«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 23 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أصول بلا تأصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 102 )           »          ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب (مطوية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          حديث: سُئِلَ ابنُ عُمرَ عن صومِ عرفةَ بعرفةَ ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          الرزق ليس المال فقط! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          صور رائعة من المسارعة إلى الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          قيمنا في العشر من ذي الحجة: قيمة تعظيم شعائر الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          هل مع حب لذة المعصية توبة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          التبصر والبصيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الإجازة الصيفية للأبناء .. خطة لتحويل القراءة إلى متعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          وقفات مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #221  
قديم 26-08-2022, 08:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].

امتن الله عز وجل في الآيات السابقة على المؤمنين بتوجيههم إلى الكعبة قبلة أبيهم إبراهيم عليه السلام؛ إتماماً لنعمته عليهم وهدايتهم، ثم ذكرهم بسابق إنعامه عليهم بما هو أعظم بل بما هو أصل كل نعمة وهو إرسال محمد صلى الله عليه وسلم فيهم.

قوله: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ ﴾ الكاف للتشبيه، وهي محل نصب نعت لمصدر محذوف، والتقدير: وَجَّهتكم إلى الكعبة قبلة أبيكم إبراهيم لأتم نعمتي عليكم ولهدايتكم، وذلك كإنعامنا عليكم في إرسال محمد صلى الله عليه وسلم فيكم.

أي: أن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة ليس ببدع من نعمنا عليكم ولا بأولها بل أنعمنا عليكم قبل ذلك بما هو أجل وأعظم وهو إرسالنا فيكم رسولاً منكم؛ استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في قولهما: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 128، 129].

وقوله: ﴿ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ ﴾ أي: بعثنا فيكم، أيها المؤمنون.

﴿ رَسُولًا مِنْكُمْ ﴾ هو محمد صلى الله عليه وسلم، ونكّر للتعظيم، أي: رسولاً عظيماً منكم هو محمد صلى الله عليه وسلم.

﴿ مِنْكُمْ ﴾ أي: من أنفسكم ومن جنسكم تعرفونه،ويتكلم بلغتكم؛ ليبين لكم، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4].

﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ﴾ صفة ﴿ رَسُولًا ﴾ أي: يتلو عليكم آياتنا الشرعية "القرآن الكريم" ويبين لكم ألفاظه، ويتلو ويقص عليكم آياتنا الكونية.

﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾ أي: يطهركم من الشرك والأخلاق الرذيلة، وينمي في نفوسكم الأخلاق الحسنة الكريمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق "[1].

﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ ﴾ أي: ويعلمكم القرآن، أي: ألفاظه ومعانيه وأحكامه، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44].

﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾ أي: السنة، ألفاظها ومعانيها وأحكامها، وأسرار الشريعة، وحِكَمها والفقه فيها.

﴿ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ الجملة معطوفة على قوله:﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة ﴾ مقررة لها، من عطف العام على الخاص.

و"ما": موصولة، أي: ويعلمكم الذي لم تكونوا تعلمونه من أمر الدين والدنيا وغير ذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1]أخرجه أحمد (2 /381) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #222  
قديم 26-08-2022, 08:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾

قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]

امتن الله عز وجل على المؤمنين ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فيهم يتلو عليهم آياته يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، وهذه أصول النعم كلها وأهمها، ثم فرّع على ذلك أمرهم بذكره وشكره على هذه النعم.

قوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي ﴾ قرأ ابن كثير بفتح الياء: ﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾، وقرأ الباقون: ﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾ بإسكان الياء.

والفاء للتفريع، أي: فاذكروني واشكروني مقابل نعمي عليكم أي: فاذكروني بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم، فذكر الله بالقلب عدم نسيانه، وأن يكون القلب حاضراً غير غافل عند أداء العبادات القولية والفعلية، كما قال تعالى:
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

وذكر الله باللسان بالنطق بالذكر من قراءة القرآن وأنواع الذكر وكل قول يقرب إلى الله تعالى.

وذكر الله بالجوارح والأعضاء بكل فعل يقرب لله تعالى من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج والجهاد في سبيل الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45].

وذِكْرُ الله من حيث الإجمال واجب، أما من حيث التفصيل فمنه ما هو واجب، ومنه ما هو مندوب، وفي الحديث: "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم"[1].

ومعنى "ترة" أي: حسرة وندامة.

﴿ أَذْكُرْكُمْ ﴾ جواب الأمر، أي: أذكركم وأثيبكم، بمغفرتي ورحمتي وذكري لكم، كما قال تعالى في الحديث القدسي: "أنا مع عبدي حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"[2].

وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده"[3].

﴿ وَاشْكُرُوا لِي ﴾ معطوف على قوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾ أشبه بعطف العام على الخاص؛ لأن الذكر هو رأس الشكر، فأمر بالذكر خصوصاً، ثم من بعده أمر بالشكر عموماً.

و"اللام" في قوله (لي) للاختصاص، أي: اشكروا لي وحدي على ما أعطيتكم من النعم، وما دفعت عنكم من النقم، والشكر: القيام بطاعة المنعم، ويكون بالقلب واللسان والجوارح، كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي ولساني والضمير المحجبا[4]


أي: واشكروني وحدي على ما أنعمت به عليكم بالاعتراف باطناً بقلوبكم بأن هذه النعم مني، والتحدث والثناء بها ظاهراً بألسنتكم، كما قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11]. وباستعمال الجوارح بطاعة الله تعالى شكراً له عليها.

وهو قيد للنعمة الموجودة، وصيد للنعمة المفقودة، أي: بقاء للموجود وزيادة من المفقود.

﴿ وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ الجملة معطوفة على جملة ﴿ وَاشْكُرُوا لِي ﴾ مؤكدة لها.

و"لا": ناهية، والفعل "تكفرون" مجزوم بحذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة والنون المذكورة نون الوقاية، وحذفت منه ياء المتكلم تخفيفاً لتناسب الفواصل.

والكفر: الجحود وهو ضد الشكر، أي: ولا تكفروني، ولا تجحدوا نعمتي في حال من الأحوال وفي وقت من الأوقات، بل داوموا على ذكري وشكري وشكر نعمتي.

وكفر النعمة مراتب أشدها جحودها وإنكارها، ونسبتها إلى غير مسديها، ثم قصد إخفائها، ثم السكوت عن شكرها، وقد قال عز وجل: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] أخرجه الترمذي في الدعوات: (3380) من حديث هريرة رضي الله عنه، وقال: "حديث حسن صحيح".

[2] أخرجه البخاري في التوحيد- قول الله تعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ (7405)، ومسلم في الذكر والدعوات- الحث على ذكر الله تعالى: (2675)، وأحمد (2/251)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (2700)، وأبو داود في الصلاة (1455)، والترمذي في القراءات (2945)، وابن ماجه في المقدمة (225).

[4] البيت لبشر. انظر: "المفضليات" ص344 .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #223  
قديم 26-08-2022, 08:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ


قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: 153].

قال ابن كثير[1]: "لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر، والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة، فإن الصبر إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها أو نقمة فيصبر عليها، كما جاء في الحديث: "عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له"[2].

وقد سبق الكلام على قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [3]، وقوله: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [4].

قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ أي: إن الله مع الصابرين بمحبته لهم، وعونه وتوفيقه وتأييده لهم.

ومعية الله تنقسم إلى قسمين: معية خاصة لأوليائه بعونه وتوفيقه وتأييده وحفظه لهم، ومعية عامة لجميع الخلق بعلمه وقدرته وإحاطته بهم.

وفي قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بعد قوله: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ولم يقل: "مع الصابرين والمصلين" أو"مع المصلين" لأنه إذا كان عز وجل مع الصابرين كان مع المصلين من باب أولى لاشتمال الصلاة على أعظم أنواع الصبر، وهو الصبر على طاعة الله عز وجل؛ ولهذا اكتنفها بالأمر بالصبر قبلها بقوله: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ، وبذكر فضل الصبر بعدها بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، فهي تحتاج إلى الصبر، وفيها أعظم أنواع الصبر.

وقال في ختام الآية هنا: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155] بينما قال في ختام الآية السابقة مع بني إسرائيل: ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45]، وفي هذا إيحاء بضعف عزائم بني إسرائيل عن فضائل الأعمال وإشارة لقلة الخاشع فيهم.

كما أن فيه إشارة إلى أن المؤمنين هم الخاشعون الذين استثناهم الله في قوله: ﴿ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ؛ ولهذا قال في الآية هنا: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ في إشارة واضحة أيضاً إلى أنهم هم الصابرون.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] في "تفسيره" (1/ 283).

[2] أخرجه مسلم في الزهد والرقاق (2999)- من حديث صهيب رضي الله عنه.

[3] في الكلام على قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا [البقرة: 104].

[4] في الكلام على قوله تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [الآية: 45].





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #224  
قديم 31-08-2022, 07:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى:﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 154].

أمر عز وجل المؤمنين في الآية السابقة بالاستعانة بالصبر والصلاة، وأخبر أنه مع الصابرين، ثم أتبع ذلك بنهيهم أن يقولوا لمن يقتل في سبيل الله: أموات؛ تهيئة لهم للجهاد والصبر على شدائد الحرب، وترغيباً لهم في الشهادة في سبيل الله، وبيع الحياة الفانية بالحياة الباقية عند ربهم، التي هي أعظم وأكمل، كما أن الإيمان بهذه البشارة فيه تسلية لمن استشهد أقاربهم في سبيل الله.

قوله: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ اسْتَعِينُوا [البقرة: 153] و"لا": ناهية و"من" في قوله: ﴿ لِمَنْ ﴾ موصولة، والخطاب للمؤمنين، أي: ولا تقولوا أيها المؤمنون للذين يقتلون في سبيل الله أموات، ولا تعتقدوا ذلك بقلوبكم.

والذي يقتل في سبيل الله هو من قاتل مخلصاً لله، أي: لتكون كلمة الله هي العليا، كما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سيبل الله"[1].

و"سبيل الله" طريقه ونصرة دينه وشرعه.

ولا يكون القتال في سبيل الله إلا إذا كان خالصاً لله تعالى لإعلاء كلمته، وموافقاً لشرعه، بلا بغي، ولا عدوان على من لم يقاتل، ولا نقض للعهد، ولا مخالفة لأمر الله- تعالى[2].

وقوله: ﴿ أَمْوَاتٌ ﴾ خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هم أموات، والجملة مقول القول: أي: لا تقولوا: هم أموات موتاً مطلقاً- وليس المراد الموت الذي هو مفارقة الروح للجسد فقد ماتوا.

﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ "بل" للإضراب الإبطالي، أي: بل هم أحياء عند ربهم حياة برزخية بأرواحهم، يتنعمون فيها، وهي أجل وأكمل من الحياة الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 169 - 171].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، فاطلع عليهم ربك اطلاعة، فقال: ماذا تبغون؟ قالوا: وأي شيء نبغي، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا، فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا، فنقاتل في سبيلك، حتى نقتل فيك مرة أخرى، لما يرون من ثواب الشهادة، فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون"[3].

وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نسمة المؤمن طائر تعلق في أشجار الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه"[4].

﴿ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ أي: ولكن لا تحسون ولا تدركون حياتهم؛ لأنها من أحوال البرزخ التي لا يعلمها إلا الله، ولا تعرف إلا من طريق الوحي؛ ولهذا لولا أن الله أخبرنا بها ما كنا نعلم بها.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه البخاري- في فرض الخمس- من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره (3126)، وفي التوحيد (7458)، ومسلم في الإمارة، من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا (1904)، وأبو داود في الجهاد (2517)، والنسائي في الجهاد (3136)، والترمذي في فضائل الجهاد (1646)، وابن ماجه في الجهاد (2783)- من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[2] وانظر الكلام على قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الآية: 244 من هذه السورة].

[3] أخرجه مسلم في الإمارة (1887)، والترمذي في التفسير (3011)، وابن ماجه في الجهاد (2801).

[4] أخرجه النسائي في الجنائز (2073)، وابن ماجه في الزهد (2271).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #225  
قديم 31-08-2022, 07:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].

أمر عز وجل المؤمنين في الآيات السابقة بالاستعانة بالصبر والصلاة، ونهاهم أن يقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، ثم أخبرنا أنه سيبتليهم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ليتميز الصابر من غيره- مع البشارة للصابرين، كما قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].

قوله: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَاسْتَعِينُوا ﴾، واللام للقسم، والنون للتوكيد، أي: والله لنبلونكم، فالجملة مؤكدة بالقسم، واللام، ونون التوكيد.

والخطاب للمؤمنين، أو للناس كلهم والابتلاء: الاختبار والامتحان، ويكون بالشر والخير، كما قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35].

أي: والله لنختبرنكم؛ ليتبين من يصبر، ومن يسخط، كما قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31].

﴿ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ﴾ التنكير في ﴿ بِشَيْءٍ ﴾ للتقليل؛ لتخفيف وقع ذلك عليهم و"من" في قوله: ﴿ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ﴾: تبعيضية؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله أو الجوع كله لهلكوا، والمحن تمحص ولا تهلك.

وأخبرهم بهذا قبيل وقوعه ليوطنوا أنفسهم، ويزداد يقينهم عند حصوله، ليستعينوا بالصبر والصلاة.

وهذه المصائب الخمس من أعظم ما يبتلى ويمتحن به الناس في هذه الدنيا.

و﴿ الْخَوْفِ ﴾: الذعر، وهو ضد الأمن، ويقال: هو حالة تحدث للقلب عند توقع أمر مكروه بأمارة معلومة أو مظنونة.

والخوف يكون من العدو. وقد يكون عاماً، وقد يكون خاصاً.

﴿ وَالْجُوعِ ﴾ وهو المخمصة وخلو البطن من الطعام، وإذا خلا البطن من الطعام مات الإنسان؛ لأن الطعام له بمثابة الوقود، والجوع قد يحصل بسبب قلة الطعام أو عدم وجوده، أو عدم وجود المال الذي يشترى به وغير ذلك.

والخوف والجوع من أعظم أنواع الابتلاء؛ ولهذا امتن الله عز وجل على قريش بأنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، فقال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]، وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [القصص: 57].

وقد وقع للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الخوف والجوع ما لا يخفى، من ذلك ما حصل لهم أول الهجرة، ومن أشد ذلك ما حصل لهم في غزوة الأحزاب، حيث اجتمع عليهم الخوف الشديد بسبب تحزب الأحزاب عليهم من كل حدب وصوب من المشركين والأعراب وغيرهم، ومحاصرتهم المدينة، مع الجوع الشديد الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، مع التعب الشديد بسبب العمل المتواصل في حفر الخندق، مع البرد الشديد الذي صاحب ذلك، وواحدة من هذه المصائب الأربع كافية في إنهاك بدن الإنسان فكيف إذا اجتمعت؟

﴿ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ ﴾ معطوف على ﴿ الْخَوْفِ ﴾ أو على ﴿ بِشَيْءٍ ﴾.

والأموال جمع مال وهو: كل ما يتمول من نقود ومتاع وحيوان أي: ولنبلونكم بشيء من نقص الأموال بالخسارة فيها، وحصول الجدب والقحط، والآفات والجوائح السماوية، وأخذ الظلمة لها بأي وجه كان، غصباً أو سرقة أو استبداداً بها دونكم، كما قال تعالى: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ [آل عمران: 186].


﴿ وَالْأَنْفُسِ ﴾ جمع نفس، أي: ولنبلونكم بشيء من نقص الأنفس والأرواح، وذهاب الأحباب من الأولاد والأقارب والأصحاب بسبب القتال والأمراض وغير ذلك.

﴿ وَالثَّمَرَاتِ ﴾: جمع ثمرة، وهي ما ينتج من الثمرات من الحبوب، وثمار النخيل والأشجار. أي: ولنبلونكم بشيءٍ من نقص الثمرات بسب ما يصيبها من الأمراض والكوارث والآفات من برد أو غرق أو جراد أو غير ذلك.

قال السعدي[1]: "فهذه الأمور لابد أن تقع؛ لأن العليم الخبير أخبر بها، فوقعت كما أخبر، فإذا وقعت انقسمت الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع حصلت له المصيبتان فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان".

﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ البشارة: الإخبار بما يسر، مأخوذة من البشرة؛ لأن الإنسان إذا أخبر بما يسره استنار وجهه واتسعت بشرته، أي: وبشر يا محمد، ويا أيها المبشر الصابرين؛ أي: أخبر الصابرين بما يسرهم ويبهج قلوبهم، ولم يذكر المبشر به؛ ليذهب الفكر فيه كل مذهب، وليشمل كل ما يمكن أن يبشر به، ومن ذلك محبة الله للصابرين، كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، وكونهم يوفون أجرهم بغير حساب، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].


المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»


[1] نفي "تيسير الكريم الرحمن" (1 /180-181).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #226  
قديم 31-08-2022, 07:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾


قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 156]
بشَّر عز وجل في الآية السابقة الصابرين، ثم ذكر في هذه الآية صفتهم فقال: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ﴾ الآية، وفيه إشارة إلى أن الأجر لمن صبر وقت المصيبة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"[1].

قوله: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ﴾ ﴿ الَّذِينَ ﴾: نعت لـ ﴿ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155]، والمراد بالمصيبة في الآية المصيبة الدنيوية، وهي كل ما يؤلم القلب والبدن أو كليهما مما يصيب الإنسان في نفسه وأهله وماله وغير ذلك في هذه الحياة، أي: الذين إذا أصابتهم مصيبة من الابتلاءات والمصائب المذكورة وغيرها.

وفي الحديث "ما يصيب المؤمن من وصب ولانصب ولا هم ولا غم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر به من خطاياه"[2].

﴿ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ أي: قالوا بألسنتهم مع تيقن ذلك بقلوبهم.

﴿ إِنَّا لِلَّهِ ﴾ أي: إنا لله ملكاً وخلقاً وتدبيراً، يفعل بنا ما يشاء، ويحكم فينا ما يريد، لا اعتراض لنا على ما قدره الله علينا وقضاه، بل نرضى ونسلم، ولا نتسخط.

﴿ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ قدم المتعلق "إليه" لإفادة الحصر، مع مراعاة رؤوس الآي، أي: وإنا إليه وحده صائرون في جميع أمورنا، في ديننا ودنيانا، ومردنا إليه في أُخرانا، فنحتسب أجر ما أصابنا عنده- تعالى.

فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية في قولهم: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ ﴾، وبين الإيمان برجوعهم إلى الله عز وجل ومجازاته لهم، فاحتسبوا ذلك عنده، وتسلوا بذلك عما أصابهم.

بخلاف أهل السخط والضلال، كما قال تعالى عن اليهود: ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ﴾ [الأعراف: 131]، وقال تعالى عن المنافقين: ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ﴾ [النساء: 78]، وقال تعالى عن عموم الناس: ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: 36].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه البخاري في الجنائز (1283)، ومسلم في الجنائز (926)، وأبو داود في الجنائز (3124)، والنسائي في الجنائز (1869)، والترمذي في الجنائز (988)، وابن ماجه في الجنائز (1596) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في المرض (5642)، ومسلم في البر والصلة (2573)، والترمذي في الجنائز (966) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #227  
قديم 07-09-2022, 04:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157]

بشَّر عز وجل في الآيات السابقة الصابرين وذكر صفتهم، ثم فصل في هذه الآية شيئاً مما بشرهم به وأعطاهم فقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

قوله: ﴿ أُولَئِكَ ﴾ الإشارة للصابرين المسترجعين عند المصيبة، وأشار إليهم بإشارة البعيد ﴿ أُولَئِكَ ﴾ تنويهاً برفعة منزلتهم، وعلو مقامهم.

﴿ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾: خبر المبتدأ ﴿ أُولَئِكَ ﴾، والمراد بالصلوات: الثناء عليهم من ربهم عز وجل بأنواع الثناء، وذكرهم في الملأ الأعلى، كما قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152].

وقال عز وجل في الحديث القدسي: "فإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"[1].

وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صل على آل فلان" فأتاه أبي بصدقته، فقال: "اللهم صل على آل أبي أوفى"[2].

وفي مجيء الجملة اسمية دلالة على الاستمرار والدوام، وفي جمع ﴿ صَلَوَاتٌ ﴾ دلالة على كثرة ثنائه عز وجل عليهم بأنواع الثناء، وفي قوله: ﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ تعظيم لهذه الصلوات، وتأكيد عناية ربهم بهم.

﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ معطوف على ﴿ صَلَوَاتٌ ﴾ أي: ورحمة من ربهم، وهو من عطف العام على الخاص؛ لأن صلوات ربهم عليهم هي من رحمته لهم، والمراد بالرحمة هنا الرحمة الخاصة بالمؤمنين.

﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ الإشارة للمشار إليهم في الإشارة السابقة، وكررها لإظهار كمال العناية بهم، وأكد هدايتهم، بل وحصر الهداية فيهم بكون الجملة اسمية معرفة الطرفين وبضمير الفصل "هم".

أي: وأولئك الصابرون القائلون لهذه المقالة عند المصيبة هم المهتدون إلى طريق الحق دون غيرهم، ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى عند المصيبة.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نعم العِدلان، ونعمة العلاوة"[3].

قال ابن كثير[4] بعد أن ذكر قول عمر هذا: "﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ فهذان العِدلان ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل، وكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضاً".

وقال ابن القيم[5]: "وقد وعد الله الصابرين بثلاثة أشياء، وكل واحد خير من الدنيا وما عليها، وهي: صلوات الله عليهم، ورحمته لهم وتخصيصهم بالهداية، فبالهدى خلصوا من الضلال، وبالرحمة نجوا من الشقاء والعذاب، وبالصلاة عليهم نالوا منزلة القرب والكرامة".

وإنما أمر الله عز وجل بالبشارة المطلقة للصابرين، وأثنى عليهم هذا الثناء العظيم، لمنزلة الصبر من الإيمان، فهو شطر الإيمان وهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ إذ لا يستطيع الإنسان القيام بما أوجب الله عليه والكف عما حرم الله عليه، وتحمل ما يصيبه من الابتلاء إلا بالصبر، ولهذا أوجبه الله تعالى وامتدح أهله وأجزل ثوابهم.

فإن اجتمع مع الصبر الرضا فذلك أكمل، والفرق بين الصبر والرضا أن الصابر يتجرع مرارة الصبر ويشق عليه ما وقع ولكنه يحبس نفسه عن السخط، وأما الراضي فإن المصيبة تكون باردة على قلبه ولا يتجرع مرارتها، بل تنسيه حلاوة الرضا مرارتها، وأكمل حالاً منهما الشاكر على المصيبة احتساباً للأجر عليها.

وكان بعض السلف يقول: إني أفرح بالمصيبة تصيبني؛ لأن الله عجلها إليَّ في الدنيا، ولم يجعلها في الآخرة، وأن الله لم يجعلها أشد مما كان، وأن الله احتسب لي الأجر إذا صبرت عليها، وأن الله لم يجعلها في ديني، فكل مصيبة دون الدين تهون، وفي الله خلف عن كل مصيبة إلا المصيبة في الدين، وقد أحسن القائل:
وكل كسر فإن الله جابره
وما لكسر قناة الدين جبران[6]



وقال الآخر:
لكل شيء إذا ضيعته عوض
وما من الله إن ضيعت من عوض[7]


المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] سبق تخريجه.

[2] أخرجه البخاري في الزكاة (149)، ومسلم في الزكاة (1078)، وأبو داود في الزكاة (1590)، والنسائي في الزكاة (2449)، وابن ماجه في الزكاة (1796).

[3] العدلان: مثنى "عدل" بكسر العين، وهو نصف الحمل يوضع على جنب العبير، ويعادله النصف الأخر على الجنب الآخر، ويسمى هذا حملاً، والعلاوة: زيادة على الحمل توضع بين العدلين.

[4] في "تفسيره" (1/285).

[5] انظر "بدائع التفسير" (1/370).

[6] البيت لأبي الفتح البستي. انظر: "ديوانه" ص80 .

[7] انظر: "الجواب الكافي" ص47.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #228  
قديم 07-09-2022, 04:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



الفوائد والأحكام في سورة البقرة الآيات (151-157)


1- امتنان الله عز وجل على هذه الأمة بما أنعم عليهم من إرساله فيهم رسولاً منهم هو محمد صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آياته ويطهرهم ويعلمهم القرآن والسنة وأسرار الشريعة، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون؛ لقوله تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].

2- أن إرسال الرسل وإنزال الكتب أعظم نعم الله عز وجل على الخلق، وأجل ذلك وأعظمه بعثة محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة وإنزال القرآن والسنة عليه.

3- في كون الرسول من نفس الأمة نعمة خاصة عليهم حيث يعرفونه ويتكلم بلسانهم فيفهمون عنه، مما يجعل الواجب عليهم أعظم من غيرهم في المبادرة إلى تصديقه واتباعه؛ لقوله:﴿ مِنْكُمْ ﴾.

ولهذا امتن الله على المؤمنين في سورة التوبة بقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وقال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران: 164].

كما ذكَّر الله عز وجل قريشا بهذا في معرض توبيخه لهم فقال تعالى: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ [التكوير: 22]. أي: كيف تتهمونه بالضلال والجنون وهو صاحبكم الذي هو منكم، ولم تعرفوا عنه ضلالاً ولا جنوناً.

4- في تنكير "رسولا" إشارة إلى علو مكانته صلى الله عليه وسلم ورفعة منزلته وفضله.

5- أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم تلاوة آيات الله على الناس وبيان ألفاظها ومعاينها وأحكامها، وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والسنة وأسرار الشريعة وتعليمهم ما لم يكونوا يعلمون؛ لقوله تعالى: ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].

وهذه هي أصول النعم على الإطلاق، وكلها جعلها الله عز وجل على يده صلى الله عليه وسلم وبسببه.

6- دلالة القرآن بما فيه من الإعجاز بألفاظه ومعانيه وأحكامه وأخباره، أنه من عند الله ذي الكمال في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته المستحق للعبادة وحده دون سواه، وعلى صدق من جاء به؛ لهذا سمي بـ"آيات الله".

7- تعظيم القرآن الكريم؛ لأن الله عز وجل أضافه إليه في قوله: ﴿ آيَاتِنَا ﴾.

8- تزكية الشريعة المحمدية وتطهيرها لنفوس أتباعها وأبدانهم وأعمالهم وأخلاقهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾.

9- أن تزكية النفوس إنما تكون باتباع منهجه صلى الله عليه وسلم، لا بتزكية الإنسان نفسه، أو نحو ذلك.

10- أن الأصل في الإنسان الجهل وعدم العلم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 151].


11- وجوب ذكر الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾ فمطلق الذكر واجب، لكن الذكر من حيث العموم ليس كله واجباً، بل منه ما هو واجب، ومنه ما هو مندوب.

12- أن من ذكر الله ذكره الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وهذا يدل على عظم ذكر الله وفضله؛ لأن ذكر العبد لله عز وجل سبب لما هو أجل وأعظم وهو ذكر الله تعالى له، كما أن عمل العبد سبب لما هو أعظم وهو ثواب الله تعالى ومحبته للعبد، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31].

13- وجوب شكر الله تعالى وحده بالقلب واللسان والجوارح، وتأكيد ذلك بالنهي عن كفره؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152] كما ذم الله تعالى من كفر بنعمته فقال: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28].

14- وجوب شكر نعم الله تعالى: والثناء عليه بها، واستعمالها في طاعته، وظهور أثرها على العبد، كما قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"[1].

وقال صلى الله عليه وسلم في الدعاء: "اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك، قابليها وأتمها علينا"[2].

15- تصدير الخطاب بالنداء للتنبيه والعناية والاهتمام؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا ﴾.

16- تشريف المؤمنين وتكريمهم بندائهم بوصف الإيمان، والحث على الاتصاف بهذا الوصف، وأن امتثال ما بعده من أوامر أو نواهٍ من مقتضيات الإيمان، كما أن عدم امتثال ذلك يعد نقصاً في الإيمان؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 153].

17- الحث والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة؛ لقوله تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 153].

18- فضل الصبر والصلاة، وأنهما أعظم ما يستعان به على المصائب وعلى جميع أمور الدين والدنيا، إذ لا سبيل لبلوغ الإنسان مطلوبه وإدراك مراده إلا بتوفيق الله له إلى الصبر على طاعة الله تعالى، وعن معصية الله، وعلى أقداره المؤلمة.

19- معية الله عز وجل الخاصة للصابرين وعونه وتوفيقه لهم ومحبته وتأييده؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

20- النهي عن القول بأن الذين قتلوا في سبيل الله أموات، أو اعتقاد ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ﴾ [البقرة: 154].

21- أهمية الإخلاص لله تعالى في القتال؛ لقوله تعالى: ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 154].

22- إثبات حياة الشهداء حياة برزخية يتنعمون فيها، وهي أجل وأعظم من حياة الدنيا؛ لقوله تعالى: ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾، وقوله في آية آل عمران: ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].

23- إثبات الحياة البرزخية ونعيم القبر؛ لقوله تعالى: ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ كما قال تعالى في عذاب القبر عن آل فرعون: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].

24- فضل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، والترغيب في ذلك؛ لأن الله عز وجل أثاب الشهداء لما بذلوا أنفسهم في سبيل الله بأن جعلهم بعد موتهم أحياءً عنده حياة برزخية أجل وأكمل، وأعلى وأفضل من الحياة الدنيا بما فيها.

25- أن حياة البرزخ وأحواله من الغيب الذي لا نشعر به ولا نعلم منه إلا ما علمنا الله إياه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 154].

26- ابتلاء الله للعباد بأنواع من المصائب ليتبين من يصبر ويحتسب ممن يجزع ويتسخط؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ﴾ [البقرة: 155]، فكل هذه من المصائب التي جرت بها سنن الله الكونية، ويجب الصبر عليها.

27- البشرى العظيمة للصابرين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، أي: وبشر الصابرين بعظيم البشرى، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

1- تفويض الصابرين أمرهم إلى الله بقلوبهم وألسنتهم عند المصيبة بإعلانهم أنهم ملك لله، وأنهم إليه راجعون؛ لقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156].

وفي هذا تحقيق الربوبية والألوهية، والإخلاص والإنابة إلى الله تعالى وصدق اللجوء إليه، والتسليم لأمره والرضا بقدره.

2- يندب لمن أصابته مصيبة من المصائب المذكورة وغيرها أن يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون". وأن يقول ما جاءت به السنة: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها"؛ لأن الله أثنى على الصابرين وامتدحهم بقولهم هذه المقالة عند المصيبة.

كما وعدهم عز وجل بصلاته عليهم ورحمته لهم وحصر الهداية فيهم فقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157] كما وعدهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالخلف والأجر العظيم والخير وحط الخطايا، فعن أم سلمة، رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها" قالت: "فلما توفى أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيراً منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم"[3].

وفي رواية أنها قالت: "فلما توفي أبوسلمة استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منه، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني، فأبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم"[4].

وعن أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم: فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد"[5].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يصب منه"[6].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به عنه من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها"[7].

30- علو مرتبة الصابرين وثناء الله عليهم ورحمته لهم، وحصر الهداية فيهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157]، فمن لم يصبر حرم ذلك كله، وصار إلى ضده، وهو دنو المنزلة، وذم الله وعقوبته له، والضلالة والخسران.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية"[8]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع معظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط"[9].

فما أقل تعب الصابرين، وأعظم ثوابهم، وما أشد عناء الجازعين وأعظم عقابهم.

31- إثبات ربوبية الله عز وجل الخاصة للصابرين؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾.

32- إثبات صفة الرحمة لله عز وجل، ورحمته الخاصة بالمؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾.

33- أن الصابرين هم المهتدون حقًّا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾، فأكد هدايتهم، بل وحصر الهداية فيهم.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه الترمذي في الأدب (2820)- من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن" ورُوِيَ بمعناه من حديث الأحوص عن أبيه رضي الله عنه، أخرجه أبو داود في اللباس (4063)، والنسائي (4819).

[2] أخرجه أبوداود في الصلاة (968)- من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

[3] أخرجه مسلم في الجنائز- ما يقال عند المصيبة (918).

[4] أخرجها أحمد (4/27، 28).

[5] أخرجه الترمذي في الجنائز (1021)، وقال: "حسن غريب".

[6] أخرجه البخاري في المرض ما جاء في كفارة المرض (5645).

[7] أخرجه البخاري في المرضى (5660)، ومسلم في البر والصلة والآداب (2571).

[8] أخرجه البخاري في الجنائز- ليس منا من ضرب الخدود (1297)، ومسلم في الإيمان- تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب (103)، والنسائي في الجنائز (1860)، والترمذي في الجنائز (999)، وابن ماجه في الجنائز (1584)- من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[9] أخرجه الترمذي في الزهد- ما جاء في الصبر على البلاء (2396)، وابن ماجه في الفتن- الصبر على البلاء (4031)- من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وقال الترمذي: "حديث حسن غريب".






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #229  
قديم 12-09-2022, 08:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى:﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ... ﴾


قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158].

ســبب النــزول:
عن الزهري عن عروة بن الزبير، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال عروة: قلت: "أرأيتِ قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ قلت: فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوَّف بهما؛ فقالت عائشة: بئس ما قلت يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما أوَّلتها عليه كانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها إنما أنزلت، أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المُشَلَّل[1]، وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوّف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوَّف بالصفا والمروة في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ قالت عائشة: ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما"[2].


وفي رواية عن الزهري أنه قال: "فحدثتُ بهذا الحديث أبا بكر بن عبدالرحمن ابن الحارث بن هشام، فقال: إن هذا العلم، ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يقولون: إن الناس- إلا من ذكرت عن عائشة- كانوا يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية. وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت، ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ قال أبوبكر بن عبدالرحمن: فلعلها نزلت في هؤلاء وهؤلاء"[3].

وعن عاصم بن سليمان، قال: سألت أنساً عن الصفا والمروة، قال: "كنا نرى ذلك من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلام، أمسكنا عنهما، فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾"[4].

وقيل: كان عليهما صنمان: "إساف" على الصفا، و"نائلة" على المروة، وكانوا يطوفون بينهما في الجاهلية، فلما جاء الإسلام تحرجوا من الطواف بين الصفا والمروة، بسبب ذلك، فأنزل الله هذه الآية[5].

قوله تعالىٰ: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾.

قوله: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ الصفا والمروة: جبلان يقعان شرقي الكعبة، الصفا عن يمين الحجر الأسود، وهو جبل أبي قبيس، والمروة عن يسار الحجر الأسود، وهو جبل قعيقعان، وهما الجبلان اللذان كانت تتردد بينهما أم إسماعيل "هاجر"- عليهما السلام- وتصعد عليهما لما نفد ما معها من التمر والماء وتقلَّص لبنها عن ابنها.

﴿ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ "من" تبعيضية، أي: بعض شعائر الله، وشعائر: جمع "شعيرة"، وهي المعْلَم أو العلامة الظاهرة، فشعائر الله أعلام دينه الظاهرة، التي شرعها لعباده، وأمر بتعظيمها، قال تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [الحج: 36]، وقال تعالى ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

أي: إن الصفا والمروة من معالم دين الله- عز وجل- الظاهرة التي شرع الله الطواف بينهما، وجعله من شعائره، ومن مناسك الحج والعمرة.

عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "أول ما اتخذ النساء المِنْطَق من قبل أم إسماعيل- عليهما السلام- اتخذت منطقاً ليعفِّي أثرها على سارة. ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل عليهما السلام، وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت على دوحة فوق زمزم، في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم- عليه السلام- منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا.

ثم رجعت، فانطلق إبراهيم- عليه السلام- حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه قال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37].

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل- عليهما السلام- وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ماء السِّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال: يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي. ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فذلك سعي الناس بينهما"[6].

﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ ﴾ الفاء: استئنافية، و"من" شرطية، و"حج" فعل الشرط، والحج لغة: القصد. وفي الشرع: التعبد لله- عز وجل- بقصد البيت الحرام لأداء المناسك، كما جاء في الكتاب والسنة.

و"ال" في البيت للعهد الذهني، أي: البيت المعهود المعروف، وهو بيت الله الحرام "الكعبة المشرفة".

﴿ أَوِ اعْتَمَرَ ﴾ "أو" عاطفة، للتنويع، أي: أو زار البيت لأداء مناسك العمرة. فالقادم للبيت إما يريد الحج، أو يريد العمرة، أو يريدهما معاً- كما قال صلى الله عليه وسلم لما وقَّت مواقيت الإحرام- قال: "هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة"[7].

والعمرة لغة: الزيارة، وفي الشرع: التعبد لله- عز وجل ـ بزيارة البيت الحرام، والطواف والسعي، والحلق، أو التقصير.

﴿ فَلَا جُنَاحَ ﴾ جملة جواب الشرط "من" والفاء رابطة لجواب الشرط؛ لأنه جملة اسمية.

و"لا" نافية للجنس تعمل عمل "إن" و"جناح" اسمها. وخبرها المصدر المؤول من "أن" والفعل بعدها، وهو في محل نصب على نزع الخافض، أو في محل جر بحرف محذوف، أي: في التطوّف بهما.

و"يطَّوَّف" أصلها "يتطوف" فقلبت التاء طاء، ثم أدغمت في الطاء، أي: فلا حرج عليه، ولا إثم أن يطوف بين الصفا والمروة، أي: يسعى بينهما.

وإنما جاء الكلام على هذا النحو- مع أن السعي بين الصفا والمروة ركن، أو واجب- لما سبق ذكره، في سبب النزول، من تحرج الأنصار من الطواف بينهما، قبل أن يسلموا، وقد كانوا يهلون لمناة الطاغية.

أو لقول بعضهم: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، وقول بعضهم: إنما أمرنا بالطواف بالبيت، ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة.

أو لما قيل: من وجود صنمين عليهما وهما: "إساف" و"نائلة" وكانوا يطوفون بهما في الجاهلية، فتحرجوا من الطواف بين الصفا والمروة بعد ذلك، بسبب ذلك، حتى أنزل الله هذه الآية.

والسعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة، أو واجب من واجباتهما.

فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت عاد إلى الركن، فاستلمه، ثم خرج من باب الصفا، وهو يقول: ﴿ ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ ثم قال: "أبدأ بما بدأ الله به"[8].

وفي رواية بالأمر "فابدؤوا بما بدأ الله به"[9].

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "نبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليها... الحديث"[10].

وعن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجرأة- رضي الله عنها- قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي، يدور به إزاره، وهو يقول: "اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي"[11].

وفي رواية عن صفية بنت شيبة: أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول: "كتب عليكم السعي، فاسعوا"[12].

﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ قرأ حمزة والكسائي: ﴿ يَطَّوَّعۡ ﴾ بالياء وتشديد الطاء وإسكان العين، بمعنى: يتطوع، وقرأ الباقون: ﴿ تَطَوَّعَ ﴾ بالتاء وفتح العين على المضي.

والواو في قوله: ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ ﴾ عاطفة، و"من" شرطية، و﴿ تَطَوَّعَ ﴾ فعل الشرط، وجوابه جملة ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ واقترنت بالفاء لأنها جملة اسمية.

والتطوع: فعل الطاعة، واجبة كانت أو مستحبة، فعلاً لمأمور، أو تركاً لمحظور، وضده العصيان.

وكثر، واشتهر استعمال التطوع فيما يستحب، وليس بواجب، ومن هذا قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [التوبة: 79].

وقال صلى الله عليه وسلم- في حديثه للأعرابي، لما سأله عن عمل يدخله الجنة، قال: "تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلاً". قال: هل عليَّ غيرها؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لا، إلا أن تَطَّوَّع"[13]- يعني: إلا أن تفعل فعلاً متطوعاً فيه من ذات نفسك، مما ليس بواجب عليك.

وتطلق الطاعة على الانقياد الكوني، كما قال تعالى عن السماء والأرض: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [فصلت: 11].

﴿ خَيْرًا ﴾ منصوب بنزع الخافض، أي: تطوع بخير، كما في قول الشاعر:
تمرون الديارَ ولم تعوجوا
كلامكم عليَّ إذن حرام[14]






أي: تمرون بالديار.

ويحتمل كون ﴿ خَيْرًا ﴾ منصوباً على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: تطوعاً خيراً، ويحتمل كونه مفعولاً لأجله، أي: ومن تطوع لأجل الخير، أي طلباً للخير.

والمعنى: فمن فعل طاعة مخلصاً بها لله- عز وجل- من حج وعمرة وطواف، وصلاة وصوم وغير ذلك، نفلاً كان أو واجباً، فهو خير له.

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ ﴾ أي: يشكر من أطاعه، ويثيبه، ويعطي العطاء الجزيل، على العمل اليسير، ويكافئ العامل ويجازيه بأضعاف عمله، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]، وقال تعالى: ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 38].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همّ بها فعملها، كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة"[15].

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا أحدكم، فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه"[16].

﴿ عَلِيمٌ ﴾ أي ذو علم واسع محيط بكل شيء، كما قال تعالى: ﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12].

فعلمه- عز وجل- واسع محيط بالأشياء كلها في أطوارها الثلاثة، قبل الوجود، وبعد الوجود، وبعد العدم، يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن، لو كان كيف كان يكون- كما قال موسى- عليه السلام- لما سئل عن القرون الأولى، قال: ﴿ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52].

والعلم في الأصل: إدراك الأشياء على ما هي عليه إدراكاً جازماً. فمن قال: أركان الإسلام خمسة، فهو عالم بالنسبة لهذه المسألة، ومن قال: لا أدري، فهو جاهل جهلاً بسيطاً؛ لأنه لا يدري، ويدري أنه لا يدري، ومن قال: بل هي ستة، فهو جاهل جهلاً مركباً؛ لأنه لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري.

فهو- عز وجل- عليم بمن تطوع وازداد من الخير والعمل الصالح، وبما يستحقه من الثواب، عليم بجميع أعمال عباده وما يستحقونه من الجزاء، عليم بكل شيء.

وفي قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ بعد قوله: ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ﴾ ترغيب في التطوع والاستزادة من الخير؛ لما في قوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ ﴾ من الإشارة إلى تكفله- عز وجل- بثواب ذلك، بل ومضاعفة ثوابه، فضلاً عن أن يضيع عنده.

ولما في قوله: ﴿ عَلِيمٌ ﴾ من الدلالة على علمه- عز وجل- بالعمل والعامل، وما يستحق، وبهذا أمن العبد من ضياع عمله، أو نسيانه، وأمن من عدم مكافأته على عمله، أو نقصان أجره.

الفوائد والأحكام:
1- أن الصفا والمروة من شعائر الله- عز وجل- وأعلام دينه الظاهرة، والطواف بينهما من مناسك الحج والعمرة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾.

2- مشروعية الحج والعمرة في ملة إبراهيم الخليل- عليه السلام- وفي دين الإسلام.

3- أن السعي بين الصفا والمروة لا يشرع مستقلاً، بلا حج أو عمرة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾.

4- مشروعية السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة، وهو ركن من أركان الحج والعمرة على الصحيح من أقوال أهل العلم، لا يصح الحج والعمرة بدونه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾.

ولما جاء في حديث جابر- رضي الله عنه الطويل- في صفة حجه صلى الله عليه وسلم: "أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت عاد إلى الركن، فاستلمه، ثم خرج من باب الصفا، وهو يقول: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾، ثم قال: "أبدأ بما بدأ الله به"، وفي رواية بالأمر: "ابدؤوا بما بدأ الله به"[17].

وفي حديث حبيبة بنت أبي تجرأة، قالت: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي، يدور به إزاره، وهو يقول: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي"[18].

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا عني مناسككم "[19].

وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "والله ما أتم الله حج امرئ، ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة"[20].

وقال بعض أهل العلم: إن السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة واجب مَن تركه فعليه دم، وقيل إنه سنة.

أما قوله تعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ فلا دلالة فيه على عدم ركنية السعي أو وجوبه- لما سبق بيانه في سبب النزول وأن الأنصار كانوا يهلون لمناة الطاغية، فتحرجوا من الطواف بين الصفا والمروة، أو لظن بعضهم أن الطواف بينهما من أمر الجاهلية، وأن الشرع لم يأمر بذلك، أو لأنه كان عليهما صنمان هما "إساف" و"نائلة" وكانوا يطوفون بهما في الجاهلية فتحرجوا من الطواف بينهما في الإسلام، فأنزل الله هذه الآية.

5- الترغيب في التطوع والازدياد من الخير، حجاً وعمرة وطوافاً، وصلاة وصوماً وصدقة، وغير ذلك؛ لقوله تعالىٰ: ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾.

6- أن الخير كل الخير في طاعة الله- عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ﴾وذلك هو حقيقة شكر الله- عز وجل، ولهذا قابله بقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ أي: شاكر للمطيعين الشاكرين.

7- إثبات صفة الشكر لله تعالى، وأنه عز وجل يشكر من أطاعه ويثيبه أكثر من عمله، ويضاعفه له؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ ﴾.

8- إثبات صفة العلم لله تعالى، وأنه سبحانه ذو العلم الواسع، المحيط بكل شيء، وبالعباد وأعمالهم وأحوالهم، يعلم من تطوع منهم، وقدر ثوابه، ولا يضيع لديه عمل عامل منهم؛ لقوله تعالى: ﴿ عَلِيمٌ ﴾.

9- في وصفه- عز وجل- بأنه شاكر عليم تأكيد لعدم ضياع أيّ عمل لديه، أو نقصانه، بل تأكيد لزيادته، فهو- عز وجل- عليم، يعلم العامل وعمله، وما يستحقه، فلا يغيب عنه شيء من ذلك، وهو سبحانه شاكر، يعطي الكثير على القليل ولا يتعاظمه شيء أعطاه.


المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»
[1] المُشَلَّل: اسم جبل.

[2] أخرجه البخاري في الحج- يفعل في العمرة ما يفعل في الحج (1790)، ومسلم في الحج- بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به (1277)، وأبوداود في المناسك- أمر الصفا والمروة (1901)، والنسائي في المناسك- ذكر الصفا والمروة (2967، 2968)، والترمذي في التفسير- سورة البقرة (2965)، وابن ماجه في المناسك- السعي بين الصفا والمروة (2986)، وأحمد (6/ 144، 162).

[3] أخرجها البخاري في الحج- وجوب الصفا والمروة (1561)، ومسلم في الموضع السابق (1277).

[4] أخرجه البخاري في التفسير (4496)، ومسلم في الحج (1278)، والترمذي في التفسير (2966).

[5] انظر: "جامع البيان" (2/ 714-717).

[6] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3364).

[7]أخرجه البخاري في الحج (1524)، ومسلم في الحج (1181)، والنسائي في مناسك الحج (2654)- من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما.

[8] أخرجه مسلم في الحج (1218)، والدارمي في المناسك (1850)- من حديث جابر رضي الله عنه.

[9] أخرجها النسائي في مناسك الحج (2962)- من حديث جابر رضي الله عنه.

[10] أخرجه النسائي في مناسك الحج (2961).

[11] أخرجه أحمد (6/ 421).

[12]أخرجها أحمد (6/ 422).

[13] أخرجه البخاري في الصوم (1891)، ومسلم في الإيمان (11)، وأبوداود في الصلاة (391)، والنسائي في الصلاة (458)- من حديث طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه.

[14] البيت لجرير بن عطية الخطفى. انظر: "ديوانه" ص268.

[15] أخرجه البخاري في الرقاق (6491)، ومسلم في الإيمان (131)- من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما.

[16] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2679).

[17] سبق تخريجه.

[18] سبق تخريجه.

[19] أخرجه مسلم في الحج (1297)، وأبوداود في المناسك (1970)- من حديث جابر بن عبدالله- رضي الله عنه .

[20] أخرجه البخاري في الحج (1790)، ومسلم في الحج- بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن (1277).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #230  
قديم 12-09-2022, 08:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ... ﴾


قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159 - 163].

هذه الآيات نزلت في أهل الكتاب، وكتمانهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، ومبعثه ودينه، وهي عامة لهم ولغيرهم ممن يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى.

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159].


قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىْ ﴾ "إن" حرف توكيد ونصب ﴿ يَكْتُمُونَ ﴾ يخفون، و"ما" موصولة، أي: إن الذين يخفون الذي ﴿ أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ من أهل الكتاب وغيرهم مع الحاجة إلى إظهاره.

وقوله: ﴿ مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ أي: من الآيات البينات، والحجج القاطعات، والدلائل الواضحات، التي فيها بيان الحق.

وفي قوله تعالى: ﴿ أَنْزَلْنَا ﴾ إثبات عظمة الله- عز وجل، وعلوه على خلقه، وأن القرآن الكريم منزل من عند الله- عز وجل- غير مخلوق، وهكذا غيره من كتب الله- عز وجل- كلها منزلة من عنده- عز وجل- غير مخلوقة.

﴿ وَالْهُدَى ﴾ أي: العلم النافع للقلوب، الذي يهدي إلى الإيمان والعمل الصالح، وهما رأس مال الإنسان في هذه الحياة، وهما اللذان أرسل الله بهما الرسل، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ [التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9]، فالهدى: العلم النافع، ودين الحق: العمل الصالح.

﴿ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ ﴾ "ما" مصدرية، أي: من بعد بيانه وإظهاره، وتفصيله للناس جميعاً.

﴿ فِي الْكِتَابِ ﴾ "ال" للجنس، فالمراد بـ"الكتاب" الكتب السماوية كلها، كما قال تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 213]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الحديد: 25].

ويحتمل أن "ال" في الكتاب للعهد الذهني، فيكون المراد بالكتاب: القرآن الكريم.

والمراد بالبيان هنا البيان العام، فقد بيّن الله- عز وجل- الآيات والهدى، وفصّل ذلك لجميع الناس، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، كما قال عز وجل: ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ [فصلت: 17]، وقال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165].

وفي مقدمة من يدخل تحت هذا الوصف اليهود، الذين كتموا ما علموا من كتبهم من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وصدقه، وصدق ما جاء به.

وفي حكمهم من كتم من هذه الأمة ما آتاه الله من علم، ولم يقم بحقه، بل جعله مطية للدنيا، وما أكثر هؤلاء، وقد قال سفيان بن عيينة: "مَن فسد مِن علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومَن فسد مِن عُبَّادنا كان فيه شبه من النصارى"[1].

﴿ أُولَئِكَ ﴾ الإشارة للذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى، وأشار إليهم بإشارة البعيد تحقيراً لهم.

﴿ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ﴾ فيه التفات من التكلم إلى الغيبة، وإظهار بدل الإضمار، فلم يقل: "نلعنهم"، والغرض من ذلك تعظيم الأمر وتهويله وتفخيمه.

واللعن من الله هو الطرد والإبعاد عن رحمته.

أي: أولئك الذين يكتمون الذي أنزلنا من البينات والهدى يطردهم الله ويبعدهم عن رحمته وجنته، ويمقتهم.

قال ابن القيم[2]: "فلعنة الله لهم تتضمن مقته وإبعاده وبغضه لهم".

﴿ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾أي: ويلعنهم اللاعنون من الخلق، من الملائكة والإنس والجن وغيرهم، الذين يلعنون من يستحق اللعن، ومعنى اللعن من الخلق: الدعاء بطردهم وإبعادهم عن رحمة الله، ومقتهم وبغضهم لهم.

ويحتمل أن المعنى: ويلعنهم جميع الخلق من الملائكة والإنس والجن، والدواب والبهائم وغير ذلك. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [البقرة: 161].

وفي هذا من الوعيد والتهديد ما فيه، لمن يكتمون ما أنزل الله، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سئل عن علم علمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار"[3].

وعنه- رضي الله عنه- قال: "إن الناس يقولون: أكثر أبوهريرة. ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت شيئاً، ثم يتلو: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ إلى ﴿ الرَّحِيمُ ﴾"[4].

وشتان بين من يلعنهم الله، ويلعنهم جميع خلقه، ممن كتموا ما آتاهم الله من علم، وجعلوه مطية لأهوائهم، وحظوظهم الدنيوية، وبين العلماء الربانيين، الذين يستغفر لهم كل شيء، حتى الحيتان في الماء، كما قال صلى الله عليه وسلم: "وإن العالم ليستغفر له من في السموات، ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء"[5].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] ذكره ابن كثير في "تفسيره" (4/ 80).

[2] انظر: "بدائع التفسير" (1/ 371).

[3] أخرجه أبوداود في العلم (3658)، والترمذي في العلم (2649)، وابن ماجه في المقدمة (261)، وقال الترمذي: "حديث حسن".

[4] أخرجه البخاري في العلم (118)، ومسلم في فضائل الصحابة (2492)، وابن ماجه في المقدمة (262).

[5] أخرجه أبوداود في العلم- فضل العلم (3641)، والترمذي في العلم- فضل الفقه على العبادة (2682)، وابن ماجه في المقدمة- فضل العلماء (223)- من حديث أبي الدرداء- رضي الله عنه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 227.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 222.03 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]