفيان فهو: الإمام أبو بكر عبد الله (ع) بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حُميد -بضم الحاء- الحُميدي القرشي الأسدي المكي الثقة، رئيس أصحاب ابن عيينة وأثبتهم. جَاَلسَه عشرين سنة، ومن الفضلاء الآخذين عن الشافعي وأحد رفقائه في الرحلة. وهو أول من حدَّث عنه البخاري في «صحيحه»، وروى مسلم في مقدمة «صحيحه» عن سلمة بن شبيب عنه (٤)، وروى أبو داود والنسائي عن رجل عنه، والترمذي وابن ماجه في التفسير. مات بمكة سنة تسع عشرة ومائتين وقيل: سنة عشرين (٥). ---------------- (١) رواه الخطيب في «الكفاية» ص ٦١، وذكره الذهبي في «السير» ٨/ ٤٥٩ وقال: وفي صحة هذا نظر، وإنما سمع -يعني: سفيان- من المذكورين -يعني: الزهري، وعمرو بن دينار -وهو ابن خمس عشرة سنة أو أكثر. (٢) رواه أبو نعيم في «الحلية» ٩/ ٩١ - ٩٢. (٣) رواه أبو نعيم في «الحلية» ٩/ ٩٥. (٤) «صحيح مسلم» ١/ ١٦. (٥) انظر ترجمته في: «طبقات ابن سعد» ٥/ ٥٠٢، «التاريخ الكبير» ٥/ ٩٦ - ٩٧ = فائدة: في الكتب الستة عبد الله بن الزبير ثلاثة هذا أحدهم، وثانيهم الصحابي (١)، وثالثهم البصري (٢): روى له ابن ماجه والترمذي في «الشمائل». وفي الصحابة أيضًا عبد الله بن الزبير بن [عبد] (٣) المطلب بن هاشم (٤)، وليس لهما ثالث في الصحابة. --------------- = (٢٧٦)، «الجرح والتعديل» ٥/ ٥٦، ٥٧ (٢٦٤)، «الثقات» ٨/ ٣٤١، «تهذيب الكمال» ١٤/ ٥١٢ - ٥١٥ (٣٢٧٠). (١) عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي، يكنى أبا بكر، أبوه حواري الرسول - ﷺ -، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وخالته عائشة أم المؤمنين، وعمته خديجة أم المؤمنين، وجدته صفية عمة رسول الله - ﷺ -، وهو أول مولود يولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة، بايع النبي - ﷺ - وهو ابن ثمان، وكان فصيحًا، وذا شجاعة وقوة، وكان صوامًا قوَّامًا، بالحق قوالًا، وللرحم وصالًا شديدًا على الفجرة، ذليلًا للأتقياء البررة. بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية فكانت خلافته تسع سنين، قتله الحجاج بن يوسف في أيام عبد الملك بن مروان وصلبه بمكة يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين. انظر ترجمته في: «معجم الصحابة» للبغوي ٣/ ٥١٤، «معجم الصحابة» لابن قانع ٢/ ١٢٦ (٥٨٩)، «معرفة الصحابة» ٣/ ١٦٤٧ (١٦٣٧)، «الاستيعاب» ٣/ ٣٩ (١٥٥٣)، «أسد الغابة» ٣/ ٢٤٢ (٢٩٤٧). (٢) عبد الله بن الزبير بن معبد الباهلي أبو الزبير، ويقال: أبو معبد البصري، قال أبو حاتم: مجهول لا يُعرف. وقال عنه الحافظ ابن حجر: مقبول. «تهذيب الكمال» ١٤/ ٥١٦ (٣٢٧١)، «الكاشف» ١/ ٥٥٢ (٢٧٢٢)، «تقريب التهذيب» (٣٣٢١). (٣) ساقط من (ف)، ومثبت من مصادر الترجمة. (٤) عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم النبي - ﷺ -، وأمه عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن = فائدة ثانية: الحُمَيدي هذا -بضم الحاء وفتح الميم- قال السمعاني: وهي نسبة إلى حُميد بطن من أسد بن عبد العزى بن قصي، وقال النووي في «إملائه»: هو نسبة إلى جده حميد المذكور وهو ما ذكر ابن طاهر في (…) (١)، وقال السمعاني: سمعت شيخي أبا القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ يقول: هو منسوب إلى الحميدات وهي قبيلة. فائدة ثالثة: الحميدي هذا قد يشتبه بالحميدي المتأخر صاحب «الجمع بين الصحيحين» وهو العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل -بمثناة تحت ثم صاد مهملة مكسورة ثم لام- الأندلسي، الإمام (ذو) (٢) التصانيف في فنون، سمع الخطيب وطبقته، وبالأندلس ابن حزم وغيره، وعنه الخطيب وابن ماكولا وخلق، وكان ثقة صالحًا إمامًا حافظًا متقنًا، متفقًا على جلالته وإمامته، سكن ببغداد مدة، ومات بها سابع عشر ذي الحجة من سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، قال السمعانى: والحميدي هذا نسبة إلى جده حميد (٣). ------------------ = مخزوم، لا عقب له، وهو أخو ضباعة بنت الزبير، وكان الزبير أخا عبد الله أبي رسول الله - ﷺ - لأبيهما وأمهما. وشهد عبد الله قتال الروم في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وقتل يوم أجنادين، ووجد حوله عصبة من الروم قتلهم، ثم أثخنته الجراح فمات. انظر ترجمته في: «معجم الصحابة» للبغوي ٣/ ٥٢٢، ٥٢٣، «الاستيعاب» ٣/ ٣٨، ٣٩ (١٥٥٢)، «أسد الغابة» ٣/ ٢٤١ (٢٩٤٦). (١) مقدار كلمة غير واضحة. (٢) في (ف): ذوا. (٣) انظر ترجمته في: «اللباب» ١/ ٣٩٢، «تذكرة الحفاظ» ٤/ ١٢١٨ - ١٢٢٢ (١٠٤١)، «سير أعلام النبلاء» ١٩/ ١٢٠ (٦٣)، «شذرات الذهب» ٣/ ٣٩٢. فائدة رابعة: الحُميدي -بالضم- يشتبه بالحَمِيدي -بالفتح وكسر الميم- نسبة لإسحاق بن تَكِيْنَك الحميدي، مولى الأمير الحميد الساماني، سمع من أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سلم وغيره، نبه عليه السمعاني (١). قلت: وأبو بكر عتيق بن علي الصنهاجي الحَميدي -بالفتح أيضًا- ارتحل وسمع من نصر الله القزاز وتفقه، وله ديوان شعر، ثم ولي قضاء عدن، ومات باليمن، وذكر ابن ماكولا مع الحُميدي -بالضم- الجنيدي، وقال: يروي عنه ابن عَدِي ولا يُلبس، وما ذكرناه من الضم مع الفتح أولى، وكذا سُقْتُهُ في مختصري في المؤتلف والمختلف. فائدة: هذا الحديث على شرط مسلم أيضًا من هذا الوجه، فإنه أخرج لرجاله كلهم في «صحيحه» فتنبَّه له. الوجه الرابع: في لطائف إسناده: من لطائفه أن رجال إسناده ما بين مكي ومدني، فالأولان مكيان والباقون مدنيون. ومن لطائفه رواية تابعي عن تابعي وهما يحيى ومحمد التيمي، وهذا كثير، وإن شئت قلت: فيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض بزيادة علقمة، على قول الجمهور كما سلف أنه تابعي لا صحابي (٢). ------------------- (١) انظر: «اللباب» ١/ ٣٩٢. (٢) قلت: هذا يسمى: المدبج أو رواية الأقران بعضهم عن بعض، كما هو مقرر في مصطلح الحديث. = ومن لطائفه أيضًا: رواية صحابي عن صحابي على قول من عدّه صحابيًّا، ويقع أيضًا رواية أربعة من التابعين بعضهم عن بعض، ورواية أربعة من الصحابة بعضهم عن بعض أيضًا، وقد أفرد الحافظ أبو موسى الأصبهاني جزءًا لرباعي الصحابة وخماسيهم، وقد لخصته بحذف أسانيده، وسيأتي لك بعضه عند التوغل في هذا الشرح في أَمَسّ المواضع به إن شاء الله. ومن الغريب العزيز رواية ستة من التابعين بعضهم عن بعض، وقد أفرده الخطيب البغدادي بجزء وجمع اختلاف طرقه، وهو حديث (منصور) (١) بن المعتمر، عن هلال بن يساف، عن الربيع بن خثيم، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب، عن النبي - ﷺ - في أن ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾ [الإخلاص: ١] تعدل ثلث القرآن (٢). ------------------ = فالمدبج هو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر، والقرينان هما المتقاربان في السن والإسناد، المشتركان في الأخذ عن الشيوخ. فمثال المدبج في الصحابة: عائشة وأبو هريرة، روى كل واحد منهما عن الآخر، وفي التابعين: رواية الزهري عن عمر بن عبد العزيز، ورواية عمر، عن الزهري، وفي أتباع التابعين: رواية مالك عن الأوزاعي ورواية الأوزاعي عن مالك. أما رواية الأقران: فهي أن يروي أحد القرينين عن الآخر فقط، مثاله: رواية سليمان التيمي عن مسعر بن كدام، فهما قرينان، ولا يعلم لمسعر رواية عن سليمان. انظر: «علوم الحديث» ص ٣٠٩ - ٣١٠، «المقنع» ٢/ ٥٢١ - ٥٢٣، «تدريب الراوى» ٢/ ٣٥٣ - ٣٥٦. (١) في (ف): المنصور، والصواب ما أثبتناه، كما في مصادر التخريج. (٢) رواه الترمذي (٢٨٩٦)، والنسائي ٢/ ١٧٢، وأحمد ٥/ ٤١٨، وعبد بن حميد في «المنتخب» ١/ ٢٢٣ (٢٢٢)، والطبراني ٤/ ١٦٧ (٤٠٢٨، ٤٠٢٩)، وابن عبد البر في «التمهيد» ٧/ ٢٥٥ - ٢٥٦. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال = قال يعقوب بن شيبة: وهذا أطول إسناد روي. قال الخطيب: والأمر كما قال، قال: وقد روي هذا الحديث أيضًا من طريق سبعة من التابعين، ثم ساقه من حديث أبي إسحاق الشيباني، عن عمرو بن مرة، عن هلال، عن عمرو، عن الربيع، عن عبد الرحمن، فذكره. الوجه الخامس: في بيان الأنساب الواقعة فيه: وقع فيه الحميدي والأنصاري والليثي والتيمي، أما الأول: فقد سلف بيانه، وأما الثاني: فنسبته إلى الأنصار، واحدهم نصير كشريف وأشراف، وبه جزم النووي، وقيل: ناصر كصاحب وأصحاب وهم قبيلتان: الأوس، والخزرج ابنا حارثة -بالحاء المهملة- بن ثعلبة العنقاء بن عمرو بن مُزَيْقِيَاء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن قيس بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يَشْجُب بن يعرب بن قحطان بن عامر بن صالح بن أرفخشد بن سام بن نوح -عليه السلام-. وقحطان أصل العرب -أعني: عرب اليمن- واسم قحطان: يقطن وقيل: يَقطان؛ وسمي به لأنه كان أول من قحط أموال الناس من ملوك العرب. وقال ابن ماكولا اسمه: مهرّم (١). وأما عرب الحجاز وهم العرب المستعربة فمن ذرية إسماعيل، وأما --------------------- = شيخ الإسلام ابن تيمية: الأحاديث المأثورة عن النبي - ﷺ - في فضل: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾، وأنها تعدل ثلث القرآن من أصح الأحاديث وأشهرها، حتى قال طائفة من الحفاظ كالدارقطني: لم يصح عن النبي - ﷺ - في فضل سورة من القرآن أكثر مما صح عنه في فضل ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾. «تفسير سورة الإخلاص» ص ٢٦، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٣٩٧٨). (١) «الإكمال» ١/ ٣٤١، ٢/ ٥٦٦، ٧/ ٣٠٥. العرب العاربة فهم: عاد وثمود وجرهم والعماليق وأمم سواهم، وقيل: إن جميع العرب ينسبون إلى إسماعيل، والمشهور ما ذكرناه. والخزرج أشرف من الأوس؛ لكون أخوال النبي - ﷺ - منهم، وهو وصفٌ لهم إسلامي، وقيل لهم ذَلِكَ؟ لنصرتهم رسول الله - ﷺ - في «الصحيح» كما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه، عن غيلان بن جرير قال: قلت لأنس بن مالك: أرأيتم اسم الأنصار أكنتم تسمون به أم سماكم الله به؟ قال: بل سمانا الله (١). وتفرعوا بطونًا وأفخاذًا كثيرة. وأما الليثي فنسبة إلى ليث بن بكر -كما أسلفناه- بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، وقد ينسب في غير هذا إلى الجد دون القبيلة وإلى نزوله فيهم، ويشتبه الليث بأشياء ذكرتها في «المؤتلف». وأما التيمي فنسبه إلى عدة قبائل اسمها تيم قريش، ومنها خلق كثير من الصحابة فمن بعدهم، منها: محمد بن إبراهيم السالف، ومنها تيم اللات بن ثعلبة، وتيم الرباب، وتيم ربيعة. ويشتبه التيمي بالتيَمي -بفتح الياء- بطن ابن غافق، منهم الماضي بن محمد سمع منه ابن وهب (٢). الوجه السادس: هذا الحديث أحد أركان الإسلام وقواعد الإيمان، ولا شك في صحته من حديث الإمام أبي سعيد يحيى بن سعيد الأنصاري، رواه عنه حفاظ الإسلام وأعلام الأئمة إمام دار الهجرة مالك (خ، م) بن ---------------------- (١) سيأتي برقم (٣٧٧٦) كتاب: مناقب الأنصار، باب: مناقب الأنصار. (٢) هو أبو مسعود، الماضي بن محمد بن مسعود التمي الغافقي، روى «الموطأ» عن مالك، روى عنه ابن وهب، وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومئة. انظر: «اللباب في تهذيب الأنساب» ١/ ٢٣٢ - ٢٣٣. أنس، وشعبة بن الحجاج، والحمادان: حماد (خ) بن زيد، وحماد بن سلمة، والسفيانان: سفيان الثوري وابن عيينة، والليث بن سعد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الوهاب (خ)، وخلائق لا يحصون كثيرة. وقد ذكره البخاري من حديث سفيان ومالك وحماد بن زيد وعبد الوهاب كما سلف. قال أبو سعيد محمد بن على الخشَّاب الحافظ (١): روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد نحو مائتين وخمسين رجلًا. قلت: وبلغهم ابن منده (٢) في «مستخرجه» فوق الثلاثمائة. ولولا خشية الملالة لعددتهم، وقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: سمعت الحافظ أبا مسعود عبد الجليل (محمد) (٣) يقول في المذاكرة: ------------------- (١) هو الإمام المحدث المفيد الثقة، أبو سعيد محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حبيب النيسابوري، الخشاب، الصافر، ولد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. قال عبد الغافر في سياق تاريخ نيسابور: كان محدثًا مفيدًا، من خواص خدم أبي عبد الرحمن السلمي، وكان صاحب كتب حتى صار بُندار كتب الحديث بنيسابور. توفي في ذي القعدة سنة تسع وخمسين وأربعمائة. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ١٥٠ - ١٥١، «شذرات الذهب» ٣/ ٣٠١. (٢) هو الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن الإمام أبي عبد الله محمد بن المحدث أبي يعقوب إسحاق بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده، العبدي الأصبهاني، أبوه صاحب تصانيف منها «معرفة الصحابة». ولد سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وسمع أباه وأبا بكر بن مردويه وغيرهم، وكان كبير الشأن جليل القدر كثير السماع، سافر إلى الحجاز وبغداد وهمذان وخراسان، وكتابه المذكور هو «المستخرج من كلام الناس» قيد التحقيق بدار الفلاح. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ٣٤٩، «شذرات الذهب» ٣/ ٣٣٧ - ٣٣٨. (٣) في (ف): أحمد، والمثبت هو الصواب. وهو الشيخ الإمام الحافظ المتقن محدث أصبهان، أبو مسعود، عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد بن محمد الأصبهاني كُوتاه، ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة. = قال الإمام عبد الله الأنصاري: كتبت هذا الحديث عن سبعمائة نفر من أصحاب يحيى بن سعيد، وقال الحافظان: أبو موسى المديني (١)، وشيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي: إنه رواه عن يحيى سبعمائة رجل (٢). ثم تنبه بعد ذَلِكَ لقولين ساقطين: الأول: ما رأيته في أول كتاب «تهذيب مستمر الأوهام» لابن ماكولا أنه يقال: إن يحيى بن سعيد لم يسمعه من التيمي. الثانية: ذكرها هو أيضًا في موضع آخر أنه يقال: لم يسمعه التيمي من علقمة (٣). وبيان وهن هاتين المقالتين رواية البخاري السالفة أول «صحيحه» فإن فيها: عن يحيى بن سعيد، أخبرني محمد بن إبراهيم ------------------- = قال الحافظ أبو موسى: هو أوحد وقته في علمه مع حسن طريقته وتواضعه. مات في شعبان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. انظر ترجمته في: «المنتظم» ١٠/ ١٨٢، «سير أعلام النبلاء» ٢٠/ ٣٢٩ - ٢٣١، «شذرات الذهب» ٤/ ١٦٧. (١) أبو موسى محمد بن أبى بكر عمر بن أبى عيسى أحمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن أبى عيسى المديني الأصبهاني الشافعي صاحب التصانيف، إمام علامة، حافظ كبير، ثقة شيخ المحدثين، ولد سنة ٥١١ هـ، ومات سنة ٥٨١ هـ. انظر: «وفيات الأعيان» ٤/ ٢٨٦ (٦١٨)، «سير أعلام النبلاء» ٢١/ ١٥٢ - ١٥٩ (٧٨)، «الوافي بالوفيات» ٤/ ٢٤٦، ٢٤٧ (١٧٨٤)، «شذرات الذهب» ٤/ ٣٧٣. (٢) قال الحافظ في «الفتح» ١/ ١١: وأنا أستبعد صحة هذا، فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة. اهـ. وقال في «التلخيص الحبير» ١/ ٥٥: تتبعته من الكتب والأجزاء حتى مررت على أكثر من ثلاثة آلاف جزء فما استطعت أن أكمل له سبعين طريقًا. اهـ. (٣) «تهذيب مستمر الأوهام» ص ٦١ - ٦٢ بتصرف. التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص فذكره، وكذا صرح بذلك في كتاب: الأيمان والنذور كما سلف لك، وإنما ذكرت هاتين المقالتين لأُنَبِّه على وَهنهما وشذوذهما وأنهما لا يقدحان في الإجماع السالف على صحته، ومثلهما في الوهن قول ابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار»: إن هذا الحديث قد يكون عند بعضهم مردودًا؛ لأنه حديث فرد (١). الوجه السابع: هذا الحديث قد رواه عن النبي - ﷺ - غير عمر، من الصحابة - رضي الله عنهم -، وإن كان الحافظ أبو بكر البزار قال: لا نعلم رُوِيَ هذا الحديث إلا عن عمر، عن رسول الله بهذا الإسناد (٢). وكذا ابن السكن في كتابه المسمى بـ «السنن الصحاح المأثورة» حيث قال: لم يروه عن النبي - ﷺ - بإسناد غير عمر بن الخطاب، وكذلك الإمام أبو عبد الله محمد بن عتَّاب، حيث قال: لم يروه عن النبي - ﷺ - غير عمر. وذكره الحافظ أبو يعلى القزويني في كتابه «الإرشاد» من حديث عبد المجيد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - ﷺ -: «الأعمال بالنية» (٣). ثم قال: ورواه عنه نوح بن حبيب وإبراهيم بن عتيق، وهو حديث غير محفوظ عن زيد بن أسلم بوجه. فهذا مما أخطا فيه الثقة عن الثقة، وإنما هو حديث آخر أُلصق بهذا، وهذا مما غلط فيه عبد المجيد (٤). ورواه الدارقطني في «أحاديث مالك التي ليست في الموطأ» ولفظه: ------------------ (١) «تهذيب الآثار» ص ٧٨٦، مسند عمر بن الخطاب، السفر الثاني. (٢) «البحر الزخار» ١/ ٣٨٠ (٢٥٧). (٣) «الإرشاد» ١/ ٢٣٣ (٢٨). (٤) «الإرشاد» ١/ ١٦٧. «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، ولكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى» إلى آخره، ثم قال: تفرد به عبد المجيد، عن مالك، ولا نعلم حدث به عن عبد المجيد غير نوح بن حبيب وإبراهيم بن محمد العتيقي. قلت: وعبد المجيد هو ابن (عبد العزيز) (١) بن أبي رواد المكي، وهو من رجال مسلم مقرونًا، ووثَّقه يحيى وغيره. وقال أحمد: ثقة يغلو في الإرجاء. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي يكتب حديثه (٢). وقال الدارقطني: لا يحتج به (٣). وأما الخطابي فإنه أحال الغلط على الراوي عنه فقال: لا أعلم خلافًا بين أهل العلم أن هذا الحديث لا يصح مسندًا إلا من حديث عمر، وقد غلط فيه نوح بن حبيب (٤)، ونوح هذا ثقة صاحب سنة، وأخرج له أبو داود والنسائي وقال: لا بأس به (٥)، وقال الخطيب: هو ثقة، أمر أحمد بن حنبل أن يكتب حديثه (٦). وقال ابن منده الحافظ: رواه عن النبي - ﷺ - غير عُمَرَ سعدُ بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وأنس، وابن عباس، ومعاوية، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، وعتبة بن عبد السلمي (وهزال بن ----------------- (١) في (ف): عبد الله، والصواب ما أثبتناه كما في مصادر الترجمة. (٢) «الجرح والتعديل» ٦/ ٦٥. (٣) انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» ٥/ ٥٠٠، «التاريخ الكبير» ٦/ ١١٢ (١٨٧٥)، «تهذيب الكمال» ١٨/ ٢٧١ - ٢٧٦ (٣٥١٠). (٤) «أعلام الحديث» ١/ ١١١. وتعقبه العراقي في «طرح التثريب» ٢/ ٤ - ٥، فقال: وما قاله الخطابي ليس بجيد، فإنه لم ينفرد به نوح عنه بل رواه غيره عنه وإنما الذي تفرد به ابن أبي رواد كما قال الدارقطني وغيره. اهـ. (٥) انظر: «تاريخ بغداد» ١٣/ ٣٢١. (٦) «تاريخ بغداد» ١٣/ ٣٢٠، ٣٢١. حدث خطأ في تحميل الصفحة الجُذامي ومحمد بن المنكدر. ورواه عن علقمة غير التيمي: سعيد بن المسيب، ونافع مولى ابن عمر، وتابع يحيى بن سعيد على روايته عن التيمي (محمد) (١) بن علقمة أبو الحسن الليثي، وداود بن أبي الفرات، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة، وعبد الله بن قيس الأنصاري. الوجه التاسع: ادعى الخليلي أن الذي عليه الحفاظ أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ به ثقة أو غيره، فما كان عن غير ثقة فمردود وما كان عن ثقة توقف فيه، ولا يحتج به (٢). وقال الحاكم: إنه ما انفرد به ثقة وليس له أصل يتابع (٣). وما ذكراه يشكل بما ينفرد به العدل الضابط كهذا الحديث؛ فإنه لا يصح إلا فردًا و(ليس له) (٤) متابع أيضًا كما سلف، ومثل هذا الحديث النهي عن بيع الولاء وهبته الآتي في بابه تفرد به عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي - ﷺ - (٥)، وقد قال مسلم في «صحيحه»: للزهري نحو من تسعين حديثًا يرويها عن النبي - ﷺ - لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد (٦)، وما أبدع حد الشافعي رحمه الله للشاذ، حيث ----------------- = المختصر«٢/ ٢٤٨، ولم أقف له أيضا على ترجمة، والله أعلم. (١) في (ف) محمد بن محمد، والصواب ما أثبتناه كما في»تهذيب الكمال«٢٦/ ٢١٢. (٢)»الإرشاد«للخليلي ١/ ١٧٦. (٣)»معرفة علوم الحديث«للحاكم ص ١١٩. (٤) في (ف): وله، ولعل الصواب ما أثبتناه حتى يستقيم السياق والله أعلم. (٥) سيأتي برقم (٢٥٣٥) كتاب: العتق، باب: بيع الولاء وهبته. (٦)»صحيح مسلم" عقب الرواية (١٦٤٧). بريء منه، وهو للذي أشرك» (١) وفي رواية: «تركته وشركه»، وحديث: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (٢). الوجه العاشر: قول البخاري رحمه الله: (ثنا الحميدي)، وقول يحيى بن سعيد (أخبرني) يتعلق به مسائل: الأولى: في كتابة: نا وأنا، وقد أسلفنا الكلام عليه في القاعدة الخامسة عشر في الفصل المعقود لها فرَاجِعْها منه. الثانية: جرت العادة أنْ يقال فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ: حَدَّثَني، ومع غيره: ثنا، وفيما قرأ عليه بنفسه: أخبرني، وفيما قرأ عليه بحضوره: أنا، فإن شك هل كان وحده أو مع غيره؟ فيحتمل أن يقال: يقول: حَدَّثَني أو أخبرني؛ لأن عدم غيره هو الأصل، واختاره البيهقي، ولا يقول: ثنا، فإن كان حَدَّثَني أكمل مرتبة منها فيقتصر ---------------- = الوصايا، باب: أن يترك ورثته أغنياء، (٣٩٣٦) كتاب: مناقب الأنصار، باب: قول النبي - ﷺ - «اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم»، (٤٤٠٩) كتاب: المغازي، باب: حجة الوداع، (٥٣٥٤) كتاب: النفقات، باب: فضل النفقة على الأهل. (٥٦٦٨) كتاب: المرض، باب: ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، (٦٣٧٣) كتاب: الدعوات، باب: التعوذ من البخل، (٦٧٣٣) كتاب: الفرائض، باب: ميراث البنات. ورواه مسلم (١٦٢٨) كتاب: الوصية: باب الوصية بالثلث. (١) رواه مسلم (٢٩٨٥) كتاب: الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، وابن ماجه (٤٢٠٢)، وأحمد ٢/ ٣٠١، وابن خزيمة ٢/ ٦٧ - ٦٨ (٩٣٨) كلهم من حديث أبي هريرة. (٢) سيأتي برقم (٧٤٥٨) كتاب: التوحيد، باب: قوله تعالى: وقد ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا﴾، ورواه مسلم (١٩٠٤) كتاب: الاِمارة، باب: من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله، عن أبي موسى الأشعري. على الناقص، وهو ما قاله الإمام يحيى القطان فيما إذا شك أن الشيخ قال: نا فلان أو حَدَّثَني، ثم إن هذا التفصيل من أصله مستحب، ويجوز في حَدَّثَني: نا، وفي أخبرني: أنا، وذلك سائغ في كلام العرب. الثالثة: أرفع الأقسام عند الجماهير السماع من لفظ المُسْمِع، قال الخطيب: وأرفع العبارات: سمعت ثم نا، وحَدَّثَني، فإنه لا يكاد أحد يقول في الإجازة والكتابة: سمعت لأنه يدلس ما لم يسمعه، وكان بعضهم يستعمل ثنا في الإجازة (١). وقال ابن الصلاح: نا، وأنا أرفع من سمعت؛ إذ ليس في سمعت دلالة أن الشيخ خاطبه، بخلافهما كما وقع لأبي القاسم الآبندوني (٢)، فإنه كان عسر الرواية، فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم، ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به، فكان يقول: سمعت، ولا يقول: نا ولا أنا؛ لأن قصده الرواية للداخل عليه (٣). قلت: ولك أن تقول: نا أيضًا، قد استعملها بعضهم في الإجازة كما سلف، ولا شك في انحطاط رتبتها عن السماع. الرابعة: في إطلاق نا، وأنا في القراءة على الشيخ ثلاث مذاهب: المنع، والجواز، والمنع في نا والجواز في أنا، والأول قول جماعة ------------------ (١) انظر: «الكفاية» ص ٤١٢ - ٤١٣. (٢) هو أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الآبندوني الجرجاني، كان إمامًا حافظًا زاهدًا ثقة مأمونًا ورعًا مكثرًا من الحديث، وكان من أقران أبي بكر الإسماعيلي وأبي أحمد ابن عدي الحافظ، وروى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر البرقاني الخوارزمي. مات سنة ثمان أو سبع وستين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ٩/ ٤٠٨، «الأنساب» للسمعاني ١/ ٩١ - ٩٢. (٣) «مقدمة ابن الصلاح» ص ١٣٥ - ١٣٦. منهم: أحمد، وصححه الآمدي (١)، والغزالي (٢) من الأصوليين، وهو مذهب المتكلمين. والثاني: منسوب إلى معظم الحجازيين والكوفيين ومالك والبخاري أيضًا، وصححه ابن الحاجب (٣) من الأصوليين، وعن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة (٤). والثالث: نسب إلى الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق، ونقل عن أكثر المحدثين أيضًا ومنهم ابن وهب (٥)، وقيل: إنه أول من أحدث هذا الفرق بمصر، وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث (٦)، وقد أعاد أبو حاتم الهروي قراءة «صحيح البخاري» كله؛ لأنه قرأه على بعض الشيوخ عن الفربري، وكان يقول له في كل حديث: حدثكم الفربري، فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر له إنما سمع الكتاب من الفربري قراءة عليه، فأعاده وقال له في جميعه: أخبركم الفربري (٧). وقد ذكر البخاري في باب: العلم كما ستعلمه: عن الحميدي عن ----------------- (١) «الإحكام» ٢/ ١٠٠. (٢) «المستصفى» ١/ ٣١٠. (٣) «منتهى الوصول» ص ٨٣. (٤) «معرفة علوم الحديث» ص ٢٥٩ - ٢٦٠. (٥) «مقدمه ابن الصلاح» ص ١٣٢ - ١٣٧، «المقنع في علوم الحديث» ص ٢٨٨ - ٢٩٢. (٦) انظر: «علوم الحديث» ص ١٤٠، ثم قال ابن الصلاح: وهذا يدفعه أن ذلك مروي عن ابن جريج والأوزاعي حكاه عنهما الخطيب، إلا أن يعني أنه أول من فعل ذلك بمصر، والله أعلم. اهـ. (٧) أوردها الخطيب في «الكفاية» ص ٤٣٦. ابن عيينة أنه قال: نا وأنا وأنبأنا وسمعت واحد (١)، وقد أتى البخاري في هذا الحديث بألفاظ، فقال: نا الحميدي، نا سفيان، وفي بعض نسخه، وهي نسخة شيخنا قطب الدين عن سفيان، ثم قال: أخبرني محمد، ثم قال سمعت عمر، فكأنه يقول: هذِه الألفاظ كلها تفيد السماع والاتصال (٢). الوجه الحادي عشر: قام الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي لا فرق فيه بين أن يأتي بلفظ: سمعت، أو بلفظ: عن، أو بلفظ: أن، أو بلفظ: قال. وقد ذكر البخاري في هذا الحديث الألفاظ الأربعة، فذكره هنا وفي الهجرة (٣) والنذور وترك الحيل بلفظ: سمعت رسول الله - ﷺ -. وفي باب: العتق بلفظ: عن. وفي؛ باب: الإيمان بلفظ: أنَّ، وفي النكاح بلفظ: قال. نعم. وقع الاختلاف فيمن دونه إذا قال: عن، فقيل: إنه من قبيل المرسل والمنقطع حَتَّى يتبين اتصاله بغيره، والصحيح أنه من قبيل المتصل بشرط أن لا يكون المُعَنعِنُ مدلسًا، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا. وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالراوية عنه مذاهب: ------------------ (١) سيأتي قبل الرواية (٦١) كتاب: العلم، باب: قول المحدث: حدثنا أو أخبرنا أو أنبانا. (٢) ورد بهامش (ف) ما نصه: بلغ إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي قراءة على شيخنا حافظ الإسلام المصنف، وسمعه الأئمة شيخنا شمس الدين محمد الصفدي والبستاني الحاضري وأبو الحسن التيمي وابن بهرام وآخرون. (٣) من كتاب: «المناقب» حديث رقم (٣٨٩٨). أحدها: لا يشترط شيء من ذَلِكَ، ونقل مسلم في مقدمة «صحيحه» الإجماع عليه (١). وثانيها: يشترط ثبوت اللقاء وحده، وهو قول البخاري والمحققين. وثالثها: يشترط طول الصحبة. ورابعها: يشترط معرفته بالرواية عنه، وقد أسلفنا كل ذَلِكَ في القاعدة الخامسة السالفة أول الكتاب في المقدمات. والحميدي مشهور بصحبة ابن عيينة، وهو أثبت الناس فيه، قال أبو حاتم: هو رئيس أصحابه ثقة إمام (٢). وقال ابن سعد: هو صاحبه وراويته (٣). والأصح أنَّ أنْ كعن بالشرط المتقدم. قلت: ولغة بني تميم إبدال العين من الهمزة، وقال أحمد وجماعة: يكون منقطعًا حَتَّى يتبين السماع. الوجه الثاني عشر: ذكر البخاري في بعض رواياته لهذا الحديث: سمعت رسول الله - ﷺ -. وفي بعضها: سمعت النبي - ﷺ -. كما قدمناه. وتتعلق بذلك مسألة مهمة وهي: هل يجوز تغيير قال النبي إلى قال الرسول أو عكسه؟ وقد سلفت أول الكتاب. قال ابن الصلاح: والظاهر أنه لا يجوز، وإن جازت الرواية بالمعنى؛ لاختلاف معنى الرسالة والنبوة (٤). وسهل في ذَلِكَ الإمام أحمد وحماد بن سلمة والخطيب، وصوبه النووي، فإنه لا يختلف به ---------------------- (١) «صحيح مسلم» ١/ ٣٢. (٢) «الجرح والتعديل» ٥/ ٥٧. (٣) «الطبقات الكبرى» ٥/ ٥٠٢. (٤) «مقدمة ابن الصلاح» ص ٢٣٣. هنا معنى (١)، وهو كما قال. وبهذا يظهر ردُّ بحثِ مَن بحثَ، حيث قال: لو قيل: يجوز تغيير النبي إلى الرسول دون عكسه لما بعد؛ لأن في الرسول معنى زائدًا على النبي وهو الرسالة. قلت: وهذِه المسألة من أصلها مبنية على أن الرسالة أخص من النبوة، وهو ما عليه الجمهور. وأما من قال: إنهما بمعنى، فلا يأبى هذا، وقد أوضحت الكلام على ذَلِكَ في كتابنا المسمى بـ«الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» في شرح الخطبة مع فوائد جمة متعلقة بذلك، وذكرت فيه أن من الغرائب ما قاله الحليمي (٢): إن الإيمان يحصل بقول الكافر: آمنت بمحمد النبي دون محمد الرسول، معللًا بأن النبي لا يكون إلا لله، والرسول قد يكون لغيره. وقلت فيه: كأنه أراد أن لفظ الرسول يستعمل عرفًا في غير الرسالة إلى الخلق، بخلاف النبوة فإنها لا تستعمل إلا في النبوة الشرعية دون اللغوية (٣). ثم اعلم أنه يتأكد الاعتناء بالجمع بين الصلاة والتسليم عند ذكره ------------------------- (١) «مسلم بشرح النووي» ١/ ٣٨. (٢) الحليمي هو أبو عبد الله، الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري، الشافعي أحد الأذكياء الموصوفين، ومن أصحاب الوجوه في المذهب، كان متفننا، سيّال الذهن، مناظرًا، طويل الباع في الأدب والبيان. ولد في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وله مصنفات نفيسة، توفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعمائة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٢/ ١٣٧، ١٣٨، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٢٣١ - ٢٣٤، «الوافي بالوفيات» ١٢/ ٣٥١، «طبقات السبكي» ٤/ ٣٣٣ - ٣٤٣. (٣) «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» ١/ ١٠٨. عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد نص العلماء على كراهة إفراد أحدهما (١). الوجه الثالث عشر: اختلف النحاة في (سمعت) هل يتعدى إلى مفعولين؟ على قولين: أحدهما: نعم، وهو مذهب أبي علي الفارسي في «إيضاحه» قال: لكن لابد أن يكون الثاني مما يُسْمَع، كقولك: سمعت زيدًا يقول كذا، ولو قلت: سمعمت زيدًا أخاك لم يجز (٢)، والصحيح أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، والفعل الواقع بعد المفعول في موضع الحال، أي: سمعته حال قوله كذا. الوجه الرابع عشر: (الْمِنْبَرِ) -بكسر الميم- مشتق من النبر وهو الارتفاع، قاله أهل اللغة (٣)، قال الجوهري: نبرت الشيء، أنْبُرُه نبرًا: رفعته. ومنه سمي المِنبر (٤). الخامس عشر: لفظة: «إنما» موضوعة للحصر، تثبت المذكور، وتنفى ما عداه، هذا مذهب الجمهور من أهل اللغة والأصول وغيرهما. وعلى هذا هل هو بالمنطوق أو بالمفهوم؟ فيه مذهبان حكاهما ابن الحاجب (٥)، ------------------ (١) انظر: «مقدمة ابن الصلاح» ص ١٩٠، «مسلم بشرح النووي» ١/ ٤٤، «المقنع» ١/ ٣٥٣. (٢) «الإيضاح» ١/ ١٩٧. (٣) «لسان العرب» ٥/ ١٨٨، «تاج العروس» ١/ ٣٥١٠، مادة: (نبر). (٤) «الصحاح» ٢/ ٨٢١، مادة: (نبر). (٥) «المنتهى» لابن الحاجب ص ١١٢. ومقتضى كلام الإمام وأتباعه أنه بالمنطوق (١)، واختار الآمدي أنها لا تفيد الحصر بل تفيد تأكيد الإثبات (٢)، وهو الصحيح عند النحويين (٣)، وقيل: تفيده وضعًا لا عرفًا، حكاه بعض المتأخرين، ومحل بسط المسألة كتب الأصول والعربية فلا نطول به. فائدتان: الأولى: (أنما) -بفتح الهمزة- كإنما قاله الزمحشري (٤) في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الأنبياء: ١٠٨]. وعُدَّ ذَلِكَ من أفراده (٥)، ومنع بعض شيوخنا الحصر هنا لاقتضائه أنه لم يُوْحَ إليه غير التوحيد (٦). وفيما ذكره نظر، فإن الخطاب مع المشركين، فالمعنى: ما أُوحي إِلَيَّ في أمر الربوبية إلا التوحيد لا الإشراك (٧). الثانية: للحصر أدواتٌ أُخَرُ منها: حصر المبتدأ في الخبر نحو: العالم زيد (٨)، ومنها: تقديم المعمولات على ما قاله الزمخشري (٩) وجماعة نحو: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥]، ومنها إلا، على اختلاف ------------------ (١) «التمهيد» للإسنوي ص ٢١٨، «الإبهاج» ١/ ٣٥٦. (٢) «الإحكام» ٣/ ١٠٦. (٣) انظر: «مغني اللبيب» ص ٤٠٦. (٤) «الكشاف» ٣/ ٢٠٨. (٥) قاله أبو حيان، انظر: «مغني اللبيب» ص ٥٩، «القواعد والفوائد الأصولية» للبعلي ص ١٤٠. (٦) وهو منقول أيضًا عن أبي حيان، انظر المصادر السابقة. (٧) انظر: «مغني اللبيب» ص ٥٩، «القواعد والفوائد الأصولية» ص ١٤٠. (٨) قلت: المسألة خلافية، فقد ذهب الحنفية والقاضي أبو بكر وجماعة من المتكلمين إلى أنه لا يفيد الحصر، واختاره الآمدي، وذهب الغزالي والهراسي وجماعة من الفقهاء إلى أنه يدل على الحصر. انظر: «الإحكام» ٣/ ١٠٦. (٩) «الكشاف» ١/ ٤، ٧. ![]()
__________________
|
|
#25
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 171 الى صـــ 190 الحلقة (25) فيها، ومنها لام كي، كقوله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: ٨]، قاله الباجي (١)، ومنها السبر والتقسيم (٢) نحو: إن لم يكن زيد متحركًا فهو ساكن. السادس عشر: في الحديث مع «إنما» صيغة حَصْرٍ أخرى، وهي المبتدأ والخبر الواقع بعده، وقد أسلفنا عن البخاري أنه رواه مرة بإسقاط «إنما» فكل منهما إذا انفرد يفيد ما أفاده الآخر واجتماعهما آكد. السابع عشر: «الأَعْمَال» حركات البدن، ويتجوز بها عن حركات النفس، وعبَّر بها دون الأفعال؛ لئلا تتناول أفعال القلوب، ومنها النية ومعرفة الله تعالى، فكان يلزم أن لا يصحَّان إلا بنية، لكن النية فيهما محال؛ أما النية فلأنها لو توقفت على نية أخرى لتوقفت الأخرى على أخرى ولزم التسلسل أو الدور، وهما محالان. وأما معرفة الله تعالى؛ فلأنها لو توقفت على النية، -مع أن النية قصد المنوي بالقلب- لزم أن يكون عارفًا بالله قبل معرفته وهو محال. ولأن المعرفة وكذا الخوف والرجاء مميزة لله تعالى بصورتها- وكذا التسبيح وسائر الأذكار والتلاوة، لا يحتاج شيء منها إلى نية التقرب به بل إلى مجرد القصد له، ولهذا لما كان الركوع والسجود في الصلاة غير ملتبس بهما لم يجب فيهما ذكر، ---------------- (١) «المنتقى» ٣/ ١٣٢. (٢) السبر والتقسيم: هو حصر الأوصاف في الأصل المقيس عليه وإبطال ما لا يصلح بدليل فيتعين أن يكون الباقي علة، والسبر لغة: الاختبار ومنه الميل الذي يختبر به الجرح، فإنه يقال له: المسبار، وسمي هذا به؛ لأن المناظر يقسم الصفات ويختبر كل واحدِ منها، هل تصلح للعلية أم لا؟ = بخلاف القيام والقعود في التشهد فإن كلًّا منهما ملتبس بالعادة، فوجب في القيام القراءة وفي القعود التشهد ليتميزا عن العادة. ثم اعلم أن الأعمال ثلاثة: بدني، وقلبي، ومُرَكَّب منهما: فالأول: كل عمل لا يشترط فيه النية: كرد الغصوب، والعواري، والودائع، والنفقات، وكذا إزالة النجاسة على الصواب وغير ذَلِكَ. والثاني: كالاعتقادات، والتوبة، والحب في الله، والبغض فيه، وما أشبه ذَلِكَ. والثالث: كالوضوء، والصلاة، والحج، وكل عبادة بدنية، فيشترط فيها النية قولًا كانت أو فعلًا كما سيأتي. وبعض الخلافيين يخصص العمل بما لا يكون قولًا، وفيه نظرٌ؛ لأن القول عمل جارحي أيضًا، أما الأفعال فقد استعملت مقابلة للأقوال. ولا شك أن هذا الحديث يتناول الأقوال. الوجه الثامن عشر: «النِّيَّاتِ»: جمع نية -بالتشديد والتخفيف-، فمن شدد -وهو المشهور- كانت من نوى ينوي إذا قصد وأصله نوية، قلبت الواو ياء ثم أدغمت في الياء بعدها لتقاربهما، ومن خفف كانت من ونى يني إذا أبطا وتأخر؛ لأن النية تحتاج في توجيهها وتصحيحها إلى إبطاء وتأخر (١). ويقال: نويت فلانًا وأنويته بمعنًى. ---------------- = انظر: «المختصر في أصول الفقه» لابن اللحام ص ١٤٨، «المنخول» ص ٣٥٠، «شرح الكوكب المنير» ٤/ ١٤٢، «إرشاد الفحول» ٢/ ٨٩٢. (١) قال العيني في «عمدة القاري» ١/ ٢٦: وهذا بعيد لأن مصدر ونى يني وَنْيًا، قال الجوهري: يقال: ونيت في الأمر أني ونًى ووَنيًا، أي: ضعفت فأنا وانٍ. اهـ. وانظر: «الصحاح» ٦/ ٢٥٣١. الوجه التاسع عشر: الباء في قوله: («بِالنِّيَّاتِ»)، يحتمل أن تكون باء السببية، ويحتمل أن تكون باء المصاحبة (١)، ويتخرج على ذَلِكَ أن النية جزءٌ من العبادة أم شرط، وستعلم ما فيه قريبًا. الوجه العشرون: وجه إفراد النية على رواية البخاري في الإيمان كونها مصدرًا، وجمعت هنا، لاختلاف أنواعها ومعانيها؛ لأن المصدر إذا اختلفت أنواعه جُمع، فمتى أُريد مطلق النية -من غير نظر لأنواعها- تعين الإفراد، ومتى أريد ذَلِكَ جُمعت. الوجه الحادي بعد العشرين: أفردت أيضًا وجمعت الأعمال؛ لأن المفرد المُعَرَّف عام، والمراد أن كل عمل على انفراده تعتبر فيه نية مفردة، ويحتمل أن العمل الواحد يحتاج إلى نيات إذا قُصِدَ كمال العمل، كمن قصد بالأكل دفع الجوع، وحفظ النفس، والتقوي على العبادة، وما أشبه ذَلِكَ، وبسبب تعدد النيات يتعدد الثواب. الوجه الثاني بعد العشرين: أصل النية: القصد، تقول العرب: نواك الله بحفظه، أي: قصدك الله بحفظه، كذا نقله عنهم جماعة من الفقهاء، واعترض ابن الصلاح -------------------- (١) باء السببية هي التي يَصلح غالبًا في موضعها اللام وقد يصلح موضعها لفظ (بسبب) ومنه قوله تعالى ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾. أما باء المصاحبة فلها علامتان: إحداهما: أن يحسن في موضعها (مع)، والأخرى: أن يغني عنها وعن مصحوبها الحال. كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ﴾ أي مع الحق أو محقًا، وقوله: ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ﴾ أي: مع سلام أو مسلمًا عليك. ولصلاحية وقوع الحال موقعها سماها كثير من النحويين باء الحال. فقال: هذِه عبارة منكرة؛ لأن المقصود مخصوص بالحادث، فلا يضاف إلى الله تعالى. قال: وفي ثبوت ذَلِكَ عن العرب نظر؛ لأن الذي في «الصحاح»: نواك الله، أي: صحبك في السفر وحفظك (١)، وقال الأزهري: يقال: نواه الله، أي: حفظه (٢)، وهذا الذي أنكره عليهم غير منكر بل صحيح، وقد قال: هو في القطعة التي شرحها من أول (٣) «صحيح مسلم»، وقد ورد عن العرب: نواك الله بحفظه. هذا كلامه، ومعلوم أن من أطلق القصد لم يرد القصد الذي هو من صفة الحادث بل أراد الإرادة، إذا تقرر هذا، فالمراد هنا قصد الشيء المأمور تقربًا إلى الله تعالى مقترنًا بقصده. فإن قصد وتراخى عنه فهو عزم. وجعل الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي (٤) في «أربعينه» النيةَ، والإرادةَ، والقصد، والعزم بمعنًى، قال: وكذا أزمعت على الشيء وعمدت إليه، قال: وتطلق الإرادة على الله تعالى ولا يطلق عليه غيرها مما (ذكرنا) (٥). ------------------ (١) «الصحاح» ٦/ ٢٥١٦. (٢) «تهذيب اللغة» ٤/ ٣٦٨٢ مادة: نوى. (٣) هنا تبدأ النسخة: (ج). (٤) هو علي بن المفضل بن علي بن مفرج بن حاتم بن حسن بن جعفر، الشيخ الإمام، المفتي، الحافظ، الكبير، المتقن، شرف الدين، أبو الحسن، ولد في سنة أربع وأربعين وخمسمائة، كان ذا دِيْنٍ وَوَرع وتصون وعدالة وأخلاق رضيّة، توفي في مستهل شعبان سنة إحدى عشرة وستمائة ودفن بسفح المقطم. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ٢٩٠ - ٢٩٢، «سير أعلام النبلاء» ٢٢/ ٦٦ - ٦٩، «العبر» ٥/ ٣٨ - ٣٩. (٥) في (ج): ذكرناه. قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في «معجم المناهي اللفظية» ص ٣٢٤: النية لا يجوز إطلاقها على الله، فلا يقال: ناوٍ، ولكن يقال يريد، طردًا لقاعدة التوقيف على ما ورد به النص. اهـ. ثم اعلم بعد ذَلِكَ أن محلها القلب عند الجمهور لا اللسان؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥]، والإخلاص إنما يكون بالقلب، وقال تعالى: ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧]، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «التقوى ها هنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات (١). إذا تقرر أن محلها القلب، فإن اقتصر عليه جاز (٢) إلا في الصلاة على وجه شاذٍّ لأصحابنا لا يُعْبَأ به. وإن اقتصر على اللسان لم يجز (٣) إلا في الزكاة على وجه شاذٍّ أيضا (٤)، ومثله قول الأوزاعي: لا تجب النية في الزكاة (٥) وإن جمع بينهما فهو آكد (٦). واشترطه ------------------- (١) رواه مسلم (٢٥٦٤) كتاب: البر والصلة، باب: تحريم ظلم المسلم، وأبو داود (٤٨٨٢)، والترمذي (١٩٢٧)، وابن ماجه (٣٩٣٣)، وأحمد ٢/ ٢٧٧، والبيهقي في «الشعب» ٧/ ٥٠٧، ٥٠٨ (١١١٥١) كلهم من حديث أبي هريرة. (٢) انظر: «المعونة» ١/ ٩١، «المهذب» ١/ ٢٣٦، «العزيز» ١/ ٤٧٠، «الكافي» لابن قدامة ١/ ٢٧٥. (٣) انظر: «الحاوي» ٢/ ٩١، «التهذيب» ٢/ ٧٢، «البيان» ٢/ ١٦٠. (٤) انظر: «المجموع» ١/ ٣٥٩، «فتاوى السبكي» ١/ ١٩٩. (٥) انظر: «المجموع» ٦/ ١٥٧، «المغني» ٤/ ٨٨. (٦) وقال بعضهم: يستحب، وقال آخرون: إنه أكمل الأحوال انظر: «الحاوي» ٢/ ٩١، «الوسيط» ١/ ٢٠٩، «المغني» ٢/ ١٣٢، والصواب أن التلفظ بالنية سرًّا بدعة، قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» ٢٢/ ٢٣٣: الجهر بالنية في الصلاة من البدع السيئة، ليس من البدع الحسنة، وهذا متفق عليه بين المسلمين، لم يقل أحد منهم أن الجهر بالنية مستحب، ولا هو بدعة حسنة، فمن قال ذلك فقد خالف سنة الرسول - ﷺ -، وإجماع الأئمة الأربعة، وغيرهم، وقائل هذا يستتاب فإن تاب وإلا عوقب بما يستحقه، وإنما تنازع الناس في نفس التلفظ بها سرًا هل يستحب أم لا؟ على قولين: والصواب أنه لا يستحب التلفظ بها فإن النبي - ﷺ - وأصحابه لم يكونوا يتلفظون بها لا سرًا ولا جهرًا، والعبادات التي شرعها النبي - ﷺ - لأمته ليس = أبو عبد الله الزبيري كما أشار إليه الماوردي (١)، وحكاه الروياني (٢) أيضًا، واقتضى كلامه طرده في كل عبادة. ومشهور مذهب مالك أن الأفضل أن ينوي العبادة بقلبه من غير نطق بلسانه؛ إذ اللسان ليس محلًّا للنية على ما مر (٣). تنبيهات: أحدها: جميع النيات المعتبرة يشترط فيها المقارنة إلا الصوم --------------- = لأحد تغييرها، ولا إحداث بدعة فيها. اهـ. وقال في ٢٢/ ٢١٩ - ٢٢٠: والنية تتبع العلم فمن علم ما يريد أن يفعله فلابد أن ينويه، فإذا علم المسلم أن غدًا من رمضان، وهو ممن يصوم رمضان، فلابد أن ينوي الصيام، فإذا علم أن غدًا العيد لم ينو الصيام تلك الليلة. ثم قال: والنية تتبع العلم والاعتقاد اتباعًا ضروريًا، إذا كان يعلم ما يريد أن يفعله فلابد أن ينويه، فإذا كان يعلم أنه يريد أن يصلي الظهر، وقد علم أن تلك الصلاة صلاة الظهر، امتنع أن يقصد غيرها. اهـ. وقال في «شرح العمدة» ٢/ ٥٩١: لأن النية محض عمل القلب فلم يشرع إظهارها باللسان لقوله تعالى: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: ١٦]، وفاعل ذلك يُعلم الله بدينه الذي في قلبه. اهـ. (١) «الحاوي» ٢/ ٩١ - ٩٢. (٢) هو القاضي العلامة، فخر الإسلم، شيخ الشافعية، أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني، الطبري، الشافعي، ولد في آخر سنة خمس عشرة وأربعمائة، من مصنفاته: «البحر» في المذهب، طويل جدًّا، غزير الفوائد، «مناصيص الشافعي»، «حلية المؤمن»، «الكافي». قتل بجامع آمل يوم الجمعة حادي عشر سنة إحدى وخمسمائة، قتلته الإسماعيلية، ورويان بلدة من أعمال طبرستان. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ١٩٨/ ٣ - ١٩٩، «سير أعلام النبلاء» ١٩/ ٢٦٠ - ٢٦٢، «العبر» ٤/ ٤ - ٥، «طبقات السبكي» ٧/ ١٩٣ - ٢٠٣. (٣) انظر: «المعونة» ١/ ٩١، «التاج والإكليل» ٢/ ٢٠٧، «حاشية الدسوقي» ١/ ٢٣٤. للمشقة، وإلا الزكاة؛ فإنه يجوز تقديمها قبل وقت إعطائها، قيل: والكفارات؛ فإنه يجوز تقديمها قبل الفعل والشروع. ثانيها: ينبغي لمن أراد شيئًا من الطاعات أن يستحضر النية، فينوي به وجه الله تعالى. وهل يشترط ذَلِكَ أول كل عمل وإن قَلَّ وتكرر فعله مقارنًا لأوله؟ فيه مذاهب: أحدها: نعم. وثائيها: يشترط ذَلِكَ في أوله ولا يشترط إذا تكرر، بل يكفيه أن ينوي أول كل عمل، ولا يشترط تكرارها فيما بعد ولا مقارنتها ولا الاتصال. وثالثها: يشترط المقارنة دون الاتصال. ورابعها: يشترط الاتصال وهو أخف من المقارنة. وكأن هذِه المذاهب راجعة إلى أنَّ النية جزء من العبادة أو شرط لصحتها، والجمهور على الأول، ولأصحابنا وجه بالثاني، والشرط لا (يجب) (١) مقارنته ولا اتصاله ولا تكراره للمشروط، بل متى وجد ما يرفعه أو ينفيه وجب فعله، وقال الحارث بن أسد المحاسبي (٢): الراجح عند أكثر السلف الاكتفاء بنية عامة، ولا يحتاج إليها في كل جزء لما فيه من الحرج والمشقة. الثالث: النية وسيلة للمقاصد، والأعمال قد تكون وسيلة وقد تكون مقصودة وقد يجتمعان. ---------------- (١) خرق بمقدار كلمة في (ج). (٢) هو الزاهد العارف، شيخ الصوفية، أبو عبد الله، الحارث بن أسد البغدادي، المحاسبي، صاحب التصانيف الزهدية، قال الخطيب: له كتب كثيرة في الزهد وأصول الديانة والرد على المعتزلة والرافضة، وقال الذهبي: المحاسبي كبير القدر، وقد دخل في شيء يسير من الكلام فنُقم عليه، وورد أن الإمام أحمد أثنى على حال المحاسبي من وجه وحذر منه، مات سنة ٢٤٣. وانظر ترجمته في: «حلية الأولياء» ١٠/ ٧٣، ١٠٩، «تاريخ بغداد» ٨/ ٢١١، ٢١٦، «وفيات الأعيان» ٢/ ٥٧، ٥٨، «سير أعلام النبلاء» ١٢/ ١١٠ - ١١٢. الرابع: الغرض المهم من النِّيَّة تمييز العبادات عن العادات، وتمييز رتب العبادات بعضها عن بعض، فمن أمثلة الأول: الوضوء، والغسل، والإمساك عن المفطرات، ودفع المال إلى الغير. ومن أمثلة الثاني: الصلاة. الخامس: قد أسلفنا أن معنى النِّيَّة القصد، وذلك لا يؤثر إلا إذا كان جازمًا بالمقصود بصفته الخاصة، وإلا لم يكن قصدًا، فلو كان شاكًّا في وجود شرط ذَلِكَ الفعل، أو علق النية على شرط لم يصح المنوي، نعم لو كان جازمًا بالوجوب ناسيًا صفته، كمن تحقق أن عليه صومًا ولم يَدْرِ أنه من قضاء رمضان أو نذر أو كفارة، فقد حكى صاحب «البيان» عن (الصيمري) (١) أنه يصح إذا نوى الصوم الواجب عليه، قياسًا على من نسي صلاة من الخَمس ولم يعرف عينها، فإنه يعذر في جزم النية للضرورة (٢). ولو علق كما إذا قال: أصوم غدًا إن شاء الله. فالأصح أنه إن قصد الشك أو التعليق لم يصح، وإن قصد التبرك أو تعليق الحياة على مشيئة الله تعالى وتمكينه صح (٣)، ثم في عدم الجزم بالنية صورٌ محل الخوض فيها كتب الفروع. ----------------- (١) في (ف): الصميري، وما أثبتناه من (جـ) وهو الصواب، والصيمري هو: شيخ الإسلام، القاضي أبو القاسم، عبد الواحد بن الحسين الصيمري، من أصحاب الوجوه. من مصنفاته: «الإيضاح في المذهب»، «القياس والعلل»، «الكفاية». توفي الصيمري بعد سنة ست وثمانين وثلائمائة. انظر ترجمته في: «معجم البلدان» ٣/ ٤٣٩، «تهذيب الأسماء واللغات» ٢/ ٢٦٥، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ١٤. (٢) «البيان» ٣/ ٤٩٢. (٣) انظر: «البيان» ٣/ ٤٩٢ - ٤٩٣، «المجموع» ٦/ ٣١٥. الوجه الثالث بعد العشرين: قوله - ﷺ -: («إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ..») هو متعلق بالخبر المحذوف، ولا جائز أن نقدر وجودها لوجود العمل ولا نية، فتعين أن نقدر نفي الصحة أو نفي الكمال، وفيه مذهبان للأصوليين، والأظهر الأول؛ لأنه أقرب إلى حضوره بالذهن عند الإطلاق، فالحمل عليه أَوْلَى، وقد يقدرونه بالاعتبار، أي: اعتبار الأعمال بالنيات، وقرب ذَلِكَ بمثل قولهم: إنما الملك بالرجال -أي: قوامه ووجوده- وإنما الرجال بالمال، وإنما الرعية بالعدل، وكل ذَلِكَ يراد به أن قوام هذِه الأشياء بهذِه الأمور. وقدَّر بعض المحدثين القبول وهو راجع إلى ثواب الآخرة، وهو مرتب على الصحة والكمال، وقد تنفك الصحة عن القبول بالنسبة إلى أحكام الدنيا فقط. وعلى تقدير إضمار الصحة أو الكمال وقع اختلاف الفقهاء، فذهب الشافعي ومالك وأحمد وداود وجمهور أهل الحجاز إلى تقدير الصحة، أي: الأعمال مجزية أو معتبرة بالنيات، أو: إنما صحتها أو اعتبارها بالنيات. فيكون قد حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، فلا يصح وضوء ولا غسل ولا تيمم إلا بنية، وذهب أبو حنيفة ومن وافقه إلى تقدير الكمال، أي: كمال الأعمال بالنيات. فيصح الوضوء والغسل بغير نية ولا يصح التيمم إلا بنية، وذهبت طائفة ثالثة إلى أنه يصح الكل من غير نية، حكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وغيره (١)، ومحل الخوض في هذِه المسألة كتب الخلافيات، وقد أوضحتها في «شرح عمدة الأحكام»، فليراجع منه (٢). ---------------------- (١) «الأوسط» ١/ ٣٦٩ - ٣٧٠. (٢) «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» ١/ ١٨٣. فإن قلت: الحديث المذكور عام مخصوص فإن أداء الدين، ورد الودائع، والأذان، والتلاوة، والأذكار، وهداية الطريق، وإماطة الأذى عبادات، وتصح بلا نية، فتضعف دلالته حينئذ، ويخص عدم اعتبارها في الوضوء أيضًا. فالجواب: أن ما عُدَّ وادُّعِيَ فيه الصحة بلا نية إجماعًا ممنوع حَتَى يثبت الإجماع، ولن يقدر عليه، ثم نقول: النية تلازم هذِه الأعمال، فإنَّ مؤدي الديَّن قصد براءة الذمة وذلك عبادة، وكذا الوديعة، والأذكار، والتلاوة والأذان بصورتهن عبادة، ولا ينفك تعاطيهن عن القصد، وذلك نية. ومتى خَلَوْنَ عن القصد لم يعتد بهن عبادة، والهداية والإماطة مترددة بين القربة وغيرها، وتتميز بالقصد. تتمات تتعلق بالنية: الأولى: لو وطئ امرأة يظنها أجنبية، فإذا هي مباحة له أَثِمَ، ولو اعتقدها زوجته أو أمته فلا إثم (١)، وكذا لو شرب مباحًا يعتقده حرامًا أَثِمَ، وبالعكس لا يأثم، ومثله: ما إذا قَتل من يعتقده معصومًا، فبان أنه مستحق دمه، أو أتلف مالًا يظنه لغيره فكان ملكه. قال الشيخ عز الدين في «قواعده»: ويجري عليه حكم الفاسق لجرأته على ربه تعالى. وأما مفاسد الآخرة فلا يعذب (تعذيبَ) (٢) زانٍ، ولا قاتلٍ ولا آكلٍ مالًا حرامًا؛ لأن عذاب الآخرة مرتب على رتب المفاسد في الغالب، كما أن ثوابها مرتب على رتب المصالح في الغالب، قال: والظاهر أنه لا يعذب تعذيبَ من ارتكب صغيرة ------------------- (١) ورد بهامش (ف): قال الخضري: إن كانت زوجته حرة؛ فالولد حر، وإلا فرقيق. (٢) فى (ج): عذاب. لأجل جرأته وانتهاكه الحرمة، بل عذابًا متوسطًا بين الصغيرة والكبيرة (١). الثانية: لو قال لامرأته: أنت طالق. يظنها أجنبية (طلقت) (٢) زوجته لمصادفة محله، وفي عكسه تردد لبعض العلماء مأخذه النظر إلى النية أو إلى فوات المحل، ولو قال لرقيقه: أنت حرٌّ. يظنه أجنبيًّا عتق، وفي عكسه التردد المذكور. وعلى هذا القياس في مسائل الشريعة والحقيقة والمعاملات الظاهرة والباطنة. الثالثة: ذهب بعض العلماء إلى وقوع الطلاق بالنية المجردة ولزوم النذر بها؛ اعتمادًا على هذا الحديث ولا يرد على هذا حديث: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به» (٣) لأن (المعفو) (٤) عنه في هذا الحديث هو الخطرات والهمم الضعيفة، بخلاف ما (عقدت) (٥) به العزائم، وهم إنما يوقعون الطلاق ونحوه بالنية إذا قويت وصارت عزيمة أكيدة. الرابعة: إذا نذر اعتكاف مدة (متتابعة) (٦) لزمه، وأصح الوجهين عند أصحابنا أنه لا يجب التتابع بلا شرط (٧). --------------- (١) «قواعد الأحكام» ١/ ٢٦. (٢) في (ج): خلفت. (٣) سيأتي رقم (٢٥٢٨) كتاب: العتق، باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، و(٥٢٦٩) كتاب: الطلاق، باب: الطلاق في الإغلاق والكره، و(٦٦٦٤) كتاب: الأيمان والنذور، باب: إذا حنث ناسيًا في الأيمان، ومسلم (١٢٧) كتاب: الإيمان، باب: تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر. (٤) في (ج): العفو. (٥) في (ج): عقد. (٦) في (ج): مستأنفة. (٧) انظر: «روضة الطالبين» ٢/ ٣٣٩، «فتح الوهاب» ١/ ١٣١، «مغني المحتاج» ١/ ٤٥٥. فعلى هذا لو نوى التتابع بقلبه ففي لزومه وجهان: أصحهما لا كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه، كذا نقله الرافعي (١) عن تصحيح البغوي (٢) وغيره. قال الروياني وهو ظاهر نقل المزني، قال: والصحيح عندي اللزوم؛ لأن النية إذا اقترنت باللفظ عملت كما لو قال: أنت طالق. ونوى ثلاثًا. الخامسة: في اشتراط النية في الخطبة وجهان للشافعية كما في الأذان، قاله الروياني في «البحر» وفي الرافعي في الجمعة: أن القاضي حسين حكى اشتراط نية الخطبة وفرضيتها كما في الصلاة (٣)، ونقله في «الشرح الصغير» عن بعضهم. السادسة: عدة الوفاة من حين الموت حَتَّى لو بلغها موته بعد تقضيها حلت للأزواج عندنا، وبه قال مالك والكوفيون. ولو أعتق عبده عن غيره -------------- (١) «العزيز» ٣/ ٢٦٥ والرافعي هو شيخ الشافعية إمام الدين أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة من تصانيفه: «شرح مسند الشافعي» (طُبع بتحقيق دار الفلاح)، «الفتح العزيز في شرح الوجيز»، «التذنيب». توفي سنة ٦٢٣. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ٢٢/ ٢٥٢ - ٢٥٥. (٢) «التهذيب» ٣/ ٢٢٦ وهو الشيخ الإمام، العلامة القدوة الحافظ، شيخ الإسلام، محي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي المفسر، صاحب التصانيف كـ «شرح السنة»، و«معالم التنزيل»، و«المصابيح»، و«التهذيب» وغيرها من التصانيف المفيدة النافعة. كان يلقب بمحيي السنة، وبركن الدين، توفي بمرو الروذ في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٢/ ١٣٦ - ١٣٧، «سير أعلام النبلاء» ١٩/ ٤٣٩ - ٤٤٣، «الوافي بالوفيات» ١٣/ ٢٦. (٣) «العزيز» ٢/ ٢٩٣. في كفارة الظهار بغير إذنه أجزأه عند ابن القاسم، وخالفه أشهب تبعًا للشافعي وأبي حنيفة (١). السابعة: إذا أخذ الخوارج الزكاة اعتد بها على الأصح عندنا. ثالثها (٢): إن أخذت قهرًا فنعم، وإلا فلا، وبه قال مالك. الثامنة: قال الشافعي في البويطي كما نقله الروياني، عن القاضي أبي الطيب عنه: قد قيل: إن من صرح بالطلاق، والظهار، والعتق ولم يكن له نية في ذَلِكَ لم يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى طلاق، ولا ظهار ولا عتق، ويلزم في الحكم. وحجته هذا الحديث و«رفع القلم عن ثلاثة» (٣). والإجماع على المجنون والنائم إذا تلفظا بصريح الطلاق لا يلزمهما. وقال: قال مالك: من طلق، أو أعتق، أو ظاهر بلا نية يلزمه ذَلِكَ في الحكم فيما بينه وبين الله تعالى. والحجة فيه لمن ذهب إليه ما ذكر الله من إتلاف المؤمن خطأ، وما أجمع عليه العلماء أن من أتلف مال آدمي خطأ فذلك عليه وإن لم ينو، وذلك من حقوق الآدميين، وللمرأة حق في منعها نفسها، وللعبد حق في حريته، وللمساكين حق في الظهار. ولم يتعرض البويطي لواحد (منهما) (٤). فالظاهر أنه قصد تخريجه على قولين. ----------------- (١) انظر: «المنتقى» ٤/ ٤٢. (٢) على اعتبار أن في مسألة أخذ الخوارج للزكاة ثلاثة أوجه. (٣) رواه أبو داود (٤٣٩٨)، والنسائي ٦/ ١٥٦، وابن ماجه (٢٠٤١)، وأحمد ٦/ ١٠٠ - ١٠١، وأبو يعلى ٧/ ٣٣٦ (٤٤٠٠)، والطحاوي في «مشكل الآثار» «تحفة» ١/ ٥٨٢ (٥٧٩)، والحاكم ٢/ ٥٩ وصححه على شرط مسلم، من حديث عائشة، والحديث صححه الألباني في «الإرواء» (٢٩٧). (٤) في (ج): منها. التاسعة: روينا في «مسند أبي يعلى» من حديث (…) (١) أنه -عليه السلام- قال: «يقول الله تعالى للحفظة يوم القيامة: اكتبوا لعبدي كذا وكذا من الأجر، فيقولون: ربنا لم نحفظ ذَلِكَ عنه ولا هو في صحفنا فيقول: إنه نواه، إنه نواه» (٢). ولهذا المعنى ونحوه ورد الحديث الآخر: «نية المؤمن خير من عمله» (٣) وللناس فيه تأويلات ذكرت منها في «شرح ------------------- (١) بياض في (ج)، و(ف). والحديث بهذا النص مروي عن أبي عمران الجوني من قوله، وروي مرفوعًا عن أبي عمران الجوني عن أنس، بلفظ مقارب لهذا النص. أما قول أبي عمران فقد رواه ابن أبي الدنيا في»الإخلاص والنية«ص ٧٥، وأبو نعيم في»الحلية«٢/ ٣١٣. وأما حديث أنس فقد رواه الطبراني في»الأوسط«٣/ ٩٧. وقال: لم يرو هذا الحديث عن أبي عمران إلا الحارث. اهـ. والبزار (٣٤٣٥) وقال: لا نعلمه يروى عن أنس إلا من هذا الوجه، والدارقطني في»السنن«١/ ٥١، من طريق الحارث بن غسان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس قال: قال رسول الله - ﷺ -:»يؤتى يوم القيامة بصحف مختمة فتنصب بين يدي الله تبارك وتعالى، فيقول تبارك وتعالى: ألقوا هذا، واقبلوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيرًا، فيقول الله -عز وجل-: إن هذا كان لغير وجهي، وإني لا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي«. قال الهيثمي في»المجمع«١٠/ ٣٥٠: رواه الطبراني في»الأوسط«بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح، ورواه البزار. اهـ. والحديث ضعفه الألباني في»الضعيفة«(٥١٥٤). قلت: وقع عند الطبراني أن الحارث هو ابن عبيد وهو خطأ، بل الصواب ابن غسان كما عند البزار، والدارقطني والله أعلم. (٢) رواه ابن أبي الدنيا في»الإخلاص والنية«ص ٧٥، وأبو نعيم في»الحلية«٢/ ٣١٣. (٣) رواه الطبراني في»الكبير«٦/ ١٨٥ (٥٩٤٢)، وأبو نعيم في»الحلية«٣/ ٢٥٥ من طريقه، والخطيب في»تاريخ بغداد«٩/ ٢٣٧، عن سهل بن سعد الساعدي، وقال الهيثمي في»المجمع«١/ ٦١: رجاله موثقون إلا حاتم بن عباد بن دينار الجرشي لم أر من ذكر له ترجمة. اهـ، وقال العراقي في»تخريج أحاديث الإحياء" ٢/ = عمدة الأحكام» تسعة على (تقدير) (١) صحته، منها: أن نيته خير من خيرات عمله. ومنها: أن النية المجردة عن العمل خير من العمل المجرد عنها (٢). الوجه الرابع بعد العشرين: قوله عليه الصلاة السلام: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئِ مَا نَوى» يقال: امْرؤ وَمرء. قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤]، (يقال) (٣) هذا مرء، وهذان امرآن، ولا يجمع إلا قومًا ورجالًا، ومنهم من يقول: هذا مرآن، وأنثى امرئ امرأة، وأنثى مرء مرأة ومرة ------------------ = ١١٧١: رواه الطبراني من حديث سهل بن سعد، ومن حديث النواس بن سمعان وكلاهما ضعيف. اهـ. والحديث ضعفه الألباني في «الضعيفة» (٦٠٤٥). ورواه القضاعي في «مسند الشهاب» ١/ ١١٩ (١٤٨) عن النواس بن سمعان. قال الحافظ في «الفتح» ٤/ ٢١٩: والحديث ضعيف. اهـ. وقال العجلوني في «كشف الخفاء» ٢/ ٣٢٤: وللعسكري بسند ضعيف عن النواس بن سمعان: «نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله». اهـ. وقال الألباني في «الضعيفة» (٢٧٨٩): موضوع، فيه عثمان بن عبد الله الشامي كان يضع الحديث. اهـ ورواه القضاعي في «مسند الشهاب» ١٩/ ١١ (١٤٧)، والبيهقي في «شعب الإيمان» ٥/ ٣٤٣، عن أنس. قال البيهقي: وهذا إسناد ضعيف. اهـ. وقال الحافظ في «الفتح» ٤/ ٢١٩: والحديث ضعيف. اهـ.، وقال العجلوني في «كشف الخفاء» ٢/ ٤٣٠ في إسناده يوسف بن عطية ضعيف. اهـ. ورواه ابن عبد البر في «التمهيد» ١٢/ ٢٦٥ عن علي بن أبي طالب. ورواه الربيع بن حبيب! في «مسنده» ص ٢٣ عن ابن عباس، والحديث ضعف إسناده الألباني في «الضعيفة» (٢٧٨٩) وقال: فيه مسلم بن أبي كريمة مجهول كما قال أبو حاتم والذهبي، والربيع بن حبيب إباضي مجهول، ومسنده هذا هو «صحيح الإباضية» وهو مليء بالأحاديث الواهية والمنكرة. اهـ. (١) في (ف): تقرير. (٢) «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» ١/ ١٩٣ - ١٩٤. (٣) في (ف): تقول. - بغير همز- و(ما) بمعنى: الذي، وصِلَتُه: نوى، والعائد محذوف، أي: نواه. فإن قدرت ما مصدرية لم تحتج إلى حذف؛ إذ ما المصدرية عند سيبويه حرف، والحروف لا تعود عليها الضمائر، والتقدير: لكل امرئ نيته. الوجه الخامس بعد العشرين: قوله: «(وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى»). مقتضاه أن من نوى شيئًا يحصل له، وما لم يَنْوِه لا يحصل له؛ ولهذا عظموا هذا الحديث، وجعلوه ثلث العلم، والمراد بالحصول وعدمه بالنسبة إلى الشرع، وإلا فالعمل قد حصل لكنه غير معتد به، وسياق الحديث يدل عليه بقوله: «(فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا (يُصِيبُهَا) (١) ..») إلى آخره، فإن قلت: فما فائدة ذكر هذا بعد الأول وهو يقتضي التعميم؟ قلت: له فوائد: الأولى: اشتراط تعيين المنوي، فمن كانت عليه مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة، بل لابد أن ينوي كونها ظهرًا أو عصرًا أو غيرهما، ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين، أو أوهم ذَلِكَ، قاله الخطابى (٢). الثانية: منع الاستنابة في النية، فإن اللفظ إنما يقتضي اشتراط النية في كل عمل، وذلك لا يقتضي منع الاستنابة في النية، إذ لو نوى واحد عن غيره صدق عليه أنه عمل بنية وذلك ممتنع، فأفاد بالثاني مَنْعَ ذلك. وقد استثني من هذا نية الولي عن الصبي في الحج، والمسلم عن زوجته ------------------- (١) من (ج). (٢) «أعلام الحديث» ١/ ١١٣ - ١١٤. الذمية عند طُهْرِهَا من الحيض على القول بذلك، وحَجُّ الإنسان عن غيره، وكذا إذا وكَّل في تفرقة الزكاة، وفوض إليه النية ونوى الوكيل، فإنه يجزئه كما قاله الإمام والغزالي و«الحاوي الصغير». الثالثة: أنه تأكيد لقوله: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فنفى الحكم بالأول، وأكده بالثاني تنبيها على شرف الإخلاص (وتحذيرًا من الرياء المانع من (الإخلاص) (١). فائدة: إذا أشرك في العبادة غيرها من أمر دنيوي أو رياء، فاختار الغزالي اعتبار الباعث على العمل، فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، وإن كان القصد الديني هو الأغلب كان له (أجر) (٢) بقدره، وإن تساويا تساقطا. واختار الشيخ عز الدين ابن عبد السلام أنه لا أجر فيه مطلقًا سواء تساوى القصدان أو اختلفا (٣). وقال المحاسبي: إذا كان الباعث الديني أقوى بطل عمله وخالف في ذَلِكَ الجمهور. وقال محمد بن جرير الطبري: إذا كان ابتداء العمل لله لم يضره ما عرض بعده في نفسه من عجب. هذا قول عامة السلف. الوجه السادس بعد العشرين: مقتضى قوله - ﷺ -: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى» أن من نوى شيئًا لم يحصل له غيره ومن لم ينوِ شيئًا لم يحصل، وهذِه قاعدة مطردة في جميع ---------------- (١) من (ف) وفيها: الخلاص، والمثبت هو الصواب. (٢) في (ف): الأجر. (٣) «قواعد الأحكام» ١/ ١٢٤. مسائل النية، نعم شدَّ عن ذَلِكَ مسائل يتأدى الفرض فيها بنية النفل، محل الخوض فيها كتب الفروع، وقد أوضحتها في كتاب «الأشباه والنظائر» فلتراجع منه (١). الوجه السابع بعد العشرين: الهجرة في اللغة: الترك. والمراد بها هنا: ترك الوطن والانتقال إلى غيره، وهي في الشرع: مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة، وطلب إقامة الدين. وفي الحقيقة: مفارقة ما يكره الله إلى ما يحب. ووقعت الهجرة في الإسلام على خمسة أوجه: أحدها: إلى الحبشة عندما آذى الكفار الصحابة. ثانيها: من مكة إلى المدينة بعد الهجرة. الثالثة: هجرة القبائل إلى المدينة قبل الفتح للاقتباس والتعلم لقومهم عند الرجوع. الرابعة: هجرة من أسلم من أهل مكة؛ ليأتى النبي - ﷺ - ثمَّ يرجع إليها. كفعل صفوان بن أمية ومهاجرة الفتح. الخامسة: هجرة ما نهى الله عنه، وهي أهمها، وقد أوضحتها بفوائد (جمة) (٢) في كتابنا «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» فلابد لك من مراجعته (٣). وأما حديث: «لا هجرة بعد الفتح» (٤) فمؤول كما ستعلمه في موضعه حيث ذكره البخاري -إن شاء الله- فإن الهجرة باقية إلى يوم القيامة من دار الكفر -إِذَا لم يمكنه إظهار دينه- إلى دار الإسلام، ------------------- (١) «الأشباه والنظائر» لابن الملقن ١/ ٢٤٨ - ٢٥٢. (٢) في (ج): خمسة. (٣) «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» ١/ ١٩٨ - ٢٠١. (٤) سبق تخريجه. وينبغي أن تعدُّ سادسة (١). ثمَّ اعلم أن معنى الحديث وحكمه يتناول الجميع غير أن الحديث ورد على سبب كما سيأتي، والعبرة بعموم اللفظ. الوجه الثامن بعد العشرين: قوله - ﷺ -: (»فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا .. «) إلى آخره، هو تفصيل لما سبق في قوله: (»إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّياتِ، وَإِئمَا لِكُلِّ آمْرِئٍ مَا نَوى«)، وإنما فرض الكلام في الهجرة؛ لأنها السبب الباعث على هذا الحديث كما سيأتي. الوجه التاسع بعد العشرين: قوله - ﷺ - في الرواية الأخرى في الإيمان: (»فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ .. «). إلى آخره لابد فيه من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة أن الشرط والجزاء والمبتدأ والخبر لابد من تغايرهما، وهنا وقع الاتحاد، (فالتقدير) (٢): فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وعقدًا، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا (٣). الوجه الثلاثون: قوله - ﷺ -: (»فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا«) الدنيا بضم الدال عَلَى ------------------- (١) زاد الحافظ أبو زرعة العراقي في»طرح التثريب" ١/ ٢٢: الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة فإنهم هاجروا إلى أرض الحبشة مرتين كما هو معروف في السير ولا يقال: كلاهما هجرة إلى الحبشة، فاكتفي بذكر الهجرة إليها مرة فإنه قد عدد الهجرة إلى المدينة في الأقسام لتعددها. ثم قال: والهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن. اهـ. (٢) في (ج): والتقديرين. (٣) ورد تعليق بهامش (ف) نصه: وقد يقصد بالخبر المفرد بيان الشيء وعدم التغيير فيتحد بالمبتدأ لفظًا كقوله: أنا أبو النجم، وشعري شعري. المشهور (١)، وحكى ابن قتيبة وغيره كسرها (٢)، وجمعها دُنَا ككبرى وكُبَر وهي من دنوت لدنوها وسبقها الدار الآخرة، وينسب إليها دنيوي ودُنْييُّ، وقال الجوهري (٣) وغيره: ودنياوي وقوله: «دُنْيَا» هو مقصور غير منون عَلَى المشهور، وهو الذي جاءت به الرواية، ويجوز في لغة غريبة تنوينها (٤). الوجه الحادي بعد الثلاثين: في حقيقة الدنيا قولان للمتكلمين: أحدهما: ما عَلَى الأرض مع الجو والهواء، (وأظهرهما) (٥): كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة. الوجه الثاني بعد الثلاثين: المراد بالإصابة: الحصول، شَبَّهَ تحصيل الدنيا بإصابة العرض بالسهم بجامع حصول المقصود. ----------------- (١) الدنيا انقلبت فيها الواو ياءً، لأن فُعْلَى إذا كانت اسمًا من ذوات الواو أبدلت واوها ياءً، كما أُبدلت الواو مكان الياء في فَعْلَى، فأدخلوها في فُعْلَى ليتكافآ في التغيير. (٢) «أدب الكاتب» ص ٣٢٨. (٣) «الصحاح» ٦/ ٢٣٤١. مادة: (دنو). (٤) قال الحافظ أبو زرعة العراقي في «طرح التثريب» ١/ ٢٥: وحكى بعض المتأخرين من شراح البخاري أن فيها لغة قريبة بالتنوين وليس بجيد، فإنه لا يعرف في اللغة، وسبب الغلط أن بعض رواة البخاري رواه بالتنوين وهو أبو الهيتم الكشميهني، وأنكر ذلك عليه ولم يكن ممن يرجع إليه في ذلك فأخذ بعضهم يحكي ذلك لغة كما وقع لهم نحو ذلك في خلوف فم الصائم فحكوا فيه لغتين، وانما يعرف أهل اللغة الضم وأما الفتح فرواية مردودة لا لغة. اهـ. (٥) في (ف): أظهرها. ![]()
__________________
|
|
#26
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 191 الى صـــ 210 الحلقة (26) الثالث بعد الثلاثين: قوله - ﷺ -: («أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا») هو بمعنى: ينكحها كما جاء في الرواية الأخرى، وقد يستعمل بمعنى الاقتران بالشيء، ومنه قوله تعالى: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ [الدخان: ٥٤]، أي: قرناهم، قاله الأكثرون. وقال مجاهد والبخاري وطائفة: أنكحناهم (١). الرابع بعد الثلاثين: إن قُلْتَ: كيف ذكرت المرأة مع الدنيا مع أنها داخلة فيها، فالجواب عنه من أوجه: أحدها: أنه لا يلزم دخولها في هذِه الصيغة؛ لأن (لفظة) (٢) دنيا نكرة وهي لا تعم في الإثبات. فلا يلزم دخول المرأة فيها. الثاني: أن هذا الحديث ورد على سبب، وهو أنه لما أُمر بالهجرة من مكة إلى المدينة تخلف جماعة عنها فذمَّهم الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ)﴾ الآية [النساء: ٩٧]، ولم يهاجر جماعة لفقد استطاعتهم فَعَذَرهُم واسْتَثْنَاهُم بقوله: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النساء: ٩٨]، الآية، وهاجر المخلصون إليه، فمدحهم في غير ما موضع من كتابه، وكالت في المهاجرين جماعة خالفت نيتهم نية المخلصين، منهم من كانت نيته تزوج امرأة كانت بالمدينة من المهاجرين يقال لها: أم قيس (٣)، وادعى ابن دحية: أن اسمها قيلة، -------------------- (١) رواه الطبري في «تفسيره» ١١/ ٢٤٨، ٢٤٩ (٣١١٧٦). (٢) في (ج): لفظ. (٣) رواه الطبراني في «الكبير» ٩/ ١٠٣ (٨٥٤٠) من طريق سعيد بن منصور، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله ومن طريقه المزي في «تهذيب الكمال» ١٦/ ١٢٦، والذهبي في «السير» ١٠/ ٥٩٠، قال الهيثمي في «المجمع» ١٠١/ ٢ (٢٥٨٠): رواه الطبراني في «الكبير» ورجاله رجال الصحيح. اهـ. = فسمي مهاجر أم قيس، ولا يعرف اسمه بعد البحث عنه، ولعله للستر عليه، فكان قصده بالهجرة من مكة إلى المدينة (بنية) (١) التزوج بها لا لقصد فضيلة الهجرة، فقال النبي - ﷺ - ذَلِكَ، وبين مراتب الأعمال بالنيات، فلهذا خص ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به الهجرة من أفراد الأغراض الدنيوية؛ لأجل تبيين السبب، وإن كانت أعظم أسباب فتنة الدنيا قَالَ - ﷺ -: «ما تركت بعدي فتنة أضر عَلَى الرجال من النساء» (٢)، وذكر الدنيا معها من باب زيادة النص عَلَى السبب، كما أنه لما سُئِلَ عن طهورية ماء البحر زاد: «حل ميتته» (٣) ويحتمل أن يكون هاجر لمالها مع نكاحها، ويحتمل أنه هاجر لنكاحها وغيره لتحصيل دنيا من جهة ما، فعرض بها. الثالث: أن ذكرها من باب التنبيه على زيادة التحذير منها كذكر الخاص بعد العام؛ تنبيهًا عَلَى مزيته، كما في ذكر جبريل وميكائيل بعد الملائكة وغير ذَلِكَ، وليس منه قوله تعالى: ﴿وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن: ٦٨]، بعد ذكر الفاكهة، وإن غلط فيه بعضهم؛ لأن فاكهة نكرة في سياق الإثبات فلا تعم، (لكن وردت في معرض الامتنان) (٤)، وقد جاء أيضا في القرآن عكس هذا وهو ذكر العام بعد الخاص ----------------------- = وقال الحافظ في «الفتح» ١/ ١٠: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. اهـ. (١) ساقطة من: ج. (٢) سيأتي برقم (٥٠٩٦) كتاب: النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة، ورواه مسلم (٢٧٤٠) كتاب: الرقاق، من حديث أسامة بن زيد. (٣) رواه أبوداود (٨٣) عن أبي هريرة أن رجلًا سأل ..، والترمذي (٦٩) عن أبي هريرة، وفي الباب عن جابر والفراسي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي ١/ ٥١ عن أبي هريرة سأل رجل ..، وابن ماجه (٣٨٧) عن الفراسي. (٤) ساقط من: (ج). = كقوله تعالى إخبارًا عن إبراهيم -عليه السلام-: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [إبراهيم: ٤١]، وقوله تعالى إخبارًا عن نوح -عليه السلام-: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا﴾ [نوح: ٢٨] الخامس بعد الثلاثين: إن قُلْتَ لم ذم على طلب الدنيا وهو أمر مباح والمباح لا ذم فيه ولا مدح؟ قُلْتُ: إنما ذم لكونه لم يخرج في الظاهر لطلب الدنيا. وإنما خرج في صورة طالب فضيلة الهجرة فأبطن خلاف ما أظهر. السادس بعد الثلاثين: إنما لم يعد - ﷺ - ما بعد الفاء الواقعة جوابًا للشرط بقوله: «فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» ولم يعده باللفظ الأول في الرواية الأخرى: «فهجرته إلى الله ورسوله» للإعراض عن تكرير ذكر الدنيا والغض منها وعدم الاحتفال بأمرها؛ ولئلا يجمع بين ذكر الله ورسوله في الضمير (فقد نهى عنه) (١) في حديث الخطيب (٢). السابع بعد الثلاثين: هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد اختلف في عدها على عشرة أقوال ذكرتها مجموعة في كتابنا «الإعلام بفوائد -------------------- = وما قاله المصنف فيه نظر؛ لأن النكرة في سياق الإثبات إن كانت للامتنان عمت كما قاله جماعة من الأصوليين. انظر:»التمهيد«للإسنوي ص ٣٢٥،»القواعد والفوائد الأصولية«ص ٢٠٤. وقال العيني في»عمدة القاري" ١/ ٣٠: الفاكهة اسم لما يتفكه به: أي يتنعم به زيادة على المعتاد، وهذا المعنى موجود في النخل والرمان فحينئذ يكون ذكرهما بعد ذجر الفاكهة من قبيل عطف الخاص على العام. اهـ. (١) من (ج). (٢) رواه مسلم (٧٨٠) عن عدي بن حاتم أن رجلًا خطب عند النبي - ﷺ - … عمدة الأحكام» (١) فراجعه (منها) (٢) فإنه من المهمات، نذكر منها هنا أربعة: أحدها: أنها ثلاثة: هذا الحديث، وحديث: «حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (٣)، وحديث: «الحلال بيِّن والحرام بيِّن» (٤). ثانيها: أنها أربعة بزيادة حديث: «ازهد في الدنيا يحبك الله» (٥)، وقد نظمها بعضهم فقال: ------------------------- (١) «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» ١/ ١٥٣ - ١٥٧. (٢) في (ج): منه. (٣) كذا في الأصول والحديث رواه الترمذي (٢٣١٧)، وابن ماجه (٣٩٧٦)، وابن حبان (٢٢٩) من حديث أبي هريرة، قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - ﷺ - إلا من هذا الوجه. اهـ. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع» (٥٩١١). (٤) سيأتي برقم (٥٢) كتاب: الإيمان، ورواه مسلم (١٥٩٩) كتاب: المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات. (٥) رواه ابن ماجه (٤١٠٢)، والعقيلي في «الضعفاء» ٢/ ١١، والطبراني في «الكبير» ٦/ ١٩٣ (٥٩٧٢)، والحاكم ٤/ ٣١٣، وأبو نعيم ٧/ ١٣٦، والقضاعي في «مسند الشهاب» ١/ ٣٧٣، من طريق خالد بن عمرو القرشي، عن سفيان الثوري، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. اهـ. وتعقبه الذهبي ففال: خالد وضاع. اهـ. وقال العقيلي: ليس له من حديث الثوري أصل، وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني، ولعله أخذ عنه ودلسه؛ لأن المشهور به خالد هذا. اهـ. وقال البوصيري في «زوائد ابن ماجه» ص ٥٣١: إسناد حديث سهل بن سعد ضعيف، خالد بن عمرو متفق على ضعفه، واتهم بالوضع. اهـ. وخالد هذا قال عنه أحمد: منكر الحديث، وقال مرة: ليس بثقة يروي أحاديث بواطيل. اهـ. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. اهـ. وقال مرة: كان كذابًا يكذب. اهـ. وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيف. اهـ. وأما متابعة محمد بن كثير فقد رواها ابن عدي في «الكامل» ٣/ ٤٥٨ - ٤٥٩، والخليلي في «الإرشاد» ٢/ ٤٧٩، والبيهقي في «الشعب» ٧/ ٣٤٤. قال ابن عدي: = عمدة الدين عندنا كلمات … أربع من كلام خير البرية اتق الشبهات وازهد وع … ما ليس يعنيك واعملنَّ بنية (١) الثالث: أنها اثنان. الرابع: أنها واحد وهو حديث: «الحلال بَيِّن». ---------------------- = لا أدري ما أقول في رواية ابن كثير عن الثوري لهذا الحديث؛ فإن ابن كثير ثقة وهذا الحديث عن الثوري منكر. اهـ. وذكر ابن أبي حاتم في «العلل» ٢/ ١٠٧: أنه سأل أباه عن حديث محمد بن كثير، عن سفيان فذكر هذا الحديث فقال: هذا حديث باطل يعني بهذا الإسناد. اهـ. وقد روي هذا الحديث من وجه آخر مرسل خرجه ابن منده في «مسند إبراهيم بن أدهم» ص ٢٩ - ٣٠ من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا الحسن بن الربيع، ثنا المفضل بن يونس، عن إبراهيم، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد به. ورواه أبو نعيم في «الحلية» ٨/ ٤١ من طريق أبي أحمد إبراهيم بن محمد بن أحمد الهمداني، ثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم المستملي، ثنا أبو عبيدة بن أبي السفر، ثنا الحسين بن الربيع، ثنا المفضل بن يونس، ثنا إبراهيم بن أدهم، عن منصور، عن مجاهد، عن أنس به. فال أبو نعيم: ذكر أنس في هذا الحديث وهم من عمر أو أبي أحمد؛ فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع فلم يجاوز فيه مجاهدًا. اهـ. وبالجملة فالحديث حسنه النووي في «أربعينه» كما في «جامع العلوم والحكم» ٢/ ١٧٤ فقال: حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة. اهـ. وكذلك العراقي كما في «المقاصد الحسنة» ص ٧٥، وقال المنذري في «الترغيب والترهيب» ٤/ ٧٤ - ٧٥: رواه ابن ماجه، وقد حسن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بُعد لأنه من رواية خالد بن عمرو القرشي الأموي السعيدي، عن سفيان الثوري، عن أبي حازم، عن سهل، وخالد هذا قد تُرك واتهم، ولم أر من وثقه، لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة، ولا يمنع كون راويه ضعيفًا أن يكون النبي - ﷺ - قاله، وقد تابعه عليه محمد بن كثير الصنعاني، عن سفيان، ومحمد هذا قد وثق على ضعفه، وهو أصلح حالًا من خالد. اهـ. والحديث حسنه الألباني في «الصحيحه» (٩٤٤). (١) انظر: «جامع العلوم والحكم» ١/ ٦٣. الثامن بعد الثلاثين: هذا الحديث عظيم الموقع كثير الفائدة أصل من أصول الدين، قَالَ أبو داود: إنه نصف الفقه، وقال الشافعي فيما رواه البويطي عنه: يدخل في هذا الباب ثلث العلم (١)، وقال في رواية الربيع: هذا الحديث ثلث العلم؛ وسببه كما قَالَ البيهقي وغيره أن كسب العبد بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاث وأرجحها؛ لأنها تكون عبادة بانفرادها بخلاف القسمين الآخرين؛ ولأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء ونحوه بخلاف النية (٢)، فهذا الحديث يتضمن النية، وحديث: «من حسن إسلام المرء» يتضمن القول، وحديث: «الحلال بين» (٣) يتضمن العمل فكمل بالمجموع الإسلام؛ لأنه قول وعمل ونية، وقال عبد الرحمن بن مهدي: يدخل هذا الحديث في ثلاثين بابًا من الإرادات والنيات. وقال أبو عبيد: ليس شيء من أخبار النبي - ﷺ - حديث أجمع وأغنى وأكثر فائدة وأبلغ من هذا الحديث. وقال البخاري في «صحيحه» في أواخر الإيمان فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام. وقال ابن دحية: لم أجد فيما أرويه من الدينيات أنفع من قوله: («إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»)، إذ مدار العلم عليه، وهو نور يسعى بين يديه. (قُلْتُ (٤) وقول إمامنا الشافعي السالف: إن هذا الحديث يدخل في سبعين بابًا من الفقه، مراده الأبواب الكلية كالطهارة بأنواعها------------------------ (١) رواه البيهقي في «الكبرى» ٢/ ١٤. (٢) «السنن الصغرى» للبيهقي ١/ ٢٠. (٣) سبق تخريج الحديثين. (٤) ساقطة من (ج). والصلاة بأقسامها والزكاة والصيام والاعتكاف والحج والعمرة والأيمان والنذور والأضحية والهدي والكفارة والجهاد والطلاق والخلع والظهار والعتق والكتابة والتدبير والإبراء ونحوها والبيع والإجارة وسائر المعاملات والرجعة والوقف والهبة وكناية الطلاق وغيرها عند من يقول: كنايتها مع النية كالصريح وهو الصحيح، وكذلك إِذَا كان عليه ألفان بأحدهما رهن دون الآخر فأوفاه ألفا صرفه إلى ما نواه منهما وشَبَهِ ذَلِكَ. وذكر القاضي حسين من أصحابنا في آخر حَدِّ الخمر أنه لابد للإمام في إقامة الحدود من النية حتَّى لو ضربه لمصادرة أو لمعنى آخر وعليه حدود لا تحسب عنه. وأما المسائل الجزئية فلا تحصى، ثمَّ يحتمل أن يكون أراد بالسبعين التحديد. ويحتمل أن يكون أراد المبالغة في التكثير؛ لأن العرب تستعمل السبعين في ذَلِكَ، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ [التوبة: ٨٠]. ومن المسائل الجزئية التي ينبغي استحضار النية فيها: الصدقات، وقضاء حوائج الناس، وعيادة المرضى، واتباع الجنائز، وابتداء السلام ورده، وتشميت العاطس وجوابه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإجابة الدعوة، وحضور مجلس العلم والأذكار، وزيارة الأخيار، والقبور، والنفقة عَلَى الأهل والضيفان، وإكرام أهل الود والفضل وذوي الأرحام، ومذاكرة العلم والمناظرة فيه وتكراره وتدريسه وتعلمه وتعليمه ومطالعته وكتابته وتصنيفه، والفتوى، والقضاء، وإماطة الأذى عن الطريق، والنصيحة، والإعانة عَلَى البر والتقوى، وقبول الأمانات وأدائها، وما أشبه ذَلِكَ، حتَّى ينبغي استحضارها عند إرادة الأكل والشرب والنوم ويقصد بها التقوِّي عَلَى الطاعة، وإراحة البدن لينشط لها، وكذا إِذَا جامع موطوءته بقصد المعاشرة بالمعروف وإيصالها حقها، وتحصيل ولد صالح يعبد الله تعالى، وإعفاف الزوجة، وإعفاف نفسه وصيانتها، من التطلع إلى حرام أو الفكر فيه أو مكابدة المشاق بالصبر، وهذا معنى قوله - ﷺ -: «وفي بضع أحدكم صدقة» (١)، وكذا ينبغي لمن عمل حرفة للمسلمين مما هو فرض كفاية أن يقصد إقامة فرض الكفاية ونفع المسلمين، كالزراعة وغيرها من الحرف التي هي قوام عيش المسلمين. والضابط لحصول النية أنه متى قصد بالعمل امتثال أمر الشرع وبتركه الانتهاء بنهي الشرع كانت حاصلة مثابًا عليها وإلا فلا، وإن لم يقصد ذَلِكَ كان عملًا بهيميًّا، ولهذا قَالَ السلف: الأعمال البهيمية ما عملت بغير نية (٢). الوجه التاسع بعد الثلاثين: هذا الحديث من أجل أعمال القلوب والطاعة المتعلقة بها وعليه مدارها، وهو قاعدتها، فهو قاعدة الدين لتضمنه حكم النيات التي محلها القلب بخلاف الذكر الذي محله اللسان، ولهذا لو نوى الصلاة بلسانه دون قلبه لم يصح، ولو قرأ الفاتحة بقلبه دون لسانه لم ------------------------ (١) رواه مسلم (١٠٠٦) كتاب: الزكاة، باب: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، والبخاري في «الأدب المفرد»، (٢٢٧)، والترمذي (١٩٥٦)، وابن حبان (٥٢٩)، كلهم عن أبي ذر. (٢) قلت: ومصداق هذا ما قاله بعض العلماء من أن الله لو كلفنا عملًا بلا نية لكلفنا ما لا يطاق، والله أعلم. يصح، فهو أصل في وجوب النية في سائر العبادات كما (سلف) (١) عن الجمهور. الوجه الأربعون: هذا الحديث أصل في الإخلاص أيضًا، فهو إرادة تمثيل الفعل إلى وجه الله تعالى وحده خالصًا، والنية هي القصد المتعلق بتمثيل الفعل إلى وجه الله تعالى، وللإخلاص مرجع إلى الكتاب والسنة، أما الكتاب فكل آية تضمنت مدح الإخلاص وذم الرياء، وقد ذكرت جملة منها في الوجه التاسع، وكذا من السنة أيضًا. الوجه (الحادي بعد الأربعين) (٢): استنبط من الحديث أنه لا يجوز الإقدام عَلَى الفعل قبل معرفة حكمه، ووجهه أنه لابد للمكلَّف من الإتيان بما أمر به على وجهه، وقد نفى أن يكون العلم منتفعًا به إلا بالنية أي: بنية التقرب لما طلبه الله من العبد ولا يتصور ذَلِكَ إلا بعد معرفة المطلوب. الوجه (الثاني بعد الأربعين) (٣): قد يستدل به بَعْدَ العبادات في أحكام المعاملات كالإكراه عَلَى الطلاق والعتاق، وفي باب الأيمان حتَّى لو حلف: والله ما رأيت زيدًا، وهو ينوي أنه لم يصب رئته، وما كلمت محمدًا يريد ما جرحته، كان عَلَى ما نوى. وكذلك يدل عَلَى أن من باع واشترى بغش وخلابة أو ربا بحيلة، فإنه محظور في حق الدين. فأما طلاق ------------------------ (١) في: (ف): سلفت. (٢) في (ج): الحادي والأربعون. (٣) في (ج): الثاني والأربعين. السكران فلا يدخل فيه؛ لأن صريح الطلاق لا يحتاج إلى النية إلا أن يكون ذَلِكَ بلفظ كناية. وقال قوم: إن الاستدلال بهذا الحديث في غير العبادات لا يجوز؛ لأنه غير ما قصد به، وحاصله: أن الألف واللام في الأعمال هل هي لاستغراق الجنس فيدخل (فيه) (١) جميع الأعمال؟ أو لتعريف العهد؟ (٢) لأن المراد أعمال البر والقربات. الثالث والأربعون: وهو ينعطف عَلَى ما مضى: من الأعمال ما تشترط النية فيه لصحته (ولحصول) (٣) - الثواب بفعله كالصلاة والصيام والحج والاعتكاف والطواف في غير حج ولا عمرة وغيرها، وهذا مجمع عليه. ومنها مختلف فيه كالوضوء، والغسل، والتيمم، والطواف في الحج والعمرة، وغيرها. ومنها ما لا يشترط فيه النية لصحته بل لحصول الثواب بفعله كستر العورة، والأذان، والابتداء بالسلام ورده، وبناء المدارس، والوقف، والهبة، والوصية، والأمر بالمعروف، وحضور مجالس العلم، وزيارة ---------------------- (١) من (ج). (٢) (أل) الجنسية قسمان: أحدهما: حقيقي، وهي التي ترد لشمول أفراد الجنس نحو: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)﴾ والآخر: مجازي، وهي التي ترد لشمول خصائص الجنس على سبيل المبالغة، نحو: أنت الرجل علما، أي الكامل في هذِه الصفة، ويقال لها: التي للكمال. و(أل) العهدية: هي التي عُهد مصحوبها بتفدم ذكره، نحو: جاءني رجل فأكرمت الرجل، أو بحضوره حسًّا أو علمًا، نحو: ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ [التوبة: ٤٠]. (٣) في (ج): (وبحصول). (الأحياء (١) والقبور، والنفقة عَلَى الأهل والضيف، وإكرام ذوي الود، والأرحام، ومذاكرة العلم، والمناظرة به، وتكراره ودرسه، وتعليمه، وتعلمه، وتصنيفه، والفتوى، والنصيحة، وقبول الأمانات، وأدائها، والقضاء، وإماطة الأذى عن الطريق، والإعانة عَلَى البر والتقوى، وشبهها كالأكل والشرب ينوي بها التقوِّي عَلَى الطاعة، والنوم ينوي به راحة البدن لينشط للعبادة، والجماع ينوي به المعاشرة بالمعروف وإيصالها حقها، وحصول ولد صالح يعبد الله، وإعفاف نفسه، وتحصين فرجه، وصيانة زوجه ونفسه من التطلع إلى الحرام، والفكر فيه، ومكابدة المشاق بالصبر عليه. وهو معنى قوله - ﷺ -: «وفي بضع أحدكم صدقة» وكذا ينوي بعمل معيشته منفعة المسلم، وأداء فرض الكفاية وما أشبه ذَلِكَ (٢). --------------------- (١) في (ج): الأخيار. (٢) ورد بهامش (ف): بلغ إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي قراءة على المصنف وسمعه الأئمة: الصفدي والحاضري … وابن بهرام ومحمد بن بحر البرموي والعاملي وآخرون … ٢ - باب ٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ - رضي الله عنه - سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - «أَحْيَانًا يَأْتِينِى مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ -وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَىَّ- فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِىَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ». قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْىُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. [٣٢١٥ - مسلم ٢٢٣٣ - فتح ١/ ١٨] الحديث الثاني: نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - فقَالَ: يَا رَسولَ اللهِ كَيْفَ يأتيك الوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ -وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ- فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ». قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. الكلام عليه من وجوه: أحدها: هذا الحديث رواه البخاري أيضًا في بدء الخلق عن فروة، عن علي بن مسهر، عن هشام (١)، ورواه مسلم أيضًا في الفضائل عن أبي بكر، عن ابن عيينة، وعن أبي كريب، عن أبي أسامة، وعن --------------------- (١) سيأتي برقم (٣٢١٥) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة. ابن نمير، واللفظ له عن ابن بشر عنه (١). ثانيها: هذا الحديث أدخله الحفاظ في مسند عائشة دون الحارث، وليس للحارث هذا في الصحيحين رواية، وإنما له رواية في سنن ابن ماجه فقط (٢)، وعده ابن الجوزي فيمن روى من الصحابة حديثين، مراده في غير الصحيحين، وليس في الصحابة في الصحيحين من اسمه الحارث غير الحارث بن ربعي أبي قتادة، على أحد الأقوال في اسمه، والحارث بن عوف أبي واقد الليثي، وهما بكنيتيهما أشهر، وأما خارج الصحيحين فجماعات كثيرون فوق المائة وخمسين. والحارث الواقع هنا هو الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أخو أبي جهل لأبويه، وابن عم خالد بن الوليد، شهد بدرًا كافرًا وانهزم، وله يقول حسان: إن كنت كاذبة بما حدثتني … فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم … ونجا برأسي طمرة ولجام فاعتذر الحارث عن فراره فقال: القوم أعلم ما تركت قتالهم … حتَّى حَبَوا مهري بأشقر مزبد وعرفت أني إن أقاتل واحدًا … أقتل ولا ينكى عدوي مشهدي فصددت عنهم والأحبة فيهم … طمعًا لهم بعقاب يوم مفسد (٣) فقال الأصمعي: لم أسمع أحسن من اعتذاره في الفرار. ---------------------- (١) مسلم (٢٣٣٣) في الفضائل، باب: عرق النبي - ﷺ - في البرد وحين يأتيه الوحي. (٢) «سنن ابن ماجه» (١٩٩١). (٣) رواه الحاكم في «المستدرك» ٣/ ٣١٣، وانظر: «الاستيعاب» ٣/ ٣٦٤ - ٣٦٥. أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وأعطاه النبي - ﷺ - يوم حنين مائة من الإبل، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، خرج هو وسُهيل بن عمرو إلى الشام؛ ليستدركا ما فاتهما من سابقة الإسلام بالجهاد، فقاتل الكفار حتَّى قتل باليرموك سنة خمس عشرة أو بعمواس وهو الذي أجارته أم هانئ يوم الفتح، وقيل: بل هو غيره. روى عنه ولده عبد الرحمن، وكان شريفًا في قومه، وله اثنان وثلاثون ولدًا، منهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أحد الفقهاء السبعة عَلَى قول، كان يقال له: الراهب (١). فائدة: ليس في الصحابة الحارث بن هشام إلا هذا، وإلا الحارث بن هشام الجهني. روى عنه المصريون، ذكره ابن عبد البر (٢). الثالث: في التعريف برواته. أما عائشة (٣) فهي: الصديقة بنت الصديق، (الحبيبة بنت الحبيب) (٤)، أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، --------------------------- (١) انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» ٥/ ٤٤٤، «الاستيعاب» ١/ ٣٦٤ - ٣٦٧ (٤٥٢)، «أسد الغابة» ١/ ٤٢٠، ٤٢١ (٩٧٩). (٢) «الاستيعاب» ١/ ٣٦٧ (٤٥٣). (٣) انظر ترجمتها في: «الاستيعاب» ٤/ ٤٣٥ - ٤٣٩ (٣٤٦٣)، «أسد الغابة» ٧/ ١٨٨ - ١٩٢ (٧٠٨٥)، «تهذيب الكمال» ٣٥/ ٢٢٧ - ٢٣٦ (٧٨٨٥)، «شذرات الذهب» ١/ ٩. (٤) في (ف): الحسيبة بنت الحسيب. أم المؤمنين كنيتها أم عبد الله كنيت بابن أختها عبد الله بن الزبير، وأبعد من قَالَ: بسقط لها. وعائشة مأخوذة من العيش، وحكي عيشة -لغة فصيحة-، وأُمُّها أم رومان -بفتح الراء وضمها- زينب بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، وهي أم عبد الرحمن، أخي عائشة أيضًا، ماتت سنة ست في قول الواقدي والزبير وهو الأصح. تزوجها - ﷺ - بمكة قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث، وقيل: سنة ونصف أو نحوها في شوال بنت ست وقيل سبع، وبنى بها في شوال أيضًا بعد وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة، وقال الواقدي: في الأولى بنت تسع. فأقامت في صحبته ثمانية أعوام وخمسة أشهر، وتوفي عنها وهي بنت ثماني عشرة، وعاشت خمسًا وستين سنة. وكانت من أكبر فقهاء الصحابة، وأحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية. رُوي لها ألفا حديثٍ ومائتا حديث وعشرة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم عَلَى مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم (بتسعة) (١) وستين. روت عن خلق من الصحابة، وروى عنها جماعات من الصحابة والتابعين قريب من المائتين. ماتت بعد الخمسين، إما سنة خمس أو ست أو سبع أو ثمان في رمضان، وقيل: في شوال، وأمرت أن تدفن ليلًا بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة. ولها عدة خصائص ذكرتها في غير هذا ------------------- (١) في (ج): ثمانية، والمثبت من (ف) وهو الصواب كما في «السير» ٢/ ١٣٩. الموضع خشية الطول (١)، ومناقبها والأحاديث الصحيحة في فضلها كثيرة مشهورة، قَالَ عروة: كانت عائشة أعلم الناس بالقرآن وبالحديث وبالطب وبالشعر (٢). وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل على أصحاب رسول الله - ﷺ - شيء (٣) فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا (٤). وقال قبيصة بن ذؤيب: كانت عائشة أعلم الناس يسألها كبار الصحابة (٥). وقال القاسم بن محمد: استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت (٦). فوائد مهمة تتعلق بترجمتها رضي الله عنها: الأولى: مات - ﷺ - عن تسع نسوة، وعائشة أفضلهن قطعًا، وهل هي أفضل من خديجة بنت خويلد؟ فيه وجهان لأصحابنا: أحدهما: أن خديجة أفضل، وبه قَالَ القاضي والمتولي، وقطع به ابن العربي المالكي (٧)، وغيره. ---------------------- (١) ورد بهامش في (ف): منها أنها ابنة الخليفة. (٢) رواه أحمد ٦/ ٦٧ (٢٤٣٨٠)، والبزَّار كما في «كشف الأستار» (٢٦٦٢)، والطبراني ٢٢/ ٢٩٤، وأبو نعيم في «الحلية» ٢/ ٤٩. قال الهيثمي في «المجمع» ٩/ ٢٤٢: فيه عبد الله بن معاوية الزبيري. قال أبو حاتم: مستقيم الحديث، وفيه ضعف، وبقية رجال أحمد والطبراني في «الكبير» ثقات إلا أن أحمد قال: عن هثام بن عروة أن عروة كان يقول لعائشة. فظاهره الانقطاع، وقال الطبراني في «الكبير» عن هشام بن عروة، عن أبيه. فهو متصل، والله أعلم. اهـ. (٣) في (ف): (شيئًا)، والمثبت من (ج). (٤) رواه الترمذي (٣٨٨٣) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. (٥) رواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ٢/ ٣٧٤. (٦) رواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ٢/ ٣٧٥. (٧) «عارضة الأحوذي» ١٣/ ٢٥٣. والثاني: أن عائشة أفضل، وقد بسطت ذَلِكَ في كتابي «غاية السول في خصائص الرسول» مع حكاية خلاف آخر في أن عائشة أفضل من فاطمة أيضًا فراجع ذَلِكَ منه (١). الثانية: جملة من في الصحابة اسمه عائشة عشرة: عائشة هذِه الجليلة، وبنت سعد (٢)، وبنت (جرير) (٣)، وبنت الحارث القرشية (٤)، وبنت أبي سفيان الأشهلية (٥)، وبنت عبد الرحمن بن عتيك زوج رفاعة (٦)، وبنت (عمير) (٧) الأنصارية (٨)، وبنت معاوية بن المغيرة أم ------------------------- (١) «غاية السول في خصائص الرسول» ص ١٥٤ - ١٥٦، مطبوع باسم «خصائص الرسول». (٢) عائشة بنت سعد بن أبي وقاص القرشية الزهرية المدنية روت عن أبيها سعد وبعض أزواج النبي - ﷺ - وروى لها البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي ماتت سنة ١١٧ هـ. انظر ترجمتها في: «الطبقات الكبرى» ٨/ ٤٦٧ «تهذيب الكمال» ٢٥/ ٢٣٦ (٧٨٨٦) «الإصابة» ٤/ ٣٦١. (٣) في الأصول: جزء، والمثبت هو الصواب، وهي عائشة بنت جرير بن عمرو بن زارح الأنصارية. انظر ترجمتها في: «أسد الغابة» ٧/ ١٩٢، «الإصابة» ٤/ ٣٦١. (٤) عائشة بنت الحارث بن خالد بن صخر القرشية التيمية، ولدت هي وأختها فاطمة وزينب بأرض الحبشة، وقيل: إنهن متن في إقبالهن من أرض الحبشة من ماء شربنه في الطريق، وقد قيل: إن فاطمة نجت منهن وحدها. انظر ترجمتها رضي الله عنها في: «الاستيعاب» ٤/ ٤٣٩ (٣٤٦٤)، «أسد الغابة» ٧/ ١٩٣ (٧٠٨٧). (٥) عائشة بنت أبي سفيان بن الحارث بن زيد الأنصارية من بني عبد الأشهل ذكرها ابن حبيب في المبايِعات. انظر ترجمتها في: «أسد الغابة» ٧/ ١٩٣، «الإصابة» ٤/ ٣٦١ (٧٠٧). (٦) عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضرية كانت تحت ابن عمها رفاعة بن وهب بن عتيك فطلقها فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي ثم طلقها فأرادت أن ترجع للأول فأبى رسول الله - ﷺ -. انظر ترجمتها في: «أسد الغابة» ٢/ ٢٣٣، «الإصابة» ١/ ٥١٨. (٧) في (ج): عمر. (٨) وهي عائشة بنت عمير بن الحارث بن ثعلبة الأنصارية ذكرها ابن حبيب في = عبد الملك بن مروان، وبنت قدامة بن مظعون (١)، وعائشة من الأوهام وإنما هي بنت عجرد (٢) سمعت ابن عباس. وليس في الصحيحين من اسمه عائشة من الصحابة سوى الصديقة، وفيهما عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، عن خالتها (٣) عائشة أصدقها مصعب ألف ألف، وكانت بديعة جدًّا (ضخمة) (٤)، وفي البخاري عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، روت عن أبيها (٥). وفي ابن ماجه عائشة بنت مسعود بن ------------------------ = المبايِعات. انظر ترجمتها في: «الطبقات الكبرى» ٨/ ٣٩٨، «أسد الغابة» ٧/ ١٩٤ (٧٠٩١)، «الإصابة» ٤/ ٣٦٢. (١) هي عاشة بنت قدامة بن مظعون القرشية الجمحية، هي وأمها رائطة بنت سفيان الخزاعية من المبايِعات. انظر ترجمتها في: «الاستيعاب» ٤/ ٤٣٩، «أسد الغابة» ٧/ ١٩٤، «الإصابة» ٤/ ٣٦٢. (٢) عائشة بنت عجرد، روت عن ابن عباس، وروى عنها أبو حنيفة، قال الدارقطني: لا تقوم بها حجة. اهـ. وقال الذهبي: لا تكاد تعرف، ويقال: لها صحبة ولم يثبت ذلك، بلى أرسلت فأوهمت: أنها صحابية. اهـ. انظر ترجمتها في: «ميزان الاعتدال» ٣/ ٨٧، «تعجيل المنفعة» ٢/ ٦٥٧ (١٦٤٨). (٣) عائشة بنت طلحة بن عبيد الله القرشية التيمية، أم عمران المدنية، وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق. تزوجها ابن خالها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، فمات عنها، ثم خلف عليها مصعب بن الزبير، فقتل عنها فخلف عليها عمر بن عبد الله بن معمر التيمي، وكانت من أجمل نساء قريش، أصدقها مصعب بن الزبير ألف ألف درهم، وثقها ابن معين والعجلي وأبو زرعة وابن حبان روى لها الجماعة. انظر ترجمتها في: «معرفة الثقات» ٢/ ٤٥٥ (٢٣٤٢)، «تهذيب الكمال» ٣٥/ ٢٣٧، ٢٣٨ (٧٨٨٨)، «تقريب التهذيب» (٨٦٣٦). (٤) في (ف): صحيحة. (٥) البخاري (١٨٧٧) كتاب: الحج، باب: إثم من كاد أهل المدينة، (٥٦٥٩) كتاب: المرضى، باب: وضع اليد على المريض. العجماء العدوية عن أبيها. وعنها ابن أختها محمد بن طلحة (١)، وليس في مجموع الكتب الستة غير ذَلِكَ، وثم عائشة بنت سعد (٢) أخرى بصرية تروي عن الحسن. الثالثة: قولهم في عائشة وغيرها من أزواج النبي - ﷺ - ورضي عنهن: أم المؤمنين تبعوا فيه قوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: ٦]، وقرأ مجاهد: (وهو أب لهم) (٣) وقيل: إنها قراءة أُبي بن كعب (٤)، وهن أمهات في وجوب احترامهن وبِرِّهن وتحريم نكاحهن، لا في جواز الخلوة والمسافرة وتحريم نكاح بناتهن، وكذا النظر في الأصح، وبه جزم الرافعي (٥) ومقابله حكاه الماوردي (٦). وهل يقال لإخوتهن أخوال المسلمين، ولأخواتهن: خالات المؤمنين، ولبناتهن: أخوات المؤمنين؟ فيه خلاف عندنا وعند غيرنا، والأصح المنع لعدم التوقيف. ووجه مقابله أنه مقتضى ثبوت الأمومة، وهو ظاهر النص، لكنه مؤول (٧)، قالوا: ولا يقال: آباؤهن وأمهاتهن أجداد المؤمنين وجداتهم (٨). وهل يقال فيهن: أمهات المؤمنات؟ فيه ---------------------------- (١) ابن ماجه (٢٤٥٨). (٢) عائشة بنت سعد، من أهل البصرة، تروي عن الحسن البصري، وحفصة بنت سيرين، ويروي عنها عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة البصري أحد الضعفاء المتروكين. انظر ترجمتها في: «تهذيب الكمال» ٣٥/ ٢٣٧ (٧٨٨٧). (٣) رواه الطبري في «التفسير» ١٠/ ٢٥٨ (٢٨٣٣٦). (٤) رواه البيهقي في «السنن الكبرى» ٧/ ٦٩. (٥) «العزيز» ٧/ ٤٥٧. (٦) «الحاوي الكبير» ٩/ ١٩. (٧) انظر: «العزيز» ٧/ ٤٥٧، «روضة الطالبين» ٧/ ١١، «غاية السول في خصائص الرسول» ص ١٦٧ - ١٦٨. (٨) المصادر السابقة. خلاف عندنا، والأصح أنه لا يقال؛ بناء عَلَى الأصح أنهن لا يدخلن في خطاب الرجال (١)، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أنا أم (الرجال) (٢) لا أم النساء (٣). وهل يقال للنبي - ﷺ -: أبو المؤمنين؟ فيه وجهان عندنا، والأصح: الجواز (٤)، ونص عليه الشافعي أيضا (٥)، أي: في الحرمة. ومعنى قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٠]، لصُلبه، وعن الأستاذ أبي إسحاق أنه لا يقال: أبونا، وإنما يقال: هو كأبينا، لما روي أنه - ﷺ - قَالَ: «إنما أنا لكم كالوالد» (٦). --------------------------- (١) انظر: «الحاوي» ٧/ ١٩، «تفسير الماوردي» ٤/ ٣٧٤، «التهذيب» ٥/ ٢٢٧، «روضة الطالبين» ٧/ ١١ - ١٢. أما مسألة دخول النساء في خطاب الرجال أو عدمه، فقد اتفق العلماء على أن كل واحد من المذكر والمؤنث لا يدخل في الجمع الخاص بالآخر، كالرجال والنساء، وعلى دخولهما في الجمع الذي لم تظهر فيه علامة تذكير ولا تأنيث كالناس، وإنما وقع الخلاف بينهما في الجمع الذي ظهرت فيه علامة التذكير، كالمسلمين والمؤمنين هل هو ظاهر في دخول الإناث فيه أو لا؟ فذهب الجمهور إلى نفيه، وذهب الحنابلة وأبو بكر بن داود وأصحاب أبي حنيفة إلى إثباته. انظر المسألة بالتفصيل في: «الإحكام» للآمدي ٢/ ٣٢٥ - ٣٢٩، «إرشاد الفحول» ١/ ٥٦٣ - ٥٦٦، «مذكرة الشنقيطي» ص ٢١٢، «معالم أصول الفقه» ص ٤٢٤. (٢) في (ف): (رجالكم). (٣) رواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ٨/ ٢٠٠، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٧٠. (٤) انظر: «التهذيب» ٥/ ٢٢٨، «روضة الطالبين» ٧/ ١٢. (٥) «الأم» ٥/ ١٢٦. (٦) رواه أبو داود (٨)، والنسائي ١/ ٣٨، وابن ماجه (٣١٣)، وأحمد ٢/ ٢٤٧، وابن خزيمة (٨٠). وهو جزء من حديث أبي هريرة في الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة. والحديث حسن إسناده الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (٦). ![]()
__________________
|
|
#27
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 211 الى صـــ 230 الحلقة (27) ونقل صاحب «المحكم» عن الزجاج (١) في معنى قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] كنى ببناته عن نسائهم، ونساءُ أمةِ كلِّ نبيٍّ بمنزلة بناته، وأزواجه بمنزلة أمهاتهم. وحكى جماعة من المفسرين في ذَلِكَ قولين: أحدهما: أنه أراد بنتيه حقيقة؛ لأن الجمع يقع عَلَى الاثنين. والثاني: أنه أراد نساء أمته؛ لأنه وليُّ أمته (٢). وأما الراوي عن عائشة فهو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي المدني التابعي الجليل المجمع عَلَى إمامته وتوثيقه ووفور علمه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وفي السابع ثلاثة أقوال: أحدها: أبو سلمة بن عبد الرحمن. ثانيها: سالم بن عبد الله بن عمر. ثالثها: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وقد جمعهم الشاعر على هذا القول الأخير فقال: ألا إن من لا يقتدي بأئمةٍ … فقسمته ضيزى من الحق خارجة فخذهم عبيد الله عروة قاسم … سعيد أبو بكر سليمان خارجة ---------------------- (١) «المحكم» ٤/ ٢٥٦ [أهل] لكن في معنى قوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك﴾ [هود: ٤٦]. (٢) انظر: «تفسير الطبري» ١٢/ ٨٤، «تفسير القرطبي» ٩/ ٧٦، «تفسير الماوردي» ٢/ ٤٨٨، «زاد المسير» ٤/ ١٣٧ - ١٣٨، «الدر المنثور» ٣/ ٦١٩ - ٦٢٠. وأم عروة: أسماء بنت الصديق، وقد جمع الشرف من وجوه، فرسول الله - ﷺ - صهره، وأبو بكر جده، والزبير والده، وأسماء أمه، وعائشة خالته، سمع أباه وأمه وخالته وأخاه عبد الله بن الزبير وخلائق من كبار الصحابة وجماعة من التابعين، وروى عنه جماعة من التابعين وغيرهم. قَالَ الزهري: كان عروة بحرًا لا تكدره الدلاء (١). وفي رواية: بحرًا لا يُنْزَف (٢). وقال ولده هشام: والله ما (تعلمنا) (٣) منه جزءًا من ألفي جزء من حديثه (٤)، وقال: صام أبي الدهر وما مات إلا وهو صائم (٥). وقال سفيان بن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة: القاسم بن محمد وعروة وعمرة. وقال عمر بن عبد العزيز: ما أعلم أحدًا أعلم منه. ولد سنة عشرين، ومات سنة أربع وتسعين. وقيل: سنة ثلاث. وقيل: سنة تسع روى له الجماعة، وليس في الستة عروة بن الزبير سواه، ولا في الصحابة أيضا (٦). -------------------- (١) رواه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ٦/ ٣٩٦، أبو نعيم في «الحلية» ٣/ ٣٦٦، وابن عبد البر في «التمهيد» ٨/ ٦، ولفظ أبي فعيم: «فأما عروة فبئر لا تكدره الدلاء». (٢) رواه ابن سعد في «الطبقات» ٥/ ١٨١. (٣) في (ج): (بلغنا). (٤) انظر: «التاريخ الكبير» ٧/ ٣٢. (٥) رواه ابن سعد في «الطبقات» ٥/ ١٨٠. (٦) انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» ٥/ ١٧٨ - ١٨٢، «التاريخ الكبير» ٧/ ٣١، ٣٢ (١٣٨)، «معرفة الثقات» ٢/ ١٣٣ (١٢٢٩)، «الثقات» ٥/ ١٩٤ - ١٩٥، «تهذيب الكمال» ١١/ ٢٠ - ٢٥ (٣٩٠٥). وأما الراوي عنه فهو ولده هشام أبو المنذر. وقيل: أبو عبد الله أحد الأعلام، تابعي مدني، رأى ابن عمر ومسح برأسه ودعا له، وجابرًا وغيرهما، وسمع أباه وعمه عبد الله بن الزبير وخلقًا. وروى عن بكر بن وائل وهو أصغر منه، وعنه شعبة ومالك والقطان. وكان سيدًا جليلًا ثقة (ثبتًا) (١) كثير الحديث، وُلِدَ مقتل الحسين سنة إحدى وستين ومات ببغداد سنة خمس وأربعين ومائة وقيل: سنة ست وقيل: سنة سبع، روى لَهُ الجماعة، ولا يحضرني أحد شاركه في اسمه مع اسم أبيه (٢). وأما الراوي عنه فهو الإمام -إمام دار الهجرة- أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك تابعي -سمع عثمان- بن أبي عامر نافع -وله إدراك- ابن عمرو بن الحارث بن غيمان -بغين معجمة مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة- بن خثيل -بخاء معجمة مضمومة، وقيل بالجيم حكاه أبو نصر عن الدارقطني (٣) ثمَّ مثلثة مفتوحة، ثمَّ مثناة تحت ساكنة، ثمَّ لام -بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح، عدادهم بالحلف في تيم -بن مرة من قريش الأصبحي (٤) المدني، ومناقبه جمة أفردت بالتأليف. سمع خلقًا من التابعين وغيرهم، قَالَ أبو القاسم الدولعي (٥): أخذ -------------------- (١) في (ج): تقيًّا. (٢) انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» ٧/ ٣٢١، «التاريخ الكبير» ٨/ ١٩٣، ١٩٤ (٢٦٧٣)، «التاريخ الصغير» ١/ ٥٧، ٢٣١، «الجرح والتعديل» ٩/ ٦٣، ٦٤ (٢٤٩)، «الثقات» ٥/ ٥٠٢، «تهذيب الكمال» ج ٣/ ٢٣٢ - ٢٤٢ (٦٥٨٥). (٣) «الإكمال» ٢/ ٥٦٦. (٤) قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في «التمهيد» ١/ ٩٠: وأنا أستغرب نسب مالك إلى ذي أصبح، وأعتقد أن فيه نقصانًا كثيرًا؛ لأن ذا أصبح قديم جدًّا. اهـ. (٥) هو أبو القاسم ضياء الدين عبد الملك بن زيد بن ياسين الأرقمي الموصلي الدولعي = عن تسعمائة شيخ منهم ثلاثمائة من التابعين وستمائة من تابعيهم ممن اختاره وارتضى دينه وفقهه وقيامه بحق الرواية وشروطها وسكنت النفس إليه، وحصلت الثقة به، وترك الرواية عن أهل دين وصلاح لا يعرفون الرواية (١). روى عنه جماعة من التابعين منهم: الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وهما من شيوخه، وروى عنه ممن بعد التابعين خلائق من الأعلام منهم الأوزاعي (٢) والثوري وشعبة والليث والشافعي وآخرون. وحديث أبي هريرة الحسن في الترمذي أنه - ﷺ - قَالَ: «يوشك أن يضرب الناس آباط المطي في طلب العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة» (٣) قيل: إنه ليس المراد رجلًا بعينه، وإنما هذا في آخر الزمان عند ضعف الدين، والمعروف أن المراد به الإمام مالك، هذا هو الذي حمله العلماء عليه، وإن كان سفيان بن عيينة قَالَ مرة: إنه (العمري) (٤) عبد العزيز بن عبد الله الزاهد (٥). --------------------- = الشافعي خطيب دمشق، ولد سنة ٥٠٧ هـ، ومات سنة ٥٩٨ هـ. والدولعية من قرى الموصل. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ٢١/ ٣٥٠. «طبقات الشافعيه» ٧/ ١٨٧، «البداية والنهاية» ١٣/ ٤٠ - ٤١. (١) انظر: «تهذيب الأسماء واللغات» ٢/ ٧٨ - ٧٩. (٢) ستأتي ترجمته في حديث (١٧٨). (٣) رواه الترمذي (٢٦٨٠)، وأحمد ٢/ ٢٩٩، وابن حبان (٣٧٣٦)، والحاكم ١/ ٩١ من حديث أبي هريرة بلفظ: «أكباد الابل» ورواه الحميدي في «مسنده» ٢/ ٤٨٥ بهذا اللفظ، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو حديث سفيان بن عيينة. اهـ. وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم، والحديث أعله الألباني في «الضعيفة» (٤٨٣٣) بعنعنة ابن جريج وأبي الزبير. (٤) في (ج): (العمر بن) (٥) انظر: الترمذي (٢٦٨٠)، «تهذيب الكمال» ٢٧/ ١١٧. وقيل: إنه ابنه عبد الله كما = مات - رضي الله عنه - صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول من سنة تسع وسبعين ومائة، عن خمس وثمانين سنة، وقيل: غير ذَلِكَ، وقبره بالبقيع معروف في قبة مفردة، وقد زرته غير مرة، ونسأل الله العودة، وكان حمل به البطن ثلاث سنين (١)، ولما حضرته الوفاة تشهد ثمَّ قَالَ: لله الأمر من قبل ومن بعد (٢)، وكان نقش خاتمه: حسبي الله ونعم الوكيل (٣). روى لَهُ الجماعة (٤). ----------------- = في «سير أعلام النبلاء» ٨/ ٥٧، «تهذيب التهذيب» ٢/ ٣٧٧ والله أعلم. (١) انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» القسم المتمم (٤٣٤)، «الثقات» ٧/ ٤٥٩، «وفيات الأعيان» ٤/ ١٣٧. وقد اختلف الفقهاء في أقصى مدة للحمل على أقوال: القول الأول: أنه أربع سنين. وهو المشهور عن مالك، وبه قال الشافعي، وهو المذهب عند الحنابلة. القول الثاني: أنه سنتان. وهو مذهب أبي حنيفة، والثوري، وهو رواية عن أحمد، وهو مروي عن عائشة أم المؤمنين. القول الثالث: أنه سبع سنين. وهو قول ابن وهب وأشهب. القول الرابع: أنه ست سنين. وهو منقول عن مالك. القول الخامس: أنه ثلاث سنين. وهو قول الليث. القول السادس: أنه خمس سنين. وهو قول عبّاد بن العوام. القول السابع: أنه ليس لأقصاه وقت يوقف عليه. وهو قول أبي عبيد. انظر: «تبين الحقائق» ٣/ ٤٥، «البحر الرائق» ٤/ ٢٧٦، «المنتقى» ٤/ ٨٠، «حاشية الدسوقي» ٢/ ٤٧٤، «العزيز» ٩/ ٤٥١، «روضة الطالبين» ٨/ ٣٧٧، «المغني» ١١/ ٢٣٢ - ٢٣٣، «الإنصاف» ٢٤/ ٢٣ - ٢٤. (٢) انظر: «طبقات ابن سعد» القسم المتمم (٤٤٣)، «صفوة الصفوة» ٢/ ١٢١، «تهذيب الكمال» ٢٧/ ١١٩. (٣) رواه أبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٣٢٩، وابن عبد البر في «التمهيد» ١/ ٩٢، وانظر: «الطبقات» القسم المتمم (٤٣٤)، «سير أعلام النبلاء» ٨/ ١١٣. (٤) انظر ترجمته في: «الحلية» ٦/ ٣١٦، «صفة الصفوة» ٢/ ١٢٠ - ١٢١، "وفيات = فائدة: مالك - رضي الله عنه - أحد المذاهب الستة المتبوعة. وثانيهم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت مات ببغداد سنة خمسين ومائة عن سبعين سنة (١). وثالثهم: الشافعي محمد بن إدريس، مات بمصر سنة أربع ومائتين عن أربع وخمسين سنة (٢). ورابعهم: أحمد بن حنبل، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين عن ثمانين سنة ببغداد. --------------------- = الأعيان«٤/ ١٣٥ - ١٣٩،»تهذيب الكمال«٢٧/ ٩١ - ١٢٠،»سير أعلام النبلاء«٨/ ٤٨ - ١٣٥. (١) الإمام فقيه الملة، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي، مولى بني تميم بن ثعلبة يقال: إنه من أبناء الفرس، ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليه الكوفة، وقد قال عنه الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة توفي سنة خمسين ومائة. انظر ترجمته في:»التاريخ الكبير«٨/ ٨١ (٢٢٥٣)،»الجرح والتعديل«٨/ ٤٤٩، ٤٥٠ (٢٠٦٢)،»وفيات الأعيان«٥/ ٤٠٥ - ٤١٥ (٧٦٦)،»سير أعلام النبلاء«٦/ ٣٩٠ - ٤٠٣ (١٦٣). (٢) الشافعي: محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله، الشافعي، القرشي، يجتمع مع النبي - ﷺ - في عبد مناف بن قصي، أحد المجتهدين الأربعة، ناصر السنة، وسيد الفقهاء في عصره، مناقبه كثيرة شهيرة، أفردها العلماء بتصانيف مستقلة، منها:»آداب الشافعي ومناقبه«لابن أبي حاتم، و»مناقب الشافعي«للبيهقي. ولد بغزة سنة خمسين ومائة، وقيل: بعسقلان وتوفي بالقاهرة ليلة الجمعة الأخيرة من رجب سنة أربع ومائتين. من مؤلفاته»الحجة«،»رسالة الأصول«،»المبسوط«،»فضائل قريش«وغيرها كثير. انظر ترجمته في:»التاريخ الكبير«١/ ٤٢ (٧٣)،»حلية الأولياء«٩/ ٦٣، ٦٤،»تاريخ بغداد«٢/ ٥٦ - ٧٣ (٤٥٤»سير أعلام النبلاء" ١٠/ ٥ - ٩٩. وخامسهم: أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، مات بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة عن أربع وستين سنة (١). وآخرهم: داود بن علي بن خلف أبو سليمان الأصبهاني، مات سنة تسعين ومائتين عن ثمان وثمانين سنة ببغداد، وهو إمام الظاهرية (٢) أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه (٣)، وأبي ثور (٤)، وقد جمع الإمام أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي (٥) من أصحابنا الفقهاء ------------------- (١) ستأتي ترجمته أثناء شرح حديث (٣٤). (٢) انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ٨/ ٣٦٩ - ٣٧٥، «وفيات الأعيان» ٢/ ٢٥٥ - ٢٥٧، «تهذيب الأسماء» ١/ ١٨٢، «سير أعلام النبلاء» ١٣/ ٩٧، «لسان الميزان» ٢/ ٤٢٢. (٣) ستأتى ترجمته في حديث رقم (١٢٨). (٤) أبو ثور: إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، البغدادي، كان حنفيا من أصحاب محمد، فلما قدم الشافعي بغداد صحبه وأخذ عنه الفقه، وتبعه ونشر مذهبه، ثم استقل بعد ذلك بمذهبٍ، فهو مجتهد مطلق، صاحب مذهب فقهي مستقل، قال ابن حبان: كان أبو ثور أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وفضلا وخيرا، ممن صنَّف الكتب، وفرَّع على السنن، وقال أحمد: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة، هو عندي كسفيان الثوري، وقال ابن عبد البر: له مصنفات كثيرة، منها: كتاب ذكر فيه اختلاف مالك والشافعي وذكر مذهبه في ذلك. ولد سنة سبعين ومائة، وتوفي سنة أربعين ومائتين. انظر ترجمته في: «طبقات الشيرازي» ١٠١، ١٠٢، «وفيات الأعيان» ١/ ٢٦ (٢)، «تهذيب الكمال» ٢/ ٨٠ - ٨٣ (١٦٩)، «تاريخ الإسلام» ١٧/ ٦٣ - ٦٥ (٣٤) «سير أعلام النبلاء» ١٢/ ٧٢ - ٧٦ (١٩)، «تذكرة الحفاظ» ٢/ ٥١٢ - ٥١٣ (٥٢٨). (٥) يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد المعروف بالخطيب الحصكفي، الشافعي أبو الفضل معين الدين أديب، كاتب، شاعر، خطيب، فقيه، ولد في طنزة سنة ٤٥٩ هـ، ونشأ بحصن كيفا وقدم بغداد فقرأ الفقه، وأخذ الأدب عن الخطيب التبريزي، وتولى قضاء وخطابة ميافارقين وبها مات سنة ٥٥١ هـ. = (القراء) (١) السبعة في بيت وأئمة المذاهب في بيت، فقال: جمعت لك القراء لما أردتهم … ببيت تراه للأئمة جامعًا أبو عمرو وعبد الله حمزة عاصم … علي ولا تنس المديني نافعًا وإن شئت أركان الشريعة فاستمع … لتعرفهم فاحفظ إِذَا كنت سامعًا محمد والنعمان مالك أحمد … وسفيان واذكر بعد داود تابعا فائدة ثانية: ليس في الرواة مالك بن أنس غير هذا الإمام وغير مالك بن أنس الكوفي (٢)، روي عنه حديث واحد عن هانئ بن حزام وقيل: جزام، ووَهمَ بعضهم فأدخل حديثه في حديث الإمام نبه عليه الخطيب في (كتابه) (٣) «المتفق والمفترق». وأما الراوي عن الإمام مالك فهو أبو محمد عبد الله بن يوسف -بتثليث السين مع الهمز ودونه- المصري التنيسي شيخ البخاري، وتنيس -بمثناة فوق مكسورة ثمَّ نون مكسورة ثمَّ ياء مثناة تحت ساكنة ثمَّ سين مهملة- بلدة بمصر سميت بتنيس بن حام بن نوح -عليه السلام-، أصله من دمشق ثم نزل تنيس، قَالَ البخاري: لقيته بمصر سنة سبع عشرة ومائتين، ومنه سمع البخاري «الموطأ» عن مالك، قَالَ يحيى بن معين: ما بقي عَلَى أديم الأرض أحد أصدق في «الموطأ» منه، سمع -------------------------- = انظر ترجمته في: «اللباب» ١/ ٣٦٩، «الكامل في التاريخ» ١١/ ٢٣٩، «وفيات الأعيان» ٦/ ٢٠٥ - ٢١٠ (٨٠٤)، «سير أعلام النبلاء» ٢٠/ ٣٢٠، ٣٢١ (٢١٣)، «شذرات الذهب» ٤/ ١٦٨، ١٦٩، «معجم المؤلفين» ٤/ ٩٧. (١) من (ف). (٢) انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» ٧/ ٣١٠، «الجرح والتعديل» ٨/ ٢٠٤، «تهذيب التهذيب» ٤/ ٨ - ٩. (٣) من (ف). الأعلام مالكًا والليث وغيرهما، وعنه الأعلام يحيى بن معين والذهلي وغيرهما، وأكثر عنه البخاري في «صحيحه» وقال: كان أثبت الشاميين، وروى أبو داود والترمذي والنسائي عن رجل عنه، ولم يخرج له مسلم، مات بمصر سنة ثمان عشرة ومائتين، وليمس في الكتب الستة عبد الله بن يوسف سواه (١). فائدة: هذا الإسناد كلُّه مدنيون، خلا شيخ البخاري وفيه أيضًا طرفة ثانية، وهي رواية تابعي عن تابعي. الوجه الرابع: في ألفاظه ومعانيه: وهو بيان لكيفية الوحي لا لكيفية بدوه، فتنبه له: الأول: قد أسلفنا أول الباب أن الوحي أصله الإعلام في خفاء وسرعة، ثمَّ الوحي في حق الأنبياء عَلَى ثلاثة أضرب، كما نبه عليه القاضي عياض رحمه الله: أحدها: سماع الكلام القديم (٢) كسماع موسى عليه أفضل الصلاة والسلام بنص القرآن ونبينا - ﷺ - بصحيح الآثار. ثانيها: وحي رسالة بواسطة الملك. ثالثها: وحي تلقٍّ بالقلب، وقيل: كان هذا حال داود - ﷺ - كقوله: ------------------------- (١) انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» ٥/ ٢٣٣ (٧٦٤)، «التاريخ الصغير» ٢/ ٣٣٨، «معرفة الثقات» ٦٧/ ٢ (٩٩٩)، «تهذيب الكمال» ١٦/ ٣٣٣ - ٣٣٦ (٣٦٧٣)، «شذرات الذهب» ٢/ ٤٤. (٢) وصف كلام الله -سبحانه وتعالى- بأنه قديم من الألفاظ المبتدعة المخترعة، التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من موضع من «مجموع الفتاوى» فقال في ٥/ ٥٣٢ - ٥٣٣ ما معناه. = «إن روح القدس نفث في روعي» (١) أي: في نفسي والوحي إلى غير الأنبياء بمعنى الإلهام كالوحي إلى النحل. -------------------------- = إن أهل السنة متفقون على أنه ليس بمخلوق منفصل، ومتفقون على أن كلام الله قائم بذاته، وكان أئمة السنة كأحمد وأمثاله والبخاري وأمثاله، وداود وابن المبارك وابن خزيمة والدارمي وابن أبي شيبة وغيرهم متفقين على أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، ولم يقل أحد منهم إن القرآن قديم، وأول من شهر عنه أنه قال ذلك هو ابن كلاب. اهـ. وقال في ٧/ ٦٦١: ولم يقل أحد منهم إن القرآن قديم، لا معنى قائم بالذات، ولا أنه تكلم به في القديم بحرف وصوت، ولا تكلم به في القديم بحرف قديم، لم يقل أحد منهم لا هذا ولا هذا، وأن الذي اتفقوا عليه أن كلام الله منزل غير مخلوق، والله لم يزل متكلمًا إذا شاء، وكلامه لا نهاية له. اهـ. وقال في ١٢/ ٥٤ ما معناه: والسلف يقولون إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وقالوا لم يزل متكلمًا إذا شاء، فبينوا أن كلام الله قديم أي جنسه قديم لم يزل، ولم يقل أحد منهم أن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم، بل قالوا: إنه كلام الله منزل غير مخلوق، وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن، بمشيئته كان القرآن كلامه، وكان منزلًا غير مخلوق، ولم يكن أزليًّا قديمًا بقدم الله، وإن كان الله لم يزل متكلمًا إذا شاء فجنس كلامه قديم. اهـ. لكن قال شيخ الإسلام في ١٢/ ٥٦٧: فإذا قيل: كلام الله قديم بمعنى أنه لم يصر متكلمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته، بل لم يزل متكلمًا إذا شاء فهذا كلام صحيح. اهـ. وقال في «درء التعارض» ١/ ٦٧: إذا قال قائل: القرآن قديم وأراد به أنه نزل من أكثر من سبعمائة سنة وهو القديم في اللغة، أو أراد أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزول القرآن فإن هذا مما لا نزاع فيه. اهـ. (١) رواه الحاكم ٢/ ٤ من حديث ابن مسعود، وله طريق آخر عن جابر، رواه ابن حبان (٣٢٣٩)، والحاكم ٢/ ٤ وصححه على شرط الشيخين، وصححه الألباني في «الصحيحة» (٢٨٦٦)، وفي الباب عن حذيفة وأبي أمامة. وذكر السهيلي (١) أن في كيفية نزول الوحي عَلَى سيدنا رسول الله - ﷺ - سبع صور: الأول: المنام. كما جاء في هذا الحديث (٢). ثانيها: أن يأتيه الوحي في مثل صلصة الجرس كما جاء فيه أيضًا. ثالثها: أن ينفث في روعه الكلام كما جاء في الحديث السالف، وقال مجاهد وغيره في قوله تعالى: ﴿فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: ٥١] هو أن ينفث في روعه بالوحي. رابعها: أن يتمثل له الملك رجلًا كما جاء في هذا الحديث وقد كان يأتيه في صورة دحية (٣). خامسها: أن يتراءى له جبريل في صورته التي خلقها الله تعالى، له ---------------------- (١) «الروض الأنف» ١/ ٢٦٩ - ٢٧٠. (٢) كذا في الأصول: في هذا الحديث، وهو غير صحيح، بل المعنى يكون صحيحًا دون لفظة (هذا)؛ لأن الحديث، لم يأت فيه الوحي في المنام بل قال: «يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ» وقال: «وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا»، ففي الحالتين يكون الوحي في اليقظة، وأما دليل كون الوحي يكون في المنام فحديث عائشة التالي وفيه: أول ما بدئ به رسول الله - ﷺ - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم … (٣) دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن امرئ القيس بن الخزج، واسمه زيد مناة، بن عامر بن بكر بن عامر بن عامر الأكبر بن زيد اللات، وقيل: عامر الأكبر بن عوف بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب الكلبي، صاحب رسول الله - ﷺ -، ورسوله إلى قيصر ملك الروم، وكان جبريل يأتي رسول الله على صورته، وكان أجمل الناس وجهًا. أسلم قديمًا، ولم يشهد بدرًا، وشهد المشاهد مع رسول الله - ﷺ - بعد بدر، وبقي إلى خلافة معاوية. انظر ترجمته في: «معرفة الصحابة» ٢/ ١٠١٢ - ١٠١٤ (٨٧٨)، «الاستيعاب» ٢/ ٤٤، ٤٥ (٧٠٠)، «أسد الغابة» ٢/ ١٥٨ (١٥٠٧)، «تهذيب الكمال» ٨/ ٤٧٣ - ٤٧٥ (١٧٩٤)، «الإصابة» ١/ ٤٧٣. ستمائة جناح ينتثر منها اللؤلؤ والياقوت. سادسها: أن يكلمه الله من وراء حجاب إما في اليقظة كليلة الإسراء، أو في النوم كما جاء في الترمذي مرفوعًا: «أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ..» الحديث (١). وحديث عائشة الآتي: «فجاءه الملك فقال: اقرأ» (٢) ظاهره أن ذَلِكَ كان يقظة، وفي «السيرة»: «فأتاني وأنا نائم» (٣) ويمكن الجمع بأنه جاءه أولًا منامًا توطئة وتيسيرًا عليه ورفقًا به. وفي «صحيح مسلم» من حديث ابن عباس مكث - ﷺ - بمكة خمس عشرة سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئًا، وثمان سنين يوحى إليه (٤). سابعها: وَحْيُ إسرافيل كما جاء عن الشعبي أن النبي - ﷺ - وكِّل به إسرافيل فكان يتراءى لَهُ ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء ثمَّ وكَّل به جبريل (٥)، وأنكر الواقدي وغيره كونه وكَّل به غير جبريل. وقال أحمد بن محمد البغدادي: أكثر ما في الشريعة مما أوحي إلى رسول الله - ﷺ - على لسان جبريل -عليه السلام-. قَالَ الغزالي: وسماع النبي - ﷺ - والملك الوحي من الله تعالى بغير ------------------------- (١) رواه الترمذي (٣٢٣٣، ٣٢٣٤)، وأحمد ١/ ٣٦٨ عن ابن عباس قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، والحديث صححه الألباني في «الإرواء» (٦٨٤). (٢) سيأتي برقم (٣) باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ -. (٣) رواه ابن إسحاق في «السيرة» ص ١٠٠ - ١٠١. (٤) مسلم (٢٣٥٣/ ١٢٣) كتاب: الفضائل، باب: كم أقام النبي بمكة والمدينة. (٥) رواه الطبري في «تاريخه» ١/ ٥٧٣، ٥٧٤، وابن عبد البر فى «الاستيعاب» ١/ ١٤٠، وقال القرطبي في «التفسير» ١٠/ ١٧٧: سنده صحيح. واسطة يستحيل أن يكون بحرف أو صوت لكن يكون بخلقه تعالى للسامع علمًا ضروريًّا بثلاثة أمور: (بالمتكلم) (١) وبأن ما سمعه كلامه وبمراده من كلامه، والقدرة الأزلية لا تقتصر عن اضطرار النبي والملك إلى العلم بذلك. وكما أن كلامه تعالى ليس من جنس كلام البشر فسماعه الذي يخلقه لعبده ليس من جنس سماع الأصوات، ولذلك عسر علينا فهم كيفية سماع موسى -عليه السلام- لكلامه تعالى الذي ليس بحرف ولا صوت كما يعسر عَلَى الأكمه كيفية إدراك البصر للألوان، أما سماعه - ﷺ - فيحتمل أن يكون بحرف وصوت دال عَلَى معنى كلام الله. والمسموع الأصوات الحادثة، وهي فعل الملك دون نفس الكلام، ولا يكون هذا سماعًا لكلام الله تعالى من غير واسطة، وإن كان يطلق عليه أنه سماع كلام الله تعالى، وسماع الأمة من الرسول كسماع الرسول من الملك، وطريق الفهم فيه تقديم المعرفة بوضع اللغة التي يقع بها المخاطبة (٢). ------------------------- (١) في الأصول: للمتكلم، والصواب ما أثبتناه كما في «عمدة القاري» ١/ ٤٥ وهو الموافق للسياق. (٢) مذهب أهل السنة والجماعة أن الكلام صفة من صفاته تعالى، ليس شيئًا بائنًا منه مخلوقًا، فهو يتكلم بكلام حقيقي، متى شاء، كيف شاء، بما شاء، بحرف وصوت لا يشبه أصوات المخلوقين. قال شيخ الإسلام كما في «مجموع الفتاوى» ١٢/ ٢٤٣ - ٢٤٤: والصواب الذي عليه سلف الأمة -كالإمام أحمد والبخاري وغيره وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم- اتباع النصوص الثابتة، وإجماع السلف، وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره؛ ولكن أنزله على رسوله، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى، ولا لمجرد الحرف، بل لمجموعهما، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط؛ ولا المعاني فقط، كما أن الإنسان المتكلم = وحكى القرافي خلافًا للعلماء في ابتداء الوحي هل كان جبريل -عليه السلام- ينقل له ملك عن الله تعالى أو يخلق لَهُ علم ضروريًّا بأن الله تعالى طلب منه أن يأتي محمدًا وغيره من الأنبياء بسور كذا، أو خلق له علمًا ضروريًا بأن يأتي اللوح المحفوظ فينقل منه كذا. الثاني: قوله - ﷺ -: («أَحْيَانًا يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ») الأحيان: الأوقات جمع حين يقع عَلَى القليل والكثير، قَالَ تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: ١]، أي مدة من الدهر والصلصلة -بفتح الصادين المهملتين-: الصوت المتدارك الذي لا يفهم أول وهلة، قَالَ الخطابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا ينتبه أول ما يقرع سمعه حتَّى يفهمه من بَعدُ (١). قيل: الحكمة في ذَلِكَ أن يتفرغ سمعه، ولا يبقى فيه مكان لغير صوت الملك ولا في قلبه (٢)، وكذلك قَالَ المهلب يعني قوة صوت الملك الوحي ليشغله عن أمور الدنيا، وتفرغ حواسه فلا يبقى في سمعه ولا في قلبه مكان لغير صوت الملك. ------------------- = الناطق ليس هو مجرد الروح، ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما، وأن الله تعالى يتكلم بصوت. كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كاصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره. وأن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق، ولا معانيه تشبه معانيه، ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد، فمن شبه الله بخلقه فقد ألحد في أسمائه وآياته، ومن جحد ما وصف به نفسه فقد ألحد في أسمائه وآياته. اهـ. (١) «أعلام الحديث» للخطابي ١/ ١٢١. (٢) «شرح النووي على مسلم» ١٥/ ٨٨. قَالَ أبو الحسن علي بنُ بطال (١): وعلى مثل هذِه الصفة تتلقى الملائكة الوحي من الله تعالى، وقد ذكر البخاري في كتاب التوحيد وغيره عن ابن مسعود: إِذَا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئًا، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا: ماذا قَالَ ربكم؟ قالوا: الحق (٢). وعن أبي هريرة قَالَ: «إِذَا قضى الله تعالى الأمرَ في السماءِ ضربت الملائكةُ بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة عَلَى صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قَالَ ربكم؟ قالوا: الحق. وهو العلي الكبير فيسمعها مسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض -ووصف سفيان بكفه فحركها وبدد بين أصابعه- فيستمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثمَّ يقليها الآخر إلى من تحته حتَّى يلقيها عَلَى لسان الساحر والكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، وقال: أليس قَدْ كان كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمه التي سمعت من السماء» (٣)، وقيل: معنى فزع: كشف. وهو دال عَلَى ---------------------------- (١) هو العلامة أبو الحسن، على بن خلف بن بطال البكري، القرطبي، ثم البلنسي، ويعرف بابن اللّجّام قال ابن بشكوال: كان من أهل العلم والمعرفة، عني بالحديث العناية التامة، شرح «الصحيح» في عدة أسفار، رواه الناس عنه، واستقضى بحصن لُوْرَقَة. اهـ. وقد كان من كبار المالكية. توفي في صفر سنة تسع وأربعين وأربعمائة. انظر ترجمته في: «الصلة» ٢/ ٤١٤، «الوافي بالوفيات» ١٢/ ٥٦، «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ٤٧ - ٤٨، «شذرات الذهب» ٣/ ٢٨٣. (٢) علقه البخاري عن ابن مسعود قبل الرواية (٧٤٨١) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ﴾. ورواه في «خلق أفعال العباد» ص ١٣٩، ورواه مرفوعًا أبو داود (٤٧٣٨)، والحديث صححه الألباني في «الصحيحة» (١٢٩٣). (٣) سيأتي في التفسير برقمي (٤٧٠١، ٤٨٠٠). أنه يصيبهم فزع شديد من شيء يحدث من أمر الله تعالى، والمراد بالحق: الوحي، وقال ابن جبير: ينزل الأمر من رب العزة فيسمعون مثل وقع الحديد عَلَى الصفا فيفزع أهل السماء حتَّى (يستبين) (١) لهم الأمر الذي نزل فيه، فيقول بعضهم لبعض: ماذا قَالَ ربكم؟ فيقول: قَالَ: الحق. وروي مرفوعًا: «إِذَا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماء منه رجفة -أو قَالَ: رعدة- شديدة خوفًا من الله، فإذا سمع ذَلِكَ أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدًا، فيكون أول ما يرفع رأسه جبريل فيكلمه من وحيه بما (أراد) (٢)، ثمَّ يمر جبريل عَلَى الملائكة، كلما مر على سماء سأله ملائكتها: ماذا قَالَ ربنا يا جبريل؟ قَالَ: الحق وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قَالَ جبريل، فينتهي جبريل حيث أمره الله» (٣). الوجه الثالث: قَدْ أسلفنا أن الصلصلة الصوت المتدارك، قَالَ أبو علي الهَجَري في «أماليه»: الصلصلة للحديد والنحاس والصفر ويابس الطين، وما أشبه ذَلِكَ صوته. وقال في «المحكم»: صل يصل صليلًا، وصلصل صلصلة (وتصلصلًا) (٤): صَوَّت (٥). فإن توهمت ترجيع صوت قُلْتَ: صلصل وتصلصل (٦). --------------------------- (١) في (ج): يتبين. (٢) في (ف): أراه. (٣) رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (٥١٥) عن النواس بن سمعان وضعفه الألباني. (٤) في (ج): وتصليلًا. (٥) عبارة «المحكم»: صلصل صلصلة مصلصلا، ثم قال: وصل اللجام امتد صوته. (٦) «المحكم» ٨/ ١٧٦. وعبارة القاضي: الصلصلة: صوت: الحديد فيما له طنين. وقيل: معنى الحديث هو: قوة صوت حفيف أجنحة الملائكة لشغله عن غير ذَلِكَ، ويؤيده الرواية الأخرى: «كأنه سلسلة عَلَى صفوان» (١) أي: حفيف الأجنحة. والجرس هو الجلجل الذي يعلق في رأس الدواب، كره - ﷺ - صحبته في السفر؛ لأنه مزمار الشيطان كما أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان (٢). وقيل: كرهه لأنه يدل عَلَى أصحابه بصوته، وكان يحب ألا يعلم العدو به حتَّى يأتيهم فجأة، حكاه ابن الأثير (٣) قَالَ ابن دريد: واشتقاقه من الجرس أي: الصوت والحس (٤). وقال ابن سيده: الجَرْس والجِرْس والجَرَس-الأخير عن كراع- الحركة والصوت من كل ذي صوت، وقيل: الجرس بالفتح إِذَا أفرد، فإذا قالوا: ما سمعت له حسًّا ولا جرسًا كسروا فأتبعوا اللفظ اللفظ (٥). وقال الصغاني: قَالَ ابن السكيت: الجَرَس والجِرْس الصوت ولم يفرق. وقال الليث: الجَرْسُ: مصدر الصوت المجروس، والجِرس بالكسر: الصوت نفسه. الوجه الرابع: قوله: («وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا») يحتمل تمثيل جبريل له رجلًا أن الله تعالى أفنى الزائد من خلقه ثمَّ أعاده إليه، ويحتمل أنه يزيله عنه ثمَّ يعيده إليه بعد التبليغ، نبه عَلَى ذَلِكَ ----------------------- (١) ستأتى برقم (٤٨٠٠)، كتاب: التفسير، باب: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾. (٢) رواه مسلم (٢١١٤) كتاب: اللباس والزينة، باب: كراهة الكلب والجرس في السفر، وأبو داود (٢٥٥٦)، وابن حبان (٤٧٠٤) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (٣) «النهاية في غريب الحديث والأثر» ١/ ٢٦١. (٤) «جمهرة اللغة» ١/ ٤٥٦. (٥) «المحكم» ٧/ ١٨٩. إمام الحرمين، وأما التداخل فلا يصح عَلَى مذهب أهل الحق، وأبدى الشيخ عِزُّ الدين ابن عبد السلام سؤالًا، فقال: إن قيل: إِذَا لقي جبريل النبي - ﷺ - في صورة دحية، فأين تكون روحه؟ فإن كان في الجسد الذي له ستمائة جناح، فالذي أتى لا روح جبريل ولا جسده، وإن كانت في هذا الذي هو في صورة دحية فهل يموت الجسد العظيم أم يبقى خاليًا من الروح المنتقلة عنه إلى الجسد المشبه بجسد دحية؟ ثم أجاب بأنه لا يبعد أن لا يكون انتقالها موجب موته فيبقى الجسد حيًّا لا ينقص من معارفه شيء، ويكون انتقال روحه (إلى) (١) الجسد الثاني كانتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طير خضر، قَالَ: وموت الأجساد بمفارقة الأرواح ليس بواجب عقلًا، بل بعادة أجراها الله تعالى في بني آدم، فلا تلزم في غيرهم (٢). الوجه الخامس: قوله: («فَيُفْصَمُ عَنِّي») فيه روايات: أصحها: «يَفْصِم» بفتح الياء المثناة تحت وإسكان الفاء وكسر الصاد، قَالَ الخطابي: معناه: يقطع وينجلي ما يغشاني منه، قَالَ: وأصل الفصم القطع ومنه: ﴿لَا انْفِصَامَ﴾ [البقرة: ٢٥٦]، وقيل: إنه الصدع بلا إبانة، وبالقاف قطع مع إبانة (٣). فمعنى الحديث: أن الملك فارقه ليعود. الثانية: بضم أوله وفتح ثالثه، وهي رواية أبي ذر الهروي. والثالثة: بضم أوله وكسر ثالثه من أفصم المطر إِذَا أقلع رباعي، وهي لغة قليلة. ------------------------- (١) في (ج): من. (٢) الأسلم للمرء في دينه ترك الخوض في مثل هذا، والإعراض، واقتضاء طريقة السلف، فإنهم لم يخوضوا في شيء من هذا ولم يبحثوا عنه. (٣) «أعلام الحديث» ١/ ١٢٠ - ١٢١. السادس: قوله: («وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ») أي: فهمت وجمعت وحفظت. قَالَ صاحب «الأفعال»: وعيت العلم: حفظته، ووعيت الأذان: سمعته، وأوعيت المتاع جمعته في الوعاء. قَالَ ابن القطاع: وأوعيت العلم مثل وعيته، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣)﴾ [الانشقاق: ٢٣]، أي: بما يضمرون في قلوبهم من التكذيب (١)، وقال الزجاج: بما يحملون في قلوبهم، فهذا من أوعيت المتاع. السابع: قوله («يَتَمَثَّلُ») أي: يتصور وانتصب (رَجُلًا) عَلَى التمييز، والملَك هنا بفتح اللام المراد به واحد الملائكة، ويقال للجمع أيضًا. الثامن: قولها: (وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا) الجبين غير الجبهة وهو فوق الصدغ، والصدغ: ما بين العين إلى الأذن، وللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة، ومعنى (يتفصد) بالفاء والصاد المهملة يسيل. و(عرقًا): منصوب عَلَى التمييز، والمعنى: أن الوحي إِذَا كان ورد عليه يجد لَهُ مشقة ويغشاه كرب لثقل ما يُلقى عليه، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)﴾ [المزمل: ٥] ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم، كما روي أنه كان يأخذه عند الوحي الرحضاء يعني: البُهْر والعرق من الشدة، وأكثر ما يسمى به عرق الحمى، فكان جبينه يتفصد عرقًا كما يتفصد لذلك، وإنما كان ذَلِكَ ليبلو صبره ويحسن تأديبه، ويرتاض لاحتمال ما كُلِّف من أعباء النبوة. وفي حديث يعلى: ورآه حين نزل عليه الوحي مُحَمرَّ الوجه وهو -------------------- (١) «الأفعال» ٣/ ٣٣٣. يغطُّ. سيأتي في المناسك حيث ذكره البخاري (١). ومنه في حديث عبادة بن الصامت أنه - ﷺ - كان إِذَا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه (٢). وفي حديث الإفك قالت عائشة: فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتَّى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه (٣). وفي «صحيح مسلم»: كان إِذَا نزل عليه الوحي نكس رأسه ونكص أصحابه رءوسهم، فإذا انجلى عنه رفع رأسه (٤). التاسع: ذكر في هذا الحديث حالين من أحوال الوحي وهما: «مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ»، وتمثيل الملك لَهُ رجلًا، ولم يذكر الرؤيا في النوم مع إعلامه لنا أن رؤياه حق لوجهين: أحدهما: أن الرؤيا الصالحة قَدْ يشركه فيها غيره بخلاف الأولين. ثانيهما: لعله علم أن قصد السائل بسؤاله ما خص به ولا يعرف إلا من جهته. ----------------------- (١) سيأتي برقم (١٥٣٦) كتاب: الحج، باب: غسل الخلوق ثلاث مراتٍ من الثياب، و(١٧٨٩) كتاب: العمرة، باب: يفعل في العمرة ما يفعل في الحج، و(١٨٤٧) كتاب: جزاء الصيد، باب: إذا أحرم جاهلًا وعليه قميص. (٢) رواه مسلم (١٦٩٠) كتاب: الحدود، باب: حد الزنا، وأبو داود (٤٤١٥ - ٤٤١٧)، والترمذي (١٤٣٤)، وابن ماجه (٢٥٥٠)، وأحمد ٥/ ٣١٣. (٣) سيأتي برقم (٤٧٥٠) كتاب: التفسير، باب: قوله: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ﴾. ورواه مسلم: (٢٧٧٠) كتاب: التوبة، باب: في حديث الإفك وقبول توبة القاذف. (٤) مسلم (٢٣٣٥) كتاب: الفضائل، باب: عرق النبي - ﷺ - في البرد وحين يأتيه الوحي. ![]()
__________________
|
|
#28
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 231 الى صـــ 250 الحلقة (28) العاشر: في الحديث إثبات الملائكة، والرد عَلَى من أنكرهم من الملحدة والفلاسفة، ذكر ذَلِكَ أبو عبد الله بن المرابط. الحادي عشر: فيه -كما قَالَ ابن عبد البر- دلالة عَلَى أن الصحابة كانوا يسألونه عن كثير من المعاني، وكان - ﷺ - يجمعهم ويعلمهم وكانت طائفة تسأل وأخرى تحفظ وتؤدي وتبلغ، حتَّى أكمل الله دينه (ولله الحمد) (١). (آخر الجزء الثاني من تجزئة المصنف) (٢). ---------------------- (١) في (ف): (وله الحمد)، وانظر «التمهيد» ٢٢/ ١١٣. (٢) من (ف) وورد بهامشها تعليق نصه: بلغ إبراهيم الحلبي قراءة على المصنف وسمعه الأئمة الحاضري (…) وابن بهرام وولد المصنف نور الدين علي والعاملي ومحمد بن أحمد بن عمر البرموي (…) شيخنا الصفدي والنظام الحموي وآخرون. ٣ - باب ٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِى النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ. قَالَ»مَا أَنَا بِقَارِئٍ«. قَالَ»فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ اقْرَأْ. قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ اقْرَأْ. فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)﴾. فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ: «زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى». فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى». فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ -وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِىَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ- فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِى مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِى نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى. يَا لَيْتَنِى فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِى أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - «أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ». قَالَ نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِىَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ وَفَتَرَ الْوَحْىُ. [٣٣٩٢، ٤٩٥٣، ٤٩٥٥، ٤٩٥٦، ٤٩٥٧، ٦٩٨٢ - مسلم ١٦٠ - فتح ٢٢/ ١] الحديث الثالث: قَالَ البخاري رحمه الله: نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - مِنَ الوَحْي الرُّؤْيَا الصالحه فِي النَّوْمِ، وَكَانَ لَا يَرى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحَ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلَاءُ، فكَانَ يَخْلُو بغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزعَ إلى أَهْلِهِ، وَيتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ اقْرَأ. فقَلت:»مَا أَنَا بِقَارِئٍ«. قَالَ:»فَأَخَذَنِي فَغَطنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)﴾. فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ على خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلّاَ والله مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتت بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزى ابن عَمِّ خَدِيجَةَ- وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ -فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابن عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابن أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابن أَخِي مَاذَا تَرى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - خَبَرَ مَا رَأى. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذِي نَزلَ اللهُ على مُوسَى. يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: «أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ». قَالَ نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِىَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفّيَ وَفَتَرَ الوَحْيُ. الكلام عليه من وجوه: أحدها: هذا الحديث من مراسيل الصحابة كما نبهنا عليه في الفصول السابقة أول الشرح. فإن عائشة لم تدرك هذِه (القصة) (١) فروتها إما سماعًا من النبي - ﷺ -، أو من صحابي آخر. ثانيها: هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التفسير والتعبير، عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرازق، عن معمر (٢)، وفي: التفسير، عن سعيد بن مروان، عن محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، عن أبي صالح سلمويه، عن ابن المبارك، عن يونس (٣)، وفي الإيمان عن ابن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، وعن عبد الملك، عن أبيه، عن جده، عن عقيل، وعن أبي الطاهر، عن ابن وهب، عن يونس كلهم عن الزهري (٤). ---------------------------- (١) في (ف): القضية. (٢) سيأتي برقم (٤٩٥٦) كتاب: التفسير، باب: قوله: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)﴾ و(٦٩٨٢) في التعبير، باب: أول ما بدئ به رسول اللهﷺ - من الوحي الرؤيا الصالحة. (٣) يأتي برقم (٤٩٥٣) باب: (١). (٤) قلت: عزو المصنف هذا الحديث هنا يوهم أنه في البخاري، إلا أن هذِه الطرق = وأخرجه مسلم في الإيمان (١)، والترمذي (٢)، والنسائي في التفسير (٣). ثالثها: في التعريف برواته: أما عائشة وعروة فسلفا في الحديث قبله، وأما ابن شهاب فهو: الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي الزهري المدني، سكن الشام وهو تابعي صغير، سمع أنسًا وربيعة بن عباد وخلقًا من الصحابة، وسعيد بن المسيب وعطاء وخلقًا من كبار التابعين، ورأى ابن عمر، وروى عنه، ويقال: (سمع منه حديثين) (٤)، وعنه جماعات من كبار التابعين منهم: عطاء وعمر بن عبد العزيز، ومن صغارهم ومن الأتباع أيضًا، صحَّ عنه أنه قَالَ: ما استودعت حفظي شيئًا فخانني. وصحَّ عنه أنه أخذ القرآن في ثمانين ليلة، وجمع علم التابعين، واتفقوا عَلَى جلالته وبراعته وإمامته وحفظه وإتقانه. قَالَ الشافعي: لولا الزهري ذهبت السنن من المدينة. مات بالشام وأوصى بأن يدفن عَلَى الطريق بقرية يقال لها: (شَغْب وبدّا) (٥) في --------------------------- = الثلاثة في مسلم (١٦٠/ ٢٥٢ - ٢٥٤) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ -. (١) مسلم (١٦٠) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول اللهﷺ -. (٢) الترمذي (٣٦٣٢). (٣) لم أقف عليه عند النسائي. (٤) في (ف): إنه روى عنه حديثين. (٥) الذي وقع في مصادر الترجمة أنه توفى بضيعة يقال: لها أداما، وهي خلف شَغْب وبَدّا، وهما واديان، وقيل: قريتان بين الحجاز والشام في موضع هو آخر عمل الحجاز وأولج عمل فلسطين. انظر: «الثقات» ٥/ ٢٤٩، «وفيات الأعيان» ٤/ = رمضان سنة أربع وعشرين ومائة، ابن اثنتين وسبعين سنة (١). وأما الراوي عنه فهو أبو خالد، عُقيل -بضم العين كما سلف في الفصول السابقة أول الكتاب- بن خالد بن عقيل -بفتح العين- الأيلي -بالمثناة تحت- (القرشي) (٢) الأموي مولى عثمان بن عفان، الحافظ، روى عن عكرمة والقاسم وسالم والزهري وخلق، وعنه الليث وضمام بن إسماعيل. قَالَ يحيى بن معين: أثبت من روى عن الزهري مالك ثم معمر ثمَّ عقيل. وقيل: عقيل أثبت من معمر، مات سنة إحدى وأربعين ومائة، وقيل: سنة أربع بمصر فجأة، وليس في الكتب الستة من اسمه عقيل بضم العين غيره (٣). وأما الراوي عنه فهو الإمام أبو الحارث، الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم المصري، عالم أهل مصر من تابعي التابعين، مولى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي، وقيل: مولى خالد بن ثابت، وفهم بن قيس غيلان، ولد بقرقشندة -عَلَى نحو أربع فراسخ من بلدنا مصر- سنة ثلاث أو أربع وتسعين، سمع عطاء وابن ------------------------ = ١٧٨، «تهذيب الكمال» ٢٦/ ٤٤٢، «سير أعلام النبلاء» ٥/ ٣٤٩. وقال النووي في «تهذيبه» ١/ ٩٢: قرية يقال لها: شغبدا أهـ. (١) انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» ١/ ٢٢٠ - ٢٢١ (٦٩٣)، «معرفة الثقات» ٢/ ٢٥٣ (١٦٤٥)، «الثقات» ٥/ ٣٤٩ - ٣٥٠، «تهذيب الكمال» ٢٦/ ٤١٩ - ٤٤٣ (٥٦٠٦)، «تهذيب التهذيب» ٣/ ٦٩٦ - ٦٩٨. (٢) في (ج): الدمشقي. (٣) انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» ٧/ ٥١٩، «التاريخ الكبير» ٧/ ٩٤ (٤١٩)، «الجرح والتعديل» ٧/ ٤٣ (٢٤٣)، «الثقات» ٧/ ٣٠٥، «تهذيب الكمال» ٢٠/ ٢٤٢ - ٢٤٥ (٤٠٠١). أبي مليكة وخلقًا. وعنه قتيبة ومحمد بن رمح وعيسى زُغْبة (١)، وخلائق من التابعين وغيرهم، ومنهم: محمد بن عجلان، وهو من كبار التابعين، ومن شيوخه. وإمامته وبراعته وجلالته وحفظه وإتقانه وجوده وإفضاله وورعه وعبادته مجمع عليه، وغير ذَلِكَ من المحاسن والمكارم، ووصفه الشافعي بكثرة الفقه، إلا أنه ضيعه أصحابه -يعني: لم يعتنوا بكتبه ونَقْلِها والتعليق عنه- ففات الناس معظم علمه، وكان دَخْلُه في السنة ثمانين ألف دينار وما وجبت عليه زكاة قط، ولمّا قَدِمَ المدينة أهدى لَهُ مالك من طرفها، فبعث إليه ألف دينار. قَالَ يحيى بن بكير: كان الليث أفقه من مالك، ولكن كانت الحظوة لمالك، ورأيت من رأيت فما رأيت مثل الليث، كان فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن، ويحفظ الحديث والنحو والشعر، حسن المذاكرة، ومازال يعقد خصالًا جميلة حتَّى عقد عشرة. وقال ابن وهب: ما كان في كتب مالك: أخبرني من أرضى من أهل العلم فهو الليث. وقال أيضًا: لولا أن الله أنقذني به وبمالك لضللت. وقال أحمد: كان كثير العلم، صحيح الحديث، ما في هؤلاء المصريين أثبت منه، ما أصح حديثه! وقال أحمد بن صالح: الليث إمام أوجب الله تعالى علينا حقه. ------------------------ (١) هو عيس بن حماد زُغْبة، وهو آخر من حدث عنه من الثقات. انظر: «تهذيب الكمال» ٢٤/ ٢٦٠. وقال شرحبيل بن جميل: أدركت الناس أيام هشام، وكان الليث بن سعد حديث السن، وهم يعرفون له فضله وورعه مع حداثة سنه. وقال ابن سعد: استقل بالفتوى في زمانه بمصر، وكان سريًّا نبيلًا سخيَّا ومناقبه جمة (١). قَالَ الشافعي: ما ندمت عَلَى أحد ما ندمت عَلَى الليث. مات في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، وقبره عندنا بمصر يزار (٢)، وعليه من الجلالة والبهاء ما هو لائق به، وليس في الكتب ---------------------- (١) «الطبقات الكبرى» ٧/ ٥١٧. وابن سعد: هو محمد بن سعد بن منيع، الحافظ العلامة الحجة، أبو عبد الله البغدادي، كاتب الواقدي، ومصنف «الطبقات الكبير»، و«الطبقات الصغير» وغير ذلك، ولد بعد الستين ومائة، وكان من أوعية العلم، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: صدوق. توفي ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ٢٣٠ هـ، وهو ابن اثنتين وستين سنة. انظر ترجمته في: «الجرح والتعديل» ٧/ ٢٦٢، «تاريخ بغداد» ٥/ ٣٢١، ٣٢٢، و«سير أعلام النبلاء» ١٠/ ٦٦٤ (٢٤٢). (٢) قد أكثر المصنف في كتابه هذا من قوله: وفلان قبره يزار فاعلم أنه لا يجوز شرعًا تخصيص قبر بعينه للزيارة، وإن كان للعبرة والعظة؛ لعموم قوله - ﷺ -: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. ولم يحدد قبرًا بعينه، ثم اعلم أن الزيارة الشرعية إنما هي في التفكر والاتعاظ بالموتى والدعاء لهم لا غير، فإن صاحب ذلك نوع من أنواع الشرك، فقد قال - ﷺ -: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم» ٤٠٠ - ٤٠١: غلب في عرف كثير من الناس استعمال لفظ: زرنا، في زيارة قبور الأنبياء والصالحين على استعمال لفظ: زيارة القبور، في الزيارة البدعية الشركية لا في الزيارة الشرعية ولم يثبت عن النبي - ﷺ - حديث واحد في زيارة قبر مخصوص، ولا رَوى في ذلك شيئًا لا أهل الصحيح ولا السنن ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره، وإنما روى ذلك مَن جَمَع الموضوع وغيره. ا. هـ. الستة من اسمه الليث بن سعد سواه (١)، نعم في الرواة ثلالة غيره: أحدهم: بصري وكنيته أبو الحارث أيضًا، وهو ابن أخي سعيد بن الحكم. ثانيهم: يروي عن ابن وهب. ذكرهما ابن يونس (٢) في «تاريخ مصر». وثالثهم: تنيسي حدث عن بكر بن سهل نبه عَلَى ذَلِكَ الخطيب (٣). وأما الراوي عنه فهو أبو زكريا، يحيى بن عبد الله بن بكير، نسبه البخاري إلى جده، القرشي المخزومي مولاهم، المصري الحافظ --------------------------- (١) انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» ٧/ ٥١٧، «معرفة الثقات» ٢/ ٢٣٠ (١٥٦٥) «التاريخ الكبير» ٧/ ٢٤٦ - ٢٤٧ (١٠٥٣)، «الجرح والتعديل» ٧/ ١٧٩ (١٠١٥)، «سير أعلام النبلاء» ٨/ ١٣٦ (١٢)، «تهذيب الكمال» ٢٤/ ٢٥٥ (٥٠١٦). (٢) هو علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، أبو الحسن، الفلكي المؤرخ، مصنف «تاريخ أعيان مصر»، توفي في شوال سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، انظر ترجمته في: «الأنساب» ٨/ ٤٦، «وفيات الأعيان» ٣/ ٤٢٩ - ٤٣١، «تاريخ الإسلام» ٤/ ١١٢، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ١٠٩. (٣) قلت: هذا يسمى: المتفق والمفترق، كما هو مقرر في مصطلح الحديث، وهو أن تتفق أسماء الرواة لفظًا وخطَّا وتختلف أو تفترق أشخاصهم، مثاله: أبو بكر بن عياش ثلاثة، وأحمد بن جعفر بن حمدان أربعة، وأبو عمران الجوني، اثنان، وطالح بن أبي صالح أربعة، والليث بن سعد -كما ذكره المصنف هنا- أربعة. وللخطيب فيه كتاب «المتفق والمفترق». انظر: «علوم الحديث» ص ٣٥٨ - ٣٦٥، و«المقنع» ٢/ ٦١٤ - ٦٢١، «فتح المغيث» ٣/ ٢٦٩ - ٢٨٣، و«تدريب الراوي» ٢/ ٤٥٥ - ٤٧٤. وما عزاه المصنف هنا للخطيب مظنه كتاب: «المتفق والمفترق»، وذكره الخطيب أيضًا في كتابه «تالي تلخيص المتشابه» ٢/ ٦١٧ - ٦١٨ (٤٣٦ - ٤٣٩) وعزاه محققه «للمتفق والمفترق» للخطيب (ق ٢٢٥/ ب). وذكر المصنف هنا أن الليث بن سعد ابن أخي سعيد بن الحكم، بصري، ووقع في «تالي التلخيص» أنه مصري، وكذا ذكر العيني في «عمدة القاري» ١/ ٥٣ أنه مصري. المفتي، الثقة الواسع العلم، روى عن مالك والليث وابن الماجشون وغيرهم، وعنه: البخاري ويحيى بن معين والذهلي وأبو زرعة وخلائق، وهو راوي «الموطأ» عن مالك، وقد تكلم أهل الحديث في سماعه منه (١) كما نبه عليه الباجي (٢)، ولد سنة أربع وقيل: خمس وخمسين ومائة، ومات سنة إحدى وثلاثين ومائتين، واعلم أن البخاري روى عن يحيى هذا في مواضع (٣)، وروى عن محمد بن عبد الله -هو الذهلي- عنه، قاله أبو نصر الكلاباذي. قَالَ المقدسي: نسبه إلى جده يدلسه، وتارة يقول: ثنا محمد ولا يزيد عليه، وتارة: محمد بن عبد الله، وإنما هو محمد بن عبد الله (بن خالد بن فارس) (٤) ---------------------------- (١) قلت: والعلة في ذلك ما ذكره الحافظ في «تهذيب التهذيب» ٤/ ٣٦٨ قال: قال الساجي: قال ابن معين: سمع يحيى بن بكير «الموطأ» بعرض حبيب كاتب الليث، وكان شر عرض، كان يقرأ على مالك خطوط الناس ويصفح ورقتين ثلاثة أهـ. ولكن قال بقي بن مخلد -كما في «تذكرة الحفاظ» ٢/ ٤٢٠ -: سمع يحيى بن بكير «الموطأ» من مالك سبع عشرة مرة أهـ. (٢) «التعديل والتجريح» ٣/ ١٢١٣. والباجي: هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي، الأندلسي، القرطبي، الباجي، الإمام العلامة الحافظ ذو الفنون، القاضي، صاحب التصانيف ولد في سنة ٤٠٣ هـ وتفقه به أئمة واشتهر اسمه، وصنف التصانيف النفيسة، قال الأمير أبو نصر: أما الباجي ذو الوزارتين فقيه متكلم، أديب شاعر، سمع بالعراق ودرس الكلام وصنف، إلى أن قال: وكان جليلا رفيع القدر والخطر، قبره بالمرية مات سنة أربع وسبعين وأربعمائة. انظر ترجمته في: «الإكمال» ١/ ٤٦٨، «وفيات الأعيان» ٢/ ٤٠٨ - ٤٠٩، «البداية والنهاية» ١٢/ ١٢٢ - ١٢٣، «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ٥٣٧. (٣) منها ما سيأتي برقم (١٣٦، ١٤٦، ٢٠٨، ٥٦٦، ١٨٩٠، ٢٣٤٥، ٢٧٥٧، ٣١٧٤) وغيرها. (٤) فى الأصل: ابن خالد بن عبد الله بن فارس، والصواب ما أثبتناه كما في مصادر الترجمة. ابن ذؤيب الذهلي، وتارة ينسبه إلى جده فيقول: محمد بن عبد الله، وتارة محمد بن خالد بن فارس فتنبَّه لذلك (١). وروى مسلم عن أبي زرعة (٢) عنه -أعني: عن ابن بكير- حديثًا (٣)، وروى ابن ماجه عن رجل عنه (٤). ------------------------ (١) «الجمع بين رجال الصحيحين» لابن طاهر المقدسي ٢/ ٤٦٥ (١٧٨٧) قلت: أما قول البخاري: ثنا محمد، ولا يزيد عليه فانظر حديث رقم: (١٢٤٠، ١٨٠٩، ٢٠٧١، ٣٤٦٤، ٤٤٣٨، ٤٥٤٥، ٤٦٧٧، ٤٨٧٥، ٥٩٣٠، ٦١٠٣، ٦٦٦٥). وأما قوله: ثنا محمد بن عبد الله، فانظر حديث رقم: (٢٦٩٣، ٢٨٠٩، ٤٢٧٣، ٤٧٢٩، ٤٨٠٧، ٦٧٢٢، ٦٧٨٥، ٦٩٠٨). وأما قوله: ثنا محمد بن خالد، فانظر حديث رقم: (١٩٥٢، ٥٧٣٩، ٧١٥٥، ٧٥١١). وسبب ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ، وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه. ولمزيد بيان ينظر: «سير أعلام النبلاء» ١٢/ ٤٥٣ - ٤٦٣. (٢) هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ، محدث الري، ولد بعد نيف ومائتين، قال ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن أبي زرعة فقال: إمام. توفي سنة ستين ومائتين وهو ابن أربع وستين سنة، وقيل: توفي وهو ابن ست وخمسين سنة، انظر ترجمته في: «الجرح والتعديل» ١/ ٣٢٨ - ٣٤٩، «تاريخ بغداد» ١٠/ ٣٢٦ - ٣٢٧، «طبقات الحنابلة» ١/ ١٩٩ - ٢٠٣، «البداية والنهاية» ١١/ ٣٧، «سير أعلام النبلاء» ١٣/ ٦٥ (٤٨). (٣) مسلم (٢٧٣٩) كتاب: الرقاق، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم -أبو زرعة- حدثنا ابن بكير، حدثني يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: كان من دعاء رسول الله - ﷺ -: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك». قال النووي في «شرح مسلم» ١٧/ ٥٤: هذا الحديث رواه مسلم عن أبي زرعة الرازي أحد حفاظ الإسلام وأكثرهم حفظًا، ولم يرو مسلم في «صحيحه» عنه غير هذا الحديث، وهو من أقران مسلم، توفي بعد مسلم بثلاث سنين سنة أربع وستين ومائتين ا. هـ. (٤) قلت: روى له ابن ماجه بواسطة عن ثلاث: = قَالَ أبو حاتم: كان يفهم هذا الشأن ولا يحتج به، يُكْتب حديثه (١). وقال النسائي: ليس بثقة. ووثقه غيرهما، وقال الدارقطني: عندي ما به بأس. وأخرج لَهُ مسلم عن الليث (٢)، وعن يعقوب بن عبد الرحمن (٣)، والمغيرة (٤)، ولم يخرج لَهُ عن مالك شيئًا؛ ولعله -والله أعلم- للعلة السالفة عن الباجي قَالَ -أعني الباجي-: وكان ثبتًا في الليث، وكان جاره، وكان عنده ما ليس عند غيره (٥)، ووثقه الخليلي (٦) أيضًا في «إرشاده» (٧). فائدة: هذا الإسناد على شرط الستة إلا يحيى هذا، فعلى شرط البخاري ومسلم وابن ماجه، وكلهم ما بين مصري ومدني كما عرفته، ----------------------- = الأول: سهل بن أبي سهل عنه، حديث رقم (٣٨٧). الثاني: محمد بن يحيى عنه، حديث رقم (٢٠٨١، ٢١٣٣). الثالث: حرملة بن يحيى عنه، حديث رقم (٣٣١١). (١) «الجرح والتعديل» ٩/ ١٦٥. (٢) حديث رقم: (١٨٥١). (٣) حديث رقم: (٢٧٣٩). (٤) حديث رقم: (٢٧٨٥، ٢٩٤٢). (٥) «التعديل والتجريح» ٣/ ١٢١٣. (٦) هو القاضي، العلامة الحافظ أبو يعلى، الخليل بن عبد الله بن أحمد بن الخليل، الخليلي القزويني، مصنف كتاب «الإرشاد في معرفة المحدثين» كان ثقة حافظًا، عارفًا بالرجال والعلل، كبير الشأن، وله غلطات في «إرشاده» توفي بقزوين في آخر سنة ست وأربعين وأربعمائة وكان من أبناء الثمانين. انظر ترجمته في: «الإكمال» ٣/ ١٧٤، «تذكرة الحفاظ» ٣/ ١١٢٣ - ١١٢٥، «شذرات الذهب» ٣/ ٢٧٤، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٦٦٦. (٧) «الإرشاد» ١/ ٢٦٢. وانظر ترجمة يحيى بن بكير في: «التاريخ الكبير» ٨/ ٢٨٥ (٣٠١٩)، «الجرح والتعديل» ٩/ ١٦٥ (٦٨٢)، «الثقات» ٩/ ٢٦٢، «تهذيب الكمال» ٣١/ ٤٠١ (٦٨٥٨)، «سير أعلام النبلاء» ١٠/ ٦١٢ (٢١٠). وفيه أيضًا من طُرَفِ الإسناد رواية تابعي عن تابعي وهما: الزهري عن عروة. الوجه الثالث: في الكلام عَلَى مفرداته وفوائده: الأول: قولها: (مِنَ الوَحْيِ) في (من) هنا قولان: أحدهما: أنها لبيان الجنس. وثانيهما: للتبعيض (١)، قَالَ القزاز (٢) بالأول، كانها قالت: من جنس الوحي، وليست الرؤيا من الوحي حتَّى تكون (من) للتبعيض، ورده القاضي (٣)، وقال: بل يجوز أن تكون للتبعيض، لأنها من ---------------------------- (١) مجيء (من) لبيان الجنس قال به أكثر النحويين، وجعلوا منه قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠] وقوله: ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ﴾ [الكهف: ٣١] قالوا: وعلامتها أن يحسن مكانها (الذي). وأنكر أكثر المغاربة مجيء (من) لبيان الجنس. أما مجيئها للتبعيض فكثير ومنه قوله تعالى: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ﴾ [البقرة: ٢٥٣]، وعلامتها وقوع (بعض) موقعها. (٢) هو أبو عبد الله، محمد بن جعفر، التميمي القيرواني النحوي العلامة إمام الأدب، مؤلف كتاب «الجامع» في اللغة وهو من نفائس الكتب وكان مهيبًا عالي المكانة، محببًا إلى العامة، لا يخوض إلا في علم دين أو دنيا، وله نظم جيد، وشُهْرةُ بمصر. عمَّرَ تسعين عاما، قيل: مات بالقيروان سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. انظر ترجمته في: «معجم الأدباء» ١٨/ ١٠٥ - ١٠٩، «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٧٤ - ٣٧٦، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٣٢٦. (٣) هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن عياض اليحصبي، الأندلسي، الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام، القاضي أبو الفضل. ولد سنة ٤٧٦ هـ، قال عنه ابن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، ومن تصانيفه: «إكمال المعلم بفوائد مسلم»، و«مشارق الأنوار» و«التنبيهات». توفي في ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة، ودفن بمراكش سنة ٥٠٤ هـ. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ٤٨٣، «سير أعلام النبلاء» ٢٠/ ٢١٢ (١٣٦)، «تذكرة الحفاظ» ٤/ ١٣٠٤، «شذرات الذهب» ٤/ ١٣٨. الوحي، كما جاء في الحديث أنها جزء من النبوة (١). والوحي: الإعلام كما سلف، فرؤيا المنام إعلام وإنذار وبشارة، ورؤيا الأنبياء حق وصدق. الثاني: جاء هنا: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ)، وفي «صحيح مسلم»: (الصادقة) (٢)، وكذا رواه البخاري في كتاب التعبير أيضًا (٣)، وساقه شيخنا في «شرحه» هنا بلفظ: (الصادقة) وهما بمعنى (٤)، وكأن ما وقع في «شرح شيخنا» من طغيان القلم، فإنه بعد أن ساقه قَالَ: جاء هنا: (الصالحة) وفي مسلم: (الصادقة) وقد زدنا عليه أن البخاري ساقه في التعبير كما ساقه مسلم، ورأيته أيضًا في تفسير سورة: ﴿اقْرَأْ﴾ (٥)، [العلق: ١] وذكر ابن المرابط (٦) أن رواية معمر ويونس: (الصادقة). ------------------ (١) «إكمال المعلم بفوائد مسلم» ١/ ٤٧٩. والحديث سيأتي برقم (٦٩٨٧) كتاب: التكبير، باب: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة. (٢) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي. (٣) سيأتي برقم (٦٩٨٢). كتاب التعبير، باب: أول ما بدئ به رسول الله - ﷺ - من الوحي الرؤيا الصالحة. (٤) قال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٣٥٥: وهما بمعنًى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص، فرؤيا النبي كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر، وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد، وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص؛ إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير، وأما إن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا. وقال الإمام نصر بن يعقوب الدينوري في «التعبير القادري»: الرؤية الصادقة ما يقع بعينه، أو ما يعبر في المنام أو يخبر به ما لا يكذب، والصالحة ما يسر أهـ. (٥) سيأتي برقم (٤٩٥٦). كتاب التفسير، باب: قوله: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)﴾. (٦) هو الإمام مفتي مدينة المرِيَّة وقاضيها، أبو عبد الله محمد بن خلف بن سعيد بن وهب الأندلسي، ابن المرابط، صاحب «شرح صحيح البخاري»، توفي في شوال = قال المهلب (١): الرؤيا الصالحة هي تباشير النبوة؛ لأنه لم يقع فيها ضغث، قال: وهي التي لم يسلط عليه فيها ضغث ولا تلبيس شيطان (فيتساوى) (٢) مع الناس في ذَلِكَ بل خص - ﷺ - بصدقها كلها، قَالَ ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي، وقرأ: ﴿إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ (٣) [الصافات: ١٠٢]، وكان - ﷺ - تنام عينه دون قلبه (٤)، فكان صدق الرؤيا في النوم في ابتداء النبوة مع رؤية الضوء، وسماع الصوت، وسلام ---------------------------- = سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وقد شاخ، من كبار المالكية. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ١٩/ ٦٦ (٣٦)، «الوافي بالوفيات» ٣/ ٤٦، «شذرات الذهب» ٣/ ٣٧٥. (١) هو المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبد الله، الأسدي الأندلسي المريبي، أبو القاسم، مصنف «شرح صحيح البخاري» وكان أحد الأئمة الفصحاء، الموصوفين بالذكاء، ولي قضاء المرية. توفي في شوال سنة ٤٣٥ هـ. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٥٧٩ (٣٨٤)، «شذرات الذهب» ٣/ ٢٥٥. (٢) في (ت): فتساوى. (٣) رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (٤٦٣)، والطبراني عن ١٢/ ٦ (١٢٣٠٢) عن ابن عباس، دون ذكر الآية. قال الهيثمي في «المجمع» ٧/ ١٧٦: رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف، وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ. قال الألباني في تعليقه على «السنة» (٤٦٣): إسناده حسن. أهـ. ورواه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ١٢/ ٣٨ - ٤٩ عن ابن عباس مرفوعًا به. قال ابن كثير: ليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه أهـ. قال الألباني في تعليقه على «السنة»: رجاله ثقات غير أبي عبد الملك الكرندي فلم أعرفه، ولا عرفت نسبته أهـ. وسيأتي برقم (١٣٨) كتاب: الوضوء، باب: التخفيف في الوضوء. من قول عبيد بن عمير. (٤) سيأتي برقم (١٣٨)، ورواه مسلم (٧٦٣/ ١٨٦) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه. الحجر والشجر عليه (١) بالنبوة، ثم أكمل الله لَهُ النبوة بإرسال الملك في اليقظة، وكشف لَهُ عن الحقيقة كرامةً لَهُ منه - ﷺ -. قَالَ القاضي وغيره: وإنما ابتدئ - ﷺ - بالرؤيا، لئلا يفجأه الملك ويأتيه بصريح النبوة فلا تحتملها قوى البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا مع سماع الصوت وغيره (٢). الثالث: الرؤيا: قَالَ أهل اللغة: يقال: رأى في منامه رؤيا، بلا تنوين عَلَى وزن فُعلى كحبلى، وجمعها: رؤًى بالتنوين على وزن رُعًى، قاله الجوهري وغيره (٣). ----------------------- (١) من ذلك ما رواه مسلم (٢٢٧٧) كتاب: الفضائل، باب: فضل نسب النبي - ﷺ - وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، وأحمد ٥/ ٨٩ من حديث جابر بن سمرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: «إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أُبْعث، إني لأعرفه الآن». ومن ذلك ما رواه الترمذي (٣٦٢٦)، والدارمي ١/ ١٧١ (٢١)، وأبو نعيم في «الدلائل» (٢٨٩)، والحاكم ٢/ ٦٢٠، والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ١٥٣ - ١٥٤ من طريق الوليد بن أبي ثور، عن السدي، عن عباد بن أبي يزيد، عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبي - ﷺ - بمكة فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقد رواه غير واحد عن الوليد بن أبى ثور، وقالوا: عن عباد أبى يزيد، منهم فروة بن أبى المغراء. اهـ وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في «الصحيحة» (٢٦٧٠). (٢) «إكمال المعلم» ١/ ٤٧٩. (٣) «الصحاح» ٦/ ٢٣٤٧، مادة (رأى). والجوهري: هو أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي، مصنف كتاب «الصحاح» وأحد من يُضرب به المثل في ضبط اللغة، وفي الخط المنسوب، يُعد مع ابن مُقلة، وابن البواب ومهلهل والبريدي. وللجوهري نظم حسن ومقدمة في النحو، قال جمال الدين القفطي: مات الجوهري مترديا من سطح داره في سنة ٣٩٣ هـ. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٨٠ - ٨٢، «تاريخ الإسلام» ٤/ ٩١، «شذرات الذهب» ٣/ ١٤٢. الرابع: في هذا تصريح من عائشة رضي الله عنها بأن رؤيا النبي - ﷺ - من جملة أقسام الوحي، وهو محل وفاق. الخامس: قولها: (مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ): مثل: منصوب عَلَى الحال أي: جاءت الرؤيا مشبهة فلق الصبح أي: ضياءه إِذَا أنفلق وانماز عن ظلام الليل، وذلك حتَّى يتضح فلا يشك فيه. قَالَ أهل اللغة والغريب: فَلَق الصبح وفَرَقه -بفتح أولهما وثانيهما- ضياؤه. أي: إنارته واضاءته وصحته، وإنما يقال هذا في الشيء الواضح البين، يقال: هو أبين من فلق الصبح، وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦]: ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل، حكاه البخاري في كتاب التعبير عنه (١) وإنما عبرت عن صدق الرؤيا بفلق الصبح ولم تعبر بغيره؛ لأن شمس النبوة كان مبادئ أنوارها الرؤيا، إلى أن تم برهانها وظهرت أشعتها. السادس: قولها: (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلَاءُ) هو بالمد أي: الخلوة، وهو شأن الصالحين، والحب: الميل. قَالَ الخطابي (٢): إنما حبب إليه الخلوة؛ لأن معها فراغ القلب، وهي معينة عَلَى الفكر، والبشر ------------------------------- (١) سيأتي معلقًا بعد حديث (٦٩٨٢) باب: أول ما بُدِئَ به رسول الله - ﷺ - من الوحي الرؤيا الصالحة، ووصله الطبري في «تفسيره» ٥/ ٢٧٨ (١٣٦٠٣)، ابن أبي حاتم في «تفسيره» ٤/ ١٣٥٣ (٧٦٧٠). (٢) هو أبو سليمان، أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي صاحب التصانيف، الإمام العلامة، ولد سنة بضع عشرة وثلاثمائة وله «شرح أسماء الله الحسنى»، «معالم السنن»، «أعلام الحديث»، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ٣٨٨ هـ. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٢/ ٢١٤، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٢٣ (١٢)، «تذكرة الحفاظ» ٣/ ١٠١٨، «شذرات الذهب» ٣/ ١٢٧. لا ينتقل عن طبعه إلا بالرياضة البليغة، فحبب إليه الخلوة لينقطع عن مخالطة البشر، فينسى المألوفات من عادته، فيجد الوحي منه مرادًا سهلًا لا حزنًا وعِرًا، ولمثل هذا المعنى كانت مطالبة الملك لَهُ بالقراءة وضغطه (١). وقال ابن المرابط: تحبيبها لَهُ قيل: إنه من وحي الإلهام (فكان) (٢) يخلو بغار حراء اعتبارًا وفكرة، كاعتبار إبراهيم لمناجاة ربه، والضراعة إليه، ليريه السبيل إلى عبادته عَلَى صحة إرادته. السابع: الغار: النقب في الجبل، وهو قريب من معنى الكهف، وجمعه: غيران، وتصغيره غوير، والمغار والمغارة بمعنى الغار. الثامن: حراء: بكسر المهملة وتخفيف الراء والمد، وهو مصروف عَلَى الصحيح، ومنهم من منع صرفه، مذكر عَلَى الصحيح أيضًا، ومنهم من أنثه، ومنهم من قصره أيضًا فهذِه ست لغات. قَالَ القاضي عياض: يمد ويقصر، ويذكر ويؤنث، ويصرف ولا يصرف، والتذكير أكثر، فمن ذكره صرفه ومن أنثه لم يصرفه، يعني: عَلَى إرادة البقعة أو الجهة التي فيها الجبل، وضبطه الأصيلي بفتح الحاء والقصر وهو غريب (٣)، وهو جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال عن يسارك إِذَا سرت إلى منًى (٤). -------------------------- (١) «أعلام الحديث» ١/ ١٢٧. (٢) في (ج): فكأنه. (٣) «إكمال المعلم» ١/ ٤٨٠. (٤) «معجم البلدان» ٢/ ٢٣٣. فائدة: (حراء) (١) هو الذي نادى رسول الله - ﷺ - حين قَالَ له ثبير: اهبط عني فإني أخاف أن تقتل عَلَى ظهري فأعذب-: إلىَّ يا رسول الله (٢). فلعل هذا هو السر في تخصيصه التحنث به من بين سائر الجبال، وقال سيدي (أبو عبد الله) (٣) ابن أبي جمرة (٤): لأنه يرى بيت ربه منه، وهو عبادة، وكان منزويًا مجموعًا لتحنثه (٥). فائدة ثانية: ذكر الكلبي (٦) أن حراء وثبيرا سميا بابني عم من عاد الأولى. --------------------- (١) ساقطة من (ج). (٢) انظر «الروض الأنف» ١/ ٢٦٨. (٣) كذا في الأصول وهو عبد الله بن أبي جمرة أبو محمد كما في ترجمته. (٤) هو عبد الله بن سعد بن أبي جمرة، أبو محمد، محدث مقرئ، من مصنفاته: «مختصر صحيح البخاري»، و«شرح بهجة النفوس» انظر: «معجم المؤلفين» ٢/ ٢٣٤ (٧٨٦٥). وذكره المصنف -رحمه الله- هنا فكناه أبا عبد الله، وفيه نظر؛ لأن كنيته أبو محمد، وسيذكره المصنف بعد ذلك ويكنيه بأبي محمد. (٥) «بهجة النفوس» لابن أبي جمرة ١/ ٩، قال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٣٥٥: قال ابن أبي جمرة: الحكمة في تخصيصه بالتخلي فيه أن المقيم فيه كان يمكنه رؤية الكعبة فيجتمع لمن يخلو فيه ثلاث عبادات: الخلوة، والتعبد، والنظر إلى البيت. قلت: وكأنه مما بقي عندهم من أمور الشرع على سنن الاعتكاف، وقد تقدم أن الزمن الذي كان يخلو فيه كان شهر رمضان وأن قريشا كانت تفعله كما كانت تصوم عاشوراء، ويزاد هنا أنهم إنما لم ينازعوا النبي - ﷺ - في غار حراء مع مزيد الفضل فيه على غيره؛ لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنه، فتبعه على ذلك من كان يتأله، فكان - ﷺ - يخلو بمكان جده، وسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم أهـ. (٦) هو العلامة الأخباري، أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي المفسر، وكان أيضًا رأسًا في الأنساب، إلا أنه شيعي متروك الحديث، يروي عنه ولده هشام وطائفة. انظر ترجمته في: «طبقات ابن سعد» ٦/ ٢٤٩، «التاريخ الكبير» ١/ ١٠١، = التاسع: قولها: (وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ). هذا هو الذي نعرفه (هنا) (١) في البخاري، وأبدل بعض شيوخنا لفظة: (يخلو) بـ (يجاور) ثمَّ تكلم عَلَى مادة جاور وشَرَعَ ينقل الفرق بينه وبين الاعتكاف، بأن المجاورة قَدْ تكون خارج المسجد بخلاف الآعتكاف ولا حاجة إلى ذَلِكَ كله فتنبه له، نعم لفظ الجوار ورد في حديث جابر الآتي في كتاب: التفسير كما ستعلمه (٢)، وفي «صحيح مسلم» فيه: «جاورت بحراء شهرًا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي» الحديث (٣). العاشر: قولها: (فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ). هو بحاء مهملة ثمَّ نون ثمَّ مثلثة، وقد فسر في الحديث بأنه التعبد، وهو صحيح، وأصله اجتناب الحنث -وهو: الإثم- وكأنّ المتعبد يلقي بعبادته عن نفسه الإثم، وقال ابن هشام: التحنث: التحنف يبدلون الفاء من الثاء يريدون الحنيفية (٤)، وقال أبو (أحمد) (٥) العسكري: رواه بعضهم: يتحنف -بالفاء- ثمَّ نقل عن بعض أهل العلم أنه قَالَ: سألت أبا عمرو الشيباني عن ذَلِكَ فقال: لا أعرف يتحنث، إنما هو يتحنف من الحنيفية أي: يتتبع دين الحنيفية، --------------------------= «الجرح والتعديل» ٧/ ٢٧٠، «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٠٩، «سير أعلام النبلاء» ٦/ ٢٤٨ (١١١)، «الوافى بالوفيات» ٣/ ٨٣. (١) ساقطة من (ج). (٢) سيأتي برقم (٤٩٢٢). كتاب التفسير، سورة المدثر باب (١). (٣) مسلم (١٦١/ ٢٥٧) كتاب: الإيمان، باب: بدء نزول الوحي إلى رسول الله - ﷺ -. (٤) «السيرة النبوية» ١/ ٢٥٤. (٥) في (ف): محمد، والمثبت هو الصواب، وهو الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، أبو أحمد المحدث الأديب من كتبه: «التصحيف»، «الحكم والأمثال»، «راحة الأرواح»، توفي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: «المنتظم» ٧/ ١٩١، «وفيات الأعيان» ٢/ ٨٣ - ٨٥، «سير أعلام النبلاء» ١٦/ ٤١٣ - ٤١٥. ![]()
__________________
|
|
#29
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 251 الى صـــ 270 الحلقة (29) وهو دين إبراهيم عليه السلام (١). وقال المازري وغيره: يتحنث: يفعل فعلًا يخرج به من الحنث، والحنث: الذنب كما أسلفناه ومثله: تَحَرَّجَ، وَتَأَثَّمَ، وتَحَوَّبَ، إِذَا ألقى ذَلِكَ عن نفسه، وفعل فعلًا يخرج به (عن) (٢) الحرج والإثم والحوب، ومنه قوله: فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا (٣)، ومنهم من ألحق بها تهجد إِذَا خرج من الهجود -وهو النوم- بالصلاة، كما يقال: تحنث إِذَا احتنثه وتنجس إِذَا فعل به فعلًا يخرج به من النجاسة. وهذِه الأفعال التي ذكرت جاءت مخالفة لسائر الأفعال؛ لأن غيرها من الأفعال إنما يكون بفعل فيه بمعنى: تكسب، لا بمعنى ألقى، وكذا قَالَ السهيلي: التحنث: التبرر، تفعُّل من البر، وتفعل يقتضي الدخول في الشيء وهو الأكثر فيها مثل: تَفَقَّه وتَعَبَّد وتَنَسَّك، وقد جاءت ألفاظ يسيرة تعطي الخروج عن الشيء وإطراحه، كالتأثم والتحرج والتحنث بالثاء المثلثة؛ لأنه من الحنث، والحنث: الحمل الثقيل وكذلك التقذر إنما هو تباعد عن القذر، وأما التحنف بالفاء فهو من باب التبرر؛ لأنه من الحنيفية دين إبراهيم، وإن كانت الفاء مبدلة من الثاء فهو من باب التقذر والتأثم، وهو قول ابن هشام (٤)، كما سلف. وقال أبو المعالي (٥) في «المنتهى»: تحنث: تعبد مثل: تحنف، ----------------------------- (١) لم نقف عليه في كتابه «تصحيفات المحدثين». (٢) في (ج): من. (٣) سيأتي برقم (١٢٨) كتاب: العلم، باب: من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا، ورواه مسلم (٣٢) كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا. كلاهما من حديث أنس. (٤) «الروض الأنف» للسهيلي ١/ ٢٦٧. (٥) هو محمد بن تميم البرمكي أبو المعالي اللغوي، له كتاب «المنتهى في الفروع» وهو منقول من «الصحاح» وزاد عليه أشياء قليلة وأغرب في ترتيبه، ذكر أنه صنفه = وفلان يتحنث من كذا بمعنى: يتأثم فيه، وهذا أحد ما جاء تفعَّل إِذَا تحنث تجنب الحنف والجور، وتحوب: تجنب الحوب، وقال الثعالبي (١): فلان يتهجد: إِذَا كان يخرج من الهجود، وتنجس إِذَا فعل فعلًا يخرج به عن النجاسة. قُلْتُ: والحاصل من ذَلِكَ ثمانية ألفاظ: تحنث، وتأثم، وتحرج، وتحوب، وتهجد، وتنجس، وتقذر، وتحنف. الحادي عشر: قولها: (وَهُوَ التَّعَبُّدُ). يحتمل أن يكون من تفسير عائشة وأن يكون من تفسير من دونها (٢). ------------------------ = سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، توفي أبو المعالي سنة إحدى عشرة وأربعمائة. انظر ترجمته في «هدية العارفين» ص (٤٧٧) «كشف الظنون» ٢/ ١٨٥٨. ملحوظة: في الأصول الخطية لهذا الشرح: (أبو المعاني) بالنون بدل اللام وذكرناه في مواضعه من الكتاب وفي الترجمة باللام تبعًا للمصادر التي ترجمت له. (١) هو العلامة شيخ الأدب، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري، الشاعر، مصنف كتاب «يتيمة الدهر في مجالس أهل العصر» وله كتاب «فقه اللغة» وكتاب «سحر البلاغة» وكان رأسًا في النظم والنثر، مات سنة ثلاثين وأربعمائة، وله ثمانون سنة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ١٧٨، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٤٣٧ (٢٩٢)، «شذرات الذهب» ٣/ ٢٤٦. (٢) قلت: هذا يسمى في مصطلح الحديث: المدرج، وهو: ما غير سياق إسناده. أو أضيف وأدخل في متنه ما ليس منه بلا فصل، وهو ينقسم إلى قسمين، الأول: مدرج السند، وهو ما غير سياق إسناده، وله عدة صور منها: أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ، فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف، ومنها: أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين، فيرويهما راوٍ عنه مختصرًا على أحد الإسنادين. القسم الثاني: مدرج المتن، وهو أن يقع في المتن كلام ليس منه، مثل دمج موقوف بمرفوع، فتارة يكون في أوله، وتارة في أثنائه، وتارة في آخره وهو الأكثر، فمثال الإدراج في أثناء الحديث، حديثنا هذا، فتفسير التحنث بالتعبد ليس = الثاني عشر: قولها: (اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ). هو متعلق بيتحنث أي: يتحنث الليالي لا بالتعبد؛ لأنه يفسد المعنى حينئذ: فإن التحنث لا يشترط فيه الليالي بل يطلق عَلَى القليل والكثير، والليالي منصوب عَلَى الظرف، (وذوات) (١): بكسر التاء فيه علامة (على) (٢) النصب. الثالث عشر: عبادته -عليه السلام- قبل البعثة هل كانت بشريعة أحد أم لا؟ فيه قولان لأهل العلم وعزي الثاني إلى الجمهور، وانما كان يتعبد بما يُلقى إليه من نور المعرفة. واختار ابن الحاجب (٣) والبيضاوي أنه كلف التعبد بشرع. واختلف القائلون بالثاني: هل ينتفي ذَلِكَ عنه عقلًا أم نقلًا فقيل بالأول؛ لأن في ذَلِكَ تنفيرًا عنه ومن كان تابعًا فبعيد منه أن يكون ------------------------- = من كلام عائشة، قال الحافظ في «الفتح» ١/ ٢٣: قوله: (وهو التعبد) هذا مدرج في الخبر، وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطببي ولم يذكر دليله، نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراج ا. هـ. انظر: «علوم الحديث» ص ٩٥ - ٩٨، «المقنع» ١/ ٢٢٧ - ٢٣١، «نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر» ص ٦٥ - ٦٧، «تدريب الراوي» ١/ ٣٤٠ - ٣٤٧. وللخطيب البغدادي فيه مصنف، وهو كتاب «الفصل للوصل المدرج في النقل» وهو مطبوع. (١) في (ج): ذوات العدد. (٢) ساقطة من (ج). (٣) هو الشيخ الإمام العلامة المقرئ الأصولي النحوى جمال الأئمة والملة والدين، أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي، المالكي، صاحب التصانيف، كان من أذكياء العالم، رأسًا في العربية وعلم النظر، توفي في السادس والعشرين من شوال سنة ست وأربعين وستمائة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ٢٤٨ (٤١٣)، «سير أعلام النبلاء» ٢٣/ ٢٦٤ (١٧٥)، «شذرات الذهب» ٥/ ٢٣٤. متبوعًا وهذا خطأ كما قَالَ المازري (١) فالعقل لا يحيل ذَلِكَ، وقال حذاق أهل السنة بالثاني؛ لأنه لو فعل لنقل؛ لأنه مما تتوفر الدواعي عَلَى نقله ولا فتخر به أهل تلك الشريعة. والقائل بالأول اختلف فيه عَلَى ثمانية أقوال: أحدها: أنه كان يتعبد بشريعة إبراهيم. ثانيها: بشريعة موسى. ثالثها: بشريعة عيسى. رابعها: بشريعة نوح حكاه الآمدي (٢). خامسها: بشريعة آدم كما نقل عن حكايه ابن برهان. سادسها: أنه كان يتعبد بشريعة من قبله من غير تعيين. ------------------------ (١) «إيضاح المحصول من برهان الأصول» للمازري ص ٣٦٩، والمازري: هو الشيخ الإمام العلَّامة البحر المتفنن، أبو عبد الله، محمد بن علي بن عمر التميمي، المالكي، ولد سنة (٤٥٣ هـ)، ومات سنة (٥٣٦ هـ). من تصانيفه: «المعلم بفوائد شرح مسلم»، «إيضاح المحصول في الأصول»، وشرح كتاب «التلقين» لعبد الوهاب المالكي في عشرة أسفار، وهو من أنفس الكتب. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٤/ ٢٨٥، «سير أعلام النبلاء» ٢٠/ ١٠٤ - ١٠٧ (٦٤)، «الوافي بالوفيات» ٤/ ١٥١ (١٦٨)، «معجم المؤلفين» ٣/ ٥٢٥. (٢) «الإحكام» ٤/ ١٤٥. والآمدي: هو العلامة المصنف، فارس الكلام، سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي، الحنبلي ثم الشافعي، ولد سنة (٥٥٠ هـ)، ومات سنة (٦٣١ هـ). من تصانيفه: «الإحكام في أصول الأحكام»، «أبكار الأفهام»، «منتهى السول في الأصول». انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ٢٩٣، ٢٩٤ (٤٣٢)، «سير أعلام النبلاء» ٢٢/ ٣٦٤ - ٣٦٧ (٢٣٠)، «الوافى بالوفيات» ٢١/ ٣٤٠ - ٣٤٦ (٢٢٣)، «شذرات الذهب» ٥/ ١٤٤، ١٤٥. سابعها: أن جميع الشرائع شرع له. حكاه بعض شراح «المحصول» عن المالكية. ثامنها: الوقف في ذَلِكَ وهو مذهب أبي المعالي الإمام، واختاره الآمدي (١). وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٣]، المراد: في توحيد الله تعالى وصفاته، (أو) (٢) المراد اتباعه في المناسك، كما علم جبريل إبراهيم، ولا خلاف بين أهل التحقيق كما قَالَ القاضي عياض أنه - ﷺ - قبل نبوته وسائر الأنبياء منشرحو الصدر بالتوحيد والإيمان، فإنهم لا يليق بهم الشك في شيء من ذَلِكَ ولا الجهل به، ولا خلاف في عصمتهم من ذَلِكَ (٣). فإن قُلْتَ: ما كان صفة تعبده؟ قُلْتُ: لم أر فيه نقلًا بخصوصه، وسمعت بعض مشيختنا يقول: سمعت الشيخ أبا الصبر أيوب السعودي يقول: سألت سيدي أبا السعود: بم كان - ﷺ - يتعبد في حراء؟ فقال: بالتفكر. وقد أسلفنا هذا في الوجه السادس أيضا. فرع: اختلف الأصوليون: هل كُلِّف بعد النبوة بشرع أحد من الأنبياء؟ والأكثرون عَلَى المنع، واختاره الإمام والآمدي وغيرهما (٤). وقيل: بل كان مأمورًا بأخذ الأحكام من كتبهم ويعبر عنه بأن شَرْعَ ---------------------- (١) «البرهان» للجويني ١/ ٣٣٤، «الإحكام» ٤/ ١٤٥. (٢) في (ف): إذ. (٣) «إكمال المعلم» ١/ ٤٨١. (٤) «الإحكام» ٤/ ١٢٣، «منتهى السول» للآمدي ٣/ ١٥. مَنْ قبلنا شَرْعٌ لنا، واختاره ابن الحاجب (١)، وللشافعي في المسألة قولان، أصحهما الأول، واختاره الجمهور (٢). الرابع عثسر: قولها: (قَبْلَ أَنْ يَنْزعَ إِلَى أَهْلِهِ). هو بكسر الزاي أي: يرجع، وقد رواه مسلم كذلك فقال: نزع إلى أهله (٣) إِذَا حَنّ إليهم فرجع إليهم، ونزعوا إليه: حنوا إليه، وهل نزعك غيره؟ أي: هل جاء بك وجذبك سواه! وناقة نازع: إِذَا حنت إلى أوطانها ومرعاها، ونزع بالفتح ينزع بكسر ثالثه قَالَ صاحب «الأفعال» (٤): والأصل في فعل يفعل إِذَا كان صحيحًا وكانت عينه ولامه حرف حلق أن يكون مضارعه مفتوحًا إلا أفعالًا يسيرة جاءت بالفتح والضم مثل: جنح يجنح، ودبغ يدبغ، وإلا ما جاء من قولهم نزع ينزع بالفتح والكسر، وهنأ يهنئ (٥). وقال غيره: (هنَّأني) (٦) الطعام، يَهْنؤُني وَيهْنِئُني بالفتح والكسر. الخامس عشر: قولها: (ثمَّ يَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ). قَالَ أهل اللغة: الزاد هو الطعام الذي يستصحبه المسافر ويقال: زودته فتزود. ---------------------- (١) «المنتهى» لابن الحاجب ص ١٥٣. (٢) انظر: «التمهيد» للإسنوي ص ٤٤١، «الإبهاج» ٢/ ٢٧٦. (٣) مسلم (١٦١) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي. (٤) هو العلامة شيخ اللغة، أبو القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي الصقلي، ابن القطاع، نزيل مصر، من مصنفاته: «الأفعال»، «أبنية الأسماء»، توفي سنة خمس عشرة وخمسمائة، عن اثنتين وثمانين سنة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ٣٢٢، «سير أعلام النبلاء» ١٩/ ٤٣٣ (٢٥٣)، «الوافي بالوفيات» ١٢/ ١٨، «شذرات الذهب» ٤/ ٤٥. (٥) «الأفعال» ١/ ١١. (٦) في (ج): وهناني. السادس عشر: فيه مشروعية اتخاذ الزاد ولا ينافي التوكل، فقد اتخذه سيد المتوكلين. السابع عشر: قولها: (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا) الضمير في مثلها يعود إلى الليالي، وخديجة ذكر البخاري في المناقب قطعة من مناقبها، وسيأتي الكلام عليها هناك إن شاء الله الوصول إليه. وهي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، تزوجها - ﷺ - وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي أم أولاده كلهم، خلا إبراهيم فمن مارية، ولم يتزوج غيرها قبلها ولا عليها حتَّى ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين عَلَى الأصح، وقيل: بخمس وقيل: بأربع فأقامت معه أربعًا وعشرين سنة وأشهرًا، ثمَّ توفيت، وكانت وفاتها بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام (١). وروى البخاري في مناقب خديجة عن عروة، عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله - ﷺ - بعد خديجة بثلاث سنين (٢)، وفيه أيضًا في باب: مناقب عائشة، عن عروة أنه - ﷺ - لبث بعد موت خديجة سنتين أو قريبًا منها فنكح عائشه (٣)، واسم أم خديجة: فاطمة بنت زائدة بن الأصم من بني عامر بن لؤي، وخديجة أول من آمن من النساء باتفاق، بل ------------------------------- (١) انظر ترجمتها في: «معرفة الصحابة» ٦/ ٣٢٠٠ - ٣٢٠٨ (٣٧٤٦)، «الاستيعاب»، ٤/ ٣٧٩ - ٣٨٦ (٣٣٤٧)، «أسد الغابة» ٧/ ٧٨ - ٨٥ (٦٨٦٧)، «الإصابة»، ٤/ ٢٨١ - ٢٨٣ (٣٣٥). (٢) سيأتي برقم (٣٨١٧) كتاب: مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي - ﷺ - خديجة وفضلها. (٣) سيأتي برقم (٣٨٩٦) كتاب: مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي - ﷺ - عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها، ورواه مسلم (١٤٢٢) كتاب: النكاح، باب: تزويج الأب البكر الصغيرة. أول من آمن مطلقًا على قولٍ. وفي «الصحيح» من حديث علي مرفوعًا: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ» (١)، وفي البخاري في حديث عن جبريل أنه قَالَ للنبي - ﷺ -: «هذِه خَدِيجَةُ، فَإِذَا أتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام مِنْ رَبِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ» (٢). ووقع في كتاب الزبير بن بكار، عن عبد الرحمن بن زيد قَالَ آدم -عليه السلام-: مما فضل الله به ابني عليَّ أن زوجه كانت عونًا لَهُ على تبليغ أمر الله، وأن زوجي كانت عونًا لي عَلَى المعصية (٣). -------------------------- (١) سيأتي برقم (٣٨١٥)، ورواه مسلم (٢٤٣٠) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. (٢) سيأتي برقم (٣٨٢٠)، ورواه مسلم (٢٤٣٢). (٣) أورده السيوطي بهذا اللفظ في «الدر المنثور» ١/ ١٠٩ عن عبد الرحمن بن زيد من قوله، وعزاه لابن عساكر. وروى البيهقي في «دلائل النبوة» ٥/ ٤٨٨، والخطيب في «تاريخ بغداد» ٣/ ٣٣١، وفي «تالي التلخيص» ٢/ ٤١١ (٢٤٨)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٢٨٠) من طريق أبي بكر محمد بن حمويه السراج، عن محمد بن الوليد القلانسي، عن إبراهيم بن صرمة، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: فضلت على آدم بخصلتين: كان شيطاني كافرًا فأعانني الله عليه فأسلم، وكن أزواجي عونًا لي، وكان شيطان آدم كافرًا وكانت زوجته عونًا له على خطيئته. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح عن رسول الله - ﷺ -. قال ابن عدي: محمد بن الوليد كان يضع الحديث، ويوصله، ويسرق، ويقلب الأسانيد والمتون، وسمعت الحسين بن أبي معشر يقول: هو كذاب اهـ. وأورده الذهبي في «ميزان الاعتدال» ٥/ ١٨٤ - ١٨٥، والحافظ في «لسان الميزان» ٥/ ٤١٨ كلاهما في ترجمة: محمد بن الوليد القلانسي، ونقلا قول ابن عدي فيه، وقال المناوي في «فيض القدير» (٥٨٨٥): هذا الحديث من أباطيل محمد بن الوليد. وقال الألباني في «الضعيفة» (١١٠٠): موضوع. الثامن عشر: قولها: (حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ). أي: الأمر الحق وهو الوحي الكريم، (وللبخاري) (١) في التفسير، ولمسلم: (حتَّى فجئه الحق) (٢). أي: أتاه بغتة، يقول: فجئ يفجأ بكسر الجيم في الأول وفتحها في المضارع، وفَجَأ يفجَأ بالفتح فيهما، وقوله: (فجاءه الملك) يعني: جبريل. فائدة: روى ابن سعد بإسناده أن نزول الملك عليه بحراء يوم الاثنين، لسبع عشرة خلت من رمضان، ورسول الله - ﷺ - يومئذٍ ابن أربعين سنة (٣). التاسع عشر: قوله - ﷺ -: («مَا أَنَا بِقَارِئٍ») ما هنا نافية، واسمها «أنا» وخبرها: «بِقَارِئٍ» والباء زائدة لتأكيد النفي أي: ما أُحْسِن القراءة، وقد جاء في رواية: «ما أُحْسِن أن أقرأ» وغلط من جعلها استفهامية لدخول الباء في خبرها، وهي لا تدخل عَلَى ما الاستفهامية، واحتج من (قَالَ) (٤) استفهامية بأنه جاء في رواية لابن إسحاق: «ما أقرأ؟» (٥) أي: أيٌّ أقرأ؟ ولا دلالة فيه؛ (لجواز أن تكون ما) (٦) هنا نافية أيضًا. وقال السهيلي في «روضه»: قوله: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» أي: أنا أميٌّ، فلا أقرأ الكتب، قالها ثلاثا، فقيل له: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)﴾ أي: إنك لا تقرؤه بحولك ولا بصفة نفسك ولا بمعرفتك، ولكن ------------------------- (١) في (ج): وفي البخاري. (٢) سيأتي برقم (٤٩٥٣)، ورواه مسلم ١٦٠/ ٢٥٢. (٣) «الطبقات الكبرى» ١/ ١٩٤ عن أبي جعفر. (٤) في (ج): جعلها. (٥) «سيرة ابن إسحاق» ص ١٠٠ - ١٠١ (١٤٠). (٦) في (ج): لجواز ما أن تكون. حدث خطأ في تحميل الصفحة وقال السهيلي: ويروى أيضًا «فسأتني» فهذِه ثلاث روايات، قَالَ: وأحسبه (يروى) (١) أيضًا: «فذعتني» وكلها بمعنى واحد وهو: الخنق، والغم، ومن الذعْت حديثه الآخر أن الشيطان عرض لَهُ وهو يصلي «فَذَعتّه حتَّى وجدت برد لسانه ثمَّ ذكرت قول (سليمان أخي) (٢): رب هب لي ملكًا ..» الحديث (٣)، قَالَ: وكان في ذَلِكَ إظهارًا للشدة والجد في الأمر، وأن ياخذ الكتاب بقوة ويترك الأناة، فإنه أمر ليس بالهوينا. قَالَ: وعلى رواية ابن إسحاق أن هذا الغط كان في النوم (٤)، يكون في تلك الغطات الثلاث من التأويل ثلاث شدائد يبتلى بها أولًا ثمَّ يأتي الفرج والروح، وكذلك كان، لقي - ﷺ - هو وأصحابه شدة من الجوع في الشِّعب حين تعاقدت قريش أن لا يبيعوا منهم (ولا يصلوا إليهم) (٥) وشدة أخرى من الخوف والإيعاد بالقتل، وشدة أخرى من الإجلاء عن أحب الأوطان إليهم ثمَّ كانت العاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين (٦). الحادي بعد العشرين: فيه المبالغة في التنبيه والحض عَلَى التعليم ثلاثًا، وقد كان - ﷺ - إِذَا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا؛ لتفهم عنه (٧)، وانتزع بعض التابعين، وهو شريح القاضي من هذا الحديث ألا يضرب الصبي إلا ثلاثًا عَلَى القرآن، كما غطَّ جبريل محمدًا - ﷺ - ثلاثًا. ---------------------------- (١) في (ج): روي. (٢) في (ج): أخي سليمان. (٣) سيأتي برقم (١٢١٠) كتاب: العمل في الصلاة، باب: ما يجوز من العمل في الصلاة، ورواه مسلم (٥٤١) كتاب: المساجد، باب: جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة … من حديث أبي هريرة. (٤) «سيرة ابن إسحاق» ١٠١. (٥) ساقطة من (ج). (٦) «الروض الأنف» ١/ ٢٧١ - ٢٧٢. (٧) حديث سيأتي برقم (٩٥) كتاب: العلم، باب: من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه. الثاني بعد العشرين: قوله: («حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ») يجوز في الجهد ضم الجيم وفتحها ونصب الدال ورفعها، ومعناه: الغاية والمشقة، فعلى الرفع معناه: بلغ الجهد مبلغه، فحذف مبلغه، وعلى النصب معناه: بلغ الملك مني الجهد، قَالَ في «المحكم» (١): الجَهْدُ والجُهْدُ: الطاقة وقيل: الجَهد: المشقة، والجُهد: الطاقة، وفي «الموعب»: الجهد: ما جهد الإنسان من مرض أو من مشاق، والجهد (أيضًا بلوغك) (٢) غاية الأمر الذي لا يألو عن الجهد فيه (وجهدته: بلغت مشقته وأجهدته) (٣) عَلَى أن يفعل كذا. وقال ابن دريد (٤): (جهدته) (٥) (حملته) (٦) عَلَى أن يبلغ مجهوده. وقال ------------------------- (١) مصنفه هو إمام اللغة، أبو الحسن علي بن إسماعيل المُرسي الضرير، أحد من يضرب بذكائه المثل، قال الحميدي: هو إمام في اللغة والعربية، حافظ لهما، على أنه كان ضريرًا وقد جمع في ذلك جموعًا، وله مع ذلك حظ في الشعر وتصرف، وهو حجة في نقل اللغة، وله كتاب «العالم في اللغة»، و«المحكم» و«شواذ اللغة». انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ٣٣٠، «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ١٤٤ (٧٨)، «شذرات الذهب» ٣/ ٣٠٥. (٢) في (ج): بلوغك أيضًا. (٣) في (ج): جهدت بلغت مشقًة فأجهده. (٤) هو العلامة شيخ الأدب، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية، الأزدي البصري، صاحب التصانيف، تنقل يطلب الأداب ولسان العرب، ففاف أهل زمانه، وكان آية من الآيات في قوة الحفظ، توفي في شعبان سنة إحدج وعشرين وثلاثمائة، وله ثمان وتسعون سنة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ٢/ ١٩٥، «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٢٣، «سير أعلام النبلاء» ١٥/ ٩٦ (٥٦)، «الوافي بالوفيات» ٢/ ٣٣٩. (٥) في (ج): جهدت. (٦) في (ج): حملت. ابن الأعرابي (١): جهد في العمل وأجهد. وقَالَ أبو عمرو: وأجهد في حاجتي وجهد، وقال الأصمعي (٢): جهدت لك نفسي، وأجهدت نفسي. الثالث بعد العشرين: الحكمة في الغط شَغْلُه عن الألتفات إلى شيء من أمور الدنيا، والمبالغة في أمره بإحضار قلبه لما يقوله (له) (٣)، وقيل: أراد أن يوقفه عَلَى أن القراءة ليست من قدرته، ولو أكره، وكلما أمره بالقراءة فلم يفعل شدد عليه، فلما لم يكن عنده ما يقرأ كان ذَلِكَ (تنبيهًا لَهُ على أن القراءة ليست من قدرته ولا من طاقته ووسعه، فكان الغط) (٤) تنبيهًا لَهُ كقوله تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧)﴾ [طه: ١٧]، لئلا يلحقه ريب عند انقلابها حية، فكذلك (أراد جبريل) (٥) أن يعلمه أن ما ألقي إليه ليس في قدرته إذ قَدْ عجز بعد الثلاث، وهي حَد (للإعذار) (٦)، (وقد روى) (٧) ابن سعد ----------------------------- (١) هو إمام اللغة، محمد بن زياد بن الأعرابي، أبو عبد الله الهاشمي، قال مرة في لفظة رواها الأصمعي: سمعتها من ألف أعرابي بخلاف هذا، له مصنفات كثيرة أدبية، وكان صاحب سنة واتباع، مات بسامرا في سنة إحدى وثلاثين ومائتين. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ٥/ ٢٨٢، «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٠٦، «سير أعلام النبلاء» ١٠/ ٦٨٧ (٢٥٤)، «الوافي بالوفيات» ٣/ ٧٩، «شذرات الذهب» ٢/ ٧٠. (٢) هو الإمام العلامة الحافظ، حجة الأدب، لسان العرب، أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، الأصمعي، البصري، اللغوي الإخباري، قال عمر بن شبة: سمعت الأصمعي يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة، وعن ابن معين قال: كان الأصمعي من أعلم الناس في فنه، وقال أبو داود: صدوق، توفي سنة خمس عشرة ومائتين، وقيل: سنة ست عشرة. انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» ٥/ ٤٢٨، «تاريخ بغداد» ١٠/ ٤١٠، «وفيات الأعيان» ٣/ ١٧٠، «سير أعلام النبلاء» ١٠/ ١٧٥ (٣٢)، «شذرات الذهب» ٢/ ٣٦. (٣) ساقطة في (ج). (٤) ساقطة من (ج). (٥) في (ج): جبريل أراد. (٦) في (ج): الاعتذار. (٧) في (ج): قال. بعضهم بين القولين الأولين بأن قَالَ: يمكن أن يقال: أول ما نزل من التنزيل في تنبيه الله عَلَى صفة خلقه: ﴿اقْرَأْ﴾، وأول ما نزل من الأمر بالإنذار: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)﴾. وذكر ابن العربي عن كريب قَالَ: وجدنا في كتاب ابن عباس: أول ما نزل من القرآن بمكة: اقرأ، والليل، ونون، ويا أيها المزمل، ويا أيها المدثر، وتبت، وإذا الشمس، والأعلى، والضحى، وألم نشرح، والعصر، والعاديات، والكوثر، والتكاثر، والدين، والكافرون، ثم الفلق، ثمَّ الناس، ثمَّ ذكر سورًا كثيرة، ونزل بالمدينة ثمان وعشرون سورة، وسائرها بمكة، وكذلك يروى عن ابن الزبير. وقال السخاوي (١): ذهبت عائشة (والأكثرون) (٢) إلى أن أول ما نزل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ إلى قوله: ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ ثمَّ: ﴿ن وَالْقَلَمِ﴾ إلى قوله: ﴿ويبصرون﴾ و﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾، والضحى، ثم نزل باقي سورة اقرأ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)﴾، و﴿يَا أَيُّهَا المزمل﴾ (٣). السادس بعد العشرين: (قولها) (٤): (فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ -ﷺ- ------------------------ (١) هو الشيخ الإمام العلامة شيخ القراء والأدباء، علم الدين، أبو الحسن، علي بن محمد بن عبد الصمد، الهمداني، المصري، السخاوي، كان إمامًا في العربية، بصيرًا باللغة فقيهًا مفتيًا، عالمًا بالقراءات وعللها مجودًا لها، بارعًا في التفسير، من كتبه «شرح الشاطبية»، «جمال القراء»، وبلغ في التفسير إلى الكهف، توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ٣٤٠، «سير أعلام النبلاء» ٢٣/ ١٢٢ (٩٤)، «شذرات الذهب» ٥/ ٢٢٢. (٢) في (ج): والأكثر. (٣) «جمال القراء وكمال الإقراء» للسخاوي ص ٥ - ٧. (٤) في (ج): قوله. يَرْجُفُ فُؤَادُهُ). الضمير في (بها) يعود إلى الآيات: قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ إلى آخرهن. ومعنى (يرجف): يخفق. والرَّجَفان: شدة التحرك والاضطراب. قَالَ صاحب «المحكم»: رَجَفَ الشيءُ يَرْجُفُ رجفًا ورجُوفًا ورَجَفانًا ورَجِيفًا، وأَرْجَفَ: خَفَقَ واضْطَرَبَ اضْطِرا بًا شديدًا (١). السابع بعد العشرين: الفؤاد: القلب عَلَى المشهور، وفي قولِ: إنه عين القلب، وفي قولٍ: باطنه. وفي قول: غشاؤه. فهذِه أربعة أقوال فيه. وقال الليث: القلب مُضغةٌ من الفؤاد مُعَلَّقَةٌ بالنَّياط، سمي قلبًا لتقلبه، وأنشدوا: مَا سُمّيَ القَلْبُ إلَّا مِنْ تَقَلُّبِهِ … (فاحذر على القلب من قلبٍ وتحويل) (٢) الثامن بعد العشرين: قوله - ﷺ -: («زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي») هكذا هو في الروايات بالتكرار، والتزمل: الاشتمال والتلفف، و(مثله) (٣) التدثر، ويقال لكل ما يلقى عَلَى الثوب الذي يلي الجسد: دثار، وأصلهما المتدثر والمتزمل، أدغمت التاء فيما بعدها، وجاء في أثرِ أنهما من أسمائه - ﷺ -، وقال ذَلِكَ -ﷺ-؛ لشدة ما لحقه من هول الأمر، وشدة (الضغط) (٤)، ولولا ما جبل عليه - ﷺ - من الشجاعة والقوى ما استطاع عَلَى تلقي ذَلِكَ؛ لأن الأمر جليل. وللبخاري في التفسير من حديث جابر، ومسلم أيضًا: «دثروني وصبوا عليَّ ماءً باردًا فدثروني وصبوا عليَّ ماءً باردًا»، فنزلت: ------------------------ (١) «المحكم» ٧/ ٢٧٤. (٢) من (ج). (٣) ساقطة من (ج). (٤) في (ج): والأكثر. ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)﴾ (١). التاسع بعد العشرين: ينعطف عَلَى ما مضى. قَالَ السهيلي: وفي قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾: دليل من الفقه (وجوب) (٢) استفتاح القراءة ببسم الله، غير أنه أمر مبهم لم يبين لَهُ بأي اسم من أسمائه يستفتح حتَّى جاء البيان بعد (بقوله) (٣): ﴿بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا﴾ [هود: ٤١] ثم في قوله: ﴿وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: ٣٠]، ثمَّ بعد ذَلِكَ كان (ينزل جبريل) (٤) ببسم الله الرحمن الرحيم مع كل سورة، وقد ثبتت في سواد المصحف بإجماع من الصحابة عَلَى ذَلِكَ، وحين نزلت ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)﴾ [الفاتحة: ١] سبحت الجبال، فقالت قريش: سحر محمد الجبال (٥)، ذكره النقاش (٦)، وإن ------------------- (١) سيأتي برقم (٤٩٢٢) ورواه مسلم (١٦١/ ٢٥٧) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ -. (٢) ساقطة من (ج). (٣) في (ج): (في قوله). (٤) في (ج): (جبريل ينزل). (٥) عزاه السيوطي في «الدر المنثور» ١/ ٣١، والشوكاني في «فتح القدير» ١/ ٣٠ لأبي نعيم والديلمي عن عائشة. (٦) هو العلامة المفسر، شيخ القراء، أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد، الموصلي ثم البغدادي، النقاش، له كتاب «شفاء الصدور» في التفسير، وكان واسع الرحلة، قديم اللقاء، وهو في القراءات أقوى منه في الروايات، قال طلحة بن محمد الشاهد: كان النقاش يكذب في الحديث والغالب عليه القصص، وقال أبو بكر البرقاني: كل حديث النقاش منكر، وقال الخطيب: في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة، قال الذهبي: اعتمد الداني في «التيسير» على رواياته للقراءات، فالله أعلم، فإن قلبي لا يسكن إليه، وهو عندي متهم، عفا الله عنه اهـ. انظر ترجمتة في: «تاريخ بغداد» ٢/ ٢٠١، «وفيات الأعيان» ٤/ ٢٩٨، «سير أعلام النبلاء» ١٥/ ٥٧٣ (٣٤٨)، «الوافي بالوفيات» ٢/ ٣٤٥، «شذرات الذهب» ٣/ ٨. صح ما ذكره (فلذلك) (١) معنى وذلك أنها آية أنزلت على آل داود -عليه السلام-، وقد كانت الجبال تسبح معه بنص القرآن العظيم (٢). الثلاثون: ذكر ابن إسحاق في «السيرة» أن جبريل -عليه السلام- أتاه بنمط (٣) من ديباج فيه كتاب (٤)، وهو دليل -كما قَالَ السهيلي-، وإشارة إلى أن هذا الكتاب به يفتح عَلَى أمته ملك الأعاجم ويسلبونهم الديباج والحرير الذي كان زينتهم (وزَّيهم) (٥) وبه يُنال أيضًا ملك الآخرة، إذ لباس أهل الجنة فيها الحرير والديباج. وفي (سير) (٦) موسى بن عقبة، و(سليمان) (٧) بن المعتمر (٨): وأتاه بدُرْنُوك (٩) من ديباج منسوج بالدر والياقوت فأجلسه عليه غير أن موسى بن عقبة قَالَ: ببساط. ولم يقل: بدُرْنُوك. وقال ابن المعتمر: فمسح جبريل -عليه السلام- صدره وقال: اللهم اشرح صدره، وارفع ذكره، وضع عنه وزره. ويصححه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)﴾ الآيات، كأنه يشير إلى ذَلِكَ الدعاء الذي كان من جبريل (١٠). -------------------------- (١) في (ج): فذلك. (٢) «الروض الأنف» ١/ ٢٧١. (٣) النمط: ضرب من البسط لها خمل رقيق. «لسان العرب» ٨/ ٤٥٤٩. (٤) رواه ابن إسحاق كما في «السيرة النبوية» لابن هشام ١/ ٢٥٤ - ٢٥٥، ورواه الفاكهي في «أخبار مكة» ٤/ ٨٦ - ٨٧ (٢٤٢٠) بسنده عن ابن إسحاق. (٥) ساقطة من (ج). (٦) في (ج): سيرة. (٧) في (ج): سلمان. (٨) ستأتي ترجمته. (٩) نوع من البسط لها خمل. انظر «تهذيب اللغة» ٢/ ١١٨١، و«اللسان» ٣/ ١٣٦٩. (١٠) «الروض الأنف» ١/ ٢٧١. فائدة: قَالَ بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢)﴾ [البقرة: ١ - ٢]: إنه إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل حين قَالَ له: اقرأ. الحادي بعد الثلانين: قولها: (فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ) (الروع) (١) هو بفتح الراء: وهو الفزع: قَالَ صاحب «المحكم»: الرَّوْعُ والرُّوَاعُ والتَّرَوُّعُ: الفَزَعُ. (٢) وقال الهروي: هو بالضم: موضع الفزع من القلب. (٣) الثاني بعد الثلاثين: كونه لم يخبر بشيء حتَّى ذهب عنه الروع، يؤخذ منه أن الفازع لا ينبغي أن يسأل عن شيء حتَّى يزول عنه فزعه، حتَّى قَالَ مالك: إن المذعور لا يلزمه بيع ولا إقرار ولا غيره (٤). الثالث بعد الثلاثين: قوله -ﷺ-: («لَقَدْ خَشِيتُ على نَفْسِي») ليس معناه الشك في أن ما أتاه من الله تعالى، كما قَالَ القاضي، لكنه خشي (أن) (٥) لا يقوى عَلَى مقاومة هذا الأمر ولا يطيق حمل أعباء الوحي، فتزهق نفسه وينخلع قلبه؛ لشدة ما لقيه أولًا عند لقاء الملك (أو يكون هذا أول ما رأى التباشير في النوم واليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك) (٦)، وتحققه رسالة ربه، فيكون خاف أن يكون من الشيطان، -------------------------- (١) من (ج). (٢) «المحكم» ٢/ ٢٥٠. (٣) «غريب الحديث» ١/ ١٨٠. (٤) انظر: «التاج والإكليل» ٥/ ٣١٠، «مواهب الجليل» ٦/ ٣٥، ٧/ ٢١٦، «شرح منح الجليل» ٣/ ٣٩٤. (٥) في (ف): أنه. (٦) ساقط من (ج). فأما بعد أن جاءه الملك برسالة ربه فلا يجوز الشك عليه ولا يخشى تسلط الشيطان عليه. وعلى هذا الطريق يحمل كل ما ورد من مثل هذا في حديث المبعث (١)، وضعف النووي هذا الاحتمال؛ لأنه جاء في الحديث مبينًا أنه كان بعد غط الملك وإتيانه بـ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ (٢). (قَالَ) (٣): ويحتمل أن يكون معنى الخشية: الإخبار بما حصل لَهُ أولًا من الخوف لا أنه في الحال خائف، وجزم بما ضعفه النووي ابن الجوزي (٤) في «كشف مشكل الصحيحين» فقال: كان - ﷺ - يخاف في (بداءة) (٥) الأمر أن يكون ما يراه من قبل الشيطان؛ لأن الباطل قَدْ ------------------------- (١) «إكمال المعلم» ١/ ٤٨٤ - ٤٨٥. (٢) «مسلم بشرح النووي» ٢/ ٢٠٠. (٣) ساقط من (ج). (٤) هو الشيخ الإمام العلامة، الحافظ المفسر، شيخ الإسلام، فخر العراق، جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله، البغدادي الحنبلي، الواعظ، صاحب التصانيف، كان رأسًا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق والنثر الفائق بديهًا، ويسهب ويعجب ويطرب ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ والقيم بفنونه، مع الشكل الحسن والصوت الطيب، والوقع في النفوس، حسن السيرة، كان بحرًا في التفسير، علامة في السير والتاريخ، موصوفًا بحسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيهًا، عليمًا بالإجماعِ والاختلافِ، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار، وإكبابٍ على الجمع والتصنيف، مع التصون والتجمل، وحسن الشارة، ورشاقة العباَرة، ولطف الشمائل، والأوصاف الحميدة، والحرمة الوافرة عند الخاص والعام، توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٣/ ١٤٠، «سير أعلام النبلاء» ٢١/ ٣٦٥ (١٩٢)، «تاريخ الإسلام» ٤٢/ ٢٨٧ (٣٧١)، «الوافي بالوفيات» ١٨/ ١٨٦ (٢٣٥)، «شذرات الذهب»٤/ ٣٢٩. (٥) في (ج): بدو. ![]()
__________________
|
|
#30
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 271 الى صـــ 290 الحلقة (30) يلتبس بالحق وما زال يستقريء الدلائل، (ويسبر) (١) الآيات إلى أن وضح لَهُ الصواب، وكما يجب عَلَى أحدنا أن يسبر صدق الرسول إليه وينظر في دلائل صدقه من المعجزات، فكذلك الرسل يجب عليها أن تسبر حال المرسل إليها هل هو ملك أو شيطان؟ فاجتهادها في تمييز الحق من الباطل أعظم من اجتهادنا، ولذلك عَلَت منازل الأنبياء لعِظَمِ ما ابتُلوا به من ذَلِكَ. قَالَ: وكان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قَدْ نفر في بدايته من جبريل. ونسب الحال إلى الأمر المخوف، وقال لخديجة: «قَدْ خشيت عَلَى نفسي» إلى أن بان لى أن الأمر حق، ثمَّ استظهر بزيادة الأدلة حتَّى بان لَهُ اليقين، ثمَّ ساق بإسناده من حديث حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر قَالَ: كان النبي - ﷺ - بالحجون فقال: «اللَّهُمَّ أرني آية لا أبالي من كذبني بعدها من قريش» فقيل له: ادع هذِه الشجرة فدعاها، فأقبلت عَلَى عروقها فقطعتها، ثمَّ أقبلت تخد الأرض حتَّى وقفت بين يديه - ﷺ - ثمَّ قالت: ما تشاء؟ ما تريد؟ قَالَ: «ارجعي إلى مكانك» فرجعت إلى مكانها، فقَالَ: «والله ما أبالي من كذبني من قريش» (٢). ------------------------ (١) في (ج): ويتبين. (٢) رواه الفاكهي في «أخبار مكة» ٤/ ٣٠ (٢٣٣٠)، والبزار في «البحر الزخار» ١/ ٤٣٨ (٣٠٩ - ٣١٠)، وأبو يعلى في «مسنده» ١/ ١٩٠ - ١٩١ (٢١٥) وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (٢٩٠)، والبيهقي في «الدلائل» ٦/ ١٣، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٤/ ٣٦٤، من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن عمر به. قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر عن النبي - ﷺ - إلا بهذا الإسناد اهـ. قلت: بل رواه الفاكهي في «أخبار مكة» ٤/ ٢٩ - ٣٠ (٢٣٢٩) من طريق حماد بن = وقيل: إن الخشية كانت من قومه أن يقتلوه. حكاه السهيلي، ولا غرو أنه بشر يخشى من القتل والأذى، ثمَّ يهون عليه الصبر في ذات الله كل خشية، ويجلب إلى قلبه كل شجاعة وقوة (١)، وقيل: إنها كانت (خوف) (٢) أن لا ينهض بأعباء النبوة ويضعف عنها، ثم أذهب الله خشيته ورزقه الأيد والقوة والثبات، حكاه السهيلي أيضًا، وقال قبل ذَلِكَ: تكلم العلماء في معنى هذِه الخشية بأقوال كثيرة، منها ما ذهب إليه أبو بكر الإسماعيلي أنها كانت منه قبل أن يحصل لَهُ العلم الضروري بأن (الذي) (٣) جاءه ملك من عند الله تعالى، وكان أشق شيء عليه أن يقال عنه شيء أو أنه خشي عَلَى الناس، -يعني: من وقوعهم فيه- ولم ير الإسماعيلي أن هذا محال في مبدأ الأمر؛ لأن العلم الضروري لا يحصل دفعة واحدة، وضرب مثلًا بالبيت من الشعر تسمع أوله ولا تدرى (أنثر هو أم نظم؟) (٤) فإذا استمر الإنشاد عَلِمْتَ قطعًا (أنه قُصِدَ به) (٥) قَصْدُ الشعر، فكذلك لما استمر الوحي واقترنت به القرائن المقتضية للعلم القطعي حصل العلم القطعي، وقد أثنى الله عليه بهذا العلم، فقال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] إلى قوله: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ فإيمانه - ﷺ - بالله --------------------------- = سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع به. وقال الهيثمي في «المجمع» ٩/ ١٠: رواه البزار وأبو يعلى، وإسناد أبي يعلى حسن، وقال التقي الهندي في «الكنز» ١٢/ ٣٥٥ (٣٥٣٦٤): سنده حسن اهـ. (١) «الروض الأنف» ١/ ٤١١. (٢) في (ف): خوف. (٣) في (ج): إذًا. (٤) في (ج): أشعر أم نظم. (٥) في (ج): أنَّ قصده. وملائكته إيمان كسبي، موعود عليه بالثواب الجزيل كما وعد عَلَى سائر أفعاله المكتسبة، كانت من أفعال القلوب أو من أفعال الجوارح (١). [وقال سيدي أبو عبد الله بن أبي جمرة: يحتمل أن تكون خشيته من الوعك الذي أصابه من قبل الملك (٢). والأظهر أنها من الكهانة لكثرتها في زمنه، ثمَّ ظهر لَهُ الحق بعد ذَلِكَ وأمر بالإنذار (٣)، وفي «السيرة» من حديث عمرو بن شرحبيل أنه - ﷺ - قَالَ لخديجة: «إني إِذَا خلوت وحدي -------------------------- (١)»الروض الأنف«١/ ٢٧٥. (٢)»بهجة النفوس«لابن أبي جمرة ١/ ١٨. (٣) قال الحافظ في»الفتح" ١/ ٢٤، اختلف العلماء في المراد بها -أي الخشية- على اثني عشر قولًا: أولها: الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة، جاء مصرحا به في عدة طرق، وأبطله أبو بكر بن العربي وحق له أن يبطل، لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصول العلم الضروري له أن الذي جاءه ملك، وأنه من عند الله تعالى. ثانيها: الهاجس، وهو باطل أيضًا لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة. ثالثها: الموت من شدة الرعب. رابعها: المرض، وقد جزم به ابن أبي جمرة. خامسها: دوام المرض. سادسها: العجز عن حمل أعباء النبوة. سابعها: العجز عن النظر إلى الملك من الرعب. ثامنها: عدم الصبر على أذى قومه. تاسعها: أن يقتلوه. عاشرها: مفارقة الوطن. حادي عشرها: تكذيبهم إياه. ثاني عشرها: تعييرهم إياه. وأولى هذِه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب الثالث، واللذان بعده، وما عداها فهو معترض. والله الموفق. اهـ. سمعت نداءً، وقد خشيت والله أن يكون هذا أمرًا» فقالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل ذَلِكَ، إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث (١)] (٢). الرابع بعد الثلاثين (٣): قولها: (فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا والله ..) إلى آخره، معنى كلا (هنا) (٤): النفي والإبعاد، وهذا أحد معانيها، وقد تكون بمعنى: حقَّا، وبمعنى: ألا، التي للتنبيه، يستفتح بها الكلام، وقد جاءت في القرآن عَلَى أقسام، جمعها ابن الأنباري في باب من كتاب «الوقف والابتداء» له. الخامس بعد الثلاثين: قولها: (والله مَا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا). هو بضم الياء وبالخاء المعجمة، وكذا رواه مسلم في «صحيحه» من رواية يونس وعقيل، عن الزهري (٥)، وهو من الخزي، وهو الفضيحة والهوان، وأصل الخزي عَلَى ما ذكره ابن سيده: الوقوع في بلية وشهرة تذله (٦). وأخزى الله فلانًا: أبعده، (قاله) (٧) في «الجامع». ورواه مسلم من رواية معمر عن الزهري: يحزنك (٨)، بالحاء المهملة وبالنون من الحزن، ويجوز عَلَى هذا فتح الياء وضمها. -------------------- (١) «السيرة النبوية» لابن إسحاق ص ١١٢ (١٥٧). (٢) ساقط من (ج). (٣) في الأصل: الخامس بعد الثلاثين. وورد بالهامش: يكتب الرابع بدل الخامس، وكذا ما بعده. (٤) ساقط من (ج). (٥) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢، ٢٥٤). (٦) «المحكم» ٥/ ١٥١. (٧) في (ج): قال. (٨) مسلم (١٦٠/ ٢٥٣) كتاب: «الإيمان»، باب: بدء الوحي. يقال: حزنه وأحزنه لغتان فصيحتان قرئ بهما في السبع. قَالَ اليزيدي (١): أحزنه لغة تميم، وحزنه لغة قريش، قَالَ تعالى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] من حزن، وقال: ﴿لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ [يوسف: ١٣] من أحزن عَلَى قراءة من قرأ بضم الياء وهو الحزن (٢)، والحزن وهو خلاف السرور يقال: حزن -بالكسر- يحزن حزنا إِذَا اغتم وحزنه غيره وأحزنه، مثل شكله وأشكله، وحكي عن أبي عمرو أنه قَالَ: إِذَا جاء الحزن في موضع نصب فتحت الحاء، وإذا جاء في موضع رفع وجر ضممت، وقرأ: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ [يوسف: ٨٤]، وقال: ﴿تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾ [التوبة: ٩٢]. قال الخطابي: وأكثر الناس لا يفرقون بين الهم والحزن، وهما عَلَى اختلافهما يتقاربان في المعنى، إلا أن الحزن إنما يكون عَلَى أمر قَدْ وقع، والهم إنما هو فيما يتوقع ولا يكون بعد (٣)، وقولها: (أبدًا). هو منصوب عَلَى الظرف. -------------------------- (١) هو شيخ القراء، أبو محمد، يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي البصري النحوي، عرف باليزيدي لاتصاله بالأمير يزيد بن منصور خال المهدي، يؤدب ولده، وقد أدَّب المأمون، وعظم حاله، وكان ثقة، عالمًا حجة في القراءة، لا يدري ما الحديث، لكنه أخباري نحوي علامة، بصير بلسان العرب، ألف كتاب «النوادر»، وكتاب، «المقصور والممدود»، وكتاب «النحو». توفي ببغداد سنة اثنتين ومائتين، عن أربع وسبعين سنة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ١٤/ ١٤٦، «وفيات الأعيان» ٦/ ١٨٣، «سير أعلام النبلاء» ٩/ ٥٦٢ (٢١٩)، «شذرات الذهب» ٢/ ٤. (٢) انظر: «الحجة للقراء السبعة» ٣/ ٩٩. (٣) «أعلام الحديث» ٢/ ١٣٩٤. السادس بعد الثلانين: قولها: (إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ) هو بكسر الهمزة من: إنك عَلَى الابتداء، وكذا الرواية وهو الصواب، قَالَ القزاز: يقال: وصل رحمه صلة، وأصله: وصلة، فحذف الواو، وكما قالوا: زنة من وزن، كذا أصل صلة من وصل، ومعنى: (لتصل الرحم): تحسن إلى قراباتك، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان كيفية صلة الرحم في بابها وبيان اختلاف طرقها. السابع بعد الثلاثين: قولها: (وَتَحْمِلُ الكَلَّ) هو بفتح الكاف وأصله الثقل، ومنه قوله تعالى: ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ﴾ [النحل: ٧٦] وأصله من الكلال وهو الإعياء ويدخل في حمل الكل الإنفاق عَلَى الضعيف واليتيم والعيال وغير ذَلِكَ، والمعنى: إنك تنفق عَلَى هؤلاء وتعينهم، وقال الداودي: الكَلُّ: المنقطع. الثامن بعد الثلاثين: قولها: (وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ) هو بفتح التاء المثناة فوق عَلَى الصحيح المشهور في الرواية والمعروف في اللغة، وروي بضمها، وفي معنى المضموم قولان: أصحهما: معناه: تكسب غيرك المال المعدوم. أي: تعطيه له تبرعًا. ثانيهما: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من معدومات الفوائد ومكارم الأخلاق، يقال: أكسبت مالًا وأكسبتُ غيري مالًا، وفي معنى المفتوح قولان أصحهما: أن معناه كمعنى المضموم يقال: كسبت الرجل مالًا وأكسبته مالا، والأول أفصح وأشهر، ومنع القزاز الباقي وقال: إنه حرف نادر وأنشد عَلَى الثاني: وأكسبني مالًا وأكسبته حمدًا (١) -------------------------- (١) القائل ابن الأعرابي كما نسبه إليه في «اللسان» مادة (كسب). وقول الآخر: يُعاتِبُني في الدَّيْنِ قَوْمي وإِنما … دُيونيَ في أَشياءَ تَكْسِبُهم حَمْدا روي بفتح التاء وضمها (١)، والثاني: أن معناه تكسب المال وتصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله ثمَّ تجود به وتنفقه في وجوه المكارم، وكانت العرب تتمادح بذلك وعرفت قريش بالتجارة، وضعف هذا بانه لا معنى لوصف التجارة بالمال في هذا الموطن إلا أن يريد أنه يبذله بعد تحصيله، وأصل الكسب طلب الرزق، يقال: كسب يكسب كسبًا وتكسب واكتسب. وقال سيبويه (٢) فيما حكاه ابن سيده: (كسب) (٣): أصاب، و(اكتسب) (٤): تصرف واجتهد (٥). ------------------------- (١) أي: تكسبهم، ويكسبهم، وانظر: «لسان العرب» ٧/ ٣٨٧١ مادة: (كسب). والبيت للمقنع محمد بن ظفر بن عمير الكندي كما نسبه إليه صاحب «الأغاني»، وذكر قبله: وإن الذي بيني وبين بني أبي … وبين بني عمي لمختلف جدًّا فما أحمل الحقد القديم عليهم … وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا وليسوا إلى نصري سراعًا وإن هم … دعوني إلى نصر أتيتهم شدا إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم … وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا (٢) هو إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي ثم البصري، طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الذي لا يدرك شأوه فيه، قيل: كان فيه مع فرط ذكائه حُبسة في عبارته. وانطلاق في قلمه، سمي سيبويه؛ لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين بديع الحسن قيل: مات سنة ثمانين ومائة، وقيل: سنة ثمان وثمانين ومائة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ١٢/ ١٩٥، «وفيات الأعيان» ١/ ٤٨٧، «سير أعلام النبلاء» ٨/ ٣٥١، «شذرات الذهب» ١/ ٢٥٢. (٣) و(٤) في الأصل: تكسب، والمثبت من «المحكم». (٥) «المحكم» ٦/ ٤٥٢. وقال صاحب «المجمل»: يقال: كسبت الرجل مالًا فكسبه، وهذا مما جاء عَلَى فعلته ففعل (١). التاسع بعد الثلاثين: (الْمَعْدُومَ) كما قاله صاحب «التحرير»: عبارة عن الرجل المحتاج العاجز عن الكسب، وسماه معدومًا لكونه كالميت؛ حيث لم يتصرف في المعيشة، وذكر الخطابي أن صوابه (المعدم) بحذف الواو، أي: تعطي العائل وتَرْفُده؛ لأن المعدوم لا يدخل تحت الأفعال (٢)، وفيه نظر لا جرم. قَالَ النووي: ليس كما قَالَ الخطابي بل ما رواه الرواة صواب (٣). الأربعون: قولها: (وَتَقْرِي الضَّيْفَ) هو بفتح الياء تقول: قريت الضيف أقريه، قرى بكسر القاف والقصر، وقراء بفتح القاف والمد، ويقال للطعام الذي (يضيف) (٤) به: قرى بالكسر والقصر، وفاعله قارٍ كقضى فهو قاض، وقال ابن سيده: قَرى الضيف قِرى، وقراء: أضافه، واستقراني واقتراني (وأقراني) (٥) طلب مني القِرى، وإنه لقري للضيف، والأنثى قَرِيّة عن اللحياني، وكذلك إنه لمقرًى للضيف، ومِقراء، والأنثى مقراة، الأخيرة عن اللحياني (٦). وفي «أمالي الهجري»: ما اقتريت الليلة يعني: لم آكل من القرى شيئًا، أي: لم آكل طعامًا. الحادي بعد الأربعين: قولها: (وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الحَقِّ) أي: تعين بما تقدر عَلَى من أصابته نوائب حق أعنته فيها، والنوائب جمع نائبة: وهي الحادثة والنازلة، ناب الأمر نوبة: نزل، وهي النوائب والنوب، ------------------------ (١) «المجمل» ٣/ ٧٨٥. (٢) «أعلام الحديث» ١/ ١٢٩. (٣) «مسلم بشرح النووي» ٢/ ٢٠٢. (٤) في (ج): يضيفه. (٥) ساقطة من (ج). (٦) «المحكم» ٦/ ٣٠٨. وإنما قالت: نوائب الحق؛ لأنها تكون في الحق والباطل، قَالَ لبيد - ﷺ -: فلا الخير ممدود ولا الشر لازب … نوائب من خير وشر كلاهما الثاني بعد الأربعين: معنى كلام خديجة رضي الله عنها: إنك لا يصيبك مكروه لما جعله الله -سبحانه وتعالى- فيك من مكارم الأخلاق، وجميل الصفات، ومحاسن الشمائل. وذكرت ضروبًا من ذَلِكَ، وفي هذا أن مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب للسلامة من مصارع السوء والمكاره، فمن كَثُرَ خيره حسنت عاقبته، ورجي لَهُ سلامة الدين والدنيا، وفيه مدح الإنسان في وجهه لمصلحة، وشرطه في غير الأنبياء انتفاء الفتنة أيضًا. الثالث بعد الأربعين: ذكر البخاري في كتاب التفسير من «صحيحه» خصلة أخرى، وهي: وتَصْدُقُ الحديث (١) وذكرها مسلم هنا (٢)، وهي من أشرف خصاله وكان يُدْعى بها من صغره، وفي «السيرة» زيادة: (إنك لتؤدي الأمانة) ذكرها من حديث عمر بن شرحبيل (٣)، وقد سلفت. الرابع بعد الأربعين: فيه أنه ينبغي تأنيس من حصلت لَهُ مخافة من أمر وتبشيره، وذكر أسباب السلامة له، وأنّ من نزلت به نازلة لَهُ أن يشارك فيها من يثق بنُصْحِهِ ورأيه. الخامس بعد الأربعين: فيه أيضًا أبلغ دليل وأظهر حجة عَلَى كمال خديجة، وجزالة رأيها، وقوة نفسها، وعظيم فقهها. السادس بعد الأربعين: قولها: (فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ -------------------------- (١) سيأتي برقم (٤٩٥٣). كتاب: التفسير، سورة العلق، باب (١). (٢) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي. (٣) «سيرة ابن إسحاق» ص ١١٢ - ١١٣ (١٥٧). وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزى ابن عَمِّ خَدِيجَةَ)، إنما كان ابن عمها: لأنها خديجة بنت خويلد بن أسد، وهو ورقة بن نوفل بن أسد، فـ (ابن عم) تابع لورقة لا لعبد العزى، فينصب ابن، ويكتب بالألف لأنه بدل من ورقة. ولا يجوز جر ابن، ولا كتابته بغير ألف؛ لأنه يصير صفة لعبد العزى، فيكون عبد العزى ابن عمها وهو باطل، كما نبه عليه النووي رحمه الله، ومثله عبد الله بن مالك ابن بحينة، ومحمد بن علي ابن الحنفية، والمقداد بن عمرو ابن الأسود، وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية، وإسحاق بن إبراهيم (ابن راهويه) (١)، وعبد الله بن يزيد ابن ماجه؛ لأن بحينة أم عبد الله، وكذلك الحنفية، والأسود ليس بجده، وراهويه لقب إبراهيم، وعُلية أم إسماعيل، وماجه لقب يزيد، فكل ذَلِكَ يكتب بالألف ونعربه بإعراب الأول، ومثل ذَلِكَ عبد الله بن أُبي ابن سلول ينون اُبي ويكتب ابن سلول بالألف ويعرب إعراب عبد الله؛ لأن سلول أم عبد الله، هذا هو الصحيح، وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى في موضعه، ومقصودهم في كل هذِه الأسماء تعريف الشخص بوصفه جميعًا ليكمل تعريفه، فقد يكون الإنسان معروفًا بأحد وصفيه دون الآخر، فإذا جمعا تم تعريفه لكل أحد. السابع بعد الأربعين: اسم أم ورقة هند بنت أبي كبير بن عدي بن قصي ولا عقب له، وروينا في «مستدرك الحاكم» من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - ﷺ - قَالَ: «لا تسبوا ورقة فإنه كان لَهُ جنة أو (جنتان) (٢)» ---------------------- (١) جاء في هامش (ف) بعد كلمة ابن راهويه: راهويه لقب إبراهيم. ولعله من سبق القلم، فسوف يأتي بعد قليل. (٢) في الأصل: (جنتين) والمثبت هو الموافق للسياق والإعراب. ثمَّ قَالَ: هذا حديث صحيح عَلَى شرط الشيخين (١). وفي كتاب الزبير من حديث عبد الله بن معاذ، عن الزهري، عن عروة قَالَ: سُئِلَ النبي - ﷺ - عن ورقة بن نوفل، كما بلغنا قَالَ: «لقد رأيته في المنام عليه ثياب بيض، فقد أظن أنه لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض». ورواه الترمذي في كتاب الرؤيا من «جامعه» من حديث عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: سُئِلَ رسول الله - ﷺ - عن ورقة فقالت لَهُ خديجة: إنه كان صدقك ولكنه مات قبل أن تظهر، فقال النبي - ﷺ -: «رأيته في المنام وعليه ثياب بيض، ولو -------------------------- (١)»المستدرك«٢/ ٦٠٩، ولفظة:»لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين«. ورواه أيضًا البزار كما في»كشف الأستار«(٢٧٥٠) من طريق عبد الله بن سعيد -أبو سعيد الأشج- عن أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا به. ورواه البزار كما في»كشف الأستار«(٢٧٥١)، والرافعي في»التدوين في أخبار قزوين«٣/ ١٩٨ من طريقين عن هشام بن عروة عن عروة مرسلًا به. قال البزار: لا نعلم أحدًا رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، إلا أبو معاوية، ولا رواه عن أبي معاوية مسندًا إلا أبو سعيد. وأورد الحافظ ابن كثير في»البداية والنهاية«٣/ ١٣ حديث عاثشة المرفوع وقال: هذا إسناد جيد، وروي مرسلًا وهو أشبه. وقال الهيثمي في»المجمع«٩/ ٤١٥: رواه البزار متصلًا ومرسلًا، ورجال المسند والمرسل رجال الصحيح اهـ والحديث المرفوع صححه الحاكم على شرط الشيخين -كما ذكر المصنف- ووافقه الذهبي، وقال الألباني في»الصحيحة«١/ ٧٦٢ (٤٠٥): وهو كما قالا اهـ. قال المناوي: قال الحافظ العراقي: هذا الحديث شاهد لما ذهب إليه جمع من أن ورقة أسلم عند ابتداء الوحي اهـ.»فيض القدير" ٦/ ٥٢٠ (٩٧٩٤). كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذَلِكَ» ثمَّ قَالَ: حديث غريب، وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوي (١). وقال السهيلي: في إسناده ضعف، لأنه يدور عَلَى عثمان هذا، ولكن يقويه قوله - ﷺ -: «رأيت القس -يعني: ورقة وعليه ثياب حرير؛ لأنه أول من آمن بي وصدقني» (٢) ذكره ابن إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل (٣). وقال المرزباني (٤): كان ورقة من علماء قريش وشعرائهم، وكان يدعى القس، وقال النبي - ﷺ -: «رأيته وعليه حلة خضراء يرفل في الجنة»، وكان يذكر الله في شعره في الجاهلية ويسبحه، فمن ذَلِكَ قوله: ------------------------ (١) الترمذي (٢٢٨٨)، ومن طريقه رواه الحاكم ٤/ ٣٩٣، وابن الأثير في «أسد الغابة» ٥/ ٤٤٧ - ٤٤٨. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه اهـ وتعقبه الذهبي بقوله: عثمان هو الوقاصي متروك اهـ. وقال الألباني في «ضعيف الجامع» (٧٩٢): موضوع. ورواه أحمد ٦/ ٦٥ من طريق ابن لهيعة، عن الأسود، عن عروة، عن عائشة به، قال ابن كثير في «السيرة» كما في «صحيحها» ص ٩٣: إسناده حسن. (٢) «الروض الأنف» ١/ ٢١٧. (٣) «سيرة ابن إسحاق» ص ١١٢ - ١١٣ (١٥٧) ورواه أيضًا البيهقي في «الدلائل» ٢/ ١٥٨ - ١٥٩ وقال: هذا منقطع. (٤) هو العلامة المتقن الأخباري، أبو عبيد الله، محمد بن عمران بن موسى بن عبيد المرزباني البغدادي الكاتب، صاحب التصانيف، قال الأزهري: كان المرزباني يضع المحبرة وقنية النبيذ، يكتب ويشرب، وكان معتزليًّا، صنف كتابًا في أخبار المعتزلة وما كان ثقة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ٣/ ١٣٥، «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٥٤، «سير أعلام النبلاء» ١٦/ ٤٤٧ (٣٣١)، «الوافي بالوفيات» ٤/ ٢٣٥، «شذرات الذهب» ٣/ ١١١. لقد نصحت لأقوامٍ وقلت لهم … أنا النذير فلا يغرركم أحد لا تعبدن إلهًا غير خالقكم … فإن دعوكم فقولوا بيننا جدد سبحان ذي العرش سبحانًا يعود له … وقبله سبح الجودي والجمد مسخر كل ما تحت السماء له … لا ينبغي أن يناوي ملكه أحد لا شيء مما ترى تبقى بشاشته … يبقى الإله وبودى المال والولد لم يغن عن هرمز يومًا خزائنه … والخلد قَدْ حاولت عادٌ فما خلدوا ولا سليمان إذ تجري الرياح له … والإنس والجن فيما بينها برد أين الملوك التي كانت لعزتها … من كل أوبٍ إليها وافد يفد حوض هنالك مورود بلا كذب … لابد من ورده يومًا كما وردوا نسبه أبو الفرج إلى ورقة، وفيه أجات تنسب إلى أمية بن أي الصلت، ومن قوله أيضًا فيما خبرت به خديجة عن النبي - ﷺ -: يا للرجال لصرف الدهر والقدر … وما لشيء قضاه الله من غِيَرِ حتَّى خديجة تدعوني لأخبرها … أمرًا أراه سيأتي الناس من أُخر فخبرتني بأمر قَدْ سمعت به … فيما مضى من قديم الدهر والعُصُر بأن أحمد يأتيه فيخبره … جبريل: إنك مبعوث إلى البشر فقلت: عَلَّ الذي ترجين ينجزه … لك الإله فرجِّي الخير وانتظري وأرسلته إلينا كي نسائله … عن أمره ما يرى في النوم والسهر فقال حين أتانا منطقًا عجبًا … يَقِفُّ منه أعالي الجلد والشعر إني رأيت أمين الله واجهني … في صورة أكملت من أهيب الصور ثمَّ استمر فكان الخوف يذعرني … مما يُسلم ما حولي من الشجر فقلت ظني وما أدري أيصدقني … أن سوف تبعث تتلو منزل السور وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم … من الجهاد بلا مُرٍّ ولا كدر ذكره بطوله الحاكم في «مستدركه»، ذكره عقيب حديث ابن عباس السالف، وقال: والغرض فيه ما حدثنيه ثمَّ ساقه بإسناده (١). وقال ابن منده (٢): اختلف في إسلامه (٣)، وظاهر الحديث يدل عَلَى إسلامه من قوله: (يا ليتني كنت فيها جذعًا). وما بعده، وذكر ابن إسحاق أنه - ﷺ - لما أخبره قَالَ له ورقة: إنك والذي نفسي بيده لنبي هذِه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، وذكر الحديث، قَالَ: ثمَّ أدنى رأسه منه فقبل يافوخه (٤). الثامن بعد الأربعين: قولها: (وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ). أي: صار نصرانيًا وترك عبادة الأوثان وفارق طرائق الجاهلية، والجاهلية: ما قبل نبوة نبينا محمد - ﷺ -، سموا بذلك لما كانوا عليه من فاحش الجهالات. التاسع بعد الأربعين: قولها: (وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ) هكذا وقع هنا العبراني والعبرانية، ووقع في موضع آخر من «صحيح مسلم»: العربي، فيكتب بالعربية من ------------------------------- (١) «المستدرك» ٢/ ٦٠٩ - ٦١٠. (٢) هو الإمام الحافظ الجوال، محدث الإسلام، أبو عبد الله محمد ابن المحدث أبي يحقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده، قال الذهبي: لم أعلم أحدًا كان أوسع رحلة منه، ولا أكثر حديثًا منه مع الحفظ والثقة، فبلغنا أن عدة شيوخه ألف وسبعمائة شيخ، من مصنفاته كتاب «الإيمان»، و«التوحيد» و«التاريخ» وهو كتاب كبير جدًا، و«معرفة الصحابة». قال الحافظ ابن عساكر: لابن منده في كتاب «معرفة الصحابة» أوهام كثيرة، وقيل: إنه اختلط في آخر عمره. انظر ترجمته في: «المنتظم» ٧/ ٢٣٢، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٢٨ (١٣)، «تذكرة الحفاظ» ٣/ ١٠٣١، «الوافي بالوفيات» ٢/ ١٩، «شذرات الذهب» ٣/ ١٤٦. (٣) نقله عنه ابن الأثير في «أسد الغابة» ٥/ ٤٤٧ وقد تقدم. (٤) «سيرة ابن إسحاق» ص ١٠٠ - ١٠٣ (١٤٠). واليافوخ: وسط الرأس. الإنجيل (١)، وفي كتاب التعبير والتفسير من البخاري: يكتب الكتاب العبراني، فيكتب (بالعربية) (٢) من الإنجيل. وكله صحيح، أي: كان يكتب من الإنجيل ما شابهها لتمكنه من معرفة دينهم وكتابتهم، وقال الداودي: يكتب من الإنجيل الذي هو بالعبرانية بهذا الكتاب العربي، فنسبه إلى العبرانية إذ بها كان يتكلم عيسى -عليه السلام-. وقولها: (وَكَانَ قَدْ عَمِيَ) فيه جواز ذكر العاهة التي بالشخص ولا يكون ذَلِكَ غيبة. الخمسون: قولها: (يَا ابن عَمِّ) كذا وقع هنا، ووقع في مسلم: (يا عم) (٣) والأول صحيح؛ لأنه ابن عمها كما سلف، والثاني صحيح أيضًا سمته عمها مجازًا للاحترام وهذِه عادة العرب يخاطب الصغير الكبير بيا عم احترامًا له ورفعًا لمرتبته، ولا يحصل هذا الغرض بقولها: يا ابن عم، فعلى هذا يكون تكلمت باللفظين (٤). الحادي بعد الخمسين: قوله: (هذا النَّامُوسُ الذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى) كذا هو في الصحيحين، وغيرهما، وجاء في غير الصحيح: (نزل الله عَلَى عيسى) (٥). وكلاهما صحيح. أما عيسى فلقرب زمنه، ------------------------ (١) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢). كتاب: الايمان، باب: بدء الوحي. (٢) ساقطة من (ج). (٣) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢). كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي. (٤) قال الحافظ في «الفتح»١/ ٢٥؛ ووقع في مسلم: يا عم، وهو وهم، لأنه وإن كان صحيحًا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد، فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين فتعين الحمل على الحقيقة أهـ. (٥) رواه ابن قانع في «معجم الصحابة» ٣/ ١٨١ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن ورقة بن نوفل: أنه سأل رسول الله - ﷺ - كيف يأتيك الوحي؟ قال: «يأتيني في ضوء»، قال: هذا الناموس الذي أنزل على عيسى -عليه السلام-. وأما موسى فأبدى لَهُ السهيلي معنًى آخر وهو أن ورقة قد تنصر والنصارى لا يقولون في عيسى: إنه نبيٌّ يأتيه جبريل، وإنما يقولون: إن أقنومًا من الأقانيم الثلاثة اللاهوتية حل بناسوت المسيح عَلَى اختلافٍ بينهم في ذَلِكَ الحلول، وهو أقنوم الكلمة، والكلمة عندهم عبارة عن العلم، فلذلك كان المسيح في زعمهم يعلم الغيب ويخبر بما في الغد في زعمهم الكاذب، فلما كان هذا مذهب النصارى عدل عن ذكر عيسى إلى ذكر موسى لعلمه، ولاعتقاده أن جبريل كان ينزل عَلَى موسى، قَالَ: لكن ورقة قَدْ ثبت إيمانه بمحمد - ﷺ - ثمَّ ساق حديث الترمذي السالف (١). الثاني بعد الخمسين: (النَّامُوسُ) بالنون والسين المهملة وهو ----------------------- (١) «الروض الأنف» ١/ ٢٧٣، قال الحافظ في «الفتح» ١/ ٢٦: وقوله (على موسى) ولم يقل: (على عيسى) مع كونه نصرانيًّا؛ لأن كتاب موسى -عليه السلام- مشتمل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى. وكذلك النبي - ﷺ -، أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى. كذلك وقعت النقمة على يد النبي - ﷺ - بفرعون هذِه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر. أو قاله تحقيقًا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب، بخلاف عيسى فإن كثيرًا من اليهود ينكرون نبوته. وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الأقانيم فهو محال لا يعرَّج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل ولم يأخذ عمن بدل. نعم في «دلائل النبوة» لأبي نعيم بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذِه القصة أن خديجة أولًا أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم. فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى وتارة ناموس موسى، فعند إخباره خديجة له بالقصة قال لها: ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية، وعند إخبار النبي - ﷺ - له قال له: ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها، وكل صحيح. والله ﷻ أعلم أهـ. صاحب السر كما ذكره البخاري في أحاديث الأنبياء (١)، قَالَ صاحب «المحكم» و«المجمل» وأبو عبيد (٢) في «غريبه»: ناموس الرجل: صاحب سره (٣)، وقال ابن سيده: الناموس: السر (٤). وقال صاحب «الغريبين» (٥): هو صاحب سر الملك. وقيل: إن الناموس والجاسوس بمعنى واحد حكاه القزاز في «جامعه» وصاحب «الواعى»، وقال الخشني في «شرح السيرة»: أصل الناموس: صاحب سر الرجل في خيره وشره، وقال ابن الأنباري في «زاهره»: الجاسوس: الباحث عن أمور الناس وهو بمعنى تحسس سواء. وقَالَ بعض أهل اللغة: التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس، وبالحاء المهملة الاستماع لحديث القوم، وقيل: هما سواء، قَالَ ----------------------------- (١) سيأتي برقم (٣٣٩٢) باب: ﴿وَاذْكُرْ فِي الكِتَاب مُوسَى ..﴾. (٢) هو الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله، كان أبوه سلام مملوكًا روميًّا لرجل هروي، من مصنفاته: «الأموال» و«الغريب» و«فضائل القرآن» و«الناسخ والمنسوخ» توفي سنة أربعة وعشرين ومائتين. انظر ترجمته في: «طبقات ابن سعد» ٧/ ٣٥٥، «التاريخ الكبير» ٧/ ١٧٢ «وفيات الأعيان» ٤/ ٦٠، «سير أعلام النبلاء» ١٠/ ٤٩٠ (١٦٤)، «شذرات الذهب»٢/ ٥٤. (٣) «مجمل اللغة» ٤/ ٨٨٦، مادة: (نمس)، «غريب الحديث» ١/ ٣١٥. (٤) «المحكم» ٨/ ٣٥٢. (٥) هو العلامة أبو عبيد، أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي، الشافعي، اللغوي، المؤدب، أخذ علم اللسان عن الأزهري وغيره ويقال له الفاشاني، صاحب كتاب «الغريبين». قال ابن خلكان: سار كتابه في الآفاق، وهو من الكتب النافعة توفي مشة (٤٠١ هـ). انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ١/ ٩٠، ٩٦، «الوافي بالوفيات» ٨/ ١١٤، ١١٥، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ١٤٦ - ١٤٧، «شذرات الذهب» ٣/ ١٦١. ابن ظفر (١)، في «شرح المقامات»: صاحب سر الخير: ناموس، وصاحب سر الشر: جاسوس، وقد سوى بينهما رؤبة وهو الصحيح. ونقل النووي في «شرحه» عن أهل اللغة والغريب الفرق بينهما وأن الناموس في اللغة صاحب سر الخير، والجاسوس صاحب سر الشر، قَالَ: ويقال: نمست السر -بفتح النون والميم- أنمسه -بكسر الميم- نمسًا أي (كتمته) (٢)، ونمست الرجل ونامسته أي: ساررته، واتفقوا على أن جبريل يسمى الناموس وعلى أنه المراد في هذا الحديث، قَالَ الهروي: سُمِّي بذلك لأن الله تعالى خصه بالغيب والوحي الذي لا يطلع عليه غيره (٣). قَالَ ابن الأعرابي فيما حكاه القاضي: لم يأت في الكلام فاعول لام الكلمة فيه سين إلا الناموس: صاحب سر الخير، والجاسوس للشر، والجاروس: الكثير الأكل، والفاعوس: الحية، والبابوس: الصبي الرضيع، والداموس: القبر، والقاموس: وسط البحر، والقابوس: الجميل الوجه، والعاطوس: دابة يتشاءم بها، والفانوس: النمام، والجاموس: ضرب من البقر، وقيل: أعجمي تكلمت به العرب، -------------------------- (١) هو العلامة البارع، حجة الدين، أبو عبد الله محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر الصقلي، صاحب كتاب «خير البشر»، وكتاب «سلوان المطاع في عدوان الأتباع» وكتاب «شرح المقامات»، وكان قصيرًا لطيف الشكل، وكان فقيرًا أخذ بنته زوجُها، فباعها في بعض البلاد، مات سنة خمس وستين وخمسمائة بحماة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٩٥، «سير أعلام النبلاء» ٢٠/ ٥٢٢ (٣٣٦)، «الوافي بالوفيات» ١/ ١٤١. (٢) في الأصول: كتمه. والمثبت من «شرح مسلم» للنووي. (٣) «مسلم بشرح النووي» ٢/ ٢٠٣. وقيل: الحاسوس بالحاء غير المعجمة (من تجسس بالجيم) (١)، وفي «صحيح مسلم»: إن كلماتك بلغن ناعوس البحر (٢). الثالث بعد الخمسين: قوله: (يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا)، الضمير فيها يعود إلى أيام النبوة ومدتها، قَالَ ابن مالك (٣): وأكثر الناس تظن أن يا التي تليها [ليت] (٤) حرف نداء. والمنادى (حُذف فتقديره) (٥) يا محمد، ليتني كنت فيها حيًّا، وهذا الرأي عندي ضعيف؛ لأن القائل: يا ليتني قَدْ يكون وحده ولا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف (٦)، ولأنه لم يقع ملفوظًا به حتَّى يؤنس بالتقدير. الرابع بعد الخمسين: قوله: (جَذَعًا). يعني: شابًّا قويًّا حتَّى أبالغ في نصرتك ويكون لي كفاية تامة لذلك، والجذع في الأصل للدواب، وهو هنا استعارة، قَالَ ابن سيده: قيل: الجذع الداخل في السنة الثانية، ومن الإبل: فوق الحِقّ، وقيل: الجذع من الإبل لأربع --------------------- (١) كذا بالأصل والذي في «الإكمال» وقيل: الحاسوس بالحاء غير معجمة من تحسس وهو بمضي الجاسوس. (٢) «إكمال المعلم» ١/ ٤٨٧ - ٤٨٨ والحديث في مسلم (٨٦٨) كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة. (٣) هو العلامة الأوحد جمال الدين، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، أبو عبد الله الطائي، الجياني، الشافعي، النحوي، أخذ العربية عن غير واحد، وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية، وحاز قصب السبق، وأربى على المتقدمين، وكان إمامًا في القراءات وعللها، وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرًا لا يجارى، وحبرًا لا يبارى، توفي رحمه الله في ثاني عشر شعبان، وقد نيَّف على السبعين انظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» ٥٠/ ١٠٨ (٨٣)، «الوافي بالوفيات» ٣/ ٣٥٩، «شذرات الذهب» ٥/ ٢٩٥. (٤) زيادة يقتضيها السياق، من «شواهد التوضيح». (٥) في (ج): حرف تقديره. (٦) «شواهد التوضيح» لابن مالك ص ٤. سنين، ومن الخيل لسنتين، ومن الغنم لسنة والجمع جُذعان وجِذعان وجِذاع (١). قَالَ الأزهري (٢) في «تهذيبه»: والدهر يسمى جذعًا؛ لأنه جديد الدهر (٣). وقيل معناه: يا ليتني أدرك أمرك، فأكون أول من يقوم بنصرك، كالجذع الذي هو أول الأسنان، قَالَ صاحب «المطالع»: والقول الأول أبين. الخامس بعد الخمسين: قوله: (جَذَعًا). هكذا الرواية المشهورة هنا، وفي «صحيح مسلم» بالنصب (٤)، ووقع للأصيلي، هنا ولابن ماهان (٥) في «صحيح مسلم»: (جذع)، بالرفع، فعلى الرفع لا إشكال، وفي النصب اختلفوا في وجهه على ثلاثة أوجه: ------------------------- (١) «المحكم» ١/ ١٨٥. (٢) هو العلامة، أبو منصور، محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري الهروي اللغوي الشافعي، كان رأسًا في اللغة والفقه، ثقة ثبتا دينا، من كتبه «تهذيب اللغة» المشهور، و«التفسير» و«علل القراءات» و«الروح»، توفي في ربيع الآخر سنة سبعين وثلاثمائة، عن ثمان وثمانين سنة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٣٤، «سير أعلام النبلاء» ١٦/ ٣١٥ (٢٢٢)، «الوافي بالوفيات» ٢/ ٤٥، «شذرات الذهب» ٣/ ٧٢. (٣) «تهذيب اللغة» ١/ ٥٦٧، مادة: (جذع). (٤) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي. (٥) هو الإمام المحدث، أبو العلاء، عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرحمن بن عيسى بن ماهان الفارسي، ثم البغدادي، حدث بمصر بـ «صحيح مسلم» عن أبي بكر أحمد بن محمد بن يحيى الأشقر الشافعي، عن أحمد بن علي القلانسي، عن مسلم سوى ثلاثة أجزاء من آخره، فرواها عن الجلودي. وثقه الدارقطني، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ١٦/ ٥٣٥ (٣٩٢)، «تاريخ الإسلام» ٢٧/ ١٦٠، «شذرات الذهب» ٣/ ١٢٨. ![]()
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |