الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال - الصفحة 24 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 191 - عددالزوار : 3686 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5093 - عددالزوار : 2337775 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4678 - عددالزوار : 1634353 )           »          ما هي فوائد الفشار للضغط ؟ تعرف على فوائد الفشار لضغط الدم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          طرق المذاكرة السريعة والفعالة أيام الامتحانات , كيفية المذاكرة السريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          اعمال يدوية وفنية خاصة بالمدارس,احلى واجمل ابداعات المدارس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 170 )           »          فضل العلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          الأحاديث الصحيحة فى فضل العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          لانعاش ذاكرة الطفل قبل الدراسة,طرق انعاش ذاكرة الطفل قبل بدء العام الدراسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #231  
قديم 04-10-2025, 04:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (229) بناء إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- البيت وتأذينه في الناس بالحج (12)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ ‏لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا ‏لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . ‏وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ‏وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ ‏الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).‏
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: "الطواف المذكور في هذه الآية هو طواف الإفاضة الذي هو من واجبات الحج. قال الطبري: لا خلاف بين المتأولين في ذلك. (قلتُ: قوله: من واجبات الحج لا يعني به التقسيم المعروف إلى ‏ركن وواجب ومستحب، ولكنه يعني مما أوجبه الله في الحج، وهو ركن باتفاق العلماء)‏.
قال: المسألة الثانية والعشرون للحج ثلاثة أطواف: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، ‏وطواف الوداع. قال إسماعيل بن إسحاق: طواف القدوم سنة، وهو ساقط عن المراهق، وعن ‏المكي، وعن كل من يحرم بالحج من مكة. ‏
قال: والطواف الواجب الذي لا يسقط بوجه من الوجوه، وهو طواف الإفاضة الذي يكون ‏بعد عرفة؛ قال الله -تعالى-: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ). قال: فهذا ‏هو الطواف المفترض في كتاب الله -عز وجل-، وهو الذي يحل به الحاج من إحرامه كله. ‏قال الحافظ أبو عمر -يعني ابن عبد البر-: ما ذكره إسماعيل في طواف الإفاضة هو قول مالك ‏عند أهل المدينة، وهي رواية ابن وهب، وابن نافع، وأشهب عنه. وهو قول جمهور أهل العلم ‏من فقهاء أهل الحجاز، والعراق.‏
‏ وقد روى ابن القاسم، وابن عبد الحكم عن مالك: أن طواف القدوم واجب. وقال ابن ‏القاسم في غير موضع من المدونة، ورواه أيضًا عن مالك: الطواف الواجب طواف القادم مكة. ‏وقال: من نسي الطواف في حين دخوله مكة أو نسي شوطًا منه، أو نسي السعي أو شوطًا ‏منه حتى رجع إلى بلده، ثم ذكره، فإن لم يكن أصاب النساء رجع إلى مكة حتى يطوف ‏بالبيت، ويركع، ويسعى بين الصفا والمروة، ثم يهدي. وإن أصاب النساء رجع، فطاف ‏وسعى، ثم اعتمر وأهدى. وهذا كقوله فيمن نسي طواف الإفاضة سواء. فعلى هذه الرواية ‏الطوافان جميعًا واجبان، والسعي أيضًا.
وأما طواف الصدر -وهو المسمى بطواف الوداع-: فروى ‏ابن القاسم، وغيره عن مالك فيمن طاف طواف الإفاضة على غير وضوء: أنه يرجع من بلده ‏فيفيض؛ إلا أن يكون تطوع بعد ذلك. وهذا مما أجمع عليه مالك وأصحابه، وأنه يجزيه تطوعه ‏عن الواجب المفترض عليه من طوافه.
وكذلك أجمعوا أن مَن فعل في حجه شيئًا تطوَّع به من ‏عمل الحج، وذلك الشيء واجب في الحج قد جاز وقته، فإن تطوعه ذلك يصير للواجب لا ‏للتطوع؛ بخلاف الصلاة. فإذا كان التطوع ينوب عن الفرض في الحج كان الطواف لدخول ‏مكة أحرى أن ينوب عن طواف الإفاضة؛ إلا ما كان من الطواف بعد رمي جمرة العقبة يوم ‏النحر أو بعده للوداع.
ورواية ابن عبد الحكم عن مالك بخلاف ذلك؛ لأن فيها أن طواف ‏الدخول مع السعي ينوب عن طواف الإفاضة لمن رجع إلى بلده مع الهدي، كما ينوب طواف ‏الإفاضة مع السعي لمن لم يطف ولم يسعَ حين دخوله مكة مع الهدي أيضًا عن طواف القدوم. ‏ومن قال هذا قال: إنما قيل لطواف الدخول واجب، ولطواف الإفاضة واجب؛ لأن بعضهما ‏ينوب عن بعض؛ ولأنه قد روي عن مالك أنه يرجع من نسي أحدهما من بلده على ما ذكرنا، ‏ولأن الله -عز وجل- لم يفترض على الحاج إلا طوافًا واحدًا بقوله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)، ‏وقال في سياق الآية: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) والواو عندهم في هذه الآية وغيرها لا توجب رتبة ‏إلا بتوقيف.
وأسند الطبري عن عمرو بن أبي سلمة قال: سألت زهيرًا عن قوله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) فقال: هو طواف الوداع. وهذا يدل على أنه واجب، وهو أحد قولي ‏الشافعي؛ لأنه -عليه السلام- رَخَّص للحائض أن تنفر دون أن تطوفه، ولا يرخص إلا في ‏الواجب" (انتهى من تفسير القرطبي).
(قلتُ: القول بأن طواف القدوم واجب إنما هو لمن قَدِم مكة وأتى المسجد؛ فهذا يجب عليه ‏طواف القدوم، وأما من ذهب إلى منى أو عرفه مطلقًا ابتداءً فليس عليه شيء؛ لقول النبي -صلى ‏الله عليه وسلم- في حديث عروة بن مضرس، وقد كان في المشعر الحرام صباح يوم النحر: (مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؛ فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)؛ فهذا الحديث نصٌّ في عدم وجوب طواف القدوم لمَن لم يأتِ مكة، أو لمن ‏ذهب إلى عرفة مباشرة، وكذلك القول بأن طواف القدوم يعني عن طواف الإفاضة خلاف ‏الصواب؛ لنقل ابن جرير الإجماع على أن قوله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ): أنه طواف الإفاضة، ‏والأقوال الأخرى شاذة؛ فإذا كان هذا هو المأمور به فلا يتم الحج إلا به، وهو ركن من الأركان ‏ولا ينوب عنه شيء إلا أنه يصح أن ينوي طواف الإفاضة والوداع معًا؛ لأن طواف الوداع واجب ‏وليس بنُسُك؛ لأن الحاج يؤديه بعد قضاء نسكه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ ‌بَعْدَ ‌قَضَاءِ ‌نُسُكِهِ ‌ثَلَاثًا) (رواه مسلم)، فهو إذًا يقيم ثلاث ليال بعد قضاء نسكه ولم ‏يطف طواف الوداع؛ لأنه إنما يطوفه بعد أن يقضي بمكة ما شاء أن يقضي ثلاثة أيام؛ لذلك قلنا: ‏هو واجب وليس بنسك، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة).‏
وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #232  
قديم 04-10-2025, 04:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (230) بناء إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- البيت ‏وتأذينه في ‏الناس بالحج (13)‏



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ ‏لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا ‏لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . ‏وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ‏وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ ‏الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).‏
قال القرطبي -رحمه الله-‏: "المسألة الثالثة والعشرون: اختلف المتأولون في وجه صفة البيت بالعتيق؛ فقال مجاهد، والحسن: العتيق القديم. ‏يقال: سيف عتيق، وقد عَتُق أي قدم، وهذا قول يعضده النظر. وفي الصحيح أنه أول ‏مسجد وضع في الأرض. وقيل: عتيقًا؛ لأن الله أعتقه من أن يتسلط عليه جبار بالهوان إلى ‏انقضاء الزمان؛ قال معناه ابن الزبير، ومجاهد. وفي الترمذي، عن عبد الله بن الزبير قال: ‏قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه لم يظهر عليه جبار" قال: ‏هذا حديث حسن صحيح. (قلتُ: سبق بيان المقال فيه ومن ضعفه)، وقد روي عن النبي -صلى ‏الله عليه وسلم مرسلًا-.
فإن ذكر ذاكر الحجاج بن يوسف الثقفي ونصبه المنجنيق على ‏الكعبة حتى كسرها قيل له: إنما أعتقها عن كفار الجبابرة؛ لأنهم إذا أتوا بأنفسهم متمردين ‏ولحرمة البيت غير معتقدين، وقصدوا الكعبة بالسوء فعصمت منهم ولم تنلها أيديهم، كان ‏ذلك دلالة على أن الله -عز وجل- صرفهم عنها قسرًا؛ فأما المسلمون الذين اعتقدوا ‏حرمتها فإنهم إن كفوا عنها لم يكن في ذلك من الدلالة على منزلتها عند الله مثل ما يكون ‏منها في كف الأعداء؛ فقصر الله -تعالى- هذه الطائفة عن الكف بالنهي والوعيد، ولم يتجاوزه ‏إلى الصرف بالإلجاء والاضطرار، وجعل الساعة موعدهم، والساعة أدهى وأمر. وقالت ‏طائفة: سمي عتيقًا؛ لأنه لم يملك موضعه قط. وقالت فرقة: سمي عتيقًا؛ لأن الله -عز وجل‏‏- يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب. وقيل: سمي عتيقًا؛ لأنه أعتق من غرق الطوفان؛ ‏قال ابن جبير. وقيل: العتيق الكريم. والعتق الكرم. ‏
وعتق الرقيق: الخروج من ذل الرق إلى كرم الحرية. ويحتمل أن يكون العتيق صفة مدح ‏تقتضي جودة الشيء؛ كما قال عمر: حملت على فرس عتيق؛ الحديث. والقول الأول ‏أصح للنظر والحديث الصحيح. (قلتُ: يعني أنه أول بيت وضع للناس لعبادة الله، قال النبي -‏صلى الله عليه وسلم- لما سأله أبو ذر: أي بيت وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام)، قال ‏مجاهد: خلق الله البيت قبل الأرض بألفي عام وسمي عتيقاً لهذا. والله أعلم" (تفسير القرطبي).‏
قال الإمام البغوي -رحمه الله-: "(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ): التفث الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظافر والشعث، تقول العرب لمن تستقذره‏‏: ما أتفثك! أي: ما أوسخك. والحاج أشعث أغبر لم يحلق شعره ولم يقلم ظفره، فقضاء التفث: ‏إزالة هذه الأشياء. (لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) أي: ليزيلوا أدرانهم والمراد منه الخروج عن الإحرام بالحلق ‏وقص الشارب ونتف الإبط والاستحداد وقلم الأظفار ولبس الثياب. قال ابن عمر وابن ‏عباس: قضاء التفث مناسك الحج كلها. وقال مجاهد: هو مناسك الحج وأخذ الشارب ‏ونتف الإبط وحلق العانة وقلم الأظفار. وقيل: التفث هاهنا رمي الجمار؛ قال الزجاج: لا ‏نعرف التفث ومعناه إلا من القرآن.
قوله -تعالى-: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) قال مجاهد: أراد نذر الحج والهدي وما ينذر الإنسان من ‏شيء يكون في الحج أي: ليتموها بقضائها. وقيل: المراد منه الوفاء بما نذر على ظاهره. وقيل: ‏أراد به الخروج عما وجب عليه نذر أو لم ينذر، والعرب تقول لكل من خرج عن الواجب ‏عليه: وفَّى بنذره (قلتُ: الصحيح أنه في النذر على ظاهره، وليس قضاء الواجب)، وقرأ عاصم ‏برواية أبي بكر: "‌وَلِيُوَفُّوا" بنصب الواو وتشديد الفاء.
‏(وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أراد به الطواف الواجب عليه وهو طواف الإفاضة يوم النحر ‏بعد الرمي والحلق.
والطواف ثلاثة: طواف القدوم؛ وهو: أن مَن قدم مكة يطوف بالبيت سبعًا، يرمل ثلاثًا من ‏الحجر الأسود إلى أن ينتهي إليه (قلتُ: بخلاف الرمل في عمرة القضية، فكان من الحجر الأسود إلى ‏الركن اليماني لإغاظة المشركين، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- رمل في حجة الوداع من ‏الركن الأسود إلى الركن الأسود) ويمشي أربعًا، وهذا الطواف سنة لا شيء على من تركه ‏‏(قلتُ: سبق بيان أنه واجب على من أتى مكة وقَدِم المسجد)‏.
عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي أنه سأل عروة بن الزبير فقال: قد حج النبي ‏-صلى الله عليه وسلم- فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف ‏بالبيت، ثم لم يكن عمرة، ثم حج أبو بكر، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن ‏عمرة ثم عمر مثل ذلك ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت. (قلتُ: فعلوا ‏ذلك؛ لأنهم كانوا قارنين أو مفردين ولم يكونوا متمتعين كما فعل من لم يكن ساق الهدي من ‏الصحابة. والحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحهما)‏.
‏عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة ‏أول ما يقدم يسعى ثلاثة أطواف ويمشي أربعًا ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا ‏والمروة سبعًا.‏
والطواف الثاني: هو طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق، وهو واجب لا يحصل ‏التحلل من الإحرام ما لم يأتِ به.
عن عائشة قالت: حاضت صفية ليلة النفر، فقالت: ما أراني إلا حابستكم، قال النبي -‏صلى الله عليه وسلم-: عقرى حلقى أطافت يوم النحر؟ قيل: نعم، قال: فانفري. فثبت بهذا ‏أن مَن لم يطف يوم النحر طواف الإفاضة لا يجوز له أن ينفر.
والطواف الثالث: هو طواف الوداع لا رخصة فيه لمن أراد مفارقة مكة إلى مسافة ‏القصر أن يفارقها حتى يطوف بالبيت سبعًا، فمن تركه؛ فعليه دم إلا المرأة الحائض يجوز لها ترك ‏طواف الوداع (قلتُ: سبق بيان أن طواف الوداع واجب، وليس بنسك؛ ولذا فيأثم من تركه وليس عليه ‏دم)، و‏عن ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت؛ إلا أنه رخص ‏للمرأة الحائض.‏ والرمل مختص بطواف القدوم، ولا رمل في طواف الإفاضة والوداع" (تفسير البغوي بتصرفٍ يسيرٍ).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.‏



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #233  
قديم 17-10-2025, 09:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (231)

بناء إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- البيت ‏وتأذينه في ‏الناس بالحج (14)‏



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ ‏لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ ‏مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي ‏النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا ‏اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ ‏لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).‏
قال البغوي -رحمه الله-: "قوله: (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) اختلفوا في معنى العتيق قال ابن عباس، وابن الزبير ومجاهد وقتادة: سمي ‏عتيقًا؛ لأن الله أعتقه من أيدي الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه فلم يظهر عليه جبار قط. قال سفيان ‏بن عيينة: سمي عتيقًا؛ لأنه لم يملك قط، وقال الحسن وابن زيد: سمي به؛ لأنه قديم، وهو أول بيت ‏وضع للناس، يقال: دينار عتيق أي: قديم. وقيل: سمي عتيقًا؛ لأن الله أعتقه من الغرق فإنه رفع أيام ‏الطوفان.
‏(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج: 30)، ‏(ذَلِكَ) أي: الأمر ذلك، يعني ما ذكر من أعمال الحج. (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ) أي: معاصي الله وما نهى عنه، وتعظيمها ترك ملابستها. قال الليث: حرمات الله ما ‏لا يحل انتهاكها. وقال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه، وذهب قوم إلى أن ‏معنى الحرمات هاهنا: المناسك، بدلالة ما يتصل بها من الآيات. وقال ابن زيد: الحرمات ‏هاهنا: البيت الحرام، والبلد الحرام والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والإحرام. (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي: تعظيم الحرمات خير له عند الله في الآخرة.‏
قوله -عز وجل-: (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ) أن تأكلوها إذا ذبحتموها، وهي: الإبل والبقر والغنم، (‏إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) تحريمه، وهو قوله في سورة المائدة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (المائدة: ‏‏3)، الآية، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ) أي: عبادتها، يقول: كونوا على جانب منها ‏فإنها رجس، أي: سبب الرجس، وهو العذاب، والرجس: بمعنى الرجز. وقال الزجاج: (مِنَ‏‏) هاهنا للتجنيس أي: اجتنبوا الأوثان التي هي رجس، (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) يعني: الكذب ‏والبهتان. وقال ابن مسعود: شهادة الزور. وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام خطيبًا ‏فقال: "يا أيها الناس، عدلت شهادة الزور بالشرك بالله"، ثم قرأ هذه الآية. وقيل: هو قول ‏المشركين في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك.‏
‏(حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج: 31).‏
‏(حُنَفَاءَ لِلَّهِ) مخلصين له. (مُشْرِكِينَ بِهِ) قال قتادة: كانوا في الشرك يحجون، ويحرمون ‏البنات والأمهات والأخوات، وكانوا يسمون حنفاء، فنزلت: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) أي‏‏: حجاجًا لله مسلمين موحدين، يعني: من أشرك لا يكون حنيفًا.‏
‏(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ) أي: سقط، (مِنَ السَّمَاءِ) إلى الأرض، (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) ‏أي: تستلبه الطير وتذهب به، والخطف والاختطاف: تناول الشيء بسرعة. وقرأ أهل المدينة: ‏فتخطفه بفتح الخاء وتشديد الطاء، أي: يتخطفه، (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ) أي: تميل وتذهب به‏، (فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) أي: بعيد؛ معناه: بُعد من أشرك من الحق كبعد من ‏سقط من السماء فذهبت به الطير، أو هوت به الريح، فلا يصل إليه بحال. وقيل: شبه حال ‏المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع بحيث تسقطه الريح، فهو ‏هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه إلى المكان السحيق، وقال الحسن: شبَّه ‏أعمال الكفار بهذه الحال في أنها تذهب وتبطل فلا يقدرون على شيء منها" (انتهى من تفسير البغوي).‏
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #234  
قديم 17-10-2025, 09:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (232)

بناء إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- البيت ‏وتأذينه في ‏الناس بالحج (15)‏



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ . ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج: 25-31).
فيه فوائد:
الفائدة الأولى:
جعل الله الكعبة البيت الحرام وما حولها من أرض الحرم وقفًا لعبادة الله، يستوي فيه المقيم المستوطن الذي هو من أهله، ومَن هو قادم زائر لعبادة الله في بلده الحرام، وأداء النسك الذي شرعه الله عز وجل لعباده؛ فلا يجوز شرعًا التفريق بين الناس في هذه البقعة بين مقيم وزائر، أو مستوطن، ولا يجوز منع أحدٍ من قصد البيت الحرام إلا المشركين بجميع أنواعهم؛ سواء كانوا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى أم من عُبَّاد الأوثان، أو أي ملة من الملل غير ملة الإسلام؛ لقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 28).
وقد كان الأمر في بداية الإسلام عدم جواز منع أي أحد أمَّ البيت الحرام ولو كان مشركًا؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) (المائدة: 2)، فخصص الله هذه الآية بآية براءة: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ . إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة: 17-18)، وفي القراءة الأخرى: "مسجد الله".
وقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)
وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب أن ينادي في الناس في حجة أبي بكر هو ومَن معه: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، أما أهل الإسلام فكل مسلم يقصد بيت الله الحرام لا يجوز منعه لا قبل وصوله إلى الأرض الحرام ولا بعد وصوله، ولا شك أن بعد وصوله أولى وأحرى أن لا يخرج منه؛ لقول الله -عز وجل-: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) (آل عمران: 97)، ولو كان قد ارتكب جرمًا خارج الحرم لما جاز إخراجه عند جماهير العلماء، ولكن يضيق عليه حتى يضطر إلى الخروج؛ لا يُبايع، ولا يؤاكل ولا يشارب، حتى يخرج فيؤخذ، وأما من ارتكب الجرم في داخل الحرم فهو الذي انتهك حرمة الحرم فيقام عليه الحد داخل الحرم، وقد جعل الله بركة عجيبة في هذه الأرض المباركة المقدسة في الأطعمة والأشربة والأرزاق، والقوى وصحة الأبدان، وكذلك سعة هذه المساحة لملايين من البشر لو قصدوها للحج والعمرة؛ فهي تتسع لهم بالبركة التي جعل الله فيها: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96).
نقول: بهذه البركة التي جعلها الله فيها وما يليها، تسع المسلمين بأنواع التيسير من: الإقامة والحركة، والتنقل في جميع المشاعر؛ التي لو بذلوا جهدهم في التيسير فيها والبناء فيها لتتضاعف السعة السكانية؛ لكان فيها -بإذن الله- التيسير على حجاج بيت الله الحرام، ولم يثبت حديث منع البناء في الأرض الحرام وفي مِنى، وهو الحديث المذكور: أنهم سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا نبني لك منزلًا غدًا بمنى؟ فقال: لا، منى مناخ مَن سبق"؛ فهو حديث لم يثبت، وإنما كان المعنى المقصود منه هو: عدم منع السابق إلى مكان منها من النزول فيما سبق إليه، وإن كان هذا لا يحدث منذ أزمنة طويلة.
أما إن كان البناء لغرض التوسعة على حجاج بيت الله الحرام؛ فلا نشك في جوازه، نقول: لو بذلوا جهدهم في التيسير فيها والبناء فيها لاستيعاب أضعاف الأعداد الحالية؛ لوسعتهم -بإذن الله- دون مبالغة، ودون ضرر أيضًا، نسأل الله أن يلهم المسلمين ومن ولي أمر الأرض الحرام ما يوسعون به المناسك دون منع مَن قصد البيت الحرام للحج والعمرة والصلاة؛ فليس المنع هو الحل، مع النصوص الكثيرة من الكتاب والسُّنة في استواء الناس في الأرض الحرام ممَّن قصد النسك تعبُّدًا، بعيدًا عن الخلاف الذي ذكرناه في نقل التفسير في جواز بيع رباع مكة ودورها وإجارتها، فإن هذا لا يدخل فيه مَن أراد البيت الحرام والمشاعر لأداء النسك؛ لأن مكة فتحت عنوه، وأوقفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لم يضرب عليها خراجًا، وإنما جعلها وقفًا للمسلمين لأداء النُّسُك، وأهلها أولى بما سبقوا إليه منها، ولا يَمنعون غيرهم مما لم يسبقوا إليه.
وهذه الآية من أوضح النصوص في استواء الناس في الأرض الحرام؛ فلا يصح إهمالها، ولا يجوز لمسلم أن يتشبه بالكفار، ولو بغير قصد، ولو باجتهاد لم يُسبق إليه عبر العصور في منع المسلمين مِن قصد البيت الحرام لأداء النسك: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) (الحج: 25)؛ لذا نقول: مَن منع الناس فقد تشبه بمن لا يجوز التشبه بهم من الكفار، والحقيقة التي لا شك فيها: أنه حتى بالحساب بالمساحات، وحاجة كل فرد لمساحة معينة -مع أن هذا غير مطلوب شرعًا-، فإن مساحات المناسك مع تنوع أعمال النسك تتسع لما لا يقل عن عدة ملايين فوق ما يحصل الآن؛ فضلًا عن البركة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها-: (أَنْفِقِي، وَلَا تُحْصِي ‌فَيُحْصِيَ ‌اللهُ ‌عَلَيْكِ، وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللهُ عَلَيْكِ) (متفق عليه).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #235  
قديم 15-11-2025, 06:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال



الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (233) بناء إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- البيت ‏وتأذينه في ‏الناس بالحج (16)‏



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ . ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج: 25-31).
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في مقدمة زاد المعاد: "وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مِنَ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا، وَهِيَ الْبَلَدُ الْحَرَامُ؛ فَإِنَّهُ -سُبْحَانَهُ- اخْتَارَهُ لبيته، وَجَعَلَهُ مَنَاسِكَ لِعِبَادِهِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الْإِتْيَانَ إِلَيْهِ مِنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، فَلَا يَدْخُلُونَهُ إِلَّا مُتَوَاضِعِينَ مُتَخَشِّعِينَ مُتَذَلِّلِينَ، كَاشِفِي رُءُوسِهِمْ مُتَجَرِّدِينَ عَنْ لِبَاسِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَجَعَلَهُ حَرَمًا آمِنًا لَا يُسْفَكُ فِيهِ دَمٌ، وَلَا تُعْضَدُ بِهِ شَجَرَةٌ، وَلَا يُنَفَّرُ لَهُ صَيْدٌ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ لِلتَّمْلِيكِ، بَلْ لِلتَّعْرِيفِ لَيْسَ إِلَّا، (قلتُ: فإذا كان لا ينفَّر الصيد؛ فلا ينفر المسلمون).
وَجَعَلَ قَصْدَهُ مُكَفِّرًا لِمَا سَلَفَ مِنَ الذُّنُوبِ، مَاحِيًا لِلْأَوْزَارِ، حَاطًّا لِلْخَطَايَا، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)، وَلَمْ يَرْضَ لِقَاصِدِهِ مِنَ الثَّوَابِ دُونَ الْجَنَّةِ، فَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ دُونَ الْجَنَّةِ).
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ)، ولَوْ لَمْ يَكُنِ الْبَلَدُ الْأَمِينُ خَيْرَ بِلَادِهِ، وَأَحَبَّهَا إِلَيْهِ، وَمُخْتَارَهُ مِنَ الْبِلَادِ؛ لَمَا جَعَلَ عَرَصَاتِهَا مَنَاسِكَ لِعِبَادِهِ وفَرَضَ عَلَيْهِمْ قَصْدَهَا، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ آكَدِ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ، وَأَقْسَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ، فَقَالَ -تَعَالَى-: (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (التين: ?)، وَقَالَ -تَعَالَى-: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) (البلد: ?).
وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بُقْعَةٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ السَّعْيُ إِلَيْهَا وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ الَّذِي فِيهَا غَيْرَهَا، وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَوْضِعٌ يُشْرَعُ تَقْبِيلُهُ وَاسْتِلَامُهُ، وَتُحَطُّ الْخَطَايَا وَالْأَوْزَارُ غَيْرَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ. وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، فَفِي النَّسَائِيِّ وَالْمُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عبد الله بن الزبير، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ) وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلِذَلِكَ كَانَ شَدُّ الرِّحَالِ إِلَيْهِ فَرْضًا، وَإلى غَيْرِهِ إنما يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ.
وَفِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ عبد الله بن عدي بن الحمراء، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْحَزْوَرَةِ (قلتُ: هذا موضع بمَكَّة، وهو الآن داخل المسجد بعد التوسعاتَ) يَقُولُ: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: كَوْنُهَا قِبْلَةً لِأَهْلِ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ، فَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قِبْلَةٌ غَيْرُهَا.
وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَيْضًا: أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُهَا وَاسْتِدْبَارُهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ دُونَ سَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ.
وَأَصَحُّ الْمَذَاهِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَضَاءِ وَالْبُنْيَانِ لِبِضْعَةَ عَشَرَ دَلِيلًا قَدْ ذُكِرَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (قلتُ: الصحيح التفرقة بين الفضاء والبنيان؛ لقول ابن عمر: "إنما نهي عن ذلك في الفضاء"، وهو حديث صحيح، وقول الصحابي أُمِرنا بكذا... أو نهينا عن كذا... له حكم الرفع)، وَلَيْسَ مَعَ الْمُفَرِّقِ مَا يُقَاوِمُهَا الْبَتَّةَ، مَعَ تَنَاقُضِهِمْ فِي مِقْدَارِ الْفَضَاءِ وَالْبُنْيَانِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِيفَاءِ الْحِجَاجِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.
وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبي ذر قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ)، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى)، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ عَامًا).
وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْمُرَادَ بِهِ فَقَالَ: مَعْلُومٌ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ هُوَ الَّذِي بَنَى الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ عَامٍ، وَهَذَا مِنْ جَهْلِ هَذَا الْقَائِلِ؛ فَإِنَّ سُلَيْمَانَ إِنَّمَا كَانَ لَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تَجْدِيدُهُ لَا تَأْسِيسُهُ، وَالَّذِي أَسَّسَهُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَآلِهِمَا وَسَلَّمَ- بَعْدَ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ الْكَعْبَةَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ. (قلتُ: قد يكون إسحاق هو الذي بناه، وقد يكون إبراهيم أيضًا إذا مَدَّ الله في عمره؛ فليس عندنا دليل على عمر إبراهيم بعد بناء الكعبة).
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِهَا: أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- أَخْبَرَ أَنَّهَا أُمُّ الْقُرَى؛ فَالْقُرَى كُلُّهَا تَبَعٌ لَهَا وَفَرْعٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ أَصْلُ الْقُرَى، فَيَجِبُ أَلَّا يَكُونَ لَهَا فِي الْقُرَى عَدِيلٌ، وهذا كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ (الْفَاتِحَةِ) أَنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ؛ ولذلك لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ لها عَدِيلٌ.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّهَا لَا يَجُوزُ دُخُولُهَا لِغَيْرِ أَصْحَابِ الْحَوَائِجِ الْمُتَكَرِّرَةِ إِلَّا بِإِحْرَامٍ، (قلتُ: هذا مذهب المالكية والحنفية وإلا فإن الشافعية والحنابلة يجوزون دخولها إذا دخل لحاجة ولو غير متكررة بغير إحرام، وإنما يجب الإحرام على من أراد الحج والعمرة، وهو الذي يدل علية ظاهر الحديث المتفق على صحته: "‌هُنَّ ‌لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ").
وَهَذِهِ خَاصِّيَّةٌ لَا يُشَارِكُهَا فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْبِلَادِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَلَقَّاهَا النَّاسُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مَرْفُوعًا: "لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إِلَّا بِإِحْرَامٍ، مِنْ أَهْلِهَا وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا"؛ ذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، وَلَكِنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ فِي الطَّرِيقِ، وَآخَرَ قَبْلَهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: النَّفْيُ، وَالْإِثْبَاتُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ هُوَ دَاخِلُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ هُوَ قَبْلَهَا؛ فَمَنْ قَبْلَهَا لَا يُجَاوِزُهَا إِلَّا بِإِحْرَامٍ، وَمَنْ هُوَ دَاخِلُهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة، وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وأحمد" (انتهى من زاد المعاد).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #236  
قديم 15-11-2025, 06:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (234) بناء إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- البيت ‏وتأذينه في ‏الناس بالحج (17)‏



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ . ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج: 25-31).
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في مقدمة زاد المعاد: "وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ فِيهِ عَلَى الْهَمِّ بِالسَّيِّئَاتِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا؛ قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الْحَجِّ: ??)، فَتَأَمَّلْ كَيْفَ عَدَّى فِعْلَ الْإِرَادَةِ هَاهُنَا بِالْبَاءِ، وَلَا يُقَالُ: أَرَدْتُ بِكَذَا إِلَّا لِمَا ضُمِّنَ مَعْنَى فِعْلِ "هَمَّ"، فَإِنَّهُ يُقَالُ: هَمَمْتُ بِكَذَا، فَتَوَعَّدَ مَنْ هَمَّ بِأَنْ يَظْلِمَ فِيهِ بِأَنْ يُذِيقَهُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.
وَمِنْ هَذَا تَضَاعُفُ مَقَادِيرِ السَّيِّئَاتِ فِيهِ لَا كَمِّيَّاتِهَا، فَإِنَّ السَّيِّئَةَ جَزَاؤُهَا سَيِّئَةٌ، لَكِنْ سَيِّئَةٌ كَبِيرَةٌ جَزَاؤُهَا مِثْلُهَا، وَصَغِيرَةٌ جَزَاؤُهَا مِثْلُهَا، فَالسَّيِّئَةُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَبَلَدِهِ وَعَلَى بِسَاطِهِ آكَدُ وَأَعْظَمُ مِنْهَا فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْأَرْضِ؛ وَلِهَذَا لَيْسَ مَنْ عَصَى الْمَلِكَ عَلَى بِسَاطِ مُلْكِهِ كَمَنْ عَصَاهُ فِي الْمَوْضِعِ الْبَعِيدِ مِنْ دَارِهِ وَبِسَاطِهِ، فَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي تَضْعِيفِ السَّيِّئَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ظَهَرَ سِرُّ هَذَا التَّفْضِيلِ وَالِاخْتِصَاصِ فِي انْجِذَابِ الْأَفْئِدَةِ وَهَوَى الْقُلُوبِ وَانْعِطَافِهَا وَمَحَبَّتِهَا لِهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ، فَجَذْبُهُ لِلْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ جَذْبِ الْمِغْنَاطِيسِ لِلْحَدِيدِ، فَهُوَ الْأَوْلَى بِقَوْلِ الْقَائِلِ:
محَاسِنُهُ هَيُولَى كُلِّ حُسْنٍ وَمِغْنَاطِيسُ أَفْئِدَةِ الرِّجَالِ
وَلِهَذَا أَخْبَرَ -سُبْحَانَهُ- أَنَّهُ مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ، أَيْ: يَثُوبُونَ إِلَيْهِ عَلَى تَعَاقُبِ الْأَعْوَامِ مِنْ جَمِيعِ الْأَقْطَارِ، وَلَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا، بَلْ كُلَّمَا ازْدَادُوا لَهُ زِيَارَةً ازْدَادُوا لَهُ اشْتِيَاقًا.
لَا يَرْجِعُ الطَّرْفُ عَنْهَا حِينَ يَنْظُرُهَا حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهَا الطَّرْفُ مُشْتَاقًا
فَلَلَّهِ كَمْ لَهَا مِنْ قَتِيلٍ وَسَلِيبٍ وَجَرِيحٍ، وَكَمْ أُنْفِقَ فِي حُبِّهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَرْوَاحِ، وَرَضِيَ الْمُحِبُّ بِمُفَارَقَةِ فِلَذِ الْأَكْبَادِ، وَالْأَهْلِ وَالْأَحْبَابِ وَالْأَوْطَانِ، مُقَدِّمًا بَيْنَ يَدَيْهِ أَنْوَاعَ الْمَخَاوِفِ وَالْمَتَالِفِ وَالْمَعَاطِفِ وَالْمَشَاقِّ، وَهُوَ يَسْتَلِذُّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَسْتَطِيبُهُ وَيَرَاهُ -لَوْ ظَهَرَ سُلْطَانُ الْمَحَبَّةِ فِي قَلْبِهِ- أَطْيَبَ مِنْ نِعَمِ الْمُتَحَلِّيَةِ وَتَرَفِهِمْ وَلَذَّاتِهِمْ.
وَلَيْسَ مُحِبًّا مَنْ يَعُدُّ شَقَاءَهُ عَذَابًا إِذَا مَا كَانَ يَرْضَى حَبِيبُهُ
وَهَذَا كُلُّهُ سِرُّ إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِقَوْلِهِ: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) (الحج: ??)، فَاقْتَضَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ الْخَاصَّةُ مِنْ هَذَا الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْمَحَبَّةِ مَا اقْتَضَتْهُ، كَمَا اقْتَضَتْ إِضَافَتُهُ لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ إِلَى نَفْسِهِ مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِضَافَتُهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ كَسَتْهُمْ مِنَ الْجَلَالِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْوَقَارِ مَا كَسَتْهُمْ، فَكُلُّ مَا أَضَافَهُ الرَّبُّ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ فَلَهُ مِنَ الْمَزِيَّةِ وَالِاخْتِصَاصِ عَلَى غَيْرِهِ مَا أَوْجَبَ لَهُ الِاصْطِفَاءَ وَالِاجْتِبَاءَ، ثُمَّ يَكْسُوهُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ تَفْضِيلًا آخَرَ، وَتَخْصِيصًا وَجَلَالَةً زَائِدًا عَلَى مَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الْإِضَافَةِ" (انتهى).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #237  
قديم 15-11-2025, 06:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال



الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (235) بناء إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- البيت ‏وتأذينه في ‏الناس بالحج (18)‏



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ . ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج: 25-31).
الفائدة الثانية:
لما كانت مكة قد شرَّفها الله على كلِّ بقاع الأرض وجعلها لعباده المؤمنين سواءً ولهذا لما فتحها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقسمها بين الغانمين ولم يضرب عليها الخراج كما تعامل مع أهل خيبر، قسم جزءًا منها وترك جزءًا عامل اليهود فيه على العمل فيها على نصف ما يخرج منها مزارعة ومساقاه، وكذلك تعامل عمر مع أرض الخراج في الشام والعراق ومصر، وغيرها، أي: الأرض التي فتحت عنوه، فملكها المسلمون، لكنها مما لا يجب قسمتها؛ لأن الله -عز وجل- إنما أحل للأمة الغنائم التي حرمها على من قبلنا وهي الغنائم المنقولة، وأما الأرض فإنه جعلها لمن قبلنا: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ . يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) (المائدة: 20-21).
ولما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة لما أبوا أن يقاتلوا مع موسى بعد خروجهم من التيه قاتلوا مع يوشع بن نون، وفتحوا بيت المقدس وملكوا الأرض؛ فدلَّ ذلك على أنها لم تحرم عليهم، فالأرض المغنومة لا يلزم قسمتها، بل يجوز قسمتها ويجوز تركها؛ فلذا ضرب عمر الخراج على الأرض التي فتحت عنوه في الشام والعراق ومصر، وغيرها خراجًا ثابتًا كأنه أجرة للمسلمين؛ أما مكة: فهي وقف من الله ورسوله على المسلمين جميعًا إلى آخر الزمان، وهي أعز عند الله أن يضرب عليها خراج أو يتملكها أناس مخصوصون يتوارثها أهلهم بعدهم، ويضيق الأمر على المسلمين في نسكهم وحجهم وعمرتهم؛ فلذلك لم تقسم، ولم يضرب عليها الخراج.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: "فإذا كانت مكة قد فتحت عنوة، فهل يضرب الخراج على مزارعها كسائر أرض العنوة، وهل يجوز لكم أن تفعلوا ذلك أم لا؟ قيل في هذه المسألة قولان لأصحاب العنوة:
أحدهما: المنصوص المنصور الذي لا يجوز القول بغيره، أنه لا خراج على مزارعها وإن فتحت عنوة، فإنها أجل وأعظم من أن يضرب عليها الخراج، لا سيما والخراج هو جزية الأرض، وهو على الأرض كالجزية على الرؤوس، وحَرَم الرب أجلُّ قدرًا وأكبر من أن تضرب عليه جزية، ومكة بفتحها عادت إلى ما وضعها الله عليه من كونها حَرَمًا آمنًا يشترك فيه أهل الإسلام؛ إذ هو موضع مناسكهم ومتعبدهم، وقبلة أهل الأرض.
والثاني -وهو قول بعض أصحاب أحمد-: أن على مزارعها الخراج، كما هو على مزارع غيرها من أرض العنوة، وهذا فاسد مخالف لنص أحمد -رحمه الله- ومذهبه، ولفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين من بعده -رضي الله عنهم-، فلا التفات إليه، والله أعلم.
وقد بنى بعض الأصحاب تحريم بيع رباع مكة على كونها فتحت عنوة، وهذا بناء غير صحيح، فإن مساكن أرض العنوة تباع قولا واحدا، فظهر بطلان هذا البناء والله أعلم" (انتهى كلام ابن القيم من زاد المعاد).
فلا يصح التضييق على الناس في سكنى الأراضي المفتوحة في حجهم وعمرتهم؛ إلا ما يضيِّق على الحجاج والمعتمرين طرقهم ومناسكهم، وكذلك يعطِّل على أهل مكة مصالحهم؛ قال ابن القيم -بعد أن بيَّن شأن الأرض المغنومة، وأنها أقسام؛ منها ما يقسم، ومنها ما يضرب عليها الخراج-: "فصل: وأما مكة فإن فيها شيئًا آخر يمنع من قسمتها ولو وجبت قسمة ما عداها من القرى، وهي: أنها لا تُملَك، فإنها دار النُّسُك ومُتعبَّد الخلق وحرم الرب -تعالى- الذي جعله للناس سواءً العاكفُ فيه والباد فهي وقف من الله على العالمين، وهم فيها سواء -(قلتُ: أي المسلمين)- ومِنى مناخ من سبق. (قلتُ: ذكرنا سابقًا ضعف الحديث بالتفصيل).
قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الحج: ??)، والمسجد الحرام هنا المراد به الحرم؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) (التوبة: ??)، فهذا المراد به الحرم كلُّه؛ وقولِه سبحانه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (الإسراء: ?)، وفي الصحيح: أنه أسري به من بيت أم هانئ.
وقال -تعالى-: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة: ???)، وليس المراد به حضور نفس موضع الصلاة اتفاقًا، وإنما هو حضور الحرم والقربُ منه، وسياق آية الحج يدل على ذلك فإنه قال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الحج: ??)، وهذا لا يختص مكان الصلاة قطعًا، بل المراد: الحرم كلُّه، فالذي جعله للناس سواءً العاكفُ فيه والباد هو الذي توعَّد مَن صدَّ عنه ومن أراد الإلحاد بالظلم فيه، فالحرم ومشاعره: كالصفا والمروة، والمسعى، ومنًى وعرفةَ ومزدلفةَ، لا يختص بها أحد دون أحد، بل هي مشتركة بين الناس؛ إذ هي محل نسكهم ومتعبَّدهم، فهي مسجد من الله وقَفَه ووضعه لخلقه، ولهذا امتنع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُبنى له بيت بمنًى يُظِلُّه من الحر وقال: "منًى مناخ من سبق" (قلتُ: ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود).
قال: ولهذا ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا يجوز بيع أراضي مكة ولا إجارةُ بيوتها؛ هذا مذهب مجاهد وعطاء في أهل مكة، ومالكٍ في أهل المدينة، وأبي حنيفة في أهل العراق، وسفيانَ الثوري والإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ وإسحاق بن راهويه.
وروى الإمام أحمد عن علقمة بن نضلة قال: "كانت رِباع مكة تُدعى السوائب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر؛ من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن" (أخرجه ابن بي شيبة وابن ماجه والدارقطني بإسناد صحيح عن علقمة، وهو مرسل فإن علقمة تابعي صغير لم يدرك زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا زمن أبي بكر وعمر).
وروي أيضًا عن عبد الله بن عمر: "من أكل أجور بيوت مكة فإنما يأكل في بطنه نار جهنم" (أخرجه أبو عبيد في الأموال وابن أبي شيبة والدارقطني عن عبد الله بن عمر موقوفًا، وهذا الإسناد لا بأس به).
ورواه الدارقطني مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: "إن الله حرم مكة، فحرام بيعُ رِباعها وأكلُ ثمنها" (إسناده ضعيف، قال الدارقطني: وهم في رفعه فهو موقوف).
وقال الإمام أحمد: حدثنا معتمر عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم قالوا: يكره أن تباع رِباعُ مكة أو تُكرى بيوتها.
وذكر أحمد عن القاسم بن عبد الرحمن قال: من أكل من كراء بيوت مكة فإنما يأكل في بطنه نارًا.
وقال أحمد: حدثنا هشيم، بسنده عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر قال: "نُهي عن إجارة بيوت أهل مكة وعن بيع رِباعها" (إسناده فيه مقال).
وذكر عن عطاء قال: نهي عن إجارة بيوت أهل مكة.
وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، قال: حدثنا عبد الملك، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير أهل مكة ينهاهم عن إجارة بيوت مكة، وقال: إنه حرام. (قلتُ: وهذا قد روي عن عمر بن عبد العزيز من وجوه كثيرة).
إلى أن قال: "قال المجوزون للبيع والإجارة: الدليل على جواز ذلك: كتابُ الله، وسنة رسوله، وعمل أصحابه وخلفائه الراشدين؛ قال الله -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ) (الحشر: ?)، وقال: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) (آل عمران: ???)، وقال: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ) (الممتحنة: ?)، فأضاف الدور إليهم، وهذه إضافة تمليك.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد قيل له: أين تنزل غدًا بدارك من مكة؟ فقال: (وهل ترك لنا عَقِيل من رِباع؟!)، ولم يقل: إنه لا دار لي، بل أقرهم على الإضافة، وأخبر أن عقيلًا استولى عليها، ولم ينزعها من يده.
وإضافة دورهم إليهم في الأحاديث أكثر من أن يُذكَر، كدار أم هانئ ودار خديجة ودار أبي أحمد بن جحش وغيرها، فكانوا يتوارثونها كما يتوارثون المنقول، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وهل ترك لنا عَقِيل من منزل؟)، وكان عقيل هو ورث أبا طالبٍ دُورَه، فإنه كان كافرًا ولم يرثه عليٌّ لاختلاف الدين بينهما، فاستولى عقيل على الدور. ولم يزالوا قبل الهجرة وبعدها، بل قبل المبعث وبعده، من مات وَرِث ورثتُه دارَه، وإلى الآن.
وقد باع صفوان بن أمية دارًا لعمر بن الخطاب بأربعة آلاف درهم فاتخذها سجنًا.
وإذا جاز البيع والميراث فالإجارة أجوَز وأجوز.
فهذا موقف أقدام الفريقين كما ترى، وحججهم في القوة والظهور لا تُدفَع، وحجج الله وبيناته لا يُبطل بعضُها بعضًا، بل يصدق بعضها بعضًا، ويجب العمل بموجَبها كلِّها، والواجب اتباع الحق أين كان، فالصواب: القول بموجب الأدلة من الجانبين وأن الدور تملك وتوهب وتورث وتباع، ويكون نقل الملك في البناء لا في الأرض والعرصة، فلو زال بناؤه لم يكن له أن يبيع الأرض، وله أن يبنيها ويعيدها كما كانت، وهو أحق بها يَسكنها ويُسكن فيها من شاء، وليس له أن يُعاوِض على منفعة السكنى بعقد الإجارة، فإن هذه المنفعة إنما استحق أن يتقدّم فيها على غيره ويختص بها لسَبْقه وحاجته، فإذا استغنى عنها لم يكن له أن يعاوض عليها، كالجلوس في الرحاب والطرق الواسعة والإقامةِ على المعدن وغيرِها من المنافع والأعيان المشتركة التي من سبق إليها فهو أحقُّ بها ما دام ينتفع، فإذا استغنى لم يكن له أن يعاوض، وقد صرَّح أرباب هذا القول بأن البيع ونقل الملك في رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض، ذكره أصحاب أبي حنيفة" (انتهى من زاد المعاد).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #238  
قديم 15-11-2025, 06:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (236) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (19)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
الفائدة الثالثة:
دَلَّ قوله -تعالى-: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ): على وجوب التحرز لمن أقام بمكة سواء استوطنها أو أقام بها أو مَرَّ بها في سفره، من المعاصي عمومًا، وخصوصًا الظلم؛ ولذا اختار كثيرٌ من السلف أن يقيم بالحل فإذا جاء وقت الصلاة دخل وصلَّى في الحرم، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل في الحديبية، وأعظم الظلم الشرك بالله؛ قال الله -تعالى-: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13).
ومن ذلك الشرك: دعاء الأموات والغائبين بكشف الكربات وقضاء الحاجات، والاستغاثة بهم، وطلب المدد منهم، والنصر على الأعداء، وشفاء الأمراض؛ فإن ذلك كله من شرك الألوهية، وإذا أضيف إلى ذلك: اعتقاد أن الأنبياء أو الملائكة والصالحين -فضلًا عن غيرهم- يدبِّرون الكونَ، ويملكون الملك، ويخلقون ويرزقون، ويحيون ويميتون؛ فهذا أعظم من شرك المشركين الذين بُعِث فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال -تعالى-: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (يونس: 31)، فقد أقَرَّ المشركون بأن هذه الأمور ينفرد بها الرب؛ فبُعدًا وتبًّا لمن جعل هذه الأمور لغير الله وإن انتسب للإسلام!
وقال الله -عز وجل-: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر: 62)، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (فاطر: 3)، وقال: (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد: 16)، وقال -سبحانه وتعالى-: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر: 13-14).
فمَن يحاول إعادة مظاهر الشرك في الأمة بعد أن نفاها الله -عز وجل- عنها في أكثر المواطن، وأظهر -سبحانه- حجج الموحدين؛ فهو من أعظم الظالمين؛ فكيف إذا كان ذلك بمكة المكرمة أعزها الله وحفظها؟!
والظلم الذي نهى الله -عز وجل- عنه في الحرم يشمل ظلم العباد بعضهم بعضًا، وخاصة الحُجَّاج والعُمَّار؛ فمَن آذى مسلمًا بمكة وظَلَمَه؛ فقد ارتكب كبيرة من الكبائر حتى لو كان هذا النوع من الظلم في غيرها صغيره؛ لأن اللهَ خَتَم الآية بقوله: (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، وهذا يدل على أن هذه المعصية من الكبائر.
ويدخل في الظلم أيضًا: ظلم العبد لنفسه بفعل السيئات في الأرض الحرام، بل الهم الجازم بفعل السيئات هو كبيرة من الكبار أيضًا في الحرم، وظنَّ بعضُ الناس أن مجرد حديث النفس في الحرم يكون كبيرة، وليس كذلك؛ لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ ‌بِهِ ‌أَنْفُسَهَا ‌مَا ‌لَمْ ‌تَعْمَلْ ‌أَوْ ‌تَكَلَّمْ بِهِ) (رواه مسلم)، وهو يشمل أهل مكة وغيرها.
فيجب أن يكون الحرم أمانًا للإنسان والحيوان والنبات، وقد جعل الله -عز وجل- المعتدي على الصيد في الحرم المباح في غيره مستوجبًا لعقاب الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (المائدة: 95).
الفائدة الرابعة:
اختلف العلماء في إقام الحدود بمكة؛ قال ابن أبي شيبة في مصنفة في إقامة الحدود والقود في الحرم عن عامر -يعني الشعبي- قال: "إذا هرب إلى الحرم فقد أَمِن، فإن أصابه في الحرم أقيم عليه الحد في الحرم. عن عطاء أن الوليد أراد أن يقيم على رجل الحد في الحرم فقال له عبيد بن عمير: لا تقمه إلا أن يكون أصابه فيه. عن الحسن وعطاء قالا: إذا أصاب حدًّا في غير الحرم ثم جاء إلى الحرم أخرج من الحرم حتى يقام عليه الحد.
عن مجاهد قال: إذا أصاب الرجل الحد في غير الحرم ثم أتى الحرم، أُخرِج من الحرم، وأقيم عليه الحد، وإذا أصابه في الحرم أقيم عليه في الحرم. عن مجاهد أن رجلًا قتل رجلًا ثم دخل الحرم، قال: يؤخذ فيخرج به من الحرم، ثم يقام عليه الحد؛ يقول: القتل.
عن سعيد وعبد الملك عن عطاء في الرجل يقتل ثم يدخل الحرم، قال: لا تبايعه أهل مكة ولا يشترون منه، ولا يسقونه ولا يطعمونه ولا يؤوونه، ولا ينكحونه حتى يخرج فيؤخذ به.
عن ابن عمر وابن عباس قالا: لو وجدنا قاتل آبائنا في الحرم لم نقتله
عن شعبة قال: سألتُ الحكم وحمادًا عن الرجل يقتل ثم يدخل الحرم، قال حماد: يخرج فيقام عليه الحد. قال الحكم: لا يُبايع ولا يؤاكل".
فانظر إلى حرص السلف -رضوان الله عليهم- في حِفْظ حرمة مكة: أن بعضهم اشترط فيمَن ارتكب الحد خارج الحرم ثم لجأ إليه ألا يخرج منه بالقوة، وإنما يُمنع من الطعام والشراب، والبيع والشراء؛ حتى يخرج من نفسه، فإذا خرج أقيم عليه الحج.
قال ابن قدامة في المغني: "مَن قتل وأتى حدًّا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يبايع ولم يشار (قلتُ: لم يشترَ منه) حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد.
وجملته: أن من جنى جناية توجب قتلاً خارج الحرم ثم لجأ إليه لم يستوفَ منه فيه؛ هذا قول ابن عباس وعطاء وعبيد بن عمير والزهري، ومجاهد، وإسحاق والشعبي، وأبي حنيفة وأصحابه، وأما غير القتل من الحدود كلها والقصاص فيما دون النفس فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما: لا يستوفى من الملتجأ إلى الحرم فيه. والثانية: يستوفى وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن المروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- النهي عن القتل؛ لقوله -عليه السلام-: فلا يسفك فيها دم، وحرمة النفس أعظم فلا يقاس غيرها عليها؛ لأن الحد بالجلد جرى مجرى التأديب فلم يمنع منه كتأديب السيد عبده والأولى ظاهر كلام الخرقي وهو ظاهر المذهب" (قلتُ: يعني لا يستوفي من الملتجأ إلى الحرم أي من الحدود).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #239  
قديم 28-11-2025, 12:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (237) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (20)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
نستكمل كلام ابن قدامة -رحمه الله-؛ قال: "والعمل على أن كل جان دخل الحرم لم يقم عليه حد جنايته حتى يخرج منه وإن هتك حرمة الحرم بالجناية فيه، هُتِكت حرمته بإقامة الحد عليه فيه. وقال مالك والشافعي وابن المنذر: يستوفى منه فيه؛ لعموم الأمر بجلد الزاني وقطع السارق، واستيفاء القصاص من تخصيص بمكان محدد، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا ‌بخَرْبَةٍ ولا دم (قلتُ: هذا ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يصح إسناده).
وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة حديث حسن صحيح؛ ولأنه حيوان أبيح دمه بعصيانه فأشبه الكلب العقور، ولنا قول الله -تعالى-: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) (آل عمران: 97)، يعني الحرم بدليل قوله: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) (آل عمران: 97)، والخبر أريد به الأمر؛ لأنه لو أريد به الخبر لأفضى إلى وقوع الخبر خلاف المخبر (قلتُ: يعني قد وقع من أُناس قتل أعدائهم ومن خالفهم في الحرم؛ فليس المقصود بالخبر الإخبار العام، بل هو بمعنى الأمر؛ أي: اجعلوا مَن دخله آمنًا، وهو كونًا في معظم الأحوال أمان؛ إلا ما استثني).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ ‌مَكَّةَ ‌حَرَّمَهَا ‌اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) (متفق عليه).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌إنَّ ‌اللهَ ‌حَرَّمَ ‌مَكَةَ ‌يَوْمَ ‌خَلَقَ ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَالْأَرْضَ، ‌وإنَّما ‌أُحِلَّتْ ‌لِي ‌سَاعَةً ‌مِنْ ‌نَهَارٍ ‌ثُمَّ ‌عَادَتْ ‌إلى ‌حُرْمَتِها، ‌فَلَا ‌يُسْفَكُ ‌فيها ‌دَمٌ) (متفق عليه).
فالحجة فيه من وجهين: أحدهما: أنه حرم سفك الدم بها على الإطلاق، وتخصيص مكة بهذا يدل على أنه أراد العموم فإنه لو أراد سفك الدم الحرام لم يختص به مكة فلا يكون التخصيص مفيدًا. والثاني: كان قوله: (إنَّما ‌أُحِلَّتْ ‌لِي ‌سَاعَةً ‌مِنْ ‌نَهَارٍ ‌ثُمَّ ‌عَادَتْ ‌إلى ‌حُرْمَتِها) معلوم أنه إنما أحل له سفك دم حلال في غير الحرم فحرمها الحرم ثم أحلت له ساعة، ثم عادت الحرمة ثم أكَّد هذا بمنعه قياس غيره عليه -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به بقوله: (فَإنْ أحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقُولُوا: إنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولِه، ولَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ)، وهذا يدفع به ما احتج بقتل ابن خطل فإنه من رخصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي منع الناس أن يقتدوا به فيها وبين أنها له على الخصوص وما رواه من الحديث؛ فهو من كلام عمر بن سعيد الأشدق يرد به قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين روى له أبو شريح هذا الحديث وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحق أن يُتبع .
وأما جلد الزاني، وقطع السارق، والأمر بالقصاص، فإنما هو مطلقٌ في الأمكنة والأزمنة، فإنه يتناول مكانًا غير معينٍ له ضرورة أنه لا بد من مكان، فيمكن إقامته في مكان غير الحرم، ثم لو كان عمومًا، فإن ما رويناه خاصٌّ يخص به، مع أنه قد خص مما ذكروه الحامل، والمريض المرجو برؤه، فتأخر الحد عنه، وتأخر قتل الحامل، فجاز أن يخص أيضًا بما ذكرناه. والقياس على الكلب العقور غير صحيحٍ؛ فإن ذلك طبعه الأذى، فلم يحرمه الحرم ليدفع أذاه عن أهله، فأما الأذى، فالأصل فيه الحرمة، وحرمته عظيمةٌ، وإنما أبيح لعارضٍ، فأشبه الصائل من الحيوانات المباحة من المأكولات، فإن الحرم يعصمها.
إذا ثبت هذا؛ فإنه لا يبايع ولا يشارى ولا يطعم ولا يؤوى، ويقال له: اتقِ الله واخرج إلى الحل؛ ليستوفى منك الحق الذي قبلك. فإذا خرج استوفي حق الله منه. وهو قول جميع من ذكرناه. وإنما كان كذلك؛ لأنه لو أطعم وأوي، لتمكن من الإقامة دائمًا، فيضيع الحق الذي عليه، وإذا منع من ذلك، كان وسيلةً إلى خروجه، فيقام فيه حق الله -تعالى-، وليس علينا إطعامه، كما أن الصيد لا يصاد في الحرم، وليس علينا القيام به.
قال ابن عباسٍ -رضي الله عنه-: مَن أصاب حدًّا، ثم لجأ إلى الحرم، فإنه لا يجالس، ولا يبايع، ولا يؤوى، ويأتيه من يطلبه، فيقول: أي فلان، اتق الله. فإذا خرج من الحرم، أقيم عليه الحد. رواه الأثرم. فإن قتل من له عليه القصاص في الحرم، وأقام حدًّا بجلدٍ أو قتلٍ أو قطع طرفٍ، أساء، ولا شيء عليه؛ لأنه استوفى حقه في حالٍ لم يكن له استيفاؤه فيه، فأشبه ما لو اقتص في شدة الحر أو بردٍ مفرطٍ" (انتهى باختصار يسير).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #240  
قديم 28-11-2025, 12:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (238) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (21)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
الفائدة الخامسة:
دَلَّ قوله -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ): أن مكان البيت مقدَّر ومشروع قبل إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يتوافق مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌إنَّ ‌اللهَ ‌حَرَّمَ ‌مَكَةَ ‌يَوْمَ ‌خَلَقَ ‌السَّمَوَاتِ ‌وَالْأَرْضَ) (متفق عليه)، وبهذا نعلم أن وجه الجمع بين هذا الحديث الصحيح وبين قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح أيضًا: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ ‌كَمَا ‌حَرَّمَ ‌إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) (متفق عليه)، فالله حرَّم البقعة المشرفة في مكة المكرمة يوم خلق السماوات والأرض؛ فأرشد الله إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لمكان هذه البقعة مكان البيت، وأمره ببنائه وإظهار التحريم الذي شرعه الله -عز وجل- ببيانه للناس على لسان إبراهيم، فإنما حرم رسول الله هو ما حرَّم الله فلا تعارض -بحمد الله-.
وعندما عَلِم إبراهيم مكان البيت، بدأ بتعمير البقعة بإسكان ولده وأم ولده مكة المكرمة وقت ما كان في مكة بشر ولا شيء، ولكنه امتثل أمر الله وتوكل على الله ودعاه -عز وجل-، فقال: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم: 37).
ومَن امتثل أمر الله -عز وجل- لم يضيعه، وبالفعل قد كان؛ أنبع الله زمزم لسقيا إسماعيل -عليه السلام- وأمه -رضي الله عنها-، ثم قيَّض لهم قبيلة أو رفقة من جُرهم على الفطرة، لم يعتدوا على هاجر -رحمها الله- رغم وحدتها وضعفها، وكونها امرأة، بل وقَبِلوا شرطها أن لا حقَّ لهم في الماء أي: إلا ما فضل عنها وولدها عليه السلام، ونشأ فيهم إسماعيل -صلى الله عليه وسلم- وأعجبهم، وتعلَّم منهم العربية وكانت له ذرية منهم، فنشأت العرب المستعربة، وكلهم كانوا على التوحيد عشرة قرون قبل أن يدخل الشرك إليهم.
وكل هذا لتمهيد المكان للبعثة المحمدية والوحي الإلهي الذي بشَّر الله به أنه يكون في هذه البقعة المباركة جبال فاران منذ آلاف السنين قبل نزوله، وهو أعظم وحي وصل إلى الأرض على الأطلاق، وخير كلام أنزله الله من كلامه كما في التوراة: "جاء الرب من طور سيناء وأشرق من ساعير -(وهو جبل بيت المقدس)-، واستعلن من جبال فاران"، وكل ذلك بعمارة مكة المكرمة حيث بوأها الله لإبراهيم وأرشده إليها ودله عليها.
الفائدة السادسة:
قوله -تعالى-: (أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا): دلَّ على أن التوحيد وترك الشرك، أعظم الوصايا والأوامر والتشريعات في جميع الشرائع منذ بدأ وجود الإنسان على وجه الأرض؛ لأن مكة أعدت لذلك يوم خلق الله السماوات والأرض، ونزل آدم -عليه الصلاة والسلام- عارفًا بربه موحدًا، يتوب إليه إذا أذنب، واجتباه -عز وجل- وهدى، وتاب عليه -سبحانه وتعالى-.
فالأصل في البشرية التوحيد بعبادة الله وحده لا شريك له، ولا يسمى موحدًا مَن عبد غير الله، ولو كان يعبده وحده! كما يفتريه البعض فيزعم: أن مَن عبد الشمس مِن قدماء المصريين هو أول الموحدين -والعياذ بالله-؛ قال -تعالى- عن الهدهد: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ . أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . اللَّهُ لَا إِلَ?هَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (النمل: 24-26).
ولو صح هذا الافتراء أن من عبد إلهًا واحدًا دون الله كان موحدًا؛ لصح أن فرعون ومن عبده من قومه واتبعوه وهو قد استخفهم، كان موحدًا -والعياذ بالله-؛ لأن الله -عز وجل- قال: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ . فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (القصص: 38-40).
وجعله الله -عز وجل- يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار، كما قال -تعالى-: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ . وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (هود: 98-99). وقال الله -عز وجل-: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) (النازعات: 25)، الآيات في فرعون وقومه كثيرة في كتاب الله -عز وجل-.
فمن عبد غير الله فهو كافر ولو زعم التوحيد والإيمان بالبعث؛ فإن التوحيد هو عبادة الله وحده لا شريك له على ما جاءت به الرسل، والإيمان باليوم الآخر هو الإيمان به على ما جاءت به الرسل؛ قال -سبحانه-: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29)، فرغم أن أهل الكتاب يقرون بالآخرة، لكن لما خالفوا في ذلك ما جاءت به الرسل خاصة محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا بمؤمنين بالله ولا باليوم الآخر؛ ولذلك لا يصح القول بأن مَن أقر بالبعث على أي وجه كان ولو كان مع قوله بتعدد الآلهة فهو مؤمن الله واليوم الآخر، بل هذا ضلال مبين.
وقد جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصدقًا لدعوة إبراهيم، محييًا لها بعد اندثارها، إلا قلة من أهل الكتاب كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ ‌عَرَبَهُمْ ‌وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) (رواه مسلم)، وأرسل -صلى الله عليه وسلم- مصدقًا لما جاء به موسى وعيسى -صلى الله عليهما وسلم-، كما في التوراة إلى اليوم في أول الوصايا العشر: "الرب إلهنا رب واحد رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب". وفي الإنجيل عندما سألوا المسيح -صلى الله عليه وسلم-: "أيها المعلم: أي الوصايا هي أول الكل؟ قال: كما هو مكتوب -أي: في التوراة-: الرب إلهنا رب واحد رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وأن تحب الرب إلهك من كل عقلك وقلبك وفكرك".
فذنب الشرك هو أخطر ذنب على البشرية كلها، وهو سبب مقت الله لكل من أشرك مهما كان؛ قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء: 48).
فمن بلغته دعوة الرسل ثم مات مشركًا دخل النار كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ، وَمَنْ مَاتَ ‌لَا ‌يُشْرِكُ ‌بِاللهِ ‌شَيْئًا ‌دَخَلَ ‌الْجَنَّةَ) (رواه مسلم من حديث جابر، ورواه البخاري من حديث ابن مسعود، وجعل الجملة الثانية: "ومن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"، من قول ابن مسعود -رضي الله عنه-، وهي مرفوعة -بلا شك-).
وهذا الذي قاله أيضًا عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم-؛ قال -تعالى-: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: 72).
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: (‌أَنْ ‌تَجْعَلَ ‌لِلهِ ‌نِدًّا ‌وَهُوَ ‌خَلَقَكَ) (متفق عليه. وهذا يشمل أن يجعل لله ندًّا في الربوبية، أو ندًّا في الألوهية، أو ندًّا في الأسماء والصفات، وقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13).
أعوذ بالله أن نشرك به شيئًا نعلمه، ونستغفره لما لا نعلمه.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 169.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 164.08 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (3.44%)]