الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 26 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السخرية في سورة ( المنافقون) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الأخلاق في حياتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 19 )           »          وقفة تربوية مع التقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          فتح مكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 1774 )           »          فتنة المسلمين في الغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          معركة مرج الصفر شرقي شقحب بحوران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أبو مسلم الخراساني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 10 )           »          ابن العديم .. مؤرخ يعشق حلب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #251  
قديم 21-06-2022, 05:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب الطلاق]
صـــــ 322 الى صــــــــ
341
الحلقة (208)



مبحث إذا وصف الطلاق أو شبهه بشيء
-إذا قال لها: أنت طالق طلقة شديدة، أو عريضة، أو قال لها: أنت طالق كالجبل ونحو ذلك. فإن فيه تفصيل المذاهب (1) .
مبحث هل للزوج أن ينيب زوجته أو غيرها في الطلاق
-قد عرفت أن الرجل هو الذي يملك الطلاق دون المرأة. وذلك لأمرين:
أحدهما: أن الشريعة قد كلفت الرجل بالإنفاق على المرأة وأولادها منه حال قيام الزوجية وبعدها إلى أمد معين، وكلفته أيضاً بأن يبذل لها صداقاً قد يكون بعضه مؤجلاً إلى الطلاق، وأن يدفع لها أجرة حضانة ورضاع إن كان له منها أولاد في سن الحضانة والرضاع وهذا كله يستلزم نفقات يجب أن يحسب حسابها بعد الفراق، فمن العدل أن يكون الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة، لأنه هو الذي يغرم المال، وربما كان عاجزاً عن القيام بالانفاق على مطلقته وعلى غيرها، فلا يندفع في الطلاق، ويترتب على ذلك عدم تفرق الأسرة وانحلالها، أما لو كان الطلاق بيد المرأة فإنها لا تبالي بإيقاعه عند سورة الغضب، إذ ليس أمامها من التكاليف ما يحول بينها وبين إيقاع الطلاق، بل ربما زينت لها سورة الغضب إيقاع الطلاق كي ترغم الرجل على دفع حقوقها لترهقه بذلك انتقاماً منه، وذلك حيف ظاهر تتنزه عنه الشريعة الإسلامية التي هي من عند الله العليم الخبير.
ثانيهما: أن المرأة مهما أوتيت من حكمه فإنها سريعة التأثر بطبيعتها فليس لها من الجلد والصبر مثل ما للرجل، فلو كان الطلاق بيدها فإنها تستعمله أسوأ استعمال لأنها لا تستطيع ضبط نفسها كما يستطيع الرجل، فمن العدل والمحافظة على استمرار الزوجية وبقائها أن يكون الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة.
لعل بعضهم يقول: إن كثيراً من الرجال على هذا المنوال فهم لا يبالون أن يحلفوا بالطلاق لأقل الأمور شأناً وأحقرها منزلة. بل بعضهم يحلف بالطلاق لمناسبة ولغير مناسبة، وكأن الطلاق من كلمات التسلية واللعب، والجواب: أن الشريعة الإسلامية لم تشرع لهؤلاء الجهلة فاسدي الأخلاق الذين لا يعرفون من الإسلام إلا أنهم مسلمون فحسب، وإنما شرعت للمسلمين حقاً الذين يستمعون قول الله وقول رسوله فيعملون به، فلا ينطقون بالطلاق إلا لحاجة تقتضيه، أما هؤلاء المستهترون الذين لا يبالون بأمر الله ولا ينفذون قول رسول الله، فإن الله لا يعبأ بهم.
وإذا كان الطلاق ملكاً للرجل وحده كان من حقه أن ينيب عنه غيره، سواء كان النائب زوجته أو غيرها، وفي ذلك تفصيل المذاهب (2) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: هذا المبحث يشتمل على أمور:أحدها: أن يصف الطلاق بصفة كما ذكر في الأمثلة المذكورة، وحكم هذا أنه يقع به طلقة بائنة، وذلك لأن الصفة تشعر بالزيادة على أصل المعنى وتجب البينونة، ويشترط أن يقول: أنت طالق طلقة شديدة أو تطليقة شديدة، فإن لم يذكر التطليقة، بأن قال: أنت طالق شديدة، أو قال: أنت طالق عريضة، أو قوية، أو طويلة، فإنه يلزمه بذلك طلقة رجعية لا بائنة، لأن الصفة في هذه الحالة ليست للطلاق بل للمرأة، ويقع واحدة بائنة أيضاً بقوله: أنت طالق طلقة طول الجبل، أو عرض الأرض ونحو ذلك.
ثانيها: أن يصف الطلاق بأفعل التفضيل، كأن يقول: أنت طالق أفحش الطلاق، أو أشر الطلاق، أو أخبثه، أو أشده، أو أكبره، أو أعرضه، أو أطوله، أو أغلظه، أو أعظمه، وحكم هذا أنه يقع به طلقة بائنة، كالصورة الأولى، وذلك لأن أفعل يدل على التفاوت، فالطلاق الذي يوصف به يكون أقوى من غيره، وهذا معنى البائن.
ثالثاً: أن يشبه الطلاق بشيء عظيم، كأن يقول لها: أنت طالق طلقة كالجبل، وحكم هذا أنه يقع به طلقة بائنة كالذي قبله، وذلك لأن التشبيه يقتضي الزيادة، وهي معنى البينونة، وبعضهم يقول: إنه لا يقع به بائن إلا إذا صرح بلفظ العظم، بأن يقول: أنت طالق طلقة كعظم الجبل، وهو أبو يوسف.
رابعها: أن يشبه الطلاق بشيء حقير ولم يذكر العظم، كأن يقول لها: أنت طالق طلاقاً كرأس الإبرة، وفي هذا خلاف، والمعتمد أنه يقع به البائن، وهو رأي الإمام، فإذا ذكر لفظ العظم، بأن قال لها: أنت طالق طلاقاً كعظم رأس الإبرة، فقال بعضهم: إنه يكفي في البينونة وقال بعضهم: لا يكفي.
والحاصل أنه إذا قال لها: أنت طالق طلاقاً كعظم الجبل وقع بائناً باتفاق، فإذا قال: كالجبل ولم يقل: كعظم الجبل يقع بائناً عند أبي حنيفة وزفر، ويقع رجعياً عند أبي يوسف، لأن الشرط عنده ذكر لفظ - العظم - وإذا قال: أنت طالق كرأس الإبرة وقع بائناً عند أبي حنيفة فقط، وإذا قال: كعظم رأس الإبرة وقع بائناً عند أبي يوسف، وأبي حنيفة، لأن أبا يوسف يكتفي بذكر العظم، ولو كان المشبه به حقيراً، أما زفر فإنه يشترط أن يكون المشبه به عظيماً في ذاته ولو لم يذكر لفظ العظم فلا يقع به البائن عنده.
وإذا قال لها: أنت طالق كألف، فإن أراد التشبيه في العدد لزمه الثلاث، وإن أراد التشبيه في العظم لزمه طلاق واحد بائن.
هذا، وإذا نوى بأي لفظ من الألفاظ المتقدمة الثلاث فإنه يلزمه ما نواه، لما علمت أن نية الثلاث تصح بخلاف نية الاثنتين.
وإذا قال لها: أنت طالق طلاق البدعة ولا نية له، فإنه يقع به واحدة بائنة، وقيل لا تقع بائنة إلا إذا نوى واحدة بائنة، وإن نوى الثلاث فثلاث، أما إذا لم ينو فإنه يقع بها واحدة رجعية إن كانت المرأة حائضاً، أو نفساء أو في طهر جامعها فيه، فإن لم تكن كذلك فلا تطلق حتى تحيض، أو يجامعها في الطهر، لأن طلاق البدعة هو أن تكون حائضاً، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه كما تقدم.
وإذا قال لها: أنت طالق طلاق الشيطان طلقت منه بائنة، وإذا قال لها: أنت طالق ملء البيت، فإن كان عرضه الكثرة في العدد طلقت ثلاثاً، وإن كان عرضه طلقة عظيمة كالشيء العظيم الذي يملأ البيت بعظمه لزمته واحدة بائنة، وإذا قال لها: أنت طالق بائن أو البتة يقع به واحدة بائنة أيضاً، وإذا نوى بقوله: طالق واحدة، وبقوله: بائن طلقة أخرى لزمه ثنتان، وذلك لأنه وإن وقع بلفظ طالق واحدة رجعية ولكن وصفها بالبائن بعد ذلك جعلها بائنة إذ لا يمكن رجعتها في هذه الحالة، وإذا عطف بالواو، أو ثم قال: أنت طالق وبائن، أو ثم بائن ولم ينو شيئاً لزمه واحدة رجعية، وإن نوى أكثر لزمه ما نوى، أما إذا عطف بالفاء، قال: أنت طالق فبائن فإنه يلزمه طلقتان وإن لم ينو، والفرق أن الفاء للتعقيب بلا مهلة، والبينونة التي تعقب الطلاق بلا مهلة تجعله بائناً، فكأنه قال لها: أنت طالق بائن، بخلاف العطف بثم فإنه للتراخي، والبينونة التي يوصف بها الطلاق متراخياً تلغى، أما العطف بالواو فإنه يحتمل الأمرين: التعقيب، والتراخي، فيحمل على التراخي، وإذا قال لها: أنت طالق طلقة تملك بها نفسك لزمه طلاق بائن لأنها لا تملك نفسها إلا بالبائن، وإذا قال لها: أنت طالق أكثر الطلاق وكثيره فإنه يلزمه الثلاث، ولو قال: إنه أراد اثنتين لا يسمع منه لا قضاء ولا ديانة، لأن أكثر الطلاق وكثيره ثلاث على الراجح، مثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق بالثمانين، أو ألف طلقة، أو ألوفاً، أو مراراً، فإنه يلزمه بذلك الثلاث، وإذا قال لها: أنت طالق لا قليل ولا كثير لزمه ثلاث، وذلك لأن قوله: لا قليل معناه الكثير، فتقع الثلاث، وقوله بعد ذلك ولا كثير لا قيمة له، وقيل يلزمه ثنتان، لأن كثير الطلاق ثنتان، والقولان مرجحان، فلو عكس وقال لها: أنت طالق لا كثير ولا قليل يلزمه واحدة، لأن
نفي الكثير يصدق بالقليل، وهو الواحدة، فقوله بعد ذلك ولا قليل ملغى، لأنه لا يملك نفي الواقع، وقيل يقع ثنتان، لأنه نفى الكثير والقليل فلزمه ما بينهما، وهو الاثنتان، لأنهما وسط، فلا يقال لهما كثير ولا يقال لهما قليل.
وإذا شبه بالعدد فيما لا عدد له تلزمه واحدة رجعية، فإذا قال لها: أنت طالق عدد التراب. أو عدد الشمس، أو عدد شعر بطن كفي، أو عدد ما في هذا الحوض من السمك، ولا سمك فيه، فإنه يلزمه واحدة رجعية بكل ذلك، أما إذا شبه بما له عدد، كشعر يده أو ساقه فإنه يلزمه الثلاث ما لم يكن المشبه به أقل، وإذا قال لها: أنت طالق عدد الرمل يلزمه ثلاث، والفرق بين الرمل والتراب أن التراب اسم جنس إفرادي يصدق على الكثير والقليل، كالماء والعسل أما الرمل فإنه اسم جنس جمعي لا يصدق على أقل من ثلاثة، ويفرق بينه وبين مفرده بالتاء كتمر وتمرة، ورمل ورملة، ومثل ذلك ما إذا أضافه إلى عدد مجهول، كقوله: أنت طالق كشعر إبليس فإنه يلزمه به واحدة.
خاتمة: إذا قال لها: لست لك بزوج أو لست لي بامرأة، فقيل: إنه كناية يقع به الطلاق بالنية،وقيل: لا يقع به شيء لأنه ليس من ألفاظ الكنايات، على أن القائل بوقوع الطلاق بها يقول: إنه رجعي لا بائن.
المالكية - قالوا: إذا وصف الطلاق بصفة لا تشعر بالشدة، كما إذا قال لها: أنت طالق أجمل الطلاق، أو أحسنه، أو خيره. أو نحو ذلك لزمته واحدة، إلا أن ينو أكثر فإنه يلزمه ما نواه أما إذا وصفه بصفة أفعل كقوله: أنت طالق شر الطلاق، أو أسمجه، أو أشده، أو أقذره أو أنتنه، أو أكثره فإنه يلزمه ثلاث طلقات منجزة، سواء دخل بها أو لم يدخل وإذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً للسنة لزمه الثلاث في المدخول بها باتفاق، وفي غير المدخول بها قيل: تلزمه واحدة، وقيل: بل الثلاث، وهو الراجح.
وإذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً للبدعة أو بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة لزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها، أما إذا قال لها: أنت طالق واحدة للبدعة، أو واحدة للسنة أو قال: واحدة لا للبدعة ولا للسنة، فإنه يلزمه واحدة ومثل ذلك ما إذا قال: أنت طالق للسنة أو للبدعة ولم يقيد بواحدة فإنه يلزمه واحدة ما لم ينو أكثر في كل هذا فإنه يعمل بما نواه.
وإذا شبه الطلاق بشيء كبير، أو عظيم، كما إذا قال: أنت طالق واحدة كالجبل، أو الجمل، أو القصر، ولم ينو بها أكثر، فإنه يلزمه واحدة. الشافعية - قالوا: إذا وصف الطلاق بصفة، سواء كانت على وزان أفعل أو لا، إلا ما نتق به أو نواه. فلو قال: أنت طالق طلقة واحدة. أو طلقة كبيرة، أو عظيمة، أو أعظم الطلاق، أو أكبره، أو أطوله، أو أعرضه، أو أشده، أو ملء الجبل أو ملء السماء والأرض فإنه يقع به واحدة ما لم ينو أكثر، فيلزمه ما نواه.
وإذا قال لها: أنت طالق أقل من طلقتين وأكثر من واحدة لزمه ثنتان. أما إذا قال لها: أنت طالق لا كثير ولا قليل لزمه واحدة، أما إذا قال لها: أنت طالق لا أقل الطلاق ولا أكثره فإنه يلزمه الثلاث، لأن قوله، لا أقل الطلاق معناه أكثره، وهو الثلاث فقوله بعد ذلك ولا أكثره لغو، لأنه لا يملك رفعه بعد وقوعه، وإذا نوى بقوله: لا أقل الطلاق ثنتان لزمه ثنتان وإذا قال لها: أنت طالق طلاق السنة أو طلقة حسنة، أو أحسن الطلاق أو أجمله، أو أنت طالق طلاق البدعة، أو طلقة قبيحة، أو أقبح الطلاق أو أفحشه، فإن أراد طلاق السنة بالأوصاف الحسنة، والطلاق البدعة بالوصاف القبيحة، ينظر إن كانت المرأة في طهر لا وطء فيه طلقت بالأوصاف الحسنة حالاً، لأنها متصفة بحالة السنة، وإن كانت حائضاً، أو في طهر جامعها فيه تطلق بالأوصاف القبيحة حالاً، وإلا طلقت عند تحقق الوصف، فإن كانت في طهر لم يجامعها فيه، وقال لها: أنت طالق للبدعة لا تطلق حتى تحيض، وإلا طلقت حالاً، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق للسنة، وكانت حائضاً فإنها لا تطلق حتى تطهر ولم يجامعها في ذلك الطهر.
أما إذا نوى وصف الطلاق بالحسن لأن امرأته قبيحة لا يصح معاشرتها، فطلاقها حسن جميل، ولكنها كانت حائضاً وقع الطلاق في الحال وكذا إذا نوى وصفه بالقبح لأن امرأته حسنة الخلق وطلاقها قبيح، فإنه يقع في الحال ولو كانت في طهر لم يجامعها فيه، فلا تنتظر الحيض حتى يكون طلاقها قبيحاً. هذا كله إذا كانت المرأة ممن يتف طلاقها بالسنة أو البدعة، فإن كانت غير مدخول بها لا يتصف طلاقها بسني ولا بدعي، كما تقدم فإن طلاقها الموصوف بهذه الصفات يقع في الحال.
وإذا شبه الطلاق بعدد وقع بقدر هذا العدد، فلو قال لها أنت طالق كألف طلقة لزمه الثلاث وكذا إذا قال لها: أنت طالق عدد الرمل بخلاف أنت طالق عدد التراب فإنه يقع به واحدة كما يقول الحنفية، وإذا قال لها: أنت كمائة طالق، لزمه واحدة لأنه شبهها بمائة امرأة طالق، ولم يشبه طلاقها بمائة طلقة بخلاف ما إذا قال لها: أنت مائة طالق، فإنه يلزمه الثلاث كما يلزمه بقوله: أنت طالق مائة مرة، أو بالثمانين، وإذا قال لها: أنت طالق بعدد شعر إبليس لزمه طلاق واحد لأن شعر إبليس غير معلوم فيلغى العدد، وإذا قال لها: أنت طالق عدد ما لاح بارق أو عدد ما مشى الكلب حافياً، أو عدد ما حرك الكلب ذنبه لزمه الثلاث.
خاتمة إذا قال لها: أنت طالق كما حللت حرمت لزمه طلقة واحدة، وإذا قال لها: علي الطلاق الثلاث إن رحت دار أبيك فأنت طالق فقيل: يقع واحدة، وقيل يقع به ثلاث، والأول أظهر، لأن أول الصيغة ليس بيمين، فلا يقع به شيء.
الحنابلة - قالوا: إذا وصف الطلاق بصفة حسنة، كقوله: أنت طالق طلقة فاضلة، أو عادلة أو كاملة، أو جميلة، أو قال لها: أنت طالق أحسن الطلاق، أو أجمله، أو أقربه، أو أعدله، أو أكمله، أو أفضله، أو أتمه، فإنه يحمل كل ذلك على الطلاق السني، بمعنى أنها إن كانت في طهر لم يجامعها فيه وقع عليه الطلاق في الحال، لأنه هو الطلاق الحسن الجميل وإلا بأن كانت حائضاً أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، فإنها لا تطلق إلا إذا حاضت وطهرت طهراً لم يجمعها فيه إلا إذا نوى أن يقول لها: إن أحسن أحوالك هي أن تكوني مطلقة فإنه يقع في الحال وإذا ادعى أنه أراد وصف طلاقها بالحسن لقبيح معاشرتها، بمعنى إن كانت قبيحة المعاشرة كان طلاقها حسناً جميلاً لم يقبل قوله إلا بقرينة لأنه خلاف الظاهر.
وعلى عكس ذلك إذا وصف طلاقها بصفة قبيحة، كما إذا قال لها: أنت طالق أسمج الطلاق أو أردأه، أو أنتنه، ونحو ذلك طلقت للبدعة بمعنى أنها إن كانت حائضاً، أو نفساء أو كانت في طهر جامعها فيه فإنها تطلق حالاً، وإلا طلقت عند الحيض أو الطهر الذي جامعها فيه، وأما إذا نوى أن يصف حالها بالقبح، بمعنى أن أقبح أحوالها هي الحالة التي تطلق فيها فإنها تطلق في الحال أما إذا نوى أن يصف طلاقها بالقبح لحسن معاشرتها، فكأنه يقول لها: إن طلاقك قبيح لحسن معاشرتك فإنه لا يصدق إلا بالقرينة، كما ذكر أولاً.
هذا كله إذا كانت مدخولاً بها غير حامل، وإلا طلقت في الحال، وإذا قال لزوجته: أنت طالق واحدة بائنة، أو واحدة بتة وقعت واحدة رجعية لأنه وصف الواحدة بغير وصفها، فألغي الوصف.
وإذا قال لها: أنت طالق كل الطلاق، أو أكثر بالثاء أو أنت طالق جميعه، أو منتهاه، أو غايته لزمه الثلاث وإن نوى واحدة، وكذا إذا قال لها: أنت مائة طالق أو يا مائة طالق، فإنه يلزمه الثلاث، ومثل ذلك ما إذا شبه الطلاق بشيء يتعدد كعدد الحصى أو التراب أو الرمل أو القطر، أو الريح، أو الماء، أو النجوم، أو الجبال، أو السفن، أو البلاد فإنها تطلق في كل ذلك ثلاثاً، وكذا إذا قال لها: أنت طالق كألف، أو كمائة، فإن نوى التشبيه في الشدة لا في العدد يسمع منه قضاء.
وإذا قال: أنت طالق أشد الطلاق أو أغلظه، أو أكبره، أو أطوله، أو أعرضه، أو ملء الدنيا، أو ملء البيت أو مثل الجبل أو مثل عظم الجبل، فإنه يقع بكل هذا واحدة رجعية ما لم ينو أكثر) .
(2) (الحنفية - قالوا: للرجل أن ينيب عنه امرأته في تطليق نفسها منه. كما له أن ينيب عنه غيرها، في الطلاق على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: الرسالة، وهو أن يرسل لها رسولاً يخبرها بأن زوجها يقول لها: اختاري، فالرسول ينقل عبارة الزوج إلى المرأة، فلم ينشئ عبارة من نفسه، فإذا نقل لها الرسول ذلك واختارت نفسها بالشرائط الآتية طلقت منه.
الوجه الثاني: التوكيل، وهو أن يقيم الزوج غيره مقام نفسه في تطليق امرأته، سواء كانت المرأة نفسها. أو غيرها إلا أن المرأة لا يمكن أن تكون وكيله، لأن الوكيل يعمل عملاً للغير، أما المرأة، فإنها تطلق نفسها فلا يعمل لغيرها، وعلى هذا يكون توكيلها تفويضاً، ولو صرح بالتوكيل كما سيأتي توضيحه قريباً، والفرق بين الرسول والوكيل أن الرسول ينقل عبارة الزوج ولا ينشئ عبارة من نفسه، أما الوكيل فإنه يعبر بعبارته فلم ينقل عبارة موكله.
الوجه الثالث: التفويض، وهو تمليك الغير الطلاق، ويفرق بين الوكالة والتفويض، بأن المفوض مالك يعمل بمشيئته، بخلاف الوكيل فإنه يعمل لمشيئته موكله، ويختلف كل من التوكيل والتفويض في عدة أحكام، منها أن الزوج المفوض لا يملك الرجوع بعد التفويض فإذا قال لامرأته: طلقي نفسك فإنها تملك الطلاق بمجرد قوله هذا، ولو لم تقل: قبلت، وليس له أن يقول: قد رجعت أو قد عزلتك بخلاف التوكيل، فإن له أن يعزل وكيله، فإذا قال لشخص أجنبي: طلق امرأتي فإن له أن يقول بعد ذلك: عزلتك، لأن هذه العبارة توكيل، وله أن يبطل توكيله بوطء زوجته، ومنها أن التفويض لا يبطل بجنون الزوج، بخلاف التوكيل، ومنها أنه لا يشترط في المفوض إليه أن يكون عاقلاً، فإذا فوض لامرأته المجنونة أو فوض لصغير لا يعقل وطلق امرأته أو طلقت نفسها وقع الطلاق بخلاف الوكيل فإنه يشترط فيه أن يكون عاقلاً من أول الأمر، والفرق بين الحالتين أنه في الحالة الأولى قد ملك الزوج الطلاق الذي له إيقاعه للمجنون، فالمجنون أوقع ما أعطاه إياه، نعم إذا فوض الطلاق إلى عاقل ثم جن فإن التفويض يبطل، لأنه ملكه وهو عاقل، ومنها أن التفويض يتقيد بالمجلس، فإذا قام المفوض إليه من المجلس قبل أن يطلق أو يختار بطل التفويض، كما سيأتي قريباً.
ثم إن التفويض ينقسم إلى قسمين: صريح، وكناية، وألفاظ الصريح، كأن يقول لزوجته: طلقي نفسك، أو يقول لها طلقي نفسك إذا شئت أو متى شئت، أو نحو ذلك، فلذلك تفويض الطلاق إلى المرأة تملك به تطليق نفسها في المجلس، حتى ولو قال لها: وكلتك في تطليق نفسك، فإن هذا وإن كان قد صرح فيه بلفظ التوكيل، ولكن المرأة في هذه الحالة لا تنطبق عليها الوكالة لأن الوكيل يعمل لغيره، وهي تطلق نفسها، فلا تعمل لغيرها، فكلمة الوكالة لا تخرج العبارة عن التفويض، ومثل ذلك ما إذا قال لغير امرأته، طلق امرأتي متى شئت، أو إذا ما شئت، أو إذا شئت وكذا إذا قال لامرأته: طلقي ضرتك إذا شئت، أو متى شئت الخ أما إذا قال للأجنبي: طلق امرأتي أو قال لامرأته طلقي ضرتك، ولم يقيد ذلك بالمشيئة، فإنه يكون توكيلاً لا تفويضاً. أما الكناية فهي لفظان، أحدهما أن يقول: اختاري. ثانيهما: أن يقول: أمرك بيدك.
ومن هذا يتبين أن ألفاظ التفويض ثلاثة: أحدها الصريح، سواء كان مقيداً بالمشيئة أو لا. ثانيها: اختاري. ثالثها: أمرك بيدك، وهما كناية لا يقع بهما الطلاق إلا بثلاثة شروط:
أحدها: أن ينوي الزوج بها الطلاق.
ثانيها: أن تنوي الزوجة كذلك.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #252  
قديم 21-06-2022, 05:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب الطلاق]
صـــــ 322 الى صــــــــ
341
الحلقة (209)



ثالثها: أن تضيف الطلاق إلى نفسها وإلى زوجها، كما تقدم في مبحث إضافة الطلاق، على أن دعوى عدم النية لا تسمع من الزوج قضاء إذا كانا في حالة غضب، أو حالة مذاكرة الطلاق، ولكن ينفعه ذلك بينه وبين الله.
ويشترط لصحة التفويض بألفاظه الثلاثة أن لا يقع التطليق به في المجلس، فإذا شافهها بقوله: طلقي نفسك لزمها أن تطلق نفسها في المجلس الذي شافهها وهي جالسة فيه وكذا إذا علمت بأنه فوض إليها الطلاق وهي غائبة، فإنها يلزمها أن تطلق نفسها في المجلس الذي علمت فيه بحيث لو انتقلت منه يبطل التفويض، ومثل ذلك ما إذا فوض إلى غير الزوجة فإنه يلزمه أن تطلق في المجلس. ولا يشترط أن تطلق نفسها فوراً، بل لو مكثت في مكانها يوماً أو أكثر بدون أن تتحول منه فإن لها ذلك، وكذا لا يشترط حضور الزوج المفوض، إنما الشرط أن لا تتحول عن مكانها الموجودة فيه، وأن لا تعمل عملاً يدل على الاعراض عن تطليق نفسها. فإن تحولت عن المجلس بالانتقال إلى مكان آخر بطل التفويض، وكذا إن عملت عملاً يدل على الانصراف عن ذلك، وإن لم تتحول من مكانها وذلك كما إذا كانت جالسة فقامت، أو تكلمت بكلام أجنبي يدل على انصرافها عن الموضوع، أو شرعت في خياطة ثوبها مثلاً، أو عملت عملاً يفيد الإعراض، أما إذا عملت عملاً لا يدل على الإعراض والانصراف، كأن لبست ثوباً، أو شربت ماء، أو كانت قائمة فجلست، أو كانت قاعدة فاتكأت، أو نامت وهي قاعدة أو استدعت والدها للمشورة، أو استدعت الشهود فإن كل ذلك لا يبطل به التفويض، لأنه لا يدل على إعراضها.
وإذا كانت في سفينة جارية وفوض لها طلاقها فإن انتقال السفينة من مكانها لا يضرها لأنها كالمنزل بالنسبة لها، إنما الذي يبطل تفويضها أن تقوم هي من مكانها أو تعمل ما يدل على الإعراض وإذا كانت راكبة دابة سائرة فأوقفتها فإنه لا يضر، وإذا كانت واقفة فسيرتها فإنه يضر، لأنها سارت باختيارها إلا إذا أجابته بمجرد سكوته من التفويض بحيث وصلت قولها: طلقت نفسي بقوله: طلقي نفسك فإنه يصح مع تسيير الدابة، وإذا كانت في محمل يقوده الجمال فإنه يعتبر كالسفينة والبيت.
هذا إذا لم يؤقت التفويض بوقت، فإذا أقته بوقت، كأن قال لها: طلقي نفسك أثناء شهرين أو نحو ذلك فإن لها أن تطلق نفسها في خلال المدة،
وإذا قال لها: طلقي نفسك متى شئت، أو متى ما شئت، أو إذا شئت، أو إذا ما شئت فإن لها أن تطلق نفسها في أي وقت شاءت، ولا يصح رجوعه على أي حال، لأنه قد ملكها الطلاق، كما تقدم.
هذا، ويتعلق بألفاظ التفويض الثلاثة المذكورة أحكام أخرى، إليك بيان ما يلزم منها:
فأما التفويض صريحاً فإنه يتعلق به أحكام، منها أنه إذا قال لزوجته: طلقي نفسك، فقالت: طلقت نفسي وقعت واحدة رجعية، سواء نوى واحدة، أو لم ينو شيئاً، وكذا إذا نوى ثنتين فإنه يقع به واحدة فقط، لما عرفت من أن الطلاق الصريح موضوع للواحدة، فلا يصلح لنية الاثنتين، نعم إذا نوى بقوله: طلقي نفسك الثلاث فطلقت نفسها لزمته الثلاث، كما تقدم في الصريح، وإذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أبنت نفسي وقع به طلاق رجعي، وذلك لأنه لما قال لها: طلقي نفسك فقد ملكها أصل الطلاق فزادت عليه وصف البينونة، فيلغي الوصف الزائد ويثبت الأصل فلا يشترط في وقوع الطلاق بقولها: أبنت نفسي أن تنوي المرأة الطلاق، كما لا يشترط إجازة الزوج الطلاق بها، وهذا بخلاف ما إذا قالت: أبنت نفسي ابتداء بدون أن يقول لها: طلقي نفسك فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوت المرأة الطلاق، وأجاز الزوج الطلاق بذلك مع نية الطلاق. أما إذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: اخترت نفسي فإنه لا يقع به شيء أصلاً، وذلك لأن قولها: اخترت نفسي ليست من ألفاظ التفويض لا صريحاً ولا كناية فيقع لغواً، نعم يكون كناية إذا قال لها: اختاري، فقالت: اخترت نفسي فإنه يقع به الطلاق البائن بشرط أن ينوي الزوج به الطلاق وتنوي الزوجة كذلك.
وإذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة وقعت واحدة، وإذا قال لها: طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثاً فإنه لا يقع به شيء على الراجح، وقيل: تقع به واحدة. وإذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت، فقالت: أنا طالق لا يقع به شيء، وذلك لأنه علق الطلاق الثلاث على مشيئتها الثلاث، ولا يمكن إيقاع الطلاق بلفظ طالق، فلم يقع به شيء، لأنه يوجد المعلق عليه، فإذا قالت أنا طالق ثلاثاً وقع الثلاث، وإذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أنا طالق وقع طلاق واحد، أما إذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أنا طالق فإنه لم يقع به شيء إلا إذا كان العرف يستعمل صيغة المضارع في الطلاق، أو نوت به إنشاء الطلاق لا الوعد بالطلاق في المستقبل.
وأما التفويض بقوله: اختاري فإنك قد عرفت أنه كناية، ولا يقع به شيء إلا إذا نوى، ثم إنه إذا نوى به ثلاثاً فإنه لا يصح، وذلك لأن معنى اختيار نفسها في هذه الحالة تخليصها من قيد الزوجية، والذي يخلصها من قيد الزوجية هي البينونة، فالبينونة هي التي يستلزمها لفظ الاختيار فهي مقتضى اللفظ، ومقتضى اللفظ لا عموم له لأنه ضروري، فيقدر بقدر الضرورة، وهي البينونة الصغرى، فلا تصح نية الكبرى لعدم احتمال اللفظ إياها، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت بائن ونوى به الثلاث فإنه يصح ويلزمه ما نواه، فإن لفظ البينونة مذكور. فلا مانع من إرادة العموم منه، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أمرك بيدك فإنه إذا نوى به الثلاث يلزمه ما نواه، كما تقدم في مبحث الكنايات.
فإذا قال لها: اختاري ونوى به الطلاق، وقالت: اخترت نفسي فإنه يقع به واحدة بائنة، لأنه كناية، وإذا قالت: أنا أختار نفسي بصيغة المضارع فإنه يقع به طلاق بائن أيضاً، وهذا بخلاف ما إذا قالت: أنا أطلق نفسي فإنه لا يقع إلا إذا نوت إنشاء الطلاق أو كان العرف يستعمله في الطلاق كما تقدم قريباً.
ويشترط في إيقاع الطلاق بلفظ اختاري أن يذكر الزوج أو المرأة أحد لفظين. إما النفس وإما الاختيارة، بأن يقول لها الزوج، اختاري نفسك، أو يقول لها: اختاري، وهي تقول: اخترت نفسي. أو يقول لها: اختاري اختيارة، فتقول: اخترت أو يقول لها اختاري، فتقول: اخترت اختيارة، وذلك لأن ذكر اختيارة يقوم مقام ذكر النفس، ومثل ذلك ما إذا قال لها: اختاري أمك، أو اختاري طلقة، فتقول: اخترت، وإذا قال لها: اختاري، فقالت اخترت أبي أو أمي، أو أهلي، أو الأزواج، فإنه يقوم مقام ذكر النفس، فيقع به البائن.
أما إذا قال لها: اختاري، فقالت: اخترت، ولم يذكر واحد منهما النفس، أو الاختيارة أو الأب، أو الأم، أو نحو ذلك من الألفاظ التي تقدمت، فإنه لا يقع به شيء، والشرط ذكر ذلك في كلام أحدهما لا في كلام الزوج خاصة، فإذا قالت: اخترت زوجي لم يقع شيء، ولو قالت: اخترت زوجي ونفسي، فإنه لا يقع أيضاً، لأن ذكر زوجها أولاً أبطل اختيار نفسها، فلو عكست قالت: اخترت نفسي وزوجي، فإنه يقع لأن ذكر نفسها أولاً أبطل اختيار زوجها وإذا قالت: اخترت نفسي أو زوجي فإنه لا يقع، لأن - أو - لأحد الشيئين فلا يدري إن كانت قد اختارت نفسها، أو زوجها، فيكون ذلك منها اشتغالاً بما لا ينبغي، فيعد إعراضاً، وإذا قال لها: اختاري نفسك، ثم قال لها: إن اخترتني أعطيك كذا من المال فاختارته بطل اختيارها ولا يلزم زوجها المال الذي جعله لها.
ويشترط في ذكر النفس أو ما يقوم مقامها من الاختيارة، أو الأب، أو الأم، أو نحو ذلك أن تكون متصلة بالاختيار، فإذا قال لها: اختاري، فقالت: اخترت، ثم سكتت زمناً، وقالت: نفسي، فإن كان ذلك في المجلس فإنه يصح، أما إذا قالت: اخترت، ثم قامت من المجلس وقالت: نفسي فإنه لا يصح ويبطل اختيارها، وإذا كرر لفظ اختاري ثلاثاً، فقال لها: اختاري، اختاري، اختاري، فقالت: اخترت، أو اخترت اختيارة يقع ثلاثاً إذا نوى بكل واحدة الطلاق، فإذا قال: إنه نوى بواحدة الطلاق، ونوى باثنتين المسكن، فإنه يصدق قضاء، بخلاف ما إذا قال: اختاري نفسك وكررها ثلاثاً، وقال: إنه لم ينو الطلاق، فإنه لا يصدق قضاء، وذلك لأن التكرار مع ذكر النفس دليل على إرادة الطلاق، ودلالة الظاهر أقوى من النية عند القاضي، فإن كان صادقاً في دعواه فإن ذلك ينفعه ديانة بينه وبين الله.
وحاصل ذلك أنه لا بد في الكناية من النية أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال أو التأكيد بالتكرار.
وإذا قال لها: اختاري نفسك، وكررها ثلاثة، فقالت: اخترت الأولى، أو الوسطى، فقيل: يلزمه ثلاث، لأنها ملكت الكل دفعة واحدة بدون ترتيب، فلم تتحقق الأولى والثانية فيلغو قولها اخترت الأولى، وقيل: يلزمه واحدة، وهو الصحيح.
وإذا قال لها: اختاري نفسك وكررها ثلاثاً، فقالت: طلقت نفسي، أو اخترت نفسي، بتطليقة، أو اخترت الطلقة الأولى، فإنها تطلق طلقة بائنة، لأنه فوض لها الطلاق البائن، فلا تملك الرجعي، بخلاف ما إذا قال لها: اختاري تطليقة، فقالت: اخترت نفسي، فإنها تطلق واحدة رجعية، لأنه فوض لها الرجعى.
هذا، وإذا أرسل إلى امرأته رجلاً فقال له خير امرأتي، وعلمت بذلك، فليس لها الخيار قبل أن يذهب إليها ويخيرها، وهذا بخلاف ما إذا قال له أخبرها بالخيار، وقبل أن يخبرها سمعت بالخبر فاختارت نفسها فإنه يصح.
وأما التفويض باللفظ الثالث، وهو الأمر باليد فإنه يقع به الطلاق البائن بالنية وتصح فيه نية الثلاث بخلاف الاختيار فإنه لا تصح فيه نية الثلاث كما تقدم. فإذا قال لزوجته: أمرك بيدك، ونوى به الثلاث، فقالت: اخترت نفسي، أو اخترت نفسي بواحدة، أو قبلت نفسي، أو اخترت أمري، أو أنت علي حرام، أو مني بائن، أو أنا منك بائن، أو طالق، فإنه يقع الثلاث التي نواها فإن لم ينو الثلاث فإنه يقع واحدة بائنة.
ويشترط في الأمر باليد ما يشترط في الاختيار من ذكر النفس أو ما يقوم مقامها، فلا بد أن تقول المرأة: اخترت نفسي، أو اخترت أمري، ولا يملك الزوج الرجوع بعد التفويض، ولا بد من اختيار نفسها في المجلس، وغير ذلك من الأحكام المتقدمة في التفويض الصريح. والتفويض بالاختيار.
ومثل قوله: أمرك بيدك، قوله أمرك بشمالك أو أنفك، أو لسانك، ولا يشترط أن تكون كبيرة بل إذا فوض لها وهي صغيرة فإنه يصح كما تقدم قريباً.
وكذا قوله: أعرتك طلاقك، أو أمرك بيد الله، أو أمري بيدك، فإن كل هذه الألفاظ مثل قوله: أمرك بيدك.
هذا، وقد تقدم أنه إذا تزوجها على أنها أمرها بيدها فإنه يصح بشرط أن تبدأ المرأة بالشرط فتقول: زوجتك نفسي على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد، فيقول الزوج قبلت، أما إذا بدأ الزوج فإنها لا تطلق.
وقد تقدم تعليل ذلك في مبحث - إذا اشترط في النكاح شرطاً - من هذا الجزء فارجع إليه.
المالكية - قالوا: للزوج أن ينيب عن الزوجة أو غيرها في الطلاق، وتنقسم النيابة في الطلاق إلى قسمين:
الأول: رسالة، وهي أن يرسل الزوج إلى امرأته رسولاً يعلمها بالطلاق، فالرسول لم يجعل له الزوج إنشاء الطلاق، وإنما جعل له إعلام الزوجة بثبوت الطلاق بعبارة الزوج نفسه فليس للرسول سوى نقل عبارة الزوج للزوجة لإعلامها بثبوت الطلاق، فنيابة الرسول نيابة بإعلام الزوجة بثبوت الطلاق، فحقيقة الرسالة هي أن يقول الزوج للرسول: بلغ زوجتي أني قد طلقتها، وفي هذه الحالة لا يتوقف طلاقها على تبليغها الرسالة، وقد تطلق الرسالة مجازاً، على ما إذا قال لشخص: طلق زوجتي.
القسم الثاني: تفويض الطلاق، وهو ثلاثة أنواع: توكيل، وتخيير، وتمليك، والفرق بين الأمور الثلاثة أن التوكيل هو جعل إنشاء الطرق للزوجة أو لغيرها مه بقاء حقه في المنع من الطلاق، ومعنى ذلك أن التوكيل لا يسلب حق الموكل في عزل الوكيل أو رجوعه عن توكيله قبل تمام الأمر الذي وكله فيه، فلو وكلها في تطليق نفسها ففعلت وقع الطلاق وليس له حق الرجوع حينئذ لأنها أتمت الفعل الذي وكلها فيه، إنما له الرجوع والعزل قبل أن تطلق نفسها.
والحاصل أن التوكيل ليس فيه جعل إنشاء الطلاق حقاً للوكيل، وإنما فيه جعل إنشاء الطلاق للوكيل نيابة عن الموكل، فللموكل عزله عن هذا متى شاء على أنه إذا وكلها بالطلاق مع تعلق حق لها به زائد على التوكيل فإنه لا يملك عزلها، مثال ذلك أن يقول لها: إن تزوجت عليك فقد جعلت أمرك بيدك وأمر من أتزوجها بيدك توكيلاً عني، ففي هذه الحالة لا يملك عزلها من التوكيل ولا عزله لأن لها حقاً فيه وهو دفع الضرر عنها، وإذا وكل الزوج عنه أجنبياً على أن يفوض للزوجة أمرها بأن قال له: وكلتك على أن تفوض لزوجتي أمرها تخييراً أو تمليكاً، أو قال له: وكلتك على أن تخير زوجتي أو تملكها أمرها، فإن ذلك يصح، وهل يكون الأجنبي في هذه الحالة وكيلاً يصح للزوج عزله أو يكون مفوضاً كالزوجة فلا يصح؟ والجواب: أنه إذا فرض للزوجة بالفعل فقد أصبحت مالكة، ولا يكون للزوج كلام، وأما إذا لم يفوض لها فإنه يكون وكيلاً يصح عزله، كما إذا وكله على طلاقها، فإن له عزله قبل أن يطلقها، فإذا طلقها، نفذ طلاقه ولا كلام للزوج، وهذا هو المعقول، لأن كونه وكيلاً في التخيير أو التمليك لغيره لا يجعله مخيراً أو مملكاً، فهو وكيل على كل حال، فمن قال: أنه يكون مالكاً للتخيير أو التمليك فلا يصح عزله فقد سهى عن كونه وكيلاً في تمليك الزوجة، فلا يكون هو مخيراً ولا مملكاً، نعم إذا خيره في عصمتها أو ملكه إياها، كأن قال له: أنت مخير في تطليق زوجتي، أو أمر عصمتها بيدها، فإنه في هذه الحالة لا يصح عزله، فإنه يكون هو المخير المملك.
هذا هو التوكيل، أما التخيير، فهو جعل الزوج إنشاء الطلاق ثلاثاً حقاً لغيره نصاً أو حكماً،يعني أن صيغة التخيير وضعها الشارع لتمليك الغير الطلاق الثلاث نصاً أو حكماً بأنه يملك إنشاء الطلاق الثلاث، فالمخيرة إذا اختارت الطلاق وجب عليها أن تطلق ثلاثاً، وإلا سقط خيارها على التفصيل الآتي.
أما التمليك، فهو عبارة عن جعل إنشاء الطلاق حقاً للغير راجحاً في الثلاث لا نصاً في الثلاث ولا حكماً، فيخص بأقل من الثلاث بالنية، فقوله: جعل إنشاء الطلاق حقاً للغير خرجت عنه الرسالة وخرج به التوكيل ليس فيه جعل إنشاء الطلاق حقاً للغير، وقوله: راجحاً في الثلاث خرج به التخيير لأن التخيير فيه جعل إنشاء الطلاق الثلاث للغير نصاً أو حكماً لا جعله راجحاً، وحاصل الفرق بين التوكيل وبين التخيير والتمليك، أن الوكيل يعمل على سبيل النيابة عن موكله، والمملك والمخير يفعلان عن نفسهما لأنهما قد ملكا ما كان الزوج يملكه، والفرق بين التخيير والتمليك أن التخيير يجعل للمخير - سواء كانت الزوجة أو غيرها - الحق في إنشاء الطلاق الثلاث وإن لم ينو الزوج بها الثلاث، أما التمليك فإنه يجعل للغير الحق في الثلاث راجحاً ولكن يخص ما دون الثلاث بالنية، فإذا ملك الزوج امرأته الطلاق فطلقت نفسها ثنتين أو ثلاثاً، وقال هو: بل نويت تمليكها واحدة فإنه يسمع منه بالشرائط الآتية: أما إذا خيرها وكانت مدخولاً بها فطلقت نفسها ثلاثاً وقال: إنني نويت واحدة أو ثنتين فلا يسمع قوله.
وحاصل الفرق أن المخيرة إذا كانت مدخولاً بها وطلقت نفسها ثلاثاً فإنه ينفذ ولا يسمع من الزوج دعوى أنه نوى أقل من ذلك. أما المملكة فإن له أن يعترض على ما زاد على الواحدة.
هذا هو المقرر المنقول عن مالك، ولكن التحقيق أن الإفتاء بذلك يتبع العرف، فإن كان العرف يستعمل التخيير في تمليك الثلاث بقطع النظر عن نية الزوج المخير عمل به، وإلا عمل بما عليه العرف، والظاهر أن المنقول عن الإمام مالك من أن التخيير للمدخول بها يملكها الثلاث بدون نية مبني على عرف زمانه، وإلا فالواقع أن التخيير ليس صريحاً في الطلاق، فهو كناية لا يلزم به شيء لغة، كما هو الحال عند الأئمة الثلاثة، ولكن المالكية يعتبرون العرف ويقدمونه على اللغة، فإذا نقل العرف لفظاً من معناه اللغوي إلى مفهوم آخر واستعمله فيه كان صريحاً فيه، وهذا هو الذي كان في عهد مالك رضي الله عنه في تخيير المرأة، أما إذا كان عرف زماننا على أنه لا يقع طلاق بالتخيير إلا بالنية، فإنه يعمل به لأن الحكم يتغير بتغير العرف.
هذا هو إيضاح الفرق بين التوكيل، والتخيير، والتمليك.
أما الصيغ التي تدل على التخيير، فهي كل لفظ يدل على أن الزوج فوض لامرأته البقاء على عصمته، أو عدم البقاء ومن ذلك أن يقول لها: اختاري نفسك، أو اختاريني أو اختاري أمرك.
وأما الصيغ التي تدل على التمليك، فهي كل لفظ يدل على أن الزوج جعل الطلاق بيد امرأته أو بيد غيرها بدون تخيير، ومن ذلك أن يقول لها: طلقي نفسك أو ملكتك أمرك، أو وليتك أمرك أو أمرك بيدك أو طلاقك بيدك أو نحو ذلك.
أما الصيغ التي تدل على التوكيل فقد ذكرت في - مباحث الوكالة - في الجزء الثالث، فارجع إليه.
وإذ قد عرفت الفرق بين الرسالة والتمليك، والتخيير، والتوكيل، وعرفت الصيغ التي تدل على كل منها، فاعلم أنه يتعلق بها أحكام بعضها مشترك بينها، وبعضها خاصة بأحدها دون الآخر، فمن الأحكام المشتركة وجوب الحيلولة بين الزوجين بعد التمليك، أو التخيير، أو التوكيل الذي يتعلق به حق الزوجة، فإذا قال لها: اختاري نفسك، أو قال لها، أمرك بيدك، أو قال لها: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك توكيلاً، ثم تزوج عليها، وجب عليه أن يعتزلها ولا يقربها حتى تجيب بما يقتضي أنها طلقت نفسها أو ردت الطلاق، وذلك لأن العصمة في هذه الحالة مشكوك في بقائها، لأن للمرأة تطلق نفسها في أي وقت، ولا يحل الاستمتاع بامرأة مشكوك في بقاء زوجيتها، ولا نفقة لها زمن الحيلولة لأنها هي السبب، فإذا ماتا في زمن الحيلولة يتوارثان، أما التوكيل الذي لم يتعلق به حق لها، كما إذا قال لها: وكلتك في طلاق نفسك فإنه لا يمنع قربانها، فلو استمتع بها بعد التوكيل، ولو مكرهة كان ذلك الاستمتاع عزلاً لها من التوكيل، حتى ولو كان الزوج قاصداً بقاءها على التوكيل.
ويصح تعليق التخيير والتمليك على أمر من الأمور، كأن بقول لها: إن جاء والدك اختاري نفسك. أو إن قدم أخوك طلقي نفسك، فإذا قال ذلك: لا يجب التفريق بينهما حتى يجيء أبوها، أو يقدم أخوها.
وكذا يصح تقييد التمليك أو التخيير بزمن، كأن بقول لها: خيرتك إلى سنة، أو خيرتك في البقاء معي أو مفارقتي إلى سنة، أو إلى أي زمن يبلغه عمرهما ظاهراً، فإن التخيير يصح، ولكن بمجرد علم الحاكم بتخييرها أو تمليكها على هذا الوجه يجب عليه أن يطلب منها الجواب بدون مهلة، فعليها أن تطلق نفسها حالاً أو ترد ما بيدها من التمليك، أو التخيير، فإن قضت فذاك وإلا أسقط الحاكم تخييرها أو تمليكها، حتى ولو رضي الزوج بالإمهال، وذلك لأن فيه حقاً لله تعالى، وهو حرمة التمادي على الاستمتاع بالمرأة المشكوك في بقاء عصمتها.
ومن الأحكام المشتركة بين التمليك والتخيير أنه يعمل فيهما بجواب المرأة، فإذا طلقت نفسها طلاقاً صريحاً أو كناية ظاهرة عمل بمقتضاهما، ومثال الصريح أن تقول: طلقت نفسي منك، أو أنا طالق منك، أو أنت طالق مني، ومثال الكناية الظاهرة أن تقول: أنا منك بتة، أو بائن، أو حرام، ويلحق بهما قولها: اخترت نفسي، أما إذا أجابت بالكناية الخفية فإنه يسقط ما بيدها، ولا يقبل منها أنها أرادت بذلك الطلاق، فإذا قالت: أنا منك مطلقة - بفتح اللام مخففة - سقط خيارها، وإنما وقع الطلاق بقولها: اخترت نفسي، مع كونه ليس من ألفاظ الطلاق الصريح ولا من ألفاظ الكناية الصريحة، لنه جعل جواباً للتخيير فيقع به الطلاق، وقد تقدم في مباحث الكنايات بيانات الكناية الظاهرة والكناية الخفية، فارجع إليه.
وإذا ردت الطلاق، كأن قالت: رددت ما ملكتني، أو لا أقبل منك تخييرك، عمل بمقتضاه من بطلان ما بيدها وبقائها زوجة، ومثل ذلك ما إذا ردت التمليك بالفعل وهو يحصل بأن تمكنه من نفسها طائعة، وإن لم يحصل وطء، فمتى مكنته من نفسها بعد أن علمت بأنه خيرها أو ملكها أمرها فإن حقها يسقط ولو كانت جاهلة بأن تمكينها يسقط حقها ومثل تمكينها ما إذا ملك أمرها لأجنبي، ومكنه منها طائعاً، بأن خلى بينه وبينها ولم يحل بينهما، فمتى فعل ذلك سقط حقه في التمليك أو التخيير، وكذا يسقط حقها إذا حدد لها زمناً، ومضى ذلك الزمن ولم يوقفها الحاكم - يلزمها بالاختيار - فإذا قال لها: اختاريني أو اختاري نفسك في هذا اليوم أو في هذا الشهر ولم يوقفها الحاكم عند علمه، ومضى ذلك الزمن المحدد ولم تختر فإن حقها يسقط.
والحاصل أنه يشترط لبقاء الخيار أمران: الأول أن لا تمكنه من نفسها باختيارها بعد علمها بالتخيير أو التمليك، فإن مكنته سقط حقها، وإن لم يطأها، ولو كانت جاهلة بأن تمكينه يسقط حقها. الثاني: أن لا يمضي الزمن الذي حدده للتخيير أن حدد له زمناً ولتحديد الزمن حالتان:
الحالة الأولى: أن يعلم الحاكم به، وفي هذه الحالة يجب على الحاكم أو من يقوم مقامه الحيلولة بينهما حتى تجيب بالتطليق أو برد التمليك أو التخيير بلا مهلة، فإن لم تفعل قضى الحاكم بإسقاط حقها كي لا تستمر الزوجية مشكوكاً فيها زمناً.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #253  
قديم 21-06-2022, 05:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب الطلاق]
صـــــ 322 الى صــــــــ
341
الحلقة (210)


الحالة الثانية: أن لا يعلم الحاكم فلا يوقفها الخ، وفي هذه الحالة يسقط اختيارها بعد مضي المدة وعلى كلتا الحالتين يجب على الزوج أن لا يقربها، إذا لا يحل الاستمتاع بامرأة مشكوك في بقاء عصمتها، وهل يسقط حقها إذا قامت من المجلس. أو لا؟ خلاف فبعضهم يقول: إذا خيرها تخييراً مطلقاً غير مقيد بالزمان أو ملكها تمليكاً مطلقاً لا يبقى خيارها أو تمليكها إلا في المجلس الذي خيرها فيه بحيث لو تفرقا بطل، على إنه إذا لم يتفرقا في المجلس ولكن مضى زمن يمكنها أن تختار فيه ولم تفعل سقط خيارها، وكذا إذا بقيا في المجلس ولكن فعلت ما يدل على الاعراض بطل خيارها، وهذا هو الراجح، وبعضهم يقول: لا يبطل تخييرها ولا تمليكها، وإن طال الزمن أو تفرقا من المجلس. ومن الأحكام المشتركة بينهما أن إذا خير زوجته وملكها، ثم أبانها بخلع أو بطلاق بائن، ثم ردها إلى عصمته ثانياً فإنه يبطل تخييرها أو تمليكها لأنها رجعت له باختيارها فأبطلت ما ملكته أولاً.
أما إذا طاقها طلقه رجعية ثم راجعها فإن تخييرها لا يبطل لأن الرجعة لا تتوقف على رضاها، ومنها أنه إذا خيرها أو ملكها، فنقلت أثاث المنزل إلى دار أبيها، فإن نقلت الأثاث الذي ينقل بعد الطلاق كان طلاقاً، وإلا فلا، إلا إذا نوت به الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بلا خلاف، وهو وإن كان فعلاً ولكن قد انضم إليه من قرينة التمليك أو التخيير ما يجعله كالصريح ومنها أنه إذا خيرها أو ملكها وأجابت بكلام يحتمل الطلاق ويحتمل البقاء في عصمته فإنها تؤمن بتفسيره ويقبل منها التفسير الذي تقرره، مثلاً إذا قال لها: اختاري فقالت: قبلت أو قالت: اخترت، أو قال لها: أمرك بيدك، فقالت: قبلت أمري أو قبلت ما ملكتني، ففي هذه الحالة تلزم ببيان غرضها، فإن قالت: أردت بقولي قبلت البقاء في عصمة زوجي أو اخترت البقاء في عصمته فإنها تبقى على عصمته، وإن قالت: أردت الطلاق، أو اخترت نفسي طلقت،وإن قالت أردت قبول التمليك أو التخيير بدون تعرض الطلاق وعدمه، بقيت على ما هي عليه من التمليك والتخيير ويحال بينهما حتى تجيب، كما تقدم، ومنها أن الزوج المخير أو المملك إذا قال: لم أرد بالتخيير أو التمليك طلاقاً أصلاً سقط حقه في الاعتراض ولزمه ما أوقعته سواء مدخولاً بها أو لا والمخيرة غير المدخول بها، لأنها هي التي له عليها حق الاعتراض كما ستعرفه بعد هذا، فإذا قال بعد ذلك إن ذلك صدر منه سهواً، وإنه يريد به أنه نوى طلقة واحدة قبل منه قوله، وعاد له حق الاعتراض على المعتمد، وقيل لا يقبل منه قوله، ويلزمه ما أوقعته، وصحح هذا القول أيضاً، ومنها أن الزوجة إذا كانت غير مدخول بها، سواء كانت مخيرة أو مملكة وخيرها الزوج تخييراً مطلقاً غير مقيد بواحدة أو ثنتين أو ثلاث، كأن قال لها: اختاري نفسك أو ملكها كذلك تمليكاً مطلقاً كأن قال لها: أمرك بيدك وطلقت
نفسها ثلاثاً فإن للزوج الملك أو المخير الحق في الاعتراض على ذلك وعدم الاعتراف بما زاد على ما نواه ويعبر عنه الفقهاء المالكية بالمناكرة، فيقولون: للزوج الحق في مناكرتها، أي في عدم الاعتراف بما فعلته من زيادة أما المدخول بها فإن كانت مخيرة فلا حق له في مناكرتها مطلقاً، وإن كانت مملكة فله الحق في مناكرتها، وهنا يفترقان في الحكم كما يأتي.
وإذا قالت: طلقت نفسي، أو طلقت زوجي ولم تقل ثلاثاً، فإنها تسأل عن غرضها، سواء كانت في المجلس، أو قامت منه، وسواء مضى زمن طويل كالشهرين، أو لا لأن جوابها يحتمل نية الثلاث ونية غيرها، فإذا قالت الثلاث أردت، فإن كانت مملكة كان له الحق في مناكرتها وعدم الاعتراف إلا بطلقة واحدة، سواء كانت مدخولاً بها أو لا، وكذا إذا كانت مخيرة غير مدخولاً بها فإن له الحق في مناكرتها كما تقدم أما إذا كانت مدخولاً بها فإنه يلزمه ما أوقعته إذ لا حق له في مناكرتها، وإذا قالت: أردت طلقة واحدة، فإن كانت مدخولاً بها مخيرة بطل تخييرها ولا يلزمه شيء، لأن التخيير معناه الإبانة، فهو قد خيرها في إبانة نفسها فاختارت عدم الإبانة والبقاء في عصمته، فبطل تخييرها ولأن المخيرة المدخول بها ليس لها أن توقع غير الثلاث فإن أوقعت أقل بطل تخييرها، وإن كانت مخيرة مدخولاً بها لزمته الواحدة التي أرادتها، وكذا إن كانت مملكه، سواء مدخولاً بها أو لا فإنه يلزمه الواحدة التي أرادتها.
وإذا قالت: لم أرد بقولي طلقت نفسي عدداً معيناً ففي ذلك خلاف، فبعضهم يقول: يحمل قولها على إرادة الثلاث، فإن كانت مخيرة مدخولاً بها لزمته الثلاث بدون مناكرة وإن كانت غير مدخول بها كان له الحق في المناكرة فإن لم يناكر لزمه الثلاث أيضاً، وإن كانت مملكة لزمه الثلاث إن لم يناكر، وله الحق في المناكرة سواء كانت مدخولاً بها أولا، وهذا هو الراجح. وبعضهم يقول يحمل على الواحدة، فإن كانت مخيرة مدخولاً بها بطل تخييرها، وإن كانت غير مدخول بها لزمته الواحدة وكذا تلزم الواحدة في المملكة مطلقاً، سواء كانت مدخولاً بها أو لا.
هذا، وإنما يكون للزوجة الحق في مناكرة المخيرة غير المدخول بها، والمملكة المدخول بها بشروط خمسة:أحدها: أن ينوي ما يدعيه من الواحدة أو الاثنتين عند تخييرها، فإن نوى واحدة له أن لا يعترف بالاثنتين وإن نوى ثنتين فله أن لا يعترف بالثالثة.
ثانيها: أن يبادر إلى دعواه بعدم الاعتراف فإن تأخر زمناً يمكنه أن يدعي فيه سقط حقه.
ثالثها: أن يحلف أنه نوى الواحدة أو الاثنتين عند التخيير، فإن نكل عن اليمين سقط حقه ولا ترد عليها اليمين.
رابعها: أن لا يكرر قوله اختاري ونحوه، فإن كرره وطلقت نفسها ثلاثاً لزمته إلا أن يقول إنه نوى بالتكرار التأكيد فإن له أن لا يعترف بأكثر مما نواه.
خامسها: أن لا يشترط التخيير أو يتبرع به الزوج في العقد فإن اشترطت عليه أن يكون لها الخيار أو يكون أمرها بيدها في العقد أو يتبرع به في العقد من تلقاء نفسه وطلقت نفسها ثلاثاً لزمته ولا حق له في عدم الاعتراف بما أوقعته أما إن تبرع لها بالتخيير أو التمليك بعد العقد فله أن لا يعترف بما أوقعته فإذا كتب في وثيقة الزواج أمرها بيدها إن تزوج عليها ولم يبين إن كان هذا صدر من الزوج في العقد باشتراطها أو تبرعه، ففي ذلك خلاف، فقيل: يحمل على أنه صدر في العقد ويلزمه الاعتراف بجميع ما أوقعته وقيل: يحمل على أنه تطوع به الزوج فله حق عدم الاعتراف. ومن الأحكام المختصة بالتخيير أنه قد اختلف فيه، فقيل: مكروه لأنه موضوع للثلاث، والطلاق الثلاث مكروه، وقيل جائز لأنه وإن كان موضوعاً للثلاث في غير المدخول بها ولكنه لم يجزم فيه بالثلاث لأن المرأة قد تختار زوجها، فالصحيح أنه جائز، أما التمليك فإن قيد بالثلاث كان مكروهاً وإلا فهو مباح اتفاقاً، ومنها أنه إذا قال لزوجته - سواء كانت مدخولاً بها أو لا - اختاري في واحدة، كان معناه اختاري المفارقة في مرة واحدة، والمفارقة في مرة واحدة تصدق بالثلاث، فيحتمل أنه أراد المفارقة في مرة واحدة، والمفارقة بالواحدة، ويحتمل أيضاً أن تكون - في - زائدة، والمعنى اختاري طلقة واحدة، فإن أوقعت ثلاثاً وادعى أنه نوى واحدة حلف اليمين على ذلك، لأن اللفظ محتمل لإرادة الثلاث، فإن حلف لزمته طلقة واحدة رجعية إذا كانت مدخولاً بها، وإن نكل لزمه ما أوقعته، ولا ترد اليمين عليها لأنها يمين تهمة، فإنه متهم على إرادة الثلاث، ويمين التهمة لا ترد في الخصم.
وكذا إذا قال لها: اختاري في أن تطلقي نفسك أو تقيمي، فقالت: اخترت ثلاثاً، وادعى أنه أراد واحدة، حلف على ذلك، فإن حلف لزمته واحدة، وإلا لزمه ما أوقعته، وذلك لأن ضد الإقامة معه مفارقته بالبينونة، فلما قال: أو تقيمي احتمل كلامه أنه لم يرد حقيقة الطلقة التي صرح بها فيحلف على ذلك، أما إذا قال لها: اختاري في أن تطلقي نفسك، ولم يقل: أو تقيمي فأوقعت ثلاثاً وادعى أنه أراد واحدة، كان القول له بدون يمينه، وكذا إذا قال لها: اختاري في طلقة، فاختارت ثلاثاً فإنه لا يلزمه إلا واحدة بدون يمين، ومن باب أولى إذا قال لها: اختاري طلقة، فإنه لا يلزمه إلا واحدة ويبطل الزائد، أما إذا قال لها: اختاري تطليقتين فاختارت واحدة، فإنه يبطل ما قضت به، فلا تلزمه الواحدة لأنه خيرها في ثنتين، ولكن لا يبطل خيارها، فلها أن تختار بعد ذلك ثنتين أو تختار زوجها، وهذا بخلاف التمليك، فإنه إذا قال لها: ملكتك طلقتين أو ثلاثاً فقضت بواحدة لزمته واحدة، وإذا قال لها: اختاري من تطليقتين فاختارت أكثر فلا يلزمه إلا واحدة، ومنها أنه إذا خيرها تخييراً مطلقاً فاختارت واحدة بطل تخييرها إن كانت مدخولاً بها، كما تقدم قريباً، وهذا هو المشهور، وبعضهم يقول: إنه لا يبطل تخييرها ومثل ذلك ما إذا ملكها بشرط العدد، كأن قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة أو ثنتين، فإن فيه خلافاً، فقيل: يبطل تمليكها، وقيل: لا يبطل تمليكها وإنما يبطل ما أوقعته، ولها أن تطلق نفسها ثلاثاً وهذا هو الراجح عكس الأول.
الشافعية - قالوا: للرجل أن يفوض الطلاق لزوجته: ومعناه تمليكها الطلاق، كقوله لها: طلقي نفسك، ويشترط لإيقاعها الطلاق بالتفويض شرطان: أحدهما: أن يكون الطلاق منجزاً، فإذا كان معلقاً، كما إذا قال لها: إن جاء رمضان فطلقي نفسك، فإنه لا يصح ولا تملك الطلاق بذلك، ولا فرق بين أن يملكها الطلاق بلفظ صريح أو كناية، الأول كما مثلنا، الثاني كأن يقول لها: أبيني نفسك إن شئت، بشرط أن ينوي بذلك التفويض وتنوي الزوجة الطلاق، لأنه كناية ولا يقع بها شيء إلا مع النية، ومن ذلك ما إذا قال لها: اختاري نفسك، فإنه يصح أن يكون كناية عن اختيارها الطلاق، فكأنه قال لها: اختاري طلاق نفسك.
ثانيها: أن تطلق نفسها فوراً، فلو أخرته بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب، لا يقع الطلاق، وقال بعضهم: لا يضر الفصل بكلام يسير، فلو قال لها: طلقي نفسك، فقالت له: كيف أطلق نفسي؟ فقال لها: قولي: طلقت نفسي فقالت: ولا يضر ذلك الفصل على المعتمد، ومحل اشتراط الفورية إذا لم يقل: طلقي نفسك متى شئت، فإذا قال لها ذلك كان لها الحق في تطلق نفسها في أي وقت.
والتفويض للمرأة كالتوكيل، فيجوز له الرجوع عنه قبل تطليق نفسها، وإذا قال لها: طلقي نفسك بألف، فطلقت بانت منه بالألف، وإن قال لها: طلقي نفسك ونوى عدداً، ونوت هي أقل منه أو أكثر منه وقع ما اتفقا عليه من ذلك العدد، فإن قال لها: طلقي نفسك ونوى بها ثلاثاً فقالت: طلقت نفسي، ونوت ثنتين وقع الثنتان، وذلك لأن كلاً منهما نوي الثنتين، فإن الذي نوى ثلاثاً نوي الثنتين ضمناً. وإن قال لها: طلقي نفسك ونوى واحدة، ونوت ثنتين وقعت واحدة، لأنها هي التي اتفق على نيتها، وإن لم ينويا شيئاً، أو لم ينو أحدهما شيئاً وقعت طلقة واحدة.
وإن قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة وقعت الواحدة، ولها الحق في أن تطلق نفسها الثانية والثالثة على الفور ولو راجعها، وإذا قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثاً وقعت واحدة، وألغي الاثنتان، وإن قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً، فقالت: طلقت ولم تذكر عدداً ولا نوته وقع الثلاث.
وله أيضاً أن ينيب عنه غيره في تطليق زوجته، كما تقدم في مباحث الوكالة، جزء ثالث وله أيضاً أن يوكله في الخلع، ولو قدر لو كيله مالاً فخالعها على أقل منه لم تطلق، كما لو خالعها على غير الجنس الذي بينه له، وإن أطلق له التوكيل فخالعها على أقل من مهر المثل، فإنها تطلق بمهر المثل. وكذا للزوجة أن توكل عنها في الخلع، فإذا قدرت لموكلها مالاً وزاد عليه، وأضاف الخلع إليها كأن قال لها: خالعها من مالها وبوكالتها بانت بمهر المثل تدفعه هي:
أما إذا لم يصف الزيادة إليها لزمته هو لجواز أن يكون زادها من نفسه، وصح توكيل كافر ولو في خلع مسلمة، وصح للزوج أن يوكل المحجور عليه لسفه، ولو لم يأذنه وليه، بخلاف الزوجة.
الحنابلة - قالوا: للزوج أن ينيب عنه غيره في الطلاق، سواء كان النائب الزوجة أو غيرها، والنيابة في الطلاق توكيل على حال، سواء كانت بلفظ يدل على تمليك الطلاق، كقوله لها: طلقي نفسك، أو أمرك بيدك، أو كانت بلفظ التخيير، فللزوج أن يرجع عن النيابة قبل تطليق نفسها بأن يعزلها أو يعزل الأجنبي الذي أنابه، أو يعمل عملاً يدل على الرجوع، كأن يطأ زوجته، على أن لكل من ألفاظ التمليك أحكاماً تتعلق بها، فأما الأمر باليد، وهو أن يقول لها: أمرك بيدك أو يقول الأجنبي أمر زوجتي بيدك فهو كناية طاهرة، فإذا نوى بها الزوج الطلاق وقع في الحال وإن لم تقبل الزوجة، وإن لم ينو الطلاق، في الحال، بل نوى تفويض الطلاق للزوجة، فإن قبلته بلفظ الكناية، كقولها: اخترت نفسي لا يقع إلا بنية الطلاق منها، وإن قبلته بلفظ الصريح، كقولها: طلقت نفسي وقع بدون نية منها، ثم إن لفظ الأمر باليد يجعل لها الحق في أن تطلق نفسها ثلاثاً في المجلس وبعد المجلس ولو مضى زمن طويل ما لم يرجع قبل أن تطلق نفسها، فكأنه قال لها: طلقي نفسك ما شئت، وإذا قال: أردت واحدة لا يقبل منه ومثل ذلك ما إذا قال لغير الزوجة أمر زوجتي بيدك، أما إذا قال لها: طلقي ولم يقل متى شئت، فإنه يكون لها الحق في أن تطلق نفسها متى شاءت، لأنه لا يشترط فيه الفور، كما لا يشترط في قوله أمرك بيدك وهو توكيل من الزوج فله يرجع عنه بفسخه أو وطئها، كما تقدم، وتملك بذلك تطليق نفسها طلقة واحدة لا ثلاثاً عكس قوله لها: أمرك بيدك إلا أنم ينوي بذلك أكثر من واحدة، فإنه يقع ما نواه، وإذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً، فقالت: طلقت نفسي، ولم تقل ثلاثاً، لا يقع عليها الثلاث إلا إذا نوتها، كما إذا قال الزوج طلقتك، ونوى به ثلاثاً، فإن لم تنو الثلاث وقعت واحدة، أما إذا قال لها: طلاقك بيدك أو وكلتك
في الطلاق، فإنه يكون لها الحق في أن تطلق نفسها ثلاثاً، لأن ذلك بمنزلة قوله أمرك بيدك.
ويشترط في ايقاعها الطلاق أن تقول: طلقت نفسي، أو أنا منك طالق، فإن قالت وأنا طالق لم يقع. وكذا إذا قالت أنت طالق، أو أنت مني طالق، أو طلقتك فإنه لا يقع، بل لا بد من إضافة الطلاق إلى نفسها. أو إليها معاً كما يقول الحنفية.
إما إذا قال لها اختاري نفسك فليس لها إلا أن تطلق واحدة رجعية كما إذا قال لها طلقي نفسك، إلا إذا قال اختاري ماشئت، أو اختاري الطلقات إن شئت، فإنها بذلك تملك الثلاث، وكذا إذا نوى عدد اثنتين أو ثلاثاً، فإنها تملك ما نواه، وإذا نوى الزوج ثلاثاً فواحدة، أو ثنتين وقع ما طلقته دون نظر إلى نيته، وإذا كرر لفظ اختاري، فقال: اختاري اختاري، اختاري، فإن نوى به عدداً وقع ما نواه وإلا لزمته واحدة، ويشترط في إيقاع الطلاق بالاختيار شروط:
أحدها: أن ينوي الزوج به الطلاق، أو تفويض الطلاق للزوجة، فإن نوى به الطلاق وقع في الحال بدون حاجة إلى قبولها، لأنه كناية خفية، وقد نوى به الطلاق، أما إذا نوى به التفويض فإنه لا يقع إلا إذا أجابت الزوجة، فإن أجابت بالكناية كقوله اخترت نفسي لا يقع إلا بالنية وإن أجابت بالصريح كقولها طلقت نفسي وقع بدون نية منها، كما تقدم في الأمر باليد.
ثانيها: أن تطلق نفسها في المجلس، فإن تفرقا قبل اختيار نفسها بطل تخييرها.
ثالثها: أن لا يتشاغلا في المجلس بقول أو فعل أجنبي يقطع الخيار، إلا أن يجعل الزوج الخيار في زمن موسع كأن يقول لها: اختاري نفسك أسبوعاً، أو يوماً، أو شهراً، أو نحو ذلك فإنها تملك الخيار في المدة التي حددها.
ويقطع الخيار في المجلس أن يقوما معاً، أو يقوم أحدهما، أو يتكلما بكلام أجنبي يدل على الاعراض، أو كان أحدهما قائماً فركب، أو مشى، أما إن كان قائماً فقعد فإنه لا يبطل أو كانت قاعدة فاتكأت فإنه لا يبطل، وإذا كانت راكبة فسارت بطل ولا يبطل بالأكل اليسير والتسبيحات القليلة وبطلب الشهود.
وإذا جعله لها على التراخي، بأن قال لها: اختاري متى شئت، أو إذا شئت فإنه يصح) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #254  
قديم 21-06-2022, 06:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 341 الى صــــــــ
348
الحلقة (211)





مباحث الخلع
تعريفه
-الخلع - بفتح الخاء - مصدر خلع كقطع، يقال خلع الرجل ثوبه خلعاً أزاله عن بدنه ونزعه عنه ويقال: خلعت النعل خلعاً نزعته ويقال: خلع الرجل امرأته وخالعت المرأة زوجها مخالعة إذا افتدت منه. أما الخلع - بالضم - فهو مصدر سماعي، وليس اسماً للمصدر الذي هو الخلع - بالفتح - لأن اسم المصدر ما نقصت حروفه عن حروف فعله، ولا يخفى أن حروف الخلع - بالضم - مساوية لحروف فعله خلع، ومن قال: إنه اسم مصدر أراد أنه اسم للمصدر الذي هو الخلع - بالفتح - المشتق من خالع لا من خلع.
ومن هذا تعلم أن الخلع - بالفتح - هو المصدر القياسي: وأنه يستعمل لغة في إزالة الثوب، وإزالة الزوجية، وأن اسم المصدر هو الخلع - بالضم - يستعمل في الأمرين كذلك، إلا أنه خص لغة بإزالة الزوجية، وبعضهم يقول: إن الخلع - بالفتح - وهو المصدر القياسي، معناه لغة النزع، وكذلك الخلع - بالضم - وهو المصدر السماعي، أو اسم مصدر خالع، معناه في اللغة النزع أيضاً، ولكن استعمل الأخير في إزالة الزوجية مجازاً، لأن كلاً من الزوجين لباس للآخر، فإذا فعلا ما يزيل الزوجية فكأنهما نزعا ذلك اللباس عنهما، وعلى هذا يكون استعمال الخلع في إزالة الزوجية بحسب الأصل اللغوي من قبيل المجاز، وقد صار بعد ذلك حقيقة لغوية في إزالة الزوجية. والحاصل أن الخلع - بالفتح - هو مصدر خلع القياسي، ومعناه إزالة الثوب، أو نزعه حساً، أما الخلع - بالضم - فمعناه هو معنى المصدر القياسي، ولكن هل اللغة تستعمله في إزالة الزوجية المعنوية، فيكون مستعملاً بحسب أصل اللغة في الإزالة الحسية والمعنوية، ثم خص لغة بالإزالة المعنوية، كالطلاق، والاطلاق، فإنهما يستعملان، بحسب أصل اللغة في رفع القيد، سواء كان حسياً أو معنوياً، ثم خص الطلاق برفع القيد المعنوي والاطلاق برفع القيد الحسي ثم أقر الشارع المعنى الثاني، وعلى ذلك يكون استعمال الخلع - بالضم - في إزالة الزوجية المعنوية حقيقة وظاهر أن كلاً من الزوجين لباس للآخر في المعنى فالخلع يزيل هذا اللباس المعنوي. أو يقال: إن الخلع - بالضم معناه لغة النزع والإزالة الحسية فقط، ثم شبه فراق الزوجين بإزالة الثوب، والعلاقة أن كلاً منهما لباس للآخر، كما قال تعالى: {هن لباس لكم} وعلى هذا يكون استعمال الخلع - بالضم - في نزع علاقة الزوجية مجازاً لغة.
أما معناه اصطلاحاً ففيه تفصيل المذاهب (1) .
مبحث هل الخلع جائز أو ممنوع؟ وما دليل ذلك؟
-الخلع نوع من الطلاق، لأن الطلاق تارة يكون بدون عوض، وتارة يكون بعوض، والثاني هو الخلع، وقد عرفت أن الطلاق يوصف بالجواز عند الحاجة التي تقضي الفرقة بين الزوجين، وقد يوصف بالوجوب عند عجز الرجل عن الإنفاق والاتيان، وقد يوصف بالتحريم إذا ترتب عليه ظلم المرأة والأولاد، وقد يوصف بغير ذلك من الأحكام المتقدم ذكرها هناك على أن الأصل فيه المنع، وهو الكراهة عند بعضهم، والحرمة عند بعضهم ما لم تفض الضرورة إلى الفراق.
فهذا الأحكام يوصف بها الخلع كما يوصف بها الطلاق (2) ، إلا أنه يجوز الخلع في الوقت الذي لا يجوز فيه الطلاق (3) ، فيصح الخلع وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، بخلاف الطلاق.
أما الدليل على ذلك من الكتاب الكريم فقوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ، وحدود الله تعالى هي ما حده الله تعالى وفرضه على واحد من الزوجين من الحقوق وأمر كلاً منهما بالوقوف عنده وعدم مجاوزته، فمن الحقوق التي أمر بها الزوجة طاعة زوجها طاعة تامة فيما يريده من استمتاع، إلا إن ترتب عليه ضرر، ومنها إخلاص المودة له إخلاصاً تاماً، فلا يحل أن يكون جسمها معه وقلبها مع غيره، فإن وجدت عندها حالة قهرية وجب عليها أن تحارب نفسها وأن تمنعها منعاً تاماً عن كل هوى يحملها على خيانته في عرضه أو عمل ما لا يرضى عنه من التكلم مع أجنبي لا يرضى عنه أو السماح له بدخول منزله بدون إذنه أو غير ذلك، ومنها أن تقوم بكل ما يصلح الأسرة، فلا يحل لها أن ترهقه بالإنفاق فيختل نظام الأسرة وتسوء حالة المعيشة، كما لا يحل لها أن تهمل في تربية أبنائها وبناتها، أو تكون أسوة سيئة لهم.
ومنها: عدم خيانته بالمحافظة على ماله إلى غير ذلك، ومن الحقوق التي أمر بها الزوج، الإنفاق عليها، بما يناسب حاله، والمحافظة على عرضها بإعفافها، وعدم خيانتها، ونحو ذلك من الحقوق التي بيناها في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.
فإذا حدث بين الزوجين شقاق فمن السنة أن يتوسط بينهما من يستطيع التأثير عليهما من أهلهما فإن عجزوا عن الاصلاح واشتد الشقاق إلى درجة يخشى معها الخروج عن حدود الله تعالى فإنه في هذه الحالة يصح المفارقة بعوض أو بغير عوض، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: {فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها} الآية، والمراد بالحكم الرجل الصالح للحكم، وإنما كان بعث الحكمين من الأهل، لأن الأهل لهم تأثير على النفوس أكثر من الأجانب لاطلاعهم على بواطن الأمور ومعرفتهم بالأساليب التي تصلح النفوس، على أن أسباب الشقاق قد تكون باطنية، فلا يستطع الزوجان إفشاءها أمام الأجانب، فحكمة اختيار الحكمين من الأهل ظاهرة، وهل للحكمين الحق في التطليق إذا اقتضت المصلحة؟ الجواب: نعم (4) وهل يصح للرجل أن يعامل زوجته بالقسوة حتى تكره معاشرته وتفتدي منه بالمال، وإذا افتدت منه بالمال فراراً من معاشرته القاسية فهل يصح الخلع ويكون له الحق في أخذ المثل؟ في الجواب عن ذلك تفصيل المذاهب (5) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: الخلع هو إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبول المرأة بلفظ الخلع أو ما في معناه، فقوله إزالة ملك النكاح خرج به أمور ثلاثة:
الأول: إذا خالعها في العدة بعد إبانتها فإن الخلع لا يصح، وذلك لأن ملك النكاح قد زال بإبانتها فلو خالعها بمال ثم خالعها في العدة بمال آخر فإن الخلع الثاني لا يصح، نعم إذا خالعها بمال ثم طلقها في العدة على مال فإنه يقع الثاني والفرق بين الحالتين أنه في الحالة الثانية طلقها طلاقاً صريحاً على مال، والطلاق الصريح يلحق البائن وهو الخلع. سواء كان الصريح رجعياً، أو بائناً أما في الحالة الأولى فإنه خالعها
ثانياً. والخلع ليس صريحاً، فلا يلحق الخلع البائن: على أنه إذا طلقها على مال بعد أن خالعها على مال فإن المال الثاني لا يجب عليها، وذلك لأن الغرض من دفع المال إنما هو ملك نفسها به، وقد ملكت نفسها بالخلع الأول فيكون طلاقاً صريحاً بائناً في العدة فقط، فيلحق الخلع الذي هو طلاق بائن، أما إذا طلقها طلاقاً رجعياً ثم خالعها في العدة على مال فإن الخلع يصح ويلزم المال، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح، ولا تملك المرأة به نفسها مادامت في العدة.
والحاصل أن الطلاق الصريح يلحق البائن بشرط العدة، سواء كان الصريح بائناً، أو رجعياً أما الطلاق غير الصريح، وهو ما كان بالكنايات فإنه ينقسم إلى قسمين: ما هو في حكم الصريح وهي الألفاظ الثلاثة التي تقدمت، كاعتدي الخ. فإنه يقع بها واحدة رجعية، وهذه تلحق البائن، ومنها ما ليس كذلك، وهي باقي الكنايات، فإنه يقع بها البائن، وهذه تلحق الصريح، ولا تلحق الخلع البائن، فإذا خالع زوجته على مال ثم طلقها وهي في العدة بالكناية، فإن كانت من الكنايات التي تقع بها واحدة رجعية فإنها تكون كالصريح فتلحق بالخلع ما دامت في العدة، وإن كانت من الكنايات التي يقع بها البائن، فإنها لا تلحق بالخلع.
الأمر الثاني: المرتدة إذا خالعها زوجها وهي مرتدة فإن الخلع لا يصح، لأن الردة أزالت ملك النكاح، والخلع هو إزالة الملك، فلم يتحقق معناه، فإذا خالعته على مهرها لم يسقط المهر، ويبقى له ولاية الجبر على الزواج.
الأمر الثالث: النكاح الفاسد، فإذا نكح امرأة نكاحاً فاسداً ووطئها، فإن المهر يتقرر لها بالوطء، كما تقدم، فإذا خالعته على مهرها فإن الخلع لا يصح، ولكن في هذه المسألة خلاف، فبعضهم يقول: إن مهرها يسقط بالخلع فلا حق لها فيه بعد ذلك، وبعضهم يقول لا يسقط لأن الخلع فاسد. إذ هو إزالة ملك النكاح، والعقد الفاسد لا يترتب عليه ملك النكاح، فلا يسقط مهرها، وهذا هو الظاهر المعقول.
وقوله: المتوقفة على قبول المرأة، معناه أن إزالة ملك النكاح بالخلع متوقفة على قبول المرأة في المجلس الذي شافهها فيه بالخلع، أو في المجلس الذي علمت فيه بالخلع إن خالعها وهي غائبة، فإن لم تقبل فإن الخلع لا يزيل ملك النكاح ولكن هذا مشروط بأحد أمرين:
الأول: أن يذكر المال صريحاً، بأن يقول لها: خالعتك على مائة ريال مثلاً. أو على صداقك. فإذا لم تقل: قبلت فإنه لا يقع به الطلاق، وإن نوى به الطلاق، وذلك لأنه علق طلاقها على قبول دفع المال، فإذا لم تقبل لم يحصل المعلق عليه، فلا يقع شيء.
الثاني: أن يذكر لفظاً يتضمن المال، وهو أن يقول لها: خالعتك، أو اختلعي، أو اخلعي نفسك، فإنه في هذه الحالة لا يقع شيء، إن لم تقبل، لأنه وإن لم يذكر المال، ولكن صيغة المفاعلة تتضمن ذكر المال، أو إذا قال لها: خلعتك ولم يذكر العوض فإنه يقع به الطلاق البائن، سواء قبلت، أو لم تقبل لأنه لا يتضمن ذكر المال، فإذا قال: خلعتك على عشرين جنيهاً مثلاً، وقبلت وقع الطلاق البائن ولزمها البدل.
وبعضهم يقول: إنه لا فرق في ذلك بين خالعتك، أو اختلعي، وبين خلعتك، في إيقاع الطلاق بهما بدون ذكر المال فإذا لم يذكر مالاً وقع بهما الطلاق البائن، وإن لم تقبل، ولكن يفرق بينهما بأنه إذ قال لها: خلعتك ولم يذكر مالاً، وقالت لها: قبلت وقع الطلاق ولا يلزمها شيء، أما إذا قال لها: خالعتك ولم يذكر مالاً وقبلت سقط حقها في المهر ونحوه من الحقوق التي تسقط بدون نص، كما يأتي.
وهل يشترط في إيقاع الطلاق بالألفاظ المشتقة من الخلع أن ينوي بها الطلاق، أو لا يشترط؟ والجواب: أنه إذا ذكر المال قامت قرينة على إرادة الطلاق، كما إذا كان في حالة غضب، أو سؤالها الطلاق، فإنه لا يشترط النية في ألفاظ الخلع، سواء كانت بهذا اللفظ، أو بغيره من الألفاظ الآتية باتفاق، فإذا ادعى بعد ذلك أنه لا يريد الطلاق وإنما يريد خلعها من ثيابها مثلاً، فإنه لا يسمع منه قضاء ولكن ينفعه ذلك ديانة بينه وبين الله، ولا يحل للمرأة أن تقيم معه. لأنها كالقاضي لا إطلاع لها على ما في نيته، أما إذا لم يذكر المال، أو لم يكن في حالة غضب ونحوها، فإنه ينظر إلى اللفظ الذي خالعها به، فإن كان العرف يستعمله في الطلاق بدون عوض واشتهر استعماله في ذلك كان طلاقاً صريحاً، وإلا كان كناية لا بد فيه من النية، والحنفية قالوا: إن ألفاظ الخلع خمسة:
أحدها: ما اشتق من الخلع. وهي كأن يقول لها: خالعتك، اختلعي، اخلعي نفسك، اخلعتك ولهذا قالوا: إنه يقع به الخلع بدون نية، لأن العرف يستعمله في الطلاق كثيراً فأصبح كالصريح فإذا قال لامرأته: خالعتك وذكر مالاً فالأمر ظاهر، وإذا لم يذكر مالاً فإنه يقع به الطلاق نوى أو لم ينو، قبلت أو لم تقبل. ومثل خالعتك باقي الألفاظ المذكورة على التحقيق، ولكنها إذا قبلت في قوله: خالعتك، أو اختلعي سقط به حقها في المهر، فإذا قال لها: اختلعي نفسك، فقالت خلعت نفسي، ولم يذكر بدلاً لا هو ولا هي وقع الخلع وسقط حقها. وبعضهم يرى أنها تطلق بلا بدل وبه أخذ كثير من العلماء، وإذا كانت العلة في إيقاع الطلاق بلفظ خلعتك ونحوه بدون نية هو استعمال العرف فإن عرف زماننا غير ذلك، بل المتعارف فيه استعماله في اسقاط الحقوق، فأما أن يذكر البدل إلى جانبه فتقول: خالعني على كذا أو يقول هو: خالعتك على كذا، وإما أن لا يذكر، فإذا لم يذكر البدل كان الغرض منه اسقاط مالها من مهر ونحوه، وعلى هذا لا يقع به طلاق عند عدم ذكر المال إلا بالنية.
ثانيها: لفظ بارأتك، فإذا قال لها: بارأتك على عشرين جنيهاً وقبلت وقع طلاق بائن ولزمها العشرون وسقط مهرها باتفاق، وإذا لم تقبل لم يقع طلاق ولم يلزمها شيء باتفاق، أما إذا لم يذكر البدل بل قال لها: بارأتك، فإذا قالت: قبلت وقع الطلاق البائن وسقط حقها في المهر ونحوه وكذا إذا قالت له: بارئني، فقال: بارأتك، وهل يتوقف إيقاع الطلاق بهذه على النية أو لا؟ والجواب: أنها إذا كثر استعمالها في الطلاق، كالخلع، يقع بها الطلاق بدون نية، على أن عرف زماننا لم يستعمل بارأتك في الخلع، وإنما المستعمل أن يقول لها: أبريني وأنا أطلقك، فتقول له أبرأتك، فيقول لها: طلقتك على ذلك، وهذا يقع به طلاق بائن، لأنه وإن كان صريحاً ولكنه على مال فيسقط حقها، أما إذا قال لها: بارأتك ولم يذكر مالاً فقالت قبلت، فإنه لا يقع به الطلاق البائن إلا بالنية، فإذا قال لم أنو طلاقها يسمع منه قضاء إلا إذا كان في حالة غضب أو مذاكرة الطلاق، لأنه كناية بلا كلام، ومتى قال: نويت الطلاق سقطت حقوقها التي تسقط بالخلع، وإذا قالت له أبرأتك من حقوقي كلها، فقال لها: طلقتك على ذلك وقع الطلاق بائناً، وإن كان صريحاً لأنه طلاق على عوض كما قلنا، وفي هذه الحالة تسقط نفقة عدتها.
ثالثها: لفظ باينتك، فإنه موضوع للخلع، فإن لم يذكر مالاً وقبلت سقطت حقوقها في المهر متى نوى الطلاق، وإن لم تقبل ونوى به الطلاق طلقت وإلا فلا لأن المباينة لا يقع بها الطلاق إلا بالنية أما إذا قال لها: باينتك على عشرين ريالاً ولم تقبل لا يقع به الطلاق قولاً واحداً ولا يلزمها البدل لأنه علق إبانتها على المال، كما قلنا.
رابعها: لفظ فارقتك، فإنه إذا ذكر مالاً فقال: فارقتك على مائة وقبلت بانت منه ولزمتها المائة وسقطت حقوقها الآتي بيانها من مهر ونحوه وإن لم تقبل لا يقع طلاق ولا يلزمها مال وإن لم يذكر مالاً فإن قبلت منه سقطت حقوقها التي تسقط بالخلع إن نوى به الطلاق أو قامت قرينة على إرادة الطلاق: وإن لم تقبل. فإن نوى به الطلاق لزمه طلاق بائن لأنه كناية، وإلا فلا يلزمه شيء.
خامسها: لفظ الطلاق على مال فإذا قال لها: طلقي نفسك على عشرين جنيهاً، فقالت: قبلت أو طلقت نفسي على ذلك وقع الطلاق بائناً ولزمها العشرون، وهل يسقط ذلك حقها في المهر زيادة على العشرين التي دفعتها؟ الصحيح أنه لا يسقط، نعم تسقط به نفقتها، سواء كانت مفروضة أو لا، فإذا كان محكوماً لها بنفقة زوجية متجمدة سقطت بالطلاق على مال، وإن لم ينص على سقوطها. وهذه بخلاف نفقة العدة، فإنه سيأتي الكلام عليها، فإذا قال لها طلقي نفسك على عشرين ولم تقبل فإنه لا يقع طلاق ويلزمه مال ولا يسقط مهرها ولا نفقتها، وإذا قال لها: طلقي نفسك ولم يذكر مالاً كان ذلك تمليكاً للطلاق لا من باب الخلع، وقد تقدم حكمه في مبحث الإنابة في الطلاق، على أن بعضهم لم يعد الطلاق على مال من الخلع لأنه لا يسقط الحقوق على المعتمد، والخلع الشرعي يسقط الحقوق، نعم يقع به البائن ويلزم به المال المنصوص فلهذا أصبح في حكم الخلع.
فهذه هي الخمسة المشهورة: وزيد عليها اثنان: أحدهما: ما اشتق من لفظ البيع فإذا قال لها: بعت نفسك بمائة جنيه، فقالت: اشتريت، أو قبلت وقع به الطلاق البائن ولزمتها المائة وسقط حقها الذي يسقط بالخلع، وإذا لم تقبل لا يقع الطلاق ولا يلزمها شيء، أما إذا قال لها: بعت نفسك ولم يذكر مالاً، فقالت: قبلت فإنه يقع بذلك الطلاق البائن ويسقط حقها الذي يسقط الخلع فإذا قال لها: بعت نفسك منك ولم يذكر مالاً ولم تقبل فإنه يقع به الطلاق البائن قضاء وإن لم ينو، وذلك لأن البيع زوال الملك، وهو لا يملك من زوجته إلا المتعة فباع ملك المتعة وهو معنى الطلاق، ومثل ذلك ديانة، ومثل ذلك ما إذا ذكر البدل، قبلت أو لم تقبل، فإنه لا تسمع منه دعوى عدم الطلاق قضاء، كما مر في نظائره، وإذا قال لها: بعتك طلقة ولم يذكر مالاً، فقالت: قبلت، لزمه طلاق رجعي، لأن عدم ذكر البدل جعله طلاقاً صريحاً فلو قال بعتك طلقة بمهرك، فقالت طلقت نفسي، ولم تقل، اشتريت وقع طلاق بائن وسقط مهرها.
ثانيهما: ما اشتق من لفظ الشراء فإذا قال لها: اشتري طلاقك بألف، فقالت: قبلت، أو اشتريت وقع طلاق بائن ولزمت الألف، هكذا كما ذكر في البيع، فيكون مجموع ألفاظ الخلع سبعة، وقد علمت حكم كل واحد منها تفصيلاً.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 22-06-2022 الساعة 12:02 AM.
رد مع اقتباس
  #255  
قديم 21-06-2022, 06:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 341 الى صــــــــ
348
الحلقة (211)



المالكية - قالوا: الخلع شرعاً هو الطلاق بعوض، وقد تقدم تعريف الطلاق، فقوله: الطلاق شمل الطلاق بأنواعه المتقدمة، وهو: الصريح، والكناية الظاهرة أو أي لفظ آخر إذا كان بنية الطلاق، فإذا قالت له زوجته: طلقني على مهري، أو على مائة ريال مثلاً، فقال: طلقتك على ذلك لزمه طلاق بائن ولزمها العوض، وكذا إذا أجابها بكناية ظاهرة من الكنايات المتقدم ذكرها، فإنه يقع الطلاق البائن ويلزمها العوض، وكذا إذا أجابها بأي لفظ ناوياً به طلاقها فإنه يلزمه طلاق بائن، ولفظ من ألفاظ الطلاق الصريح، فإذا أجابها بقوله: خالعتك، أو اختلعتك كان بمنزلة قوله لها: أنت طالق، وإذا قال لها: خالعتك، أو اختلعتك بدون ذكر عوض لزمه طلاق بائن. هذا، وقد عرفه بعضهم بأنه عقد معاوضة على البضع تملك به الزوجة نفسها ويملك به الزوج العوض، ولا يخفى أن هذا التعريف فيه بيان حسن لماهية الخلع.
الشافعية - قالوا: الخلع شرعاً هو اللفظ الدال على الفراق بين الزوجين بعوض، متوفرة فيه الشروط الآتي بيانها في شروط العوض، فكل لفظ يدل على الطلاق صريحاً كان أو كناية يكون خلعاً يقع به الطلاق البائن، وسيأتي بيان ألفاظ الطلاق في الصيغة وشروطها.
الحنابلة - قالوا: الخلع هو فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة، أما الألفاظ المخصوصة فتنقسم إلى قسمين: صريحة في الخلع، وكناية فيه. فأما الصريحة، فهي: خلعت، وفسخت، وفاديت، فهذه الألفاظ إذا استعملها الزوج المتوفرة فيه الشروط الآتية مع ذكر العوض ولو كان العوض مجهولاً وقبلته الزوجة صح الخلع، وترتب عليه الفراق وإن لم ينو الخلع لأنها صريحة في الخلع فلا تحتاج إلى نية، فإن لم يذكر العوض أو ذكره ولم تقبل الزوجة في المجلس لم يكن الخلع صحيحاً فيلغو ولا يترتب عليه شيء، وإذا ذكر العوض وقبلت الزوجة كان ذلك فسخاً بائناً تملك به الزوجة نفسها، ولكنه لم ينقص عدد الطلقات الثلاث إلا إذا نوى الزوج الطلاق لا الفسخ فإنه يكون طلاقاً ينقص عدد الطلقات الثلاث وأما الكناية في الخلع فهي ثلاثة ألفاظ أيضاً باريتك، أبنتك، ابنتك، فهذه الألفاظ الثلاثة يصح بها الخلع بالنية، أو دلالة الحال، فأما الحال فهي أن يذكر العوض وأن يكون الخلع إجابة لها عن سؤالها، فإذا قالت له: خالعني، فقال لها: خالعتك على مائة ريال مثلاً وقبلت وقع الخلع وفسخ النكاح بينهما من غير حاجة إلى نية فسخ النكاح، أما إذا لم تسأله الخلع أو لم يذكر العوض فلا يصح الخلع بها إلا بالنية من الزوجين فلو قالت له: أبرأتك ولم تذكر عوضاً ناوية به فسخ النكاح، فقال: قبلت وهو ينويه أيضاً لزم الفسخ وإلا فلا يلزم به شيء.
أما الطلاق في مقابل عوض فإنه يقع به طلاق بائن، إذا قالت له: طلقني بمائة شاة مثلاً. فقال لها: طلقتك استحق المائة وطلقت منه طلقة بائنة، بشرط أن ينوي الطلاق، وذلك لأن الطلاق في هذه الحالة يكون كناية، فإذا قالت له: خالعني، أو اخلعني بألف، فقال: طلقتك وقع طلاق رجعي، ولا يلزمها الألف، لأنه طلقها طلاقاً لم تطلبه، وكذا إذا قالت له: اخلعني ولم تذكر عوضاً، فقال لها: طلقتك فإنه يقع رجعياً، إلا إذا كان ثلاثاً فإنه لا رجعة فيه.
والحاصل أن الخلع بألفاظه المخصوصة، سواء كانت صريحة أو كناية فسخاً لا ينقص عدد الطلقات إلا إذا نوى به الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بائناً ينقص عدد الطلقات، بخلاف الطلاق على عوض بلفظ الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بائناً ينقص عدد الطلقات بشرط النية وقبول الزوجة، فإذا سألته الخلع بدون عوض، أو بعوض فاسد، فقال لها: أنت طالق وقع به طلاق رجعي، فإذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً لزمته الثلاث، مثل ذلك ما إذا سألته الخلع، أو الطلاق على مال فأجابها بكناية من كنايات الطلاق ناوياً بها الطلاق فإنه يقع طلاقاً بائناً ويلزمها العوض.
فالخلع بألفاظ الخلع صريحة كانت، أو كناية فسخ بائن، والخلع بألفاظ الطلاق صريحة كانت أو كناية طلاق بائن ينقص عدد الطلاق بشرط النية) .
(2) (الشافعية - قالوا: قالوا: الأصل في الخلع الكراهة، ويكون مستحباً إذا أساءت المرأة المعاشرة، ولا يوصف بغير ذلك، فلا يكون حراماً. ولا يكون واجباً) .
(3) (المالكية - قالوا: لا يصح الخلع في الزمن المنهي عنه، كالطلاق، كما تقدم في مبحث الطلاق البدعي) .
(4) (الحنفية، والشافعية - قالوا: ليس للحكمين حق تطليق الزوجة، لأن الولاية على الطلاق مختصة، بالأزواج أو من ينوب عنهم. والمال من حق الزوجة في الخلع، فإذا أناب الزوج الحكمين في الطلاق كان لهما ذلك على الوجه السابق في مبحث الإنابة في الطلاق) .
(5) (الحنفية - قالوا: إذا قسى الزوج على زوجته في المعاملة وضاررها لتفتدي منه حرم عليه أخذ شيء من المال، سواء كان من الصداق، أو من غيره، وإلى هذا يشير قوله تعالى: {فلا تأخذوا منه شيئاً} فإنه نهي للزوج عن أن يأخذ شيئاً من الصداق ولو كان كثيراً أما إذا أساءت الزوجة معاشرة زوجها ولم تؤد له حقوقه، أو خانته في عرضه، فله أن يأخذ عوضاً في مقابلة تطليقها بدون كراهة، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فالآية الأولى نهي للأزواج عن أن يأخذوا شيئاً من الصداق في حالتين: حالة ما إذا كان الشقاق من الزوج، وحالة ما إذا لم يخافا الوقوف عند حدود الله، والآية الثانية تبيح للأزواج أخذ العوض على الطلاق في حالة ما إذا خافا أن لا يقيما حدود الله، ومن ذلك إساءة معاشرة الزوجة ومضاررتها، فلكل آية معنى لا يعارض المعنى الآخر، فمن قال: إن الآية الثانية نسخت لا وجه له، وعلى كل حال فمتى قبلت المرأة الخلع على مال فقد لزمها المال ووقع الخلع، وأصبح البدل ملكاً للرجل، ولكن إن كان قبولها لدفع البدل مبنياً على مضاررته وإساءته معاشرتها فقد ملكه ملكاً خبيثاً، وإن كان مبنياً على نشوز الزوجة وكراهتها للرجل فإنه يملكه ملكاً حلالاً، أما إذا أكرهها الزوج على قبول الخلع، إذا كان هو المبتدي بقوله: خالعتك فقبلت مكرهة، وقع الطلاق بائناً إن كان بلفظ الخلع، ولا حق في المال، لأن الرضا شرط في وجوب المال عليها، وإن قال لها: طلقتك على
مائة، وأكرهها على القبول وقع الطلاق رجعياً، ولا حق له في المال. وحاصله أن الإكراه على القبول إن كان بلفظ الخلع يقع به البائن ويسقط العوض، وإن كان بلفظ الطلاق على مال يقع به الرجعي ويسقط العوض.
بقي شيء، وهو هل للزوج أن يأخذ من المرأة أكثر مما أعطاها ولو كانت ناشزة؟ التحقيق الذي ذكروه في الجواب هو أن الأولى له أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها إن كان النشوز من قبلها، أما إن كان من قبله فقد عرفت أنه لا يحل له أن يأخذ شيئاً أبداً، ولكن ظاهر الآية يفيد الإباحة، لأنه تعالى قال: {فلا جناح عليهما} في حالة ما إذا كان النشوز منهما معاً، فإذا كان منها وحدها كان عدم الجناح أولى، اللهم إلا أن يقال: نفي الجناح نفي الإثم، فلا ينافي أن الأولى له أن يأخذ ما أعطاها بدون زيادة.
المالكية - قالوا: إذا أساء الرجل معاشرة زوجته وضاررها لتفتدي منه، فإن كان ذلك من أجل تركها للصلاة، أو للغسل من الجنابة فإنه يجوز له ذلك، فإن له أن يمسكها ويؤدبها حتى تؤدي ما فرض عليها، وإن شاء خالعها على مال، ويتم له ما أخذه، أما إذا أساء عشرتها وضاررها بضرب أو شتم بغير حق، أو أخذ مال، أو إيثار ضرة عليها في مبيت، أما إيثار ضرة عليها في حب قلبي فليس بضرر، فإذا فعل معها ذلك وافتدت منه بمال، وقع الطلاق بائناً، ورد لها المال الذي أخذه منها، فإن كان الخلع في نظير رضاع، أو نفقة حمل، أو إسقاط حضانة سقط عنها ما التزمته من ذلك وعاد لها حقها. ويثبت ضررها بشهادة واحد رأى بنفسه الضرر، أو سمعه من غيره. ولا يشترط كونه من الثقات، بل تكفي شهادة أحد الجيران بشرط أن تحلف الزوجة على ما تدعيه من ضرر، وهل يشترط تحليف الشاهد، أو لا؟ خلاف وبعضهم يقول: الصواب تحليفه أيضاً، فإن شهدت امرأتان فإن شهادتهما مع يمين الزوجة تكفي في إثبات الضرر بشرط أن تكون شهادة قطع لا شهادة سماع، بأن تشهدا بأنه ضاررها أمامهما، وقيل: تكفي شهادتهما بالسماع، على أن شهادة الواحد مع يمين الزوجة وشهادة المرأتين مع يمينها تسقط العوض المالي، أما ما لا يؤول إلى المال، فإنه لا يسقط، كخلعها بإسقاط حضانتها.
وإذا ضاررها جاز لها التطليق به، ولكنها وهي في عصمته لم تستطع الخلاص منه إلا بالاعتراف بأن لا حق لها في ادعاء الضرر، ولا حق لها في إحضار بينة تشهد على الضرر فخالعها على مال أخذه، وسجل عليها اعترافها المذكور، فإنه لا يعمل بهذا الاعتراف، لأنه ناشئ عن إكراه، أما طريق إثبات الاعتراف فهي البينة فإن كانت قد أحضرت بينة وقالت لها قبل الخلع: أنها ستعترف لزوجها بأن لا حق لها في ادعاء الضرر ولا في الإشهاد عليه مكرهة على ذلك لتتخلص من شره، وشهدت البينة بذلك، فإن للزوجة الرجوع عن إقرارها باتفاق، ومثل ذلك إذا قامت لها بينة لم تكن تعلم بها، وشهدت بأنها اعترفت مكرهة للتخلص من شره، ويقال للبينة الأولى: بينة استرعاء، أي بينة استشهاد قبل الخلع بأنها لم تشترط على نفسها ذلك إلا للضرر.
هذا كله إذا ضاررها هو. أما إذا كانت هي الناشزة وأساءت معاشرته بشتم ونحوه، فإنه يتم له ما أخذه بلا كراهة.
بقي شيء آخر، وهو ما إذا علم بأنها زانية، فهل له أن يضاررها حتى تفتدي منه؟ وإذا افتدت منه بمال الضرر هل يتم له أخذه؟ والجواب: ليس له ذلك، لأنه إذا علم بزناها ورضي بالبقاء معها من أجل العوض المالي كان في حكم الذي رضي بالديوثة، فليس له إلا أن يطلقها بدون مال، أو يمسكها، كما تقدم في مباحث الطلاق، فإن ضاررها وافتدت منه بمال وثبت ذلك رجعت عليه به وبانت منه بدون مال.
الحنابلة - قالوا: إذا أساء الرجل معاشرة زوجته فضاررها بالضرب والشتم وبالتضييق عليها وإيثار ضرتها عليها في قسم، أو منعها حقها في النفقة، أو نقصها شيئاً من حقوقها لتفتدي نفسها منه، ففعلت كان الخلع باطلاً، وإن أخذ منها شيئاً وجب أن يرده لها، وبقيت زوجة له على عصمته، كما كانت قبل الخلع، وذلك لأنها أكرهت على العوض فلا يستحق الزوج أخذه، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} والنهي يقتضي الفساد عند الحنابلة، نعم إذا كان الخلع بلفظ الطلاق، أو بلفظ الخلع ونحوه، ولكن نوى به الطلاق فإنه يقع به الطلاق رجعياً، فإذا ضاررها الزوج لا بقصد أن تفتدي منه، ولكن فعله لسوء خلقه فافتدت منه، فإن الخلع يصح، وله أخذ العوض، ولكنه يأثم بمضاررة زوجته وإيذائها فالواجب أن يعمل الأزواج بقوله تعالى: {عاشروهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} .
هذا إذا كان الضرر من جهة الزوج، أما إذا كان من جهة الزوجة، فإن كانت تاركة لفرض من فروض الله، أو كانت فاسدة الأخلاق زانية، فإن له أن يضاررها لتفتدي منه، وإذا افتدت حل له أخذ العوض وصح الخلع، لأن الله تعالى قال: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} ، فإنها إذا فعلت فاحشة كان للزوج عضلها وتأديبها حتى تكف عن الفاحشة، أو تفتدي منه، ومثل ذلك ما إذا كان النشوز من جهتهما معاً، وهو المذكور في آية {إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله} .
الشافعية - قالوا: الأصل في الخلع الكراهة، فيكره للرجل أن يخالع زوجته لغير حاجة، كما يكره للمرأة أن تبذل مالها للرجل ليخالعها بدون ضرورة، ولكن يستثنى من الكراهة صورتان: الصورة الأولى: أن يحدث بينهما شقاق يخشى منه أن يفرط كل من الزوجين في الحقوق التي فرضها الله عليه للآخر، كما إذا خرجت الزوجة عن طاعة الزوج، وأساءت معاشرته، أو أساء هو معاشرتها بالشتم أو الضرب بلا سبب، ولم يزجرهما الحاكم ولم يتمكن أهلهما من الصلح بينهما فإنه في هذه الحالة يستحب الخلع، ومتى قبلت المرأة لزمها المال وليس لها أن تطلب رده بدعوى أنه ضاررها، نعم لا يحل للرجل أن يضار امرأته لتفتدي منه، ولكن إن وقع بشرائطه الآتية تم عليهما فليس لواحد منهما الرجوع.
الصورة الثانية: أن يخلف بالطلاق الثلاث على أن لا يدخل هذه الدار، أو على أن لا يدخل هذه الدار هذه السنة، فإن له في هذه الحالة أن يخلعها بدون كراهة، فتبين منه ويدخل الدار، وهي ليست زوجته، فلا يقع عليه يمين الثلاث، ثم تبين منه بطلقة واحدة على الصحيح من أن الخلع طلاق لا فسخ. ومن قال: أنه فسخ يقول: أنها تبين منه ولا ينقص عدد الطلقات، بشرط أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ المفاداة، وأن لا ينوي به الطلاق، ومثل ذلك إذا حلف ليفعلن كذا، كما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها، فإن له أن يخلعها ولا يقع عليه الثلاث بعدم التزوج عليها، أما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها في هذا الشهر، ففيه خلاف. والمعتمد أنه إذا خالعها، وقد بقي من الشهر زمن يمكنه أن يتزوج فيه، فإن الخلع يخلصه من الطلاق الثلاث، وإلا فلا) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 22-06-2022 الساعة 12:03 AM.
رد مع اقتباس
  #256  
قديم 27-07-2022, 01:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 349 الى صــــــــ
359
الحلقة (213)





أركان الخلع وشروطه
-أركان الخلع خمسة
(1)
الأول: ملتزم العوض، والمراد به الشخص يلتزم المال، سواء كانت الزوجة أو غيرها.
والثاني: البضع الذي يملك الزوج الاستمتاع به، وهو بضع الزوجة، فإذا طلقها طلقة بائنة زال ملكه فلا يصح الخلع. الثالث: العوض، وهو المال الذي يبذل للزوج في مقابل العصمة. الرابع: الزوج. الخامس: العصمة، هذه هي أركان الخلع، فلا يتحقق بدونها، ويتعلق بكل ركن منها شروطه كالآتي.

شروط ملتزم العوض والزوج وفيه خلع الصغيرة، والسفيهة، والمريضة.
-يشترط في كل من ملتزم العوض والزوج أن يكون أهلاً للتصرف، فأما ملتزم العوض فيجب أن يكون أهلاً للتصرف المالي، وأما الزوج فيجب أن يكون أهلاً للطلاق، وهو العاقل المكلف الرشيد، فلا يصح للصغيرة، أو المجنونة، أو السفيهة أن تخالع زوجها بمال، كما لا يصح للصغير، أو المجنون أن يطلق زوجته، بخلاف السفيه فإنه يصح أن يطلق، ولا يصح أن يلتزم المال، وفي كل ذلك تفصيل في المذاهب
(2) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: إذا كان الخلع في نظير عوض، فإن ركنه هو الإيجاب والقبول فإن كان الزوج قد بدأ بالخلع، كما إذا قال لها: خالعتك على ذلك كانت المرأة قابلة، وإذا كانت المرأة مبتدئة كان الزوج قابلاً، أما إذا لم يكن في نظير عوض وكان طلاقاً، كان ركنه ركن الطلاق وهو الصفة الحكمية التي دل عليها اللفظ، كما تقدم في أركان الطلاق، فارجع اليه) .

(2) (الحنفية - قالوا: لا يصح للصغيرة أن تلتزم العوض المالي، فإذا قال لها الزوج: خالعتك على عشرين جنيهاً، وقالت: قبلت، وهي مميزة تعرف أن الطلاق يوجب الفرقة بينهما ويحرمها من زوجها فإنها تبين منه، ولكن لا يلزمها العوض المالي، لأنها ليست أهلاً لالتزامه، ومثل ذلك ما إذا قال لها هو: خالعتك على كذا فقبلت، فإنها تبين ولا يلزمها المال، لأنه تبرع، والصغير ليس أهلاً للتبرعات. هذا إذا خالعها بلفظ الخلع ونحوه من الكنايات المتقدمة، أما إذا قال لها: طلقتك على عشرين وقبلت، أو قالت له: طلقني على عشرين، فقال لها طلقتك. فإنه يقع رجعياً، لأنه طلاق صريح لا في نظير عوض، لأن الصغيرة لا يلزمها العوض، كما قلنا، فيقع رجعياً، ومثل ذلك ما إذا قال لها: طلقتك بمهرك فقبلت، فإنها تطلق رجعياً، ولا يسقط المهر، وهل للأب أن يختلع بنته الصغيرة؟ والجواب:
أنه إذا اختلعها بمالها، أو بمهرها وقع الطلاق، ولا يلزمها شيء، كما لا يلزم الأب شيء في الأصح وذلك لأنه معلق بقبول الأب وقد وجد، وبعضهم يرى أنه معلق بلزوم المال، فإذا لم يلزم فلا طلاق.
هذا، وإذا اختلعها الأب على مالها وهي صغيرة، ثم كبرت وأجازت صح الخلع ولزمها البدل، أما إذا اختلعها الأب بماله فإنه يصح الخلع ويلزمه المال بلا كلام، وكذا إذا اختلعها على مال وضمنه فإنه يلزمه. وليس للأب أن يختلع بنته الكبيرة سواء كانت بكراً أو ثيباً، فإذا فعل ذلك وقع الخلع موقوفاً على إجازتها فإن أجازته فإنه يصح ويلزمها المال، وإن لم تجزه لا يقع ولا يلزمها المال، فإن ضمن الأب أو الأجنبي المال، كما إذا قال له: اخلع بنتي أو فلانة بألف علي. أو اخلعها بألف على أني ضامن. أو اخلعها على جملي هذا. فقال الزوج: خلعتها على ذلك صح الخلع، ولزم الأب أن يدفع البدل، فإن لم يكن الجمل ملكاً له لزمته قيمته، ولا يتوقف على قبول المرأة، وهذا بخلاف ما إذا قال له: اخلعها بألف. أو اخلعها على هذا الجمل، فإنه لا يصح الخلع إلا إذا قبلت، فإن قبلت لزمها العوض، وإن عجزت عن تسليمه لزمتها قيمته، فإن لم تقبل لا يلزمها البدل باتفاق، وهل تطلق أو لا؟ فبعضهم يقول: أنها تطلق، لأن الطلاق موقوف على القبول، وقد قبل أبوها، أو الأجنبي. وبعضهم يقول: لا تطلق، لأن الطلاق معلق على قبول الزوجة ولزم المال، ووجهة نظر الأول أنه يقول: إن الطلاق بيد الزوج وقد رضي أن يعلقه على قبول الأب أو الأجنبي للعوض. وقد تحقق ذلك القبول، فينبغي أن يقع عليه الطلاق، أما كون التزام العوض صحيحاً أو لا، فتلك مسألة مالية خارجة عن ماهية الخلع، فإذا قبلته المرأة لزمها المال، وإذا لم تقبله لا يلزمها المال ووقع عليه الطلاق، وهو وجيه، ويظهر من كلامهم ترجيحه.
وكما لا يصح للصغيرة أن تخالع زوجها بمال فكذلك لا يصح للسفيهة، والسفيهة هي التي تبلغ مبذرة مفسدة لمالها تضيعه في غير وجهه الشرعي، فإذا خالعت السفيهة زوجها على مال وقع الطلاق ولا يلزمها المال، ثم إن كان بلفظ الخلع ونحوه من ألفاظ كنايات الخلع كان بائناً، وإن كان بلفظ الطلاق كان رجعياً.
وهل يشترط لثبوت السفه حكم القاضي بالحجر، أو لا يشترط، بل يكفي أن تكون مبذرة لمالها تضيعه في غير وجوه الشرع؟ خلاف، والمعتمد الثاني، وهو أنه متى ثبت كونها مبذرة فإنه لا يصح خلعها، ولو لم يحكم الحاكم بثبوت سفهها.
وإذا اختلعها الأب، فإن ضمن المال صح الخلع ولزم المال، وإلا فلا، كالتفصيل المتقدم في خلع الكبيرة الرشيدة.
وحاصل هذا كله أنه يشترط لصحة الخلع أن يكون ملتزم العوض بالغاً رشيداً، فإن التزمت الزوجة الصغيرة بعوض الخلع لا يلزمها العوض، ثم إن كانت مميزة تدرك آثار الطلاق، وقبلت وقع الطلاق،
وإن لم تقبل لا يقع، وكذا إذا كانت صغيرة غير مميزة، فإنه لا يقع طلاقها، ولو قبلت وقع الطلاق رجعياً إن كان بلفظ الطلاق، وبائناً إن كان بلفظ الخلع ونحوه من الكنايات، وقد عرفت أنه إذا ذكر البدل لا تسمع منه دعوى عدم نية الطلاق قضاء، وهل للأب أن يخالع عنها أو لا؟ والجواب: أنه
إذا خالع عن الصغيرة من مالها وقع الطلاق ولا يلزمها مال، وإن كان ماله فإنه يصح، وتطلق بائناً، ومثل ذلك ما إذا ضمن المال، ومثلها الكبيرة السفيهة. فإنها إذا خالعت وقع طلاقها ولا يلزمها شيء، وليس للأب أن يخالع عنها، فإن كان من ماله صح. ولا يتوقف على قبولها، ومثل الأب الأجنبي، أما الكبيرة الرشيدة فلا يصح لأحد أن يخالع عنها من مالها بدون إذنها، فإذا خالع عنها الأب من ماله بدون إذنها فإنه يصح ويلزمه المال، ولا يتوقف على قبولها. ومثل الأب الأجنبي في ذلك.
هذا إذا كانت الكبيرة الرشيدة صحيحة، فإن كانت مريضة مرضاً ماتت فيه، وخالعته على مال في ذلك المرض الذي ماتت فيه فإنه يصح، بشرط أن يكون من الثلث، لأنه تبرع، وليس لها أن تتبرع بما يزيد عن الثلث، فإذا خالعته على مال فإنه ينظر إلى الثلث وإلى ما يستحقه من الميراث إذا ماتت وهي في العدة، فإن كان الثلث أكثر من ذلك المال، ينظر إلى ما يستحقه من الميراث، فإن كان ما يستحقه من الميراث أكثر، فإنه يأخذ ذلك المال الذي خالعته عليه، لأنه أقل من ثلث المال ومن الميراث، وإن كان الثلث أقل من المال الذي خالعته عليه، فإنه ينظر هل الثلث أيضاً أقل مما يستحقه من الميراث؟ فإن كان كذلك أخذ الثلث، أما إن كان ما يستحقه من الميراث أقل فإنه يأخذ ما يستحقه من الميراث، فهو دائماً يأخذ الأقل، سواء كان الأقل هو الثلث أو المبلغ الذي خالعته عليه، أو الميراث. مثلاً إذا خالعته على ستين، وكان يستحق ميراثاً خمسين، وكان ثلث المال مائة فإنه يأخذ الخمسين لأنها أقل، فإذا خالعته على ستين، وكان يستحق من الميراث خمسين، وكان ثلث المال أربعين أخذ الأربعين، وعلى هذا القياس.
هذا إذا كانت مدخولاً بها ماتت وهي في العدة، أما إذا كانت غير مدخول بها فإنها تبين بمجرد طلاقها، فلا يكون له حق في إرثها، فلا ينظر إلى ما يستحقه من الميراث، بل ينظر إلى العوض الذي خالعته عليه وإلى الثلث، فيأخذ الأقل، فإن خالعته على ستين، وكان ثلث مالها مائة أخذ الستين، وإن كان الثلث خمسين، أو أربعين أخذ الثلث، ومثل ذلك ما إذا كانت مدخولاً بها لكنها ماتت بعد انقضاء العدة، لأنه في هذه الحالة لا يكون له حق في ميراثها، فإذا برئت من المرض كان له كل المال الذي خالعته عليه. أما إذا خالعها زوجها وهو مريض، ثم مات في ذلك المرض الذي طلقها فيه، فإنها ترثه، لأن الذي يطلق امرأته في مرض موته يعتبر فاراً من ميراثها، فلا يسقط حقها، وإذا طلقها وهو صحيح ثم مات وهي في العدة، فإنها ترث وإلا فلا.
وبهذا تعلم حكم خلع الصغيرة، والسفيهة، والمريضة، وتعلم أنه لا يلزمهن العوض، وتعلم حكم ما إذا باشر الأب أو الأجنبي الخلع عنهما، وتعلم توضيح اشتراط أهلية ملتزم العوض.
أما اشتراط أهلية الزوج المخالع، أو المطلق فهي ضرورية، فلا يصح طلاق الصغير، ولا المجنون، ولا المعتوه، بخلاف السفيه، فإن طلاقه يقع، لأنه محجور عليه في التصرف المالي فقط، وهل للأب أن يخالع عن ابنه الصغير؟ والجواب: لا يصح، فلو قالت زوجة الصغير للأب: خالعني على عشرين جنيهاً. أو على صداقي نيابة عن ولدك، فقال لها: خالعتك على ذلك كان ذلك لغواً من
القول لا أثر له، وإذا خالع الصغير زوجته أو طلقها، فخلعه، أو طلق فطلاقه باطل لا يصح ولا تتوقف صحته على إجازة الولي أصلاً، ومثله المجنون، والمعتوه. المالكية - قالوا: لا يصح للصغيرة، ولا للسفيهة، ولا للرقيقة أن يباشرن مخالعة الزوج بعوض مالي، ومثلهن الأجنبي المتصف بهذه الصفات، فإن خالعهن الزوج على مال وقبضه فلا يصح الخلع ويجب عليه رد المال الذي قبضه، إلا إذا أذن الولي أو السيد في الخلع، فإن أذن فإنه يصح الخلع ويلزم العوض، فإن كانت السفيهة لا ولي لها - ويقال لها: المهملة - والتزمت العوض فإنه لا يصح أيضاً، كما لو كان لها ولي لم يأذنها، وهو المعتمد، وقيل: إن بانت من زوجها عاماً فإنه يصح، وهو ضعيف، فإذا خلع الزوج زوجته الصغيرة على مال بدون إذن الولي، وقع عليه طلاق بائن، ولا حق له في العوض، وإذا قبضه يجب عليه رده، ومثلها السفيهة إذا كان لها ولي لم يأذنها، أو كانت مهملة لا ولي لها، سواء مكثت عند زوجها عاماً أو أعواماً. أو لا، على المعتمد، ومثلهما الرقيقة إذا خالعت بدون إذن سيدها، فإن اشترط الزوج في هذه الحالة صحة البراءة أو إيصال المال له، كما إذا قال للصغيرة ونحوها: إن تم لي هذا المال فأنت طالق. أو إن صحت براءتك فأنت طالق، فإنه لا يقع عليه الطلاق ولا يلزمها العوض.
وإن قبضه لزمه رده، بشرط أن يشترط قبل التلفظ بالطلاق، فيقول: إن صحت براءتك فأنت طالق، أما إذا نطق بالطلاق أولاً، كما إذا قالت له: خالعتك على عشرين جنيهاً. فقال لها: أنت طالق على ذلك إن تم ذلك المال، فإنه يقع الطلاق ويلغو شرطه، وهذا هو المعتمد.
وللولي المجبر، وهو الأب، ووصيه - بعد موته - والسيد أن يخالع عمن له عليها ولاية الجبر إذا طلقت، وهي البكر إذا طلقت قبل الدخول. والثيب الصغيرة. ومن زالت بعارض، فإذا كان لها مال فله أن يخالع عنها من مالها، ولو بدون إذنها، أما الوصي غير المجبر فله أن يخالع عنها بإذنها، فإذا كانت غير مجبرة، بأن كانت ثيباً بوطء الزوج، ولكنها كانت سفيهة، فهل له أن يخالع عنها من مالها بغير إذنها؟ في ذلك خلاف، والمشهور أنه لا يصح بغير إذنها، أما بإذنها فإنه يجوز، وكذا إذا خالع بدون إذنها من ماله فإنه يصح. وقد اعترض على الأول بأن إذن السفيهة لا قيمة له، فكيف يتوقف خلعه على إذنها؟! وهو وجيه لا جواب له.
وهل للمرأة المريضة مرضاً مخوفاً أن تخالع زوجها على مال، وإذا خالعته يقع الطلاق ويلزم العوض. أو لا؟ والجواب: أنه يحرم على الزوجين أن يتخالعا في زمن المرض، ولكن إذا وقع الخلع بينهما في مرض الزوجة فإن الطلاق البائن ينفذ ولا يتوارثان، ولو ماتت وهي في العدة، لأن الطلاق البائن يقطع علاقة الزوجة، أما المال الذي التزمت الزوجة به فإنه ينظر فيه فإن كان يساوي ميراثه منها يوم وفاتها لا يوم الخلع، أو ينقص عنه ويملكه الزوج ولا يتوارثان بعد ذلك، كما ذكرنا، أما إن زاد على ميراثه فإن الزيادة لا تكون حقاً له، ويجب عليه ردها إن كان قد قبضها، ويجب أن لا يتصرف الزوج في المال قبل موتها، لأن المعتبر في تقدير المال يوم وفاتها لا يوم الخلع، وحينئذ يوضع المال الذي خالعته به تحت يد أمين إلى وفاتها، ثم ينظر فيه بعد وموتها إن كان يساوي ما يستحقه من
الميراث، أو أقل أخذه، وإلا أعطي ما يستحقه فقط، ورد الزائد على أن المال الذي يلزم وضعه تحت يد أمين إنما هو المال الذي يساوي ميراثه فقط وقت الخلع دون الزيادة، مثلاً إذا كانت تركتها تساوي ثمانمائة جنيه يوم الخلع وخالعته بما يساوي ثلاثمائة جنيه، وكان من ميراثه الربع، وهو يساوي مائتين، وضع الربع فقط تحت يد أمين، أما الزيادة، وهي المائة فلا توضع حتى إذا ماتت ينظر، هل مجموع مالها الذي بقي يستحق فيه المائتين. أو يستحق أقل؟ فإن كان يستحق المائتين فقط أخذها، وإن كان يستحق أقل رد الزيادة وهذا التفصيل هو المعتمد، وبعضهم يقول: إن الزوج لا يستحق شيئاً من البدل، ويجب عليه أن يرده - إن كان قبضه - للمرأة أو لورثتها إن كانت قد ماتت، وقد عرفت أنه غير المعتمد.
أما الزوج المريض مرضاً مخوفاً فإنه إذا خالع زوجته، فإن الخلع ينفذ والعوض يلزم ولكنه حرام، كما تقدم، إلا أن الزوجة ترث منه إذا مات، سواء كانت في العدة، أو انقضت عدتها، حتى ولو تزوجت غيره عدة أزواج، أما هو فلا يرثها إذا ماتت قبله، لأنه هو الذي أضاع ما بيده.
هذا ما يتعلق بملتزم العوض المالي من التفصيل، أما ما يتعلق بالزوج المخالع فيشترط فيه الشروط التي تقدمت في الطلاق، ومنها أن يكون مسلماً، فلا يصح خلع الكافر، ومنها أن يكون مكلفاً، فلا يصح خلع الصبي، والمجنون، وهل لأب الصغير، والمجنون أن يخالع زوجتيهما؟ والجواب: نعم يصح بشرط أن يكون الخلع في مصلحتهما، ومثل الأب السيد والوصي والحاكم ونائبه فإن لهم أن يخالعوا عنهما إذا كان في الخلع مصلحتهما. وهل لأب الصغير والمجنون أن يطلق عنهما بغير عوض؟ خلاف، وبعضهم يقول: أنه لا يصح، وبعضهم يقول: يصح إن كان في طلاقه عنهما مصلحة، كما إذا فسدت أخلاق الزوجة، وهو ظاهر.
أما السفيه البالغ فإنه يصح أن يتولى الخلع بنفسه، ثم إن كان المال الذي خالع به يساوي المال الذي يخالع به مثله فذاك، وإن خالع بدونه يجب على ملتزم العوض أن يكمله له ولكن المال الذي يخالع به السفيه لا يسلم له، فإذا سلم له لا تبرأ ذمة الزوجة أو ملتزم العوض منه، بل لا بد من تسليمه لوليه. وليس لأب السفيه أن يخالع عنه، لأن السفيه البالغ يملك الطلاق، ومثله العبد البالغ، فإنه لا يصح لسيده أن يخالع عنه.
الشافعية - قالوا: يشترط في ملتزم العوض المالي أن يكون مطلق التصرف المالي، فلا يكون محجوراً عليه حجر سفه، سواء كانت الملتزمة الزوجة، أو غيرها، سواء كان قابلاً أو ملتمساً فإذا قالت الزوجة لزوجها: خالعني على عشرين كانت ملتزمة ملتمسة لقبول عوضها، وإذا قال الزوج خالعتك على ذلك كان قابلاً، وإذا قال الزوج لأجنبي: خالعت زوجتي على كذا في ذمتك، فقال الأجنبي قبلت كان الزوج ملتمساً والأجنبي والملتزم قابلاً، وبالعكس إذا قال الأجنبي خالع زوجتك على مائة جنيه في ذمتي، فقال الزوج: خالعتها على ذلك فإن الأجنبي يكون ملتزماً ملتمساً والزوج قابلاً، وعلى كل
حال فيشترط في ملتزم المال، سواء كانت الزوجة، أو الأجنبي، وسواء كان ملتمساً أو قابلاً، أن يكون مطلق التصرف المالي. فإذا كان محجوراً عليه لسفه فإنه لا يصح التزامه لعوض الخلع ولو بإذن وليه، فلو أذن ولي الزوجة المحجور عليها لسفه هذه الزوجة في مخالعة زوجها على مال ففعلت لا يلزمها المال، لأنها ليست من أهل الالتزام وليس لوليها أن يبذل مالها في مثل عوض الخلع إلا إذا خشي ضياع مالها بواسطة الزوج، فأذنها بالاختلاع منه صيانة لمالها، فإنه يصح في هذه الحالة.
وبهذا تعلم أن خلع المحجور عليها لسفه لا يلزم به مال، ولكن يقع به الطلاق رجعياً إلا في صورة واحدة، فإنه يقع به الطلاق البائن ويلزم العوض، وهي ما إذا أذنها وليها بالخلع على مال معين خوفاً من أن يبدد زوجها مالها.
هذا إذا كانت الزوجة مدخولاً بها. أما إذا كانت غير مدخول بها فإنه يقع طلاقاً بائناً، لأن الطلاق قبل الدخول بائن، كما تقدم، فإن كانت محجوراً عليها لفلس لا لسفه فإن خلعها يصح ويقع به الطلاق البائن، أما التزامها للمال فإن له صورتين:
الصورة الأولى: أن تلتزم بمال غير معين، كأن تقول له: خالعني على عشرين جنيهاً، وفي هذه الحالة يلزمها مبلغ العشرين ديناً في ذمتها تدفعها له بعد رفع الحجر.
الصورة الثانية: أن تخالعه على عين من مالها المحجور عليه كأن تقول له: خالعتك على هذه الفرس مثلاً، وفي هذه الحالة تبين منه بمهر المثل ديناً في ذمتها.
وهل المريضة مرض الموت مطلقة التصرف في مالها فيصح لها أن تخالع زوجها بالعوض الذي تريده. أو لا؟ الجواب: أن المريض مرض الموت له التصرف في ماله بغير التبرع، أما التبرع فليس له أن يتبرع ما يزيد على الثلث، وعلى هذا يكون في الجواب تفصيل، وهو أن العوض إن كان يساوي مهر المثل فإنه ينفذ بلا كلام. لأن مهر المثل في نظير حل العصمة فليس فيه تبرع، أما إن كانت الزيادة على مهر المثل فإن الزيادة على مهر المثل تكون تبرعاً، وفي هذه الحالة ينظر إن كانت الزيادة أقل من الثلث فإن له أخذها بدون اعتراض، وإن كانت أكثر وأجازت الورثة، فإنه يأخذها، فإن لم تجز الورثة، أو كان الثلث أقل منها فسخ العوض المسمى ورجع بمهر المثل فقط، وعلى هذا يقال: إن المريضة. مرض الموت مطلقة التصرف في العوض الذي يساوي مهر المثل، أما أنها تكون وصية فتجري عليها أحكام الوصية. بقي حكم الأمة إذا خالعت زوجها، فهل يصح، أو لا؟ والجواب: أن الأمة وإن كانت غير مطلقة التصرف، ولكنها ليست كالسفيه، لأنها إذا خالعت زوجها بإذن سيدها بمال عينه لها وقع الطلاق بائناً ولزمت العين التي عينها من ماله، وإذا زادت على ما عينه صح الخلع وتعلقت الزيادة بكسبها من ذلك المال، وإذا لم يأذنها سيدها، فإن الخلع يصح ويقع الطلاق بائناً بمهر المثل، ويتعلق العوض بذمتها على الوجه المتقدم.

هذه شروط ملتزم العوض، وأما الزوج المخالع فيشترط فيه الشروط المتقدمة في الطلاق، وهو أن يكون مكلفاً، فلا يصح الخلع من الصبي والمجنون. والمعتوه، إلا السكران فإنه يصح خلعه تغليظاً عليه، وإذا خالع السفيه المحجور عليه، أو الرقيق فإن خلعهما يصح، ولكن لا يبرأ ملتزم العوض بالدفع للولي والسيد، إلا إذا قيد أحدهما الطلاق بالدفع له، كما إذا قال: إن دفعت لي كذا فأنت طالق فإنها تدفع له وتبرأ بذلك.
الحنابلة - قالوا: يشترط في ملتزم العوض أن يكون أهلاً للتصرفات المالية، فلا يصح الخلع بعوض من الصغيرة، والمجنونة، والمحجور عليها لسفه، ولو بإذن الولي، لأن مال الخلع تبرع ولا إذن للولي في التبرعات، وهذا هو المشهور.
وقال بعضهم: إن الأظهر صحته بإذن الولي إذا كان فيه مصلحة، فإن خالعت الصغيرة، أو السفيهة أو المجنونة زوجها، فإن كان الطلاق كأن قالت له: طلقني على كذا، فقال لها: طلقت وقع طلاق رجعي، وإن لم يكن بلفظ الطلاق، بل بلفظ الخلع وغيره مما تقدم، كان كناية إن نوى به الطلاق طلقت وإلا فلا، وإن كان بلفظ الطلاق الثلاث لا رجعة فيه، كما تقدم، أما الأمة فإنه يصح أن تخالع بإذن سيدها ويكون العوض الذي أذنها فيه في ذمة السيد وليس للأب أن يخالع عن بنته الصغيرة من مالها، وكذلك المجنونة والسفيهة، وليس له طلاقها كذلك، وإذا فعل الأب لم يقع، ولا طلاق إلا أن ينوي الزوج به الطلاق أو يكون بلفظ الطلاق، فإنه يقع رجعياً، كما ذكرنا.
وللأب والأجنبي أن يلتزم عوض الخلع من ماله، بأن يقول: اخلع زوجتك على ألف، أو طلقها على ألف، أو بألف، أو على سلعتي هذه فيجيبه الزوج، فيصح الخلع ويلزم الأب، أو الأجنبي بأن يدفع للزوج عوضاً دون الزوجة.
وإذا قال له: اخلع زوجتك على مهرها. أو على سلعتها وأنا ضامن، فإنه يصح ويلزمه العوض دون الزوجة، لأنه ضمن بغير إذنها، أما إذا قال له: اخلع زوجتك على جملها هذا، أو على ألف منها ولم يضمن، فأجابه الزوج فإن الخلع لا يصح، لأنه بدل مال غيره، بدون إذنه العوض، فبطل الخلع.
وإذا قالت له الزوجة: خالعني على جمل أخي فلان وأنا ضامنة، صح الخلع ولزمها العوض أو قيمته إن عجزت، أما إذا لم تقل له: وأنا ضامنة، فالخلع لم يصح، وإذا خالعته الزوجة وهي مريضة مرض الموت فإن كان العوض أكثر من ميراثه منها فإنه لا يملك إلا ما يساوي ميراثه، أما إذا كان أقل من ميراثه، فإنه يأخذه بدون زيادة لأنه أسقط الزيادة باختياره فلا يستحقها، فتعين استحقاقه للأقل، فإن صحت من مرضها الذي خالعته فيه كان له الحق في كل المبلغ الذي خالعته عليه.
وإن طلقها بائناً في مرض موته فإنها تستحق ميراثها، ولو أوصى لها بشيء أكثر فإنها لا تستحقه فهذا شرط ملتزم العوض، وأما شرط الزوج المطلق، فهو شرط الطلاق المتقدم، فيصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه. فيصح خلع المسلم، والذمي، والبالغ، والصبي المميز الذي يعرف معنى الطلاق ويفعله، والرشيد، والسفيه، والحر، والعبد، لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه فيصح خلعه، وكما يصح الخلع من الزوج أو نائبه يصح ممن له الولاية كالحكم في الشقاق وكطلاق والحاكم في الإيلاء، أو العنة ونحوهما، ويقبض الزوج عوض الخلع ولو كان محجوراً عليه لفلس، أما إن كان محجوراً عليه لسفه، أو كان مميزاً فإنه لا يصح لهما قبض العوض، بل الذي يقبضه الولي، وإن كان رقيقاً بدله السيد لأنه ملكه) .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #257  
قديم 27-07-2022, 01:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 359 الى صــــــــ
367
الحلقة (214)


شروط عوض الخلع، وفيه الخلع بالنفقة، والحضانة والمال، ونحو ذلك

-وأما عوض الخلع، فيشترط فيه شروط: منها أن يكون مالاً له قيمة، فلا يصح الخلع باليسير الذي لا قيمة له، كحبة من بر، ومنها أن يكون طاهراً يصح الانتفاع به، فلا يصح بالخمر. أو بالخنزير، والميتة، والدم وهذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية، وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم، كما تقدم في المهر، ومنها أن لا يكون مغصوباً، ومنها غير ذلك.
ويصح الخلع بالمال، سواء كان نقداً، أو عرض تجارة. أو مهراً. أو نفقة. أو أجرة رضاع. أو حضانة. أو نحو ذلك، وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
__________

(1) (الحنفية - قالوا:
ما جاز أن يكون مهراً جاز أن يكون بدلاً في الخلع، وقد عرفت تفصيل ذلك في شروط المهر، فارجع إليها.
فإذا خالعت زوجها على خمر، أو خنزير، وقبل منها فإن كان يلفظ الخلع ونحوه بانت منه ولا شيء له عليها، ولا يسقط شيء من مهرها، وإن كان بلفظ الطلاق وقع الطلاق رجعياً بعد الدخول وبائناً قبله.
وإذا خالعته على مال مغصوب ليس ملكاً لها، فإن الخلع يصح والتسمية تصح، ثم إذا أجازه المالك أخذه الزوج، وإن لم يجزه كان له قيمته، وإذا خالعته على شيء محتمل، كأن قالت له: خالعتك على ما في الدار، أو قالت خالعتك على ما في بطون هذه الغنم فإنه يصح، ثم إن كان في الدار أو في بطون الغنم شيء فهو للزوج، وإن لم يكن فلا شيء له، لأنه قبل أن يخالعها على ما يحتمل أن يكون مالاً، أو لا يكون، فإذا سمت مالاً معيناً، ولكنه ليس بموجود حالاً، وإنما يوجد بعد، كما إذا قالت له: خالعني على ثمر نخلي في هذا العام. أو على كسبي في هذا الشهر، فإن الخلع يصح وعليها أن ترد له ما قبضت من مهر، سواء وجد الثمر والكسب أو لم يوجد ثم إن وجد يكون حقاً له وإذا سمت مالاً موجوداً بالفعل، كما إذا خالعته على ما في بيتها من المتاع. أو على ما في نخيلها من الثمار. أو على ما في بطن ناقتها من ولد، أو على ما في ضروع غنمها من اللبن. فإن الخلع يصح ثم إن وجد ما سمت كان له، وإن لم يوجد لزمها رد ما قبضت من المهر.

والحاصل أنها إذا خالعته على مال غير معين، فذلك على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن لا تذكر مالاً أصلاً ولكن تذكر عبارة تحتمل المال وعدمه، كما إذا قالت له: خالعني على ما في بيتي أو ما في يدي، فإنه يحتمل أن يكون فيه شيء وأن لا يكون، وحكمه أن الخلع يصح وإن وجد شيء أخذه، وإلا فلا شيء له. ثانيها: أن تذكر مالاً ليس موجوداً في الحال، ولكن يوجد بعد، كما إذا قالت له: خالعني على ما تنتجه نخيلي من ثمر في هذا العام، وحكم هذا أن الخلع يصح، وعليها أن ترد ما قبضته من مهر، وإن لم تكن قبضت سقط مالها، سواء وجد الثمر أو لم يوجد. ثالثها: أن تذكر مالاً مجهولاً، ولكنه موجود في الحال، كما إذا قالت له خالعني على الولد الذي في بطن هذه الناقة، أو على الثمر الموجود على النخيل، أو المتاع الموجود في الدار وحكمه أن الخلع صحيح، ثم إن وجد شيء كان للزوج، وإن لم يوجد ردت له ما قبضت من مهر. وإذا خالعته على جمل شارد. أو فرس تائه، فإن الخلع يصح وعليها تسليم عينه إن قدرت وإن عجزت وجبت عليها قيمته، ولا ينفعها أن تشترط البراءة من ضمانه. فإنه لازم لها أو قيمته على كل حال، وإذا خالعته على حيوان موصوف كفرس مسكوفي، أو جمل يقدر على الحمل، أو نحو ذلك، فإن الخلع يصح ويلزمها أن تعطيه الوسط، أو تعطيه قيمة الوسط، أما إذا خالعته على حيوان غير موصوف وقع الطلاق. ووجب عليها أن ترد له المهر والنفقة التي استحقتهما عليه بعقد النكاح.
ويصح الخلع على نفقة العدة والمتعة، ولكن يشترط لإسقاط النفقة أن ينص عليها في الخلع وذلك لأن الخلع يسقط عن الزوجين حقوق الزوجية الثابتة لكل منهما وقت الخلع ولو لم ينص عليها إلا إذا خالعته على كل مهرها فإنها ترد له ما قبضته منه، فلا يسقط بالخلع لأنه هو الذي به الخلع، أما نفقة العدة فلا تسقط إلا إذا نص عليها وذلك لأنها تثبت يوماً فيوماً، فلا تكون حقاً للمرأة واجباً على الزوج، ولهذا لو قالت له: أنت بريء من نفقتي أبداً مادمت امرأتك فإنه لا يبرأ من نفقتها، لأن إبراء شخص من حق لا يصح إلا إذا وجب عليه أولاً والنفقة لمستقبله لا تجب عليه الآن لأن سبب النفقة هو عدم خروج المرأة من دار زوجها إلا بإذنه وهذا السبب يحدث يوماً فيوماً وهذا بخلاف ما إذا جعلت عوضاً عن الخلع، فإنه يصح. وذلك لأن الخلع سبب في وجوب العدة، والزوج يستوفي العوض ولا يلزم استيفاؤه دفعه.
والحاصل أن الإبراء من النفقة قبل الخلع أو بعد لا يصح، لأنها لم تجب، فلا معنى لإبرائه منها، وأما جعل النفقة عوضاً عن الخلع فإنه يصح، لأن الخلع سبب في وجوب العدة والنفقة عوض يستوفيه شيئاً فشيئاً. وأما المتعة فإنها تسقط بدون ذكر، فإذا قال لزوجته غير المدخول بها التي لم يسم لها مهراً: خالعتك، فقالت: قبلت سقطت متعتها، وإذا خالعته على السكنى فإنها لا تسقط، وذلك لأنها ملزمة شرعاً بالسكنى في البيت الذي طلقت فيه، فإذا سكنت في غيره ارتكبت معصية، وحينئذ تكون السكنى حق الشرع، فلا يصح اسقاطها نعم إذا كانت ساكنة في بيت مملوك لها، أو كانت تعطي أجرة السكن من مالها، وخالعته على الأجرة فإنها تسقط ويكون الخلع في نظير المال لا في نظير
السكن، ولا يلزم بأن تصرح بأجرة السكني، فإذا قالت له خالعتك على السكني، فإنه يصح ويحمل على الأجرة، فإذا فرض وكانت ساكنة في منزل الزوج وقت الطلاق وخالعته على السكني فيه والخروج منه، فإنها لا تسقط.
واعلم أن في سقوط الزوجين بالخلع ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن لا يذكر البدل، كأن يقول لها: خالعتك ناوياً به الطلاق ولم يذكر بدلاً، وقالت: قبلت، فإنها تبين منه لوجود الإيجاب والقبول، ثم يسقط حق كل منهما قبل الآخر على المعتمد، فإذا كان لها معجل صداق سقط حقها فيه، وإذا قبضت كل الصداق وخالعها قبل الدخول سقط حقه في نصفه، ومن باب أولى إذا قبضته كله ثم خالعها بعد الدخول، فإنه لا يستحق فيه شيئاً، وكذا إذا لم تقبض من الصداق شيئاً فإن حقها يسقط فيه بالخلع.
الوجه الثاني: أن ينفي البدل، كأن يقول لها: اخلعي نفسك مني بدون شيء، فقالت خلعت نفسي بدون شيء، فإنها تبين منه ويبقى لكل منهما حقه قبل صاحبه، فإذا كان لها معجل صداق، أو نفقة زوجية، فإنها تبقى. وإذا كان له نصف صداقها، كما إذا فعل ذلك قبل الدخول، فإنه يبقى له. الوجه الثالث: أن يكون البدل معيناً معروفاً، كما إذا خالعها على عشرين جنيهاً ولم يذكر الصداق وفي هذه الحالة إن كانت المرأة مدخولاً بها وقبضت كل الصداق فإنه لا يلزمها إلا العشرون جنيهاً، وتذهب بما قبضت، فلا يرجع عليها بشيء، كما لا ترجع عليه بشيء بعد الطلاق، وإن لم تقبض الصداق فقد ضاع عليها، فعليها البدل، ولا ترجع على الزوج بشيء، أما إذا كانت غير مدخول بها فإن كان المهر مقبوضاً فإن الزوج لا يستحق فيه شيئاً بل يأخذ البدل ويضيع عليه نصف المهر وإن لم يكن مقبوضاً فإنها لا تستحق فيه شيئاً بل يضيع عليها نصفه زيادة على بدل الخلع الذي سمته، ومثل ذلك ما إذا بارأها بمال معلوم سوى المهر، وقد عرفت أنه إذا خالعها على مهرها وكانت مدخولاً بها فإن كانت قبضته فإنه يجب عليها رده، وإن لم تكن قبضته فإنه يسقط عن الزوج جميع المهر، ولا يتبع أحدهما الآخر بشيء، ومثل ذلك ما إذا لم يكن مدخولاً بها.
هذا، وهل إذا التزم الرجل ببدل في الخلع يصح أو لا،؟ مثلاً إذا قالت له: خالعتك على مهري ونفقة عدتي بشرط أن ترد لي عشرة جنيهات، فقال: قبلت، فهل يلزمه أن يرد العشرة أو لا؟ والجواب: نعم يلزمه أن يرد، ولكن لا يصح أن يعتبر هذا مالاً يدفعه هو لها في مقابل الخلع لأن البدل خاص بها هي إذ به تملك نفسها، وإنما يعتبر استثناء من بدل الخلع، مثلاً إذا كان صداقها عشرين جنيهاً ونفقة عدتها خمسة، فإنه يطرح منها عشرة، ويكون عوض الخلع خمسة عشر، فإن كان المبلغ الذي طلبته يزيد عن عوض الخلع تجعل الزيادة مضافة إلى المهر قبل الخلع تصحيحاً للقاعدة.
ويصح الخلع على نفقة الولد مدة معينة، سواء كان رضيعاً، أو فطيماً على المعتمد، حتى ولو كانت حاملاً به، فإذا قالت له: خالعتك على نفقة ولدي الذي في بطني مدة رضاعه سقط حقها في أجرة الرضاع ولزمها أن ترضعه حولين بعد ولادته، وبعضهم يقول: لا يلزم تعيين المدة في الرضيع، فإنها
إذا قالت له: خالعتك عل نفقة الولد، وهو رضيع، كان معنى ذلك أن لا حق لها في أجرة الرضاع في مدة الرضاع، ولا يخفى أن الأول أظهر في حسم مادة النزاع، أما إذا كان فطيماً فإنه ينبغي فيه تحديد المدة، لأن نفقته هي طعامه وشرابه، وهذا لازم له في كل حياته، فلا تصح التسمية بدون توقيت، فإذا قالت له: خالعتك على نفقة ولدك مدة حياتي فإنه لا يصح ويسقط بذلك مهرها، وإذا كانت قبضته فإنه يجب عليها أن ترده، فإذا خالعته على نفقته مدة معينة فإنها تلزمها، وإذا مات الولد أو هرب لزمها أن تدفع ما بقي من نفقته للزوج إلا إذا شرطت براءتها منها بعد موته، وذلك بأن يقول الزوج: خالعتك على أني بريء من نفقة الولد إلى ثلاث سنين، فإن مات الولد قبلها فلا رجوع لي عليك، فتقول: قبلت فإنه يصح، وإذا مات قبلها فلا رجوع له والخلع على البراءة من النفقة لا يستلزم الكسوة، فلا تدخل إلا إذا نص عليها، وإذا خالعته على أن تمسك البنت إلى البلوغ، فإنه يصح. أما الغلام فلا، لأنه في حاجة إلى أن يتعلم من أبيه أخلاق الرجولة، فلا يصح الخلع على إمساكه إلا مدة لا يبلغ فيها كمدة الحضانة، وهي سبع سنين، ولها أن تخالعه على إمساكه نحو عشر سنين، لأن الولد ينبغي أن يتصل بأبيه قبل البلوغ ليتعلم منه أخلاق الرجولة.
ذلك ما عللوا به الفرق بين الأنثى والذكر. والظاهر أنه إذا كانت البيئة التي فيها أمه أفضل له من هذه الناحية، فإنه يصح إمساكه كالأنثى، على أنه إذا تزوجت أمه فللزوج أخذ الولد وإن اتفقا على تركه لأنه حق الوالد، ويرجع الزوج عليها بنفقته في المدة الباقية ما لم تشترط البراءة في الأول كما ذكرنا. وإذا خالعته على نفقة الولد مدة معينة وهي معسرة، فلها مطالبة أبيه بالنفقة، ويجبر عليها، ولكنه يرجع عليها إذا أيسرت.
المالكية - قالوا: يشترط في العوض أن يكون حلالاً، فلا يصح الخلع على خمر أو خنزير أو مال مغصوب علم الزوج بأنه مغصوب، ومثله المسروق، فإن خالعته على شيء من ذلك وقع الطلاق البائن ويبطل العوض، فإن كان مغصوباً وجب عليه أن يرده لصاحبه، وإن كان خمراً وجبت إراقته، وإن كان خنزيراً وجب إعدامه على المعتمد، وقيل: يسرح، ولا شيء للزوج على الزوجة في مقابل ذلك ومثل ذلك ما إذا خالعته على شيء بعضه حلال وبعضه حرام، كما إذا خالعته على خمر وثوب. فإن الخلع ينفذ والعوض يبطل، فلا شيء للزوج مطلقاً.
والحاصل أن العوض إذا كان خمراً وجب على الزوج المسلم أن يريقه، ولكن آنيته لا يكسرها لأنها تطهر بالجفاف، وإذا كان خنزيراً وجب عليه أن يقتله، وقيل: بل يسرحه لحال سبيله، وإن كان مغصوباً، أو مسروقاً وجب عليه أن يرده إلى أصحابه، وينفذ الطلاق البائن، ولا شيء له في مقابل هذه الأشياء، ولا يشترط أن يكون العوض محقق الوجود، فيصح الخلع بالغرر، كالجنين في بطن أمه، مثلاً إذا خالعته على ما في بطن هذه الناقة التي تملكها من حمل، فقبل فإنها تطلق بذلك طلاقاً بائناً، ثم إن ولدت الناقة كان الولد ملكاً له وإن نزل ميتاً فقد ضاع عليه ولا شيء له قبل زوجته، وإن كانت لا تملك الناقة فإن الطلاق البائن يقع عليه لا شيء له، لأنه قد قبل الخلع على شيء غير محقق، فيعتمل لأن
يقبض أو لا يقبض، وكذا لا يشترط أن يكون العوض غير معين فيصح الخلع على عرض تجارة غير موصوف، كمقطع من القماش أو جمل، أو جاموسة غير موصوفة بصفة، فإذا قالت له: خالعني على جاموسة صح الخلع وبانت منه، وله عليها جاموسة وسطى لا صغيرة ولا كبيرة، ومثل ذلك ما إذا قالت له: خالعني على مقطع من القماش، فإن له الحق في مقطع وسط من جنس القماش، وهكذا.
وكذا لا يشترط أن يكون مقدوراً على تسليمه، فيصح أن تخالعه على جمل شارد أو ثمرة لم يبد صلاحها، ثم إن حضر الجمل، وصلحت الثمرة فهما له، وإلا فلا شيء له، ويقع الطلاق بائناً.
ويصح الخلع على نفقتها مدة الحمل، فإذا كان بها حمل ظاهر أو محتمل وخالعته على نفقة عدتها وهي مدة حملها، فإنه يصح، ولكنها إذا أعسرت في هذه المدة، وجب عليه أن ينفق عليها وتكون هذه النفقة ديناً عليها يأخذه منها إذا أيسرت.
وكذا يصح الخلع على إسقاط الحضانة، فإذا قالت له: خالعني على إسقاط حقي في حضانة ولدي منك، فقال: خالعتك على ذلك، فإنه يصح وتبين منه ويسقط حقها في الحضانة وينتقل إلى الأب، ولو كان هناك من يستحقها غيره ولكن بشرط أن لا يخشى على الولد المحضون ضرر بمفارقة أمه أو يكون الأب لا يستطيع حضانته، وإلا وقع الطلاق ولم تسقط الحضانة باتفاق. وبعضهم يقول: إذا خالعت على إسقاط حضانتها لا تنتقل الحضانة للأب، ولكن تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم، وهذا هو الذي عليه العمل وبه الفتوى. وإن كان الأول، وهو انتقاله للأب المشهور، وإذا خالعته على إسقاط الحضانة ومات الأب، فهل تعود الحضانة للأم أو لا؟ والجواب: نعم تعود للأم، وقد يقال أن الأم أسقطت حقها، فإذا مات الأب تنتقل الحضانة لمن يستحقها بعد الأم، ولكن الظاهر أن الأم أسقطت حقها للأب، فإذا مات عاد الحق لها لأنها أولى بالحضانة، فالظاهر أنها تعود للأم، فإذا ماتت الأم والأب موجود، فهل تنتقل الحضانة إلى من لها حق الحضانة بعد الأم، أو تستمر للأب على القول المشهور؟ والجواب: أن الظاهر استمرارها للأب لأنها انتقلت به بوجه جائز، وبعضهم يقول: أنها تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم قياساً على من أسقط حقه في وقف الأجنبي ثم مات فيعود حقه لمن بعده ممن رتبه الواقف. وهل إذا سقط حقها في حضانة حملها قبل الولادة يصح أو لا؟ والجواب: يصح، ولا يقال أنه إسقاط للشيء قبل وجوده، لأن سبب الوجود ظاهر، وهو الحمل.
ويصح الخلع على أجرة رضاع الحمل الذي في بطنها مدة رضاعة، فإذا قالت له خالعني على أجرة رضاع ولدي الذي في بطني فقال لها: خلعتك على ذلك وقبلت فإنها تبين منه، وعليها رضاع ولده مدة الرضاع مجاناً، فإذا مات الولد قبل الحولين سقط ما بقي من أجرة الرضاع، فلا يرجع عليها أبوه بشيء ما لم تكن عادتهم الرجوع، فإن له مطالبتها بالباقي، أما إذا ماتت هي أو جف لبنها فعليها مقدار ما بقي من أجرة رضاعه، ويؤخذ من تركتها إن كانت قد ماتت.
وهل تسقط نفقتها مدة الحمل تبعاً لسقوط أجرة الرضاع من غير أن ينص عليها أو لا؟ والراجح أنها لا تسقط، لأنهما حقان أسقطت أحدهما ولم تسقط الآخر. وإذا خالعها على أجرة رضاع ابنه مدة
الرضاع وعلى أن تنفق عليه في هذه المدة. أو على ولده الكبير هذه المدة، فإن فيه خلافاً، فبعضهم يقول: يسقط الزائد على مدة الرضاع، سواء حدد مدة الانفاق بزمن الرضاع أو زاد عليها، أو خالعها على الإنفاق عليه مدة، أو على غيره منقطعة عن الرضاع، وبعضهم يقول: لا يسقط مطلقاً، فإذا اشترط أن تنفق عليه، أو على ولده الكبير مدة الرضاع لزمها ذلك، فإذا مات الولد كان للأب أن يأخذ نفقته التي ضمها إلى أجرة الرضاع يوماً فيوماً، أو شهراً فشهراً طول المدة، وكذا إذا لم يقيد بمدة معينة فإنه يلزمها الإنفاق عليه ما دام موجوداً، ولا يضر الغرر في الخلع، وهذا هو الراجح، وبعضهم يقول: إن كانت المدة معينة فإنه يصح، وإلا فإن النفقة تسقط عنها.
ويصح الخلع مع البيع، كأن تخالعه على فرس، على أن تأخذ منه خمسة جنيهات مثلاً، ففي هذه الحالة يكون نصف الفرس في مقابلة العصمة. والنصف الآخر مبيعاً بالخمسة جنيهات، وهو صحيح، فإذا فرض وكانت الفرس تساوي الخمسة التي دفعها، فإن الخلع يصح أيضاً، لأن عين الفرس تعتبر عوضاً، بصرف النظر عن الخمسة التي دفعها، فيقع الطلاق بائناً على الراجح وبعضهم يقول: في هذه الحالة يقع الطلاق رجعياً، لأن الزوجة لم تدفع عوضاً فإن الفرس أخذت عوضها المساوي لها، فإذا خالعته على جمل شارد فإن البيع يكون فاسداً، والخلع يكون صحيحاً، وعلى هذا فيجب على الزوجة أن ترد الخمسة التي أخذتها لفساد البيع، ويجب عليه أن يرد هو عليها نصف الجمل الذي اشتراه بهذه الخمسة، ويبقى النصف الآخر ملكاً له في نظير حل العصمة، وإذا خالعته على ما في يدها وهي مضمومة، أو ما في صندوقها وهو مغلق، فلو وجد بهما شيء ولو تافه، كزبيبة، فإنه يكون له ويصح الخلع، وكذا إذا لم يكن فيهما شيء أصلاً أو فيهما شيء ليس بمال، كتراب فإنها تبين منه على القول الأقرب المستحسن.
أما إذا خالعته على شيء معين وتبين أنه ليس ملكاً لها، فإن الخلع لا يصح، حتى ولو أجازه الغير. وهذا بخلاف ما إذا خالعته على شيء غير معين، كما إذا خالعته على قطنية بلدية، ثم جاءته فتبين أنها ملك لغيرها فإن الخلع يصح، وتلزم بإحضار واحدة مثلها، وإذا قال لها: إن أعطيتني ما أخالعك به فأنت طالق، فأعطته شيئاً تافهاً لا يساوي ما يخالع به مثله فإنها لا تطلق.
الشافعية - قالوا: يشترط في العوض أن يكون مقصوداً، أي له قيمة وأن يكون راجعاً إلى جهة الزوج وأن يكون معلوماً، وأن يكون مقدوراً على تسليمه، وأن يكون حلالاً غير فاسد.
وبالجملة فيشترط في الخلع الشروط المتقدمة في الصداق، فكل ما يصلح صداقاً يصلح أن يكون بدلاً في الخلع. ويرد عليه أن الصداق يصح على تعليم بعض القرآن بنفسه، فإنه يصح أن يكون صداقاً، ولا يكون بدل خلع. لأنها لو خالعته على أن تعلمه بعض القرآن بنفسها فإنه لا يصح، لأنها تكون بعد الخلع أجنبية لا يجوز لها أن تعلمه. والجواب: أن عدم الصحة جاءت من تعذر تعليمه بنفسها، وإلا فهو صحيح في ذاته. فخرج بالعوض الطلاق بلا ذكر عوض، فإن فيه تفصيلاً، لأنه لم يذكر المال، فلا يخلو إما أن
ينويه أو ينفيه. أو لا ينوي ولا ينفي، وسيأتي بيان ذلك في الصيغة، وقوله: مقصود، أي له قيمة مالية، خرج به العوض الذي لا قيمة له، فإذا طلقها في نظير حشرة أو دم، فإنه يقع عليه الطلاق رجعياً، وقوله: راجع لجهة الزوج، خرج به ما إذا كان لها مال عند شخص غير الزوج فطلقها زوجها على براءة ذلك الشخص من دينه، فإنه يقع الطلاق رجعياً أيضاً فإذا كان لها عند زوجها دين ولها عند أخيه دين فطلقها على البراءة من دينه ودين أخيه وقع الطلاق بائناً في نظير البراءة من دين الزوج، ولا يضر ضم أخيه إليه وصحت براءتهما، ولا تجب على المرأة مهر المثل بعد ذلك، وإذا كان للزوجة قصاص على زوجها فأبرأته على ما ثبت لها من ذلك القصاص فإنه يصح ويقع الطلاق بائناً، وإذا كان لها عليه حد قذف أو تعزير فأبرأته منهما وطلقها على ذلك وقع الطلاق بائناً ولزمها أن تدفع لزوجها مهر مثلها، وذلك لأن العوض يشترط فيه أن يكون من الأشياء التي يصح جعلها صداقاً وحد القذف والتعزير إن كان لا يصح جعلهما صداقاً، ولكنهما كالمال المقصود، لأنهما لهما قيمة في ذاتهما.
والمراد بالمقصود هو ما له قيمة وإن كان لا يقابل بمال، فلهذا يلزم الطلاق البائن بالخلع عليهما، ويجب على الزوجة أن تدفع مهر المثل، ولا يسقط الحد عنه وقيل: يسقطان لأن الخلع عليهما يتضمن العفو عنهما، ولكن هذا ضعيف، لأنه لو صح لما وجب على الزوجة مهر المثل.
والحاصل أن العوض إذا كان مالاً مقصوداً صح الخلع ووجب المال. فإن لم يكن له قيمة مالية أصلاً وقع عليه الطلاق رجعياً، وإن كان مقصوداً، ولكنه فاسد، كالخمر والخنزير وقع الطلاق بائناً بمهر المثل، ومثله ما إذا كان مقصوداً ولكنه لا يقابل بمال كحد القذف والتعزير أما المقصود الذي يقابل بمال، كالقصاص، فإنه يصح، ويرتفع القصاص.
ومن هذا تعلم أن نفقة العدة والحضانة ونحوهما مال مقصود يصح بهما الخلع وقوله: معلوم، خرج به ما إذا خالعها على شيء مجهول، فلو قالت له خالعني على دابة. أو ناقة. أو ثوب ولم تعينه له، فخالعها وقع الطلاق بائناً ولزمها مهر المثل وقوله: غير فاسد، خرج ما إذا خالعها على مال فاسد، كالخمر. والخنزير، فإنه يقع به الطلاق البائن ويلزمها أن تدفع له مهر المثل، وإذا خالعها بمعلوم ومجهول، كما إذا خالعها على فرسه ودابة أخرى معينة، فإنه يفسد ويجب عليها مهر المثل، أما إذا خالعها بصحيح وفاسد معلوم، كما إذا قال لها: خالعتك على عشرين جنيهاً وعلى هذا الدن من الخمر فإنه يصح في الصحيح، ويجب في مقابل الفاسد مهر المثل، ولو خالعها على ما ليس موجوداً، كما إذا قالت له: خالعني بما في داري، أو بما في كفي، ولم يكن فيهما شيء بانت بمهر المثل، ولو علم الزوج أن ليس فيهما شيء، ومثل ذلك ما إذا خالعته على مال مغصوب أو غير مقدور على تسليمه، وكذا إذا خالعها على شيء مجهول في ذاته، كما إذا قال لها: خالعتك على ثوب في ذمتك فإنها تبين بمهر المثل، وهذا بخلاف ما إذا علق الخلع على مجهول، فإن فيه تفصيلاً، وهو أنه إن أمكن إعطاء المعلق عليه فإنها تبين بمهر المثل أيضاً، وذلك إذا قال لها: إن أعطيتني ثوباً فأنت طالق، فأعطته ثوباً فإنها تبين بذلك بمهر المثل، وإن كان لا يمكن إعطاء المعلق عليه فإنها لا تطلق منه،
وذلك كأن يقول لها: إن أعطيتني ما في كفك فأنت طالق وليس في كفها شيء يمكن إعطاؤه فإنها في هذه الحالة لا تطلق، وإن علق طلاقها على البراءة من معلوم فإنه يصح الخلع ويلزم العوض، كما إذا قال لها: إن أبرأتني من صداقك المعروف لهما فأنت طالق فقالت له: أبرأتك، فإنه يصح، فإذا قالت له: إن طلقتني فأنت بريء من صداقي، وهي جاهلة بصداقها، فإن كان
يظن أن صداقها مال مقصود غير فاسد وقع بمهر المثل، وإن علم أن صداقها فاسد، فإنها تطلق رجعياً، وإن قالت له: أبرأتك. ولم تذكر مالاً، فقال لها: إن صحت براءتك فأنت طالق، فإن كان الذي أبرأته منه معلوماً وقع الطلاق رجعياً، لأنه لم يقع في مقابل عوض، لأنه علقه بصحة البراءة، وصحة البراءة متحققة قبل طلاقه، لأنها أبرأته حقاً، وإن أبرأته من شيء مجهول فلا يقع شيء.
وإذا قال لها: إن أبرأتني من دينك فأنت طالق، وكان دينها مجهولاً، فقالت له: أبرأتك فإنه لا يقع به شيء، وذلك لأنه علق البراءة على دين مجهول، فلم تتحقق البراءة فلم يوجد المعلق عليه.
وإذا خالع عن الزوجة غيرها على مال فاسد، وصرح بالفساد فإنه يقع رجعياً، كما إذا قال له: خالع زوجتك على هذا المال المغصوب، أو على هذا الخمر، وذلك لأن الأجنبي لا مصلحة له بل هو متبرع بدون فائدة تعود عليه، فإذا صرح بفساد العوض كان معنى ذلك عدوله عن التبرع، بخلاف الزوجة فإن لها منفعة وهي ملك نفسها، فإذا صرحت بالفساد، أو ذكرت مالاً فاسداً مقصوداً فإنه يلزمها مهر المثل. أما إذا لم يصرح الأجنبي بالفساد، كما إذا قال له: خالع زوجتك على هذا الجمل، وكان في الواقع مغصوباً فإنه يصح الخلع وعليها مهر المثل.
الحنابلة - قالوا: يشترط في عوض الخلع أن يكون مالاً حلالاً، فإذا خالعها على خمر. أو خنزير. ونحوهما، وهما يعلمان تحريمه، فإن الخلع يقع فاسداً لأن الرضاء به يدل على الرضاء بغير عوض، ولا بد من العوض لأنه ركن الخلع، فلا يتحقق بدونه، أما إن كانا لا يعلمان التحريم فإنه يصح الخلع، وتلزم المرأة بدفع قيمة العوض، أو مثله إن كان له مثل من حلال، وذلك لأن الخلع معاوضة بالبضع، فلا يفسد العوض، كعقد النكاح، فإذا قال: إن أعطيتني خمراً، أو خنزيراً، فأنت طالق فأعطته وقع الطلاق لوجود الإعطاء، ولكنه يكون رجعياً لعدم صحة العوض، ولا شيء على الزوجة لرضائه بغير العوض، فإن قلت: إنكم قلتم في النكاح: إذا أصدقها مهراً فاسداً صح العقد ولزمه مهر المثل فلماذا لم تقولوا: إذا خالعها على مال فاسد صح الخلع ولزمها مهر المثل؟
والجواب: أن خروج البضع من ملك الزوج ليست له قيمة مالية، بخلاف دخوله في ملكه. فإنه متقوم بالصداق ولهذا قلنا: إن الخلع يفسد، بخلاف النكاح بمهر المثل، ولا يشترط في العوض أن يكون معلوماً فيصح الخلع بالمجهول، فإذا خالعها على ما في بيتها من المتاع صح الخلع. وله ما في بيتها قليلاً كان، أو كثيراً، فإن لم يكن في بيتها شيء كان له الحق في أقل شيء يصدق عليه اسم المتاع، وكذا إذا خالعها على ما في يدها، فإن لم يكن في يدها شيء، كان له أقل ما يصح أن يكون فيها وهو ثلاثة دراهم، وإن كان في يدها شيء فهو له قليلاً كان أو كثيراً.
وكذا لا يشترط في العوض أن يكون موجوداً فيصح الخلع بالمعدوم الذي ينتظر وجوده كما إذا خالعها على حمل ناقتها. أو حمل غنمها. أو بقرها أو نحو ذلك، فإذا كان هناك حمل كان للزوج وإن لم يكن حمل وجب عليها إرضاؤه، فإن لم يتراضيا لزمها أن تعطيه ما يتناوله اسم الحمل ومثل ذلك ما إذا خالعته على ما تحمل شجرتها من الثمر. أو خالعته على ما في ضروع ماشيتها من الغنم فإنه يصح على الوجه المذكور.
ويصح الخلع بذكر العوض عاماً غير موصوف، كما إذا قالت له: خالعني على جمل، أو على بقرة، أو على ثوب أو شاة، ولم تعينه، فإن الخلع يصح ويلزمها أن تدفع له أقل جمل أو بقرة أو شاة، وإن قالت: خالعني على هذا الجمل فخالعها ثم ظهر أنه مغصوب، فإنها لا تطلق، ومثل ذلك ما إذا ظهر أنه مرهون، فإنها لا تطلق.
ويصح الخلع على سكنى دار معينة مدة معلومة، كما إذا قالت له: خالعني على أن تسكن في هذه الدار سنتين أو أكثر أو أقل، فقال لها: خالعتك على ذلك فإنه يصح، وله السكنى، فإن هدمت الدار رجع عليها بأجرة مثل هذه الدار.
وكذا يصح الخلع على أن ترضع ولده منها أو من غيرها مدة معينة، فإن مات الولد قبل استيفائهم كان له الحق في المطالبة بأجرة رضاع مثله، فيما بقي له. ومثل ذلك ما إذا ماتت هي، أو جف لبنها. وإذا خالعته على إرضاع ابنه ولم تذكر مدة فإنها تلزم بإرضاعه المدة المقررة للرضاع شرعاً وهي الحولان، سواء كان الخلع قبل الوضع أو بعده مباشرة، أو كان في أثناء المدة، فإن كان قد مضى على ولادته سنة لزمها أن ترضعه الحول الباقي. ويصح أن تخالعه على كفالة ولده مدة معينة، كما يصح أن تخالعه على نفقته مدة معينة كعشر سنين ونحوها، ويحسم أن يذكر مدة الرضاع من هذه المدة إن كان الولد رضيعاً وأن يذكر صفة الطعام الذي تطعمه للولد، بأن يقول: خالعتك على نفقة ولدي عشر سنين فترضعيه منها سنتين أو أقل حسبما يتفقان عليه، وأن تطعميه خبزاً من الحنطة مثلاً، كل يوم ثلاثة أرغفة أو رغيفين أو نحو ذلك ويذكر الأدم ونحو ذلك، فإن لم يذكر فإن الخلع يصح وتحمل مدة الرضاع على المدة الشرعية، والنفقة على ما جرى به العرف والعادة، وللوالد أن يأخذ منها قيمة النفقة ويباشر الإنفاق عليه هو، وإذا مات الولد فله الحق في الرجوع عليها بقيمة النفقة في المدة الباقية، ويصح للحامل أن تخالعه على نفقة حملها لأنها واجبة عليه بسبب موجود، وهو الحمل، ولا يضر جهالة قدر المدة، وتسقط نفقتها ونفقة الولد حتى تفطمه فلها الحق في المطالبة بنفقته) .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #258  
قديم 27-07-2022, 01:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 367 الى صــــــــ
376
الحلقة (215)



شروط صيغة الخلع
-لا بد للخلع من صيغة، فلا يصح الخلع بالمعاطاة، كأن تعطيه مالاً وتخرج من داره بدون أن يقول لها: اختلعي على كذا فتقول له: اختلعت، أو تقول له: اخلعني على كذا، فيقول لها:خلعتك على ذلك، فالإيجاب والقبول بالقول لا بد منه، أما الفعل المذكور، فلا يقع به الخلع وإن نوي به الطلاق، أو كان الطلاق به متعارفاً (1) ، وفي صيغة الخلع وشروطها تفصيل المذاهب (2) .
مبحث الخلع طلاق بائن لا فسخ والفرق بين الفسخ والطلاق.
-قد عرفت من تفصيل المذاهب المتقدم أن ألفاظ الخلع تنقسم إلى قسمين: منها ما هو صريح منها ما هو كناية، فالصريح يقع به طلاق بائن بدون نية، والكناية يقع بها طلاق بائن بالنية، على ما هو موضح في كناية الطلاق في المذاهب ثم إذا نوى به الطلاق الثلاث، فإنها تلزمه، وكذا إذا نوى به طلقتين (3) فإنهما يلزمانه، وعلى كل حال فالخلع يترتب عليه طلاق يحسب من عدد الطلقات الثلاث التي يملكها، فليس هو مجرد فسخ (4) ، وذلك لأن الفرقة بين الزوجين تارة تكون طلاقاً. وتارة تكون فسخاً، فالفرقة بالطلاق هي حل عصمة الزوجية بلفظ الطلاق الصريح. أو الكناية، ومنها الخلع، وهو إن كان بلفظ الخلع كان طلاقاً صريحاً. وكذا إذا كان بلفظ الطلاق على مال، وإلا كان كناية، كما تقدم إيضاحه، ومنها فرقة الإيلاء، فإذا حلف الرجل أن لا يقرب زوجته ينتظر لها أربعة أشهر، فإذا لم يحنث ويقربها يؤمر بقربانها من القاضي، فإن لم يفعل طلقت منه على التفصيل الآتي في بابه، ومنها غير ذلك مما هو مفصل في المذاهب (5) .
__________
(1) (المالكية - قالوا: إذا عمل عملاً يدل على الطلاق عرفاً فإنه يقع به الطلاق فإذا فرض وأعطت الزوجة لزوجها مالاً وكان بيدهما حبل فقطعه الزوج، وكان ذلك في عرف القوم طلاقاً فإنها تطلق بذلك طلاقاً بائناً في مقابلة العوض، فإذا لم تعطه مالاً وكان ذلك في عرفهم أن يطلقوا بقطع الحبل، فإنه يكون طلاقاً رجعياً، فإذا لم يكن العرف جارياً بذلك وفعل ذلك ناوياً به الطلاق، فإن قامت قرينة تدل على الطلاق لزم به الطلاق، مثلاً إذا تنازع الزوج مع أهل الزوجة فقالوا: نرد لك ما أخذنا، وترد لنا بنتنا، ففعلوا كان طلاقاً بائناً، وإن لم ينطق بالطلاق ولم يجر به العرف.
والحاصل أن الطلاق بالفعل يصح بتحقق أحد أمرين: أحدهما: أن يكون الطلاق في عرف القوم بالفعل، كما مثلنا، ومنه ما إذا أغضب الرجل امرأته فخلعت أسورتها وأعطتها إياه فقبلها وخرجت من منزله فلم يمنعها وكان ذلك طلاقاً في عرفهم، فإنه يصح ويكون خلعاً، وإن لم ينطق بصيغة الطلاق. ثانيهما: أن تقوم قرينة تدل على الطلاق بالفعل، فإنه يقع، كما ذكرنا) .
(2) (الحنفية - قالوا: قد ذكرنا لك في تعريف الخلع أن ألفاظ الخلع سبعة، وفصلنا لك ما يتعلق بكل لفظ منها. وبقي من الأحكام التي تتعلق بالصيغة أنه يشترط في صحة القبول من الزوجة أن تكون عالمة بمعنى الخلع، فإذا كانت أعجمية ولقنها زوجها بالعربية كلمات - اختلعت منك بالمهر ونفقة العدة - فقالت هذه الكلمات، وهي لا تعرف معناها وقبل الزوج، فإنها تطلق منه بائناً، ولا شيء له قبلها، ثم إن الخلع بالنسبة للرجل يمين، فلو ابتدأ الخلع بقوله: خالعتك على مائة مثلاً فإنه لا يملك الرجوع عنه، وكذا لا يملك فسخه ولا نهي المرأة عن قبوله. وله أن يعلقه بشرط ويضيفه إلى وقت. فإذا قال لها: إذا قدم زيد خالعتك على ألف وقبلت عند مجيء زيد صح الخلع. أما إذا قبلت قبل مجيء زيد فإنه لا يصح، ومثل ذلك ما إذا قال لها: إذا دخلت الدار فقد خالعتك على ألف فدخلت الدار، وقالت: قبلت الخلع عند دخول الدار، فإنه يصح فيقع الطلاق بائناً وتلزم بالعوض. أما إذا قالت: قبلت الدخول فإنه لا يصح، وكذا إذا أضافه إلى وقت. كما إذا قال لها: خالعتك على ألف غداً أو في آخر الشهر، فإنه يصح إذا قالت: قبلت عند مجيء الغد. أو آخر الشهر، أما إذا قالت: قبلت قبل ذلك، فإنه لا يصح.
أما الخلع بالنسبة إلى المرأة فإنه معاوضة المال، لأنها تعطي الرجل مالاً ملكاً له في نظير الطلاق، وذلك معنى المعاوضة بين اثنين أحدهما يعطي مالاً لغيره على سبيل الملك وثانيهما يعطي بدلاً في نظير تمليك ذلك المال. وإذا كان كذلك فإنها يصح لها أن ترجع قبل القبول، فلو بدأت الخلع هي، فقالت: اختلعت نفسي منك بألف. أو خالعني على صداقي ونفقة عدتي، فلها أن ترجع قبل أن يقول الزوج: خالعتك على ذلك، ويبطل بقيامها عن المجلس قبل القبول، كما يبطل بقيامه هو عن
المجلس أيضاً، ولو كان الزوج غائباً وبلغه وقبل لم يصح، ولا يصح لها أن تعلقه بشرط ولا تضيفه إلى وقت.
وهل يصح شرط الخيار للزوجة أو لا يصح؟ خلاف بين الإمام. وصاحبيه. مثلاً إذا قال الزوج لها: خالعتك بمهرك ونفقة عدتك على أن يكون لك ثلاثة أيام. أو أكثر، فإن الإمام يقول: إن ذلك صحيح، فلها أن تقبل في مدة الخيار ويقع الطلاق البائن وتلزم بالعوض، ولها أن ترد، فلا يلزم طلاق ولا عوض، أما صاحباه فيقولان: إن الخيار باطل والطلاق واقع في الحال، والمال لازم إن قبلت.
ويصح الخيار للرجل في بدل الخلع إذا وجد به عيباً فاحشاً يخرجه من الجودة إلى الوساطة ومن الوساطة إلى الرداءة، أما العيب اليسير فلا خيار له فيه، فلو اختلعت منه نفسها على عشرين إردَبّاً من القمح الجيد فوجدها متوسطة كان له ردها. وإذا كانت متوسطة فوجدها رديئة كان له ردها، أما إذا وجد بها غلتاً يسيراً، فإنه لا يضر. ويشترط مطابقة الإيجاب للقبول، فإذا قال لها: أنت طالق أربعاً بثلاثمائة، فقالت: قبلت ثلاثاً لم تطلق، لأنه علق الخلع على قبولها الأربع، فإذا قبلت ثلاثاً لم يتحقق المعلق عليه. وهو قبولها الأربع.
وإذا قال: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت، ثم قال لها: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت، ثم قال لها: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت، فإنه يقع ثلاث تطليقات بثلاثة آلاف وهذا بخلاف ما إذا قال لها: خالعتك، ولم يذكر بدلاً، فقالت: قبلت، ثم أعاد لها اللفظ، فقالت: قبلت، فإن الثاني لا يقع، لأن الأول وقع بائناً، فلا يلحقه الثاني، والفرق بين العبارتين أو الأول مذكور فيه العوض، فلا يقع إلا إذا قبلته، ولما كرره لها بالعوض قبلت، فيقع الثلاث جملة واحدة بالعوض المكرر، أما الثاني فلم يذكر فيه العوض، فلا يتوقف وقوع الطلاق على قبولها متى نواه، أو كان بلفظ خالعتك، فإنه لا يحتاج إلى نية على قول، كما تقدم، وإنما الذي يتوقف على قبولها سقوط حقها، وحينئذ يقع الطلاق باللفظ بدون قبولها، وهو بائن، فإذا كرره فإن الثاني لا يلحقه.
هذا إذا بدأ الزوج بالعوض، أما إذا بدأت الزوجة، بأن قالت: خلعت نفسي منك بألف وكررتها ثلاثاً، فقال: قبلت، فإنه لا يقع إلا واحدة بألف على الصحيح، والفرق بين الحالتين أنك قد عرفت أن الخلع يمين من جانب الرجل، فيصير معلقاً على قبوله، بل يكون معاوضة لها الرجوع عنه قبل أن يتم، فإذا كررته يكون قبولاً للعقد الأخير. ويلغو الأول بالثاني، والثاني بالثالث.
وإذا قالت له: طلقني أربعاً فطلقها ثلاثاً. فإنها تطلق ثلاثاً بالألف، ولا تضر المخالفة هنا، وإذا قالت له: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة، بانت منه واحدة بثلث الألف، بشرط أن يطلقها في المجلس. فلو قام وطلقها لم يجب شيء. لأنه معاوضة من جانبها، فيشترط في قبوله المجلس. فإذا
طلقها اثنتين كانت له كل الألف. كما إذا طلقها ثلاثاً بلفظ واحد أو متفرقة. بشرط المجلس، فإذا قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثاً. فإن قال: أنت طالق ثلاثاً بألف. وقالت: قبلت. وقعت الثلاث بالألف. وإن لم تقبل لا يقع شيء. فإن قال: أنت طالق ثلاثاً ولم يقل: بألف فقيل: تطلق ثلاث بلا شيء. وقيل: تطلق واحدة بالألف والثنتان مجاناً، وهذا بخلاف ما إذا قالت له: طلقني ثلاثاً على ألف فطلقها واحدة فإنها تطلق رجعياً ولا شيء عليها للفرق بين - على - وبين باء الجر - فإن - على - للشرط، والمشروط وهو الألف لا يوزع على أجزاء الشرط وهي الثلاث فلو طلقها ثلاثاً متفرقة في مجلس واحد لزمها الألف. لأن الأولى والثانية تقع رجعية فوقعت الثالثة وهي في عصمته فله الألف. أما إن طلقها ثلاثاً في ثلاثة مجالس. فلا شيء له وعندها ثلث الألف. أما الباء فإنها مصاحبة للعوض، والعوض ينقسم على المعوض. هذا إذا بدأت الزوجة، فإذا بدأ الزوج فقال لها: طلقي نفسك ثلاثاً بألف. أو على ألف فطلقت نفسها واحدة، فإنه لا يقع شيء، وذلك لأنك قد عرفت أن الخلع يمين معلق على قبول المرأة إذا بدأ به الرجل، وظاهر أن المعلق على القبول هو طلاقها ثلاثاً، فإذا طلقت نفسها واحدة، فإنها لم تقبل اليمين المعلق، فلا يقع شيء بخلاف ما إذا كانت هي البادئة، فإنه من جهتها معاوضة، فإذا عرضت عليه ثلاثاً بألف وطلقها واحدة فإنها تبين منه بثلث الألف.
وإذا قالت له: طلقني واحدة بألف، فقال لها: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة طلقت ثلاثاً، الأولى بألف وثنتان مجاناً.
وإذا خالعها على أن يكون صداقها لولده، أو لأجنبي أو خالعها على أن يمسك الولد عنده فإن الخلع يصح، ويبطل الشرط.
المالكية - قالوا: يشترط في الصيغة ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تكون لفظاً، بأن ينطق بكلمة دالة على الطلاق، سواء كان صريحاً أو كناية، فإذا عمل عملاً يدل على الطلاق بدون نطق، فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا جرى به العرف. أو قامت قرينة، كما تقدم.
الشرط الثاني: أن يكون القبول في المجلس إلا إذا علقه الزوج بالأداء أو الإقباض، فإنه لا يشترط أن يكون القبول في المجلس، فإذا قال لها: إن أقبضتني عشرين جنيهاً أو أديت إلي كذا فأنت طالق، فإن لها أن تقبضه بعد المجلس ومتى فعلت بانت منه، إلا إذا طال الزمن بعد الانصراف عن المجلس بحيث تمكث مدة يظهر فيها أن الزوج لا يريد أن يمد لها، على أنه إذا قامت قرينة على أن الزوج يريد أن تقبضه في المجلس، فإنه يعمل بها بحيث لو قامت من المجلس بطل الخلع فلا تملك طلاق نفسها بالبدل.
الشرط الثالث: أن يكون بين الإيجاب والقبول توافق في المال، فإذا قال لها: طلقتك ثلاثاً بألف فقالت قبلت واحدة بثلث الألف لم يلزمه طلاق، فإن له أن يقول: إنني لم أرض بطلاقها إلا بألف، وهذا بخلاف ما إذا قالت له: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة بألف، فإن الطلاق ينفذ والعوض يلزم،
وذلك لأنها تملك نفسها بهذا وتبين به، فما زاد عليه لم يتعلق به غرض الشارع، ولا فائدة لها منه، وكذا إذا قالت له: طلقني واحدة بألف، فطلقها ثلاثاً، فإنه يصح لحصول غرضها وزيادة.
الشافعية - قالوا: صيغة الخلع هي كل لفظ من ألفاظ الطلاق صريحة وكناية ومن كنايته لفظ بيع وفسخ، فإذا قال لها: بعتك نفسك بألف ناوياً بذلك الطلاق فقالت: قبلت كان خلعاً صحيحاً تبين به ويلزمها العوض ومثل ذلك ما إذا قال: فسخت نكاحك بألف، وفي هذه الحالة يكون لفظ الفسخ طلاقاً ينقص عدد الطلقات، ومثال صريح الطلاق في الخلع أن تقوله له: طلقني على عشرين، فقال: طلقتك على ذلك فإنه يكون طلاقاً صريحاً بائناً يقع بدون نية، فإذا نوى به أكثر من واحدة لزمه ما نواه، أما إذا قالت له: أبني على عشرين، فقال لها: أبنتك فإنه لا يقع به الطلاق إلا بالنية، وهكذا في كل ألفاظ الكنايات التي تقدمت.
وهل ما اشتق من لفظ الخلع أو الافتداء صريح أو كناية؟ خلاف، والمعتمد أنه إذا ذكر معه العوض صريحاً أو لم يذكر العوض ولكن نواه، فإنه يكون صريحاً وإلا كان كناية. مثلاً إذا قال لها: خالعتك أو خلعتك أو اختلعي على عشرين جنيهاً فقبلت كان ذلك طلاقاً بائناً صريحاً لا يحتاج إلى نية، ومثل ذلك ما إذا قال لها: افتدي نفسك بعشرين جنيهاً فقالت: افتديت، فإنه يقع به البائن بدون نية، فإذا لم تقبل لم يقع طلاق ولم يلزمها مال، وكذا إذا لم يذكر المال ولكن نواه، بأن قال لها: خالعتك، ونوى على عشرين جنيهاً مثلاً فقالت: قبلت كان صريحاً لأن نية العشرين تقوم مقام ذكرها، فإذا لم ينو المال ولم يذكره فإن في ذلك صوراً ثلاثاً.
الصورة الأولى: أن ينوي الطلاق وينوي معه قبول التماسها، أي ينتظر أن تجيبه على طلبه فإن قبلت وقع الطلاق بائناً بمهر المثل إن كانت رشيدة، وإن لم تكن رشيدة وقع الطلاق رجعياً وإن لم تقبل لم يقع شيء.
الصورة الثانية: أن ينوي الطلاق ولا ينوي التماس قبولها، وفي هذه الحالة يقع الطلاق رجعياً ولو لم تقبل، لأنه نوى طلاقها ولم يعلقه على قبولها، وإذا لم ينو التماس قبولها، فإن لم ينو الطلاق فلا يقع به شيء، مثلاً إذا قال لزوجته: خالعتك ولم يذكر عوضاً ولم ينو التماس قبولها وقع به شيء ولو قبلت، فإذا قال لها: خالعتك، وهو ينوي الطلاق ولا ينوي التماس قبولها وقع رجعياً، قبلت أو لم تقبل، فإذا نوى التماس قبولها مع نية الطلاق فإن قبلت بانت بمهر المثل إن كانت رشيدة، وإن لم تقبل لم يقع به شيء، فهذا مثال للصورتين.
الصورة الثالثة: أن لا ينوي الطلاق، وفي هذه الحالة لا يقع شيء، سواء نوى التماسها القبول أو لم ينو، وسواء قبلت أو لم تقبل، وذلك لأنه كناية لا يلزم به شيء إلا بالنية.
هذا وإذا بدأ الزوج بالطلاق على مال فذكر العوض كان الخلع عقد معاوضة مشوب بنوع تعليق فلا يقع به الطلاق إلا إذا قبلت، فكأنه قال لها: إن قبلت دفع العوض فأنت طالق، وعلى هذا يصح له
الرجوع قبل قبولها نظراً لجهة العوض، فإن قلت: إن البيع تتوقف صحته على القبول - كالطلاق - على مال، وحيث قلتم: إنه يصح للمطلق على مال أن يرجح قبل قبول الزوجة لتوقف صحة الطلاق على القبول، يلزمكم أن تقولوا: إنه يصح للبائع أن يرجع قبل قبول المشتري لتوقف صحة البيع على القبول، والجواب: أن هناك فرقاً بين الحالتين وهو أن البيع، وإن توقف على القبول، ولكن ليس للبائع أن يستقبل وحده بالبيع في أي حال، إذ لا يتحقق البيع إلا بقبول المشتري، أما المطلق فإنه يصح أن يستقل بطلاق المرأة بدون قبولها إذا جرده عن العوض، فالذي يتوقف على القبول هو العوض، فالرجل قد عدل عن استقلاله بالطلاق وعلقه على قبول الغير، أما البائع فليس له استقلال في إيجاد البيع من الأصل حتى يقال: إنه عدل عن الاستقلال وعلقه بالغير، وهذا بخلاف ما إذا بدأ بصيغة تعليق في حالة الإثبات. كما إذا قال: متى أعطيتني عشرين جنيهاً فأنت طالق، فإنه ليس له الرجوع قبل إعطائه، ومتى أعطته طلقت، ولا يشترط فيه أن تقول: قبلت، كما لا يشترط أن تعطيه فوراً، إلا إذا قال لها: إن أعطيتني، أو إذا أعطيتني، فأنت طالق فإنه يشترط أن تعطيه فوراً لأن لفظ - إذا، وإن - يقتضيان الفور في الإثبات، بخلاف - متى - فإنه صريح في جواز التأخير، فإذا قال: إن، أو إذا، ومضى زمن يمكنها الإعطاء فيه ولم تعط فلا تطلق.
هذا، وأما شروط الصيغة فهي الشروط المتقدمة في البيع في الجزء الثاني من هذا الكتاب ومنها أن يكون كلام كل واحد منهما مسموعاً للآخر ولمن يقرب منه من الحاضرين، ومنها أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب، ومنها أن يقصد كل منهما معنى اللفظ الذي ينطق به، فإن جرى على لسانه بدون أن يقصد معناه فإنه لا يصح، فإذا أراد أن يقول لها: أعطيتك ألفاً، فقال لها: طلقتك على ألف فإنه لا يقع به شيء بينه وبين الله، ومنها أن لا يتخلل بين الإيجاب والقبول كلام، ولكن في البيع يضر الكلام ولو يسيراً، أما هنا فإنه لا يضر الكلام اليسير، وإنما الذي يضر الكلام الذي يشعر بالإعراض عن الموضوع، ومنها أن يتفق الإيجاب مع القبول، فإذا قال لها: طلقتك بألف، فقالت قبلت بألفين لا يقع شيء. وإذا قال لها: طلقتك ثلاثاً بألف. فقالت: قبلت واحدة بألف فإن الثلاث تقع بالألف، وذلك لأنه وإن لم يوافق القبول الإيجاب في الطلاق ولكن وافقه في المال. والزوجة تملك المال. والزوج يملك الطلاق فقد وافقته فيما تملك فتلزم به ويلزم هو بالثلاث إلى غير ذلك من الشروط المتقدمة. فارجع إليها إن شئت.
الحنابلة - قالوا: يشترط في صيغة الخلع شروط:
أحدهما: أن تكون لفظاً، فلا يصح الخلع بالمعاطاة، ولو نوى بها الطلاق، بل لا بد فيه من الإيجاب والقبول.
ثانيها: أن يكون الإيجاب والقبول في المجلس، فإذا قال لها: خلعتك بكذا، وقام من المجلس قبل أن تقبل، فإنه لا يصح وكذا إذا قامت هي ولم تقبل.
ثالثها: أن لا يضيف الخلع إلى جزء منها، فإذا قال لها: خلعت يدك أو رجلك بكذا، وقبلت كان لغواً، وذلك لأن الخلع فسخ لا طلاق، وإضافة العبارة الدالة على الفسخ إلى جزء المرأة تعتبر، بخلاف الطلاق، فإنه إذا أضافه إلى جزء متصل بها فإنه يقع كما تقدم، نعم إذا قال لها:خلعت رجلك بكذا، ونوى الطلاق فإنه يكون طلاقاً فتطلق كما تقدم إيضاحه في التعريف. رابعها: أن لا يعلقه على شرط، فإذا قال لها: إن بذلت لي كذا فقد خلعتك فإن الخلع لا يصح ولو بذلت له ما سماه بخلاف الطلاق فإنه يصح تعليقه. فإذا قال لزوجته: إن أعطيتني هذا الجمل فأنت طالق، فأعطته إياه طلقت، ولو وجده معيباً لا يصح له رده أما إن يظهر أنه مغصوب فلا يقع الطلاق، والمراد بإعطائه أن تخلي بينه وبين الجمل ليملكه، وبعضهم يقول: لا بد من أن تقول له: ملكتك هذا الجمل، لأن فعلها غير كاف في التمليك، وهل يصح الخلع مع الشرط أو لا؟ والجواب: نعم يصح ويلزم العوض، فإذا قال لها: خلعتك بكذا على أن يكون لي الحق في الرجعة، وقبلت فإن الخلع يصح ويبطل الشرط. فلا يكون له الحق في الرجعة، ومثل ذلك ما إذا شرط الخيار، كما إذا قال لها: خالعتك بكذا على أن يكون لي الخيار أو لك الخيار ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر، فإن الخلع يصح والخيار يبطل، فيقع الخلع فوراً وله الحق في العوض.
ويصح الخلع مع البيع، فإذا قالت لزوجها: بعني هذا الجمل، وطلقني بمائة، فإنه يصح إذا قال لها: قبلت في المجلس، ويكون ذلك بيعاً، وخلعاً. لأن كلاً منهما يصح مفرداً فصحا مجتمعين، ثم ينظر إلى المبلغ بالنسبة لصداقها المسمى في عقد الزواج، فإن كان خمسين جعل عوض الخلع خمسين وثمن الجمل خمسين، فإذا وجدت بالجمل عيباً وردته به رجعت بالخمسين التي خصته. وإن كان مهرها أكثر نقص بقدر ذلك من ثمن الجمل، وعلى هذا القياس، ولا بد من مطابقة القبول للإيجاب فيما يوافق غرض الموجب، فإذا قالت له: اخلعني بألف، فقال طلقتك لم يستحق الألف لأنه أوقع طلاقاً لم تطلبه، فلم يتحقق الخلع الذي بذلت فيه العوض، وهذا بخلاف ما إذا قالت له: طلقني واحدة بألف أو على ألف، ونحو ذلك فطلقها ثنتين، أو ثلاثاً فإنه يستحق الألف، لأنه أتى بغرضها وزيادة وإذا قالت له: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق وطالق، وطالق، فإنها تبين بالأولى، لأنها في مقابلة عوض فلم يلحقها ما بعدها، فإن قال أنت طالق. وطالق بألف وقعت الأولى رجعية فتلحقها الثانية، لأن البائن يلحق الرجعي ولغت الثالثة، أما إن ذكر - بألف - عقب الثالثة فقط، فإنها تطلق ثلاثاً.
وإذا قالت له: طلقني ثلاثاً بألف فقال: قبلت واحدة أو اثنتين، فإنه لا يستحق شيئاً ووقعت رجعية، وإن قال لها: أنت طالق ثلاثاً بألف، فقالت: قبلت واحدة بألف وقع الثلاث أما إذا قالت قبلت واحدة بخمسمائة، أو قبلت الثلاث بخمسمائة فإنه لم يقع شيء، لأن الشرط لم يوجد) .
(3) (الحنفية - قالوا: إذا نوى بالخلع ثلاثاً فإنه يلزم به، أما إذا نوى به ثنتين فلا يلزمه إلا واحدة، وقد تقدم تعليل ذلك في مبحث الكناية فارجع إليه) .
(4) (الحنابلة - قالوا: إن الخلع فسخ لا طلاق، فلا ينقص به عدد الطلقات ما لم يكن بلفظ الطلاق. أو ينوي به الطلاق، كما تقدم إيضاحه في مذهبهم، وقالوا أيضاً: إن الإيلاء منوط بالحاكم فإن شاء طلق وإن شاء فسخ) .
(5) (الحنفية - قالوا: بين الزوجين تارة تكون فسخاً. وتارة تكون طلاقاً، فتكون فسخاً في مواضع: منها تباين الدار حقيقة وحكماً، ومعنى ذلك أن يترك أحد الزوجين الحربيين دار الحرب إلى دار الإسلام مسلماً أو ذمياً، فإذا فعل ذلك بانت منه امرأته أما المستأمن، وهو الذي يدخل دار الإسلام بأمان لتجارة ونحوها بنية العودة إلى بلاده، فإن امرأته لا تبين منه، وقد تقدم بيان ذلك في صحيفة 196، ومنها فساد العقد بسبب من الأسباب كما إذا تزوجها بغير شهود. أو إلى مدة معينة. أو نحو ذلك، مما تقدم تفصيله في النكاح الفاسد ففي هذه الحالة تجب الفرقة بينهما وتكون فسخاً لا طلاقاً، ومنها أن يفعل ما يوجب حرمة المصاهرة بأصول المرأة الاناث وفروعها، كأن يقبل بنت زوجته بشهوة. أو أمها. أو نحو ذلك، مما هو مفصل في مبحث ما يوجب حرمة المصاهرة، صحيفة 62 وما بعدها، وكذا إذا فعلت الزوجة ما يوجب حرمة المصاهرة مع أصوله، أو فروعه الذكور، كتقبيل ابن زوجها البالغ بشهوة، ونحوه، ومنها إسلام أحد الزوجين الكافرين في دار الحرب، فإذا أسلمت الزوجة وهي في دار الحرب تبين من زوجها الكافر بعد ثلاث حيض كما تقدم في صحيفة 194 وما بعدها، ومنها أن ترضع الزوجة ضرتها الصغيرة، فإنها تصبح أمها في الرضاع، فتبين منه هي ومن أرضعتها وهذه البينونة فسخ لا طلاق لأنهما يحرمان عليه مؤبداً.
ومنها أن يرتد أحد الزوجين، فإنه إذا وقع ذلك بانت منه امرأته فسخاً لا طلاقاً كما تقدم بيانه في صحيفة 199، أم الفرقة بالطلاق فهي في مواضع الطلاق بالجب. والعنة، وقد تقدم بيانه في مبحث العيوب. ثانيها: الفرقة بالإيلاء. ثالثها: الفرقة باللعان. رابعها: بصريح الطلاق وكنايته على ما تقدم إيضاحه.

الشافعية - قالوا: تنقسم فرقة النكاح في الحياة إلى قسمين: طلاق. وفسخ، فالطلاق أربعة أنواع:

الأول: ألفاظ الطلاق صريحة. وكناية.
الثاني: الخلع.
الثالث: فرقة الإيلاء. الرابع: فرقة الحكمين، فإذا وكل الزوج حكمين في تطليق امرأته أو وكلتهما الزوجة في طلاقها بعوض مالي ففعلا، فإنه يكون طلاقاً لا فسخاً.
أما الفرقة بالفسخ فهي أمور: منها الفرقة بسبب إعسار الزوج عن دفع الصداق أو النفقة والكسوة والمسكن بعد إمهاله ثلاثة أيام وقد عرفت أن الفسخ بسبب الإعسار من المهر إنما يكون قبل الوطء، كما تقدم بيانه في صحيفة 148، ومنها فرقة اللعان الآتي بيانه، ومنها فرقة العيب المتقدم تفصيله في بابه، ومنها فرقة الوطء بشبهة، وقد تقدم بيانه في صحيفة 112 مبحث الوطء بشبهة، ومنها الفرقة بسبي أحد الزوجين، وقد تقدم بيانه في صحيفة 197، ومنها فرقة إسلام أحد الزوجين الكافرين، وتقدم إيضاحها في صحيفة 193 ومنها ردة منه أو منها وتقدم في صحيفة 207، ومنها إذا أسلم الكافر وتحته أختان، وتقدم في صفحة 192، ومنها فرقة عدم الكفاءة وتقدمت في مبحث الكفاءة، ومنها فرقة الانتقال من دين لآخر، كالانتقال من اليهودية للنصرانية وبالعكس ومنها فرقة الرضاع بشروطه المتقدمة.
المالكية - قالوا: الفرقة بين الزوجين تارة تكون طلاقاً، وتارة تكون فسخاً، فتكون طلاقاً فيما يلي:
- 1 - في كل عقد فاسد مختلف فساده كنكاح الشغار. ونكاح السر. والنكاح بدون ولي ونحو ذلك مما تقدم، فكل عقد فاسد عند المالكية صحيح عند غيرهم فإنه يفسخ بطلاق يحسب من عدد الطلقات، أما إذا كان مجمعاً على فساده فإنه يفسخ بغير طلاق، ومن ذلك العقد على امرأة في عدة الغير، أو العقد على محرمة من المحارم، أو العقد على خامسة وتحته أربعة، أو نحو ذلك من العقود المجمع على فسادها فإنها تفسخ بغير طلاق، وقد تقدم بيان ذلك في ص 17 وما بعدها.
- 2 - فسخ الحاكم بالغيب طلاق بائن، سواء طلق هو أو أمرها بأن تطلق نفسها إلا إذا كان مولياً وطلق عليه، فإن طلاق الحاكم في هذه الحالة يكون رجعياً، ومثله ما إذا طلق عليه الحاكم بسبب الإعسار عن دفع النفقة فإن طلاقه يكون رجعياً، وقد تقدم في صحيفة 167، وما بعدها.
- 3 - الردة طلاق بائن على المشهور، وقد تقدمت في مباحث الردة.
- 4 - الخلع، وهو طلاق صريح، كما تقدم في بابه.
- 5 - الطلاق الصريح، والكناية.
- 6 - الفرقة بسبب الإيلاء طلاق كالفرقة بسبب العيب، فيأمره القاضي بالطلاق أو يطلق عليه القاضي أو جماعة المسلمين. أو يأمرها به فتطلق نفسها، ويحكم القاضي به أو يثبته طلاقاً على الخلاف المتقدم في الطلاق بالعيب، إلا أنه بائن في العيب ورجعي في الإيلاء إلا إذا طلق هو رجعياً.
- 7 - الفرقة بسبب الإعسار عن دفع الصداق أو دفع النفقة، فإن الحاكم يطلق عليه طلقة واحدة رجعية إن أبى عن تطليقها، أو يأمرها بأن تطلق نفسها ثم يحكم به كما تقدم، وتكون الفرقة فسخاً فيما يلي: أولاً: في العقد الفاسد المجمع على فساده، ومنه نكاح المتعة على المعتمد، لأنه مجمع على فساده بين الأئمة ومن قال بجوازه فقوله شاذ لا يعول عليه، ومن نظر إلى هذا القول قال إنه مختلف فيه، فالفرقة بسببه طلاق لا فسخ. ثانياً: الفرقة بالرضاع. فإنها فسخ بلا طلاق. ثالثاً: الفرقة باللعان، فإنها توجب تأبيد التحريم، فلا يحل له أن يتزوجها بحال، فلا يعتبر ذلك طلاقاً، رابعاً: الفرقة بسبب السبي، فإنها تقطع علاقة الزوجية بين الزوجين، فإذا سبيت المرأة الحربية وهي كافرة وزوجها غير كافر فإنها تصير غير زوجة له فتحل لغيره بمجرد أن تحيض مرة، وقد تقدم توضيحه في صحيفة 196، وكذا إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين، فإن الفرقة بينهما فسخ بغير طلاق، وقد تقدم توضيحه في صحيفة 191.
الحنابلة - قالوا: الفرقة تارة تكون فسخاً. وتارة تكون طلاقاً، فتكون فسخاً في أمور: منها الخلع إذا كان بغير لفظ الطلاق أو نيته، ومنها ردة أحد الزوجين. ومنها الفرقة لعيب من العيوب المتقدمة في هذا الباب، ولا يفسخ إلا حاكم.
ومنها الفرقة بسبب إعساره عن دفع الصداق والنفقة ونحوها، ولا يفسخه إلا حاكم أيضاً، ومنها إسلام أحد الزوجين، وينفسخ نكاحهما إذا انقضت عدتها. أما إذا أسلمت المرأة ثم أسلم زوجها وهي في العدة فإن نكاحهما يبقى، كما هو موضح في صحيفة 193، وما بعدها، أما فرقة الإيلاء فهي منوطة بالحاكم فإذا انقضت المدة، وهي أربعة أشهر ولم يطأ زوجته ولم تعطف عليه وطلبت من الحاكم طلاقها، فإنه يأمره بالطلاق، فإن أبى طلق عليه الحاكم واحدة أو ثلاثاً، أو فسخ العقد بدون طلاق، كما سيأتي إيضاحه في بابه، ومنها الفرقة بسبب اللعان فإن اللعان يوجب التحريم بينهما على التأبيد، ولو لم يحكم به القاضي بحيث لا تحل له بعد ذلك، وأم الفرقة بسبب الطلاق فهي ما كانت بألفاظ الطلاق صريحاً أو كناية، على الوجه المتقدم في مباحث الطلاق) .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #259  
قديم 27-07-2022, 02:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الرجعة]
صـــــ 376 الى صــــــــ
404
الحلقة (216)




مباحث الرجعة
تعريفها
-الرجعة - بفتح الراء - وروي كسرها أيضاً، ولكن بعض اللغويين أنكر الكسر، وهي اسم للمرة من الرجوع، ولعل هذا هو السبب في إنكار ورودها بالكسر، لأنها بالكسر اسم للهيئة، كما قال ابن مالك، وفعلة لمرة - كجلسة - وفعلة لهيئة كجلسة - ولا يعقل أن تكون هنا اسم لهيئة الرجوع، ولكن المدار في هذا على السماع، فإذا سمع استعمالها بالكسر في المرة فإنه يكون صحيحاً لغة، وإن خالف القاعدة المذكورة، وقد نقل بعض أئمة اللغة أن استعمالها بالكسر في المرة أكثر من الفتح، أما فعلها، وهو - رجع - فيأتي لازماً ومتعدياً، فيقال: رجع الشيء إلى أهله ورجعته إليهم، وعلى الأول يكون على وزن جلس، فيقال: رجع زيد إلى أهله يرجع رجوعاً، والرجعي بمعنى الرجوع بالضم، ويقال: رجعى - بالكسر - لرجعة امرأته، والمرجع مصدر ميمي، بمعنى الرجوع أيضاً، وهو شاذ، لأنه مصدر فعل يفعل، كقطع يقطع، والمصدر الميمي من فعل يفعل - بالفتح - يكون مفتوح العين، وعلى الثاني يكون على وزن قطع، فيقال: رجع زيد الشيء إلى أهله يرجعه رجعه رجعاً، كقطع الشيء يقطعه قطعاً، فتحصل أن مصدر رجع اللازم الرجوع، والرجعى - بالضم والكسر - والمصدر الميمي المرجع ومصدر رجع المتعدي الرجع - بالفتح - كالقطع، وأن الرجعة - بفتح الراء، وكسرها - في اللغة اسم للمرة من الرجوع، سواء رجع من طلاق أو من طريق أو غيرهما، وأما معناها في اصطلاح الفقهاء، ففيه تفصيل المذاهب (1) .
دليل الرجعة
-إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً، فإن كان لحاجة شرعية فإنه لا ينبغي له أن يراجعها خصوصاً إذا كان طلاقها واجباً وإمساكها محرماً، فإنه يحرم عليه أن يرجع إليها ثانياً، أما إذا كان طلاقها محرماً، كما إذا طلقها طلاقاً بدعياً، فقد عرفت اختلاف الأئمة في الرجعة، وعرفت أن بعضهم يرى وجوبها عليه، فإن لم يفعل أرغمه الحاكم. أو راجع عنه إن أبى، أما إن طلقها طلاقاً مباحاً، كأن ساءت المعاشرة بينهما مؤقتاً، ولم يستطع أحد أن يصلح بينهما، ثم زالت هذه الشدة بعد الطلاق وصفت القلوب، فإن الرجعة في هذه الحالة تكون مندوبة، إلى غير ذلك من الأحكام المتقدم بيانها في مبحث الطلاق السني.
ثم إن الرجعة ثابتة بالكتاب، والسنة والاجماع، فأما الكاتب فمنه قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أن أرادوا اصلاحاً} ، وأما السنة فمنها حديث ابن عمر المتقدم حين طلق امرأته، فإن النبي صله الله وعليه وسلم قال لعمر: "مر ابنك فليراجعها"، فدل ذلك على ثبوت الرجعة، على أن النبي صلى الله وعليه وسلم قد طلق حفصة، ثم راجعها، وأما الإجماع فقد أجمع أئمة الدين على أن الحر إذا طلق دون الثلاث. والعبد إذا طلق دون اثنتين لهما حق الرجعة في العدة ولم يخالف في ذلك أحد.
أركان الرجعة وشروطها
-للرجعة أركان ثلاثة: صيغة، ومحل، ومرتجع، ولكل واحدة من هذه الثلاثة شروط مفصلة في المذاهب (1) .
مبحث اختلاف الزوجين في انقضاء العدة المبطل للرجعة، وما يتعلق بذلك.
-يبطل حق الزوج في الرجعة بانقضاء عدة الزوجة بالحيض ثلاث مرات، إن كانت من ذوات الحيض، وبوضع الحمل كاملاً أو سقطاً، وبثلاثة أشهر من تاريخ طلاقها إن كانت آيسة من الحيض لكبر أو صغر، وإنما تنقضي العدة بأمارات مفصلة في المذاهب (2) .
فإذا اختلف الزوجان في انقضاء العدة، بأن ادعى الزوج أنها باقية، وادعت الزوجة أنها انقضت، ولا حق له في الرجعة، أو ادعى الزوج انه راجعها في العدة قبل أن تنقضي، ولم يخبرها إلا بعد انقضائها، وأنكرت الزوجة ذلك، فإن فيه أيضاً تفصيلاً تعلمه من الاطلاع على المكتوب تحت الخط الموجود أمامك.

__________
(1) (الحنفية - قالوا: الرجعية هي إبقاء الملك القائم بلا عوض في العدة، فقوله: إبقاء الملك معناه أن ملك عصمة الزوجة يحتمل الزوال بالطلاق الرجعي إذا انقضت العدة، فالرجعة من الطلاق رفع لذلك الاحتمال، وإبقاء لذلك الملك واستدامة له، ولذا قال: الملك القائم، لأن ملك العصمة قائم بالطلاق الرجعي لم ينقطع، وقوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} معناه وأزواجهن أحق برجعتهن، فالرد معناه الرجعة، وهي إبقاء الملك القائم، وليس معناه رد الملك الزائل، كما قد يتبادر من الرد يقال على الشيء الذي انعقد زوال ملكه، وإن لم يزل بالفعل، فالطلاق الرجعي سبب في زوال الملك لا حالاً، بل بعد انقضاء العدة، فالرد إبقاء للملك الذي لم يزل بعد، فلا فرق بين قوله: رد الملك القائم، وقوله: إبقاء الملك القائم، قوله: في العدة معناه أن الجعة لا تتحقق إلا إذا كانت العدة باقية لم تنقض، والمراد عدة المدخول بها حقيقة، فإذا طلق امرأته التي وطئها طلاقاً رجعياً، فإن له حق الرجعة مادامت في العدة، أما إذا طلقها بعد الخلوة بدون وطء فإنها تعتد، ولكن لا يكون له عليها حق الرجعة بل تبين منه كما لو كانت غير مدخول بها بالمرة، ولو لمسها، أو قبلها، أو نظر إلى فرجها الداخل بشهوة، وذلك لأن عدة الخلوة شرعت للاحتياط، فليس من الاحتياط أن تعتبر المرأة غير المدخول بها حقيقة كالمدخول بها في الطلاق الرجعي، بل الاحتياط أن تعتبر غير مدخول بها، فيكون طلاقها بائناً.
وبهذا تعلم أن الطلاق الرجعي سبب في زوال الملك بعد العدة، فالرجل يملك الزوجة ما دامت في العدة ملكاً تاماً، فيحل له أن يستمتع بها بدون نية رجعة مع الكراهة التنزيهية، فإذا فعل معها فعلاً يوجب حرمة المصاهرة من لمس بشهوة، أو تقبيل، أو نظر إلى داخل فرجها بشهوة، أو نحو ذلك مما تقدم، فإن ذلك يكون رجعة ولو لم يقصد به الرجعة، وكذا إذا فعلت معه ذلك، كأن قبلته بشهوة، أو نظرت إليه، أو نهو ذلك مما يأتي.
المالكية - قالوا: الرجعة عودة الزوجة المطلقة للعصمة من غير تجديد عقد، فقوله: من غير تجديد عقد خرج به عود الزوجة إلى العصمة في الطلاق البائن بعقد، فإنه لا يسمى رجعة، وإنما يسمى مراجعة، لأنه متوقف على رضا الزوجين، وعرفها بعضهم بأنها رفع الزوج أو الحاكم حرمة متعة الزوج بزوجته بطلاقها، ومعناه أنه إذا طلقها طلاقاً رجعياً حرم عليه الاستمتاع بها بدون نية الرجعة، فإذا نوى الرجعة فقد راجعها ورفع هذه الحرمة، وكذا إذا طلقها طلاقاً بدعياً ولم يرض بردها، فإن الحاكم يردها له قهراً عنه، وبذلك يرفع حرمة استمتاعه بها، وعرفها بعضهم بأنها رفع إيجاب الطلاق حرمة متعة الزوج بزوجته بانقضاء عدتها ومعناه أن الطلاق الرجعي يوجب حرمة استمتاع الزوج بزوجته بعد انقضاء عدتها، فالرجعة ترفع هذا التحريم الذي يحصل بعد انقضاء العدة لا قبله، وعلى هذا التعريف يحل للرجل أن يستمتع بامرأته قبل انقضاء العدة بدون نية الرجعة وهو قول شاذ، والمشهور الأول، وهو أنه لا يحل له الاستمتاع بدون نية الرجعة.
الشافعية - قالوا: الرجعة رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة، ومعناه أن الطلاق الرجعي يحرم الزوجة على زوجها بحيث تكون كالأجنبية، فلا يحل له أن يستمتع بها، وإن كان له عليها حق الرجعة بدون رضاها وعلى هذا فيكون ملكه ناقصاً. فالرجعة ترده إلى النكاح الكامل المبيح للاستمتاع بها، فلا يرد أن المطلقة رجعياً لا تزال في النكاح، فما معنى ردها إلى النكاح؟ ويقال في الجواب ما ذكرنا، وهو أن الطلاق جعل نكاحها ناقصاً، فالرجعة تردها إلى النكاح الكامل، وبعضهم يقول: إن معنى ردها إلى النكاح ردها إلى ما يوجبه النكاح، وهو حل الاستمتاع، فكأنه قال: رد المرأة إلى حل الاستمتاع بها، وهو حسن.
والشافعية يقولون: يحرم على المطلق رجعياً أن يطأ المطلقة أو يستمتع بها قبل رجعتها بالقول ولو بنية الرجعة، خلافاً للحنفية الذين يقولون بحل الاستمتاع بالزوجة بالوطء وغيره، ويقولون: إن التلذذ بها بشهوة رجعية ولو لم ينو الرجعة، مع كراهة التنزيه، وخلافاً للمالكية الذين يقولون بجواز الاستمتاع بها بنية الرجعة، وإلا حرم، وخلافاً للحنابلة الذين يقولون إن الرجعة تحصل بالوطء واو لم ينو به الرجعة بدون كراهة.
الحنابلة - قالوا: الرجعة إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد، وهو تعريف لا يرد عليه شيء، ثم إن الحنابلة يقولون: إن إعادة المطلقة طلاقاً رجعياً تارة تكون بألفاظ مخصوصة وتارة تكون بالوطء، سواء نوى به الرجعة أو لا، وسيأتي توضيه) .
(2) (الحنفية - قالوا: إن ركن الرجعة هو الصيغة وحدها، وأما المحل، والمرتجع فهما خارجان عن الماهية، ثم الصيغة عندهم قسمان: قول، وفعل، والقول إما صريح، أو كناية، فالصريح هو كل ما يدل على الرجعة وإبقاء الزوجية، ونحو: راجعتك، وراجعتك، وراجعتك، إذا كان مخاطباً لها، فإن لم يكن مخاطباً لها، سواء كانت حاضرة أو غائبة، قال: رجعت زوجتي، أو امرأتي الخ، ومن الصريح رددتك، ومسكتك، وأمسكتك. وهذه الألفاظ تحصل بها الرجعة وإن لم ينو، إلا أنه يشترط في الرجعة بقوله: رددتك، أن يقول: إلى أو إلى نكاحي أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك لا يكون صريحاً في الرجعة. بل يكون كناية يتوقف على النية، وذلك لأن رددت يحمل رد زواجها فلم يقبلها. ويحتمل رجعتها إليه، فإذا صرح بكلمة إليه، أو إلى عصمته، فقد رفع الاحتمال، ومن الصريح أن يقول لها: نكحتك، أو تزوجتك، وأما الكناية فهي مثل أن يقول لها: أنت عندي كما كنت، أو أنت امرأتي أو أصبحنا من الآن كما كنا، أو نحو هذا، فإن نوى بهذه الألفاظ الرجعة فإنه يصح وإلا فلا، أما الفعل فقد تقدم أنه كل فعل من الزوج أو الزوجة يوجب حرمة المصاهرة من لمس، أو تقبيل، أو نظر إلى داخل الفرج، ويشترط في ذلك الشهوة، فإن فعل أحد الزوجين مع الآخر شيئاً من هذا بدون شهوة فإنه لا تتحقق به الرجعة، على أن المرأة إذا قبلته، أو نظرت إلى فرجه، أو نحو ذلك بدون أن يشتهي هو فلا بد أن تقول: إنها هي فعلت بشهوة، ولا بد أن يصدقها، أما إذا قال: إنها لم تفعل بشهوة فلا تصح الرجعة إلا إذا قامت قرينة على كذبه وصدقها، أما إذا قبلته فانتشر، أو عانقها وقبل فاها، أو أمسك ثديها.
أو نحو ذلك من الأمارات التي تدل على أنه التذ، فغن حصل شيء من ذلك ومات الزوج وادعى الورثة أنها فعلت معه بدون شهوة، فلم ترجع زوجة له وادعت هي أنها فعلت بشهوة، فإن ادعت أنه قد اشتهى هو فإن بينتها على ذلك تسمع، ولا تثبت الرجعة بالنظر إلى الدبر بشهوة إجماعاً، لأنه لا تثبت بذلك حرمة المصاهرة، وهل الوطء في الدبر رجعة أو لا؟ فبعضهم يقول: إنه ليس برجعة، ولكن الصحيح أنه رجعة، لأن فيه المس بشهوة، كما لا يخفى. وإنما لم تثبت به حرمة المصاهرة مع كونه فيه مساً لأنك قد عرفت في مبحثه أن حرمة المصاهرة تثبت بالوطء في الفرج وبالمقدمات المفضية إلى الوطء في الفرج، فإذا وطئها في الدبر ظهر أنه لا يقصد وطأها في الفرج فمقدمات الوطء في الدبر لا قيمة لها بخلافه هنا. فإن الغرض المس بشهوة مطلقاً، وقد تحققت، ولا تصح الرجعة بالخلوة بدون تلذذ، وكما تحصل الرجعة بمقدمات الوطء المذكورة تحصل بالوطء من باب أولى، والوطء كمقدماته جائزان للزوج المطلق طلاقاً رجعياً سواء نوى بهما الرجعة أو لا. ولكن الأولى أن يراجعها بالقول، وأن يشهد على ذلك عدلين ولو بعد الرجعة بالفعل، وإذا راجعها وهي غائبة يندب له إعلامها، وهذه هي الرجعة السنية وأما الرجعة بالوطء ومقدماته فإنها بدعية فإن راجع بها ندب له أن يرجع بالقول ويشهد على قوله وإلا كان مكروهاً تنزيهاً. كما عرفت. وإنما حل وطء المطلقة رجعياً والتلذذ بها، لأن ملك العصمة باق من كل وجه ولا يزول إلا عند انقضاء العدة، كما بيناه.
فإن قلت: إذا كانت الزوجية قائمة من كل وجه، فما بالكم قلتم: إنه لا يصح للزوج أن يسافر بزوجته المطلقة طلاقاً رجعياً قبل مراجعتها؟ قلت: إن ذلك ثبت بالنص، وهو النهى عن خروج المطلقة مطلقاً من منزلها، قال تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} ، والنهى عن الإخراج مطلقاً شمل الإخراج من أجل السفر.
ويشترط للرجعة شرط واحد، وهو أن تكون الزوجة مطلقة طلاقاً رجعياً، بحيث لا يكون ثلاثاً في الحرة ولا ثنتين في الأمة. أو واحدة مقترنة بعوض مالي في الخلع، أو موصوفة بصفة تنبئ عن الإبانة.
كطلقة شديدة أو مشبهة بما يفيد الإبانة كطلقة مثل الجبل، أو تكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، أو واحدة قبل الدخول.
والحاصل أن الطلاق البائن، هو الطلاق الثلاث، والطلاق الواحد بعوض مالي، والطلاق الواحد الموصوف أو المشبه بما يشعر بالإبانة على الوجه المتقدم في وصف الطلاق، والكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، بخلاف الكنايات التي يقع بها الرجعي، وقد تقدم بيانهما في مبحث الكنايات بالإيضاح التام، والطلاق قبل الدخول، أما الطلاق الرجعي فهو ما ليس كذلك وهو الذي تصح فيه الرجعة، ثم إن الرجعة تصح من المجنون بالفعل، مثلاً إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً، وهو سليم، ثم جن فله مراجعتها بالوطء أو بالتقبيل، أو نحو ذلك، وكذلك تصح رجعة النائم والساهي والمكره، فإذا قبلها بشهوة وهي مكرهة فقد راجعها بذلك، وكذا إذا كانت جالسة متكئة وأمكنه أن ينظر إلى داخل فرجها بشهوة، فإن ذلك يكون رجعة ولو لم تعلم، وكذا إذا نظرت إلى ذكره بشهوة بدون علمه فإنه يكون رجعة، وتصح أيضاً مع الهزل، واللعب، والخطأ، بأن أراد أن يقول لأخته: اسقني الماء فجرى لسانه يقول: راجعت زوجتي، نعم يشترط في صحة الرجعة أن لا يعلقها على شرط، كأن يقول: إن دخلت الدار قد راجعتك وكذا يشترط أن لا يضيفها إلى وقت في المستقبل كأن يقول: إذا جاء الغد فقد راجعتك، فإذا قال ذلك فإنه لا يكون رجعة باتفاق، على أنهم يعدون ذلك من أحكام الرجعة ويمكن عده في الشروط وكذا لا يصح شرط الخيار في الرجعة، فإذا قال لها: راجعتك على أني بالخيار، فإن الرجعة لا تصح، وعلى هذا يمكن أن يقال: إن شروط الرجعة أربعة: أحدها: أن يكون الطلاق رجعياً فلا رجعة من الطلاق البائن. ثانيها أن لا يشترط فيها الخيار.
ثالثها: أن لا يضيفها إلى زمن. رابعها: أن لا يعلقها على شرط ثم إنه يشترط في الرجعة خمسة شروط، وهي:
- 1 - وأن لا يكون ثلاثاً.
- 2 - وأن لا يكون واحدة بعوض، سواء كان بلفظ الخلع ونحوه، أو بلفظ الطلاق.
- 3 - وأن لا يكون واحدة قبل الدخول.
- 4 - وأن لا يكون واحدة موصوفة أو مشبهة بما يفيد البينونة.
- 5 - وأن لا يكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن بالنية أو بقرينة الحال.
فالطلاق الرجعي هو ما توفرت فيه الشروط فإذا ضمت الشروط للشروط المتقدمة كانت شروط الرجعة تسعة، ولا حاجة إلى عد شروط المرتجع من كونه عاقلاً بالغاً الخ، لأن الرجعة لا تتحقق إلا بعد تحقق الطلاق من نكاح صحيح، فالصبي والمجنون لا يتحقق منهما طلاق فلا رجعة، والنكاح الفاسد لا طلاق منه فلا رجعة، فتحصل أن ركن الرجعة شيء واحد، وهو قول مخصوص، أو فعل مخصوص، والأول ينقسم إلى قسمين: صريح، وكناية، والثاني ينقسم إلى قسمين: وطء، وعمل يوجب حرمة المصاهرة، ويصح التعبير عنه بمقدمات الوطء وكلاهما يحل للزوج فعله مع مطلقته الرجعية كما يحل لها مع كراهة التنزيه، فالرجعة السنية التي لا كراهة فيها هي أن يراجعها بالقول، ويشهد على قوله عدلين، ثم إن راجعها في غيبتها يعلمها ولا يدخل عليها إلا بإذنها كي تستعد للقائه، ولهذا قسموا الرجعة إلى قسمين: سنية، وبدعية، أما شروطها فقد عرفت ما فيها. المالكية - قالوا: يشترط في المرتجع شرطان، أحدهما: أن يكون بالغاً، فلا تصح الرجعة من الصبي ولا من وليه، وذلك لأن طلاق الصبي غير لازم، وطلاق وليه عنه إما أن يكون بعوض، وهو بائن لا رجعة فيه حتماً، وإما أن يكون بغير عوض، وهو بائن أيضاً، لأنه بمنزلة الطلاق قبل الدخول، لأن وطء الصبي لا يعتبر، فكأنه عدم محض، وهذا بخلاف نكاح الصبي فإنه صحيح، ولكنه يتوقف على إجازة الولي. ثانيهما: أن يكون عاقلاً، فلا تصح الرجعة من المجنون، ومثله السكران، فإن رجعته لا تصح ولو كان سكره بحلال.
ولا يشترط أن يكون حراً، فإن العبد يصح نكاحه بإذن سيده وإذن السيد بالنكاح إذن بتوابع النكاح، فلا تتوقف رجعته على إذن سيده، ومثل العبد المحجور عليه لسفه أو لفلس، فإن لهما الحق في الرجعة بدون إذن الولي في المحجور عليه لسفه، أو إذن الغريم إذا كان محجوراً عليه لفلس، وكذا لا يشترط أن يكون المرتجع سليماً من المرض، فيصح للمريض أن يراجع زوجته، وليس في رجعته إدخال وارث جديد، وهو لا يجوز، لأن المطلقة رجعياً ترث وهي في العدة على كل حال، وإن لم يراجعها.
وكذا لا يشترط أن يكون الزوجان غير محرمين إحرام النسك، فيصح للمحرم أن يراجع زوجته حال الإحرام، سواء كانت محرمة هي، أو لا؟ فهؤلاء الخمسة تصح رجعتهم، وإن كان لا يصح نكاحهم ابتداء، وهم: العبد، والسفيه، والمفلس، والمريض والمحرم، أما الصبي فإنه وإن كان يجوز نكاحه لا يقع موقوفاً على إذن وليه ولكنه لا يصح طلاقه أيضاً، وطلاق وليه عنه بائن لا رجعي، وأما المجنون والسكران فنكاحهما لم يصح أصلاً، كما أن طلاقهما لم يصح، فلم تصح رجعتهما بحال من الأحوال. وأما المرتجعة وهي الزوجة، فيشترط فيها ثلاثة أمور: أحدها: أن تكون مطلقة طلاقاً غير بائن، والطلاق البائن هو ما كان بالثلاث أو كان واحدة في نظير عوض أو كان واحدة ونوى به طلاقاً بائناً أو حكم به حاكم على الزوج بسبب عيب، أو نشوز، أو إضرار، أو فقد الزوج، أو إسلام، أو كمال عتق الزوجة. إلا إذا حكم به الحاكم بسبب الإيلاء، فإنه يكون رجعياً وكذا إذا حكم به عليه لعسر في النفقة فإنه يكون رجعياً له مراجعتها في العدة، ومثل ذلك ما إذا كان موسراً ولكنه غائب عنها في مكان بعيد لا تصل إليه وليس له مال في بلدها، فإنه إذا طلق عليه القاضي وحضر وهي في العدة كان له مراجعتها، فمتى كانت مطلقة طلاقاً غير بائن فإن له مراجعتها بدون رضاها. ثانيها: أن تكون في عدة نكاح صحيح أما إذا كانت في عدة نكاح فاسد، كما إذا تزوج خامسة ودخل بها، فإن نكاحه فاسد يفسخ بعد الدخول، وعليها العدة ولا تصح رجعتها وهي معتدة، وكذا إذا جمع أختاً مع أختها، ولو ماتت الأولى أو طلقت، لأن النكاح فاسد فلا تصح رجعتها.
ثالثها: أن يدخل بها ويطأها وطأً حلالاً، فإذا تزوج امرأة ودخل بها وهي حائض ووطئها في حال الحيض، أو وطئها وهي محرمة بالنسك فقط، ولم يطأها قبل ذلك ولا بعده، ثم طلقها طلقة رجعية فإنه لا يحل له رجعتها، لأن وطأها محرم لا قيمة له في نظر الشرع والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، فكأنه طلقها قبل الدخول فتبين منه ولا رجعة له عليها، ولا تصح الرجعة إلا إذا ثبت النكاح بشاهدين، وثبتت الخلوة أيضاً ولو بامرأتين، وتصادق الزوجان على الوطء، فإذا لم تعلم الخلوة بينهما وأراد رجعتها فإنه لا يمكن منها، ولو تصادقا على الوطء قبل الدخول أو بعده من باب أولى، فإن التصادق على الوطء لا ينفع على أي حال عند عدم العلم بالخلوة ومع كون تصادقهما على الوطء لا يعمل به في الرجعة فإنه يعمل في غير الرجعة، فإذا أقر بأنه وطئها لزمه نفقتها وسكناها ما دامت في العدة، وإذا أقرت بأنه وطئها لزمها أن تعتد منه وأن لا تتزوج غيره حتى تنقضي عدتها، على أنه إذا أقر هو بالوطء ولم تصدقه فلا يلزمها شيء، وبالعكس، وأما ما تتحقق به الرجعة فهو أمران:
أحدهما: القول: وهما قسمان: الأول: صريح في الرجعة لا يحتمل غيرها، كرجعت زوجتي إلى عصمتي، وراجعتها، ورددتها لنكاحي، فإذا لم يقل: لنكاحي لا يكون صريحاً إذ يحتمل عدم قبولها، يقال: رد الأمر إذا لم يقبله.
والثاني: كناية يحتمل الرجعة وغيرها، كقوله: أمسكت زوجتي، أو مسكتها، فإنه يحتمل أمسكتها حبستها لأعذبها، وأمسكتها في عصمتي زوجة، ومن ذلك ما إذا قال لها: أعدت الحل، ورفعت التحريم فإنه يحتمل لي، أو لغيري، أو رفعت عني، أو عن غيري، فهو كناية فإن كانت بلفظ صريح لا تحتمل غيره، فإن الرجعة تصح به بدون نية، قضاء لا ديانة، فلا بد من النية لتحل له بينه وبين الله، أما المحتمل فإن الرجعة لا تصح به بدون نية مطلقاً، وهل إذا قال قولاً صريحاً هازلاً ينوي به عدم الرجعة يكون رجعة أو لا؟ والجواب: أنها تكون رجعة في الظاهر، فيلزم بنفقتها وكسوتها، وإذا مات ترثه بناء على هذا القول الهزلي، أما بينه وبين الله فليست بزوجة له، فلا يحل له وطؤها إلا إذا راجعها بلفظ جدي في العدة. أو عقد عليها إذا انقضت العدة، كما إذا أتى بلفظ صريح بدون نية وبدون هزل. بقي هل تصح الرجعة بالكلام النفسي بينه وبين الله أو لا؟ قولان مصححان، ولكن المعول عليه أن الكلام النفسي لا يثبت به يمين، ولا طلاق ولا رجعة، لا في الظاهر ولا في الباطن، على أنه لا خلاف في أنه لا يترتب عليه شيء في الظاهر، فإن القاضي له الظاهر.
الأمر الثاني: الفعل، وهو أن يطأ الزوجة بنية مراجعتها، فإن فعل ذلك فإنه يصح وتعود الزوجية بينهما، وإن لم ينو حرم عليه ذلك الوطء ولكن هذا الوطء لا يوجب حداً ولا صداقاً ويلحق به نسب الولد إذا حملت منه، ويجب عليه أن يستبرئها بحيضة بعد هذا الوطء بحيث لا يحل له أن يراجعها بالوطء مع نية المراجعة قبل أن تحيض وتطهر بعد الوطء الأول ولكن يحل له أن يراجعها بالقول: إن كانت باقية في العدة، فإذا انقضت عدتها بعد وطئها ولم يراجعها بالقول لقد بانت منه، ولا يحل له ولا لغيره أن ينكحها قبل أن تحيض حيضة الاستبراء فإذا عقد عليها قبل انقضاء مدة الاستبراء كان العقد فاسداً فيفسخ، وإذا وطئها في زمن الاستبراء لا يتأبد تحريمها عليه.
هذا، وإذا وطئها بلا نية مراجعتها ثم انقضت عدتها وطلقها بعد ذلك، فهل يعتبر هذا الطلاق ويلحق بالأول أو لا؟ في ذلك قولان: أحدهما أنه لا يلحق، وذلك لأنك قد عرفت أن المشهور أنه لا يحل للرجل أن يطأ مطلقته رجعياً بدون نية الرجعة، فإذا وطئها كذلك لم يكن مراجعها وعلى هذا إذا انقضت عدتها لا تكون له زوجة، فطلاقها بعد ذلك لم يصادف محلاً، وبعضهم يقول: إن الطلاق الثاني يلحق وذلك لأن الوطء بدون نية الرجعة يعتبر رجعة عند بعضهم فبالنظر لهذا القول ينبغي الاحتياط فتحسب زوجة له بحيث لو طلقها بعد العدة يعتبر طلاقه وهذا القول هو المشهور، ولا مانع عند المالكية أن يبنى قول مشهور على قول ضعيف.
والحاصل أن الرجعة تحصل بالقول مع النية، سواء كان القول صريحاً أو محتملاً، فإذا أتى بالقول الصريح الذي لا يحتمل، فإنه يكون رجعة في الظاهر وإن لم ينو، سواء كان جاداً أو هازلاً، أما بينه وبين الله فإنها لا تحل له إلا إذا نوى بلفظ الرجعة وكان جاداً لا هازلاً، وإذا أتى بقول محتمل، فلا تحصل به الرجعة لا قضاء ولا ديانة إلا بالنية، وكما تحصل بالقول تحصل بالفعل مع النية، فإذا وطئها بنية الرجعة صح، وإلا فلا، وحرم عليه ذلك الوطء على الوجه الذي ذكرناه، أما الكلام النفسي بدون لفظ ففيه قولان: وأما النية وحدها بدون أن يتلفظ أو يطأها، فإنها لا تنفع، بلا خلاف.
وبهذا تعلم أن الصيغة إن كانت قولاً صريحاً، أو كناية فيشترط فيها النية، وإن كانت فعلاً، وهو الوطء فيشترط فيه النية، وكذا يشترط أن تكون الرجعة بالقول منجزة غير معلقة على شيء على الراجح، فإذا قال لها: إذا جاء الغد فقد راجعتك، فإن هذا لا يكون رجعة أصلاً لا في الغد ولا الآن، وذلك لأن الرجعة ضرب من ضروب الزواج، فكأنه قد تزوجها بالرجعة، وكما لا يجوز التأجيل في النكاح بحيث لا يصح أن يقول شخص لآخر: زوجني بنتك الآن على أن يحل لي وطؤها فكذا لا يجوز التأجيل في الرجعة، وبعضهم يرى أنه لا يشترط ذلك، فيصح أن يقول لها: إن جاء الغد فقد راجعتك ويكون ذلك رجعة في الغد الآن. فإذا جاء الغد صحت الرجعة من غير أن يأتي برجعة جديدة، أما الآن فيكون حكمها حكم من لم تراجع بحيث لا يحل له أن يطأها بدون نية مراجعتها، وعلى هذا إذا انقضت عدتها قبل مجيء الغد فلا تصح الرجعة وتبين منه.
الشافعية - قالوا: المرتجع هو الزوج أو وكيله إذا وكل عنه من يراجع له زوجته، أو وليه إذا جن بعد أن وقع طلاقاً رجعياً، وهو عاقل فإنه يشترط له سواء كان زوجاً أو وكيله أو وليه ثلاثة شروط: أحدها أن يكون عاقلاً، فلا تصح الرجعة من المجنون، والصبي الذي لا يميز، كما لا يصح طلاقهما، وإذا طلق المجنون حال إفاقته ثم جن فلوليه أن يراجع عنه، وكذا إذا علق الطلاق وهو عاقل على شيء ثم وقع بعد جنونه، كما إذا قال: أنت طالق إن دخلت دار أبيك ثم جن فدخلت، فإن الطلاق يقع لأنه صدر منه وهو عاقل، ولكن لا تصح رجعته حال جنونه، إنما لوليه أن يراجع عنه، ولكن يشترط لصحة رجعة الولي الشروط التي يصح للولي أن يزوج بها المجنون، وقد تقدمت في صحيفة 37 و 38، ومنها أنه إذا كان الولي غير مجبر فإنه لا يصح له أن يزوج المجنون إلا إذا كان في حاجة إلى الزواج، وإلا فلا، ومثل المجنون النائم والمغمى عليه، فإنه لا يصح رجعتهما إلا بعد الإفاقة، ثانيها: أن يكون بالغاً، فلا تصح الرجعة من الصبي المميز، فإن قلت: إن الصبي المميز لا يقع طلاقه أصلاً، فكيف يتصور رجعته،؟ لأن الرجعة إنما تتصور إذا كانت الزوجة مطلقة، ثم يقال: إنها صحيحة أو فاسدة، أما إذا كانت المرأة غير مطلقة، فما معنى رجعتها صحيحة أو فاسدة؟ والجواب: أن الحنابلة يقولون: أن الطلاق الصبي المميز يقع، فإذا قضى حاكم حنبلي بطلاق صبي، فإنه لا يصح له أن يراجعها عند الشافعية، وأيضاً يمكن أن تتصور رجعة الصبي فيما إذا طلق رجل بالغ امرأته ووكل صبياً مميزاً في رجعتها، فهل تصح رجعته أو لا؟ والجواب: لا تصح، ولا يخفى أن هذه صور فرضية لا تقع في زماننا وإنما الغرض من ذكرها استيفاء البحث العلمي، وهل إذا طلق الصبي المميز وحكم الحنبلي بصحة طلاقه يصح لوليه أن يراجعها له أو لا؟ والجواب: نعم يصح
بشرطين: الشرط الأول: أن يكون للولي الحق في زواجه وهو الأب أو الجد بالشروط المتقدمة في صحيفة 37.
الشرط الثاني: أن لا يحكم الحنبلي بالطلاق البائن فإن تناول حكمه البينونة، فإنه لا يصح للولي أن يراجع، وإنما يصح أن يعقد عليها عقداً جديداً. وقد ذكر بعض علماء الشافعية بهذه المناسبة مسألة، وهي أن الحنابلة يقولون: إن الصبي المميز الذي لم يبلغ سنه عشر سنين إذا كان ينتصب ذكره ويفهم معنى الوقاع فإنه إذا تزوج امرأة مطلقة ثلاثاً وأولج فيها ذكره ثم طلقها فإن طلاقه يصح بدون الولي، وتحل مطلقته لزوجها الأول بدون أن تعتد من الصبي، لأن المفروض أن سنه لم يبلغ عشر سنين.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #260  
قديم 27-07-2022, 02:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الرجعة]
صـــــ 376 الى صــــــــ
404
الحلقة (217)


وأقول: أن الناس يمكنهم أن يفعلوا ذلك تقليداً للإمام أحمد بشرط أن يجتنبوا قصد التحليل بقدر الإمكان بقطع النظر عن مذهب الشافعي، وذلك بأن المرأة المطلقة ثلاثاً إذا يئس منها زوجها وذهبت إلى حال سبيلها فإن لها أن تعمد إلى صبي مميز يعرف الزواج والطلاق، وإن كان له ولي تأخذ منه إذناً بزواجها منه، ثم تتزوجه بإيجاب وقبول بولي شاهدين، ثم تمكنه منها ولو بإيلاج رأس ذكره المنتصب في داخل فرجها وبعد ذلك يطلقها بدون أن يعلم بذلك زوجها الأول وبدون أن تتفق مع الصبي على تطليقها، أو مع وليه.
وبالجملة فلا تشير إلى التحليل، وبذلك تحل للأول بدون عدة، فإن قلت: إن ذلك لا يخلو عن قصد التحليل من المرأة وقصد التحليل مفسد للعقد عند الحنابلة، قلت: نعم وللتفادي من ذلك تقلد المرأة في ذلك الإمام أبي حنيفة، لأن قصد التحليل، ولو من المحلل عند الحنفية لا يضر بل قد يكون محموداً إذا ترتب عليه مصلحة، كعدم تضييع الأولاد، أو الجمع بين زوجين متحابين أو نحو ذلك، أما ما يفعله الناس من كون الزوج يجيء بالمحلل ويعطيه نقوداً ويحضره حين يدخل مع مطلقته، فإن هذه الصورة الشنعة لا تصلح في تقليد الحنابلة وقد تقدم تفصيل المذاهب في المحلل، فارجع إليه.
ثالثها: أن يكون المرتجع مختاراً، فلا تصح رجعة المكره.
وبالجملة فكل من كان أهلاً للزواج في ذاته في الجملة، ولو توقف زواجه على الأذن فإنه يصح طلاقه ورجعته، وذلك هو العاقل البالغ، فإذا عرض ما يمنع الأهلية مؤقتاً كالسكر فإنه لا يمنع الرجعة، فتصح رجعة السكران لأن استتار عقله بعارض السكر لا يجعله مجنوناً، فلا يفقد الأهلية بسبب ذلك العارض، وذلك لأنه أهل لمباشرة الزواج في الجملة، أي بعد أن يفيق من سكره، ومثله المحرم بالنسك، فإنه وإن كان لا يصح له أن يباشر عقد الزواج وهو محرم، ولكن الاحرام عارض مؤقت لا يفقده الأهلية، فيصح له أن يراجع وهو محرم، لأنه أهل للزوج وهو غير محرم وكذا السفيه، فإنه وإن كان محجوراً عليه التزوج بسبب السفه، لأن التزوج متوقف على المال ولكن هذا الحجر عارض فإذا كان متزوجاً وطلق زوجته رجعياً، فإن له رجعتها بدون إذن، ومثل السفيه العبد فإنه وإن كان غير أهل للتزوج بنفسه بدون إذن سيده، ولكن إذا أذنه سيده بالزواج فإن له أن يطلق ويراجع بنفسه، إذ المراد بأهلية الزواج أنه يصح منه مباشرة عقد الزواج، وإن توقف على إذن، فمتى أذن الولي السفيه، أو العبد كان أهلاً لتولي الزواج، أما المكروه فإنه وإن كان أهلاً لمباشرة عقد الزواج في الجملة أي بعد الزوال الإكراه، ولكن أعمال المكره غير المعتبرة في نظر الشرع فلهذا اعتبروا الإكراه غير مفيد في الرجعة، فإذا أكره شخص على مراجعة زوجته ولم يقر بها حتى مات بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه.
وهل الردة سبب عارض كالسكر، فيصح للمرتد أن يراجع مطلقته؟ والجواب: لا، وذلك لأن الردة تزيل أثر النكاح فالمرأة ليست محلاً للرجعة رأساً.
فهذا تفصيل شروط المرتجع، وأما المحل، وهي الزوجة فيشترط فيها شروط:
أحدها: أن تكون زوجة معقود عليها بصحيح العقد، فخرجت الأجنبية، فإنها لا تحل بالرجعة طبعاً، سواء كانت غير معقود عليها أصلاً، أو كانت معقوداً عليها وطلقت طلاقاً بائناً كأن طلقها ثلاثاً،أو طلقها قبل الدخول بها، والمراد بالدخول وطؤها ولو في دبرها، كما تقدم في محله، ومثل الوطء ادخال مني الرجل بأنبوبة ونحوها في قبلها أو دبرها، أو طلقها طلقة واحدة على عوض، أو طلقها طلقة واحدة رجعية وانقضت عدتها، فإنها في كل هذه الأحوال تكون أجنبية لا تحل بالرجعة.
ثانيها: أن تكون معينة، فلو كان متزوجاً ثنتين، وقال: إحدى زوجتي طالق، ثم قال: راجعت زوجتي المطلقة إلى عصمتي فإن الرجعة لا تصح فلا بد من أن يقول: زوجتي فلانة طالق، ثم يقول في الرجعة: راجعت زوجتي فلانة أو يخاطبها أو يشير إليها، كما يأتي في الصيغة.
ثالثها: أن تكون الزوجة قابلة للحل، أما إذا كانت غير قابلة للحل كالمرتدة في حال ردتها فإنها في هذه الحالة لا تحل لأحد فهي غير قابلة للحل، فإذا كان زوج المرتدة قد طلاقها طلاقاً رجعياً فإنه لا يصح له رجعتها إلا إذا تابت، وكذا إذا ارتد هو، أو ارتدا معاً فإنه لا يصح له الرجعة في هذه الحالة، لأن الردة تزيل أثر الحل، فلا يحل الاستمتاع حال الردة.
رابعها: أن تكون مطلقة لا مفسوخاً نكاحها، فإنها لا تحل بالرجعة، وإنما تحل بالعقد، كالمطلقة طلاقاً بائناً.
وبعضهم عد شروط الرجعة
سبعة: أحدها: أن تكون زوجة، وأراد به إخراج الأجنبية التي لم يعقد عليها أصلاً،
ثانيها: أن تكون موطوءة في القبل أو في الدبر، وأراد به إخراج المطلقة قبل الدخول.
ثالثها: أن تكون معينة وأراد به إخراج رجعة المبهمة.
رابعها: أن تكون قابلة للحل، وأراد به إخراج المرتدة.
خامسها: أن تكون مطلقة، وأراد به إخراج المفسوخ عقدها، فإنها لا تحل بالرجعة بل بالعقد كما ذكرنا.
سادسها: أن تكون مطلقة طلاقاً مجاناً بدون عوض وأراد به إخراج المطلقة على عوض بائن.
سابعها: أن لا يستوفي الزوج عدد طلاقها، هو الثلاث، فإن طلقها ثلاث مرات فلا تحل له إلا إذا نكحت غيره.
ولا يخفى أن المآل واحد، فمن أراد الاختصار فإنه يمشي مع الأول، ومن أراد الإيضاح فإنه يمشي مع الثاني.

وأما الصيغة فيشترط لها شروط: الشرط الأول: أن تكون لفظاً يشعر بالمراد، وهو ينقسم إلى قسمين: صريح وكناية، فالصريح رددتك إلي، ورجعتك، وارتجعتك، وأرجعتك وأنت مراجعة، ومسكتك، ولكن يشترط في رددت أن يضيف اللفظ إليه، أو إلى النكاح، فيقول: رددتك إلي، أو إلى نكاحي، وإلا لم يكن صريحاً، إذا يحتمل رددتك إلى أهلك، ويشترط في رجعت وأمسكت، وما تصرف منهما أن ينسبه إلى المرأة، أما بكاف الخطاب، بأن يقول: رجعتك وهكذا، وأما بالاسم الظاهر، بأن يقول: رجعت زوجتي أو رجعت فلانة، وأما باسم الإشارة، بأن يقول: رجعت هذه ويشير إليها، فإن لم يقل ذلك، بأن قال: رجعت، أو ارتجعت أو نحو ذلك من غير أن يذكر ما يدل على المرأة من ضمير ونحوه فإنه يكون لغواً، فلا تصح به الرجعة، نعم إذا سأله سائل، فقال له: هل راجعت زوجتك؟ فقال: راجعتها، فإنه يصح، وإن لم يذكر ما يدل على المرأة، لأنها ذكرت في السؤال على أنه يسن مع هذا أن يقول: رجعتك إلى نكاحي، أو راجعتك إلي، أو أمسكتك على نكاحي.
والحاصل أنه يجب في رددت أمران: أحدهما أن يذكر فيه ما يدل على المرأة من كاف الضمير، أو الاسم الظاهر، أو اسم الإشارة، بأن يقول: رددتك، أو رددت زوجتي أو فلانة أو رددت هذه. الأمر الثاني: أن يضيف ذلك إليه أو إلى نكاحه، فيقول: رددت زوجتي إلى نكاحي، أو إلي، أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك، فإنه لا يكون صريحاً لأنه يحتمل ردها إلى أهلها وعدم قبولها، أما غير رددت من صيغ الصريح فإنه يشترط فيه نسبته إلى الزوجة، ويسن فيه نسبته إلى الزوج أو إلى نكاحه، كما يسن أن يشهد على الرجعة، وإنما كانت هذه الألفاظ صريحة في الرجعة لأنها اشتهرت فيها، وقد ذكر بعضها في كتاب الله تعالى: فمن ذلك الرد قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} وورود المصدر يدل على صحة استعمال فعله وما اشتق منه. كرددت زوجتي إلي أو أنت مردودة إلي ومن ذلك الإمساك قال تعالى: {فإمساك بمعروف} وهو مثل الرد، ومن ذلك الرجعة قال تعالى {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} .
ولهذا، قلنا إن صرائح الرجعة منحصرة فيما ذكر. وتحصل بها الرجعة بدون نية.
وأما كناية الرجعة، فهي كأن يقول لها: تزوجتك، أو نكحتك، فإن هذه الألفاظ صريحة في العقد ولا يمكن استعمالها في الرجعة صريحاً، لأن المطلق رجعياً زوجة، فلا معنى لقوله لها: تزوجتك، أو نكحتك، فكل ما كان صريحاً في باله - ولا يمكن أن ينفذ في الموضوع المستعمل فيه - فإنه يكون كناية، وهذا معنى قولهم: ما كان صريحاً في بابه، ولم يجد نفاذاً في موضوعه كان كناية في غيره، وقد يقال: إنه يصح استعمال تزوجت ونكحت في الرجعة بمعنى أعددتك إلى زواج كامل ونكاح كامل، كما قالوا في رددت زوجتي إلى نكاحي، أي إلى نكاحي الكامل الذي لا ينقطع بمضي العدة، ولعل هذا هو السبب في قول بعضهم: إن لفظ التزويج والنكاح استثني من قاعدة ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كناية في غيره، فإن هذا القائل لاحظ أن لفظ التزويج والنكاح يمكن استعمالها في موضوع الرجعة على معنى أنه تزوجها زواجاً كاملاً، وإن كانت زوجة له فلا يصح أن يكون كناية في الرجعة على هذه القاعدة، ولكن الشافعية استثنوا لفظ النكاح والتزويج من هذه القاعدة، فقالوا: إنهما كنايتان، فلا تصح الرجعة بهما إلا بالنية، فالرجعة لا تصح إلا باللفظ، سواء كان صريحاً، أو كناية، ويلحق باللفظ الكتابة فإذا كتب راجعت زوجتي إلى عصمتي ونحوه فإنه يصح، وترجع زوجة له بذلك لأن الكتابة كاللفظ، ومثل الكتابة إشارة الأخرس المفهمة.
فلا تصح الرجعة بالوطء أو بمقدمات الوطء، سواء نوى به الرجعة أو لم ينو، لأنه لا يدل على الرجعة إلا وطء الكافر، فإنه إذا كان الرجعة عندهم فإننا نقرهم عليه، ويحرم على المطلق رجعياً أن يتمتع بمطلقته قبل أن يراجعها باللفظ لا بوطء ولا بغيره، فإن وطئها كان عليه مهر المثل، لأنه وطء شبهة، لأن الحنفية يقولون بجوازه، وإن راجع بعده لأن فيها تحريم الوطء كالبائن هكذا في المهر، بخلاف ما إذا وطئها وهو مرتد ثم أسلم، فإنه لا مهر عليه، لأن الإسلام يزيل أثر الردة، أما الرجعة فلا تزيل أثر الطلاق.
وإذا وطئها في أثناء العدة فإنها تبتدأ العدة من الفراغ من الوطء بحيث لو لم يراجعها فإنها لا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض بعد فراغه من وطئها أو يمضي عليها أربعة أشهر إن كانت لا تحيض من ابتداء الفراغ، ولا يحسب لها ما مضى، أما إذا أراد مراجعتها هو فإنه ليس له أن يراجعها إلا فيما بقي لها من العدة الأولى، مثلاً إذا حاضت حيضتين بعد طلاقها رجعياً، ثم وطئها بدون رجعة، فبعد الفراغ من وطئها تبتدئ عدة جديدة، فلا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض أخرى غير الحيضتين، أما هو فإنه ليس له مراجعتها إلا في المدة الباقية لها، وهي الحيضة الأخيرة.
هذا إذا لم تكن حاملاً، فإذا كانت حاملاً أو أحبلها بالوطء، فإن عدتها وضع الحمل على كل حال، وله أن يراجعها ما لم تلد.
الشرط الثاني من شروط الصيغة: أن تكون منجزة، فإذا علقها على أمر ووقع، فإنها لا تصح، مثلاً إذا قال لزوجته: راجعتك إن شئت فقالت: شئت، فلا تصح الرجعة.

الشرط الثالث: أن لا تكون مؤقتة بوقت، فإذا قال لها: راجعتك شهراً لم تحصل الرجعة.

الحنابلة - قالوا: يشترط في المرتجع أن يكون عاقلاً، ولو صبياً مميزاً حراً كان أو عبداً، فإذا طلقها وهو عاقل ثم جن فلوليه أن يراجع عنه، ولا تصح رجعة المرتد قبل توبته، كما لا يصح تزويجه ذكراً أو أنثى، وإذا طلق في أثناء ردته كان طلاقه موقوفاً، فإن أسلم وقع طلاقه وإن لم يسلم لم يقع، لأنه لم يصادف محلاً، فإن الردة تفسخ النكاح.
ويشترط في المحل، وهي الزوجة أن تكون زوجة بصحيح العقد، فلا تصح رجعة الأجنبية أو المفسوخ عقدها لفساد فيه، وأن يكون قد وطئها أو خلا بها، لأن الخلوة توجب العدة عند الحنابلة، فإن طلقها قبل ذلك فلا رجعة لها، لأن المطلقة قبل الدخول تبين ولا عدة لها، وأن تكون مطلقة طلاقاً رجعياً، فلا رجعة للمطلقة على مال، أو المطلقة ثلاثاً، أو المطلقة قبل الدخول، وأن تكون في العدة، فلا رجعة لمن انقضت عدتها.
أما الصيغة فإنها لفظ وفعل، فأما اللفظ فيشترط فيه شرطان: أحدهما أن يكون صريحاً في الرجعة، وهو رجعتك، ورجعت زوجتي وراجعت زوجتي، وارتجعت زوجتي، وأمسكت زوجتي، ورددتها، فلا يصح الرجعة بقوله: نكحتها أو تزوجتها، فإنه كناية والرجعة لا تصح بالكناية. ثانيهما: أن لا تكون معلقة على شرط كأن يقول: إذا جاء رأس الشهر فقد راجعتك فإن ذلك ليس رجعة، وأما الفعل فهو الوطء فيحل للمطلق رجعياً أن يطأ زوجته، وإذا فعل فقد رجعت لذلك، ولو لم ينو به الرجعة، أما غير الوطء فلا تحصل به الرجعة، فلو قبلها، أو لمسها أو باشرها أو نظر إلى فرجها بشهوة أو نحو ذلك، فإن ذلك لا يكون رجعة ومثل ذلك ما إذا خلا بها، فإن الخلوة لا تكون رجعة) .
(2) (الحنفية - قالوا: يبطل حق الزوج بانقضاء العدة بواحد من الأمور الثلاثة المذكورة فأما الحيض، فإن الرجعة تبطل به إذا ادعت أنه انقطع بعد شهرين من تاريخ الطلاق، لأن أقل ما تنقضي به العدة شهران عند الإمام، فإذا ادعت أنها حاضت ثلاث مرات قبل الشهرين فإنها لا تصدق، وذلك لأنه إذا طلقها في أول مدة طهر لم يطأها فيه، تحتاج إلى ثلاث حيض، وثلاثة أطهار، الطهر الذي طلقها فيه، وطهران بعد الحيضتين، حتى ترى دم الحيضة الثالثة في آخر الطهر الثاني، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، فيكون مجموع الأطهار خمسة وأربعين يوماً، وتحتاج إلى ثلاث حيض، ويعتبر في الحيضة الوسط وهو خمسة أيام، فيكون مجموع الحيض خمسة عشر يوماً، مضافة إلى خمسة وأربعين يوماً، فالمجموع ستون يوماً، وإنما يعتبر في الحيض أقله، وهو ثلاثة أيام، لأن اجتماع أقل الطهر وأقل الحيض في مدة واحدة نادر لا يعول عليه، وبعضهم يبينه بوجه آخر، فيقول: إن المفروض أن يطلقها في آخر الطهر الذي لا وطء فيه، كي لا تطول عليها المدة.
فتحيض وتطهر، ثم تحيض وتطهر، ثم تحيض فيتم لها بذلك طهران، وثلاث حيض، لأن الطهر الذي طلقها فيه لم يحسب لأنه طلقها في آخر جزء منه، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، فيكون الطهران ثلاثين يوماً، أما الحيض فيحسب أكثره وهو عشرة أيام، فالثلاثة حيض بثلاثين يوماً أيضاً، وهما الشهران، وإنما اعتبر أكثر الحيض ليتعادل مع أقل الطهر، ولا يخفى أن المآل واحد من الأمرين، وأنه لا فرق بين أن يطلقها في أول الطهر، أو في آخره، بالنسبة لحسبان الشهرين فلا بد من انقضاء الشهرين من تاريخ طلاقها، وإلا فلا تصدق بأن عدتها قد انقضت بالحيض فإذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض بعد شهرين، فإن حق الزوج في الرجعة يبطل بانقطاع دم الحيضة الأخيرة التي تنتهي بها عدتها، فإن كانت حرة تبطل رجعتها وانقطاع الحيضة الثالثة، وإن كانت أمة تبطل رجعتها بانقطاع دم الحيضة الثانية، لأن عدة الأمة حيضتان، ثم إن الدم لأكثر الحيض، وهو عشرة أيام. فإن عدتها تنقضي وإن لم تغتسل، فإذا مكثت حائضة عشرة أيام ولم ينقطع الدم فإنه ينظر إن كانت لها عادة ينقطع عندها الدم. كان لها حق الرجعة إلى انقطاعه عند عادتها، وإن لم يكن لها عادة بطل حقه في الرجعة. وإن لم ينقطع عندها الدم، كان له حق الرجعة إلى انقطاعه عند عادتها. وإن لم يكن لها عادة بطل حقه في الرجعة. وإن لم ينقطع الدم لأن أكثر مدة الحيض عشرة أيام. فعند انقضائها تبطل الرجعة إذا لم توجد لها عادة، أما إذا انقطع دم الحيضة الأخيرة لأقل من عشرة أيام. فإن حقه في الرجعة لا يبطل إلا بأحد أمرين:
الأمر الأول: أن تغتسل بماء طهور، ولو كان مشكوكاً في طهوريته. كما إذا كان الماء سؤر حمار، ولكن إذا اغتسلت به مع وجود الماء المطلق فإنه لا يصح لها أن تصلي به، أو تتزوج فهو يقطع حق الرجعة فقط.
الأمر الثاني: أن يمضي عليها وقت صلاة كامل بعد انقطاع الدم، بحيث تكون الصلاة ديناً في ذمتها، مثلاً إذا انقطع الدم عقب دخول وقت الظهر ولم تغتسل فإن له أن يراجعها حتى يدخل وقت العصر، وكذا إذا انقطع الدم عند شروق الشمس فإن له أن يراجعها حتى يدخل وقت العصر. لأن الوقت من شروق الشمس إلى الظهر مهمل لا تجب عليها فيه صلاة. فمن شروق الشمس إلى العصر لا يجب عليها إلا وقت واحد، وهو الظهر، فإذا انقطع الدم في أخر وقت الظهر، يعني قبل العصر بنصف ساعة مثلاً، فإن كان ذلك الوقت يمكنها أن تغتسل فيه وتكبر تكبيرة الإحرام قبل خروجه فإنه يعتبر وقتاً كاملاً، لأنه بذلك يجب عليها ديناً في ذمتها. أما إن كان ذلك الوقت لا يمكنها أن تغتسل وتكبر فيه، فإن رجعته لا تبطل إلا إذا انقضى الزمن الباقي من وقت الظهر وانقضى زمن العصر بتمامه، ودخل في وقت المغرب، وعلى هذا القياس فإذا لم تجد ماء فإنه يقوم التيمم مقام الغسل، وقيل: لا يكفي التيمم إلا إذا صلت به صلاة كاملة، ولو نفلاً، والراجح الأول: لأن التيمم مقام الغسل، طهارة كاملة عند فقد الماء. هذا إذا كانت مسلمة، أما الكتابية فرجعتها تبطل بمجرد الانقطاع بدون اغتسال أو مضي وقت صلاة، وهل لو انقطع دم حيضها لأقل المدة ثم اغتسلت بماء طهور غير مشكوك فيه، ثم تزوجت بآخر وعاد لها الدم ثانية، يبطل الزواج وتعود الرجعة، أو تبطل الرجعة ويستمر الزوج؟ في هذه المسألة خلاف، فبعضهم يقول: إن بطلان الرجعة منوط بانقطاع الدم، فإذا انقطع لأقله ثم عاد لا يكون قد انقطع حقيقة، فتعود الرجعة ويبطل عقد الزواج.
أما الغسل فقد شرط ليقوي الانقطاع لأقل الحيض، على معنى أنه إذا وجد الانقطاع والاغتسال حكم الشارع بطهارتها، فإذا عاد الدم حكم بعدم طهارتها، وبعضهم يقول: إن بطلان الرجعة منوط بالاغتسال بعد انقطاع الدم، فمتى اغتسلت حلت للأزواج وبطلت الرجعة، فإذا تزوجت ثم عاد الدم فإن تزوجها يستمر صحيحاً ولا يبطله عودة الدم.
ومثل ذلك ما إذا انقطع دمها لأقل المدة ولم تغتسل ولكن مضى عليها وقت صلاة كامل بدون دم فإنها تحل للأزواج بذلك، ويبطل حق الزوج في الرجعة، فإذا عاد لها الدم عاد الخلاف المذكور فبعضهم يقول: يعود الحق في الرجعة ويبطل الزواج، لأن مناط بطلان الرجعة انقطاع الدم، وبعودته تبين أنه لم ينقطع، وبعضهم يقول: لا يبطل الزواج ولا يعود الحق في الرجعة، لأن مناط بطلان الرجعة مضي وقت الصلاة بعد انقطاع الدم.
والمعقول الذي تنضبط به الأحكام، هو أن حق الرجعة يبطل وأن الزواج يستمر صحيحاً، ولو عاد الدم، سواء كان ذلك بعد الغسل أو بعد مضي وقت صلاة، إذ لا معنى للحكم بصحة تزوجها عند هذه الأمارة، فإذا تزوجت ووطئها الزوج الجديد مثلاً وعاد الدم فهل يصح أن يقال له: أنها ليست زوجة لك، فإن زوجها القديم قد راجعها؟ إن ذلك ليس من الأمور الهينة التي يسهل على النفوس أن تسيغها، فمتى جعل الشارع هذه الأمارة دليلاً على طهارة الزوجة وأباح لها أن تتزوج بالغير، فلا يصح أن يقال بعد ذلك: أن للشارع إبطال هذه الأمارة وانتزاع الزوجة من حضن القديم، على أن ذلك يفضي إلى تعليم النساء الكذب وعدم الصدق، فإن المرأة التي تتزوج زوجاً جديداً إذا علمت أنها ستنزع منه لا بد أن تكتم الدم الذي عاد لها، وهذا مما لا معنى له، ومن أجل ذلك جرت متون المذاهب على أن الزواج الثاني صحيح، وأن الرجعة لا تعود بعودة الدم نعم لو قالوا: أن الاحتياط أن لا يحل لها التزوج إلا بعد أن ينقطع الدم لأكثر الحيض مع ملاحظة عادتها إن كانت لها عادة بعد مضي أكثر المدة كان ذلك حسناً ولكنهم لم يفعلوا.
وأما وضع الحمل فإنه يبطل حق الرجعة، ثم إن كان كاملاً فإن العدة تنقضي بخروج أكثره، إذ لا يشترط خروجه جميعه على أنها لا يحل أن تتزوج إلا بخروجه جميعه احتياطاً، إذا كانت حاملاً في اثنين، فإن العدة تنقضي بخروج الثاني، وتبطل الرجعة بخروج أكثره، ولا فرق في انقضاء العدة وبطلان الرجعة بين أن تكون حاملاً به من الزوج المطلق أو من غيره، فلو تزوج حبلى من الزنا وهو عالم بها ثم طلقها فولدت بعد الطلاق انقضت عدتها منه، فإذا ادعت أنها ولدت حملها، وأنكر الزوج الولادة فلا يخلو إما أن يكون حملها ظاهراً، بأن كانت بطنها كبيرة مثلاً، ثم صغرت، فإن دعواها يثبت بشهادة القابلة، لأن ظهور الحمل يؤيد شهادتهما، أما إذا لم يكن بها حمل ظاهر فإن الولادة لا تثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، كما سيأتي في المسألة التالية.
ويتعلق بها مسائل: المسألة الأولى: إذا طلق شخص زوجته وهي حامل، ولكنه ادعى أنه لم يطأها أصلاً فلم يحبلها، فهل يصح له أن يراجعها قبل وضع الحمل، أو لا يصح؟ وإذا راجعها فهل تكون الرجعة صحيحة قبل الوضع أو لا؟ والجواب: أنه يصح له أن يراجعها قبل الوضع، ولكن لا تكون زوجة له إلا بعد وضع الحمل في مدة تقل عن ستة أشهر من تاريخ الطلاق وستة أشهر فأكثر من تاريخ عقد الزواج وذلك لأنه ادعى أنه لم يطأها.
وهذه الدعوى تفيد أنه طلقها قبل الدخول، وأنه لا عدة له عليها فلا رجعة له، فإذا راجعها قبل وضع الحمل الذي تنقضي به العدة على كل حال كان مكذباً لنفسه، وهذا التكذيب لا يقره الشارع إلا إذا ثبت، وهو لا يثبت إلا إذا ولدت امرأة في مدة تقل عن ستة أشهر من تاريخ الطلاق، لأنها إن ولدت بعد ستة أشهر من تاريخ الطلاق احتمل أن يكون الولد من وطء حديث بعد الطلاق، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر فلا يكون منه، وكذا ينبغي أن يكون في مدة ستة أشهر فأكثر من تاريخ عقد الزواج، لأنها إن جاءت به في مدة تقل عن ذلك لا يكون ابنه، بل يكون من غيره لولادته قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ الزواج، فإذا ولدته في المدة المذكورة كان ابنه، وكان قوله: أنه لم يطأها كذباً حقاً، أما إذا ولدته في غير هذه المدة فإنه يكون صادقاً في قوله: أنه لم يطأها، وتكون مطلقة قبل الدخول حقيقة، فتبطل رجعته، والحاصل أنه إذا أنكر وطأها وظهر أنها حامل وأراد تكذيب نفسه بمراجعتها، فإن له أن يراجعها قبل وضع الحمل لأنها إذا وضعت فلا حق له في الرجعة على أي حال، لما علمت أن الوضع تنفضي به العدة ولو من غيره، ثم تنتظر بعد الرجعة، فإن ولدت في مدة يثبت فيها نسب الولد منه ظهرت صحة الرجعة، وإلا فلا، على أن المشايخ اختلفوا في هل توصف الرجعة بالصحة قبل الوضع في المدة المذكورة أولا، مع اتفاقهم أنها لا تكون زوجة له بالرجعة إلا بعد ظهور صحتها بالوصف؟ فبعضهم قال: إنها توصف بالصحة. وبعضهم قال: لا. وقد استدل من قال: أنها توصف بالصحة بأمرين: أحدهما أنه لو كان الشخص يملك جارية وباعها وادعى المشتري أنها حامل، كان الحمل عيباً فيها يصح له ردها به، ويثبت حملها بظهوره للنساء التي تعرف الحبل فإذا قالت امرأة خبيرة بالحمل: إنها حامل ثبت الحبل وكان عيباً ترد به.
الأمر الثاني أنهم صرحوا في باب ثبوت النسب أن النسب يثبت بالحمل الظاهر وحيث أنه يصح الحكم بظهور الحبل قبل ولادته ويصح ثبوت النسب بظهور الحبل قبل الولادة، فإنه يصح الحكم بصحة الرجعة قبل الولادة، فإذا ولدت فقد ظهرت صحة الرجعة بيقين.
وقد رد الدليل الأول، بأن الذي قال: ان الجارية ترد بقول امرأة: انها حامل قول ضعيف، لمحمد. ولأبي يوسف فيه روايتان: أظهرهما أنه إذا أخبرت امرأة بأن الجارية حامل، صح للمشتري أن يخاصم البائع، فيحلف البائع على أنها ليس بها حمل وقت البيع، وبذلك لا ترد عليه وإذا نكل عن اليمين، فإنها ترد عليه لنكوله. أما إذا لم يظهر بها حمل ولم تقل امرأة: انها حامل فليس للمشتري الحق في الخصومة مع البائع، وحاصل ذلك أن شهادة المرأة التي تعرف الحبل تجعل للمشتري الحق في الخصومة مع البائع فقط ولا تجعل له الحق في الرد، فظهور الحبل لم يترتب عليه حكم الرد، حتى يقاس عليه الحكم بصحة الرجعة.
أما الدليل الثاني فقد رد أيضاً بأنهم لم يقولوا: ان النسب يثبت بظهور الحمل، وإنما الذي قالوه: ان النسب يثبت بالفراش إذا كانت الزوجة غير مطلقة، ويثبت بالولادة إذا كانت مطلقة، والولادة تثبت بقول القابلة - الداية - مثلاً إذا طلق الرجل امرأته الحامل طلاقاً رجعياً وهي حامل ثم راجعها فادعت أنه راجعها بعد أن وضعت وأنكرت ولادتها، فإن ولادتها لا تثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، إلا إذا كان الحبل ظاهراً، كما ذكرنا آنفاً، فإنه حينئذ يكفي لإثبات الولادة شهادة القابلة لأن ظهور الحبل يؤيد شهادة المرأة، فظهور الحبل لم ثبت به الولادة والنسب وإنما ثبت ذلك بشهادة القابلة المؤيد بظهور الحمل، وشهادة القابلة لا تكون إلا بالولادة، فلا من لثبوت النسب من الولادة على كل حال لأنها هي التي تفيد اليقين، يدل لذلك ما ذكره في المبسوط،حيث قال: لو قال رجل لامرأته: إذا حبلت فأنت طالق، فإنها لا تطلق إلا إذا جاءت بولد في مدة أكثر من سنتين، فإذا وطئها مرة احتمل أن تكون قد حملت منه، فالأفضل له أن لا يقربها احتياطاً، ولكن لو وطئها بعد ذلك فإنه يجوز، ولو ظهر حملها فإن ظهور الحمل لا تطلق به لاحتمال أن لا يكون حملاً، وإنما تطلق إذا ولدت بيقين، ومتى تبين أنها طلقت وهي حامل وانقضت عدتها بالوضع، ويشترط لأكثر مدة الحمل من وقت الطلاق، وهي سنتان كما ذكرنا، أما قبل السنتين فإنه يجوز أن تكون قد حملت قبل تعليق الطلاق، فلا يتحقق التعليق، لأن المعلق عليه وهو الحمل كان موجوداً قبل اليمين وهذا كله صريح في أن ظهور الحمل لا يعتبر لا في ثبوت النسب. ولا في رد الجارية بعيب الحبل.
ولا في ثبوت طلاق المرأة فكذلك لا يعتبر في مسألة الرجعية، فإذا راجعها قبل الوضع وقعت الرجعة موقوفة لا يحكم بصحتها إلا بعد ولادتها في المدة المعينة، وإلا تبين فسادها، وحاصل هذا الخلاف، أن بعضهم يقول: ان الرجل الذي أنكر وطء زوجته لا يملك رجعتها قبل وضع الحمل، لأن نكران الوطء يقتضي أنها مطلقة قبل الدخول، والرجعة تقتضي أنه وطئها فناقض نفسه، ولا بد لتكذيبه في الدعوى الأولى من أمارة شرعية يقينية، وهي الولادة في مدة يثبت النسب الولد منه. وحيث أنه لا يمكن أن يراجع بعد الوضع، فله أن يراجع رجعة موقوفة قبل الولادة، ولكن لا يترتب على هذه الرجعة حل الاستمتاع بالزوجة قبل أن تلد، لأن الرجعة لا يمكن الحكم عليها بالصحة قبل الولادة المذكورة، وظهور حمل المرأة غير كاف لأن ظهور الحمل أمارة ظنية، وبعضهم يقول: تصح الرجعة بظهور الحمل، ولكن لا تظهر صحتها إلا بالوضع في المدة المعينة، ومعناه أنها لا تكون زوجة له إلا إذا وضعت في المدة المذكورة، وإذاً فليس للخلاف فائدة، لأن كلاً منهما يقول: إن صحة الرجعة موقوفة على الولادة، إلا أن الفريق الأول يقول: إن الرجعة قبل الولادة لا يحكم عليها بالصحة، والفريق الثاني يقول: يحكم عليها بالصحة الموقوفة على الولادة، وتوقف ظهور الصحة على الولادة لا ينافي الحكم بالصحة قبل الولادة.
فإن قلت: ما فائدة هذا الكلام، أليس للزوجين مندوحة عن كل هذا بعمل عقد جديد؟ قلت: فائدته تظهر عند الشقاق فإذا راجعها الرجل قبل وضع الحمل وأشهد على الرجعة ثم جاءت بولد لأقل من ستة اشهر من تاريخ الطلاق، ولستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج، كان ولده، وبذلك يثبت كذبه في دعواه عدم وطئها، وتصح الرجعة وتكون زوجة له، وإن لم ترض فلا يحل لها أو تتزوج غيره، ولها عليه حقوق الزوجية ولكن هذه النتيجة متفق عليها بين الفريقين المختلفين في وصف الرجعة بالصحة وعدمها، وإنما ذكرنا آراءهم تكملة للبحث العلمي، ولأن في أدلة كل واحد منهما فوائد لا تخفى.
المسالة الثانية: رجل تزوج امرأة ثم ادعى أنه لم يطأها أصلاً، ثم ولدت منه ولداً لستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج وهي زوجة له، ثم طلقها بعد الولادة، فهل يصح له أن يراجعها قبل انقضاء عدتها، أو لا يصح، فكانت مطلقة قبل الدخول فلا رجعة لها؟ والجواب: أن له الرجعة، لأنها لما ولدت على فراشه وهي زوجة له وكانت ولادتها في المدة المعتبرة شرعاً وهي ستة أشهر من تاريخ الزواج كان كاذباً في ادعائه عدم الوطء شرعاً وعلى هذا تكون زوجة له.
المسألة الثالثة: إذا خلا رجل بامرأته ثم أنكر وطأه إياها ثم طلقها طلقة رجعية، فهل يصح له المراجعة أو لا؟ والجواب: أنه لا حق له في الرجعة، لأنها مطلقة قبل الدخول، وقد عرفت أن الخلوة توجب العدة، ولكن تصح بها الرجعة، فإذا فرض وراجعها ولم تقر بانقضاء العدة، ثم تبين أنها حامل وجاءت بولد لأكثر من سنتين، وهي أكثر مدة الحمل، فإنه يثبت نسبه من المطلق ويتبين صحة رجعته بولادتها، أما إذا ولدت في اقل من سنتين، فإن ولادتها لا تكون رجعة لاحتمال أنها حملت به قبل طلاقها ويثبت نسبه منه متى ولدته لستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج وهذا بخلاف المسألة الأولى، فإنه أنكر وطأها ولم يعترف بالخلوة بها، ثم طلقها فكانت مطلقة قبل الدخول والخلوة فلا عدة عليها، فلا تثبت الزوجية بينهما إلا إذا وضعت لأقل من ستة أشهر من تاريخ الطلاق ولستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج، أما في هذه المسألة فإن المفروض أنه اعترف بالخلوة فيجب عليها أن تعتد منه، والمطلقة رجعياً ما دامت لم تعترف بانقضاء عدتها فإنها إذا ولدت ثبت نسب الولد من مطلقها، ثم إن راجعها قبل الولادة، فإن كانت الولادة لأكثر من سنتين كانت رجعة، وإلا فلا، كما بيناه، وأما انقضاء العدة بالأشهر فإنه لليائسة من المحيض لكبر أو صغر والمتوفى عنها زوجها، وسيأتي بيانه في مباحث العدة.
هذا، وإذا اختلف الزوجان، فادعى الزوج الرجعة وأنكرت الزوجة، فإن لذلك صوراً:
الصورة الأولى: أن يدعي أنه راجعها قيل انقضاء عدتها ثم يخبرها بذلك بعد انقضاء العدة، بأن يقول لها: كنت راجعتك قبل انقضاء العدة ولا بينة له، وفي هذه الصورة لا يكون له حق في الرجعة إلا إذا صدقته في دعواه، فإن صدقته فإن الرجعة تصح قضاء، أما إذا كذبته فلا رجعة له عليها، وذلك لأن الزواج يثبت بالتصادق فثبوت الرجعة بالتصادق أولى، لأن الزوجية لم تنقطع، ولكن إن كان كاذباً، فإن الرجعة لا تصح ديانة ولو صدقته فلا يليق بالمسلم أن يقول لها: راجعتك كذباً، ويجعل هذه رجعة كافية لإباحة زوجته بعد انقضاء عدتها، فإنه يحرم عليها أن يطأها إن كان كاذباً، وقد يقال: إذا رغب كل منهما في العودة إلى الزوجية، فأية فائدة في ادعاء الرجعة ومصادقة الزوجة، أو ليس من المعقول البديهي أن تجديد العقد في مثل هذه الحالة أولى وأنزه وأبعد عن الشك والاحتمال ومع هذا، فلا فرق بين الرجعة وبين تجديد العقد من حيث عدد الطلاق. وما وراء ذلك فلا قيمة له عند الاتفاق؟ والجواب: أن العقد قد يكون غير ممكن كما إذا كانا مسافرين في الصحراء وليس معهما شاهدان، ولا يمكنهما الحصول على شاهدين بسهولة، وكان قد راجعها حقاً قبل انقضاء عدتها، فإن التصادق على الرجعة حينئذ أسهل من العقد، وأيضاً قد تكون هذه آخر طلقة، وبانقضاء العدة تحرم مؤيداً، وغير ذلك.
والمفكرون من الفقهاء يفرضون كل ما عساه أن يقع ويذكرون له أحكامه، فإذا ادعى الرجعة ولم تصدقه ولا بينة له فلا رجعة له عليها والقول قولها. وهل له اليمين أولا؟ والجواب: نعم له تحليفها اليمين على المفتى به، وبعضهم يقول: لا يمين له عليها، لأن الرجعة لا تحليف فيها، كبعض أمور أخرى: منها الإيلاء والنسب، والنكاح، والحدود، واللعان، ولكن المفتى به أن فيها الحلف ما عدا الحدود، واللعان.
الصورة الثانية: أن يدعي بعد انقضاء العدة أنه راجعها قبل أن تنقضي ويقيم البينة على أنه قال: راجعت زوجتي فلانة أمام البينة، وفي هذه الحالة تصح الرجعة، وكذا إذا أقر أمام البينة على أنه جامع زوجته أو لمسها بشهوة. أو نظر إلى فرجها بشهوة قبل انقضاء العدة، فإذا شهدت البينة بأنه أقر بذلك لها قبل انقضاء العدة فإن الرجعة تثبت، أما إقراره بعد انقضاء العدة بذلك، فإنه لا قيمة له، لأنه لم يخرج عن كونه دعوى للرجعة بخلاف إقراره به قبل انقضاء العدة، فإنه إقرار بالرجعة. فمتى ثبت ذلك الإقرار ثبتت الرجعة.
الصورة الثالثة: أن يدعي رجعتها في العدة، كأن يقول لها: قد راجعتك أمس، وفي هذه الحالة يصدق. ويكون ذلك رجعة، وإن لم ينشئ رجعة جديدة، فلا يلزم أن يقول لها: راجعتك، لأنه يملك الإنشاء في الحال فيملك الإخبار به في الماضي، ويصح إخباره به. ولكن يشترط أن يقصد بقوله: كنت راجعتك أمس إنشاء رجعتها. أما إذا قصد مجرد الإخبار فإنه يتوقف على تصديقها. فإن صدقته فذاك، ولعل قائلاً يقول: ما فائدة هذا الكلام أيضاً، إذ لا معنى لكونه يخبرها بإنشاء الرجعة أمس يريد به رجعتها، وهو قادر على أن يقول لها: راجعتك من غير لف ولا عناء؟ فماذا يكون الحكم؟
والجواب: أن هذه المسألة قد تقع، وقد يترتب عليها خلف، وذلك لأنه من الممكن القريب أن يقول زوج لمطلقته: قد راجعتك أمس في آخر لحظة من حيضتها الأخيرة ثم ينقطع دم الحيض بعد ذلك فتنقضي عدتها، فتقول له: إن هذا ليس برجعة فلا رجعة لك علي، فماذا يكون الحال؟ أن الشرع في هذه الحالة يقول لها: إن هذه رجعة، فمتى ادعى أنه قصد بذلك إنشاء الرجعة صدق وكان مراجعاً.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 416.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 410.79 كيلو بايت... تم توفير 5.91 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]