الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال - الصفحة 22 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4987 - عددالزوار : 2106708 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4566 - عددالزوار : 1384104 )           »          إيران عدو تاريخي للعرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 180 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 1007 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 11618 )           »          إيقاظ الأفئدة بذكر النار الموقدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 199 )           »          علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 185 )           »          علة حديث: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 192 )           »          الأنفصال العاطفي بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 209 )           »          مقاومة السمنة في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 197 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 30-08-2025, 01:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (209) تحطيم إبراهيم صلى الله عليه وسلم للأصنام وإنجاء الله له من النار (5)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ . قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 51-73).
الفائدة الرابعة:
إن الاحتجاج بأننا وجدنا من سبقنا على طريقة، ولا بد وأن نسير على طريقتهم -سواء في الاعتقاد أو في العمل أو في السلوك-؛ ليس من حجة أهل الإسلام وأهل الإيمان، وإنما هي من كلام أهل الباطل والكفران، ولا يتشبه بهم أهل الإسلام ولو في فروع دينهم، وإنما أمرهم الله -عز وجل- أن يسألوا أهل الذِّكْر عن الذكر إذا جهلوه؛ قال الله -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل: 43)، وأهل الذكر هم أهل العلم، وأما الذكر فهو الذكر المنزَّل من الله -عز وجل- على نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).
وهو يشمل الكتاب والسُّنة؛ فأنت تسألهم عن الذكر، وليس عن رأي فلان، ولا مذهب فلان؛ فضلًا عن أن ينتقي له من أقوال المختلفين ما يوافق هواه، وما يظن أنه تتحقق به المصلحة الوهمية فإنما تعرف المصالح بموافقة الشريعة، وليس بالانتقاء من المذاهب ما تشتهيه الأنفس؛ فالواجب أن يُسأل العالم عن حكم الشرع عن الذكر الذي هو أهله، وهو يعلمه، وهذا من أوضح البيان.
والواجب على العَالِم: أن يجتهد في معرفة حكم الشرع لا في البحث عن الآراء المتناقضة التي ينتقي منها ما يشتهي الناس، ويختار لهم الرأي الأسهل تيسيرًا لهم -بزعمه!-، وليس الأمر كذلك؛ فليس هذا بالسهل، ولا بالطريق المرضي؛ فمن تتبع رخص العلماء اجتمع فيه الشر كله.
وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على عدم جواز الانتقاء من المذاهب بالهوى، ومَن خالفه مِن بعده، خالف الإجماع السابق القديم؛ فلا حجة له فيما يدعيه من وجود من جوَّز ذلك بعد ذلك.
والزنادقة يتعلقون -دائمًا- بمثل هذه الطريقة من انتقاء الأقوال الباطلة من المذاهب المختلفة؛ كما يزعم أحدهم في زماننا: جواز شرب البيرة، وجواز النظر إلى أجساد الكافرات العارية، وجواز التعامل بالربا، وجواز سماع المعازف والألحان والأغاني، وهو يجمع الضلال كله في ذلك؛ كما قال غير واحد من السلف: إذا أخذت بمذهب أهل العراق في الشراب، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في الصرف، اجتمع فيك الشر كله!
ثم إذا لم يجدوا أقوالًا توافق أهواءهم فيمن مضى يتبرع أحدهم بالمخالفة، ويأتي بقول محدث يأتي مَن بعده ويقول: هذا قول الشيخ فلان، وهو أحد الأقوال، كما قد نقلوا هم الاتفاق في المذاهب على عدم جواز تهنئة الكفار بأعيادهم ثم هم يخالفونها، وينقلون اتفاق المذاهب المختلفة، بل إجماع المسلمين على كفر مَن يخالف دين الإسلام ثم يحدثون أقوالًا بأن ذلك قول معتبر بمساواة الأديان، وهذا كله من أعظم أسباب الزندقة، وإدخال الخلل على عقائد المسلمين وأعمالهم.
وعلى طالب العلم أن يأخذ من أقوال العلماء بالدليل، وعلى مَن لا يعلم أن يسأل أهل الذكر عما لا يعلمه؛ يسألهم عن الذكر حتى ولو على طريق الترجمة والإجمال إن لم يكن يستطيع فهم الأدلة، وطرق الاستنباط منها، فيسألهم عن حكم الشرع في هذا، ويسألهم عن حكم الكتاب والسنة.
والواجب على كل مسلم: أن يتجنب التعصب الأعمى؛ وهو: أن يتبع غيره على أمرٍ قد بانت له فيه السنة؛ فقد قال الشافعي -رحمه الله-: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له السنة لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس"، وإنما بيَّن العلماء لزوم عدم التقليد حتى لا يقع الناس فيما وقع فيه المتقدمون ممَّن عبدوا غير الله بسبب التقليد (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 53).
الفائدة الخامسة:
قوله -تعالى-: (قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ): دل ذلك على أنه لا بد من كشف الباطل، وعدم المداهنة في الحق لأجل أنه صادر عن الآباء والأجداد، أو السادة والكبراء، وبهذا جَهَر إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- بالحق وصدع به؛ فليس مقام الدعوة مقام مجاملة، ولا مداهنة، ولا يحتمل هذا المقام أن يتكلم الناس بالباطل في صيغة الحق، ولا يحتمل على أن يُسكت عن الضلال البيِّن، ولا عن فضحه في نفوس أصحابه؛ من أجل ألا ينفِّرهم؛ فقد نَفَر كثيرٌ من أقوام الرسل بسبب كلام الرسل بالحق، وبيانهم أن قومهم على ضلال، وسموا ذلك شتمًا لآلهتهم، وتسفيهًا لعقولهم، ولم يدفع ذلك الرُّسُل إلى أن يغيروا أسلوب مواجهتهم للباطل، وألا يسموه بغير اسمه؛ (قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
ذلك أن الحق لا يقوم في قلب الإنسان إلا بهدم الباطل والبراءة منه، وعدم المداهنة فيه، وإنما يمكن للداعي إلى الله أن يغير وسيلة الدعوة بأن يتكلم بأسلوب غير الذي كان يتكلم به حسب مقتضى الحال؛ فيمكنه أن يغيِّر أرض الدعوة، ويهاجر إلى أرض أخرى، ويمكنه أن يغير المدعوين، وأن يدعو غير مَن أعرضوا عن دعوته، ولكن لا يمكن أن يغير الحق، ولا أن يقول الباطل، ولا أن يداهن فيما يعلم أنه من شرع الله؛ فإنه لا بد أن يبيِّن الباطل ويصفه باسمه، ويقول: "إنه ضلال مبين" -كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام-.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #212  
قديم 30-08-2025, 01:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (210) تحطيم إبراهيم صلى الله عليه وسلم للأصنام وإنجاء الله له من النار (6)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ . قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 51-73).
الفائدة السادسة:
قوله -تعالى-: (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ): دليل على أن أكثر البشر يعيشون حياتهم على أن الأمور كلها لعب ولهو؛ حتى الدِّين يأخذونه باللعب! كما قال -تعالى-: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا) (الأنعام: 70)، وقال -تعالى-: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (الزخرف: 83).
فأكثر الناس في لهو ولعب حتى جعلوا قضية الإيمان تحتمل أيضًا المزاح، وتحتمل السخرية، وتحتمل اللهو واللعب فيها -والعياذ بالله من ذلك-؛ كما قال -سبحانه وتعالى- عن المنافقين: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (التوبة: 65، 66).
ولذا بين أهل العلم أن الاستهزاء واللعب بآيات الله -سبحانه وتعالى-، أو برسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو بأي أحدٍ من الرُّسُل الكرام، وكذا الملائكة، أو الاستهزاء واللعب بالجنة والنار، أو بركنٍ من أركان الإسلام، أو شعائره المعلومة من الدِّين بالضرورة؛ أن ذلك كله -ونحوه- من الكفر الأكبر الناقل عن الملة.
بل جعل كثيرٌ من الناس قضية الموت والحياة، وما أخبر الله به من البعث والنشور، من اللعب؛ مع أن الموت أكبر اليقينيات عند الناس؛ فالكل يعلم أنه سوف يموت، ومع ذلك يجعلون ذلك مادة للعب والسخرية والمزاح -نعوذ بالله-.
وكذا جعلوا تصديق الأنبياء والالتزام باتباع كُتُب الله التي أنزلها إليهم، مِن الأمور التي يمكن فيها اللعب، ولذا قال قوم إبراهيم له: (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)؛ فقد تعودوا على أن يجعلوا في الدِّين من اللهو واللعب، بل كثيرٌ مِن الناس يأخذ من الدِّين ما يشتهي لكي يتخذه لعبًا -والعياذ بالله من ذلك-.
فاحذر أيها المسلم أن تكون على هذا الطريق، ولو في جزئية من جزئيات حياتك، أو في فرع علمته من الدين؛ فإن الخطر في ذلك عظيم، بل تعظيم شرع الله -عز وجل- أمر لازم من لوازم الإيمان، وجزء من أجزائه، وركن من أركانه لا يحصل الإيمان بدون تعظيم شرع الله -عز وجل-، وتعظيم أوامره.
وقد أفتى بعض الحنفية: بكفر مَن صَلَّى بغير وضوء عامدًا؛ قالوا: لأنه يستهزئ بهذه الشعيرة، وإن كنَّا نرجِّح قول جمهور العلماء أنه يكون قد ارتكب كبيرة من الكبائر دون أن يكفر، لكن نذكر ذلك لأجل أن يُعلَم أن تعظيم الشرع عند أهل العلم، لا يمكن أن يُفقَد من قلب مسلم.
المسالة السابعة:
قوله -تعالى-: (قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ): بعد أن بيَّن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- ضلال ما هم عليه، وأن عبادة الأصنام هي الباطل الذي لا خفاء فيه صَرَّح بالحق حتى يكون الحق مبنيًّا في القلوب على طهارة؛ يبدأ بالنفي ويُثَنِّي بالإثبات، يهدم الشرك ويبني التوحيد؛ يقول: "لا إله إلا الله"؛ فلا إله: تبرؤ من الشرك وأهله، وإلا الله: إثبات للتوحيد؛ كما قال الله -تعالى- عنه في سورة الزخرف: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف: 26-28).
جعلها الله -عز وجل- كلمة باقية؛ كلمة: "لا إله إلا الله" لا يزال في ذريته مَن يقولها؛ لم تمحَ هذه الدعوة دعوة التوحيد من ذرية إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان الشرك قد طرأ على كثيرٍ من ذريته، بل قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان الشرك قد طرأ على عامة أهل الأرض كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ‌فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ؛ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) (رواه مسلم)، فبقي في أهل الكتاب بقايا كما دلَّ عليه الحديث، وبقي في العرب كذلك بقايا على التوحيد؛ كزيد بن عمرو بن نوفيل الذي أدركه النبي -صلى الله عليه وسلم- في شبابه، وكان لا يسجد للأوثان، ولا يأكل مما ذُبِح لها، ولا يعبد إلا الله، ولكنه لا يدري كيف يعبده؛ فكان يخر على بعيره.
فلنعرف هذا الدرس جيدًا من دروس الدعوة إلى الله؛ الذي ضيعه كثيرٌ ممن ينتسب إلى الدعوة، وممن ينتسب إلى الدِّين والعلم، وهو أن يداهن أهل الباطل، لا يصرح بباطلهم، وربما اكتفى بالتصريح ببعض الحق دون أن يبيِّن الباطل!
وفي قوله -تعالى-: (قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ): استدلال على توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية، فَفَطْرُ السماوات والأرض أي: خَلْقُهن على غير مثال سابق أوضح دليل على استحقاق الرب -سبحانه وتعالى- للعبادة.
ومن معاني الرب الإله أيضًا: وإن كان ذلك ليس مشهورًا عند كثيرٍ من الناس، فإن معنى السيد الكامل السؤدد من معاني الرب: يدخل فيه معنى الإله؛ كما ذكره غير واحد من أهل اللغة، وذكروا أن الرب هو الإله، وقد كثر استدلال القرآن بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية في مواضع عديدة؛ قال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 21، 22).
وقال -سبحانه وتعالى-: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ . أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ . أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ . أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (النمل: 59-64).
وكذلك قال -سبحانه وتعالى-: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ . أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ . نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ . عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ . وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ . أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ . لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ . إِنَّا لَمُغْرَمُونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ . أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ . لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ . أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ . نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ . فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (الواقعة: 58-74).
فهذه الآيات كلها تذكير لربوبية الله، ومظاهر هذه الربوبية؛ للاستدلال بها على وجوب إفراده -عز وجل- بالعبادة، سبحانه وبحمده، سبحان ربنا العظيم.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.84 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]