تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 23 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4963 - عددالزوار : 2068231 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4539 - عددالزوار : 1337377 )           »          ما هي أبرز أسباب تأخر النطق عند الأطفال؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          أعشاب تدر الحليب: تعرف عليها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أطعمة خالية من اللاكتوز: قائمة بأفضلها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          علاج هشاشة العظام بالأكل: هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          علاج التجشؤ بالأعشاب: 7 أعشاب فعالة ومجربة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حمية dna: خطوة نحو تغذية مخصصة لصحتك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          كيف يتم علاج سوء التغذية؟ دليلك الشامل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          دليلك للأكل الصحي عند الإصابة بالتسمم الغذائي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #221  
قديم 08-10-2020, 06:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

حكم قتل القاتل بعد أخذ الدية

وقوله تعالى: [ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ [البقرة:178] يريد ] أن [ من أخذ الدية ثم قتل فإنه يتعين قتله لا غير ].رجل قتل آخر فأهل القتيل أخذوا الدية وقالوا: نتنازل عن قتله إلى الدية، ولما أخذوا الدية قتلوه، اعتدوا وقتلوه، فما الحكم؟قال: [ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ [البقرة:178] يريد: من أخذ الدية ثم قتل فإنه يتعين قتله لا غير ] عند بعض أهل العلم.قال في الهامش: [ اختلف فيمن قتل بعد أخذ الدية:فقال مالك والشافعي وكثير من العلماء: هو كمن قتل ابتداء، إن شاء الولي قتله، وإن شاء عفا عنه وعذابه في الآخرة ].مالك والشافعي قالا: هذا كالذي قتل ابتداء، أولياء المقتول مخيرون: إن شاءوا عفوا وإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا أخذوا الدية، وهذا مذهب الجمهور في هذه القضية.[ وقال آخرون: عذابه أن يقتل، ولا يمكِّن الحاكم الولي من العفو ]، لو قال ولي الدم: أنا عفوت، يقول الحاكم: لا بد من قتله، من أجل هذه الجرأة والوقاحة، كيف يقبل الدية وبعد ذلك ينتقم ويقتل؟[ وقال عمر بن عبد العزيز ]، وعمر بن عبد العزيز كان أميراً على المدينة، وجاء الحر في مثل هذه الأيام، وكان مولاه يروح عليه حتى ينام؛ إذ ما هناك حيلة، فالمرأة تروح على زوجها، والولد على والده، والصديق على صديقه، والعبد على مولاه، فأخذ النعاس العبد فنام أيضاً، فاستيقظ عمر وإذا بمن يروح عليه نائم، فأخذ المروحة وأخذ يروح عليه، فاستيقظ العبد فقال: لا تخف، ما الفرق بيني وبينك؟ أنت عبد الله وأنا عبد الله، نم أروح عليك، فمن يرقى إلى هذا المستوى؟وكان والياً لعمه الخليفة بالشام، ولما ولي الخلافة انكسرت درجة من درج بيته، فقالت المرأة أو الخدم: يا سيدي! الدرجة الفلانية لا بد من إصلاحها، قال: لا أصلحها، ما دمت قد وليت أمر المسلمين فلا أضع لبنة على أخرى، لا أبني بيتاً ولا منزلاً ولا أصلح درجة! هذا الزهد الحقيقي.إذاً: عمر بن عبد العزيز ماذا قال في هذه القضية؟ قال رحمه الله: [ أمره إلى الإمام ]، أمر هذا القاتل الذي أخذ الدية وقتل إلى الإمام، فينظر الإمام هل تحدث هذه القضية اضطرابات بين القبائل.. بين الأفراد.. بين الأسر، فالأمر الذي يراه يحقق الأمن والاستقرار يطبقه، ويجوز اجتهاداً منه ومن أئمة العلم.

المساواة في القصاص

وما معنى القصاص في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178]؟قال: [ القصاص: المساواة في القتل والجراحات وفي آلة القتل أيضاً ].المساواة في القتل، قتل واحد فلا يقتل به اثنان، والجراحات تقدر حتى بالمعاير والمقاييس وتتساوى، وفي آلة القتل كذلك، هذا قتل برصاص فما تقتله أنت بعصا، فالمرء مقتول بما قتل، قاعدة وضعها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.وقد ورد أن يهودياً قتل جارية مسلمة رضخ رأسها بين حجرين، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقتل كذلك، وهذا هو معنى القصاص.

تحقق حياة الناس بالقصاص

قال: [ حياة ] في قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] أي: [إبقاء شامل عميم، إذ من يريد أن يقتل يذكر أنه سيُقتل فيترك القتل فيحيا ] إذاً، [ ويحيا من أراد قتله، ويحيا بحياتهما خلق كثير وعدد كبير ].وصدق الله العظيم: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] عظيمة كثيرة، وجهها: [ إبقاء شامل عميم، إذ من يريد أن يقتل ] أول مرة [ يذكر أنه سيُقتل فيترك القتل فيحيا، ومن أراد قتله يحيا ]، وهكذا يحيا بحياتهما أيضاً آخرون، وهذا معنى قوله: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179].وقوله: [ أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179] ] في قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179]، أولي وأولو مثل: ذو وذي بمعنى صاحب، هذا ذو المصحف الفلاني، هذا ذو السيارة الفلانية، بمعنى صاحب، هذا ذو الدار أو ذو الخلق العظيم، هؤلاء أولو الدار الفلانية، بمعنى: أصحابها، أولو: بمعنى أصحاب.[ أولو الألباب: أصحاب العقول الراجحة ]، الألباب: جمع لب، ولب الخبزة وسطها اللذيذ منها، ولب الإنسان أيضاً قلبه، أعظم جزء في الإنسان وأبركه وأطيبه القلب: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ).إذاً: أصحاب الألباب أي: أرباب العقول، ذوو العقول.قال: [ أصحاب العقول الراجحة ]، أما العقول المرجوحة التائهة فلا قيمة لها، أولو الألباب: أصحاب العقول الراجحة الثقيلة الوزن التي لا تتحرك بسرعة فتخطئ.قال: [ واحد الألباب: لب، وهو في الإنسان العقل ].وقوله: [ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] ليعدكم ]، هذه (لعل) ليست للترجي، بل للإعداد، قال بعض أهل العلم -وأصابوا-: هذه لعل الإعدادية.أي: [ ليعدكم بهذا التشريع الحكيم لاتقاء ما يضر ولا يسر في الدنيا والآخرة ]. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179]، شرعنا هذا الحكم بالقصاص لماذا؟ لنعدكم للتقوى فتتقون ما يؤذيكم ويضركم في دنياكم وفي آخرتكم، ولله الحمد والمنة. هذا شرح الكلمات، فهيا بنا إلى معنى الآية الكريمة.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات: هذه الآية نزلت في حيين من العرب كان أحد الحيين يرى أنه أشرف من الآخر، فلذا يقتل الحر بالعبد والرجل بالمرأة تطاولاً وكبرياء، فحدث بين الحيين قتل وهم في الإسلام، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:178]، أجمله تعالى وتركه هكذا، وأهل العلم والحكم يوفقهم الله لما فيه الخير، فما قالوه لا يخطئون؛ لأن اللفظ عام. فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:178-179]، ليعدكم بذلك إلى التقوى، نتقي ماذا؟ البلاء والشقاء الخسران والعذاب في الدنيا والآخرة.قال: [ هذه الآية نزلت في حيين كان أحد الحيين يرى أنه أشرف من الآخر؛ فلذا يقتل الحر بالعبد والرجل بالمرأة تطاولاً وكبرياء، فحدث بين الحيين قتل وهم في الإسلام، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية تبطل ذحل الجاهلية وتقرر مبدأ العدل والمساواة في الإسلام ].تبطل ذحل الجاهلية: الذحل هو يجمع على ذحول، أي: الثأر الذي كان في نفوس أهل الجهالة؛ ولهذا ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن من أعتى الناس على الله يوم القيامة ثلاثة )، اللهم لا تجعل واحداً منا منهم، ( إن من أعتى الناس على الله يوم القيامة ثلاثة: رجل قتل غير قاتله )، قتل ابن عمه أو أباه أو أخاه، قتل غير الذي قتل، ( رجل قتل غير قاتله، ورجل قتل في الحرم )، في حرم مكة أو المدينة، ( ورجل أخذ بذحول الجاهلية ) جمع ذحل، أي: بعاداتها الباطلة من الثأر إلى غير ذلك.الله أكبر! هكذا إذاً نطوي الكتاب، العرب والمسلمون اليوم كلهم من أعتى الناس على الله يوم القيامة، يطبقون شرائع الغابات، لا قصاص أبداً يعرفونه.فالآن العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى موريتانيا لا يطبق شريعة الله ويأخذ بقوانين الشرق والغرب وهم أجهل الجاهلين، لا إله إلا الله! قال: [ فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى [البقرة:178]، فلا يقتل بالرجل رجلان، ولا بالمرأة رجل ولا امرأتان، ولا بالعبد حر ولا عبدان، فمن تنازل له أخوه ]، أخوه في الإسلام، [ فمن تنازل له أخوه -وهو ولي الدم- عن القصاص إلى الدية أو العفو مطلقاً فليتبع ذلك، ولا يقل: لا أقبل إلا القصاص، بل عليه أن يقبل ما عفا عنه أخوه ]، لو أن القاتل قال: اقتلوني، وأولياء الدم قالوا: لا نقتل، سنأخذ الدية، عفونا عنك، فلا يؤخذ برأيه.قال: [ ولا يقل: لا أقبل إلا القصاص، بل عليه أن يقبل ما عفا عنه أخوه له من قصاص أو دية أو عفو، وليطلب ولي الدم الدية بالرفق والأدب، وليؤد القاتل الدية بإحسان بحيث لا يماطل ولا ينقص منه شيئاً ]، هذا كله تقرر عندنا زادنا الله وإياكم علماً. [ ثم ذكر تعالى منته على المسلمين ] ولله الحمد والمنة، [ حيث وسع عليهم في هذه المسألة فجعل ولي الدم مخيراً بين ثلاثة: العفو، أو الدية، أو القود ] أي: [ القصاص، في حين أن اليهود كان مفروضاً عليهم القصاص فقط، والنصارى الدية فقط.وأخبر تعالى بحكم آخر في هذه القصة، وهو: أن من أخذ الدية وعفا عن القتل ثم تراجع وقتل، فقال: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:178]، واختلف في هذا العذاب الأليم هل هو عذاب الدنيا ] بالقتل [ أو هو عذاب الآخرة؟ومن هنا قال مالك والشافعي : حكم هذا المعتدي كحكم القاتل ابتداء: إن عفي عنه قبل، وإن طولب بالقود أو الدية أعطى. وقال آخرون: ترد منه الدية ] التي أخذها [ ويترك لأمر الله ]، نقول له: أعطنا الدية واذهب، نتركك لله عز وجل.[ وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: يرد أمره إلى الإمام يحكم فيه بما يحقق المصلحة العامة.ثم أخبر تعالى: أن في القصاص الذي شرع لنا وكتبه علينا مع التخفيف حياة عظيمة؛ لما فيه من الكف عن إزهاق الأرواح وسفك الدماء، فقال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] ].واضح معنى الآيات، ولو درسنا القرآن هكذا ما بقي مؤمن غير عالم.

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآية الكريمة ]، كل آية فيها هداية تحملها، كما أن كل لقمة فيها مادة مغذية.قال: [ من هداية الآية الكريمة:أولاً: حكم القصاص في الإسلام وهو المساواة والمماثلة، فيقتل الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، والمرأة بالرجل والرجل بالمرأة، ويقتل القاتل بما قتل به مماثلة ]، فالسكين بالسكين -كما علمتم- والرصاصة بالرصاصة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [ ( المرء مقتول بما قتل به )، ولما كان العبد مقوَّماً بالمال فإنه لا يقتل به الحر ]، وهذا عرفناه وتقرر عندنا؛ لأن الحر إذا قتل العبد فالعبد هذا يباع في السوق وقيمته معروفة، إذاً: يعطى هذا المبلغ لمولاه وسيده ينتفع به ولا يُقتل هدراً، وهذا الذي عليه الجمهور، وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن العبد يُقتل بالحر والحر يُقتل بالعبد، فخالف الجمهور.قال: [ وعليه الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد ، وخالف أبو حنيفة ] رحمه الله، [ فرأى القود، فيقتل الحر بالعبد أخذاً بظاهر الآية ]، فـأبو حنيفة احتج بآية المائدة: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]. [ ثانياً: محاسن الشرع الإسلامي وما فيه من اليسر والرحمة حيث أجاز العفو والدية بدل القصاص.ثالثا: بلاغة القرآن الكريم ]، ما وجه ذلك؟ [ إذ كان حكماء العرب في الجاهلية يقولون: القتل أنفى للقتل ].حكماء العرب في الجاهلية أطلقوا هذه الحكمة وقالوا: القتل أنفى للقتل، ما معنى: القتل أنفى للقتل؟أي: إذا قتل قيل: اقتلوه، فهذا يجعل حداً للقتل، فالقتل أنفى للقتل، فماذا قال القرآن الكريم؟ [ فقال القرآن: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] ]، ما ذكر القتل؛ لأن لفظ القتل مزعج.[ فقال القرآن: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]، فلم يذكر لفظ القتل بالمرة، فنفاه لفظاً وواقعاً ]، فقال: فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] لأننا إذا تركنا القتل فهذا المؤمن يعبد الله عز وجل.هذا والله تعالى أسأل أن ينفعني وإياكم دائماً بما ندرس ونتعلم ونسمع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #222  
قديم 08-10-2020, 06:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (117)
الحلقة (124)



تفسير سورة البقرة (82)


بعد أن ذكر الله في الآيات السابقة أحكام القصاص، ثنى هنا بذكر الوصايا لارتباطها بمن استحق حكم القصاص وأن عليه أن يوصي للوالدين والأقربين، ولكن هذه الآية نسخت بآية المواريث، ونسخ الحكم بالوجوب في الوصية إلى الاستحباب، فصارت الوصية مستحبة لغير الوالدين أو الأقربين الوارثين، إلا أن يجيز ذلك بقية الورثة.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله.
نسخ قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) بآية المائدة
وكنا مع قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178].وهذه الآية نسخت بآية سورة المائدة، في قوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].وقد قلنا: كان العرب -أي: حكماؤهم- يطلقون كلمة يعتزون بها؛ لأنها من حكمهم، فنزلت آية طمستها ولم يبقَ لها أثر، حيث كانوا يقولون: القتل أنفى للقتل. ونزلت الآية: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179].

ذكر سبب نزول آية القصاص في القتلى وبيان وسطية الأمة فيه

وسبب نزول هذه الآية التي نسخت، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ .. [البقرة:178]، نزلت في قبيلتين من العرب، كانت إحداهما تتفوق في الشرف والمكانة، فكان إذا قتل منهم امرأة يقتلون من القبيلة الثانية رجلاً، ما يقبلون امرأة، وإذا قتل منهم عبد قتلوا حراً، فأبطل الله هذا، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى [البقرة:178]، ونزلت آية المائدة: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45].وهل القصاص خاص بالنفس أو يتناول الأعضاء؟ يتناول الأعضاء، فالعين بالعين، والأنف بالأنف.. حتى الجراحة تقدر بمقاييس، وهذه نعمة فازت بهذه الأمة الإسلامية دون غيرها، فقد كان حال اليهود القتل في النفس فقط، إذا قتل اليهودي فلا بد أن يقتل، لا دية ولا عفو، بل القصاص تأديباً لهم، لأنهم قساة القلوب، وكان النصارى بعدهم: لا دية ولا قصاص، فمن صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، لِم هذا؟ تربية وتأديب، فجاءت أسمى الأمم وأشرفها فأعطيت الثلاثة: إن شئتم قتلتم، إن شئتم أخذتم دية، إن شئتم عفوتم، الأمر واسع لكم، ونعم السعة هذه.وقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] أي أن الذي يريد الدية يتبعها ويطالب بها بالمعروف، لا بالعنف والشدة، والذي يؤدي الدية ينبغي أن يؤديها أيضاً بلا مماطلة ولا نقصان.

امتناع قتل المسلم بالكافر

وذكرنا في قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] لطيفة في قوله تعالى: (من أخيه)، أي: في الإسلام، وبناءً على هذا فالكافر إذا قتل مسلماً فلا عفو ولا دية، الكافر إذا قتل مسلماً فالقصاص، لا عفو ولا دية، أنت تعفو عنه ليواصل كفره بالله وشركه! ما استفادت الدنيا، لكن المؤمن إذا عفوت عنه عبد الله سنين، والكافر ماذا يصنع؟ يزداد في الظلم والشر والخبث، إذاً: فالموت خير له، ولهذا قال تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178]، لا ابن أبيه أو أمه، أي: في الإسلام.ولا يقتل مسلم بكافر، وفي الحديث الصحيح: ( لا يقتل مسلم بكافر )، قد يقول الجفاة: هذا تعصب، وهذه شدة، وهذه غلظة!والجواب: أن الكافر ميت، أتقتل حياً بميت؟ أتميت حياً بميت؟ وقد تقرر عندنا أن الكافر حكمه حكم الميت، فالكافر من حقه أن لا يحيا ولا يعيش؛ لأنه خلق لعبادة الله بذكره وشكره فعطلها، إذاً: لِم يأكل ويشرب ويتنفس الهواء إلا رجاء أن يؤمن ويعبد الله، فلهذا لا يستحق القتل أبداً إلا قصاصاً، رجاء أن يسلم غداً أو بعد غدٍ فيعبد الله، فلهذا فالمؤمن حي يسمع ويعي، ينطق ويفهم، ويأخذ ويعطي، ولهذا كلفناه بالغسل فاغتسل، وبالحج فحج، وبالصيام فصام، وكلف كافراً فهل سيصوم؟ هل سيصلي؟ سيغتسل من جنابة؟ كلا، لأنه ميت، فلا نكلفه، وأهل الذمة في ديار المسلمين لا يكلفون، لا بصلاة ولا صيام، ولا بحج ولا زكاة، ولا بجهاد، ولا برباط، شأنهم شأن الموتى، فإذا أسلموا حيوا، وحينئذ كلفهم ولا تخف.
تفسير قوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين ...)

مناسبة الآية الكريمة لما قبلها

ونحن الآن مع آيات أخرى، والمناسبة بينها وبين السابقة أنه لما ذكر تعالى القصاص، والقصاص موت، فهذا الذي أريد أن يقتص منه له وصايا، فينبغي أن يوصي، فمن هنا قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].فهيا نسمع الآيات مرتلة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:180-182]، هذه آيات الأحكام. كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180]، الخطاب لمن؟ للمؤمنين قطعاً، ومعنى (كتب): فرض، وكتب في اللوح المحفوظ وفي القرآن العظيم.

معنى قوله تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت)

كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180] ماذا؟ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة:180]، بمعنى: إذا جاءه الموت وعرفنا مجيئه، لا أنه جاء في شخصية بارزة، وإذا جاء الموت فحينئذ ما بقيت وصية، فالمعنى: إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة:180] أي: حضرت أسبابه وعوامله، ومقتضياته، صدر الحكم على فلان بالقتل، قد يقتل بعد سنة، لكن يعتبر أنه حضر الموت، فليوصِ بما لديه وما عنده لغيره ولنفسه، ومن هذا قول الشاعر:أنا الموت الذي حدثت عنهفليس لهارب مني نجاءهذا جرير سمى نفسه الموت، باعتبار أنه سبب الموت، فقال وهو يهجو الفرزدق في مناورات عجيبة، قال له: أنا الموت الذي حدثت عنهفليس لهارب مني نجاءوالشاهد عندنا في ذكر الموت، والمراد أسبابه ومقتضياته وعوامله، وإن لم يحضر هو بعد عام أو أعوام.

معنى قوله تعالى: (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين)

قال تعالى: إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ [البقرة:180] أيها المؤمنون الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [البقرة:180] إن ترك الذي حضره الموت ولاحت أعلامه ودلائله وبراهنه، ككبر السن مثلاً، فماذا يفعل؟ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [البقرة:180] ما الخير الذي يتركه الإنسان؟ المال، صامتاً كان أو ناطقاً، كالأراضي.. الدكاكين.. الإبل.. البقر.. الذهب.. الفضة، كل ما يتمول يسمى مالاً وخيراً. إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180] أي: فالوصية، فالوصية هنا من حيث هي واجبة، لا يحل لمؤمن أن يبيت وله ديون أو عليه ديون ولم يكتب وصيته عند رأسه، بهذا جاءت السنة الصحيحة: ( ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )، إن كانت له حقوق أو عليه حقوق، حتى لا تضيع بموته، فمن الناس من لهم حقوق عند آخرين، فالورثة يفقدونها إذا مات، ومن الناس من عليه حقوق للآخرين إذا مات وما كتبها فالورثة يجحدون، ينكرون، ويعذب هو، إذاً: الوصية.وهنا لطيفة لأهل النحو: لِم ما قال: إن ترك خيراً فالوصية؛ إذ إن (إن) الشرطية الجواب بعدها يكون مقروناً بالفاء: من حضرته الصلاة فليقم، من حضره الطعام فليأكل أو ليتقدم. والجواب: حذفت هذه الفاء من باب التخفيف: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180]، بدلاً من: (فالوصية)، وهذا الكلام الإلهي الراقي السامي تتجلى فيه آيات الإعجاز في بلاغته وفصاحته في مثل هذه المواطن، وهذا معروف بالضرورة: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180]؟ أي: وصية واجبة عليه أن يفعل كذا وكذا. ومن هذا قول الشاعر:من يفعل الحسنات الله يشكرهاوالشر بالشر عند الله مثلان.والشاهد: من يفعل الحسنات الله يشكرها، كان المفروض أن يقول: فالله يشكرها، ولكن ضرورة الشعر والهروب إلى التخفيف، ما قال: (فالله)، لو قال: فالله فإنه ينخرم الوزن.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #223  
قديم 08-10-2020, 06:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

نسخ الوصية للوالدين والأقربين بآيات المواريث

والشاهد عندنا في قوله: الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].وهنا نسخ هذا اللفظ بالذات، ما هذا اللفظ؟ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180] الواجبة لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا [البقرة:180] واجباً عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180]، هذا قبل نزول آية المواريث، قبل أن تنزل سورة النساء، وفيها: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] إلى آخر الآيات.فقد فرض الله أولاً على المؤمنين إذا حضر أحدهم الموت أن يوصي لوالديه أولاً ثم الأقربين كالأبناء والإخوان وما إلى ذلك، إذ ما كانت قسمة، وهذا هو التدرج والترقي لتبلغ هذه الأمة كمالها في ظرف ثلاث وعشرين سنة.أمك قبل كل شيء، أوص لها بشيء، وأبوك كذلك، ثم الأقرب فالأقرب، هذا قبل نزول آية المواريث، قبل قسمة المواريث التي أنزلها الله فيما بعد. إذاً: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180] معناه: واجباً على الذين يتقون غضب الله وسخطه، الذين يتقون النار وما فيها من عذاب مقيم، حق واجب عليهم، وهذه الآية منسوخة، وبقيت فيها أحكام لم تنسخ، منها ما علمتم من أنه لا ينبغي لمؤمن له حقوق أو عليه حقوق أن يبقى ثلاثاً وليست وصيته عند رأسه.

حكم الوصية للوارث

ثانياً: أذن الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يوصي المؤمن أو المؤمنة بثلث ماله في وجوه البر والإحسان، ولا يوصي للورثة، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( لا وصية لوارث ) خلدت هذه الكلمة، قلها يا عبد الله، فالوارث له حق في التركة أم لا؟ فلِم توصي له؟ لو فتح الله هذا الباب لكان الرجل يوصي لمن يشاء من أحبائه، من أبنائه وأعمامه وأخواله، لكن الباب أغلقه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( لا وصية لوارث ) ما معنى هذا الكلام؟ أي: لا توصِ بالثلث أو بالربع أو بالسدس أو بشيء لواحد من ورثتك وأنت تموت، وأجاز أهل العلم أخذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصي لوارث بشرط أن يرضى بذلك سائر الورثة، فيقول: يا أبنائي.. يا إخوتي: إن فلاناً أعمى أو أعرج، أو أمي كذا، ونريد أن نوصي له بشيء، فهل توافقون؟ قالوا: نوافق ونوقع، أوص لأخينا مثلاً، فإن أجازها الورثة أجمعون جازت.فـ ( لا وصية لوارث )، فإذا رضي الورثة بأن عرض عليهم الهالك أن فلاناً أو فلانة في حاجة إلى كذا، وذكر الأسباب والعوامل، فاقتنع الورثة كلهم، وقالوا: لا بأس فإنه يجوز، أليس هو خيراً أو لا؟ أصبح الورثة قد تصدقوا على هذا، ولهم أجرهم، كأنهم اشتركوا في صدقة، فيجوز.

حكم رجوع الموصي عن الوصية

وهل للموصي أن يتراجع عن وصيته قبل أن يموت؟ الجواب: نعم. أوصى بالبستان الفلاني للفلانيين، أو الدار الفلانية للفلانيين، ثم أصابه ضعف أو مرض أو حصل له موانع فتراجع وأبطل الوصية وهو حي، وهي لا تنفذ إلا بعد موته، حتى ولو كتب، والوصية بالكتابة وبالشهود، أوصى لابن عمه الذي ليس من الورثة، ولاحظ فيه بعد أعوام أو أيام التمرد والفسق والباطل والشر، فقال: أنا ما أعطي مالي لهذا ليعصي به الله، فأبطل الوصية عند القاضي، فيجوز إبطالها، فله أن يوصي ثم يتراجع لأمر شرعي أو لنظرية سديدة صالحة، فله الحق في ذلك ما لم يمت أو يحضره الموت.

تفسير قوله تعالى: (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم)

وقوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ [البقرة:181]، إذا أوصى المؤمن بوصية وأشهد اثنين وسمعا، ثم لما مات بدلا وغيرا، فهل يأثمان أو لا؟ يأثمان، والمتوفى ما يأثم: فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ [البقرة:181]. وقوله: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:181] تهديد، إياك أن تظن أنك وحدك، وتغير الوصية وتزيد وتنقص، فمعك السميع العليم، السميع لأقوالك، العليم حتى بنياتك وإراداتك.

تفسير قوله تعالى: (فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه ...)

قال تعالى: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]، من هو هذا؟ أنت حاضر في المجلس، وخفت من هذا الذي يوصي ميلاً عن الحق، أو رأيت منه جنفاً واضحاً في وصيته، حيث قال: تعال يا فلان، يا فلان، أنا مريض أشهدكم على وصيتي، فَمَنْ خَافَ [البقرة:182]، منكم مِنْ مُوصٍ [البقرة:182]، من هذا الموصي جَنَفًا [البقرة:182] ميلاً، إما عن جهل وإما عن عدم بصيرة، خاف ميلاً عن الحق في وصيته أَوْ إِثْمًا [البقرة:182]، بمعنى أنه متعمد الحيف والجور في وصيته، قال: فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ [البقرة:182]، قال للموصي: هذا ما ينبغي، ما يجوز هذا، كيف تحيد، كيف تجور؟ ما الفرق بين ابنك إبراهيم وخالك فلان أو عمك فلان، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]، فهذا غير الوصية وبدلها؛ لأنه كان فيها انحراف واعوجاج، فتحمل واجتهد وأصلح تلك الوصية ومضى بها على الوجه المطلوب، فهل حين بدل وغير يعتبر آثماً؟الجواب: لا، فإن الله قال: فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]؛ لأنه أصلح فاسداً، لا لرغبة ولا لهوى، ولكن للحق وحب الخير، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]، لِم لا إثم عليه؟ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:182]، يغفر له ويرحمه، ويغفر للموصي الذي مال وصوبناه، أو انحرف، بل سقط في الإثم وأنقذناه، وإن كان مريضاً ومات بعد ساعات، لكن لما استقر الوضع على وصية شرعية فلا إثم عليه، لِم؟ لأن الله غفور رحيم، فيغفر له ويرحمه، هذا معنى الآيات، ونقرؤها في الكتاب.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: كُتِبَ [البقرة:180]: فرض وأثبت. خَيْرًا [البقرة:180] أي: مالاً، نقداً أو عرضاً أو عقاراً ]، والعقارات: الأراضي والمباني، والنقد: الدينار والدرهم.[ الْوَصِيَّةُ [البقرة:180] الوصية: ما يوصى به من مال وغيره. بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:180] هو ما تعارف عليه الناس كثيراً أو قليلاً؛ بحيث لا يزيد على الثلث ]، لا تزيد وصيتك على ثلث مالك، لو أوصيت بثلثين أو بنصف فالقاضي يبطل هذه الوصية، ما عندك أبناء ولا آباء، عندك أبناء عم أغنياء، فقلت: إذاً: أوصي بالنصف فلا، فالقاضي لا يقر ذلك، أو بالثلثين، فهذا حسد للورثة، ما أنت بمسئول عن غناهم وفقرهم.إذاً: الذي تعارف عليه المسلمون: أن الوصية لا تزيد على الثلث، سواء لحي أو ميت.قال: [ فَمَنْ بَدَّلَهُ [البقرة:180] التبديل: التغيير للشيء بآخر. جَنَفًا أَوْ إِثْمًا [البقرة:182]، الجنف: الميل عن الحق خطأ، والإثم: تعمد الخروج عن الحق والعدل ].هذه كلمات تحتاج إلى شرح، والآن مع معنى الآيات.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات: بمناسبة ذكر آية القصاص، وفيها: أن القاتل عرضة للقتل، والمفروض فيه أن يوصي في ماله قبل قتله؛ ذكر تعالى آية الوصية هنا، فقال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180] أيها المسلمون إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [البقرة:180] إن ترك مالاً الْوَصِيَّةُ [البقرة:180] أي: الإيصاء لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].ثم نسخ الله تعالى هذا الحكم بآية المواريث ]، في سورة النساء: يُوصِيكُمُ اللَّهُ .. [النساء:11] إلى آخر الآيات، [ وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا وصية لوارث ) .ونسخ الوجوب وبقي الاستحباب، ولكن لغير الوالدين والأقربين الوارثين، إلا أن يجيز ذلك الورثة، وأن تكون الوصية ثلثاً فأقل ] إن أجاز الورثة، [ فإن زادت وأجازها الورثة جازت؛ لحديث ابن عباس عند الدارقطني : ( لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ) ]، إذا أجاز الورثة ما فوق الثلث فلهم ذلك؛ لأن المال مالهم إذا أرادوا أن يتطوعوا.[ ودليل الاستحباب ] استحباب الوصية [ حديث سعد في الصحيح؛ حيث أذن له الرسول صلى الله عليه وسلم في الوصية بالثلث. وقد تكون الوصية واجبة على المسلم، وذلك إن ترك ديوناً لازمة أو حقوقاً واجبة في ذمته، فيجب أن يوصي بقضائها واقتضائها بعد موته، لحديث ابن عمر في الصحيح: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )، هذا ما تضمنته الآية الأولى، وهي المائة والثمانون. وأما الآية الثانية -وهي: المائة وإحدى وثمانون- فيقول تعالى لعباده المؤمنين: فمن بدل إيصاء مؤمن أوصى به بأن زاد فيه أو نقص، أو غيره، أو بدل نوعاً بآخر؛ فلا إثم على الموصي، ولكن الإثم على من بدل وغير، وختم هذا الحكم بقوله: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:181]، تهديداً ووعيداً لمن يقدم على تغيير الوصايا لغرض فاسد وهوى سيئ. وفي الآية الأخرى أخبر تعالى: أن من خاف من موصٍ جنفاً أو ميلاً عن الحق والعدل بأن جار في وصيته بدون تعمد الجور، ولكن خطأ، أو خاف الإثم على موص حيث جار وتعدى على علم في وصيته فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ [البقرة:182] أي: بين الموصي والموصى لهم، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182] في إصلاح الخطأ وتصويب الخطأ والغلط، وختم هذا الحكم بقوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:182].

هداية الآيات


قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: نسخ الوصية للوارثين مطلقاً إلا بإجازة الورثة ].وهنا سؤال: هل يجوز للمؤمن أن يقسم التركة قبل موته؟الجواب: يجوز، وإذا كسب مالاً جديداً فإنه يقسمه أو يتركه يُقسم بعده.إذاً: من هداية الآيات أولاً: نسخ الوصية للوارثين مطلقاً إلا بإجازة الورثة، وإذا أجاز بعض الورثة أجاز والبعض ما أجاز فلا تنفذ الوصية، لا بد أن يتفقوا.[ ثانياً: استحباب الوصية بالمال لمن ترك مالاً كثيراً يوصي به في وجوه البر والخير ].يستحب لأي مؤمن أو مؤمنة يكون له مال كثير وخير كثير أن يوصي في وجوه البر كالمساجد، الفقراء، طلبة العلم، المسافرين، الغرباء، المرضى، المستشفيات، يوصي بشيء من ماله، يستحب له هذا، لكن هل هذا واجب؟ الجواب: لا، فيستحب لمن حضره الموت أن يوصي بالثلث فأقل في وجوه البر والإحسان.[ ثالثاً: تأكد الوصية حضر الموت أو لم يحضر ]، ليس شرطاً أن يحضر الموت، وإنما الغالب، فالشخص إذا مرض مرضاً شديداً وخاف الوفاة فإنه يوصي.[ تأكد الوصية حضر الموت أو لم يحضر لمن له أو عليه حقوق، خشية أن يموت فتضيع الحقوق، فيأثم بإضاعتها ]كما قدمنا، فلا يبيت أحدنا ثلاث ليال أو ليلتين كما ورد وله شيء يوصي به إلا وكتب وصيته، كم من إنسان عنده ديون عند الناس، فإذا وما وصى فالورثة لا حق لهم، أو تكون عليه حقوق لفلان وفلان وفلان، فإذا مات يؤاخذ بها ويطالب، فلا بد أن يوصي.[ رابعاً: حرمة تبديل الوصية وتغييرها إلى غير الصالح ]، ما معنى (إلى غير الصالح)؟ الشيخ الفلاني حضره الموت والمرض فقال: أوصيكم بأن تأخذوا ثلث مالي بعد موتي لبناية القباب على قبور الصالحين، فالآن ما بقي الناس يحترمون الأولياء، ولا يقدسونهم، وأصبحت القباب إذا سقطت لا تجدد، فهذا المال في ذمتكم أن تجددوا به قباب الصالحين، فهل يجوز هذا؟وآخر كان مغرماً بالحشيشة أو بالخمر، فقال: ثلث مالي للحشاشين من أصدقائي وأحبائي! فهل يجوز؟! لا يجوز، وهكذا، فإن كان تغييرها وتبديلها لأجل الصالح فنعم، هذا أوصى على الخمر فيبدلونها إلى الفقراء والمساكين، أوصى لبناية القبور أو للمواليد، فلان يقول: كل سنة تقيمون المولد على حسابي، غلة البيت الفلاني أو البستان الفلاني تنفق في هذا! فهل يجوز هذا؟ لا يجوز، ويبدل إلى الصالح، فهذا لا يصح، هو بدعة، فكيف تنفق فيها المال؟مرة أخرى أقول: هذه الآيات ذات هدايات: الهداية الأولى: [ نسخ الوصية للوارثين مطلقاً إلا بإجازة الورثة ]، فإذا أجاز الورثة فلا بأس، كم من إنسان يكون له أربعة أولاد أكثرهم موظفون وأغنياء وواحد منهم معتوه وضعيف، فيقول: أبنائي! الدار الفلانية أوصينا بها لأخيكم، فهل توافقون؟ إن قالوا: لا أسكتوه، وإن قالوا: نعم يا والدنا، ونحن أحق بهذا منك، فلا حرج.[ استحباب الوصية بالمال لمن ترك مالاً كثيراً ]، لماذا قلنا: كثيراً؟ عندك أربعة أولاد وعندك دخل خمسة آلاف في الشهر، فتوصي بماذا؟ مثلاً: عندك ثلاث بنات متزوجات ومع أولادهن، وعندك مال ما شاء الله، فأوص بالثلث، لِم؟ لأن ورثتك أغنياء، يرضون أو لا يرضون؟ لا حق لهم؛ لأنك أوصيت بما دون الثلث أو بالثلث فقط.هذه الوصية مستحبة، وتذكرون سعداً رضي الله عنه، ذهب إلى مكة فمرض، فخاف أن يموت في غير دار هجرته، فعاده النبي صلى الله عليه وسلم، فبكى وذكر له ماله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الثلث والثلث كثير ) .[ تأكد الوصية سواء حضر الموت أو لم يحضر ] وهذا للذي عليه حقوق أو له حقوق، فكيف لا يكتب ويوصي إلا عند المرض؟ لا يدري الإنسان فقد يموت وهو يمشي، أو وهو راكب، فالذي له حقوق ينبغي أن يكتبها ويوصي، والذي عليه حقوق كذلك يكتب: لفلان علينا كذا، لفلان علينا كذا وكذا، حتى إذا مات فالورثة يوزعون ذلك المال على الورثة، إذ القسمة لا يبدأ بها إلا بعد سداد الدين وقضائه.[ تأكد الوصية حضر الموت أو لم يحضر لمن له أو عليه حقوق خشية أن يموت فتضيع الحقوق فيأثم بإضاعتها ]؛ إذ هو الذي أضاعها. وأخيراً: [ حرمة تبديل الوصية وتغييرها إلى غير الصالح ]، هل هذا له إشارة في الآية؟ نعم. قال تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ [البقرة:181].فإن أوصى بمال لبناء قبة، أو أوصى بأن يدفن في المسجد الفلاني، فهذا التبديل يصح، فإن كان التبديل لغير صالح فهو حرام، ولا يجوز، وعليه الإثم: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:181].هذا والله تعالى أسأل أن ينفعني وإياكم بما ندرس ونسمع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #224  
قديم 08-10-2020, 06:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (118)
الحلقة (125)



تفسير سورة البقرة (83)

لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بدأت تتوالى الأحكام وبدأ التشريع ينزل تباعاً، ولما كان الصيام من أعظم ما يكوّن عند الإنسان ملكة التقوى، فقد أنزل الله عز وجل فرضه في السنة الثانية من الهجرة، وشرع لعباده صيام شهر رمضان، وبين سبحانه أنه فرضه على هذه الأمة كما فرضه على من كان قبلهم من الأمم، وهون عليهم سبحانه بأن جعله شهراً واحداً في العام، ورتب عليه الثواب الجزيل إضافة إلى غفران الذنوب وذهاب الأدواء والأمراض.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات المباركة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:183-184].معاشر المستمعين والمستمعات! أذكركم ونفسي بالموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) فليهننا ذلك الخير وهذا الموعود على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألسنا في بيت الله؟ أليست هذه آيات من كتاب الله؟ ألسنا متدارسين لها؟ إذاً: الحمد لله، ولولا فضل الله علينا ورحمته ما اجتمعنا ولا تلونا ولا تدارسنا، فالمحرومون ملايين البشر.يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] هذا نداء الله عز وجل، وإن كنا درسناه في النداءات في الأسبوع الماضي هذا النداء باختصار، وليس بوافي الدراسة، والشيء إذا تكرر تقرر وثبت، هذا النداء موجه من قبل الله عز وجل إلى عباده المؤمنين ونحن إن شاء منهم. ينادينا بعنوان الإيمان، وسر ذلك معروف؛ لأننا أحياء بإيماننا نسمع ونعي، ونعقل ونعمل، نادانا ليخبرنا بخبر عظيم، يقول: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، افرحوا، أبشروا، فرض عليكم الصيام.


حقيقة الصيام وشرط تبييت النية فيه


والصيام: إمساك عن شهوتي البطن والفرج، إمساك بمعنى امتناع عن شهوتين: شهوة البطن فلا طعام ولا شراب، والفرج فلا جماع ولا وطء.هذا الصيام امتناع وإمساك، وقد علمنا أن من شرط صحته تبييت النية، العزم على أن نصبح غداً إن شاء الله صائمين، وعلمنا -وزادكم الله علماً- أن النية تبيت بالليل، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح ولم يفطر ولم يتناول شيئاً من المفطرات، ودخل على أهله يطلب طعاماً ليفطر، فإذا قالوا له: ما عندنا يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء، قال: إذاً أنا صائم. وينوي الصيام ويصوم إلى الليل، هذا الصيام صيام النافلة، لا الفريضة ولا الواجب، ومن حدث له هذا وفعل فإنه قد ائتسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن نعوذ بالله أن نصبح نطلب طعاماً ولا نجده، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أهله يطلب فطوراً، فقالوا: ما عندنا شيء، فقال: إذاً: أنا صائم.أما أحدنا إذا أصبح وما نوى الصيام، فلما أصبح وطلع النهار وجاء الضحى، وجاء الإفطار قال: إذاً: أنا سأصوم، فهذا لا يصح: ( من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له )، ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، لا توجد عبادة إلا وتسبقها نية التقرب إلى الله والتزلف إليه والتملق، أو نية أداء الواجب وما افترضَ عليّ مولاي، وما ألزمني به سيدي.

فرض الصيام على الأمم السابقة وفائدة ذكره

و(كتب) هنا بمعنى: فرض، وهو مكتوب أيضاً في اللوح المحفوظ، مكتوب في القرآن كتابة. كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، من آدم عبد الله ونبيه إلى آخر أمة، وهي أمة الإسلام، لما في الصيام من عوائد خير وبر وبركة على المؤمنين، سنستعرض بعضها إن شاء الله؛ لأن الله حكيم عليم، أليس كذلك؟ والحكيم إذا شرع أو قنن فهل يشرع لغير مصلحة؟ مستحيل هذا، وينزه الله تعالى عنه، فإذا شرع للمؤمنين الصيام فقد شرعه لحكم عالية، وفيه من الخيرات والبركات والعوائد ما لا يقادر قدره.وفي قوله: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] معنى التهوين والتخفيف، لستم وحدكم الأمة التي كتب عليها الصيام، فتمتنع من الطعام والشراب والوقاع، بل هذا تم لكل الأمم المؤمنة قبلكم، فلا حاجة إلى التململ أو التضجر.وشيء آخر: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، لا أعوام ولا أشهر، بل أيام معدودات: تسعة وعشرين يوماً، وأكثر شيء ثلاثون يوماً.

تحصيل التقوى بالصيام

وقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، هذه (لعل) نسميها الإعدادية، أي: ليعدكم بذلك للتقوى، والتقوى رأس مالكم، وأهل هذه الحلقة يعرفون قيمة التقوى، وباقي المسلمين لا يعرفون، إنها الخطوة الثانية للوصول إلى ولاية الرب تبارك وتعالى، فخطوتان يخطوهما العبد أو الأمة يصل إلى ولاية الله، ويصبح ولياً من أولياء الله، لا خوف عليه ولا حزن.اقرءوا قول الله عز وجل: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم يا رب؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].فمن لم يؤمن إيماناً يوقع عليه القرآن ويصدقه، ويعيش على تقوى الله فيأتي بالواجبات ويتخلى عن المحرمات وينافس في الصالحات ويبتعد عن المكروهات والمشبوهات؛لم تتحقق له ولاية الله، لن يكون ولي الله، فمَن من السامعين والسامعات يرغب أن يصبح غداً ولياً لله؟ الجواب: كلنا. إذاً: حقق إيمانك، واعرضه على القرآن، فإن وافق عليه وصدق فأنت مؤمن، مشيت الخطوة الأولى فزد الثانية، وهي أن تعيش تتقي الله، لا تتكلم بالكلمة حتى تعلم هل أذن لك أو لم يأذن، لا تفتح عينيك تنظر حتى تتأكد أذن لك أن تنظر أو لم يأذن، لا تتناول اللقمة -بله حبة العنب- حتى تعرف أذن لك أو لم يأذن، لا تنام حتى تعلم أذن أو لم يأذن، ولا تقم ولا تقعد، وهكذا تحقق تقوى الله عز وجل فتصبح من أولياء الله تعالى ممن قال الله فيهم: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64] فاللهم اجعلنا منهم.والبشرى في الحياة الدنيا: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له )، لن تموت يا ولي الله حتى تبشر بالجنة دار السلام، إما أن ترى ذلك أنت أو يراه لك عبد صالح ويخبرك ويبشرك.أما عند سياقات الموت وحال سكراته فلا تعجب، وفود تنزل من السماء محتفلة بروحك ورفعها في الملكوت الأعلى، وهي تبشرك وأنت تبتسم وتفارقك روحك وأنت تبتسم، وجاء هذا في كتاب الله، إذ قال تعالى من سورة (حم فصلت): إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] هؤلاء هم الأولياء أو لا؟ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، بشارات متتالية، هؤلاء أولياء الله ينتظرونه ساعة الاحتضار وهو في غرفة الإنعاش كما يقولون، فهل يتم لنا هذا؟ فهل عرفتم منزلة التقوى؟ الصيام يساعدكم على تقوى الله عز وجل؛ لأنك طيلة ما أنت صائم ما تجرؤ على أن تقول باطلاً أو ترتكب محرماً وأنت صائم أو تقول سوءاً، أو تحدث باطلاً، فأنت معصوم بالصيام.

تفسير قوله تعالى: (أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ...)

ثم قال تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا [البقرة:184]، والمرض من أعراض الحياة، وفيه خير أيضاً، فبالنسبة إلى المؤمنين المرض خير لهم، وبالنسبة لغير المؤمنين هو عذاب عجل لهم في الدنيا قبل الآخرة، أما المؤمن فبالمرض تكفر سيئاته وتمحى ذنوبه، وترتفع درجاته، ما من مؤمن تصيبه مصيبة حتى الشوكة يشاكها إلا حط الله بها خطاياه، فالحمد لله.أحد الصحابة لما سمع هذا الخبر قال يا رسول الله: اسأل الله تعالى أن لا تفارقني الحمى ولكن لا تقعد بي عن العمل. واستجاب الله له، فما سافر إلا والحمى عليه ليل نهار طول حياته، وهو يواصل الطاعات والعبادات ولا تفارقه الحمى رضي الله عنه وأرضاه. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فالواجب عدة أخرى من أيام أخر يصومها. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ [البقرة:184] أيها المؤمنون والمؤمنات مريضاً مرضاً لا يقوى معه على الصيام، والمرض درجتان: درجة الخطر، وهنا يحرم الصوم، ودرجة دون الخطورة، درجة ألم فقط، فالصوم أفضل، ولو أفطر جاز له الإفطار، والمسافر المسافة المعروفة: ثمانية وأربعون ميلاً، والميل ألفا ذراع، والكيلو متر بالحساب الفرنسي ألف متر، والمتر ذراعان، فهذا القول الوسط عند أهل العلم، وهو: أن المسافة لا تنقص عن ثمانية وأربعين كيلو متر، فإن زادت فلا تسأل. فَعِدَّةٌ [البقرة:184] أي: فعليه، أو فواجب عدة من أيام أخر بعددها.

معنى قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)

وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184]، يقدرون عليه ولكن مع المشقة، وهذا الجزء منسوخ، فالصيام فرض على مراحل، حيث فرض صيام عاشوراء في السنة الأولى من الهجرة، ما إن دخل النبي صلى الله عليه وسلم في محرم حتى وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسألهم فقالوا: ( هذا يوم أنجى الله فيه موسى وبني إسرائيل فنحن نصومه شكراً لله، قال: نحن أحق بموسى منكم ) ، ونحن أحق بموسى منهم، فصام وأمر أهل المدينة أن يصوموا، فصوم الأنصار والمهاجرون أطفالهم الصغار، صاموا وصوموا أطفالهم الصغار.ثم جاءت السنة الثانية ففرض الله صيام رمضان، ونسخ الصيام الأول، وبقي صيام عاشوراء سنة مستحبة، ليس بواجب أبداً.إذاً: ففي أول سنة فرض صيام رمضان كانت هذه الآية تقول: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184]، وما يقال: تطيق في نحو حمل الكتاب، لكن إذا وضع بين يديك كيساً فيه مائة كيلو فإنه يسألك: تطيق حمله أم لا؟ أقول: هل من المعقول أن تقول لأخيك: تستطيع أن تحمل هذا الكأس من الشاي؟ هذا لا يقوله عاقل، لكن إذا كانت غرارة، أو صندوق، أو شيء كبير يقول: تطيق هذا أو لا؟ فقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184] معناه: يتحملونه بمشقة وعناء، إما لكبر سن وإما لمرض وإما للعادة، ما تعودوا أن يتركوا الأكل والشرب طول النهار، فقال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184] أي: يقدرون عليه مع العناء والمشقة والألم والتململ، هؤلاء يفطرون ويطعمون عن كل يوم مسكيناً رحمة من الله تعالى. وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] يدفع الفدية ويأكل، ولا يلومه أحد، لأنه ما هو منشرح الصدر وقوي على أن يصوم، ما يقوى، فمن رحمة الله بالمؤمنين أوليائه شرع هذا: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] يقدمها ويفطر، ولا يقضي.ثم نسخ هذا بالآية التي تأتي بعد هذا، وهي قول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، أما مجرد أنه يتململ أو ما تعود فقد انتهى. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [البقرة:185] أي: دخول الشهر، وشهده وحضر الإعلان عنه أو رآه، فالصيام لا بد منه حينئذ، إلا أن يكون مريضاً حقاً، أو مسافراً. فهذا الجزء نسخ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا [البقرة:184] أطعم عشرة مساكين فله ذلك. والإطعام يقول فيه أهل العراق في الزمان الأول: إنه نصف صاع، أي: مدان. وأهل الحجاز وأهل المدينة بالذات يقولون: مد واحد، والمد: حفنة بحفنة الرجل المتوسط، والآن الإطعام هو كيلو إلى كيلو ونصف.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #225  
قديم 08-10-2020, 06:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)

فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [البقرة:184]، إذا أطعم عشرين فليفعل، بدل أن يعطي المد يعطي أربعة أمداد، هل هناك من يقول: لا؟ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [البقرة:184]. وَأَنْ تَصُومُوا [البقرة:184] أيها المطيقون للصيام بالتكلف، إن شئتم أطعمتم، ولكن: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184] ففوائد الصيام وآثاره طيبة في النفس والحياة، خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184].

الأحكام المتعلقة بفطر الشيخ الكبير والمريض والحامل والمرضع

هنا عندنا شيخ كبير هرم، وعندنا مريض ميئوس من شفائه، على سرير الموت، وعندنا حامل في بطنها جنين أو جنينان، وعندنا مرضع ترضع ولداً، ما كان الثدي الصناعي ولا كانت الإبرة، هؤلاء أربعة أصناف. فالرجل الكبير المسن، طالت به الحياة فما أصبح يستطيع الصيام، هذا يفطر بلا نزاع، ولا يكلف نفسه ما لا يطيق، ويطعم عن كل يوم مسكيناً.ونظيره المريض الذي لازمه المرض، وما أصبح ينتظر الشفاء حتى يقضي، هذا أيضاً كالأول يطعم مسكيناً عن كل يوم ولا قضاء عليه.أما الحامل والمرضع فشفقة بهما ورحمة بهما، الحامل في بطنها الجنين، وهي تتألم، إذا جاعت تخشى أن يسقط جنينها، والمرضع تخشى إذا جاعت أن ينقطع لبنها ويبكي طفلها ويصرخ، فتفطران وتطعمان وتقضيان، تفطران وتطعمان عن كل يوم مسكيناً، وتقضيان.هنا مسألة: المرضع إذا خافت على ولدها، والحامل إذا خافت على حملها، هاتان تفطران وتطعمان وتقضيان، وإذا خافت على نفسها فقط لا على الولد، مرضع أو حامل خافت إذا صامت أن تتأذى وتمرض هي، فهذه تقضي ولا تطعم، كالمسافر والمريض.والموضوع يحتاج إلى تأمل، فأقول: ما حكم المريض والمسافر؟الجواب: يفطران ويقضيان. وما حكم الشيخ الهرم والمريض الذي لا يرجى برؤه؟الجواب: يفطران ويطعمان.فعندنا حامل ومرضع، فإن خافتا على نفسيهما لا على ولديهما فإنهما تفطران وتقضيان، ولا تطعمان، شأنهما شأن المريض، لكن إن خافتا على ولديهما لا على نفسيهما، فهنا تفطر وتطعم وتقضي، لأن خوفها على ولدها أو على ما في بطنها، ما هو بخوف على نفسها، ما هي مريضة، خافت على طفلها. إذاً: لابد أن تطعم مسكيناً.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

وبعد ذلك البيان نسمعكم ما في التفسير لزيادة معرفة وعلم.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات:كتب: فرض وأثبت ].ما معنى كتب؟ معناه: فرضه وأثبته بالكتابة تأكيداً له. [ الصيام: لغة: الإمساك، والمراد به هنا: الامتناع عن الأكل والشرب وغشيان النساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ]. غشيان النساء، يقال: غشيها: إذا غطاها، وفي ذلك تعبير قرآني فيه الأدب: فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا [الأعراف:189]، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ [البقرة:187]. ودعنا نبكي قليلاً، فالآن بلغنا: أن مؤتمراً عالمياً سيعقد في القاهرة يضم مائة، هذا المؤتمر إشفاقاً منه ورحمة على البشرية،يريد أن يبيح اللواط والزنا والباطل والشر، وأن يحدد الولادة ويمنع الولادة، نصب نفسه منصب الرب تعالى ليخطط ويشرع، وأحسب أنه ما ارتكبت زلة أعظم من هذه في الحياة، حتى قلت وأنا في كرب: لو يستطيع أحداً أن يأخذ كلمات مني في الرسالة ويقرؤها في المؤتمر الذي أسأل الله أن لا ينعقد، فوالله! لأعطينه خمسة آلاف ريال، يطير بالطائرة بألف ويقرأ الرسالة.فهؤلاء كفار، بلغ بهم الكفر حتى تنكروا للفطرة، والذي نقول لهم: يا كفرة! ابتعدوا عن ساحة الرب، فهو الذي يشرع ويقنن لعباده، هل خلقتم أنتم امرأة أو رجلاً، خلقتم طفلاً أو طفلة؟ من أين لكم أن تشرعوا وأن تقننوا، وتبيحوا ما حرم الله، وتحاربوا الله عز وجل ورسله وأولياءه في الأرض والسماء؟أمر يكرب ويحزن ويحطم في بلد إسلامي، قالوا: حقوق الإنسان، ومن حقوق الإنسان أن يسمح للأولاد بأن يلوط بعضهم ببعض أمام أهليهم وذويهم، فالحق حقهم! كلام قذر وأوساخ.والحقيقة أنهم لا يلامون: أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ [النحل:21]، بهائم، بل شر من البهائم وأسوأ، ظهروا لما غبنا، ورفعوا رءوسهم لما ذللنا وطأطأنا رءوسنا، نحن الذين أضعناهم وأهملناهم، ما عرفناهم بالله ولا عرفوه، ما عرفناهم بشرائع الله وما تنتجه وما تظهره من كمال البشر في الأرض، فلهذا نحزن فقط.قال: [ الصيام لغة: الإمساك، والمراد به هنا: الامتناع عن الأكل والشرب وغشيان النساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ]، لِم عبر بالغشيان والتغطية واللباس؟ ينزه المؤمنين أن يتكلموا بكلمة سوء، أو ينطقوا بعبارة تدل على الفحش والقبح، إنهم أولياء الله، وهؤلاء الملاحدة والمسحورون بسحر اليهودية يتبجحون بفتح المجال للأولاد أن يلوط بعضهم ببعض![ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، تسعة وعشرون أو ثلاثون يوماً بحسب شهر رمضان ]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( الشهر هكذا وهكذا وهكذا )، وعقد بكفيه تسعة وعشرين وثلاثين، وما هناك واحد وثلاثون ولا ثمانية وعشرون أبداً.[ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فعلى من أفطر لعذر المرض أو السفر فعليه صيام أيام أخر بعدد الأيام التي أفطر فيها ].وهنا مسألة: إذا فرط المسافر أو المريض وما قضى، عاد من سفره ولم يقضِ حتى دخل العام الثاني؟ هنا يسن له أن يطعم عن كل يوم مسكيناً مع القضاء قطعاً؛ لأن المفروض ألا يمضي عليه سنة كاملة ولا يقضي، إلا إذا كان في مرض متواصل أو سفر متواصل فلا حرج، فيقضي في العام الآتي وليس عليه إطعام.[ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184] أي: يتحملونه بمشقة لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، فالواجب على من أفطر لعذر مما ذكر أن يطعم على كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه ]، وهذا الجزء منسوخ.[ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا [البقرة:184] أي: زاد على المدين أو المد أو أطعم أكثر من مسكين، فهو خير له. وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184]، الصيام على من يطيقه ولو بمشقة خير من الإفطار مع الإطعام ].هذا الشرح للكلمات، كل كلمة على حدة.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين:لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ]، أي: المدينة النبوية [ وأصبحت دار إسلام ] بعدما كانت دار كفر وأوثان، [ أخذ التشريع ينزل ويتوالى، ففي الآيات السابقة كان حكم القصاص، وحكم الوصية، ومراقبة الله في ذلك، وكان من أعظم ما يُكوِّن في المؤمن ملكة التقوى الصيام، فأنزل الله تعالى فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة، فناداهم بعنوان الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:183] وأعلمهم أنه كتب عليهم الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم من الأمم السابقة، فقال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، وعلل لذلك بقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] أي: ليعدكم به للتقوى، التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لما في الصيام من مراقبة الله تعالى ]، فالصائم دائماً يراقب الله، لولا أنه يراقب لكان يأكل ويشرب، فما دام مع مراقبة الله فإنه ما يعصي الله.[ وقوله: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، ذكره ليهون به عليهم كلفة الصوم ومشقته، إذ لم يجعله شهوراً ولا أعواماً، وزاد في التخفيف أن أذن للمريض والمسافر أن يفطر، ويقضي بعد الصحة أو العودة من السفر، فقال لهم: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، كما أن غير المريض والمسافر إذا كان يطيق الصيام بمشقة وكلفة شديدة له أن يفطر ويطعم على كل يوم مسكيناً، وأعلمهم أن الصيام في هذه الحالة خير، ثم نسخ هذا الحكم الأخير بقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185].وقوله: إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184]، يريد: تعلمون فوائد الصوم الدنيوية والأخروية، وهي كثيرة، أجلها: مغفرة الذنوب وذهاب الأمراض ].

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات: أولاً: فرضية الصيام وهو شهر رمضان.ثانياً: الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن.ثالثاً: الصيام يكفر الذنوب؛ لحديث: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ).رابعاً: رخصة الإفطار للمريض والمسافر.خامساً: المرأة الحامل أو المرضع دل قوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184] أنه يجوز لهما الإفطار مع القضاء، وكذا الشيخ الكبير فإنه يفطر ولا يقضي، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كذلك ] يفطر ويطعم ولا يقضي، [ إلا أن عليهما أن يطعما عن كل يوم مسكيناً، بإعطائه حفنتي طعام ]، هذا نصف صاع، [ كما أن المرأة الحامل والمرضع إذا خافت على حملها أو طفلها أو على نفسها أن عليها أن تطعم مع كل صوم تصومه قضاء مسكيناً ].لكن فصلنا فقلنا: إذا خافت الحامل أو المرضع على نفسيهما فتفطران وتقضيان ولا تطعمان كالمريض، وإن خافتا على ولديهما فتفطران وتقضيان وتطعمان.[ سادساً: في الصيام فوائد دينية واجتماعية عظيمة، أشير إليها بلفظ: إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184] ].

فوائد الصيام

[ من هذه الفوائد: أولاً: يعود الصائم الخشية من الله تعالى في السر والعلن.ثانياً: كسر حدة الشهوة، ولذا أرشد العازب إلى الصوم ]، كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) أي: خصاء، وبعض الشباب يقولون: كلما صمنا زادت قدرتنا، فنقول: لا، واصلوا الصوم، ولا تسرفوا في الطعام والشراب طول الليل، صوموا الصوم الشرعي فلن يتخلف أبداً.[ ثالثاً: يربي الشفقة والرحمة في النفس ]، فالذين ما ذاقوا الجوع أبداً لو سقط أمامهم أحد بالجوع لا يفهمونه، لكن لما يصومون يعرفون الذي يتلوى من الجوع أو العطش.[ رابعاً: فيه المساواة بين الأغنياء والفقراء والأشراف والأوضاع ]، يقال: غداً رمضان فتصبح كل الأمة صائمة، الشريف، الوضيع، الغني، الفقير، العالم، الجاهل، فهذه مساواة أو لا؟[ خامساً: تعويد الأمة النظام والوحدة والوئام ]، يقال: غداً رمضان فتصبح كلها صائمة، وبعد غد العيد فتصبح كلها مفطرة، فيعود على النظام والوئام.وعندنا مثل للنظام: فالآن لو نربي الحجاج في بلادهم ونأتي بهم ليرموا الجمر فإذا أحسنوا النظام سيرمونها وهم يبتسمون، ولما نزلت آية تحويل القبلة إلى الكعبة جاءَ جاءٍ من المسجد النبوي إلى مسجد القبلتين فوجدهم يصلون غرباً صفوف النساء والرجال، فأعلمهم فاستداروا كما هم عليه.والآن والله! ما تستطيعون، فأولئك استداروا كلهم في خط واحد، وقد كانوا إلى الغرب فاستداروا كما هم، فهذا يحتاج إلى تربية، والأمة قابلة للطلوع، فنحن الآن هابطون ما نستطيع.[ سادساً: يذهب ] أي: الصيام [ المواد المترسبة في البدن ] من الشحم وما إلى ذلك، [ وبذلك تتحسن صحة الصائم ]، وفي الحديث: ( صوموا تصحوا، وسافروا تغنموا ) .وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #226  
قديم 11-10-2020, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (119)
الحلقة (126)



تفسير سورة البقرة (84)

لما ذكر سبحانه وتعالى أنه كتب على الأمة الصيام وجعله أياماً معدودات، ذكر هنا أن هذه الأيام المعدودات هي أيام شهر رمضان المبارك، الذي أنزل فيه القرآن هادياً وموضحاً طرق الهداية، وفارقاً بين الحق والباطل، ثم بين سبحانه أن من كان حاضراً في البلد عند دخول الشهر فقد وجب عليه الصوم، ومن كان مريضاً أو مسافراً أفطر ثم قضى بعدة الأيام التي أفطرها بسبب ذلك تيسيراً على العباد، ورفعاً للمشقة عنهم.

تفسير قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية المباركة، فلنتلها أولاً ثم نأخذ في بيان ما احتوت عليه من العلم والمعرفة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]. ‏

معنى رمضان

أولاً: شهر رمضان هو الشهر التاسع من شهور الشمس القمرية، ورمضان مأخوذ مشتق من الرمضاء، وهي شدة الحر، ولهذا ورد: ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )، والفصال جميع فصيل: ابن الناقة الصغير، إذا اشتد الحر وارتفعت الشمس فالفصيل ما يقوى على الوقوف بخفيه، فيبرك على الأرض، فهذا وقت صلاة الأوابين، والمراد منها: صلاة الضحى حين ترتفع الشمس وتشتد الحرارة، والرمض: هو شدة الحر للعطشان، من به ظمأ وعطش ترمض نفسه، فمن هذا سمي شهر الصوم برمضان، ويجوز أن تقول: شهر رمضان أو تقول: رمضان، ولا حرج. وقوله تعالى: الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] أولاً: أنزل القرآن في بيان فضل الصيام، وأنزل القرآن في شهر رمضان، بل ورد أن كتب الله من صحف إبراهيم إلى الإنجيل إلى القرآن كلها نزلت في رمضان.

نزول القرآن في شهر رمضان

ثم إن نزول القرآن من اللوح المحفوظ، أما قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]؟ نزل في رمضان إلى السماء الدنيا في بيت العزة، ثم أخذ ينزل منجماً نجماً بعد نجم بحسب أحوال البشرية، فكلما تطلب الأمر نزول آية أو آيات تنزل والرسول يعلم ويبلغ، والكتبة يكتبون ويدونون، إذ كان للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون كاتباً يحسنون الكتابة، وكلما نزلت الآية أو السورة كتبوها.إذاً: وما هي الليلة التي نزل فيها القرآن؟ الظاهر أنها ليلة القدر، وذلك لقول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:3-5]، وقال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:1-5]. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، والقرآن: هذا اللفظ علم على كتاب الله، وله علم آخر: الفرقان، القرآن مشتق من القرء الذي هو الجمع، جمعت حروفه وكلماته وآياته وسوره في كتاب واحد، فهو قرآن، وسمي بالفرقان؛ لأن الله فرق به بين الحق والباطل، بين المعروف والمنكر، بين الشر والخير، بين كل متلابسات الحياة.

معنى قوله تعالى: (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)

وقوله: هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى [البقرة:185] هذا هو القرآن، والله! لهدى للناس أبيضهم وأصفرهم، عربهم وعجمهم، لفظ الناس عام، فأيما إنسان ذكر أو أنثى يؤمن بهذا الكتاب ويقبل عليه يقرؤه ويتفهم مراد الله منه ويعمل به إلا اهتدى إلى طريق سعادته وكماله ونجا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ولا يقولن قائل: قرأناه ولم نجد فيه الهداية! فهذا كلام باطل ولا ينطق به حتى إبليس. هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى [البقرة:185] ليس مجرد هدى، بل كان بينات، أنواع وفنون من أنواع الهدايات، فهو في العقل، في الآداب، في الأخلاق، في المال، في الحياة بكلها لا يوجد موضع في الحياة إلا والقرآن يهدي ويبين ما فيه.إذاً: والفرقان كذلك، فرق الله بالقرآن بين الكفر والإيمان، بين الشرك والتوحيد، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الصالحين والمفسدين، بين الأبرار والفجار، القرآن هو الفرقان، وشأن الفرقان عظيم.

معنى قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)

بعد هذا قال تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وتقدم لنا في الدرس الماضي أن الله أخبرنا أنه كتب علينا الصيام، وأنه أيام معدودات لا أعوام ولا أشهر، وكما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين تسعة وعشرين يوماً إلى ثلاثين، وأن هذا ليس مما كلفنا به دون غيرنا، بل الأمم التي عرفت الله كلها فرض عليها الصيام.إذاً: متى نصوم؟ بين تعالى الشهر الذي كتب أيامه، فقال: شَهْرُ رَمَضَانَ [البقرة:185] كأن سائلاً يقول: ما هو الشهر الذي نصوم فيه؟ ما هي الأيام التي نصومها؟ فأخبر تعالى أنها أيام شهر رمضان. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [البقرة:185] كيف يشهد الشهر؟ يشهده: يحضر في القرية أو في الحي، يشهد من يقول: انظروا إلى الهلال، أو يقول: أنا رأيت الهلال أو رؤي الهلال، شهده وكان حاضراً غير مسافر.ثم هنا مسألة فقهية لا بد من معرفتها: وهي أن ثبوت رؤية الهلال للصيام تثبت برؤية المؤمن العدل، ولا يتطلب الأمر شاهدين أو استفاضة الشهادة، أ يما مؤمن عاقل يشهد بأنه رأى مساء الليلة الهلال فقد وجب على المؤمنين الصيام، هذا الذي عليه أكثر أئمة الإسلام.أما الإفطار -وهو الإعلان عن شهادة رؤية هلال شوال- فثَمَّ لا تقبل شهادة الواحد وإن كان عدلاً، وإنما لا بد من شهادة اثنين من المسلمين العدول.والسر واضح؛ لأن الذي يشهد بأنه رأى هلال رمضان ليصوم ويصوم المؤمنون؛ فالفطرة تتنافى مع تحمل الأتعاب والظمأ والعطش وترك الأكل والشرب، فكيف إذاً يقول: رأيته وما رآه؟ أما الرؤية من أجل أن يفطر فقد يكذب حتى يفطر، هذا ليس واجباً أنه يقع، لكن هذه وضعية البشر، هذه فطرة الناس، فمن هنا تقبل في رؤية هلال رمضان شهادة مؤمن واحد ولا نطلب شهادة اثنين أو ثلاثة.أما العيد برؤية هلال شوال فلا بد من اثنين من العدول، فلو قال واحد: أنا رأيت فلا نأخذ برؤيته، له أن يفطر هو في بيته، فإذا تأكد من الرؤية ورآها فله الحق أن يفطر، لكن لا يحمل الأمة أن تفطر برؤيته، ولا يقبل منه هذا أبداً، إلا إذا شهد اثنان فأكثر على أنهم رأوا الهلال. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المؤمنون، ولو قامت كتلة من اليهود وقالوا: رأينا الهلال فلا نقبل قولهم، لو قالت أوروبا الصليبية كلها: لقد رأينا الهلال الليلة، فصوموا، فلا نقبل؛ لأنهم غير عدول، وأي انحراف وهبوط أكثر ممن يكفر بالله ويجحده؟ إذاً: قوله تعالى: مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المؤمنون.ثم هنا أمر آخر: مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المكلفون، فغير المكلف لا يدخل في هذا، والمكلف هو المؤمن العاقل البالغ، فغير المؤمن ما هو بمكلف، لو رأى الهلال فلا التفات إليه، وطفل صغير لم يبلغ لا تقبل شهادته، ومجنون مختل العقل لا تقبل شهادته.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #227  
قديم 11-10-2020, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ...)

قال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].[ ذكر تعالى عذر المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدده، وأخبر تعالى أنه يريد بالإذن في الإفطار للمريض والمسافر اليسر بالأمة، ولا يريد بها العسر، فله الحمد وله المنة ].

معنى قوله تعالى: (ولتكبروا الله على ما هداكم)

ثم قال تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] على هدايته لكم، وهذا في ليلة العيد، فهل الكافرون يكبرون؟ ائت لي بكافر يكبر وسنعطيك ألف ريال، يكره أن يقول: الله أكبر، وإذا بك أنت تتلذذ بها وترفع صوتك بها وأنت في فرح وسرور، أليس هذا مما يحمد الله عليه ويشكر؟ عندنا مثل عامي، فالعجوز إذا كانت تكره جارتها تقول: لا تنطقي باسمي، ما أسمح أن تقولي: فلانة، فكيف هذا؟ بمعنى: أنا فوق مستواكِ أنتِ حتى تذكري اسمي. ومن هنا أذن الله لنا في ذكر اسمه، فهذا إنعام لا حد له، وإلا فمن نحن وما نحن حتى نذكر اسم الله الجليل؟ هل نحن أهل لأن نذكر الله؟ والله! ما نحن بأهل، ما قيمتنا؟ ولكن من فضله علينا وامتنانه أن أذن لنا في ذكره، بل وأثابنا عليه، بل ورفعنا درجات بذكره.

معنى قوله تعالى: (ولعلكم تشكرون)

وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] أي: وليعدكم أيضاً للشكر، وقد تقرر عند السامعين والسامعات الشكر، فالشكر أولاً: الاعتراف في القلب بالنعمة للمنعم.ثانياً: ترجمتها والإعراب عنها باللفظ: الحمد لله.ثالثاً: صرف النعمة فيما من أجله أنعم بها المنعم، لا أن ينعم عليك بألف ريال فتشتري بها كأس خمر وتشربه، أنعم عليك بنعمة الصحة فلا تبدد طاقتك في معصيته، أنعم عليك بنعمة الشرف والمكانة الرفيعة فتواضع وتطامن، لا تترفع على أوليائه وتتكبر عليهم، وهكذا.. فهذه الحقيقة لن تفوت المؤمنين والمؤمنات، الشكر علة الحياة كلها، أليس كذلك؟ لو سألت: يا رب! لم خلقت هذه العوالم كلها؟ يقول: خلقتها لأجلك. يا رب! وأنا خلقتني لم؟ يقول: من أجل أن تذكرني وتشكرني. فعلة الوجود بكله: أن يذكر الله ويشكر، لهذا فالذي لا يذكر الله ولا يشكره جزاؤه أن يخلد في العذاب الأبدي.وبينا غير ما مرة فقلنا: لو أن شخصاً نسف مدينة فسيحكمون عليه بسجن خمسين سنة، وإذا كان نسف قارة بكاملها فسيسجن حتى الموت، وهذا الذي ترك ذكر الله وشكره كأنما نسف السماوات كلها ونسف الأرض وبدد العوالم كلها، إذ كلها مخلوقة لأن يذكر الله ويشكر، فلما رفض ذكر الله وشكره كان كمن نسف العوالم كلها وصيرها دخاناً، إذاً: كم يعذب هذا؟ لا نهاية لعذابه؛ لأن جريمته أعظم.قد يقول قائل: هذا كفر سبعين عاماً فكيف يخلد في جهنم؟ فنقول: لأنه ما كفر سبعين عاماً، بل لأنه كمن نسف الكون كله ودمره، لأن الحياة كلها مخلوقة لنا، أما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29]، وقال: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية:13]؟ وفي الحديث: ( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك )، إذاً: فإذا أراد من عبده أن يذكره ويشكره فرفض الذكر والشكر كان شر الخليقة والبرية، وجزاؤه أن يخلد في عذاب لا ينتهي.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

الآن نقرأ الدرس من الكتاب.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات:شهر رمضان: هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية، ولفظ الشهر مأخوذ من الشهرة ]، والشهرة: الاشتهار والانتشار، مأخوذ من الشهرة؛ لأنهم يشاهدون الهلال.ورمضان مأخوذ من: رمض الصائم إذا حر جوفه من العطش. الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] هذه آية فضله على غيره من سائر الشهور حيث أنزل فيه القرآن، وذلك في ليلة القدر منه لآية: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1] ] وفي ليلة مباركة.قال: [ أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل ] منجماً [ نجماً بعد نجم ]، والنجم كوكب، لأن البشرية قبل الحساب وقبل هذا الترقي في المادة كانوا إذا طلع النجم الفلاني فإن أحدهم يسافر، أو طلع النجم الفلاني فيسدد دينه، يشاهدون السماء والنجوم تطلع وتغيب، فيحسبون هذا الحساب، هذا معنى أنه منجم نجماً بعد نجم، فترة بعد فترة، زمناً بعد زمن.قال: [ وابتدئ نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أيضاً ]، وهل في ليلة السابع عشر؟ خلاف. [ هُدًى لِلنَّاسِ [البقرة:185]: هادياً للناس إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم في الدارين. وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] البينات: جمع بينة، والهدى: الإرشاد، والمراد أن القرآن نزل هادياً للناس ومبيناً لهم سبيل الهدى موضحاً طريق الفوز والنجاة فارقاً لهم بين الحق والباطل وفي كل شئون الحياة.شهد الشهر: حضر الإعلان عن رؤيته. فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] أي: فعليه القضاء بعدد الأيام التي أفطرها مريضاً أو مسافراً ] أو حائضاً أو نفساء.قال: [ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] وجب القضاء من أجل إكمال عدة الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً. وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] وذلك عند إتمام صيام رمضان من رؤية الهلال إلى العودة من صلاة العيد، والتكبير مشروع وفيه أجر عظيم، وصفته المشهورة: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ] هذا محفوظ عند أكثر الناس.[ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] أي: فرض عليكم الصوم وندبكم إلى التكبير لتكونوا بذلك من الشاكرين لله تعالى على نعمه؛ لأن الشكر هو الطاعة ] هذه هي المفردات، فهيا معنى الآية الإجمالي.

معنى الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة:لما ذكر تعالى أنه كتب على أمة الإسلام الصيام في الآية السابقة وأنه أيام معدودات؛ بين في هذه الآية أن المراد من الأيام المعدودات أيام شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هادياً وموضحاً طرق الهداية، وفارقاً بين الحق والباطل، فقال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] يريد شهر رمضان، ومعنى شهد: كان حاضراً غير مسافر لما أعلن عن رؤية هلال رمضان، فليصمه على سبيل الوجوب إن كان مكلفاً ]، والمكلف: العاقل البالغ، وإن أسلم الكافر وبلغ الغلام في الليل وجب الصيام، وإن كان في النهار فلا شيء عليه.[ ثم ذكر عرض المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدته، وأخبر تعالى أنه يريد بالإذن في الإفطار للمريض والمسافر اليسر بالأمة، ولا يريد بها العسر، فله الحمد وله المنة، فقال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].ثم علل تعالى للقضاء ] قضاء رمضان [ بقوله: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] أي: عدة أيام رمضان، هذا أولاً. وثانياً: لتكبروا الله على ما هداكم عندما تكملون الصيام برؤية هلال شوال. وأخيراً: ليعدكم بالصيام والذكر للشكر، فقال عز وجل: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] ].الآن مع هداية الآيات، وكل آية فيها هداية، والله! لكل آية فيها هداية، كل آية تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أليس كذلك؟ هذه الآية من أين أتت؟ إذاً: الله موجود وعليم، وعلى من نزلت؟ على محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً: هو رسول الله.

هداية الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآية: من هداية الآية:أولاً: فضل شهر رمضان وفضل القرآن.ثانياً: وجوب صيام رمضان على المكلفين، والمكلف هو: المسلم العاقل البالغ مع سلامة المرأة من دمي الحيض والنفاس.ثالثاً: الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه ]، فالمريض الذي إذا صام يتأخر الشفاء وتطول مدة مرضه يفطر، أو يخاف زيادة المرض وارتفاع درجته.قال: [ الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه، والمسافر مسافة قصر ]، وهي ثمانية وأربعون كيلو متر، وأصلها: أربعة برد، والبريد اثنا عشر ميلاً، والميل: هو عند علماء الأندلس والمغرب: ألفا ذراع، أما عند أهل العراق والمشرق فلا بد من مسافة سبعين كيلو، ومنهم من يقول: ثمانين، ما هي بمضبوطة؛ لكن المسافة التي يمشيها الرجل على ناقته لا تزيد على ثمانية وأربعين كيلو في اليوم، ومشينا هذا وجربناه، اركب ناقتك في الصحراء وامش، تأتي القيلولة فتنزل، تنام وتستريح وتجدد السفر، فتمشي ثمانية وأربعين كيلو، فهذا الحساب للأندلسيين المالكية من أبدع ما يكون، جاءت فرنسا تركض وأوروبا وأخذوا به، فقالوا: الكيلو ألف متر، والمتر ذراعان، فاتفقنا إذاً، جروا وراءنا وسبقناهم. وهذا ننظر إليه من جهة أخرى: أن من أهل العلم من يقول: من سافر ولو عشرين كيلو فله أن يفطر ويقصر، كالظاهرية، ومنهم من قال: مسافة سبعين كيلو، ونحن دائماً مع الوسط، وهو ثمانية وأربعون كيلو، يبتدئ عندما يغادر البلد ويترك الديار وراءه، أما وهو ما زال في بلده ويفطر فلا يصح، أما قال تعالى: أَوْ عَلَى سَفَرٍ [البقرة:185]؟ وهذا ما سافر بعد فكيف يفطر؟ [ رابعاً: وجوب القضاء على من أفطر لعذر ] والذي أفطر لغير العذر فعليه الكفارة والقضاء، فالذي أفطر بعذر من مرض أو سفر أو دم حيض أو نفاس يقضي، أما أن يقول: لن نصوم؛ فهذا عليه الكفارة والقضاء. وهذه المسألة شيخكم فيها يجري وراء ظل ابن عباس رضي الله عنه، فـابن عباس رضي الله عنه كان إذا جاء الرجل يسأل: ما تقول فيمن قتل نفساً، فهل له توبة؟ هل تقبل توبته؟ يقول له الحبر: أنت قتلت؟ فإن قال: نعم قتلت. يقول: من يمنعك من التوبة وباب الله مفتوح والله يدعو إلى التوبة، تب يا بني. وإن قال: لا، ما قتلت، قال: أعوذ بالله! هل قاتل النفس له توبة، والله يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. ففرق بين من قتل ومن لا يقتل، فنحن كذلك إذا جاءنا الشخص وقال: ما تقول فيمن يأكل في رمضان فقط، فيشرب ويأكل؟ فنقول: عليه القضاء والكفارة. وإن قال: أنا أكلت ولم أستطع، قلنا: هل جامعت؟ فقال: لا، ولكن أكلت وشربت، فنقول له: اقض فقط ولا كفارة عليك؛ وذلك لأن مذاهبنا الأربعة نصفهم يقول بالقضاء ونصفهم يقول: لا قضاء إلا في الجماع، فالمفتي أو الذي يعلم ينبغي أن يسلك مسالك الهداية. [ خامساً: يسر الشريعة الإسلامية وخلوها من العسر والحرج.سادساً: مشروعية التكبير ليلة العيد ويومه، وهذا التكبير جزء لشكر نعمة الهداية إلى الإسلام.سابعاً: الطاعات: هي الشكر، فمن لم يطع الله ورسوله لم يكن شاكراً أبداً حتى يعد مع الشاكرين ] فمن لم يطع الله تعالى ورسوله فما شكر، بل كفر.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #228  
قديم 11-10-2020, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (120)
الحلقة (127)



تفسير سورة البقرة (85)

لما جاء نفر من الصحابة إلى النبي يسألونه عن ربهم أهو قريب فيناجى أم بعيد فينادى، فجاء الجواب مباشرة من عند الله لهم ولمن بعدهم، أنه سبحانه قريب مجيب لدعوة الداعي، فمن التزم آداب الدعاء وأطاب مطعمه ومشربه كان أرجى أن تجاب دعوته، وما من مؤمن يدعو دعوة إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يستجيب له بها، أو يرد عنه من الشر ما يقابلها، أو يدخرها له يوم القيامة، وما عند الله خير لعبده مما أراد لنفسه.

تفسير قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية القرآنية النورانية المباركة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

سبب نزول الآية الكريمة

هذه الآية لها سبب نزلت به، وكثير من آي القرآن الكريم ينزل لأسباب اقتضت نزوله، ومعرفة السبب تساعد على معرفة المراد من الآيات التي نزلت لذلك السبب.سبب هذا: هو أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ ) لأن المناجاة تكون سرية خفية، وقد عرفتم المناجاة وحكم الله فيها: إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المجادلة:9]، وناجى الله تعالى موسى عليه السلام، قالوا: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ )، والنداء بـ(يا ألله)، فنزلت هذه الآية: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي [البقرة:186] أي: أقريب أم بعيد؟ فأجبهم أني قريب أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].إذاً: هذا السؤال معقول ومشروع، لا عنت فيه ولا تكلف، أرادوا أن يعرفوا إذا نادوا ربهم هل ينادونه بأعلى أصواتهم أو يدعونه بالألفاظ القريبة، فقالوا: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ ) فأنزل الله تعالى قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ [البقرة:186] يا رسولنا عِبَادِي عَنِّي [البقرة:186] أي: في كوني قريباً أم بعيداً، فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] إذا دعاني الداعي أجيب دعوته.

مثال توضيحي لقرب الله تعالى من عباده

وهنا -معاشر المستمعين والمستمعات- كثيراً ما أكرر تلك اللطيفة لتعرفوا القرب والبعد، فالله تعالى يقول: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] يضع الجبار السموات والأرض في كفه ويقلبها ويقول: أنا الملك، أين الملوك؟ هذه أخبار النبي صلى الله عليه وسلم التي يتلقاها بالوحي الإلهي. إذاً: فأين البعد؟ فنحن بين يديه، لو وضعت نملة في كفك فأنت محيط بها من كل جوانبها، أنت فوقها، أنت تحتها، أنت عن يمينها، عن شمالها؛ لعظمتك وحقارتها، إذاً: فالله عز وجل والعوالم كلها كهذه النملة بين يديه، فكلنا بين يديه. وشيء آخر: أحوالنا الظاهرة والباطنة هو الذي يسيرها، لا تنطق حتى ينطقك، لا تبصر حتى يجعلك تبصر، لا ترفع يديك حتى يجعلك ترفعها، وكل شيء قد كتبه في كتاب المقادير قبل خلق السماوات والأرض فضلاً عن البشر، إذاً: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].إذاً: فالله معنا، قال تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] لا تفهم أنك تبعد عن الله أو تغيب عن الله، هيهات هيهات! وهنا -معاشر الإخوان والأبناء- أذكر أن أحد المؤمنين رأى رؤيا، وفيها: أن على الشيخ هذا أن يعلم المستمعين والمستمعات الآداب مع الله عز وجل، وهي رؤيا صالحة، والله يعلم أننا ما تأدبنا معه، ودائماً نذكر هذا، أدبنا مع الله ليس بشيء، فباسم الله كل ليلة إن شاء الله أضع بين أيديكم مسألة فاذكروها وتأدبوا بها مع الله. الأولى: الشكر على النعم. لو أن أحد إخوانك في بيتك وبين يديك تطعمه وتسقيه، تكسوه وتلبسه، تسكنه وتركبه، تحميه وتدافع عنه، ولا يذكرك بخير، ولا يقول: جزاك الله خيراً، ولا يشكر لك نعمة بين الناس، كيف تنظر إلى هذا؟ أي أدب هذا عنده؟ هذا أسوأ الناس أدباً. ونحن نعيش في كنف الله وفي نعمه وفي رعايته وحمايته، وفي أرضه وتحت سمائه، وبه نأكل ونشرب، ونجيء ونذهب، حركاتنا من فضله وإحسانه، فمن الأدب أن ننسى هذه النعم وأن ننساه وهو المنعم المتفضل، فهيا نتأدب مع الله، فدائماً لساننا يذكر الله ويحمده، دائماً مع الله نشكر له إنعامه وإفضاله وإحسانه، لا يفارقنا لفظ: الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله، في المرض والصحة، في الجوع والشبع، في القيام والقعود، في السفر والإقامة، في كل حال: الحمد لله، نذكر النعم التي نتقلب فيها، ونذكر المنعم بها وهو الله، ونحمده بما علمنا، والحمد لله أن قبل منا كلمة: الحمد لله، هذه نعمة أخرى، أن قبل منا كلمة: الحمد لله وشرعها لنا وانتدبنا إليها، هذه نعمة أخرى. فإن شاء الله سنتأدب من الآن، فنعم الله لا ننساها، وحمد الله وشكره لا ننساه، هذه خطوة إن شاء الله، وسنواصل خطواتنا بإذن الله حتى نصبح من أهل الأدب مع الله، وإن كانت الرؤيا تعنيني أنا فقط فأنا مقصر في الأدب مع ربي، فاسألوا الله لي أن يجعلني من المتأدبين معه، اللهم آمين.

معنى قوله تعالى: (أجيب دعوة الداع إذا دعان)

إذاً: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي [البقرة:186] فأعلمهم أني قَرِيبٌ [البقرة:186] أي: منهم. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [البقرة:186] وحذفت الياء للتخفيف؛ لأن القرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار، يتلوه العربي والعجمي والصغير والكبير والفصيح والألكن، فهو قائم على الخفة، بدل الداعي: الداع، فالياء محذوفة. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] ما معنى: دعاني؟ قال: يا رب! اغفر لي وارحمني، يا رب! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا رب! فرج ما بي، يا رب! فرج كربي، يا رب! اقض حاجتي، يا رب! أسكني المدينة، هذا مؤمن قال لي: ادع الله لي أن يجعلني من سكان المدينة، فاللهم اجعله من سكان المدينة يا رب العالمين، اللهم ائت به إلى المدينة.إذاً: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] والذي لا يدعو الله كافر، الذي يستغني عن الله تربب وتأله وادعى الربوبية، وإلا فكيف يستغني عمن أنفاسه بيده؟ والدعاء هو العبادة، اذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة )، و( الدعاء مخ العبادة ) في حديث ضعيف؛ لأن المخ في الحيوان هو مقر الحياة، إذا أخذ المخ سقطت البنية، لكن الحديث الصحيح: ( الدعاء هو العبادة ) .وقد عرفتم كيف كان الدعاء هو العبادة، وسأعلمكم بهذه للناسي والغافل أريكم كيف كان الدعاء هو العبادة:فأنا إذا رفعت يدي إلى السماء فقد أعلنت عن فقري، الذي يرفع كفيه أعلن عن فقره أم لا؟ المتسول يقول هكذا فتضع ريالاً في يده، إذاً: هذه صورة معناها: أن هذا الشيخ فقير محتاج إلى الله.ولو كان غير الله يقضي حاجته ويسد خلته لقال هكذا أو هكذا يميناً وشمالاً، لكن يرفع يديه إلى من فوق عرشه وفوق سماواته، إذاً: أنا مؤمن بعلو ربي عز وجل، وأنه فوق ليس تحت ولا عن يمين وشمال، وأنا فقير ومحتاج. ثم حين أقول: يا رب يا رب فأنا مؤمن بأنه يسمع سري ونجواي، ولهذا أقول: يا رب يا رب يا رب! فمعناه: أنني مؤمن بأن الله يسمعني، وأن الله قادر على قضاء حاجتي وإعطائي سؤلي وإلا فما رفعت كفي إليه.ثم لو كان في الكائنات من يقضي حاجتي أو يفرج كربي أو يعطيني سؤلي لسألته، إذاً: عميت عن كل المخلوقات ولم أر إلا الله، فأعطيته قلبي ويدي ولساني وكلي وأملي، وهذا هو التوحيد، العبادات كلها تعود إلى هذا، فصلوا على أبي القاسم صلى الله عليه وسلم القائل: ( الدعاء هو العبادة ).فلذا أيما إنسان يتجه إلى غير الله ويسأله حاجته فقد مسخ ومسح اسمه من ديوان المؤمنين وإن صام وصلى، فالذي يقول: يا سيدي عبد القادر ، يا مولاي، يا فاطمة، ينادي ميتاً وغائباً أعطاه صفات الله من الجلال والكمال وسأله فقد مسخ وما بقي مسلماً، فلولا يقيننا بأن الله يسمعنا ويرانا ويقدر على إعطائنا الحاجة هل سنسأله؟ فالذين يدعون غير الله عز وجل ويرفعون أصواتهم بأسمائهم منادين صارخين هؤلاء لولا أنهم جهلة ما علمهم العلماء لقلنا لهم قولاً غير هذا، ولكن نكل أمرهم إلى الله. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] إذا لم تدع واستغنيت عن الله وتكبرت فإنه لا يجيبك، ما هو في حاجة إليك، وفي هذا ترغيب في الدعاء وحث عليه وحظ عليه، لو تظل طول ليلك ونهارك: يا رب يا رب؛ فأنت في أحسن حال، فأكثروا من الدعاء.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #229  
قديم 11-10-2020, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

آداب الدعاء

لكن للدعاء آداب، نذكر بعضها:أولاً: الذي يمنع الإجابة أكل الحرام، سواء كان دماً أو ميتة أو خنزيراً أو مالاً مسروقاً أو مغصوباً أو مأخوذاً، المال الحرام، أكل الحرام محجوب صاحبه عن إجابة الدعاء، والذين يعيشون على الربا كيف حالهم؟ ارحموهم، استغفروا لهم، ادعوا لهم بالتوبة، ما ترفع لهم دعوة أبداً، ورطهم الجاهلون. وإن قلت: ما الدليل على ما تقول؟ قلت: حديث مسلم ؛ إذ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: ( الرجل يطيل السفر -في الجهاد والغزو والحج والعمرة- أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟ ) كيف؟ فهذا الحديث واضح. فالذي في بطنه الحرام محروم من الإجابة، إلا إذا تقيأ وأخرج ما في بطنه، وهل يستطيع؟ فعل ذلك أبو بكر الصديق ، والله! لقد تقيأ اللقمة التي أكلها، أدخل أصبعه وأخرجها، وهي بالنسبة إلينا من أحل الحلال واعتبرها شبهة وأخرجها، هذه واحدة.ثانياً: الاستعجال في الدعاء، وهذا متورط فيه أكثر الناس، وهو أن تقول: دعوت وما استجيب لي! فأنت ترجوا الاستجابة ولو بعد أربعين سنة، إلا إذا قلت: دعوت وما استجيب لي فقد انتهيت، فلا تيأس، لا تقنط، لا تقطع رجاءك، ابق مع سؤالك عشرين سنة، أربعين سنة، ستين عاماً ما تترك الدعاء، ويستجيب الله لك، فلا تستعجلن الدعاء وتقول: دعوت ولم يستجب لي.من الآداب: أن على الداعي أن يعزم في دعوته، يطلب: اللهم أعطني، اللهم أكرمني، اللهم افعل بي كذا، ولا يقول: اللهم ارزقني ولداً إن شئت، اللهم أسكني مدينة نبيك إن رأيت ذلك أو شئت، هذا حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يقل: اللهم أعطني كذا إذا شئت، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري : ( فإذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني؛ فإنه لا مستكره لله ) ما هناك قوة فوق الله تكره الله على أن يعطي أو لا يعطي، اعزم المسألة: أعطني، اغفر لي، ارحمني، ارفعني، أعزني، بلا تردد. ومن الآداب: أنه يستحب الإسرار بالدعاء، أي: يستحب إخفاء الدعاء، ما معنى الإسرار به؟ عدم الجهر، واذكروا قول الله تعالى عن نبيه زكريا: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:3] الخفي ضد العلني والجهري فيستحب في الدعاء أن يكون خفياً، فلهذا لا ندعو كل ليلة وفي كل حلقة، بل ندعو عند المناسبة ونسأل الله العفو، وإلا فالدعاء يكون سراً فيما بينك وبين الله عز وجل.

أوقات إجابة الدعاء

هناك أوقات يستجاب فيها الدعاء، نضبطها ونسأل الله فيها، أوقات عدة بينها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.من الأوقات التي يرجى فيها استجابة الدعاء: ما بين الأذان والإقامة، فإذا أذن المؤذن ادخل في الدعاء حتى يقول المقيم للصلاة: قد قامت الصلاة، وهي عشر دقائق وأحياناً عشرون دقيقة، فهذه -والله- نتصيدها كل يوم على علم، قبل أن يقول: الله أكبر ونحن في الطريق أو في الصف ندعو، فبين الأذان والإقامة اطلب حاجتك.ثانياً: السَّحر، وقت السحور، الثلث الأخير من الليل إلى أذان الصبح، هذا الوقت وقت استجابة، وسر ذلك: أن الله عز وجل ينزل في هذا الوقت إلى السماء الدنيا وينادي: هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فهذه فرصة.ثالثاً: وقت الفطر، وقت فطر الصائم، عندما يؤذن المؤذن قبل أن ترمي بالتمرة في فيك ادع الدعوة التي تحتاج إليها وبعد ذلك أفطر، وتحين الوقت، بعدما يقول: الله أكبر قل: يا رب! افعل بي كذا وكذا، ثم كل التمر أو اشرب الماء.رابعاً: حال السفر. أيها المسافرون! إن كان سفركم لله لا للشيطان ولا للهوى فلكم دعوة مستجابة، ادعوا الله عز وجل فإنه يستجيب لكم؛ لأنكم مسافرون له، حتى ولو كنت تاجراً تتجر من أجل أن تعول أسرتك وتحفظ نفسك عن سؤال غير الله، والتجارة مأذون فيها والمال حلال وبيعك وشراؤك على أسس البيع والشراء الذي أباح الله؛ فأنت في عبادة، ادع الله وأنت مسافر، أما إذا كنت في الحج والعمرة والزيارة وطلب العلم والدعوة إلى الله فادع بما شئت.أما إذا كان السفر كسفر الغافلين للنزهة والترويح على النفس، ويخالطون الكفار والفساق والفجار، ويعيشون معهم الشهر والشهرين ويعودون ملطخين، وأعوذ بالله من هذه الحالة، ولا تغضبوا، فما سمينا زيداً ولا عمراً، لكن بلغنا أن هناك من يسافر لا لشيء إلا للهوى، تخرج من مدينة الرسول؟ تترك مكة وتذهب إلى بلد لتروح على نفسك؟ !والله إن الذي لا يجد الروحانية في الحرمين لن يجدها في العالم، لو أعطوه أموال بريطانيا ونساءها كلها فوالله لن يجدها، ولكن الجفاف والقسوة سببها البعد عن الله، فيحاولون كيف يخففون.خامساً: المرض، أيها المرضى -ونحن منهم- ادعوا الله عز وجل طول الليل والنهار فدعاؤكم لا يرد، إذا كان المرض ما تسببنا فيه بمعصية الله، إذا امتحنك الله وابتلاك ليطهرك ويزكيك، أما إذا أنت شربت الخمر أو لعقت السم بيدك فهذا أمر ثان، أنت عاص لله، حتى الذي يسرف في الأكل والشرب حتى يتخم ويمرض لا يستجاب له، عصى الله عز وجل.سادساً: في السجود، هذه أصعب من سابقتها، يضع رأسه بسرعة ويرفع، فما هي قضية سهلة، ما يعرف حتى سبحان الله أو سبحان ربي الأعلى، يخطفها ويرفع رأسه، فإين يسجد؟ أين يدعو؟ فالدعاء يستجاب في السجود وأعظمك السبعة على الأرض ووجهك معفر في التراب وأنت تسأل الله، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لو تظل ألف سنة وأنت صاعد في السماء فما أنت بأقرب من ساجد في الأرض يسجد لله، واقرءوا قول الله تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] واسجد واقترب من الله عز وجل، والسجود: وضع الجبهة والأنف والكفين والركبتين والرجلين على الأرض، ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ) حال السجود.سابعاً: دبر الصلوات، عرفنا حديث معاذ : ( يا معاذ! والله إني لأحبك، لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) هل فيكم من لم يدع بهذا الدعاء اليوم؟ نحن لا نتعلم ونترك، ما تعلمنا مسألة إلا طبقناها، وإلا فكيف نسمو؟ ثامناً: عند اشتداد الكرب من ظلم وغيره، إذا اشتد البلاء وعظم الكرب ففي الحالة هذه الله معك، فادع الله عز وجل، إذا ابتلينا بحرب، بفتنة، بعذاب، بعدو يعذبنا، عند اشتداد الكرب من ظلم وغيره، فقد ورد من الأحاديث والآثار ما يصدق هذا ويؤكده. تاسعاً: عند رؤية الكعبة، ورد عندما ندخل المسجد ونشاهد الكعبة أننا ندعو بدعاء، والحاصل أن ما ذكرنا ليس معناه الإحصاء والإحاطة، فأبواب الفضل كثيرة.وأما الدعاء في الركوع فباطل، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ) لا دعاء في الركوع.

معنى قوله تعالى: (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)

قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، قوله: وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البقرة:186] فالذي لا يؤمن بالله ولقائه، لا يؤمن بما أمر الله بالإيمان به من الغيب والشهادة؛ هذا سفيه، ضائع، خاسر، لا وجود له.فقوله تعالى: وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] أقول: الكفار السفهاء، لا يعرفون الرشد أبداً، ولا يذوقون له طعماً، ولا يظفرون بفائدة منه قط، لأن الله اشترط للرشد أولاً الإيمان به، وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البقرة:186] بجلالي، بكمالي، بوجودي، بإنعامي، بإفضالي، بإحساني، بشرائعي، بقوانيني، وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. لكن نعود إلى الوراء: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186]، فكيف تدعو الله: يا رب! أكرمني، تريد أن يستجيب لك وأنت لم تستجب له؟ أعوذ بالله! تقول: يا رب أعطني، يا رب افعل بي، وتلح تريد أن يستجيب لك، وهو يدعو: عبدي، ولا تستجيب، فوالله! لا يستجاب لك. وهل نادانا الله؟ نعم، نادانا تسعين نداء إلا نداء، فالذي لا يستجيب لله إذا ناداه الله فهل يستجيب له الله تعالى؟فهل هذا هو الأدب مع الله: أن تقول: أعطني وأنا لا أعطيك، أمعقول هذا؟ أتقول: يا فلان! أعطنا، خذ كذا، أعنا، وأنت لا تعطيه، كيف يمكن هذا؟ هذا هو سوء الأدب مع الله. عجب هذه الآية: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] إذا دعوتهم، وكم دعانا ربنا في القرآن؟ تسعين مرة، دعانا لأي شيء؟ لا لشيء، وإنما دعانا ليأمرنا بفعل ما يسمو بنا ويعزنا ويكملنا، دعانا لينهانا عما يشقينا ويردينا ويهبط بنا، دعانا ليبشرنا لننطلق في ميادين الصالحات، دعانا لينذرنا من عواقب السوء والمصائب والويلات، دعانا ليعلمنا فنسموا ونتعلم، فالذي ما استجاب لله ويقول له: أعطني فهل سيستجيب له؟ هذا سوء أدب.فمثله: أني أعطيك ما تسأل وما تطلب، دائماً أقول: خذ، وحين أقول: من فضلك أعطني كذا تسكت، فهل هذا أدب؟ لعام وعامين وأنت تعطيه وبعد ذلك قلت: أعطني فلوى رأسه. فحالنا مع الله تعالى هي هذه، كأننا ما سمعناها أبداً: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] إذا دعوتهم، وقد دعانا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] استجبنا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء:135]، استجبنا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، في تسعين نداء، أكثر المسلمين ما شعروا أن الله ناداهم، وقد تضمنها القرآن الكريم، والحمد لله، فقد علمنا الله وهدانا وكتبنا وعرفنا، وها نحن ندرسها. فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] إذا كانوا يريدون أن نستجيب لهم وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، الرشد ضد السفه، فالرشد هو أن تمشي دائماً في سبيل نجاتك، بعيداً عن سبيل هلاكك، هذا الرشد، فالإيمان بالله وطاعته في أوامره ونواهيه بعد معرفة الأمر والنهي والله! لهو الرشد، وصاحبه راشد ورشيد.والإعراض عن معرفة محابه ومساخطه والعيش بعيداً عنها والله! لهو السفه الكامل، وصاحبه خاسر.إذاً: هذه (لعل) الإعدادية ما هي للترجي، ليعدكم بذلك للرشد، فمن آمن بالله وعرف محابه ومكارهه وأخذ بطريق طاعته رشد، أصبح من الراشدين، أعطه مليار ريال أمانة وغب أربعين سنة، فوالله! لتجدنها كما هي؛ لأنه ما هو بسفيه، بل راشد.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

الآن نعود للآيات في الكتاب. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: الداعي: السائل ربه حاجته ]، يقال فيه: الداعي.[ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186]: أي: يجيبوا ندائي إذا دعوتهم لطاعتي وطاعة رسولي بفعل المأمور وترك المنهي والتقرب إلي بفعل القرب وترك ما يوجب السخط. يَرْشُدُونَ [البقرة:186]: بكمال القوتين العلمية والعملية، إذ الرشد: هو العلم بمحاب الله ومساخطه، وفعل المحاب وترك المساخط، ومن لا علم له ولا عمل فهو السفيه الغاوي والضال الهالك ].

معنى الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة:ورد أن جماعة من الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى قوله: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ))[البقرة:186].. الآية ).ومعنى المناجاة: المكالمة بخفض الصوت، والمناداة: برفع الصوت ]، ناجاه: كلمه بصوت منخفض، ناداه: كلمه بصوت عالٍ مرتفع.[ وإجابة الله دعوة عبده معناها: قبول طلبه وإعطاؤه مطلوبه، وما على العباد إلا أن يستجيبوا لربهم ] إذ دعاهم [ بالإيمان به وبطاعته في أمره ونهيه، وبذلك يتم رشدهم ويتأهلون للكمال والإسعاد في الدارين: الدنيا والآخرة معاً ].

هداية الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية ]، كل آية فيها هداية، إذ في كل تمرة مادة غذاء وفي كل حبة عنب كذلك، فكيف بآية ما فيها هداية؟ والله! ما تخلو آية من هداية.قال: [ من هداية الآية:أولا: قرب الله تعالى من عباده ]، لو كان الله بعيداً عنا فمن يبلغ صوتنا، من يرفع سؤالنا؟ لكنه معنا، قريب منا، فادع وأنت مرتاح.[ قرب الله تعالى من عباده، إذ العوالم كلها في قبضته وتحت سلطانه، ولا يبعد عن الله شيء من خلقه؛ إذ ما من كائن إلا والله يراه ويسمعه ويقدر عليه، وهذه حقيقة القرب ]. فالقرب ما هو؟ أن يسمعك ويقدر على أن يمنعك ويعطيك، هذا هو القرب.[ ثانياً: كراهية رفع الصوت بالعبادات، إلا ما كان في التلبية والأذان والإقامة ]، مطلق العبادات رفع الصوت بها مكروه، فلم ترفع صوتك، أما يسمع هو؟ هذا اتهام له، فهذا وجه الكراهة، هل أنت خائف أنه لا يسمعك، فلهذا العبادة كلها يستحب فيها خفض الصوت والمناجاة مع الله، إلا التلبية، فقد أذن الرسول بذلك، فارفعوا أصواتكم: لبيك اللهم لبيك، حتى تصاب بالبحة، والإقامة والأذان، فالأذان لا بد حتى يسمع أهل الحي، والإقامة حتى يسمع أهل المسجد، فقط هذه الثلاثة: الأذان والإقامة والتلبية، وهل ترفع التلبية للمؤمنات؟ لا، هذا خاص بالفحول الرجال، أما أم سعيد فلا، المؤمنة لا يحل لها أن ترفع صوتها، والديوثة التي يسمع ضيفها صوتها في حجرتها، هكذا تقول الصديقة ، فالمؤمنة صوتها منخفض فكيف تلبي بصوتها؟[ ثالثاً: وجوب الاستجابة لله تعالى بالإيمان وصالح الأعمال ]، أما دعانا فقال: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186]؟[ رابعاً: الرشد في طاعة الله والغي والسفه في معصية الله ]، أين يوجد الرشد؟ في طاعة الله ورسوله، أين يوجد السفه؟ في معصية الله ورسوله، والسفيه: هو الذي يشرب الخمر وينفق أمواله في الباطل.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #230  
قديم 11-10-2020, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (121)
الحلقة (128)



تفسير سورة البقرة (86)

كان في بداية فرض الصيام أن من نام بالليل ثم استيقظ في وسطه لم يأكل ولم يشرب ولم يقرب امرأته حتى الليلة الآتية، وكأن الصيام هنا يبتدئ من النوم لا من طلوع الفجر، فأتى ناس من الصحابة نساءهم في الليل فشق ذلك عليهم، فأنزل الله عز وجل بيان وقت الصيام من النهار، وأذن لهم بالأكل والشرب وإتيان النساء طالما وأن الفجر لم يطلع، ثم امتن سبحانه عليهم بما بين لهم من الأحكام وما شرع لهم من الشرائع التي توصلهم إلى تقواه سبحانه وتعالى.

تفسير قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا ذاك، أنت ولينا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية المباركة من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187].

اختصاص الله تعالى بالتشريع

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ [البقرة:187] من الذي أحل لنا؟ الله، إذ لا يحل ولا يحرم إلا هو، لم؟ لأنه هو المالك لكل شيء، فما أذن فيه فهو كذلك، وما منعه وحظره ولم يأذن فيه فممنوع، أليست هذه حالكم؟ مالك الدار إن أذن لأحد نزل وإن لم يأذن لم ينزل، هذا أولاً.وثانياً: أليس الله عليماً حكيماً؟ فالعليم يعرف المنافع والمضار، فلا يأذن إلا بما فيه منفعة، ولا يمنع إلا ما فيه مضرة، والحكيم يضع كل شيء في موضعه، إذاً: لا يحل ولا يحرم إلا الله، ومن أخذ يحلل ويحرم بدون إذن الله فقد تربب وادعى الربوبية. وهنا لطيفة كررناها عمراً طويلاً، وقلنا للحكام المسلمين: أيها الحاكم! طبق شرع الله في جماعتك في أمتك، أنت عبد الله، كلفك الله وأناط بك هذا، فطبقه كما أراد هو، فإن شقي الشعب أو سعد فلا لوم عليك، إن أصابهم بلاء وجوع فقل: ربكم هو الذي فعل وتبرأ ذمتك، إن أصابهم خير وطهارة وكمال فقل: هذا فضل الله عليكم، فإن أبيت هذا فاخلق إقليماً من الأقاليم من البلاستيك أو من الطين وانفخ فيهم الأرواح، واجلس على سرير ملكك، وإذا نازعك أحد في حكمك فاقتله، فهل يستطيع أحد أن يخلق أمة حتى يحكم فيها بما يريد؟ الجواب: لا.إذاً: أما تستحي يا عبد الله أن تبعد الله عز وجل عن حكمه وتحكم أنت بما تشتهي؟ يا ويحك، يا ويلك! إلا أن يتوب الله عليك.فإذا أراد الإنسان أن يحكم بهواه على المؤمنين أهل الكتاب والسنة فليصنع ما شاء من البلاستيك مليون نسمة أو مليونين وينفخ فيها الروح وليتربع على سرير ملكه يأمر وينهى: افعلوا، لا تفعلوا، ولا يلومه أحد، لأنه يقول: خلقي، صنعي وصنعتي، فمن يلومه؟ أما أن يخلق الله ويرزق الله ويدبر الله وينزل كتابه ويبعث رسوله ويكل الأمر إليك لتطبقه فتعرض عن الله وعن كتابه وشرعه، وتطبق على المؤمنين شرائع الهوى والأباطيل فهذا عار ومذمة، ولو فقه هذا واحد فإنه سيدعي الجنون ويهرب، ما يقبل أبداً أن يبقى على كرسي الحكم، لكن من بلغهم؟

الأدب القرآني في الكناية عن الجماع

والشاهد عندنا قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ [البقرة:187] من المحلل؟ الله، ماذا أحل لنا؟ قال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، الرفث: الجماع، لم ما قال: الجماع أو الوطء أو النكاح؟ لأن هذا كتاب مقدس، هذا تقرؤه الفتاة وتتلقى عن أبيها، ويتلقاه الشاب عن أبيه، بل عن أمه، فكل عبارة من شأنها أن تثير الغريزة أو تحدث فكرة في الجنس لا يستعملها، آمنا بالله!ومعنى هذا: تربوا يا عباد الله وطهروا ألسنتكم وأقلامكم، فلا تتكلموا بما يسيء، بما يضر، تأدبوا بآداب ربكم، وارتقوا إلى مستويات نبيكم، هذا هو المطلوب منا، وقد يقال: يا شيخ! من علمنا هذا، ما وجد من يعلمنا، ونحن مشغولون بالملاهي والمقاهي والملاعب والطعام والشراب! إذاً: فلا نلومن إلا أنفسنا، ولا حجة لنا عند الله أن نقول: ما تعلمنا، فلم ما تعلمتم؟ كان سلفكم يرحل الرجل من المدينة إلى حمص من أجل حديث واحد يتعلمه، وأنتم التعليم في بيوتكم وتعرضون عنه، فأي عذر لهذه الأمة؟قال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187]، أي: إذا كان الغد هو يوم صيام فتلك الليلة قبله هي ليلة الصيام، الرَّفَثُ [البقرة:187]، أي: الجماع ومخالطة نسائكم.

معنى قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)

ثم قال تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، من هن هؤلاء؟ الزوجات، والضمير يختلف، فـ(هن) غير (أنتم). ودعاة المساواة بين الرجل والمرأة يقولون: اتركوا كلمة (هن) هذه، فالكل (هم)! فيا للسخرية والاستهزاء والهبوط، أين تهبط البشرية؟ هذا شأن من جهلوا الله وما عرفوه، شأن من كفروا بالله وأنكروه، شأن من أعرضوا عن ذكر الله وكتابه وتجاهلوه، فهم في حيرتهم يتخبطون. إن الله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، شر الخليقة، من شر الخليقة؟ الكفار، من قضى بهذا؟ خالقهم، ولو حللنا ذلك تحليلاً علمياً فوالله! لوجدناهم شراً من القردة والخنازير، ولكن ما دمنا هبطنا وجاريناهم ومشينا وراءهم فما يتبين لنا هذا، لو كنا في سمائنا وكمالاتنا ننظر إليهم كالقردة والخنازير لا وزن لهم ولا قيمة، لكن هبطنا فتساوينا، بل تفوقوا علينا، فماذا نقول؟ هُنَّ [البقرة:187]، أي: الزوجات لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] كيف لباس؟ العامة من عجائز القرية يقلن: فلانة تستر زوجها وهو يسترها، واللباس هل يستر أو يفضح؟ فزوجتك تسترك، وأنت تسترها، حتى لا تتعرض للفضيحة أنت ولا هي، إذاً: فهي لباس وهو لباس، سبحان الله!

معنى قوله تعالى: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ...) وبيان سبب نزول الآية

وقوله بعد: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، لهذه الجملة سبب نزلت به، حيث كانوا إذا نام أحدهم بعد المغرب ثم استيقظ لا يأكل ولا يشرب حتى اليوم الآتي ويفطر مع غروب الشمس، فمن أراد أن يأكل، يشرب، يجامع أهله فقبل أن ينام، إذا نام واستيقظ فهو صائم لا أكل ولا شرب ولا جماع، ومشى الحال هكذا لسنة أو سنتين، أو لأيام وليال، فـعمر رضي الله عنه استيقظ وأتى أهله رضي الله عنه، فشعر بأنها زلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقص عليه القصة، فأجاب الله تعالى عمر والمؤمنين: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:187]، فتلوثونها بأدران المخالفة والمعصية، فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، بشراك يا ابن الخطاب بشراك، الحمد الله، فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، لا مؤاخذة، ولا قضاء ولا إثم، منة الله على ذاك النور الأرضي عمر .و عمر يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه )، ما يقدر وما يستطيع الشيطان أن يمشي مع عمر في شارع واحد، فيحترق، ويقول فيه: ( لو كان في أمتي محدثون -أي: من تحدثهم الملائكة- لكان منهم عمر ، ولكن لا نبي بعدي )، هذا هو عمر ، هذا هو ابن الخطاب .ويوجد من الغافلين والجهال المضلين من يسبونه، وضبط واحد منهم يبصق على قبره! فما هذا العمى، ما هذا الجهل، ما هذا الضلال؟! تعالوا اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ما عندنا إلا أن نقول: كتب الله خلقاً للجنة وخلقاً للنار.إذاً: عرفتم سبب نزول الآية، وتأمل قوله تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، وإن كان الذي فعل واحداً فقط، لكن القرآن في سماء الآداب والكمال، ما يقول: علم أنك، فتسأل: من هذا؟ فقال: (أنكم) أنتم أيها المؤمنون، إذ الواحد منكم جزء منكم والكل واحد، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، أمرنا واحد.

معنى قوله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم)

وقوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، أي: أذنا لكم، إذا أذن المغرب وأكلت أو أشربت أو صليت العشاء فائت زوجتك، نم حتى تشبع نوماً وقم وائتها وكل واشرب حتى الفجر، والحمد لله، هذه فضيلة عمر . فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، فالآن بعد الذي حدث وبعد العفو الذي تم باشروهن، ما معنى باشروهن؟ من أراد أن يجامع زوجته فليجامع، وإن نام واستيقظ ولا حرج، لم هذه المباشرة، لم هذا الجماع يا حكيم يا عليم؟ قال تعالى: وَابْتَغُوا [البقرة:187]، اطلبوا ماذا؟ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، ما هو بجماع شهوة فقط، اطلبوا البنين والبنات، إذا كتب الله لكم ذلك في كتاب القضاء والقدر في اللوح المحفوظ فسوف يكون الولد والبنت، فانظر كيف رفع مستوانا إلى الكمال، ما هي بقضية بهائم فقط، باشر انكح.. اطلب الولد حتى يعبد الله عز وجل، ما هو لمجرد الشهوة.

معنى قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)

قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، كان أحد الأصحاب قد فهم من الآية أنها خيوط، فوضع تحت رأسه عند وسادته خيطين أبيض وأسود، وما عندهم كهرباء، فكان ينظر: فإذا وجد الخيط أسود قال: ما زال الليل، وإذا وجد الخيط الأبيض قال: طلع الفجر، فذكر ذلك للحبيب صلى الله عليه وسلم، فقال: ( إنك لعريض القفا )، قفاك عريض، لم؟ تجعل المشرق والمغرب كله تحت رأسك؟! تجعل الأفق بكامله تحت رأسك وأنت نائم! هذه اللطيفة المحمدية، فليس المراد من الخيوط هذه خيط يلوح هكذا أبيض فتظن الفجر، وخيط يأتي بعده أسود. وهذا عرفناه وعشناه وجربناه قبل وجود هذه الكهرباء الظالمة التي أفسدت حياتنا، وقد تقول: يا شيخ! لا تقل هذا. فأقول: والله ما استعملناها في منافعنا، لو استعملناها في النافع لكانت نعمة، الآن أقل ما يكون أن أولادنا يعلبون طول الليل وهم يجرون ويصيحون، وينامون بعد الفجر إلى الظهر أو إلى العصر، بل حتى النساء تغيرن فجعلن النهار ليلاً والليل نهاراً؛ بسبب ماذا؟ أيام كان الفانوس والزيت أو جريد النخل ما كان هذا، الآن يسهرون فلا يصلون الصبح ولا يشهدونها، ولا يذكرون الله، ولولا هذه الكهرباء فمن أين يأتي التلفاز والفيديو؟ هي محنة الكهرباء.المهم أننا سفهاء، لا رشد لنا، فلهذا ما ننتفع بما فيه نفعنا، ونحول المنافع إلى مضار؛ وذلك لهبوطنا، ما نحن سادة البشرية وقادتها.إذاً: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187]، إلى متى؟ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187]، نكون في المسجد في القرية، وفجأة يضاء المسجد من النوافذ وما هناك كهرباء ولا فوانيس، فنقول: طلع الفجر، ونأخذ في صلاة النافلة، وفجأة يأتي الظلام كما كان خيطاً أسود، بعدها بدقائق ينبلج الصبح، هذا الذي أراده الله عز وجل: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، الخيط الأول كذنب السرحان، حيث يطلع بياض في الأفق عشر دقائق أو خمس دقائق ثم ينسخ ويأتي ظلام الخيط الأسود، بعدها ينبلج الفجر. حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، وسمي الفجر فجراً لانفجار الضوء وانتشاره، فاشرب مع الخيط الأسود وكُلْ حتى ينبلج الفجر الخيط الأبيض.وقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187]، هذا الأمر للإباحة، منة الله، ولو أن شخصاً قال: يجب أن نأكل، فربي قال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187]، فسيبقى يراقب الفجر حتى يأكل، ولكن هذا للإباحة، فإذا لم ترد أن تأكل فلا تأكل ولا تشرب، فقد كان ذلك ممنوعاً فأذن لهم فيه.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 236.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 230.90 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]