شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 24 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ميزة جديدة من واتساب ستمنعك من مشاركة رقم هاتفك المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيف يجنب الآباء أطفالهم من اضطراب fomo ويقللون الاعتماد على وسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          لاحظها على طفلك.. علامات خطيرة لاضطراب متعلق باستخدام السوشيال ميديا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خطوات بسيطة يجب اتباعها لضمان تجربة إنترنت آمنة وتعليمية لطفلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن تطبيق Essentials الجديد من جوجل.. وأبرز مميزاته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          واتساب يتيح ميزة نسخ الملاحظات الصوتية.. اعرف كيفية استخدامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تطبيق Google Keep يحصل على مميزات الذكاء الاصطناعى.. كيف تستفيد منها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          احم طفلك من الإنترنت.. توصيات رسمية خلى بالك منها وابنك ماسك الموبايل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          لو خايف على أطفالك من فيس بوك.. 5 مميزات لتطبيق ماسنجر كيدز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيف تحدد وقت استخدام طفلك للإنترنت على فيس بوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #231  
قديم 04-08-2024, 08:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

ذكر التورك في الرابعة


شرح حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي وذكر التورك


قال المصنف رحمه الله: [ باب من ذكر التورك في الرابعة. حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، قال: أخبرنا عبد الحميد يعني: ابن جعفر ، ح: وحدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا عبد الحميد يعني: ابن جعفر حدثني محمد بن عمرو عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: سمعته في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أحمد: قال: أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء أنه قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة رضي الله عنه، قال أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فاعرض، فذكر الحديث قال: ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ثم يقول: الله أكبر ويرفع، ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، فذكر الحديث قال: حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر. زاد أحمد : قالوا صدقت! هكذا كان يصلي، ولم يذكرا في حديثهما الجلوس في الثنتين كيف جلس؟ ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي باب من ذكر التورك في الرابعة. التورك: هو أن ينصب اليمنى، ويخرج اليسرى من تحت ساقه اليمنى إلى جهة يمينه، ويجعل مقعدته أو وركه على الأرض، وسمي توركاً لأنه يجلس على وركه. وأما الافتراش فهو أن تكون الرجل فراشاً له يقعد عليها. قوله: (باب من ذكر التورك في الرابعة) يعني: في الصلاة التي لها تشهدان حيث يجلس متوركاً في التشهد الأخير من الصلاة الرباعية والثلاثية. وأورد حديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه كان في مجلس فيه عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو قتادة الأنصاري فقال: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول هذا لأنه يريد أن يتلقوا عنه هذه الصفة، وهذا من حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على تبليغ السنن وعلى بيان الأحكام الشرعية، وذلك أن الإنسان إذا بلغ السنن وأخذت عنه يكون له مثل أجور كل من استفادوا من دعوته وإرشاده وتبليغه وتعليمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً). وأيضاً كانوا يريدون أن يعرفوا تمكنهم، فيريد أبو حميد أن يعرف تمكنه من معرفة كيفية صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تؤخذ عنه، وهذا يدلنا على فضل الصحابة ونبلهم وعلى علو منزلتهم وعظيم قدرهم وحرصهم على تلقي السنن وإبلاغها للناس، كما سبق أن مر بنا قول وائل بن حجر : لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهنا يقول أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فاعرض! أي: صف لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصفها، فقالوا: صدقت، أي: أنت صادق فيما قلت، وكان هذا الذي قاله مطابق لما عندهم وموافق لما عندهم. قوله: [ قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فاعرض فذكر الحديث ]. وهنا اختصار لأنه يريد أن يبين محل الشاهد، ولا يريد أن يذكر الحديث بطوله فأشار إليه اختصاراً بقوله: فذكر الحديث، ثم أتى بالأشياء التي يريد أن يبينها والتي تتعلق بالترجمة وهي ذكر التورك في الرابعة. قوله: [ (قال: ويفتح أصابع رجليه إذا سجد) ]. إذا سجد فإنه ينصب القدمين ويجعل أصابعهما متجهة إلى القبلة، والفتح قيل هو الثني، أي أنه يثنيها بحيث تكون متجهة إلى القبلة. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر ويرفع) ]. أي: ويرفع من السجود. قوله: [ (ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها) ]. هذا هو الافتراش. قوله: [ ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك ]. أي: يفعل في السجدة الأخرى كما فعل في السجدة الأولى. قوله: [ (فذكر الحديث) ]. وهذا أيضاً اختصار، فقد ذكر أولاً [ فذكر الحديث ]، ثم ذكر شيئاً منه ثم قال: [ فذكر الحديث ]، ومعناه أن هناك حذفاً للاختصار. قوله: [ (قال: حتى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيس) ]. السجدة التي فيها التسليم أي الركعة التي بعدها التسليم، فإذا كان بعد الركعة التي بعدها التسليم أخر رجله اليسرى عما كانت عليه من قبل، فقد افترشت وجلس عليها المصلي، وأما في السجدة الأخيرة أخرها إلى جهة اليمين حتى دخلت من تحت الساق اليمنى، وأفضى بروكه إلى الأرض. وأما في السجدة الأخيرة فأخرها إلى جهة اليمين حتى دخلت من تحت الساق اليمنى، وأفضى بوركه إلى الأرض، فصار الاعتماد على الأرض وليس على الرجل، فهذا هو التورك، وهو أن يؤخرها عن موضعها الأول الذي كان في حال الافتراش إلى جهة اليمين حتى يفضي بوركه اليسرى إلى الأرض ويعتمد على الأرض. [ وزاد أحمد قالوا: صدقت هكذا كان يصلي ]. أحمد هو أحد الشيخين لأبي داود في هذا الحديث الذي جاء من طريقين، وهو الإمام أحمد بن حنبل . قوله: [ (قالوا: صدقت) ] أي: في حديثه، فقد أيدوه في علمه، وأنه خبير بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل أيضاً على فضل الصحابة ونبلهم، والاعتراف بالفضل لصاحبه، ويدل أيضاً على تمكنه رضي الله عنه وأرضاه في معرفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال: ولم يذكرا في حديثهما الجلوس في الثنتين كيف جلس ]. يعني: شيخي أبي داود وهما أحمد و مسدد . والجلوس بين الثنتين هو جلوس التشهد الأول، فلم يذكرا في حديثهما كيفية الجلوس في التشهد الأول.

تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي وذكر التورك


[حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد ]. وهو أبو عاصم النبيل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري ، ولهذا يروي عنه أبو داود بواسطة، وقد روى عنه البخاري بعض الأحاديث الثلاثية؛ لأنه من كبار شيوخه. [ عن عبد الحميد - يعني: ابن جعفر - ]. يعني أنه جاء في الإسنادين باسمه ولم يذكر نسبه، وقال من دون الإمام أحمد ومن دون مسدد وهو أبو داود ، أو من دون أبي داود : يعني ابن جعفر ، وكلمة (يعني) هذه يأتي بها من دون التلميذ؛ ليميز هذا الشخص، أو ليزيد في توضيح هذا الشخص، ولا يحذف القارئ كلمة (يعني) حتى يعرف أنها جاءت من غير التلميذ، ولو قيل: عبد الحميد بن جعفر لفهم أن هذا كلام التلميذ، ولكن لما قال التلميذ: عبد الحميد فقط ولم يزد عليها. أضاف من دونه ما يوضح ذلك الشخص الذي اسمه عبد الحميد وأتى بكلمة (يعني)، وكلمة (يعني) هذه فعل مضارع لها قائل ولها فاعل، ففاعلها ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، وقائلها من دون التلميذ. و عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا مسدد ]. لفظة: [ ح ] هي للتحول من إسناد إلى إسناد، و مسدد مر ذكره. [ عن يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد -يعني ابن جعفر - ]. هو الذي مر في الإسناد الأول، وهو ملتقى الإسنادين. [ عن محمد بن عمرو ]. وهو محمد بن عمرو بن عطاء ، وهو ثقة أخرج له أصحب الكتب الستة. [ عن أبي حميد الساعدي ]. واسمه المنذر بن مالك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته.

شرح حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عيسى بن إبراهيم المصري ، حدثنا ابن وهب عن الليث ، عن يزيد بن محمد القرشي ويزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، ولم يذكر أبا قتادة رضي الله عنه، قال: فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته ]. أورد أبو داود حديث أبي حميد من طريق أخرى، وفيه بيان الجلوس في التشهد الأول مفترشاً وفي التشهد الأخير متوركاً، وقد ذكر عن محمد بن عمرو بن عطاء التابعي أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن في هذه الرواية لم يقل: فيهم أبو قتادة كما قال في الرواية السابقة، وذكر في الرواية السابقة أنهم عشرة، وهنا قال: [نفر]. قوله: [ قال: فإذا جلس في الركعتين ] يعني في التشهد الأول، [ جلس على رجله اليسرى ] يعني: افترشها، ومعنى ذلك: أن الجلوس في التشهد الأول يكون بالافتراش كما يكون بين السجدتين. وقوله: [ فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته ] أي: أنه قدمها إلى جهة اليمين، وهي بمعنى الرواية السابقة التي ذكرت أنه أخرها إلى جهة اليمين، وجلس على مقعدته على الأرض.
تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريقة ثانية

[ حدثنا عيسى بن إبراهيم المصري ]. هو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن ابن وهب ] هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الليث ] هو الليث بن سعد بن المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن محمد القرشي ] وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ ويزيد بن أبي حبيب ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو بن حلحلة ]. وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد ] وقد مر ذكرهما.

شرح حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله: [حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو العامري أنه قال: كنت في مجلس بهذا الحديث، قال فيه: فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى، فإذا كانت الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة ]. ثم ورد حديث أبي حميد من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله في الفرق بين التشهد الأول والأخير؛ بأن التشهد الأول فيه افتراش، والتشهد الأخير فيه تورك.
تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريق ثالثة

[ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن لهيعة ]. عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق ساء حفظه لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو العامري ]. محمد بن عمرو العامري هو محمد بن عمرو بن عطاء نعم. و ابن لهيعة كما هو معلوم اختلط لما احترقت كتبه، لكن هذه الطريق موافقة للطريقة السابقة، والطريقة السابقة صحيحة وليس فيها إشكال، إذاً فهذا الذي جاء من هذا الطريق ثابت لأنه مؤيد ومتفق مع الطريق السابقة.
شرح حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريق رابعة

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم ، قال: حدثنا أبو بدر قال: حدثني زهير أبو خيثمة ، قال: حدثنا الحسن بن الحر ، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن مالك عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه، فذكر فيه قال: فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو جالس، فتورك ونصب قدمه الأخرى، ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام ولم يتورك، ثم عاد فركع الركعة الأخرى فكبر كذلك، ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبير، ثم ركع الركعتين الأخريين، فلما سلم سلم عن يمينه وشماله. قال أبو داود : لم يذكر في حديثه ما ذكر عبد الحميد في التورك والرفع إذا قام من ثنتين ]. ثم أورد أبو داود حديث أبي حميد الساعدي من طريق أخرى وليس فيه ذكر التورك، ولكن فيه أمور أخرى غير التورك الذي ترجم له. قوله: [ عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه ] أي: أنه من العشرة الذين كانوا في ذلك المجلس الذي فيه أبو حميد ، والحديث مروي عن أبي حميد وليس عن أبيه سهل بن سعد ، وكان أبوه من الجالسين، فقد مر في الرواية السابقة أنهم عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أبو قتادة ، وذكر هنا أن فيهم أيضاً سهل بن سعد الساعدي . قوله: [فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه]، هذا فيه وصف السجود.

تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريق رابعة


قوله: [حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم ]. علي بن الحسين بن إبراهيم صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [حدثنا أبو بدر ]. هو شجاع بن الوليد السكوني ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني زهير أبو خيثمة ]. هو زهير بن معاوية أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الحسن بن الحر ]. الحسن بن الحر ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا عيسى بن عبد الله بن مالك ]. عيسى بن عبد الله بن مالك مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي ، أنه كان في مجلس فيه أبوه]. هو عباس بن سهل الساعدي ، وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ، وأبوه هو سهل بن سعد الساعدي الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود : لم يذكر في حديثه ما ذكر عبد الحميد في التورك والرفع]. عبد الحميد هو عبد الحميد بن جعفر ، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
الأسئلة



عدم انحصار الحق في المذاهب الأربعة

السؤال: ذكرتم بارك الله فيكم في الشرح أن الإمام مالكاً رحمه الله من أئمة المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة، ويوجد أئمة آخرون كالأوزاعي و سفيان الثوري وغيرهما، فهل الحق مقتصر على ما ذهب إليه الأئمة الأربعة، وما عداه من الاجتهادات فباطلة ومخالفة للحق؟


الجواب: هذا كلام غير صحيح، ومن قال إن الحق مقصور على هؤلاء الأئمة الأربعة وإنه لا يتعداهم ولا يتجاوزهم إلى غيرهم؟ فمن المعلوم أن الأئمة الأربعة مجتهدون وغيرهم من أمثالهم مجتهد كالأوزاعي و الثوري و إسحاق بن راهويه و الليث بن سعد وغيرهم من المحدثين والفقهاء، ولكن الذي وقع أن هؤلاء حصل لهم أتباع، وأما أولئك فلم يحصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء. وليس الحق منحصراً في كلام الأئمة الأربعة، نعم إن كثيراً من المسائل أو أكثر المسائل يكون الحق والدليل مع واحد منهم، لكن هناك بعض المسائل التي اتفقوا عليها كان الدليل فيها مع القول الآخر، وذلك مثل مسألة طلاق الثلاث، فقد كانت تعد واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر ، ثم قال عمر رضي الله عنه: إن الناس استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم! فأمضاه عليهم، فالحديث ثابت عن رسول الله صلى لله عليه وسلم باعتباره واحدة، والأئمة الأربعة متفقون على أنه يقع ثلاثاً.

فتح المرأة على الإمام في القراءة في الصلاة


السؤال: إذا صليت مع زوجتي وكنت إماماً فهل تفتح علي بالقراءة أو تصفق إن أخطأت؟


الجواب: إذا صلت الزوجة مع زوجها فوقوفها يكون وراءه، ولا يجوز أن تصف بجواره؛ لأن موقف المرأة لا يكون بجوار الرجال، وإنما يكون وراء الرجال حتى لو كانا اثنين فقط، فالرجل يصلي أمامها وهي تصلي وراءه، ولا تصلي بجواره، وإذا فتحت عليه فلا بأس بذلك؛ لأن التصفيق يكون للخطأ في غير القراءة، أي: أنه بدل من التسبيح، أما القراءة ففيها الفتح.


قضاء المريض للصلاة إذا أغمي عليه بسبب العلاج


السؤال: هل يجب على المريض أن يقضي الصلاة إذا أعطي البنج أو أصابه إغماء بسبب العلاج؟ وإذا كان يلزمه القضاء فهل هناك تحديد للمدة؟


الجواب: ذكر بعض العلماء أن الإغماء إذا طال وتجاوز الثلاثة أيام فإنه لا يُقضى، ويكون شبيهاً بالجنون، فالمجنون ليس عليه قضاء، وأما إذا كان أقل من ذلك فإنه يقضى، ويقال: إنه شبيه بالنائم، وهذا هو القول الصحيح.


حكم جمع الصلاة في حق المريض

السؤال: هل يجوز للمريض أن يجمع بين الصلاتين؟


الجواب: نعم يجوز له أن يجمع بين الصلاتين، فقد جاءت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ويجوز في هذا أن يكون جمع تقديم أو جمع تأخير، لكن ليس له أن يقصر.


حكم الدعاء عند قراءة الإمام لآية (إياك نبعد وإياك نستعين)


السؤال: ما حكم قول: (استعنا بالحي الدائم) عند قراءة الإمام: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]؟


الجواب: لم تثبت بهذا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يصلح أن يقال.


الراجح في مسألة الضم بعد الركوع


السؤال: مسألة وضع اليدين بعد الرفع من الركوع أو إرسالهما موضع خلاف بين العلماء، فما الراجح في ذلك؟


الجواب: الراجح -والله أعلم- أن توضع اليمنى على اليسرى بعد الركوع، فقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ذكر الصحابي راوي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال، وكلمة (قائماً) يدخل تحتها القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع، لأن الكل يقال له قيام، لأن المصلي له أحوال أربعة لا خامس لها: فهو إما قائم والقيام قبل الركوع وبعده، وإما راكع، وإما ساجد، وإما جالس، والجلوس يكون بين السجدتين وفي التشهدين، فقوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال) يشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع وهذا هو الدليل على مشروعيته. وبعض أهل العلم يقول: إنه لا يشرع بعد الركوع، وذلك أن الذين وصفوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ما تعرضوا لصفة وضع اليدين بعد الركوع، بل سكتوا، فهذا هو دليل الذين قالوا بأنها لا توضع والذين قالوا بأنها توضع.


حكم امتناع المرأة عن زوج تكرهه

السؤال: امرأة تبغض زوجها لسوء معاملته، وهو يمسكها ضراراً مع أنها تطيق نفسياً معاشرته، فهل يجوز لها الامتناع عليه؟


الجواب: ما دامت في عصمته وعنده فلا يجوز أن تمنع نفسها منه، ولكن إذا كانت لا تطيق البقاء معه فلها أن ترفع الأمر إلى المحكمة، والحاكم يحكم بينهما.


حكم التسبيح بسبحة إلكترونية

السؤال: هل يجوز التسبيح بسبحة إلكترونية، يعني بالأرقام؟


الجواب: يكون التسبيح بالأصابع، هكذا ثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما التسبيح بسبحة سواء كانت ذات خرز أو يضغط على آلة فتعد، فهذا لا نعلم شيئاً يدل عليه، وبعض أهل العلم يعتبره من البدع المحدثة، وأقل أحواله أن يكون خلاف الأولى، فعلى الإنسان أن يترك ذلك العمل ولا يشغل نفسه به، ويعد التسبيح بأصابعه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #232  
قديم 04-08-2024, 09:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [122]
الحلقة (153)





شرح سنن أبي داود [122]

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وكل ما ورد عن الصحابة من صيغ للتشهد صحيحة يمكن أن تقال، على ألا يجمع بينها بل تذكر كل واحدة منفردة.

ما جاء في التشهد


شرح تشهد ابن مسعود مع زيادة الدعاء


قال المصنف رحمه الله: [ باب التشهد: حدثنا تميم بن المنتصر قال أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف- عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم فذكر نحوه. قال شريك : وحدثنا جامع -يعني: ابن شداد - عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه بمثله قال: وكان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد: (اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها، وأتمها علينا) ]. مر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من الطريق الأولى التي فيها أنهم كانوا يقولون: السلام على الله قبل عباده، السلام على فلان وفلان، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام ومنه السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وقد مر الكلام عليه، وبيان ما يتعلق به من أحكام. ثم أورد أبو داود رحمه الله طريقاً أخرى لهذا الحديث، وأحال على الحديث المتقدم فقال: [ عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم.. فذكر نحوه ]، أي: كنا لا ندري ما نقول في الصلاة من الدعاء والذكر في التشهد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم. قوله: [ فذكر نحوه ] أي نحو متن الحديث المتقدم، والمعنى وجود اتفاق في المعنى مع اختلاف في بعض الألفاظ. وقوله: [ وكان رسول الله صلى لله عليه وسلم قد علم ]، أي: علمه الله عز وجل، وهذا يدل على أن سنة رسول الله صلى لله عليه وسلم وحي من الله تعالى، ولهذا يقول الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] فما يأتي به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو من ربه سبحانه وتعالى، سواء كان قرآناً أو سنة، إلا أن القرآن يتعبد بتلاوته والعمل به، والسنة يتعبد بالعمل بها، فالقرآن والسنة يتعبد بالعمل بهما ولا يفرق بينهما، ومن لا يعمل بالسنة لا يعمل بالقرآن، ومن يلتزم بالسنة فهو ملتزم بالقرآن؛ لأن السنة شارحة للقرآن ومفسرة له، ودالة عليه، ومبينة لما أجمل فيه. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن السنة إنما هي من الله؛ فمن ذلك حديث أنس في فرائض الصدقة، حيث قال أبو بكر : (هذه فريضة الصدقة التي فرضها الله على رسوله)، ثم ذكر التفاصيل التي جاءت فيها، أي: أن ما جاء في السنة إنما هو من الله. وكذلك الحديث الذي قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل شيء)، ثم إنه قال بعد ذلك: (إلا الدين، سارني به جبريل آنفاً)، يعني نزل جبريل باستثناء الدين، فهذا يوضح أن السنة وحي من الله سبحانه وتعالى. وقوله: [ فذكر نحوه ] أي نحو حديث عبد الله بن مسعود المتقدم في الطريق الأولى المشتملة على التشهد المشهور المعروف الذي قال به أكثر العلماء، وقدموه على غيره، وقد عرفنا أن كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيغ التشهد فإن الأخذ به حق وصحيح، وللإنسان أن يأتي بهذا أو بهذا، ولكن لا يجمع بينها بأن يأتي بصيغة التشهد التي رواها ابن مسعود ، وصيغة التشهد التي رواها ابن عباس ، وصيغة التشهد التي رواها ابن عمر ، وصيغة التشهد التي رواها أبو موسى ، وصيغة التشهد التي رواها عمر ، وإنما يأتي بصيغة واحدة، ولكن كل صيغة صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الأخذ بها أخذ بالحق، وسبق أن ذكرت أن هذا الاختلاف من قبيل اختلاف التنوع وليس من قبيل اختلاف التضاد؛ لأن هذه أنوع للحق، فالذي أخذ بتشهد ابن مسعود قد أصاب، والذي يأخذ بتشهد ابن عباس قد أصاب، والذي يأخذ بتشهد فلان أو فلان مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب. ثم بعد ذلك ذكر الطريق الأخرى التي عن شريك والتي فيها ما تقدم إلا أن فيها زيادة دعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إياه، ولكن لم يكن يعلمهموه كما يعلمهم التشهد، أي أن الاهتمام والعناية به أخف وأقل من عنايته بالتشهد.
تراجم رجال إسناد تشهد ابن مسعود مع زيادة الدعاء

قوله: [ حدثنا تميم بن المنتصر ]. ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف - ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: [يعني] أتى بها من دون تميم بن المنتصر تلميذ إسحاق بن يوسف الأزرق، وهو إما أبو داود أو من دون أبي داود ، وأتى بها لأن تميم بن المنتصر لما حدث عن شيخه إسحاق لم يزد على كلمة [عن إسحاق ] وهذا ما يسمونه في علم المصطلح بالمهمل، أي: الذي ذكر اسمه ولم ينسب، وهو نوع من أنواع علوم الحديث. فتلميذه ما زاد على كلمة [ عن إسحاق ] ولكن من دونه أراد أن يبين من هو إسحاق وأتى بكلمة [يعني] ولم يقل: إسحاق بن يوسف ؛ لأنه لو قال: إسحاق بن يوسف لفهم أن هذا كلام تلميذه تميم بن المنتصر ، وكلمة [يعني] فعل مضارع فاعلها ضمير مستتر يرجع إلى إسحاق بن يوسف الأزرق ، وقائلها أبو داود أو من دون أبي داود . [ عن شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، واختلط لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. لكن الرواية المتقدمة التي أحال عليها في الحديث السابق قد جاءت من الطريق السابقة ومن غيرها، فهي ثابتة من هذه الطريق ومن الطرق الأخرى، وأما زيادة الدعاء التي جاءت بعد ذلك فلم تأت إلا من هذه الطريق، ولا أدري هل يرويها أبو داود يرويها عن شريك بالإسناد المتقدم إليه، أو أنه معلق وأن الواسطة بينه وبين شريك بالنسبة للزيادة التي زادها سقطت. [ عن أبي إسحاق ]. وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأحوص ]. هو عوف بن مالك ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وهذا غير أبي الأحوص الذي سبق أن مر في حديثين حيث روى عن أبي ذر حديث: (لا يزال الله مقبلاً على العبد ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه) وحديث بعده وهو حديث النهي عن مسح المصلي الحصى فإن الرحمة تواجهه، يرويه أبو الأحوص شيخ من أهل المدينة عن أبي ذر ، وفي رواية أنه مولى بني ليث أو مولى بني غفار، وهو الذي لم يرو عنه إلا الزهري ، وهو يروي عن أبي ذر ، وهو مجهول، وقال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، فهذا غير ذاك، هذا ثقة وذاك إما مجهول وإما مقبول، وحديثه لا يصح، والاثنان في طبقة التابعين. وهناك شخص يقال له أبو الأحوص وهو من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، ويأتي ذكره كثيراً في الأسانيد، وهو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة. [ عن عبد الله بن مسعود ] عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وبعض العلماء يعده من العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الصحيح كما قاله بعض أهل العلم أن ابن مسعود ليس معهم، وإنما هم من صغار الصحابة وهم متقاربون في السن، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ، وأما ابن مسعود فقد توفي قديماً سنة اثنتين وثلاثين، وأما وفاة هؤلاء فكانت بعد الستين، والعبادلة الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. [ قال شريك : وحدثنا جامع -يعني ابن شداد - ] وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. وهو شقيق بن سلمة ، يأتي ذكره في بعض الروايات باسمه، ويأتي ذكره بكنيته كما هنا، وهو ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بمثله ]. أي: مثل حديث ابن مسعود المتقدم؛ فالأول قال (نحوه)، والثاني قال (بمثله)، وكلمة (بمثله) تعني المماثلة في الألفاظ والمعاني، وكلمة (نحوه) تعني المماثلة في المعاني مع اختلاف في شيء من الألفاظ. [ قال: وكان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد ]. أي: أنه كان يعلمهم كلمات، لكن تعليمهم إياها كان دون تعليمهم التشهد في الاهتمام والعناية، ولذا جاء في بعض الروايات عن ابن مسعود في التشهد: أن كفه كانت بين كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على الاهتمام والعناية، وأيضاً كون ابن مسعود يخبر بهذا يدل على ضبطه لما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من يتقن الهيئة التي كان عليها عند التحديث بالحديث فذلك يدل على أنه قد ضبط الحديث، ويقولون: إن الحديث إذا كان له قصة فذلك يدل على ضبط الراوي، وذلك مثل قول ابن عمر رضي الله عنه في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: كن في الدنيا كأنك غريب) فكذلك ابن مسعود يقول: ( كانت كفي بين كفيه) يعني علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه، ثم ذكر هذا الدعاء، ومعناه واضح. و الألباني ضعف هذه الزيادة التي فيها الدعاء، وأما معناه فهو مستقيم، والإنسان يدعو بأي دعاء مستقيم، لكنه يختار الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواية تشهد ابن مسعود المسلسلة بالأخذ باليد

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة، فذكر مثل دعاء حديث الأعمش : إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد ] أورد أبو داود حديث ابن مسعود من طريق أخرى، ولم يذكر لفظها ولكن أحال على الطريق الأولى التي جاءت من طريق الأعمش ، وقال بعد ذلك: [ فإذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد ]. وهذا الكلام لا يعني أن الصلاة انتهت بالتشهد؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فلا يتحلل الإنسان من الصلاة إلا بالتسليم الذي هو ركن من أركان الصلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) أي: بدايتها التكبير ونهايتها التسليم، ومعنى: (تحريمها التكبير) ، أي: أنه إذا قال: (الله أكبر) فقد حرم عليه كل ما كان حلالاً قبل ذلك من الأكل والشرب والكلام والذهاب والإياب والحركة وغير ذلك، ويستمر كذلك إلى أن يسلم، فإذا سلم حل له ما حرم عليه بسبب تكبيرة الإحرام، وهذا معنى (تحليلها التسليم) أي: إذا سلم فقد انتهت الصلاة، وحل له أن يأكل ويشرب ويتكلم ويلتفت؛ لأنه فرغ من صلاته. إذاً: قوله: [ (إذا قضيت ذلك فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد) ]، يعني: إذا قضيت معظم صلاتك؛ لأن الصلاة نهايتها بالتسليم، ولا يكون الانتهاء من الصلاة قبل ذلك، ولو أحدث قبل أن يسلم فإنه يتوضأ ويعيد الصلاة. وذكر بعض أهل العلم: أن هذا مدرج من كلام ابن مسعود ، وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد رواية تشهد ابن مسعود المسلسلة بالأخذ باليد


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحسن بن الحر ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن القاسم بن مخيمرة ]. وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ قال: أخذ علقمة بيدي ]. هو علقمة بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و علقمة و الأسود من أصحاب ابن مسعود ، ومكثران من الرواية عنه. [ أن عبد الله بن مسعود ]. وقد مره ذكره، وفيه: أن ابن مسعود حدثه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيده، وابن مسعود حدث علقمة وهو آخذ بيده، وعلقمة حدث القاسم بن مخيمرة وهو آخذ بيده، وهذا يسمونه المسلسل، وهو هنا مسلسل بالأخذ باليد.
شرح حديث تشهد ابن عمر

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا نصر بن علي حدثني أبي حدثنا شعبة عن أبي بشر سمعت مجاهداً يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: (التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) -قال: قال ابن عمر : زدت فيها: وبركاته- السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله -قال ابن عمر : زدت فيها: وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ]. بعد أن فرغ من ذكر طرق تشهد ابن مسعود انتقل إلى التشهد الذي رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتشهد ابن عمر هو: (التحيات لله الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله). ففي أوله اختلاف عن تشهد ابن مسعود ، حيث يقول: (التحيات لله والصلوات والطيبات) ففيه عطف بواو العطف بين الصلوات والطيبات والتحيات، وأما تشهد ابن عمر فليس فيه واو عطف. وقد قيل: إن واو العطف محذوفة، وقيل: إن بعضها صفة لبعض، فالطيبات تكون صفة للصلوات. وواو العطف جاء حذفها في القرآن والسنة، ومما جاء في القرآن قول الله عز وجل: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:1-8] فقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ) معطوفة على قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) ولكن حذفت واو العطف، ومما جاء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حديث: (يخرج الإنسان من صلاته لم يكتب له إلا تسعها إلا ثمنها) يعني: إلا كذا وإلا كذا وإلا كذا، فحذفت واو العطف. وبعض أهل العلم اختار تشهد ابن مسعود لأن فيه عطف تلك الكلمات بعضها على بعض، بما يفيد أن معانيها مختلفة، بخلاف ما حذف منه واو العطف لاحتمال أن تكون صفات، ومن المعلوم أنها إذا كانت صفات قلت الكلمات وقلت المعاني، فيكون تشهد ابن مسعود أولى. قال: [ (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ]، وهذا متفق عليه في جميع صيغ التشهد. وفي هذا الحديث: أن ابن عمر قال: [ زدت: وبركاته ]، أي: في السلام على النبي، والمقصود: أن الذي حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بدون [وبركاته] . ثم قال: [ (أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر : زدت: وحده لا شريك له) ] وهذه أيضاً زادها على ما حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تأكيد لـ: (لا إله إلا الله) ، فكلمة: (وحده) مؤكدة لـ (إلا الله)، وكلمة (لا شريك له) مؤكدة لـ(لا إله)، فقدم المؤكد الخاص على المؤكد العام، مثل قول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فهي تعادل (لا إله إلا الله)؛ لأن (اجتنبوا الطاغوت) معناها: لا إله، و(اعبدوا الله) معناها: إلا الله، فكل رسول يدعو إلى كلمة الإخلاص والتوحيد، وإلى إفراد الله بالعبادة ونفي العبادة، عن كل من سوى الله. قوله: [ (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ]. هذا مطابق لما تقدم في حديث ابن مسعود المتقدم، ومعناه أن الاختلاف الذي بين تشهد ابن عمر وتشهد ابن مسعود كائن في الكلمات الأولى وذلك بإثبات وحذف واو العطف، ويختلف عنه أيضاً في زيادة: (وحده لا شريك له) بعد قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله).

تراجم رجال إسناد حديث تشهد ابن عمر


قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، اسمه واسم أبيه مطابق لاسم جده وجد أبيه وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو علي بن نصر بن علي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ، يقال له: ابن أبي وحشية وهو مشهور بكنيته: أبو بشر ، وأيضاً مشهور بنسبته: ابن أبي وحشية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت مجاهداً ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث تشهد أبي موسى

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن قتادة ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: (صلى بنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فلما جلس في آخر صلاته قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة، فلما انفتل أبو موسى أقبل على القوم فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم، فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم، قال: فلعلك يا حطان أنت قلتها؟ قال: ما قلتها، ولقد رهبت أن تبكعني بها، قال: فقال رجل من القوم: أنا قلتها، وما أردت بها إلا الخير، فقال أبو موسى : أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين، يجبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم، فإن الله تعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) لم يقل أحمد : وبركاته، ولا قال: وأشهد، قال: وأن محمداً ]. أورد أبو داود تشهد أبي موسى الأشعري ، لأن أبا داود ذكر تشهد ابن مسعود أولاً، ثم ذكر تشهد ابن عمر ، ثم ثلث بتشهد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ويرويه حطان بن عبد الله الرقاشي . قوله: [ فأرم القوم ] أي: سكتوا وما تكلم أحد. قول حطان : [ ولقد رهبت أن تبكعني بها ] أي: خفت أن تلصقها بي وتضيفها إلي. قول أبي موسى : [ أما تعلمون ما تقولون في صلاتكم؟! ] أي: عليكم أن تتعلموا الأمور المطلوبة منكم في الصلاة، ثم إن أبا موسى رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا. قوله: [ وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا ] يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبين الأحكام في الخطب، وهذا من كمال البيان، ويدلنا على الاهتمام بتعليم أمور الدين، وأن ذلك يكون في الخطب كما يكون في غير الخطب. قوله: [ (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم.) ] كان مما حدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم) أي: سووا صفوفكم حتى لا يكون فيها فرج، وتسوية الصفوف يكون بملء الصف الأول أولاً، ولا ينشأ الصف الثاني إلا إذا امتلأ الصف الأول، ولا ينشأ الصف الثالث إلا إذا امتلأ الثاني، وهكذا، وإقامة الصفوف إنما يكون بتسويتها والتراص فيها، وألا يكون فيها فرج، وتكون التسوية إلى جهة الإمام، فإذا كان الإمام من جهة اليسار وكانوا عن يمينه تراصوا إلى اليمين، وإذا كانوا عن يساره تراصوا إلى جهة الإمام ولا يذهبون إلى طرف الصف، والصف إنما يبدأ من وراء الإمام، لا من طرف الصف. هذه صفة إقامة الصفوف. قوله: [ (فإذا كبر فكبروا) ] معناه: تابعوه كما قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا ) أي: ليكن تكبيركم بعد تكبيره، لا قبله ولا معه ولا بعده بوقت طويل؛ لأن أحوال الائتمام أربع حالات: إما التقدم والمسابقة، وإما الموافقة له بحيث يكون الإمام والمأموم على حد سواء، فلا يسبق هذا هذا ولا يتأخر هذا عن هذا، وإما المتابعة فإذا فرغ الإمام تبعه المأموم، وإما التخلف عنه مدة، هذه أحوال أربعة المشروع منها هو المتابعة التي يدل عليها قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا كبر فكبروا) أي: فيكون تكبيركم بعد تكبيره مباشرة، لا تسبقونه ولا توافقونه ولا تتأخروا عنه، فلا موافقة ولا تأخر ولا مسابقة. وإذا دخل الإنسان دخل في الصلاة قبل إمامه فإنه لا يعتبر مؤتماً بالإمام وصلاته باطلة؛ لأن تكبيرة الإحرام هي تحريم الصلاة، فلو كبر قبل الإمام أو معه لم تصح صلاته؛ لأنه ما دخل مع الإمام بالمتابعة وإنما بالمسابقة والموافقة، والدخول في الصلاة يجب أن يكون وراء الإمام. ثم جميع الأفعال يجب أن تكون وراء الإمام، كما قال: (إذا كبر فكبروا)؛ لأن كلمة (فكبروا) تفيد المتابعة مع عدم الموافقة وعدم التأخر. قوله: [ (وإذا قال : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين يجيكم الله) ] لأن آمين معناها: اللهم استجب، فالمعنى: ادعوا بكلمة آمين التي معناها اللهم استجب، يجبكم الله. الملقي: (وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك) ] قوله: [ (وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا) ] أي كبروا بالركوع واركعوا وراءه ولا تتأخروا عنه، ولا تسابقوه أو تلاحقوه أو تكونوا موافقين له لئلا يكون هو أزيد منكم في وقت الركوع، لأنه يسبقكم في الركوع والقيام، وأنتم تتأخرون عنه في الركوع والقيام فيكون مقدار ركوعكم مثل مقدار ركوعه؛ لأن اللحظة التي سبقكم بها عندما ركع أنتم أخذتموها عندما رفع، لأنكم تأخرتم بعده. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [ (فتلك بتلك) ]. قوله: [ (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم، فإن الله تعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده)] لأن سمع الله لمن حمده معناها: استجاب الله لمن حمده، ولهذا جاء بعدها: ربنا ولك الحمد، ومن الكلمات الطيبة الحسنة التي قالها بعض السلف في حق أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: أنه لما قيل له: ماذا تقول في معاوية ؟ فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد! يعني: هذه فضيلة وميزة يتميز بها الصحابة؛ لأنهم صلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمنوا على دعائه. قوله: [ (يسمع الله لكم) ] معناه: يجبكم، وليس معنى ذلك صفة السمع، لأن السمع يتعدى بالفعل، كما في قوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] المقصود به سمع الكلام، وإنما هنا ( يسمع الله لكم ) يعني: يجبكم. قوله: [ (فإن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده) ] وهذا يدلنا على أن التعبير بمثل: قال الله على لسان كذا، أنه تعبير صحيح، وأن ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستعمله العلماء في كلامهم لا سيما عندما يذكرون بعض القصص فيقولون: قال الله على لسان فلان كذا كذا. قوله: [ (وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك) ] وهذا مثلما مر في الركوع، يعني: مقدار سجودكم هو مقدار سجوده، فإذا كبر وسجد فإنكم تكبرون وتسجدون، وعندما يقوم من السجود أنتم تبقون، يعني حتى يفرغ من قول الله أكبر، فاللحظة التي سبقكم بها عند السجود عوضتموها عند قيامه من السجود، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (فتلك بتلك)، أي: هذه اللحظة بهذه اللحظة. قوله: [ (فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله) ] يعني: قعدة التشهد. وهذا التشهد الذي ذكره مثل تشهد ابن عمر إلا أن فيه تقديم الصلوات على الطيبات، وهنا قال: التحيات الطيبات الصلوات لله، وهناك قدم لله بعد التحيات، قال: التحيات لله الصلوات الطيبات. قوله: [ (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ] هذا متفق مع تشهد ابن مسعود .

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #233  
قديم 04-08-2024, 09:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث تشهد أبي موسى

قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ] عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو عوانة ] هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ] هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن حنبل ] (ح) هي للتحول من إسناد إلى إسناد و أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المشهور المعروف أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ] هو يحيى بن سعيد القطان ، الذي يروي عنه الإمام أحمد وهو متأخر عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، و يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ] هو هشام بن عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ] وقد مر ذكره. [ عن يونس بن جبير ] وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حطان بن عبد الله الرقاشي ] وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي موسى الأشعري ] وهو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، مشهور بكنيته ونسبته، واسمه عبد الله واسم أبيه قيس ، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث تشهد أبي موسى من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عاصم بن النضر حدثنا المعتمر قال: سمعت أبي حدثنا قتادة عن أبي غلاب يحدثه عن حطان بن عبد الله الرقاشي بهذا الحديث زاد: (فإذا قرأ فأنصتوا) وقال في التشهد بعد أشهد أن لا إله إلا الله زاد: وحده لا شريك له. قال أبو داود وقوله: فأنصتوا، ليس بمحفوظ، لم يجىء به إلا سليمان التيمي في هذا الحديث ]. أورد أبو داود حديث تشهد أبي موسى الأشعري من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أنه قال في وصفه للصلاة: [ (وإذا قرأ فأنصتوا) ] وفيه بعد قوله: أشهد أن لا إله إلا الله (وحده لا شريك له)؛ وهذه الطريق هي طريق سليمان التيمي عن قتادة فالتشهد فيها جاء فيه لفظ : (وحده لا شريك له)، كما في تشهد ابن عمر وهي ثابتة. ثم قال أبو داود : [ قوله: فأنصتوا، ليس بمحفوظ، زادها سليمان التيمي عن قتادة بهذا الحديث ]، ولكن مسلم رحمه الله لما سئل عنها قال: إنها صحيحة، فقال: لماذا لم تضعها في كتابك؟ قال: ليس كل صحيح عندي وضعته هاهنا، لأنه لم يشترط أن يخرج كل الصحيح، وإنما ذكر جملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة ولم يستوعبها، ولهذا يقول ابن الصلاح في علوم الحديث عن صاحبي الصحيح: لم يستوعبا الصحيح ولم يشترطا ذلك، حتى يقال: إنه فاتهما شيء، ولهذا فالكلام الذي يأتي عند الحاكم : (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ليس بلازم لهما؛ لأنهما لم يلتزما الإخراج لكل حديث صحيح، فكم من حديث صحيح لا وجود له في الصحيحين، وكم من ثقة لا وجود له في رجال الصحيحين. وإذاً: هذه الزيادة التي جاءت في حديث أبي موسى هي مما اعتبره مسلم من قبيل الصحيح، ولكنه لم يدخله في صحيحه لكونه لم يلتزم أن يخرج كل حديث صحيح. ثم أيضاً هذه الزيادة من ثقة فتكون مقبولة؛ لأنها بمثابة الحديث المستقل، وهي قوله: (وإذا قرأ فأنصتوا) ومن المعلوم أنه قد جاء ما يدل عليها من كتاب الله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب) يعني: أنهم عندما يسمعون القراءة ولا يقرأوا إلا فاتحة الكتاب. إذاً: هاتان الزيادتان ثابتتان ولا محذور فيهما، وقول أبي داود : إنها غير محفوظة، لأنه يرى أن أصحاب قتادة لم يذكروها وإنما ذكرها سليمان التيمي ، وسليمان التيمي لا يؤثر تفرده؛ لأنها زيادة من ثقة، فتكون مقبولة، ولهذا اعتبرها مسلم رحمه الله صحيحة.

تراجم رجال إسناد تشهد أبي موسى من طريق ثانية


قوله: [ حدثنا عاصم بن النضر ]. صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي . [ حدثنا المعتمر ]. هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبي ]. هو سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قتادة عن أبي غلاب ]. قتادة مر ذكره، وأبو غلاب هو يونس بن جبير المتقدم، ذكر في الطريق الأولى باسمه وفي هذا الطريق بكنيته، وقد ذكرت مراراً وتكراراً في جملة من الأسانيد الماضية أن الرجل يأتي أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته، وأن معرفة كنى المحدثين مهمة، وأنها نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة ذلك ألا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن من لا يدري إذا رأى في الطريق السابقة يونس بن جبير يروي عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، وفي هذه الطريق أبا غلاب يروي عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، يظن أن أبا غلاب شخص غير يونس بن جبير . [ عن حطان عن أبي موسى ]. وقد مر ذكرهما.
شرح حديث تشهد ابن عباس

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير و طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، وكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) ]. أورد أبو داود التشهد الرابع، وهو تشهد ابن عباس ، وقد مر تشهد ابن مسعود ثم تشهد ابن عمر ثم تشهد أبي موسى الأشعري ، وهذا التشهد الرابع الذي هو تشهد ابن عباس ، وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن؛ وذلك للاهتمام به، وكونه يريد منهم أن يحفظوه ويعوه، فكان يعلمهم ألفاظه كما يعلمهم السورة من القرآن. وما ذكره هنا من التشهد متفق مع ما تقدم إلا أنه هنا قال: [ (وأشهد أن محمداً رسول الله) ] ولم يقل: عبده ورسوله، وأيضاً أتى فيه بـ(المباركات) وصفاً للتحيات، فقال: [ (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله) ] وعلى هذا فهذا نوع من أنواع التشهد التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث تشهد ابن عباس


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ] هو محمد بن مسلم بن تدرس ، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ] وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و طاوس ] هو طاوس بن كيسان ، وهو ثقة أيضاً أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله هنا: [ المباركات ] هو بمعنى الزاكيات، و الزاكيات هذه جاءت في تشهد عمر رضي الله عنه، والزكاة والبركة والنماء كلها متماثلة في المعنى.
شرح حديث تشهد سمرة بن جندب

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن موسى أبو داود ، قال: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب : (أما بعد؛ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في وسط الصلاة أو حين انقضائها فابدءوا قبل التسليم فقولوا: التحيات الطيبات والصلوات والملك لله، ثم سلموا على اليمين، ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم). قال أبو داود : سليمان بن موسى كوفي الأصل كان بدمشق. قال أبو داود : دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، وهو مشتمل على التشهد بصيغة مختصرة، ولكن هذا التشهد غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث غير صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ثبت هي الأربعة المتقدمة وهي متقاربة، وأكملها تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عن الجميع.
تشهد عمر بن الخطاب

هناك تشهد آخر لعمر رضي الله عنه كان يعلمه الناس من على المنبر وهو يخطب ويقول: قولوا: التحيات الزاكيات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وفيه كلمة (الزاكيات) كما أن في تشهد ابن عباس (المباركات) . وفيه أنه كان يعلمه ويقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، وهذا يدلنا على أن صيغ التشهد كلها متفقة على الخطاب في قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم هذه الصيغة، وهي بلفظ الخطاب، وجاء عن بعض الصحابة أنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عدلوا إلى صيغة الغيبة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وكانوا يقولون: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، لكن جاء في خطبة عمر رضي الله عنه أنه كان يعلم الناس هذه الصيغة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في زمن خلافته رضي الله عنه، فما قال قولوا: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، وهو الذي يخاطبهم بهذا الكلام ولا يضيف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي. وكونه يقول لهم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، دل على أن العدول عن الخطاب ليس بلازم ولا متعين، وأن ما حصل من بعض الصحابة إنما هو اجتهاد منهم، وعمر رضي الله عنه كان يعلم الناس وفيهم من الصحابة كثير، وما جاء ما يدل على الاعتراض عليه في ذلك، فدل هذا على أن مثل هذه الصيغة والاستمرار عليها لا بأس به. ثم أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم في حياته صلى الله عليه وسلم كان الناس في المشارق والمغارب، والنبي صلى الله عليه وسلم غائب عنهم، وكانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فدل ذلك على أن العدول من صيغة الخطاب إلى صيغة الغيبة أنه باجتهاد منهم. إذاً: لابد من المحافظة على اللفظ الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيغ التشهد الخمس الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: تشهد ابن مسعود ، وتشهد ابن عمر ، وتشهد أبي موسى ، وتشهد ابن عباس ، وتشهد عمر بن الخطاب ، لا بأس به ولا محذور فيه، وفيه محافظة وإبقاء على الأصل الذي جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث تشهد سمرة بن جندب

قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا يحيى بن حسان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ حدثنا سليمان بن موسى أبو داود ]. سليمان بن موسى أبو داود فيه لين، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ]. ليس بالقوي أخرج حديثه أبو داود . [ عن خبيب بن سليمان بن سمرة ]. وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود . [ عن أبيه سليمان بن سمرة ]. وهو مقبول أخرج حديثه أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث كما نرى فيه مجهول، وفيه عدد ممن هو مقبول لا يحتج بحديثهم إلا عند المتابعة، ثم أيضاً هو ليس من رواية الحسن ، بل من رواية سليمان بن سمرة عن سمرة ، إذاً: فالحديث غير ثابت وهو مخالف للصيغ الأخرى، وهو مختصر، وفيه بعض ما في الذي قبله، وفيه زيادة [ والملك لله ] وهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : سليمان بن موسى كوفي الأصل كان بدمشق ]. ذكرنا أن فيه ليناً، وأخرج له أبو داود . [ قال أبو داود : دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة ]. هذا الكلام الذي قاله أبو داود رحمه الله قيل في معناه: أن سليمان بن سمرة في طبقة الحسن ، وإذا كان من طبقة الحسن فهو مثل الحسن ، والمعنى: أن الحسن سمع من سمرة ، والواقع أن الحسن سمع من سمرة في الجملة، وقد سمع منه حديث العقيقة، كما جاء ذلك في صحيح البخاري ، وقد أدركه ولقيه وسمع منه، لكن الشأن في السماع مطلقاً، فليس كل ما جاء عن الحسن عن سمرة سمعه من سمرة ؛ لأن الحسن مدلس، والمدلس يحذف من بينه وبين المروي عنه، فإذا روى بالعنعنة أو قال؛ فإنه يحتمل الانقطاع. وهذا الحديث يدل على مجرد السماع لكون هذا عاصر هذا، وهذا سماعه ثابت بدون هذه المقارنة أو هذه المقايسة، وذلك موجود في صحيح البخاري في حديث العقيقة، فأصل السماع ثابت، وإنما الخلاف في السماع المطلق، لأنه مدلس، والمدلس يحتاج إلى التصريح بالسماع، والذي جاء مصرحاً فيه بالسماع هو حديث العقيقة. والحافظ نقل عنه أنه قال: لم يتبين لي وجه الدلالة، يعني الدلالة على كون الحسن سمع من سمرة في هذا الحديث، وكما قلت بعض العلماء ذكروا أن هذا في الطبقة الثالثة وهذا في الطبقة الثالثة وكل منهم أدرك سمرة ، لكن ليس القضية قضية إدراك؛ لأن الإدراك ثابت من غير هذا الحديث. فائدة: وقع في بعض النسخ الخطية لأبي داود كما نقلها محمد العوام ، يقول: في التعليق لشيخنا مولانا محمد زكريا الكاندهلوي رحمه الله على كتاب شيخه بذل المجهود، نقلاً عن الشيخ حسن عرب اليمني البهبالي أنه وقع في بعض النسخ الخطية لأبي داود : وحدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني الحسن سمعت سمرة بن جندب يقول في خطبته: أما بعد.... الحديث. لكننا لا ندري أين هذه النسخ؟ ثم أيضاً لم يعرف أنه صرح بالسماع إلا في حديث العقيقة، وأيضاً لو ثبت من هذه الطريق فالحديث نفسه فيه الأشخاص المتكلم فيهم في إسناده.
الأسئلة



حكم الزواج بالكتابيات الموجودات اليوم

السؤال: هل الزواج بالكتابية الموجودة الآن في بلاد الكفر جائز على الإطلاق، أم يوجد تفصيل في هذه المسألة؟


الجواب: الزواج بالكتابيات جاء به القرآن، فهو حكم ثابت في كتاب الله عز وجل، لكن الزواج بالمسلمات أولى من الزواج بهن، وكل ذلك حلال وسائغ ومشروع، لكن كون الإنسان يختار مسلمة أولى من كونه يختار كتابية، والكتابيات الموجودات في هذا الزمان فيهن من الشرك ما هو موجود في هذا الزمان وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل أخبر بأنهم كفار: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17]، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73]، وقال: تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:63] فهم كفار ومشركون فانتماؤهم إلى دين عيسى أو موسى يجعلهم من أهل كتاب، وسواء كانوا في هذا الزمان أو قبل هذا الزمان فالحكم واحد، فما لأنهم ما داموا ينتمون إلى هذا الدين فهم أهل كتاب، ولا فرق بين المتقدمين والمتأخرين.

بدعة الوصية المنشورة باسم حامل مفاتيح الحرم النبوي


السؤال: هذا منشور فيه الوصية من المدينة المنورة من الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها...، توزع الآن حديثاً، فما قولكم بارك الله فيكم؟


الجواب: هذه بدعة قديمة، لكن نشرها جديد، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه قد كتب فيها رسالة مستقلة وطبعت مع جملة من البدع والأمور المنكرة تحت اسم: التحذير من البدع، فهي كذب ومفتراة، وما فيها من كلام غير صحيح، ولا يعول في الدين على رؤى ولا على غير ذلك، وإنما التعويل على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبضه الله عز وجل إلا وقد أكمل له الدين، ولم يخرج من هذه الدنيا إلا وقد بلغ البلاغ المبين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأنزل الله عليه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فليس هناك إضافات ولا إلحاقات تلحق بدينه، لا عن رؤى ولا عن غير رؤى، وما يحصل من ذلك فإنما هو من محدثات الأمور التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.


حكم الأعياد المحدثة باسم يوم المعلم ونحو ذلك


السؤال: ما رأي فضيلتكم في ذكرى يوم المعلم العالمي ونحوه من الأيام والأسابيع؟


الجواب: الذكريات التي تتعلق بمناسبات وما إلى ذلك لم يأت دليل يدل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمثل ذلك من الأمور المحدثة التي أحدثها الناس.

حكم الكلام فيما شجر بين الصحابة

السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يتعرض لذكر الفتن التي وقعت بين الصحابة، ويذكر ما فيها من طعن في الصحابة بحجة أنها ذكرت في تاريخ الطبري وغيره؟


الجواب: علماء السلف الذين ألفوا في العقيدة حتى الكتب المختصرة، يذكرون فيها: ويجب الكف عما شجر بينهم، أي: من عقيدة أهل السنة والجماعة الكف عما شجر بينهم، وأنهم لا يذكرون إلا بالجميل. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يذكرون إلا بأحسن الذكر، ولا يصلح أن تذكر الأخبار التي فيها شيء من اللوم لهم أو العتب عليهم؛ لأن الأمر كما قال شيخ الإسلام في نفس الرسالة: إن الأخبار التي ذكرت ذلك منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو كذب، وما صح منها هم فيه مجتهدون إما مصيبون لهم أجران، وإما مخطئون لهم أجر واحد. هذا هو الواجب في حق الصحابة، أن تكون القلوب والألسنة سليمة في حقهم. وقد ذكر الله في سورة الحشر ثلاثة أصناف لا رابع لها: المهاجرون والأنصار، ثم قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] فسلامة ألسنتهم بأن يقولوا: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم شيئاً من الحقد: (( وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا )) فالصحابة هم خير الناس وأفضلهم وهم الذين شرفهم الله عز وجل بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا شرف ما حصل لأحد سواهم."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #234  
قديم 04-08-2024, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [123]
الحلقة (154)



شرح سنن أبي داود [123]

جاءت الأحاديث النبوية بصيغ متعددة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، وأفضلها وأكملها الصلاة الإبراهيمية، وكذلك جاء التعوذ بالله من أربع بعد التشهد الأخير، وغير ذلك من الأدعية التي تقال بعد التشهد، والمشروع في التشهد الإسرار به لا الجهر.

ما جاء في الصلاة على النبي بعد التشهد



شرح حديث كعب بن عجرة في الصلاة على النبي بعد التشهد من طريق حفص بن عمر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: (قلنا أو قالوا: يا رسول الله! أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك، فأما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. بعد الفراغ من الكلام على التشهد وبيان صيغه من الطرق المختلفة جاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد في الصلاة، وقد أورد فيها جملة من الأحاديث أولها حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.

الجمع بين النبي وآله في الصلاة


وقد جاءت صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بصيغ مختلفة عن كعب بن عجرة وعن غيره من الصحابة، منها ما هو في الصحيحين ومنها ما هو في أحدهما ومنها ما هو خارج الصحيحين، وحديث كعب بن عجرة أخرجه صاحبا الصحيح، وورد بصيغ متعددة، ورد بهذه الصيغة التي أوردها أبو داود هنا وهي: [ (اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. في هذه الصيغة الجمع بين النبي صلى الله عليه وسلم وآله، وفي الصلاة ذكر إبراهيم بدون آله، وفي البركة ذكر آل إبراهيم بدون إبراهيم، فجمع فيها بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآله في الدعاء بالصلاة والدعاء بالبركة، وبالنسبة لإبراهيم أتى به دون أهله في الصلاة وأتى بآل إبراهيم دون إبراهيم في الدعاء بالبركة. وقد جاء حديث كعب بن عجرة في صحيح البخاري بلفظ أكمل وأتم من هذا وهو الجمع بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآله وبين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله في الدعاء بالصلاة والدعاء بالبركة، حيث قال فيه: (اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد... إلخ). وهذه أكمل الصيغ التي وردت في بيان كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي ينبغي للإنسان أن يأتي بها في صلاته، وإذا أتى بالصيغ الأخرى فذلك صحيح؛ لأن أي صيغة صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي جائزة، ولكن كونه يأتي بما هو أكمل وبما هو أتم يكون هو الأولى. ويقول كعب بن عجرة : (قلنا أو قالوا) أي: الصحابة: (أمرتنا أن نصلي ونسلم عليك) وفي بعض الألفاظ: (أمرنا أن نصلي ونسلم عليك، أما السلام فقد عرفناه، أما الصلاة فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد).

ذكر الصيغة التامة للصلاة على النبي وآله


جاء في حديث كعب بن عجرة في بعض رواياته -وهي الرواية التامة- قصة في تحديث كعب بن عجرة بها، وهي أنه لقي عبد الرحمن بن أبي ليلى الراوي عنه، وقال له: (ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : قلت: بلى، فأهدها إلي، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). فهذه القصة التي حدث بها كعب بن عجرة عبد الرحمن بن أبي ليلى تدلنا على كمال عناية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بإبلاغ السنن والتحديث بها واهتمامهم بها، وأنهم عنوا بذلك غاية العناية ونصحوا غاية النصح رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فإن كون كعب بن عجرة يقدم لعبد الرحمن بن أبي ليلى قبل أن يحدثه بهذا التقديم ويمهد له بهذا التمهيد ويعرض عليه هذا العرض ويسميه هدية، يدل على ذلك. قوله: (سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فعرف بأن الهدية ليست مالية وإنما هي علمية، وأنها حق وهدى من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويريد كعب رضي الله عنه من هذا الكلام أن يتشوق عبد الرحمن وأن يتهيأ وأن يستعد لتلقي ما يسمع. قال عبد الرحمن : (قلت: بلى) لا شك أنه عندما سمع هذا الكلام أعجبه وعرف أن وراء الهدية الشيء النفيس، وأنه أمر مهم، فبادر وقال: (بلى فأهدها إلي)، فحكى هذه القصة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم، فقالوا: (قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟) لأن الأمر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء في القرآن بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]. قولهم: (فقد علمنا كيف نسلم عليك)؛ لأنه علمهم في التشهد: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، وجاء في بعض الروايات في بعض الأحاديث المتعلقة بالتشهد: (كيف نصلي عليك إذا صلينا في صلاتنا) معناه: بعد التشهد.

الجمع بين الصلاة والسلام على رسول الله


فإذاً: يؤتى بالصلاة التي ليس معها سلام، لأنها جمعت إلى السلام الذي قبلها، لكن الإنسان إذا كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة فإنه يجمع بين الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ولا يأتي بالصلاة وحدها، بل يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وسلم تسليماً كثيراً)، فيأتي بالتسليم مضافاً إلى الصلاة إذا كان في غير الصلاة، أما إذا كان في الصلاة فهو سيأتي بالتشهد الذي فيه: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وبذلك يكون جمع بين الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اللهم صل على محمد) اللهم معناها: يا الله، حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم المشددة في الآخر؛ لأن الميم المشددة في الآخر عوض عن الياء التي قبل المنادى، والمعنى: يا الله صل على محمد؛ ولهذا لا يجمع بين العوض والمعوض منه بأن يقال: يا اللهم، يقول ابن مالك في الألفية: والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريظ أي: أنه جاء ذلك في الشعر شذوذاً، وإلا فإنه لا يجمع بين العوض والمعوض. وأحسن ما فسرت به الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التفسير الذي جاء عن أبي العالية أن معناها: الثناء من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى، فصلاة الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يثني عليه ويبين عظيم منزلته عند الملائكة في الملأ الأعلى.

حكم إضافة لفظ (سيدنا) عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم


قوله: (اللهم صل على محمد) وليس فيه ذكر: (سيدنا)، وهو سيدنا وسيد البشر وسيد الخلق أجمعين، ولو كانت هذه الكلمة مطلوبة في التشهد ومطلوبة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لبينها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يبين الألفاظ والصيغ التي يتعبد الله بها، وحيث لم يبينه النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لا يضاف إليه شيء آخر، وإنما يقتصر على الصيغة الواردة، كما يقتصر على الصيغة التي وردت في الأذان: أشهد أن محمداً رسول الله دون أن يضاف إليها سيدنا. وإطلاق السيد على الرسول صلى الله عليه وسلم جائز، وهو أحق البشر بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة)، وقال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وإنما بين ذلك لأنه كان عليه الصلاة والسلام آخر الرسل، وليس هناك رسول يأتي بعده يبين عظيم منزلته عند الله، أما الرسل السابقون فكان يأتي رسل بعدهم يبينون منازلهم، مثلما بين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام منزلة إبراهيم وموسى وعيسى، وذكر أخبارهم وما يلزم لهم، أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده يبين عظيم منزلته عليه الصلاة والسلام، فبين ذلك عليه الصلاة والسلام وقال: (أنا سيد الناس يوم القيامة). ثم بين السبب الذي جعله ينص على يوم القيامة، مع أنه سيد الناس في الدنيا والآخرة؛ لأن يوم القيامة هو الذي يظهر فيه سؤدده وإحسانه على الجميع من آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، بخلاف الدنيا فإن الذين لقوه والذين اتصلوا به فيها هم أصحابه، وكذلك الذين أخذوا سنته من بعده. ثم بين ذلك بأن الناس يجتمعون ويموج بعضهم في بعض، ويبحثون عمن يشفع لهم إلى ربهم ليخلصهم مما هم فيه من شدة الموقف، فيأتون إلى آدم ويطلبون منه الشفاعة إلى الله عز وجل فيعتذر ويحيلهم إلى نوح، ثم يعتذر نوح ويحيلهم إلى إبراهيم، ثم يعتذر إبراهيم ويحيلهم إلى موسى، وموسى يحيلهم إلى عيسى ويعتذر، وعيسى يحيلهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ويعتذر، ويأتون إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فيقول: (أنا لها)، ثم يتقدم ويشفع ويشفعه الله عز وجل، ويأتي لفصل القضاء بين عباده، وينصرف الناس من المحشر، وهذا هو المقام المحمود؛ لأنه يحمده عليه الأولون والآخرون، وهو الشفاعة العظمى. إذاً: ظهور سؤدده وفضله على الجميع، وإحسانه على الجميع بالشفاعة لهم في تخليصهم مما هم فيه من شدة الموقف، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد الناس يوم القيامة). وعلى هذا فإطلاق السيد على الرسول صلى الله عليه وسلم لا بأس به، ولكن كون الإنسان يلتزمه ولا يأتي بذكر الرسول صلى الله عليه وسلم إلا قال: سيدنا فهذا ما جاء عن سلف هذه الأمة من الصحابة الذين هم خير الناس، فنحن نقرأ في الأحاديث: حدثنا فلان حدثنا فلان أن فلاناً الصحابي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأحاديث كثيرة بالآلاف، وليس فيها: قال سيدنا رسول الله، نعم هو سيدنا؛ لكن استعمال هذه الألفاظ دائماً وأبداً والإكثار منها ما فعله خير هذه الأمة الذين هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. فهذا صحيح البخاري فيه أكثر من سبعة آلاف حديث، وصحيح مسلم كذلك، وكذلك سنن أبي داود ، وغيرها من أمهات الحديث، ومسند الإمام أحمد يشتمل على أربعين ألف حديث، كل هذه الأحاديث إذا قرأها الإنسان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، ولم يقولوا: أمر سيدنا، نهى سيدنا، جئنا إلى سيدنا، ما كانوا يقولون هذا وهم خير الناس وأفضل الناس. فإذاً استعمال هذا اللفظ في بعض الأحيان لا بأس به، ولكن الشأن في اتباع خير هذه الأمة الذين كلامهم مدون بين أيدينا، وقد سبق أن مر بنا أنهم يبينون الفرق في عبارات بسيطة لا يترتب عليها اختلاف في المعنى كما يأتي في بعض الأحاديث أن بعضهم يقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشخص الثاني يقول: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا عبر بالنبي وهذا عبر بالرسول، وميزوا الفرق بين التعبيرين، فلو كانت كلمة سيدنا موجودة لنبهوا عليها وأتوا بها ولم يحذفوها؛ لأنهم لا يتركون شيئاً مما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أنصح الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم خير هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام. وكذلك مر بنا قريباً حديث المسيء صلاته، وفيه أن أحد الرواة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، والثاني قال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم قال كذا، ومعناه بيان الفرق بين التعبيرين، فالذين يحافظون على الألفاظ ويبينون الفروق الدقيقة في أمور لا يترتب عليها اختلاف في المعنى؛ فهذا يدل على العناية الفائقة والضبط الدقيق والإتيان بالألفاظ كما جاءت عن الرواة، فلو كان هناك استعمال سيدنا لكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين سبقوا إلى ذلك، وهم السباقون إلى كل خير والحريصون على كل خير. قوله: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) فيه ذكر آل الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلف في بيان المراد بهم، فمنهم من قال: إن المقصود بهم أزواجه وذريته، ومنهم من قال: هم كل هاشمي وكل مطلبي لا تحل له الصدقة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، والصدقة لا تحل للهاشميين ولا للمطلبيين، وهم أعم من ذريته وأزواجه صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إن المقصود بآله المتقون من أمته صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إنهم أمته كلها، أي: أمة الإجابة الذين أسلموا ودخلوا في دين الإسلام؛ لأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم له أمتان: أمة إجابة، وأمة دعوة، فأمة الإجابة هم الذين دخلوا في الدين وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وصاروا من جملة المسلمين، أما أمة الدعوة فهم كل إنسي وجني على وجه الأرض من حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، هو داخل في أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وهم مدعوون إلى الإيمان به والدخول في دينه، ولهذا فالدعوة عامة لكل أحد وليست لواحد دون غيره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار) أي: أن اليهود والنصارى هم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين توجه إليهم الدعوة، وهم ملزمون بأن يدخلوا في الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وأن اتباع اليهود لموسى واتباع النصارى لعيسى -كما يزعمون- باطل بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا لم يدخلوا في دينه؛ لأن شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نسخت الشرائع السابقة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق موسى في بعض الأحاديث: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)، وعيسى بن مريم الذي يزعم النصارى أنهم أتباعه إذا نزل في آخر الزمان من السماء فإنه سيحكم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم


من الأمور المتعلقة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حكمها في الصلاة، فإن جمهور العلماء على أنها مستحبة بعد الإتيان بالتشهد، وذهب جماعة من أهل العلم منهم الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهما الله إلى أنها واجبة وأنه يتعين على الإنسان أن يأتي بها في الصلاة، ويستدلون على ذلك بما جاء في بعض الأحاديث من أن الذين سألوا النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: (كيف نصلي عليك إذا صلينا عليك في صلاتنا..) وذلك بعد أن ذكروا أنهم عرفوا السلام عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة.

وجه طلب الصلاة على محمد مثل الصلاة على إبراهيم وهو أفضل منه


هناك سؤال مشهور في صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو: أن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام أفضل من إبراهيم, وقد جاء في هذه الصلاة أنه يطلب صلاة عليه كالصلاة على إبراهيم، حيث قال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) مع أن الأصل أن المشبه دون المشبه به، والواقع هنا أن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام الذي هو المشبه أفضل من المشبه به الذي هو إبراهيم، ومن المعلوم أن أفضل الرسل هم أولو العزم من الرسل، وهم خمسة: نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وإبراهيم، نوح، وموسى، وعيسى، وأفضل الرسل جميعاً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويليه إبراهيم الخليل، وكل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم هو خليل للرحمن، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) فصفة الخلة ثبتت لاثنين من رسل الله هما: نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فكيف طلب للنبي صلى الله عليه وسلم صلاة كالصلاة على إبراهيم؟ وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة، أحسنها جوابان أو ثلاثة: الأول: أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) فيه أن محمداً وآله يقابلهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، ومن المعلوم أن آل إبراهيم فيهم الأنبياء، بخلاف آل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فإنه لا نبي بعده، وإذاً فالذي يكون لإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله إذا أعطي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله، فيأخذ آل محمد صلى الله عليه وسلم ما يناسبهم وما يليق بهم، والباقي يبقى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون الحظ الأكبر والنصيب الأكبر له صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن محمداً صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم، فيكون له نصيبه من آل إبراهيم مع ما طلب له، فيكون بهذا الأمر واضحاً أن المشبه أعلى من المشبه به وأكثر حظاً من المشبه به. الثالث: أنه ليس المطلوب صلاة تشبه صلاة، وإنما المقصود أن الصلاة حصلت لإبراهيم وآله والمطلوب حصول الصلاة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله، من غير أن يكون هناك مقارنة ومماثلة فيما يحصل لكل منهم من الثواب، أي: أن المقصود هو أن الصلاة حصلت على إبراهيم وآله فيطلب أن تحصل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله؛ لأن قوله: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) طلب، (كما صليت على إبراهيم) يعني: أنه قد صلي على إبراهيم ووجدت الصلاة على إبراهيم. فإذاً: ليس المقصود كون المشبه دون المشبه به، وإنما المقصود هو تشبيه أصل الصلاة بأصل الصلاة، وليس تشبيه قدر الصلاة الحاصلة للرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة الحاصلة لإبراهيم؛ لأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم. هذا هو أحسن ما قيل في الأجوبة التي أجيب بها عن السؤال الذي أورد على هذا الحديث.

الصلاة الإبراهيمية هي أفضل صيغ الصلاة على النبي


هذه الصيغة التي هي: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم..) ذكر أهل العلم أن هذه أفضل كيفية للصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله أصحابه الكرام وهم الحريصون على كل خير عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بقوله: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، فلو كان هناك صيغة أفضل منها وأتم وأكمل لبينها أنصح الناس لخير الناس الذين سألوه عن الكيفية، فلما أجابهم على سؤالهم بهذا الجواب عرف أنه أتم جواب وأكمل جواب وأن هذه الهيئة هي أتم صلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال بعض أهل العلم: لو أن إنساناً حلف أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة فإنه يبر بقسمه إذا صلى الصلاة الإبراهيمية.

سبب ذكر إبراهيم في الصلاة الإبراهيمية دون غيره


إن إبراهيم إنما خص بالذكر دون غيره في الصلاة الإبراهيمية؛ لأن إبراهيم عليه السلام هو أفضل الرسل بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ليس هناك أفضل من إبراهيم بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فأفضل الرسل على الإطلاق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ويليه إبراهيم، وأيضاً إبراهيم هو أبوه وجده، وقد جاء في القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يتبع ملة إبراهيم الحنيفية، فلعل هذا هو السر في كون إبراهيم هو الذي ينص عليه دون غيره من رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث كعب بن عجرة في الصلاة الإبراهيمية من طريق حفص بن عمر


قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ] حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا شعبة ] هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ] هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ليلى ] هو عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهناك شخص آخر اشتهر بابن أبي ليلى وهو ابنه محمد وهو ضعيف، يعني: فيه كلام عند المحدثين، وهو المشهور في كتب الفقه إذا قيل: وابن أبي ليلى أو قال به ابن أبي ليلى ، أما أبوه عبد الرحمن الذي معنا في هذا الإسناد الذي يروي عنه الحكم بن عتيبة ويروي هو عن كعب بن عجرة فهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كعب بن عجرة ] كعب بن عجرة رضي الله عنه صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث كعب في الصلاة على النبي من طريق يزيد بن زريع


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة بهذا الحديث قال: (صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم) ] أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن كعب بن عجرة وفيها: [ (صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم) ]. وهذه تخالف الطريق السابقة؛ لأن الطريق السابقة قال فيها: (كما صليت على إبراهيم)، بالنسبة للصلاة، فذكر إبراهيم دون آله، وأما بالنسبة للدعاء بالبركة فقد جاءت في الطريق السابقة منصوصاً على آل إبراهيم ولم ينص على إبراهيم، وهو داخل في آل إبراهيم، لكن الفرق بين هذه الرواية والرواية السابقة أن الرواية الثانية فيها ذكر آل إبراهيم في الدعاء بالصلاة أما الرواية الأولى فلم يذكروا إلا عند الدعاء بالبركة، بل جاء في رواية أخرى عن كعب بن عجرة ذكر آل إبراهيم عند ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله ثم على آل إبراهيم، فتكون بذلك مثل الرواية السابقة بالنسبة للبركة، يعني: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم).

تراجم رجال إسناد حديث كعب في الصلاة على النبي من طريق يزيد بن زريع


قوله: [ حدثنا مسدد ] هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ] يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ] وقد مر ذكره.

شرح حديث كعب في الصلاة الإبراهيمية من طريق مسعر عن الحكم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن بشر عن مسعر عن الحكم بإسناده بهذا قال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. أورد المصنف رحمه الله طريقاً أخرى لحديث كعب بن عجرة وهي مطابقة للطريق الأولى؛ لأن فيها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله، والصلاة على إبراهيم، وذكر الدعاء بالبركة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله ولآل إبراهيم، فهذه الرواية مثل الرواية الأولى التي صدر بها المصنف الباب، إلا أن في الأولى لم يذكر (اللهم) في الدعاء بالبركة، وأيضاً فإنه لم يذكر في الأولى (إنك حميد مجيد) بعد الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث كعب من طريق مسعر عن الحكم


قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ] هو محمد بن العلاء بن كريب البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن بشر ] هو محمد بن بشر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ] هو مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم بإسناده بهذا ] أي: عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة ، وقد مر ذكر الثلاثة.

ذكر رواية الزبير بن عدي لحديث كعب بن عجرة في الصلاة الإبراهيمية


[ قال أبو داود : رواه الزبير بن عدي عن ابن أبي ليلى كما رواه مسعر إلا أنه قال: (كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد) وساق مثله ]. ذكر أنه جاءت رواية من طريق الزبير بن عدي كما جاء عن مسعر ، إلا أن بينها وبين رواية مسعر فرقاً وهو أنه قال: (كما صليت على آل إبراهيم)، ورواية مسعر : (كما صليت على إبراهيم). وقال: (وبارك على محمد) يعني: ليس فيها (اللهم). و الزبير بن عدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن أبي ليلى مر ذكره.

شرح حديث أبي حميد الساعدي في الصلاة الإبراهيمية

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك ، ح: وحدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: (يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. أورد أبو داود حديث أبي حميد الساعدي في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يقولوا: [ (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته) ] واللفظ الآخر قال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، فهذا يبين لنا أن الأزواج والذرية داخلون في الآل، وقد جاء في بعض الروايات: (اللهم صل على محمد وآل محمد وأزواجه وذريته) فجاء ذكر الآل وجاء ذكر الأزواج والذرية، وهذا يدلنا على أن الأزواج والذرية داخلون دخولاً أولياً في آل محمد، سواء قيل: إنها خاصة بهم أو إنها لآله وهم منهم، أو إنها للمتقين من أمته، أو إنها لأمة الإجابة، فالأزواج والذرية داخلون، والمقصود بذلك من يكون أهلاً لها حيث يكون من المسلمين، أما من كفر منهم وإن كان من الذرية المتناسلين فيما بعد فلا يدخلون في ذلك. إذاً: فالأزواج والذرية داخلون دخولاً أولياً، وقد جاء ذكرهم في حديث أبي حميد الساعدي بدلاً من آل محمد. قوله: (وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) هذه هي صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت من طريق أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد الساعدي في الصلاة الإبراهيمية


قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المحدث الفقيه، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا ابن السرح ]. ح أي: تحول من إسناد إلى إسناد، و ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ]. عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سليم الزرقي ]. عمرو بن سليم الزرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حميد الساعدي ]. هو المنذر بن مالك ، وهو صحابي اشتهر بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي مسعود الأنصاري في الصلاة الإبراهيمية من طريق نعيم المجمر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد -و عبد الله بن زيد هو الذي أري النداء بالصلاة- أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا.) فذكر معنى حديث كعب بن عجرة زاد في آخره: (في العالمين إنك حميد مجيد) ]. أورد أبو داود حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا في مجلس سعد بن عبادة فسأل بشير بن سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام فسكت حتى تمنوا أنه لم يسأله، ثم قال لهم: قولوا: (اللهم صل على محمد)، فذكر مثل حديث كعب بن عجرة المتقدم، وزاد في آخره: (في العالمين إنك حميد مجيد).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #235  
قديم 04-08-2024, 09:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في الصلاة الإبراهيمية من طريق نعيم المجمر

قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر ]. نعيم بن عبد الله المجمر ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ولقب المجمر ؛ لأنه كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: يأتي بالطيب الذي يوضع على الجمر فيطيبه به، فقيل له: المجمر . [ أن محمد بن عبد الله بن زيد ]. محمد بن عبد الله بن زيد ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن. [ و عبد الله بن زيد هو الذي أري النداء بالصلاة ]. هذه جملة اعتراضية، المقصود بها بيان أبي الراوي محمد بن عبد الله وأنه هو الذي أري الأذان.
[أخبره عن أبي مسعود الأنصاري ]. وهو عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: (حميد مجيد) هما اسمان من أسماء الله عز وجل جاءا بعد طلب الصلاة والبركة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى مجيد: ذو المجد والعظمة، وحميد: بمعنى محمود، فهو ذو الحمد وهو صاحب الحمد المحمود على كل حال سبحانه وتعالى. ولعل المقصود بقوله: (في العالمين) بعد أن ذكر البركة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، أن إبراهيم جعل له لسان صدق في العالمين كما طلب ذلك، وأيضاً ذريته فيهم الأنبياء فأولئك صاروا متناسلين في أزمان متعددة، وسار ذلك الذكر وذلك الثناء والصلاة عليهم حتى اشتهرت في العالمين.

شرح حديث أبي مسعود في الصلاة الإبراهيمية من طريق محمد بن إبراهيم بن الحارث


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن زيد عن عقبة بن عمرو رضي الله عنه بهذا الخبر، قال: (قولوا: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد) ]. ذكر المصنف طريقاً أخرى لحديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وفيه أنه قال: (اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد) فذكر وصفه بكونه النبي وبكونه الأمي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه عليه.
تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في الصلاة الإبراهيمية من طريق محمد بن إبراهيم بن الحارث

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث ]. هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الله بن زيد عن عقبة بن عمرو ]. محمد بن عبد الله بن زيد مر ذكره. وعقبة بن عمرو هو أبو مسعود الأنصاري ذكر في الطريق الأولى بكنيته وذكر في هذه الطريق باسمه، فهذا يبين لنا أن معرفة الكنى مهمة؛ لأن من لا يعرف الكنى يظن أن الشخص إذا ذكر باسمه مرة وبكنيته مرة أخرى أنه شخصان، ولكن من عرف أن عقبة بن عمرو كنيته أبو مسعود لا يلتبس عليه الأمر.

شرح حديث أبي هريرة في الصلاة الإبراهيمية
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حبان بن يسار الكلابي حدثني أبو مطرف عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، حدثني محمد بن علي الهاشمي عن المجمر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته) ]. فذكر الأزواج والذرية وذكر أهل البيت، فيكون من باب عطف العام على الخاص. وهذه الصيغة التي جاءت عن أبي هريرة في رجالها من هو متكلم فيه، وهما حبان بن يسار و عبيد الله بن طلحة ، فالألباني رحمه الله ضعف الحديث بسببهما، وقال: إن من صحح حديثهما فقد وهم، يعني لما فيهما من الضعف الشديد.

تنبيه على خطأ وقع في الكلام على حديث أم محصن

قوله: وأذكر بهذه المناسبة ما مر بنا قريباً من حديث أم قيس بنت محصن الأسدية الذي فيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه)، وقلت: إن الألباني رحمه الله ضعف الحديث، والواقع أنني قد وهمت في نسبة التضعيف للألباني ، فالألباني صححه، والحديث بهذه الطريق كما ذكرت ليس بصحيح لأن فيه عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر الوابصي وهو مقبول وأبوه عبد الرحمن بن صخر مجهول، فالحديث بهما لا تقوم به حجة، لكن الشيخ الألباني رحمه الله قد ذكر أن الحديث نفسه عند الحاكم في المستدرك من غير هذه الطريق التي فيها هذان الراويان المتكلم فيهما، والحاكم في مستدركه صحح الحديث فقال: إنه صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي على ذلك، وتعقبه الألباني بأنه على شرط مسلم لأن هلال بن يساف لم يخرج له البخاري إلا تعليقاً، ولم يخرج له في الأصول فيكون على شرط مسلم ، فيكون الحديث صح من أجل الطريق التي جاءت عند الحاكم ، وأما بالنسبة لهذه الطريق فهو لا يصح منها، ولكنه إذا أضيف إلى تلك الطريق يعتبر متنه صحيحاً، وعلى هذا فأنا أنبه على الخطأ الذي حصل مني والوهم الذي حصل مني في نسبة ذلك إلى الشيخ الألباني رحمه الله، وهو قد صححه ولم يضعفه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في الصلاة الإبراهيمية

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حبان بن يسار الكلابي ]. حبان بن يسار الكلابي صدوق اختلط، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في مسند علي . [ حدثني أبو مطرف عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز ]. وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة . [ حدثني محمد بن علي الهاشمي ]. هو محمد بن علي بن الحسين الملقب الباقر أبو جعفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المجمر عن أبي هريرة ]. المجَمرَ قد مر ذكره. و أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

ما يقول بعد التشهد



شرح حديث أبي هريرة في التعوذ بالله من أربع بعد التشهد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول بعد التشهد: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية حدثني محمد بن أبي عائشة أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: (ما يقول بعد التشهد) يعني: ما يقوله من الدعاء بعد التشهد، وذلك بعد ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تابعة للتشهد. وهذه ترجمة تتعلق بالأدعية التي يؤتى بها بعد التشهد الأخير؛ لأن التشهد الأخير هو الذي يكون فيه إطالة الدعاء والإكثار منه، بخلاف التشهد الأول. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع). فيتعوذ بالله من عذاب جهنم وجهنم اسم من أسماء النار. قوله: (ومن عذاب القبر) وهو ما يحصل في البرزخ بعد الموت وقبل البعث والنشور من العذاب الذي هو واصل إلى الكفار لا محالة، ومن شاء الله أن يصل إليه من العصاة. والعذاب في القبر إنما يكون بعذاب النار، كما جاء في القرآن الكريم في آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] فهم يعذبون بعذاب النار قبل يوم القيامة، ثم ينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] فالبرزخ تابع للدار الآخرة؛ لأن الموت هو الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة، ومن مات قامت قيامته، فما قبل الموت هو دار العمل وما بعد الموت هو دار الجزاء. والحياة البرزخية وإن كانت تختلف عن الحياة الآخرة بعد الموت، إلا أنها مثلها في الأحكام وفي الثواب والعقاب. قوله: (وفتنة المحيا والممات) قيل: إن فتنة المحيا كل ما يحصل من الامتحان والبلاء في الحياة الدنيا مطلقاً، وفتنة الممات ما يحصل عند الموت، من الكرب والشدة، وأضيف إلى الموت لقربه منه كما أنه يأتي أحياناً ذكر الموت ويراد به القرب من الموت، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) فأطلق على من كان على وشك الموت أنه ميت، لأنه في مرض الموت وهو حي يذكر الشهادة عند النزع حتى تكون آخر كلامه من الدنيا. وقيل: إن فتنة الممات ما يحصل بعد الموت من عذاب القبر وفتنة القبر، ويدخل في ذلك السؤال، لأن السؤال امتحان واختبار. قوله: (وفتنة المسيح الدجال) وهي أعظم فتن الحياة الدنيا، والدجال هو الذي تواترت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يخرج في آخر الزمان ويأتي بأمور مذهلة، وأنه يأتي ومعه جنة ونار، وأن جنته نار وناره جنة، ويأتي بأمور عجيبة وغريبة كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتنته فتنة عظيمة كبيرة، ولهذا جاءت الاستعاذة منها في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في التعوذ بالله من أربع بعد التشهد

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأوزاعي ]. هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وهو ثقة فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حسان بن عطية ]. هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن أبي عائشة ]. ليس به بأس، وهي تعادل صدوقاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أنه سمع أبا هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وقد مر ذكره. هذا وبعض أهل العلم قال: إن قوله: (فليتعوذ) يدل على الوجوب، والجمهور قالوا: إنه على الاستحباب. والمسيح الدجال قيل له: مسيح؛ لأنه يمسح الأرض وينزل فيها كلها إلا مكة والمدينة؛ فإن الملائكة تحرسهما فلا يدخلهما. وقيل: لأنه ممسوح العين. وأما عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام فقيل له: المسيح؛ لأنه كان يمسح على ذي العاهة فيبرأ بإذن الله. وعيسى بن مريم هو مسيح الهداية، والدجال هو مسيح الضلالة، وقد شاء الله عز وجل أن ينزل مسيح الهداية عيسى بن مريم في آخر الزمان من السماء فيقتل مسيح الضلالة ، كما جاء بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

شرح حديث ابن عباس في التعوذ من أربع بعد التشهد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية أخبرنا عمر بن يونس اليمامي حدثني محمد بن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعد التشهد: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو مثل حديث أبي هريرة المتقدم يدل على هذه الأمور الأربعة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منها بعد التشهد.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في التعوذ من أربع بعد التشهد


قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا عمر بن يونس اليمامي ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن عبد الله بن طاوس ]. هو مقبول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن أبيه عن طاوس ]. أبوه هو عبد الله بن طاوس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وجده طاوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث محجن بن الأدرع في الدعاء بعد التشهد

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن حنظلة بن علي أن محجن بن الأدرع حدثه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد وهو يقول: اللهم إني أسألك يا الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم، قال: فقال: قد غفر له، قد غفر له) ثلاثاً ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث محجن بن الأدرع رضي الله عنه، وهو يدل على استحباب هذا الدعاء ومشروعيته في ذلك المكان؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الداعي على هذا الدعاء، وإخباره صلى الله عليه وسلم بأنه قد غفر له بعد أن سمعه يدعو بهذا الدعاء العظيم. وهذا فيه توسل، إلى الله عز وجل بين يدي الدعاء بالثناء على الله عز وجل، فإن هذا الدعاء المقصود منه غفران الذنوب، ولكنه قدم له بالثناء على الله وعقبه بالثناء على الله؛ لأن أوله: (اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوراً أحد) وفي آخره قال: (إنك أنت الغفور الرحيم) وهذا من أسباب قبول الدعاء، ولهذا سيأتي حديث الرجل الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فقال: (عجل هذا) وأرشده إلى أن يحمد الله ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم بين يدي دعائه، ولهذا جاء في صلاة الجنازة بين يدي الدعاء قراءة الفاتحة التي هي حمد وثناء، وبعدها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يأتي الدعاء للميت، فيكون الدعاء في صلاة الجنازة مسبوقاً بالحمد والثناء والصلاة والسلام على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث محجن في الدعاء بعد التشهد

قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر ]. عبد الله بن عمرو أبو معمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحسين المعلم ]. هو حسين بن ذكوان المعلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حنظلة بن علي ]. هو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود و النسائي وابن ماجة. [ أن محجن بن الأدرع حدثه ]. محجن بن الأدرع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي .

ما جاء في إخفاء التشهد


شرح حديث: (من السنة أن يخفى التشهد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إخفاء التشهد: حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا يونس -يعني ابن بكير - عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أنه قال: (من السنة أن يخفى التشهد) ]. قوله: (إخفاء التشهد) والمقصود الإسرار به وعدم الجهر. أورد المصنف رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ (من السنة إخفاء التشهد) ] والصحابي إذا قال: من السنة كذا، فإنه في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيعادل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فهي من الصيغ التي لها حكم الرفع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث: (من السنة أن يخفى التشهد)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي ]. عبد الله بن سعيد الكندي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس يعني ابن بكير ]. هو صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [ عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود ]. محمد بن إسحاق مر ذكره. و عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ] هو الأسود بن يزيد بن قيس وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

الأسئلة




شاب عاق يمنعه والده من حضور مجالس العلم

السؤال: يوجد شاب عمره عشرون عاماً وهو يعمل مع أبيه طوال اليوم، وهذا الشاب عاق لوالده، يقول السائل: وأنا طالب علم طلبت من والده أكثر من مرة أن يسمح له بحضور مجالس العلماء معي، وكان جواب والده أن هذا الشاب كافر ولا يمكن أن يتغير أبداً؛ لأنه عاق، ولن يتغير وضعه إلا بالضرب، فما توجيهكم؟


الجواب: هذا كلام ساقط لا قيمة له، فالهداية بيد الله عز وجل، فهو الذي يقلب القلوب، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وعلى هذا الشاب الذي هو صاحب السؤال أن يحرص على الاتصال بهذا الشاب وعلى دعوته إلى حضور مجالس الذكر ومجالس العلم، وإلى الاتصال بقرناء الخير والحذر من قرناء السوء، وأيضاً يتكلم مع والده ويبين له أهمية الحضور، ويطلب منه أن يأتي به إلى مجالس العلم ومجالس الذكر ليحصل على الفائدة العظيمة والفائدة الكبيرة، وعسى الله أن يفتح عليه وأن يغير حاله من حال إلى حال، والإنسان لا ييئس من رحمة الله، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء.


عجوة المدينة علاج للسحر


السؤال: هل ورد في عجوة المدينة أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل صحيح أنها علاج للسحر؟


الجواب: وردت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ألفاظ مطلقة وفيها ألفاظ أنه من تمر العجوة، وجاء من ذلك قوله: (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سحر) فهو وقاية، وهذا يدل على أن هناك أموراً تتخذ للوقاية من الأمراض ومن الأشياء التي تحصل في المستقبل، وكلها بمشيئة الله وإرادته، والله تعالى قدر الأسباب وقدر المسببات، فهذا يدلنا على أن تعاطي مثل هذه التمرات صباح كل يوم فيه وقاية من ذلك الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو السحر، وفيه أيضاً دليل على أن التطعيم والتلقيح ضد أمراض مستقبلة أو أمراض يخشى منها في المستقبل سائغ وأنه لا بأس به، وهذا الحديث يدل عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سحر) يعني: بتناوله تلك التمرات. ثم إن الحديث ورد في العجوة، لكن الإنسان إذا لم يتمكن من ذلك وأكل من تمرات بناء على ما جاء في بعض الأحاديث المطلقة، فيرجى إن شاء الله أن يكون في ذلك الفائدة.


حكم تبليغ السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم


السؤال: ما الحكم إذا قال لي أحد في بلادي: بلغ سلامي للنبي صلى الله عليه وسلم؟


الجواب: إذا قال لك أحد في بلادك: بلغ سلامي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنت ترشده وتقول له: أكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والملائكة ستبلغه ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، فمعنى هذا أن الملائكة تبلغ السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من أماكن بعيدة، ولهذا ذكر أن علي بن الحسين رحمة الله عليه رأى رجلاً يأتي إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو، فقال له: ألا أحدثك حديثاً سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) قال له: ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء. أي: أن الملائكة هي التي تبلغ، وما على الإنسان إلا أن يكثر من الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام.


حكم التبرك بجدران الحجرة النبوية


السؤال: ما حكم التبرك بجدران حجرة النبي صلى الله عليه وسلم؟


الجواب: هذا من الأمور المحدثة المنكرة؛ لأن الجدران الحقيقية التي بناها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت موجودة وما كان الصحابة يتمسحون بها. وهذه الجدران جدران جديدة لم يبنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تمسها يده عليه الصلاة والسلام، وكونها قريبة من قبره صلى الله عليه وسلم لا يقتضي أن يأتي الإنسان ويتبرك فيها، وإنما تطلب البركة من الله عز وجل، والإنسان إذا جاء القبر الشريف فعليه أن يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو له، ولا يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يطلب منه أشياء ولا يتمسح بالجدران والشبابيك، فإن الله عز وجل لم يشرع لنا أن نتمسح بجدران أو شبابيك أو حجارة إلا موضعين في الأرض أحدهما الحجر الأسود، والثاني الركن اليماني، فالحجر الأسود في الكعبة نقبله ونمسحه ونستلمه، والركن اليماني نمسحه بأيدينا ولا نقبله، لأن السنة جاءت بهذا، فنقتصر على ما جاءت به السنة، أما مسح الجدران والشبابيك وما إلى ذلك من الأمور المحدثة فلا تدل على محبة النبي عليه الصلاة والسلام؛ فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها علامة بينة واضحة قد بينها الله عز وجل في كتابه العزيز، يقول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] أي: أن علامة المحبة المتابعة، وليست علامة المحبة مسح الجدران والشبابيك، فإن الجدران والشبابيك يمسحها أناس ليسوا من أهل التقوى وليسوا من أهل الإيمان، بل يمسحها أناس عندهم محاربة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. إذاً: فالخير كل الخير في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام واتباع سنته، هذه هي علامة المحبة.

حكم الصلاة على النبي عند النسيان من أجل التذكر

السؤال: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عندما ينسى الإنسان شيئاً، فيقول: اللهم صل على محمد؛ حتى يتذكر؟


الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على أن الإنسان عند النسيان يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم جاء لها مواضع، مثل: دخول المسجد والخروج منه، ومثل: ما بعد الأذان، وغير ذلك، ولا أعلم شيئاً يدل على أن الإنسان عند النسيان يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم ليستذكر ما نسيه.


حكم الصلاة على النبي بصيغة طلب النجاة من الكرب


السؤال: ما حكم قول: اللهم صل على محمد صلاة تنجينا بها من جميع الكروب والآثام، اللهم صل على محمد صلاة تزيل بها الهموم والغموم، أو نحو ذلك من الألفاظ؟


الجواب: الإنسان يحرص على الألفاظ النبوية التي جاءت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيها العصمة، والإنسان إذا أتى بصلوات أخرى من عنده قد تزل به القدم وقد يتجاوز وقد يجفو، ولكن السلامة محققة فيما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الصيغ الثابتة في الصحيحين وفي غيرهما من كتب السنة.


حكم استئجار دار مقابل الترميم


السؤال: هناك رجل يريد استئجار دار لمدة خمس سنوات مقابل ما يقوم به في تلك الدار من إصلاح وترميم، مع العلم أن تكلفة الترميم والإصلاح لا تعلم عند كتابة العقد وإنما تتبين في نهاية الترميم، فقد تكون كثيرة وقد تكون قليلة، فهل هذا العقد جائز؟


الجواب: إذا حددت له الأنواع التي سيأتي بها والأعمال التي سيقوم بها وكل ما هو مطلوب فإنه يصح، وإن اتفق معه على أن يؤجرها أو أن إجارها في السنة كذا ويحدد المقدار الذي تستأجر به، وأنها تصلح من مقدار إيجارها المحدد فلا بأس بذلك أيضاً.

نقد كتاب (الصلاة المحمدية الكبرى)

السؤال: طبع في الآونة الأخيرة كتاب بعنوان: الصلاة المحمدية الكبرى، بدأه المؤلف بقوله: اللهم صل على غياث المستغيثين. فما رأيكم في هذه الصلاة؟ وما حكم تسميتها بالكبرى؟


الجواب: أنا ذكرت في أثناء الكلام على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قول بعض أهل العلم: إن أفضل كيفية للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي الصلاة الإبراهيمية؛ لأن الصحابة وهم خير الناس سألوا أفضل الناس وخير الناس صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فأجابهم، فلو كان هناك صلاة أكبر من هذه الصلاة وأفضل من هذه الصلاة وخير من هذه الصلاة لبينها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإن كونه يحدث صلوات وتكون مشتملة على غلو وتوصف بأنها كبرى؛ هذا كلام غير صحيح، ولا يقبل. فدل هذا على أن من أراد أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل صلاة وأفضل صلاة فليصل الصلاة الإبراهيمية، وكما ذكرت عن بعض أهل العلم أنه قال: لو حلف أحد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة، فإنه يبر بقسمه إذا صلى الصلاة الإبراهيمية. قوله: (غياث المستغيثين..)؛ كونه يستغاث به هذا من الشرك بالله عز وجل.


منشور فيه قصة مكذوبة


السؤال: هذا منشور فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عاماً مريضة جداً، الأطباء عجزوا عن علاجها، وفي ليلة القدر بكت الفتاة بشدة ونامت، وفي منامها جاءتها السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها وأعطتها شربة ماء، ولما استيقظت من نومها شفيت تماماً بإذن الله، ووجدت قطعة من القماش مكتوب عليها أن تنشر هذه الرسالة وتوزعها على اثني عشر فرداً، وصلت هذه الرسالة إلى عميد بحري فوزعها فحصل على ترقية خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى تاجر فأهملها فخسر كل ثروته خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى عامل فوزعها فحصل على ترقية وحلت جميع مشاكله خلال اثني عشر يوماً، أرجو منك يا أخي المسلم أن تقوم بنشرها وتوزيعها على اثني عشر فرداً، الرجاء عدم الإهمال، فما قولكم في هذه القصة؟


الجواب: هذا الكلام حكايته تغني عن بيان سقوطه وأنه لا قيمة له، وكما يقال في المثل: هذا كلام يضحك النمل في قراها والنحل في خلاياها، فهو كلام ساقط ما له قيمة، وإذا كان الربح والخسارة بهذه البساطة وبهذه السهولة، فأين أصحاب الطمع في الأموال ليحصلوا الدنيا بمجرد هذا الكلام البسيط التافه وبهذا العمل اليسير، هذا كله من الدجل وهذا كله من الإتيان بأمور ما لها قيمة. والمنامات لا يعول عليها، وعلى الإنسان المسلم أن يكون حذراً وأن يكون يقظاً، وألا يأخذ الكلام بمجرد نشرات وبمجرد دعايات، فإن الواجب هو الرجوع إلى أهل العلم وسؤال أهل العلم، والله سبحانه وتعالى يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فالإنسان يكون طلبه للحق من طرقه، وهو الرجوع إلى أهل العلم واستفتاء أهل العلم والرجوع إلى الجهات المعتبرة للإفتاء لسؤالها ومعرفة الحق في ذلك، ولا يعتمد الإنسان على مجرد نشرة توزع.


حكم زيارة المساجد السبعة ومسجد القبلتين لمن جاء إلى المدينة


السؤال: ما حكم قصد زيارة المساجد السبعة ومسجد القبلتين وغيرها لمن جاء إلى المدينة؟


الجواب: من جاء إلى المدينة يشرع له خمسة أمور لا سادس لها: الإتيان إلى هذا المسجد المبارك والصلاة فيه وهي بألف صلاة، والصلاة في مسجد قباء، وقد جاءت السنة في بيان فضل الصلاة فيه من فعله وقوله صلى الله عليه وسلم، وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما، وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، هذه هي الأماكن التي تزار في المدينة، وما عداها فإنه لا يشرع زيارته.


حكم الحلف بالأمانة

السؤال: ما حكم من حلف بالأمانة؟


الجواب: لا يحلف إلا بالله، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون) وقال عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) فالحلف بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته ولا يكون بشيء من مخلوقاته. والأمانة وغير الأمانة كل ذلك لا يحلف به. والله تعالى أعلم."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #236  
قديم 07-08-2024, 01:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [124]
الحلقة (155)



شرح سنن أبي داود [124]

وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة روايات تبين هيئة وضع اليدين في الجلوس في التشهد، فاليسرى تبسط على الفخذ اليسرى، واليمنى يشير بسبابتها ويقبض أصابعها، أو يحلق الإبهام مع الوسطى ويقبض الخنصر والبنصر ويشير بالسبابة، وليحذر من أن يتكئ المصلي حال جلوسه على يديه ويغير موضعهما.

الإشارة في التشهد


شرح حديث ابن عمر في الإشارة في التشهد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإشارة في التشهد: حدثنا القعنبي عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي قال: رآني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأنا أعبث بالحصى في الصلاة، فلما انصرف نهاني وقال: (اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، فقلت: وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) ]. المقصود من الترجمة: أن يشير الإنسان بإصبعه السبابة في تشهده عند شهادة أن لا إله إلا الله، وكذلك عند الدعاء يحركها يدعو بها، وهذا في التشهد كله سواء كان أولاً أو أخيراً، وليس ذلك مقصوراً على الإتيان بالشهادة، بل يشمل مدة جلوسه في التشهد حتى عندما يأتي بالأدعية الأخرى التي بعد ذلك. وقد سبق أن أبو داود ترجمة للإشارة في الصلاة عند الحاجة، كأن يرد السلام كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وكما أشار لأبي بكر بأن يستمر في الإمامة لأنه قد دخل في الصلاة، فتلك إشارة غير هذه الإشارة، فهذه في الجلوس للتشهد، وسواء كان ذلك عند شهادة أن لا إله إلا الله أو عند غير ذلك من الأدعية التي يؤتى بها. أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث أولها حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أن علي بن عبد الرحمن المعاوي صلى إلى جنبه، وكان يعبث بالحصى في صلاته في حال الجلوس، فلما انصرف نهاه عن هذا العمل، وقال له: [ (اصنع كما كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصنع، قال: وماذا كان يصنع؟ فقال: إنه يضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى مقبوضة الأصابع، ويشير بأصبعه التي تلي الإبهام) ]، وهذا فيه ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الدلالة على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهم إذا وجدوا أحداً يحصل منه مخالفة للسنة ينبهونه على خطئه وينهونه عنه، ويرشدونه إلى اتباع السنة. فعبد الله بن عمر بين لعلي بن عبد الرحمن المعاوي الصواب، وأرشده إلى الحق والهدى الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. وفيه النهي عن شيء غير سائغ والدلالة على شيء سائغ ومشروع، فقد نهاه وأتى بالعوض عن الشيء الذي نهاه عنه، وهو أنه كان يلمس الحصى ويعبث بها بيده، ولا يجعل يديه على فخذيه، فأرشده إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا. وفيه أيضاً دلالة على الإشارة بالسبابة في التشهد وعند الدعاء، وأن بقية الأصابع تقبض، وهي الخنصر والبنصر والوسطى، وذلك عند وضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى، وأما السبابة فيشير بها، وهذه هيئة من الهيئات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والهيئة الثانية هي التحليق، وذلك بأن يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى، وإذا فعل هذا أو فعل هذا فكله حق، وكلا الأمرين ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما اليد اليسرى فإنها توضع على الفخذ اليسرى، وتكون مبسوطة لا يقبض منها شيئاً وليس فيها إشارة، وإنما الإشارة بالسبابة من اليمين، هذه هي الهيئة التي يكون عليها المصلي في صلاته في التشهد. والإنسان لا يضع يديه في مكان آخر، فلا يضعهما على الأرض، ولا يلمس بهما الحصى، وإنما يجعلهما في هذا الموضع المذكور.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الإشارة في التشهد


قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، يذكر بنسبته كثيراً، ويذكر باسمه واسم أبيه عبد الله بن مسلمة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتاب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم بن أبي مريم ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن علي بن عبد الرحمن المعاوي ]. وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي ابن الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري و أبو سعيد الخدري وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد زادت أحاديثهم في الكتب الستة عن ألف حديث، وفيهم من تجاوز الألفين وفيهم من تجاوز الخمسة آلاف وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، ولهذا يقول السيوطي في الألفية: والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي البحر هو ابن عباس ، وزوجة النبي هي عائشة رضي الله تعالى عنها وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق عبد الواحد بن زياد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه، وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه) وأرانا عبد الواحد وأشار بالسبابة ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل ما تقدم في حديث عبد الله بن عمر في بيان هيئة وضع اليد اليسرى واليد اليمنى في حال التشهد، وأنه يشير بإصبعه السبابة، وفيه أيضاً ذكر الافتراش الجلوس في التشهد، وأنه يخرج رجله اليمنى من تحت ساقه وفخذه بحيث يجعلها تخرج من جهة اليمين؛ لأنه يتورك. وذكر أنه يفرش رجله اليمنى، وهذا جاء في بعض الأحاديث، ولكن أكثر الروايات على أنه ينصبها ولا يفرشها، اللهم إلا إذا كان المقصود أنه يفرش أصابعها؛ لأن أصابعها تكون مفروشة على الأرض متجهة إلى القبلة. ويحتمل أن يكون المقصود به أنه يضجعها كما يفرش الرجل اليسرى؛ لكنه لا يجلس عليها، ويحتمل أن يكون المقصود به فرش الأصابع، كما جاء في بعض الروايات أنه يجعل أصابعها إلى القبلة، وعلى هذا تكون أصابعها مفروشة، وهذا حيث أمكن ثنيها وليها، وأما إذا كان لا يستطيع ذلك فإن الله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. إذاً : حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيه ذكر الإشارة بالسبابة في التشهد.

تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق عبد الواحد بن زياد


قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز ]. محمد بن عبد الرحيم البزاز ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عفان ]. هو عفان بن مسلم الصفار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن حكيم ]. وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الذين هم: عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد مر في الحديث السابق ذكر عبد الله بن عمر ، وهو أحد الأربعة العبادلة من صغار الصحابة. و عبد الله بن الزبير هذا ولد في قباء بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل أن يصل إلى مكانه الذي استقر فيه. وحديث عبد الله بن الزبير أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق ابن عجلان

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج عن ابن جريج عن زياد عن محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه ذكر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها) ]. أورد حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه من طريق أخرى، وفيه: [ (أنه كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها). وهذا مطابق للروايات المتقدمة، وأما قوله: (ولا يحركها) فهذه مخالفة لما جاء في عدد من الروايات أنه كان يحركها، وليس المقصود بالإشارة أنها ثابتة لا تتحرك، بل يحركها في التشهد ويحركها عند الدعاء، فهذه الرواية مخالفة للروايات الأخرى الدالة على أنه كان يشير بإصبعه ويحركها صلى الله عليه وسلم. فيكون حكم: [ (ولا يحركها) ] شاذة، والشيخ الألباني حكم بشذوذها، وقال: إنها شاذة مخالفة للروايات الأخرى.

تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق ابن عجلان


قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ]. إبراهيم بن الحسن المصيصي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي . [ حدثنا حجاج ]. هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد ]. هو زياد بن سعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عامر بن عبد الله عن عبد الله بن الزبير ]. وقد مر ذكرهما.

شرح حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق عمرو بن دينار


قال المصنف رحمه الله: [ قال ابن جريج : وزاد عمرو بن دينار قال: أخبرني عامر عن أبيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كذلك، ويتحامل النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على فخذه اليسرى) ]. أورد هذه الطريق عن عمرو بن دينار . وقوله: [ (إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كذلك) ] يعني: بإصبعه. قوله: [ (ويتحامل بيده اليسرى على فخذه اليسرى) ] معناه: أنه يعتمد عليها أو يميل إليها، وليس معنى ذلك أنه وضع ذراعه على فخذه، بل يرفع ذراعه عن فخذه ولم يكن ذراعه مبسوطاً على فخذه، وإنما كان اعتماد اليد على الفخذ.

تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق عمرو بن دينار


قوله: [ قال ابن جريج : وزاد عمرو بن دينار ]. هو عمرو بن دينار المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر عن أبيه ]. وقد مر ذكرهما. [ قال ابن جريج ]. هذا متصل بالإسناد الذي قبله.

شرح حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق القطان


قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنه بهذا الحديث قال: (لا يجاوز بصره إشارته) وحديث حجاج أتم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه الإحالة على الحديث المتقدم، وذكر فيه زيادة وهي أنه [ (لا يجاوز بصره إشارته) ] أي: أن بصره يكون متجهاً إلى يده اليمنى التي يشير بإصبعها السبابة التي يحركها يدعو بها. قوله: [ وحديث حجاج أتم ] معناه: أنه لما أحاله على حديث الحجاج قال: إنه أتم، أي: وليس هذا مثله تماماً بل ذاك أتم، لكن فيه هذه الزيادة التي ذكرت موضع النظر.

تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق القطان


قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو البصري الملقب ببندار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ، وكانت وفاته قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وأما محمد بن بشار فقد توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين. ومن صغار شيوخ البخاري أيضاً، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومات في السنة التي مات فيها غير محمد بن بشار : يعقوب بن إبراهيم الدورقي و محمد بن المثنى العنزي ، فهؤلاء ثلاثة يعتبرون من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم من صغار شيوخ البخاري ، وقد ماتوا جميعاً في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات. [ حدثنا يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه ]. وقد مر ذكر الثلاثة.
شرح حديث نمير الخزاعي في الإشارة بالسبابة

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عثمان -يعني ابن عبد الرحمن - حدثنا عصام بن قدامة من بني بجيلة، عن مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، رافعاً إصبعه السبابة، قد حناها شيئاً) ]. أورد أبو داود حديث نمير الخزاعي رضي الله عنه في الإشارة في التشهد. وهذا الحديث فيه أولاً: وضع الذراع على الفخذ، وهذا مخالف للروايات الأخرى التي فيها أنه كان يرفع الذراع عن أن يكون موضوعاً على الفخذ، وأيضاً مخالف لما تقدم أنه يتحامل وهو لا يكون مع وضع الذراع على الفخذ؛ لأن التحامل على اليد إنما يكون إذا رفع ذراعه عن فخذه. وكذلك فيه هذا الوصف للسبابة وأنه يشير بها قد حناها، وإنما تكون الإشارة بها بدون حني.

تراجم رجال إسناد حديث نمير الخزاعي في الإشارة بالسبابة


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة. [ حدثنا عثمان يعني ابن عبد الرحمن ]. هو صدوق أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا عصام بن قدامة ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [ عن مالك بن نمير ]. وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة، يعني الثلاثة متوالون كلهم أخرج لهم أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن نمير الخزاعي ]. صحابي له حديث واحد أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . والحديث ضعيف بسبب عثمان بن عبد الرحمن الذي كان صدوقاً كثير الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك. وأيضاً مالك بن نمير مقبول. ثم أيضاً هو مخالف للروايات الأخرى التي فيها ذكر وضع اليد على الركبة بدون فرش الذراع على الفخذ، وكذلك بدون ذكر الحني في الأصبع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #237  
قديم 07-08-2024, 01:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة


شرح حديث النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة: حدثنا أحمد بن حنبل و أحمد بن محمد بن شبويه و محمد بن رافع و محمد بن عبد الملك الغزال قالوا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال أحمد بن حنبل - أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) وقال ابن شبويه : (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة )، وقال ابن رافع : (نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده) وذكره في باب الرفع من السجود، وقال ابن عبد الملك : (نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة. الاعتماد على اليد في الصلاة له حالتان: حالة وهو جالس، وحالة وهو يريد أن يقوم إلى الركعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فالاعتماد على اليد يكون في هاتين الحالتين. أما الاعتماد على اليد وهو جالس فذلك غير سائغ، وهو الذي دل عليه الحديث الذي أورده أبو داود هنا من طريق الإمام أحمد بن حنبل وهي الطريق الأولى التي قدمها؛ لأنه ذكر الحديث عن أربعة من شيوخه، وكل واحد منهم ذكر صيغة، والترجمة عقدها فيما يتعلق بالجلوس للتشهد، وهذا فيه إشارة إلى أن المقصود أنه لا يعتمد عليها وهو جالس، وهذا بناء على رواية أحمد بن حنبل رحمة الله عليه التي قدمها أبو داود على غيرها، وأن النهي عن الاعتماد على اليد وهو جالس، بمعنى أن يجعلها على الأرض، بدل ما يجعلها على ركبتيه، وذلك يشبه قصة علي بن عبد الرحمن المعاوي قال: (كنت أعبث بالحصى فنهاني ابن عمر .. ). فيدل هذا على أن الإنسان يضع يديه على ركبتيه بالصفة التي مرت في الأبواب السابقة، ولا يجعلهما على الأرض، ولا قدامه ولا عن يمينه ولا بين رجليه، وإنما تكون على فخذيه وعلى ركبتيه، ويشير بسبابة اليمنى وقد قبض أصابعها أو حلق الإبهام مع الوسطى مع قبض الخنصر والبنصر. والمعنى الآخر للاعتماد في الصلاة على اليدين: هو عند القيام لأي ركعة من الركعات، ومعناه أنه لا يعتمد على يديه عند النهوض، وهذا هو الذي جاء في رواية محمد بن عبد الملك الغزال ، والاعتماد على اليدين في الصلاة جاء في بعض الأحاديث ما يدل عليه أنه عند القيام، واختلف فيه بين أهل العلم كما اختلف في تقديم اليدين أو الركبتين عندما يهوي للسجود. فالذين قالوا: يقدم ركبتيه ثم يديه، قالوا: يرفع يديه ثم يرفع ركبتيه ولا يعتمد على يديه، والذين قالوا: يقدم يديه ثم ركبتيه، قالوا: يعتمد على يديه ثم ينهض بركبتيه قبل يديه. وسبق ذكر مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الاتفاق حاصل على أنه يصح تقديم أي واحدة منهما، ولكن الكلام إنما هو في الأفضل، وكذلك هنا أيضاً فإن الإنسان إن فعل هذا أو فعل هذا فكله صحيح، ولكن من أهل العلم من رأى أن ترفع اليدان أولاً ثم ترفع الركبتان، ومنهم من رأى أنه يرفع الركبتين أولاً ويكون معتمداً على يديه، وهذه الرواية الرابعة ذكر أبو داود فيها النهي عن الاعتماد على اليدين عند النهوض. والروايتان الأخريان اللتان في الوسط، وهما رواية محمد بن رافع و ابن شبويه مطلقتان؛ فلم تذكرا الجلوس ولا النهوض، فهل تحمل على رواية الإمام أحمد أنه في الجلوس، أو تحمل على رواية محمد بن عبد الملك ؟ وتقديم الإمام أبي داود رحمه الله لحديث أحمد بن حنبل يدل على أنها هي الأرجح، وإيراده الحديث في أبواب التشهد يفيد بأنه يريد هذا المعنى؛ ولكنه عند رواية محمد بن رافع قال: [ وذكره في باب الرفع من السجود ]، أي: أنه فيما يتعلق بالقيام، وهذه العبارة، وهي قول أبي داود : [ وذكره ] يرجع الضمير فيها إلى مفرد، ولم أعرف وجهه، إلا أنه قال في عون المعبود: قول أبي داود : وذكروه في الرفع من السجود، معناه: أن بعض أهل العلم ذكروا أن هذا يكون في الرفع من السجود وأنه لا يعتمد على يديه وإنما يعتمد على ركبتيه، وهذا على قول القائلين بأنه يعتمد على ركبتيه عند القيام من الركعة. [ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) ]. قال الإمام أحمد بن حنبل في روايته -وهو الشيخ الأول-: (أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) وسواء كان بيده أو يديه؛ لأن المقصود أن يضع المصلي يديه على ركبتيه، فلا يضع يديه ولا واحدة منهما على الأرض، وإنما يضع اليدين على الفخذين. وهذا فيه التنصيص على أن رواية الإمام أحمد في حال الجلوس، وهي مطابقة لما جاء في حديث ابن عمر المتقدم الذي نهى فيه علي بن عبد الرحمن المعاوي عن العبث في الأرض، وأرشده إلى أن يضع يديه على فخذيه. [ وقال ابن شبويه : (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة) ] وهذه الرواية مطلقة، في النهي عن أن يعتمد على يده في الصلاة، فلم يقيدها بالجلوس ولا عند القيام من السجود إلى الركعة الثانية ونحوها. وكذلك رواية محمد بن رافع كما قال: [ وقال ابن رافع : (نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده) ] قوله: [ وذكره في باب الرفع من السجود ]. لم أجد فيما مضى لأبي داود ذكر ذلك. لكن الذي في عون المعبود قال أبو داود : (وذكروه)، أي: المصنفون من العلماء في كتبهم. [ وقال ابن عبد الملك : (نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة) ] وهذه الرواية الرابعة التي فيها أنه عند النهوض في الصلاة لا يعتمد على يديه، أي: بل يعتمد على ركبتيه. والنهوض على اليدين من الركعة الأولى أو من التشهد -قد ورد فيه حديث صحيح في البخاري ، وقد ذهب إليه الألباني رحمه الله، فهو ممن يقول بأن الإنسان يقوم على يديه، وقال: إن هذه الرواية التي ذكرها أبو داود عن ابن عبد الملك منكرة.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل ، الإمام المعروف الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ وأحمد بن محمد بن شبويه ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود وحده. [ و محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ و محمد بن عبد الملك الغزال ]. هو محمد بن عبد الملك الغزال ثقة أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ حدثنا عبد الرزاق ] هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أمية ] وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ] هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. وقد مر ذكره.

شرح حديث النهي عن التشبيك في الصلاة


قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا بشر بن هلال حدثنا عبد الوارث عن إسماعيل بن أمية سألت نافعاً عن الرجل يصلي وهو مشبك يديه، قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: تلك صلاة المغضوب عليهم ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر في ذم الصلاة وهو مشبك يديه، حيث قال: [ تلك صلاة المغضوب عليهم ] وهذا لا يقال من قبل الرأي، حيث ورد فيه ذكر الغضب، وما جاء عن الصحابي وفيه ذكر وعيد أو غضب أو نحوه فحكمه الرفع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن ذلك لا يقال من قبل الرأي، وإنما يكون مبنياً على السنة التي تتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ سألت ابن عمر عن الرجل يصلي وهو مشبك يديه، فقال: تلك صلاة المغضوب عليهم ] فالترجمة وردت لكراهية الاعتماد على اليد في الصلاة، وهذه لا تتعلق بالترجمة من ناحية الاعتماد، ولكنها تتعلق بالترجمة من جهة كون الإنسان يضع يديه على ركبتيه، موافقاً للهيئة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسواء وضعها على الأرض، أو شبك بين أصابعه، أو وضعها على غير ركبتيه؛ فإن كل ذلك مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتشبيك الأصابع في الصلاة وقبل الصلاة كل ذلك جاءت فيه أحاديث تدل على منعه، وأن الإنسان لا يشبك بين أصابعه ما دام ينتظر الصلاة وما دام في الصلاة، لا في حال قيام ولا جلوس. وأما بعد الصلاة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين الذي سيأتي أنه صلى ركعتين من الظهر أو العصر وسلم، فكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يظن أنه حصل نسخ وأن الصلاة حولت من أربع إلى ثنتين، فلم يسبحوا ولم ينبهوا النبي صلى الله عليه وسلم على هذا السهو، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد واستند عليها وشبك بين أصابعه، وهذا بعد الصلاة. [ تلك صلاة المغضوب عليهم ]. وقال الله في سورة الفاتحة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، وجاء في السنة بيان أن اليهود مغضوب عليهم وأن النصارى ضالون، فكلمة المغضوب عليهم لا أدري هل المقصود بها اليهود وأنهم يفعلون ذلك، أو أن المقصود بها ما هو أعم من ذلك، وأن من يفعل ذلك فقد فعل ما يستوجب الغضب من الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن التشبيك في الصلاة


قوله: [ حدثنا بشر بن هلال ]. بشر بن هلال ، ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ]. وقد مر ذكرهم.

شرح حديث النهي عن الاتكاء على اليسرى في التشهد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي ح وحدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب -وهذا لفظه- جميعاً عن هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، وقال هارون بن زيد : ساقطاً على شقه الأيسر، ثم اتفقا فقال له: لا تجلس هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون ]. أورد أبو داود هذا الحديث تحت ترجمة: [ كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة ] ، والمقصود من ذلك: الاعتماد عليها في حال الجلوس بين السجدتين أو في التشهد، ذلك أن الوضع الذي يجب أن تكون عليه اليدان أن تكون على الفخذين، وقد ذكر المصنف أحاديث عديدة في الباب أولها رواية الإمام أحمد وثلاثة من شيوخ أبي داود ذكروا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاعتماد على اليد في الصلاة، وقال الإمام أحمد في حال الجلوس، وهذه الرواية عن ابن عمر تطابق رواية الإمام أحمد والتي تتعلق بحال الجلوس في التشهد، وهي المناسبة للترجمة المذكورة هنا بعد أبواب التشهد وما يتعلق بالتشهد، أي: أن اليدين في التشهد تكونان على الفخذين. هذه الرواية فيها ذكر اليد اليسرى، وأن ابن عمر رأى رجلاً يصلي وقد اعتمد على يده اليسرى في صلاته في حال جلوسه، فقال: [ لا تفعل هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون ] وهو مماثل لما جاء في الرواية السابقة من أنها قعدة المغضوب عليهم. فهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة من أن الإنسان لا يعتمد على يديه في صلاته وهو جالس، وإنما يجعل يديه على فخذيه، اليسرى مبسوطة على الفخذ اليسرى، واليمنى قد قبض أصابعها وأشار بإصبعه السبابة يدعو بها. [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، وقال هارون بن زيد : ساقطاً على شقه الأيسر ] ساق أبو داود الحديث على رواية الشيخ الثاني محمد بن سلمة ، ولكنه أشار إلى رواية هارون بن زيد وأنها بلفظ: [ ساقطاً على شقه الأيسر ] أي: أنه مائل على شقه الأيسر معتمداً على يده. قوله: [ لا تجلس هكذا؛ فإن هكذا يجلس الذين يعذبون ] هذه تماثل الرواية السابقة أن هذه صلاة المغضوب عليهم، وكلام ابن عمر ، هذا لا يقال من قبل الرأي؛ لأن الصحابي إذا تكلم بشيء فيه وعيد وتحديد عقوبة أو ثواب أو ما إلى ذلك، فهذا لا يقال من قبل الرأي، فيكون له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمور المغيبة لا يعلمها إلا الله عز وجل فلا تعلم لنا إلا عن طريق الوحي الذي يوحيه الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا جاء عن الصحابي شيء مثل هذا فله حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك الشيء الذي فيه إبطال عمل، أو تحديد جزاء معين ومحدد؛ فإن هذا لا يقال من قبل الرأي، فإذا جاء عن الصحابي فيحمل على أنه أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الاتكاء على اليسرى في التشهد


قوله: [ حدثنا هارون بن زيد ]. هو هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي . [ ح وحدثنا محمد بن سلمة ]. قال [ ح ] وهي للتحول من إسناد إلى إسناد. و محمد بن سلمة هو المرادي المصري ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ أبي داود فالمراد به المصري ، وإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ شيوخه فهو محمد بن سلمة الباهلي الحراني ، وكل منهما ثقة، إلا أن هذا الذي من شيوخه مصري، والذي من طبقة شيوخ شيوخه حراني باهلي. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: وهذا لفظه ]. أي: لفظ الطريق الثانية طريق محمد بن سلمة عن ابن وهب وليست طريق هارون بن زيد بن أبي الزرقاء عن أبيه، والإمام أبو داود رحمه الله من عادته أن يحدد من له اللفظ من الرواة كما هنا، فربما ذكر ذلك أثناء السند، وربما أخره فلا يأتي به إلا بعد أن يسوق الحديث بإسناده ومتنه. وإذا كان هناك فرق بين الشيخين أشار إليه، لأنه قال هنا: [ معتمداً على يديه ] في رواية محمد بن سلمة الذي ساق الحديث عنه قال: [ وقال هارون بن زيد -الشيخ الأول-: ساقطاً على شقه الأيسر ، ثم اتفقا ] يعني: الشيخين على أن ابن عمر قال: [ لا تفعل هكذا، فإن هكذا جلسة الذين يعذبون ]. [جميعاً عن هشام بن سعد ]. يعني أن الطريقين التقيا عند هشام بن سعد ؛ الطريق الذي فيه زيد بن أبي الزرقاء ويروي عنه ابنه هارون ، والطريق الذي فيه عبد الله بن وهب ويروي عنه محمد بن سلمة المرادي . و هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فائدة تتعلق بمعرفة عدد مرويات الصحابة في الكتب الستة

إذا أراد الإنسان أن يعرف عدد ما لكل راو من الأحاديث، سواء السبعة المكثرون أو غيرهم من الصحابة الذين لهم رواية في الكتب الستة، فإن ذلك يعرف بالرجوع إلى خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي ، فإنه يعنى بهذا، فعندما يذكر الصحابي يقول: له كذا حديث، يعني في الكتب الستة، اتفقا على كذا، يعني البخاري و مسلم ، وانفرد البخاري بكذا، و مسلم بكذا، وإذا كان الشخص ليس له إلا حديث واحد قال: له حديث واحد عند فلان أو عند فلان.. وهكذا. لكن إذا كان من رواياته شيء في الصحيحين أو أحدهما، فإنه يذكر ذلك، ويذكر عدد ما له في الصحيحين، وعدد ما له عند البخاري وحده، وعدد ما له عند مسلم وحده، والباقي بعد ذلك يكون خارج الصحيحين أو أحدهما بعد إسقاط هذا الذي نص على أنه متفق عليه أو أنه مما اختص به أحدهما؛ فإذاً: من فوائد خلاصة تذهيب تهذيب الكمال معرفة عدد ما لكل صحابي من الحديث. وهناك كتاب يتعلق بالصحابة الذين لهم رواية في الصحيحين، وهو كتاب: الرياض المستطابة في من له رواية في الصحيحين من الصحابة، وهو مجلد نفيس، يعني بذكر تراجم الصحابة، وكلامه حسن وجميل في الصحابة، ولكن هذه التراجم التي يذكرها له عناية فيها من ناحية أنه يذكر أولاد الصحابي وزوجاته والأولاد لكل زوجة، فيقول: فلان وفلان من فلانة، وفلان وفلان من فلانة، ويسردهم."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #238  
قديم 07-08-2024, 01:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [125]
الحلقة (156)




شرح سنن أبي داود [125]

أتت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة روايات تبين كيفية سلامه بعد انتهائه من الصلاة، وورد عنه النهي عن أن يحرك المصلي يده أو أصبعه عند السلام لمنافاة ذلك للخشوع، وكان يعقب سلامه عليه الصلاة والسلام بالاستغفار ثم بقية الأذكار.

تخفيف القعود


شرح حديث تخفيف القعود


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تخفيف القعود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي عبيدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف، قال: قلنا: حتى يقوم؟ قال: حتى يقوم) ]. أورد أبو داود [ باب تخفيف القعود ] أي: في قعود التشهد الأول، يعني أنه أخف من الثاني، فالتشهد الثاني يطال الجلوس فيه، ويؤتى فيه بالأدعية التي يتخيرها الإنسان، كما قال في الحديث: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه) وهو من المواطن التي يشرع الدعاء فيها؛ لأن الدعاء يشرع الإكثار منه في السجود وفي التشهد الأخير، أما الأول فإنه يخفف ولا يطال. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقوله: [ (في الركعتين الأوليين) ]، أي: من الصلاة التي لها تشهدان. وقوله: [ (كأنه على الرضف) ] هو الحجارة المحماة، ومعناه: أنه يستعجل ولا يطيل. والحديث غير صحيح؛ لأن فيه انقطاعاً بين أبي عبيدة وأبيه؛ فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، وعلى هذا فهو غير ثابت؛ ولكن كون التشهد الأول أخف من التشهد الثاني والجلوس قبل السلام فهذا أمر واضح، لأن التشهد الأخير أمر الإنسان فيه بأن يتخير من الدعاء أعجبه إليه، وأيضاً شرع الدعاء في أدبار الصلوات، ودبر الصلاة يطلق على آخرها وعلى ما يلي آخرها، وقد جاءت أحاديث تذكر دبر الصلاة مطلقاً، وبعضها يذكر أن دبر الصلاة هو ما بعد الصلاة، كالحديث الذي قال: (تسبحون وتحمدون دبر كل صلاة) أي: بعد السلام. وعلى هذا فالتشهد الأخير يطال والتشهد الأول لا يطال، لكن الحديث الذي ورد بأنه يخفف على هذا الوصف وكأنه على حجارة محماة من أجل المبادرة أو السرعة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك للانقطاع الذي بين أبي عبيدة وأبيه؛ لأنه لم يسمع من أبيه.

تراجم رجال إسناد حديث تخفيف القعود


قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ] حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا شعبة ] هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن إبراهيم ]. سعد بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبيدة ]. هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فالرجال كلهم ثقات، ولكن الانقطاع الذي بين أبي عبيدة وبين أبيه عبد الله هو الذي يضعف به الحديث؛ لأن هناك واسطة بينهما، فهو لا يروي عن أبيه مباشرة، فروايته عنه مرسلة.
السلام


شرح حديث ابن مسعود في صفة السلام من الصلاة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في السلام: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان ح وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص ح وحدثنا محمد بن عبيد المحاربي و زياد بن أيوب قالا: حدثنا عمر بن عبيد الطنافسي . ح: وحدثنا تميم بن المنتصر أخبرنا إسحاق -يعني ابن يوسف - عن شريك ح وحدثنا أحمد بن منيع حدثنا حسين بن محمد حدثنا إسرائيل ؛ كلهم عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه، وقال إسرائيل عن أبي الأحوص والأسود عن عبد الله : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله). قال أبو داود : وهذا لفظ حديث سفيان ، وحديث إسرائيل لم يفسره. قال أبو داود : ورواه زهير عن أبي إسحاق ويحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، وعلقمة عن عبد الله . قال أبو داود : شعبة كان ينكر هذا الحديث -حديث أبي إسحاق - أن يكون مرفوعاً ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب في السلام ] أي: السلام من الصلاة وهو ختامها ونهايتها، وهو تحليلها كما قال عليه الصلاة والسلام: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فبدايتها بالتكبير الذي يحصل به التحريم، ونهايتها بالتسليم الذي يكون به التحليل. وسمي التكبير تحريماً لأن الإنسان يحرم عليه به ما كان حلالاً له قبل ذلك، كالأكل والشرب والالتفات والكلام والذهاب والإياب وغير ذلك، ويستمر كذلك إلى أن يسلم، فإذا سلم عاد ما كان حلالاً قبل التكبير إلى أن يكون حلالاً بعد التسليم، ولهذا قال: (تحليلها التسليم). وفي قوله: (تحليلها التسليم) أي: أنه نهايتها، وأن الخروج منها يكون بالتسليم ولا يكون بغير ذلك، وهذا هو التسليم المقصود بالترجمة. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) يعني: أنه يلتفت، وأن الذين عن يمينه يرون بياض خده، والذين عن يساره يرون بياض خده، ومعنى ذلك: أنه لا يسلم ووجهه للقبلة دون أن يراه من وراءه، بل الذين عن يمينه يرونه إذا التفت مسلِماً، والذين عن يساره يرون خده إذا التفت مسلماً. فهذا فيه بيان كيفية التسليم، وأنه يكون تسليمتين، وأنه يسلم عن اليمين وعن الشمال، وأن المصلي يلتفت عند سلامه التسليمة الأولى إلى اليمين والتسليمة الثانية إلى اليسار، وأنه يحصل منه الالتفات بحيث يرى خده من جهة اليمين ومن جهة الشمال، وهذا هو الغالب المعروف من فعله صلى الله عليه وسلم. وأما لفظ السلام فهو: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وقد جاء في بعض الروايات زيادة: (وبركاته) كما سيأتي، ولكن الغالب الذي جاء عن عدد من الصحابة، أنه كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في صفة السلام من الصلاة

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ] هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ] وهو الثوري ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زائدة ]. هو زائدة بن قدامة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا أبي الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي ، إذا جاء في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود أبو الأحوص فالمراد به سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن عبيد المحاربي ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود والترمذي و النسائي . [ وزياد بن أيوب ]. وهو ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي ]. [ حدثنا عمر بن عبيد الطنافسي ]. وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا تميم بن المنتصر ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف- ]. إسحاق بن يوسف الأزرق ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك ]. هو ابن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، واختلط لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا أحمد بن منيع ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حسين بن محمد ]. حسين بن محمد هو ابن بهرام ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسرائيل ]. إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كلهم عن أبي إسحاق ]. يعني: هذه الطرق الست التي فيها أولاً: سفيان الثوري ، ثم في الطريق الثانية: زائدة بن قدامة ، والطريق الثالثة: أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، والرابعة: عمر بن عبيد الطنافسي ، والخامسة: شريك ، والسادسة: إسرائيل ، هؤلاء الستة الذين هم نهاية هذه الأسانيد التي جاء التمييز بينها بحاء التحويل كلهم يرون عن أبي إسحاق ، ومعناه أنه تفرع من أبي إسحاق ستة فروع. وهذه الفروع الستة كان الأربعة الأولى منها بين أبي داود و أبي إسحاق اثنان، والطريقان الخامس والسادس بين أبي داود و أبي إسحاق فيها ثلاثة، فالطرق الأربع الأولى عالية، والطريقان الأخيرتان نازلتان؛ لأنه إذا قل الرجال يعتبر الطريق عالياً، وإذا زاد عدد الرجال عن الطرق السابقة فإنها طريق نازلة. والعلو يكون نسبياً، فتكون طريق عالية بالنسبة إلى طريق أخرى، فطريق رباعية عالية بالنسبة لطريق خماسية، وطريق ثلاثية عالية بالنسبة لطريق رباعية، وخماسية عالية بالنسبة لطريق سداسية، وهكذا. و أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ونسبة السبيعي إلى جزء من همدان، فهو ينسب نسبة عامة إلى همدان، ونسبة خاصة إلى سبيع، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأحوص ]. أبو الأحوص هذا هو عوف بن مالك الجشمي ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. فإذا جاء أبو الأحوص في طبقة التابعين الذين يروون عن الصحابة فالمراد به عوف بن مالك هذا إذا كان له رواية في مسلم ونحوه، أما إذا كان أبو الأحوص غير مسمى وموصوف بأنه شيخ من أهل المدينة أو مولى بني ليث أو مولى بني غفار فهو أبو الأحوص الذي لا يروي عنه إلا الزهري وهو مجهول، وحديثه لا يصح. إذاً: عندنا في هذه الأسانيد أبو الأحوص اثنان: أحدهما الذي يروي عنه مسدد في الطريق الثانية وهو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والثاني الذي يروي عن الصحابة وهو عوف بن مالك الجشمي ، وكل منهما ثقة، والمتأخر روى له أصحاب الكتب الستة، والمتقدم روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. [ وقال إسرائيل : عن أبي الأحوص و الأسود ]. يعني في طريق إسرائيل -وهي السادسة- زاد شخصاً آخر في الإسناد بالإضافة إلى أبي الأحوص ، وهو الأسود . فأبو الأحوص مشترك بين الطرق الست، وإسرائيل زاد بالإضافة إلى أبي الأحوص الأسود ، وهو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وهذا لفظ حديث سفيان ]. أي: أن هذا اللفظ الذي ساقه هو لفظ حديث سفيان ، وهذا فيه كما ذكرت أن أبا داود أحياناً يذكر من له اللفظ في الآخر بعد ذكر المتن، فيقول: وهذا لفظ فلان. قوله: [ وحديث إسرائيل لم يفسره ]. يحتمل أن قوله: [ لم يفسره ] أنه لم يفسر السلام، وإنما قال: يسلم عن يمينه وعن شماله، والتفسير الذي جاء في الطرق الأخرى أو طريق سفيان أنه يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. [ قال أبو داود : ورواه زهير عن أبي إسحاق ]. وزهير هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو إسحاق هو الذي اجتمعت عنده الطرق السابقة. قوله: [ ويحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق ]. أي: ورواه يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق ، و يحيى بن آدم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق ، وقد مر ذكره، وأبو إسحاق مر ذكره. [ عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ]. هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه الأسود هو الذي مر في طريق إسرائيل أنه جمع بين أبي الأحوص وبين الأسود . قوله: [ وعلقمة عن عبد الله ]. أي: وأيضاً رواه علقمة مع الأسود عن عبد الله ؛ لأن الأسود و علقمة يرويان عن عبد الله ، و علقمة هو ابن قيس النخعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : شعبة كان ينكر هذا الحديث -حديث أبي إسحاق - أن يكون مرفوعاً ]. كلمة: [ أن يكون مرفوعاً ]، أكثر النسخ خلت منها، وإنما فيها: [ ينكر هذا الحديث ]، وجاءت كلمة: [ أن يكون مرفوعاً ]، في بعض النسخ، ويقول صاحب عون المعبود: الأولى عدمها؛ لأن الحديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من قول ابن مسعود، وقد جاءت الطرق الكثيرة في رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يمكن أن يكون بدونها للاختلاف على أبي إسحاق فيه، وأن فيه اضطراباً، لكن كلامه في هذا الحديث لا يؤثر؛ لأن الحديث ثابت وقد جاء من طرق كثيرة، وقد جاء أيضاً من غير طريق أبي إسحاق ، فالحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يؤثر فيه ما قاله شعبة .
شرح حديث وائل بن حجر في صفة السلام من الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبدة بن عبد الله حدثنا يحيى بن آدم حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل عن علقمة بن وائل عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ]. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، وفيه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في السلام عن يمينه: [ (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ]، يعني يزيد [ (وبركاته) ] في السلام، بخلاف الأول اللفظ: السلام عليكم ورحمة الله فقط. فهذا يدلنا على أنه جاء في بعض الأحاديث زيادة: وبركاته، وأن ذلك صحيح وسائغ، ولكن أكثر الروايات إنما جاءت بـ: السلام عليكم ورحمة الله. وفي نسخة لأبي داود لم تذكر [ وبركاته ] عن الشمال، وهذه النسخة هي التي ذكرها الألباني في كتاب الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر في صفة السلام من الصلاة
قوله: [ حدثنا عبدة بن عبد الله ]. عبدة بن عبد الله الصفار ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا يحيى بن آدم ]. عن يحيى بن آدم مر ذكره. [ حدثنا موسى بن قيس الحضرمي ]. موسى بن قيس الحضرمي ، صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سلمة بن كهيل ]. سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة بن وائل ]. علقمة بن وائل صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو وائل بن حجر ، وهو صحابي أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. وقال في التقريب: إن علقمة لم يسمع من أبيه، والصحيح أنه سمع منه، وقد جاء في صحيح مسلم في بعض الأحاديث روايته عن أبيه، ومسلم يشترط الاتصال، وذكر أيضاً البخاري أنه سمع من أبيه، والذي لم يسمع من أبيه هو إنما عبد الجبار بن وائل ، وقد جاء في بعض الأحاديث أن عبد الجبار يروي عن أخيه علقمة عن وائل ، ومعنى هذا: أن أخاه سمع من أبيه، فقول الحافظ ابن حجر : لم يسمع من أبيه، يخالف ما جاء في صحيح مسلم من تخريجه بعض الأحاديث من روايته عن أبيه وهو يشترط الاتصال وعدم الانقطاع، وأيضاً صرح البخاري في التاريخ الكبير بأنه سمع من أبيه، وعلى هذا فهو متصل وليس فيه انقطاع.

شرح حديث النهي عن الإشارة باليد عند السلام من الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن زكريا ووكيع عن مسعر عن عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم أحدنا أشار بيده من عن يمينه ومن عن يساره، فلما صلى قال: ما بال أحدكم يرمي بيده كأنها أذناب خيل شمس، إنما يكفي أحدكم، أو ألا يكفي أحدكم أن يقول هكذا، وأشار بإصبعه، يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما الذي فيه أنهم كانوا يشيرون بأيديهم إلى جهة اليمين والشمال عند السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (ما بال أحدكم يرمي بيده كأنها أذناب خيل شمس؟!) ] والمقصود الخيل التي فيها نفار، فإنك تجد ذيلها يضطرب مثل تحريك اليد عندما كانوا يسلمون. قوله: [ (إنما يكفي أحدكم، أو ألا يكفي أحدكم أن يقول هكذا وأشار بإصبعه، يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله) ]. هذه إشارة إلى الهيئة التي تكون في التشهد، وأن الإنسان يضع يديه على فخذيه، وأنه يشير عند الدعاء ثم يسلم بدون إشارة، وذكر الإصبع هنا ليس المقصود أنه يشير بها؛ لأن الإشارة بالإصبع مثل الإشارة باليد، وإنما المقصود هنا الإشارة في التشهد. ثم قال: يسلم عن يمينه وعن شماله، أي: بعدما ينتهي من الذكر والدعاء الذي يكون في التشهد يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله، وليس المقصود أنه يشير بإصبعه أو يسلم بإصبعه؛ لأن الإشارة بالإصبع مثل الإشارة باليد منهي عنها، وإنما تبقى اليد على ما هي عليه حال السلام، والرواية التالية توضح هذا، وأن المقصود أنه يضع يديه على فخذيه ولا يحركهما بالسلام. قوله: [ (يسلم على أخيه) ]. معناه: أن الإنسان يسلم على من عن يمينه ومن عن شماله، فإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله، عن يمينه وعن شماله فإنه يدعو لمن كان على يمنيه ومن كان على شماله. وبالنسبة للنافلة قد لا يكون أحد عن يمينه وعن شماله، لكن ذكروا أن الملائكة تكون عن يمينه وشماله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #239  
قديم 07-08-2024, 01:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الإشارة باليد عند السلام من الصلاة

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يحيى بن زكريا ]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ووكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ]. هو مسعر بن كدام ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن القبطية ]. عبيد الله بن القبطية ثقة، أخرج له البخاري في رفع اليدين و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث جابر بن سمرة في النهي عن الإشارة باليد عند السلام من طريق أبي نعيم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا أبو نعيم عن مسعر بإسناده ومعناه قال: (أما يكفي أحدكم أو أحدهم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله) ]. لم يذكر في الحديث الإشارة بالإصبع، فليس فيه إشارة بالسلام، ولهذا قال: [ (أما يكفي أحدكم أن يضع يده) ] أي: أن يده مهمتها أن تكون موضوعة، ولا يخلو أن تتحرك السبابة بالإشارة، وما عدا ذلك فإنها لا تحرك، وعلى هذا لا يفعل في السلام هذه الإشارة. قوله: [ (ثم يسلم عن يمينه وعن شماله) ] معنى هذا: أن اليدين تبقيان على الفخذين، ثم بعد ذلك يسلم عن يمينه وعن شماله.

تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة في النهي عن الإشارة باليد عند السلام من طريق أبي نعيم


قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا أبي نعيم ]. أبو نعيم هو الفضل بن دكين الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر بإسناده ومعناه ]. هو مسعر بن كدام .

شرح حديث جابر في النهي عن الإشارة عند السلام من طريق تميم الطائي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم الطائي عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس رافعو أيديهم -قال زهير : أراه قال في الصلاة- فقال: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس! اسكنوا في الصلاة) ]. أورد المصنف حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهم وهم في الصلاة رافعي أيديهم، يعني يومئون بها عند السلام كعادتهم -كما جاء في الروايات السابقة- فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما لكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس! اسكنوا في الصلاة) ] أي: لا تفعلوا هذه الهيئة. المقصود بهذه الرواية وما جاء في الروايات السابقة إنما هو الإشارة في السلام عن اليمين والشمال، وبعض العلماء من أصحاب أبي حنيفة استدل بهذا الحديث على أنه لا ترفع الأيدي عند الركوع والرفع منه، وحملوا الحديث على هذا، ولكن هذا لا يصح لأنه لو كان المعنى كذلك لمنع منه في تكبيرة الإحرام، وهم يقولون بالرفع فيها، والأحاديث يفسر بعضها بعضاً ويدل بعضها على بعض، والمقصود إنما هو الرفع الذي جاء مبيناً في الروايات السابقة. والتشبيه الذي جاء في الأحاديث السابقة هو نفس التشبيه الذي جاء في هذا الحديث، أي: أنه أنكر عليهم هذه الهيئة التي يفعلونها عند السلام، وليس المقصود من ذلك النهي من الرفع عند الركوع وعند الرفع منه، والحديث قد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر في الركوع والرفع منه، وثبت من حديث أبي حميد الساعدي عند القيام من التشهد الأول في صحيح البخاري .

تراجم رجال إسناد حديث جابر في النهي عن الإشارة عند السلام من طريق تميم الطائي


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير حدثنا الأعمش ]. زهير مر ذكره، والأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسيب بن رافع ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب. [ عن تميم الطائي ]. هو تميم بن طرفة الطائي ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ عن جابر ]. جابر بن سمرة ، وقد مر ذكره.
الرد على الإمام


شرح حديث الرد على الإمام في السلام


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرد على الإمام: حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهر حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه قال: (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام، وأن نتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض) ]. أورد المصنف هذه الترجمة في الرد على الإمام، يعني: رد السلام على الإمام، فإذا قال الإمام: السلام عليكم ورحمة الله، يرد عليه المأموم بأن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، أي: كون الإمام يسلم ويسلم عليه، فهو يبدأ بأن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، ثم يقولون هم بعده: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، فيردون على الإمام ويسلمون على غير الإمام. وأورد حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام) ]. أي: في السلام، بأن نقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. قوله: [ (وأن نتحاب) ]. أي: يكون بيننا التحاب والتواد، والسلام كما هو معلوم من أسباب المودة وأسباب المحبة. قوله: [ (وأن يسلم بعضنا على بعض) ]. يعني: في السلام، إذا سلم عن يمينه وعن شماله يسلم؛ لكن الحديث لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من رواية الحسن عن سمرة ، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع، وإنما يقبل منه ما صرح به، وقد جاء عنه التصريح بالسماع في حديث العقيقة، وما عدا ذلك مما فيه الرواية بغير السماع فلا يقبل. والأقوال في رواية الحسن عن سمرة ثلاثة: منهم من قبلها مطلقاً، ومنهم من ردها مطلقاً، ومنهم من فصل، والتفصيل هو الصحيح؛ لأن التفصيل فيه السماع لحديث العقيقة فقط، وأما غيرها فلم يثبت ما يدل على كونه سمع منه.
تراجم رجال إسناد حديث الرد على الإمام في السلام

قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهر ]. محمد بن عثمان أبو الجماهر ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة . [ حدثنا سعيد بن بشير ]. وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سمرة ]. وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعلى هذا فالحديث يكون فيه تدليس؛ لأن فيه رواية الحسن ورواية قتادة وكل منهما مدلس، وأيضاً فيه رواية سعيد بن بشير وهو ضعيف، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التكبير بعد الصلاة


شرح حديث التكبير بعد الصلاة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التكبير بعد الصلاة: حدثنا أحمد بن عبدة أخبرنا سفيان عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان يعلم انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير). حدثنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنا عمرو بن دينار أن أبا معبد مولى ابن عباس أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره: (أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة؛ كان ذلك على عهد رسول الله صلى عليه وآله وسلم، وأن ابن عباس قال: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك وأسمعه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ التكبير بعد الصلاة ]، والمقصود من هذه الترجمة: إثبات التكبير والذكر بعد الصلاة، وأنه يرفع بهما الصوت، وذكر التكبير لأنه جاء في الرواية الأولى، وجاء في الثانية الذكر وهو أعم من التكبير؛ لأن الذكر يشمل التكبير وغير التكبير. فهو أتى بالترجمة على الرواية الأولى التي أوردها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأنه [ (كان يعلم انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) ] أي: المتأخرين عن الإمام يسمعون التكبير، والتكبير لم يأت ما يدل على أنه بعد السلام، وإنما يقول: أستغفر الله أستغفر الله، ويأتي بعد ذلك بالأذكار: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، هذا هو الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالتكبير جاء مع التسبيح والتحميد. فالذي جاءت به الروايات (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم استغفر ثلاثاً، ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام). ثم الرواية الثانية ذكرت الذكر، وهو يشمل التكبير وغير التكبير، ومعنى هذا أن لفظ الذكر يكون مطابقاً مع ما جاء في الروايات الأخرى الدالة على أنه بعد الصلاة يؤتى بالذكر الذي أوله الاستغفار، ثم: اللهم أنت السلام ومنك السلام.. إلى آخره، وجاء في هذه الرواية ذكر التكبير، فيحمل على أن المقصود من ذلك ما يكون من التكبير مع التسبيح والتحميد بعد الصلاة. ثم إنه ذكر في الباب حديثي ابن عباس ، وفيهما ما يدل على أنه يرفع الصوت بالذكر، وأن المأمومين يرفعون أصواتهم والإمام يرفع صوته، وقد جاء هذا الحديث -من الطريقين- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأنه كان يعلم بذلك إذا انصرفوا، فيدل على أن ذلك حاصل وواقع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: هذا هو المعمول به والمعهود في زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث التكبير بعد الصلاة


قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة ]. هو أحمد بن عبدة الضبي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا سفيان ]. هو ابن عيينة ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معبد ]. واسمه نافع ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي ]. ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس ]. وقد مر ذكر الثلاثة في الطريق الأولى.
الأسئلة



حكم الصلاة على النبي في التشهد الأول

السؤال: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وهل هي واجبة مثل التشهد الأخير؟

الجواب: نعم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؛ لأنه جاء في الحديث: (قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟) فيأتي بعد التشهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيصلى عليه في التشهد الأول والأخير، لكن إنما قيل بوجوبها في التشهد الأخير.

حكم تسليم المأموم بعد تسليمة الإمام الأولى


السؤال: من المصلين من إذا سلم الإمام التسليمة الأولى سلم معه أو بعده مباشرة، وإذا سلم التسليمة الثانية سلم، فهل هم على صواب؟ وكذلك إذا بقي على المأموم ركعة هل يقوم بعد تسليمة الإمام التسليمة الأولى أو ينتظره حتى يكمل التسليمتين؟


الجواب: الخروج من الصلاة إنما يكون بالتسليمتين، فالمأموم ينتظر الإمام حتى يفرغ من السلام ثم يتابعه، وكذلك الذي بقي عليه شيء من الصلاة ينتظر حتى يسلم الإمام التسليمة الثانية ثم يقوم لقضاء ما فاته؛ لأن التسليم يكون به الخروج من الصلاة، والخروج من الصلاة إنما هو بالتسليمتين. وقال بعض أهل العلم: تكفي تسليمة واحدة، لكن جاءت الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسليمتين، وذكر ذلك ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين، وتكلم كلاماً طويلاً على أنه لا يكفي واحدة وإنما يؤتى بالاثنتين، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تحليلها التسليم) والتسليم جاء فيها أنه اثنتان، فالتحلل من الصلاة إنما يكون بعد التسليمة الثانية وليس بعد التسليمة الأولى.

حكم اتقاء شر الأشرار بالمال


السؤال: رجل اعتدى على أرضي فأعطيته مالاً برضاي لأكتفي شره، فهل أنا مخطئ؟


الجواب: لست بمخطئ ما دام أنك أعطيته برضاك من أجل أن تتخلص من شره، بل أنت محسن لكونك تخلصت منه بأن تعطيه شيئاً من المال وتكتفي شره، وقد كان لك أن تشغل نفسك بالخصومة، وتحصل حقك منه عن طريق القاضي، ولكن إن صالحته على أن تتنازل عن شيء من حقك أو تعطيه شيئاً من مالك على اعتبار أنك تكتفي من الخصومة والذهاب والإياب فلست مخطئاً في هذا.

حكم التلفيق بين الروايات في الصلاة على النبي


السؤال: ينقل البعض عن الإمام النووي و العراقي في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أن الإمام النووي رحمه الله قال: ينبغي أن تجمع ما في الأحاديث الصحيحة.


الجواب: هذا تلفيق، والتلفيق لا يصلح، فلا يصلح أن تلفق الروايات وأن يجمع بعضها إلى بعض حتى تخرج صيغة ما جاءت بها الرواية، فالرواية جاءت إما بهذا وإما بهذا، فالصلاة على النبي أنواع مثل التشهد، وكل نوع منها إذا أتى به الإنسان أصاب، ولكن كونه يبحث عن الأكمل والأتم من هذه الأنواع ويأتي به هو الأولى، أما أن يأتي بأشياء يجمعها فلا. جاء في حديث: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وجاء عنه رواية أخرى: (وأزواجه وذريته) فالتلفيق أن تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، فتضيف إلى هذه الرواية: وأزواجه وذريته، هذا يسمى التلفيق، وذلك بأن تأخذ كل ما زاد في رواية من الروايات فتجمعها وتجعلها لفظاً واحداً، وهذا لم تأت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما جاءت الرواية بأنواع، يأتي الإنسان بواحد منها، وإذا صار إلى أكملها وأتمها فهذا هو الأولى والأكمل. أما قضية التلفيق فهذا غير صحيح.

معنى حديث: (لن يلج النار من بكى من خشية الله)


السؤال: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار من بكى من خشية الله)؟


الجواب: هذا يدلنا على فضل البكاء من خشية الله، وأن الله عز وجل يجعل من يكون كذلك ممن يدخل الجنة، لكن هذا لا يعني أن الإنسان إذا كان عليه ذنوب وعنده معاص وهو لم يتب منها أنه يدخل الجنة من أول وهلة، إلا أن يشاء الله التجاوز عنه، أما إذا لم يتجاوز الله عنه فإنه يعذب على كبائره وجرائمه، وكونه حصل منه أمر حسن يستحق عليه دخول الجنة، فهذا مثل من يأتي بالحج طبقاً لما أمر ولكنه مصر على الكبائر، فلا يعني ذلك أن الحج يكفر تلك الكبائر. وعلى هذا فيكون هذا فيه ترغيب في البكاء من خشية الله، ومعلوم أن هذا إنما يحصل من غير تكلف، وأما كون الإنسان يتكلف البكاء من غير أن يكون له داع، فهذا ليس بصحيح، ولهذا جاء في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #240  
قديم 07-08-2024, 01:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [126]
الحلقة (157)



شرح سنن أبي داود [126]

ورد في السنة النبوية حذف التسليم -أي: عدم مده وإطالته- كما جاء في بعض الأحاديث أن من أحدث في الصلاة توضأ واستأنفها من أولها، وفي ذلك خلاف، وجاء أن من أكمل الفريضة ثم أراد التنفل فصل بينهما بالذكر المشروع، وجاء استحباب الانتقال إلى مكان آخر لصلاة النافلة.

ما جاء في حذف التسليم


شرح حديث حذف التسليم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب حذف التسليم. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثني محمد بن يوسف الفريابي حدثنا الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حذف السلام سنة) قال عيسى : نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث، قال أبو داود سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي قال: لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال: نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه ]. المقصود بحذف التسليم: ترك إطالته وترك مده، بحيث يأخذ وقتاً أكثر مما لو أتى به بغير مد، فلا يمد السلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يطوله، وإنما يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المقصود بحذف التسليم. وفائدته: أن الإمام يخرج من الصلاة من غير أن يكون هناك تطويل في هذا الذي به الخروج؛ لأن المأموم قد يسابقه إذا طول في السلام فيسبقه، ولكنه إذا أتى به مخففاً بسكون وهدوء وعدم سرعة خاطفة ولا تطويل، بل بتوسط: (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) فلا يحصل من المأموم أن يسهو ويسلم فيفرغ من السلام قبل الإمام أو يكون مع الإمام؛ لأن المسابقة للإمام لا تجوز والموافقة للإمام مكروهة، والسنة هو التخلف عن الإمام يسيراً، وتلك هي المتابعة؛ لأن للمصلي مع الإمام أربع حالات: مسابقة، وموافقة، ومتابعة، وتخلف. والمشروع هو المتابعة، فالتطويل قد يؤدي إلى أن المأموم يسبق الإمام في الخروج من الصلاة. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (حذف السلام سنة) ] يعني: تخفيفه وعدم مده طويلاً بحيث يمكث وقتاً أكثر وهو يسلم. وبعدما ذكر أبو داود رحمه الله هذا الحديث ذكر كلاماً عن بعض أهل العلم في تركهم هذا الحديث ونهيهم عن رفعه، والمقصود بالشيء المتروك هو رفعه صراحة بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي تركه من تركه ونهى عنه من نهى عنه، أما إذا قال الصحابي كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ (حذف السلام سنة) ] فيكون موقوفاً على أبي هريرة ، لكنه مرفوع حكماً؛ لأن الصحابي إذا قال: هذا سنة، أو هذا من السنة، فهو مرفوع، ولكنه مرفوع حكماً ليس تصريحاً؛ لأن المرفوع قسمان: مرفوع صراحة، ومرفوع حكماً، فالمرفوع صراحة أن يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، فيضيف الكلام ويسنده إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام مباشرة من قوله أو فعله. والمرفوع حكماً مثل قول الصحابي: من السنة كذا، أو هذا سنة، أو أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، وغيرها من الألفاظ التي لها حكم الرفع وإن كانت غير مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن التعبير بالسنة له حكم الرفع، وكذلك الأحاديث التي تأتي عن الصحابة وفيها إخبار عن عقوبة محددة أو وعيد بجنة أو نار.. أو ما إلى ذلك؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل نفسه ولا من قبل رأيه، ولا يأتي بذلك إلا بتوقيف؛ لأن هذه أمور غيبية، والغيب لا يعرف إلا عن طريق عالم الغيب والشهادة حيث يوحي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بشيء من الغيب، فيخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه فيتلقونه عنه، وأحياناً لا يضيف الصحابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، وإنما يأتي بكلام يدل على ذلك، مثل الأحاديث التي مرت بنا وفيها: (فإن هذه قعدة المغضوب عليهم) (إن هذا فعل الذين يعذبون) ، وما إلى ذلك؛ لأن هذه أمور لها حكم الرفع. إذاً هذا هو معنى قول من نهى عن رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا النهي أو هذا الترك لا ينفي أن يكون مرفوعاً؛ لأنه مرفوع حكماً، كما مر عن ابن عباس أنه سئل عن الجلوس بين السجدتين على العقبين قال: (تلك السنة، فقيل له: إننا نراه جفاء في الرجل، قال: تلك سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم). ولما سئل ابن عباس رضي الله عنه: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين -يعني قصر- وإذا صلى خلف إمام يتم أتم؟! قال: تلك السنة).

الكلام على المذاهب الأربعة

روى المصنف هذا الحديث عن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وهو الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذه المذاهب الأربعة اشتهرت بسبب أن لأصحابها أتباعاً وتلاميذ عنوا بجمع أقوالهم والروايات التي نقلت عنهم والأسئلة التي سئلوها ولا يعني هذا أنه ليس هناك علماء مثلهم، بل هناك علماء مثلهم في زمانهم وقبل زمانهم. ومن المعلوم أن أصحاب المذاهب الأربعة وهم أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد رحمة الله على الجميع، أولهم أبو حنيفة ، وكانت ولادته سنة (80هـ)، وآخرهم الإمام أحمد وكانت وفاته سنة (241هـ)، وقد كان في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أناس مثلهم في الفقه، مثل الأوزاعي في الشام، فهو إمام فقيه محدث، والليث بن سعد في مصر، محدث فقيه، وسفيان الثوري في الكوفة، وسفيان بن عيينة بمكة، وإسحاق بن راهويه في مرو، وغيرهم كثير ممن اشتهروا بالفقه، ولهذا إذا قرأ الإنسان في الكتب المؤلفة في بيان العلماء -سواء كانوا من الصحابة أو من التابعين أو من بعدهم- يجد أنه يأتي في المسائل المختلفة: قال فلان الصحابي كذا، قال فلان التابعي كذا، وقال الإمام أحمد كذا، وقال الإمام الشافعي كذا.. وهكذا، فهناك أناس مثلهم في الفقه ومثلهم في العلم، ولكن لم يحصل لهم مثلما حصل للأئمة الأربعة من التلاميذ والأتباع الذين عنوا بالمذهب وتدوينه وتبويبه وتنظيمه وبيان مختلف الروايات، وبيان الراجح والمرجوح والمتقدم والمتأخر والقديم والجديد، وما إلى ذلك. وهؤلاء الأئمة الأربعة هم من أئمة أهل السنة، بخلاف غيرهم من المذاهب الأخرى التي ليست من مذاهب أهل السنة، وإنما هي مذاهب أناس خالفوا السنة، ولكن هؤلاء الأربعة هم من أهل السنة، والذين يرجعون إلى كلامهم هم أهل السنة، وعلى هذا فإن الأمر ينبغي أن يفهم، وينبغي أن يعلم أننا عندما نذكر أن هذه مذاهب أهل السنة أنه ليس العلماء المحققون مقصورين على هؤلاء الأئمة الأربعة، بل هناك كثير من أمثالهم في زمانهم وقبل زمانهم، مثل الفقهاء السبعة في المدينة، الذين كانوا في عصر التابعين وقبل الأئمة الأربعة، وكانت وفياتهم غالباً قبل المائة، وأدركوا كبار الصحابة أو متوسطيهم، فلا يقال إن الحق محصور في الأئمة الأربعة وإن غير أقوال الأئمة الأربعة لا يلتفت إليها.
تراجم رجال إسناد حديث حذف التسليم

قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ]. تقدم ذكره. [ عن محمد بن يوسف الفريابي ] محمد بن يوسف الفريابي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ] هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي ، كنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو عمرو وهو ابن عمرو ، وأن معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه نوع من أنواع علوم الحديث المهمة، وفائدة معرفتها أن لا يظن به التصحيف فيما إذا قيل في الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو : عبد الرحمن أبي عمرو ، فإن من لا يعرف أن كنيته أبو عمرو يظن أن (أبي) مصحفة عن (ابن)؛ لأنه عبد الرحمن بن عمرو ، فسواء قيل عبد الرحمن بن عمرو أو قيل عبد الرحمن أبي عمرو ، فإن من يعرفه ومن يكون على علم به ينتفي عنه ظن التصحيف. وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة، وهو فقيه الشام ومحدثها في زمانه، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قرة بن عبد الرحمن ] هو صدوق له مناكير، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ] هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ] أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الذين اختلف هل هم من الفقهاء السبعة أو لا: ثلاثة، فمن العلماء من يجعل السابع أبا سلمة بن عبد الرحمن هذا، ومنهم من يجعل السابع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ومنهم من يجعل السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وعروة بن الزبير بن العوام . [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، رضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.

سبب كثرة مرويات أبي هريرة


ومما ينبغي أن ينبه إليه بالنسبة لأبي هريرة أن أبا هريرة أسلم عام خيبر في السنة السابعة، وكانت مدة بقائه مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنوات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي في أول سنة إحدى عشرة، ومع ذلك كان أبو هريرة أكثر الصحابة حديثاً، مع أن كثيراً من الصحابة لازموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا معه كثيراً، ولم يرو عنهم مثلما روي عن أبي هريرة ، مع أن أبا هريرة أقل مدة منهم. وقد بين العلماء السبب في ذلك، ومما قيل في ذلك: إن أبا هريرة كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم في دخوله وخروجه وذهابه وإيابه؛ لأنه كان فقيراً، وكان يأكل من طعامه ويشرب من شرابه ويكون معه باستمرار، فحصل له من تلقي الحديث ما لم يحصل لغيره؛ بسبب هذه الملازمة في هذه الفترة القصيرة، فكان ذلك من أسباب كثرة روايته. ثم أيضاً ما جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بأحاديث وكان بسط ثوبه ثم قبضه وقال: إنه لا يفوته شيء من ذلك، ومعناه أنه حفظ كل ذلك الذي سمعه. ثم أيضاً: أبو هريرة رضي الله عنه كان ساكناً في المدينة ومقيماً فيها، والمدينة يأتيها الناس صادرين وواردين، ومن المعلوم أن الصحابي إذا كان موجوداً في البلد وقد ورد إلى البلد غير الصحابي فإنه يحرص على أن يلتقي بذلك الصحابي وأن يتلقى عنه الحديث؛ لأن رؤية الصحابي غنيمة، كما سبق أن مر في حديث الرجل الذي جاء إلى الرقة وقيل له: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمة، يعني: لقاؤه غنيمة؛ وذلك لأن الصحابي حصل له شرف الصحبة والرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يرى الصحابة يرى العيون التي رأت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لقاء الصحابي غنيمة كما قال ذلك الرجل التابعي. ومعنى هذا أن أبا هريرة رضي الله عنه كان مقيماً في المدينة والناس يحضرون ويردون إلى المدينة ويأتون إلى أبي هريرة ويأخذون منه ويعطونه، ويسمع منهم ويسمعون منه، لا سيما إذا كانوا صحابة وجاءوا إلى المدينة فيحدثهم ويحدثونه، فهذا من أسباب كثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مع أن مدته التي صحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت وجيزة. والحديث يبين أن الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة فيه ما فيه، وبعض العلماء نهى عنه؛ والشيخ الألباني ضعف هذا الحديث في ضعيف سنن أبي داود ، ولكنه ذكره في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وعزاه إلى الترمذي وإلى الحاكم، والترمذي والحاكم إنما رووه موقوفاً على أبي هريرة ، إذ ليس فيه: قال صلى الله عليه وسلم كذا، إذاً له حكم الرفع، ولكنه ليس من قبيل ما هو مرفوع صراحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي تكلم فيه من رجاله هو قرة بن عبد الرحمن ، وهو صدوق له مناكير، وقد أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن، ومسلم إنما أخرج له مقروناً. [ قال عيسى : نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث ]. عيسى هو ابن يونس الفاخوري الذي ذكره أبو داود فيما بعد، وابن المبارك هو الذي روي من طريقه هذا الحديث الذي هو مرفوع حكماً وليس فيه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا عند الترمذي . وقد نهى ابن المبارك عن رفع الحديث، أي: عن رفعه صراحة، بأن يقول: عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، لكن هذا لا ينفي أن يكون مرفوعاً حكماً كما عرفنا. [ قال أبو داود : سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي ، قال: لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال: نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه ]. ومعناه: أنه كان يرفعه فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وكان هذا قبل أن يذهب إلى مكة، وبعد رجوعه من مكة ترك هذا، ولعله نبه على ذلك بمكة. وعيسى بن يونس الفاخوري صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه النسائي و ابن ماجة ، قال في التقريب: لم يصح أن أبا داود روى له. قد يقال: الفريابي شيخ لأحمد في هذا الحديث، فكيف نهاه أحمد عن رفعه؟ والجواب: أن صاحب عون المعبود قال: إن الضمير في [ نهاه ] يرجع إلى أبي داود ، وإن أحمد نهى أبا داود عن رفع هذا الحديث، وأحمد هو شيخ أبي داود .

إذا أحدث في صلاته يستقبل


شرح حديث استئناف الصلاة من الحدث


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا أحدث في صلاته يستقبل. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد صلاته) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب إذا أحدث في صلاته يستقبل ]. يعني: يستقبل صلاته فيبدؤها من جديد، أي يذهب ويتوضأ ثم يصلي من جديد، ولا يبني على ما سبق قبل نقض الوضوء، وإنما يستأنف الصلاة ولا يعتد بتلك الصلاة التي قطعها بالحدث، هذا هو المقصود بالترجمة. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فمنهم من قال: إنه إذا أحدث فإنه يقطع صلاته ويتوضأ ويستأنف، والصلاة التي قطعت بالحدث لا يعتد بها، وإنما يؤتى بصلاة من أولها إلى آخرها على طهارة. ومن أهل العلم من قال: إنه يذهب ويتوضأ ولا يتكلم ولا يتحدث ثم إذا رجع يبني على ما سبق، والصحيح هو الذي دل عليه هذا الحديث وهذه الترجمة التي معنا، وهو أن الإنسان يستأنف الصلاة من جديد، ولا يبني على ما سبق قبل أن يحصل منه الحدث. وقد أورد أبو داود رحمه الله في هذا حديث علي بن طلق رضي الله عنه. وقوله: [ (إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته) ] معناه: أنه يستأنف الصلاة من أولها، ولا يبني على ما تقدم. قوله: [ (فسا) ] أي: خرج منه ريح ليس لها صوت؛ لأن الريح إذا خرجت من دون صوت يقال لها فساء، وإذا حصل معها صوت فهو ضراط. والحديث يدل على أن خروج الريح ناقض للوضوء، وهو كذلك بإجماع العلماء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا شك أحدكم في صلاته هل خرج منه شيء فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي: حتى يسمع صوتاً لما خرج منه أو يشم ريحاً لما خرج بدون صوت وهو الفساء.
تراجم رجال إسناد حديث استئناف الصلاة من الحدث

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ] هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جرير بن عبد الحميد ] هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم الأحول ] هو عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيسى بن حطان ] وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن مسلم بن سلام ] وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن علي بن طلق ] وهو صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . وهذا الحديث فيه من هو متكلم فيه، وهما: عيسى بن حطان و مسلم بن سلام ، وكل منهما مقبول، والألباني أورد الحديث في الضعيفة، ولكن بعض أهل العلم صححه. ولهذا فالذين احتجوا بهذا الحديث على أنه يستأنف الصلاة يقابلهم الذين قالوا إنه لا يستأنف الصلاة، واستدلوا بحديث عائشة الذي فيه: (من حصل له قيء أو رعاف فليذهب وليتوضأ، وليعد إلى صلاته وهو لا يتكلم)، ومعناه أنه يبني على ما سبق، لكن حديث عائشة هذا لم يصححه أحد، وأما حديث علي بن طلق فقد صححه ابن حبان ، فيكون أقوى من ذلك. ثم أيضاً كونه يستأنف فيه التحقق من كون الإنسان أدى ما عليه، بخلاف ذلك الذي فيه البناء من غير أن يكون هناك أساس صحيح يعتمد عليه، فإن فيه ما فيه، فلا شك أن السلامة والاحتياط للدين في الاستئناف، والحديث الذي فيه صححه بعض أهل العلم، بخلاف ذلك فإنه لم يصححه أحد.
ما جاء في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة


شرح حديث الانتقال للتطوع بعد المكتوبة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة. حدثنا مسدد حدثنا حماد و عبد الوارث عن ليث عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم -قال عن عبد الوارث - أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله -زاد في حديث حماد - في الصلاة، يعني في السبحة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة ] هكذا أتى بالترجمة مطلقة، ومعنى هذا أنه جائز، ولكن الأولى أن يغير المكان؛ لأنه إذا غير المكان يكون فيه فصل بين الفرض والنفل، وأيضاً فيه أن البقاع تشهد للإنسان بالصلاة فيها، وقد جاء في القرآن: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4] أي: أن الأرض تشهد بما حصل على ظهرها من خير أو شر، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة ما يدل على مثل ذلك، وهو أنه كان إذا خرج لصلاة العيد يذهب من طريق ويرجع من طريق، وقيل في ذلك أقوال كثيرة، منها: أن ذلك ليشهد له الطريقان. قوله: [ (في السبحة) ]. السبحة: هي النافلة. ومعنى الحديث: أن المصلي يغير المكان تقدماً أو تأخراً أو بأن يذهب إلى جهة اليمين أو جهة الشمال، أي: يصلي النافلة في مكان آخر غير المكان الذي صلى فيه الفرض. قوله: [ (في الصلاة -يعني: في السبحة-) ] أي: عندما يصلي النافلة التي يقال لها السبحة؛ لأن النوافل يقال لها ذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه لما جمع بين الصلاتين لم يسبح بينهما، أي: لم يتنفل، والحديث ذكره الألباني في صحيح سنن أبي داود ، وفيه رجلان مجهولان: أحدهما مجهول العين، والثاني مجهول الحال، لكنه قد جاء حديث آخر يدل على ما دل عليه وهو يتعلق بالجمعة، وهو أن على الإنسان أن يفصل بكلام أو قيام أو قريب من هذا، ولعله صححه لوجود شيء يشهد له، وإلا فإنه من حيث الإسناد فيه رجلان مجهولان.
تراجم رجال إسناد حديث الانتقال للتطوع بعد المكتوبة

قوله: [ حدثنا مسدد ] هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن حماد ] هو حماد بن زيد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ليث ] هو ليث بن أبي سليم ، صدوق اختلط، ولم يتميز حديثه -أي: ما كان قبل الاختلاط وما كان بعده- فترك، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الحجاج بن عبيد ] وهو مجهول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن إبراهيم بن إسماعيل ] وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ] وقد مر ذكره.
شرح حديث أبي رمثة في الفصل بين النفل والفرض

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا أشعث بن شعبة عن المنهال بن خليفة عن الأزرق بن قيس قال: (صلى بنا إمام لنا يكنى أبا رمثة فقال: صليت هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه، وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة، فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم سلم عن يمينه وعن يساره حتى رأينا بياض خديه، ثم انفتل كانفتال أبي رمثة -يعني نفسه- فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع، فوثب إليه عمر رضي الله عنه فأخذ بمنكبه فهزه ثم قال: اجلس! فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره فقال: أصاب الله بك يا ابن الخطاب) . قال أبو داود : وقد قيل أبو أمية مكان أبي رمثة ]. هذا حديث أبي رمثة رضي الله تعالى عنه، ومحل الشاهد منه: كون ذلك الرجل قام بعد السلام يتنفل، وكان قد أدرك التكبيرة الأولى، أي أنه ليس بمسبوق؛ لأن المسبوق يقوم بعدما يسلم الإمام ليتم ما فاته، وأما الذين أدركوا الصلاة من أولها فلا يصلح أن يقوموا لتنفل بعدما يسلم الإمام مباشرة، وإنما يأتون بالذكر المشروع أولاً ثم بعد ذلك يتنفلون، ولكن هذا قام وكأنه مسبوق، ولهذا احترز عن كونه مسبوقاً بقوله: [ أدرك التكبيرة الأولى ] يعني أنه ما كان مسبوقاً، وإنما قام يشفع، والمقصود بقوله: [ يشفع ] يتنفل شفعاً، لأن المتنفل لا يصلي ركعة واحدة إلا في الوتر، وأما غيره فإنه لا يقل عن ركعتين، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) والمقصود من هذا أنه لا يصلي أقل من ركعة. وقيل: إن المقصود بقوله: [ يشفع ] أي: يشفع الفرض بالنفل ويأتي بعد الفرض بالنفل. قوله: [ وقام عمر رضي الله عنه وأخذ بمنكبه فهزه ثم قال: اجلس! فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل ] أي: ما حصل لهم ما حصل من العذاب إلا بكونهم لا يفصلون بين المكتوبة وغير المكتوبة، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله الذي قاله. فالحديث يدل على أن الإنسان لا يقوم ويتنفل مباشرة بعد السلام فإن هذا لا يستقيم، ولم يأت شيء يدل على هذا الربط بين الفريضة والنافلة، فعلى الإنسان أن يتمهل ويبقى يسبح ويحمد ويكبر ويأتي بالذكر الوارد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام عقب الصلاة، ولا يكون شأنه كالمسبوق، فهذا لا يصلح؛ لأن هذا يخالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإتيان بالذكر المشروع بعد الصلاة، فإذا أتى بالذكر المشروع بعد الصلاة ثم يقوم بعد ذلك ويتنفل فلا بأس، وإن تنفل في مكان آخر فهو أولى، كما في الحديث الذي سبق. وهذا الحديث الذي معنا ضعيف غير ثابت؛ لأن في إسناده من هو ضعيف، فلا يثبت به حكم، ولكن كون الإنسان يستعجل ولا يذكر الله عز وجل بعد الصلاة فهذا لا ينبغي، بل الذي ينبغي هو التمهل والإتيان بالذكر المشروع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله بعد صلاته، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يفعلونه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي رمثة في الفصل بين النفل والفرض


قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ] عبد الوهاب بن نجدة ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أشعث بن شعبة ] [ وهو مقبول أخرج له أبو داود . [ عن المنهال بن خليفة ] وهو ضعيف، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن الأزرق بن قيس ] وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن أبي رمثة ]. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قال أبو داود : وقيل أبو أمية مكان أبي رمثة ]. يعني أنه جاء بدل أبي رمثة أبو أمية ، وأبو أمية قريبة من أبي رمثة من ناحية التصحيف؛ لأن الميم والثاء والهاء متقاربة، والألف قد تميل قليلاً فتشبه الراء.
الأسئلة



خالة الرجل خالة لأولاده

السؤال: والدي يمنعني من أن أسلم على خالته أخت والدته، فهل أسلم عليها؟


الجواب: خالة والدك خالة لك، وأنت من أقاربها ومن محارمها، ولا سبب للمنع! ولا وجه له؛ لأنها من المحارم ومن الأقارب، وخالة الرجل من النسب هي خالة لأولاده.

حكم تسمية القبر النبوي بالقبر الشريف أو القبر المقدس

السؤال: ما مدى صحة إطلاق هذه العبارة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم: القبر الشريف، أو القبر المقدس؟ وما الفرق بينهما؟


الجواب: قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يعبرون عنه بالقبر، وذكر الشريف من أجل أن الذي فيه هو أشرف الناس، ولكن كلمة (الشريف) وكلمة (المقدس) لا أعرفها في كلام المتقدمين، ولا شك أن المقبور فيه هو أشرف الناس وخير الناس وسيد الناس عليه الصلاة والسلام. إذا قيل القبر الشريف فهو المقصود، لأن الذي فيه هو صاحب الشرف، وأعظم شرف يحصل للبشر إنما هو لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فهو أشرف الناس وخير الناس وأفضل الناس وسيد الناس، والمرسلون الذين هم خير الناس هو خيرهم وأفضلهم وسيدهم عليه الصلاة والسلام."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 0 والزوار 11)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 348.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 343.15 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]