سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 22 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 15393 )           »          الثقافة والإعلام والدعوة في مواجهة الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 10 )           »          أساليب نشر العلمانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 3612 )           »          الصوابية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          القوامة الزوجية.. أسبابها، ضوابطها، مقتضاها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 21 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 11297 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 5619 )           »          أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 132 - عددالزوار : 76199 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-03-2022, 02:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود


تفسير سورة المدثر كاملة







من الآية 1 إلى الآية 7: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ: يعني يا أيها المتغطي في ثيابه (أو المتغطي في غطاء) (وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ذهب إلى بيته خائفاً يرتجف بعد أنْ جاءه الوحي أول مرة، ورأى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية، فقال لخديجة رضي الله عنها: زَمِّلوني - وفي رواية: دَثِّروني - أي غَطوني غَطوني، فغَطَته حتى هدأ) (والحديث في الصحيحين)، فناداه الله بذلك ليستشعر اللِّين والعطف من ربه، ثم قال له:﴿ قُمْ فَأَنْذِرْ: أي قم مِن فِراشك، فحَذِّر الناس من عذاب الله (إنْ أصَرُّوا على الشِرك والعِصيان)،﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أي عَظِّمه تعظيمًا تامًا بالثناء عليه، وبتنزيهه مِن كل ما لا يليق به، وبعبادته وحده لا شريك له، ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ: أي طَهِّر ثيابك من النجاسات؛ فإنّ طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن،﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ يعني: واستمِر على هَجْر الأصنام وأعمال الشرك كلها، فلا تقربها،﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ أي لا تَمُنّ على ربك بما تقوم به من الأعمال لأجله (فإنّ ثمرة عملك ستعود عليك وحدك)، أو لَعَلَّ المقصود: (ولا تمُنّ على أحد بما أعطيته، فتُكثِر عليه المَنّ بذلك العطاء فيضيع أجرك، ولكن اطلب الأجر من الله وحده)، ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ أي اصبر على الأوامر والنواهي والإيذاء في سبيل الدعوة (طلباً لرضا ربك وجنّته).



الآية 8، والآية 9، والآية 10: ﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ يعني: فإذا نُفِخَ في "البوق" نفخة البعث من القبور﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌأي صعبٌ شديد﴿ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ أي: ليس سهلاً على الكافرين أن يَنجو مما هم فيه من الشدائد والكُرُبات (ويُفهَم من الآية أن حال المؤمنين - في ذلك اليوم - غير حال الكافرين في الشدة والبلاء).



من الآية 11 إلى الآية 31: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا: أي اترك لي - أيها الرسول - مَن خَلَقته وحيدًا لا مال له ولا أهل (والمقصود به هنا: الوليد بن المغيرة، أحد زعماء المُشرِكين)﴿ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا أي جعلتُ له مالاً مبسوطًا واسعًا﴿ وَبَنِينَ شُهُودًا أي: وجعلتُ له أولادًا حضورًا معه في "مكة" لا يغيبون عنه،﴿ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا يعني: ويَسَّرتُ له طُرُق العيش تيسيرًا شديداً (حتى استغنى بذلك عن طلب المال من أيّ أحد)﴿ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ؟! يعني: ثم يَطمع بعد هذا العطاء أن أزيد له في ماله وولده، بعد أنْ كَفَرَ بي وبرسولي؟!﴿ كَلَّا لن أزيده على ذلك، فـ﴿ إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا: أي كان مُعاِندًا مُكَذِّبًا للقرآن وأدلته،﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا: أي سأُكَلِّفه مَشَقّة من العذاب والإرهاق (لا راحةَ له منها)، ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ: يعني إنه فكَّرَ في نفسه، وأعَدّ ما يقوله من الطعن في القرآن الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم (وذلك بعد أن اعترف لزعماء قريش بأنّ ما يَقوله السَحَرةُ شيء، وأنَّ هذا القرآن شيءٌ آخر، وأنه ليس بكلامِ بَشَر، ثم طلب منه المُشرِكون أن يقول أمام الناس إنه سحر حتى لا يُفتضَح تكذيبهم وعنادهم)،﴿ فَقُتِلَ: أي لعنه الله (يعني طرده من رحمته) ﴿ كَيْفَ قَدَّرَ؟! يعني كيف أعَدَّ في نفسه هذا الطعن، وهو يعلم أنه كاذب؟!﴿ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ؟! يعني ثم لعنه الله وأهلكه، كيف أعدَّ في نفسه هذا الطعن؟!، (فبهذا لعنه الله لعنتين تلازمانه، واحدة في الدنيا والأخرى في الآخرة)، ﴿ ثُمَّ نَظَرَ أي: ثم تأمَّل فيما أعَدَّه من الطعن في القرآن،﴿ ثُمَّ عَبَسَ أي عَبَسَ وجهه (يعني قَبَضَ ما بين عينيه، وظهر عليه الغضب)، ﴿ وَبَسَرَأي اشتدَّ في العبوس، واسوَدَّ وجهه عندما ضاقت عليه الحِيَل، ولم يجد مَطعنًا يَطعن به في القرآن،﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ أي أعرض عن الحق ﴿ وَاسْتَكْبَرَ أن يَعترف به،﴿ فَقَالَ عن القرآن: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ: أي ما هذا الذي يقوله محمد إلا سِحرٌ يُنقَل عن الأولين،﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ: أي ما هذا إلا كلام البَشَر.



ثم قال تعالى متوعداً إياه بالعذاب: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ: يعني سأدخله جهنم (لكي يُعاني حرَّها ويَحترق بنارها)﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ؟ يعني: وما أعلمك أيُّ شيءٍ جهنم؟، إنها﴿ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ: أي لا تُبقِي لحمًا ولا تَترك عظمًا إلا أحرقته (ثم يعود كما كان لاستمرار العذاب)، وهي﴿ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ أي مُحرِقةً للبشرة، مُسَوِّدةً للجلود،﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ أي يتولى أمْرها ويقوم على تعذيب أهلها تسعة عشر مَلَكًا من الملائكة الأشداء، (وعندما نزلت هذه الآية، استهزأ المُشرِكون بهذا العدد ورأوه قليلاً)، فرَدَّ اللهُ عليهم قائلاً:﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً (وذلك لشدتهم وقوتهم)، والمعنى: وما جعلنا خَزَنة النار - وهُم "مالك" وثمانية عشر معه - إلا من الملائكة العِظام الأقوياء، ﴿ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني: وما جعلنا عددهم إلا ضلالاً للكافرين، و﴿ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يعني: وليَحصل اليقين للذين أُعطوا الكتاب - من اليهود والنصارى - بأنَّ ما جاء في القرآن عن ملائكة جهنم هو حق من عند الله تعالى (حيث وافَقَ ذلك نفس العدد الذي في كُتُبهم)، ﴿ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا أي يزدادوا تصديقًا بالله ورسوله (عندما يرون أن التوراة مُوافِقة للقرآن الكريم)، ﴿ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ أي حتى لا يقعوا في شك في يوم من الأيام (لِمَا اكتسبوه من اليقين بتوافق الكتابين على حقيقة واحدة)، ﴿ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ يعني: وليقول الذين في قلوبهم نفاقٌ والكافرون: ﴿ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا؟ يعني ما الذي أراده الله بهذا العدد الغريب؟، فيُجيبهم سبحانهُ بأنّ المقصود مِن ذلك هو تمييزالمؤمن من الكافر، فقال: ﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ يعني: بمِثل ذلك يُضِلُّ الله مَن أراد إضلاله (لسُخريته من الحق)، ويهدي مَن أراد هدايته (لإيمانه بحكمة الله تعالى)، ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ يعني: وما يعلم عدد جنود ربك - ومنهم الملائكة - إلا الله وحده، ﴿ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ يعني: وما النار إلا تذكرة وموعظة للناس (ليعرفوا بها عظمة ربهم، ويخافوا عذابه، فيتَّقوه بامتثال أوامره).



من الآية 32 إلى الآية 37: ﴿ كَلَّا: أي ليس الأمر كما زعم المُشرِكون مِن أنهم سيقدرون على خزنة جهنم الأشداء، ﴿ وَالْقَمَرِ (يُقسِم الله سبحانه بالقمر)﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (يعني: ويُقسِم سبحانه بالليل حين يَذهب)﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (يعني: ويُقسِم سبحانه بالصبح إذا أضاء وظهر)، ثم أخبَرَ سبحانه عن الشيء الذي يُقسِم عليه، فقال:﴿ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ: يعني إن النار لإَحدى العظائم، وقد جعلها اللهُ﴿ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ أي إنذارًا وتخويفًا للناس﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَبفعل الطاعات، حتى يَبلغ الدرجات العالية في الجنة، ﴿ أَوْ يَتَأَخَّرَبفعل المعاصي، حتى يَنزل الدركات السُفلَى في نار جهنم.



واعلم أنّ اللهَ تعالى يُقسِم بمايشاء مِن خَلْقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله تعالى، لأنّ الحَلِف بغير اللهشِرك.



من الآية 38 إلى الآية 48: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ يعني: كل نفس مَحبوسة مَرهونة بما كسبت من أعمال الشر، مأخوذة بعملها السيئ إلى جهنم ﴿ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ: يعني إلا المُسلمينَ المُخلصين، الذين فكُّوا رقابهم من النار بالتوبة والطاعة، فإنهم يكونون﴿ فِي جَنَّاتٍ لا يُتَخَيّل وَصْفها، وهم ﴿ يَتَسَاءَلُونَ أي يسأل بعضهم بعضًا﴿ عَنِ الْمُجْرِمِينَ(الذين أجرموا في حق أنفسهم بالشرك والمعاصي)، ثم يُمَكِّنهم الله من رؤيتهم والتحدث إليهم، فيقولون لهم: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ يعني ما الذي أدخلكم جهنم، وجعلكم تذوقون حَرّها؟، فـ﴿ قَالُوا لهم: ﴿ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (وهذا يُبَيِّن خطورة ترْك الصلاة والاستهانة بها)،﴿ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ: أي لم نكن نُخرج زكاة أموالنا لنُطعِم بها الفقراء والمساكين،﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ: أي كنا نتحدث بما يكرهه الله تعالى مع أهل الضلال﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ أي كنا نُكَذِّب بيوم الحساب والجزاء﴿ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ: أي حتى جاءنا الموت، ونحن في تلك الضَلالات والمُنكَرات، ثم قال تعالى:﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (من الملائكة والنبيين وغيرهم); لأن الشفاعة لا تكون إلا مِن بعد أن يأذن الله للشافع، ويَرضى عن المشفوع له، كما قال تعالى: (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى).



من الآية 49 إلى الآية 56: ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ؟! يعني فما لهؤلاء المُشرِكينَ مُنصرفين عن القرآن وما فيه من المواعظ؟!﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ يعني كأنهم حُمُر وحشية شديدة النِّفار (أي شديدة الهرب)﴿ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ أي فرَّت من أسد كاسر،﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً: يعني بل يَطمع كل واحد من هؤلاء المُشرِكين أن يُنَزّل الله عليه من السماء كتابًا مفتوحاً (يأمره فيه بالإيمان واتِّباع محمد عليه الصلاة والسلام)، وهذا كقوله تعالى في سورة الإسراء: (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُفرَدّ اللهُ عليهم قائلاً: ﴿ كَلَّا: يعني ليس إعراضهم بسبب ما طلبوه، ﴿ بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ يعني: ولكنهم في الحقيقة لا يخافون عذاب الآخرة، ولا يصدِّقون بالبعث والجزاء، فلذلك تجرؤوا على ربهم وعانَدوا وتكبروا،﴿ كَلَّا لن نستجيب لاقتراحاتهم السخيفة، فـ﴿ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ: يعني فإنّ هذا القرآن فيه التذكير الكافي والوعظ الشافي (لمن أراد الاستجابة)،﴿ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ: يعني فمَن أراد الاتعاظ: قرأ القرآن، فاتعظ بما فيه وانتفع بهداه،﴿ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ يعني: وما يتعظون به إلا أن يشاء الله لهم الهدى، (إذاً فعليكم أيها الناس بالتذكُّر والاتعاظ، لأنه المؤدي بكم إلى أن تتقوا ربكم)، فإنه سبحانه﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى أي هو سبحانه أهلٌ لأن يُتقى ويُطاع ﴿ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ يعني: وهو أهلٌ لأن يَغفر لمَن تاب إليه واتقاه.






[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-03-2022, 02:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود










تفسير سورة القيامة كاملة












من الآية 1 إلى الآية 4: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ: يعني أُقسِم بيوم القيامة، (إذ هذا مِثل قول القائل مُهدداً: (أنا لن أُقسِم، ولكنْ لولم تفعل كذا: سوف يَحدث كذا) (وهذا تأكيدٌ للقسم)،﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (يعني: وأقسَمَ سبحانه بالنفس المؤمنة التقية، التي تلوم صاحبها على ترْك الطاعات وفِعْل المعاصي، فإذا أحسَنَ صاحبها: لامته على عدم الزيادة، وإذا أساء: لامته على الذنب والتقصير) (هذا هو القسم، وأما الشيء الذي يَقسم الله عليه فهو محذوف بَلاغةً (لأنه يُفهَم من الآية التي بعده)، وتقديره: (إن الناس سيُبعَثونَ من قبورهم أحياءً بعد الموت)،﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ؟! يعني أيظنُّ هذا الإنسان الكافر أننا لن نقدر على جَمْع عظامه بعد تفرقها؟!﴿ بَلَى سنجمعها، و﴿ قَادِرِينَ أيضاً ﴿ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ: أي قادرينَ على أن نجعل أصابعه - بعد جَمْعها - خَلْقًا سويًّا كما كانت قبل الموت، (ومِن ذلك: تسوية الخطوط الدقيقة التي في الأصابع - وهي "البصمة" - التي تختلف بين كل إنسان وآخر).







من الآية 5 إلى الآية 15: ﴿ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ: يعني بل يُنكر الإنسان البعث، لأنه يريد أن يَبقى على الفجور فيما يُستقبَل من أيام عمره،و﴿ يَسْأَلُ - سؤال استبعاد واستهزاء -: ﴿ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؟! يعني متى يكون يوم القيامة؟! فرَدَّ الله عليه بقوله:﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ يعني فإذا تحيَّر البصر ودُهِش (فزَعًا مما رأى من أهوال القيامة)﴿ وَخَسَفَ الْقَمَرُ أي ذهب نوره﴿ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ: أي جُمِع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما، (أو لَعَلَّ المقصود: اجتماع الشمس والقمر يوم القيامة بعد أن كانا مفترقين، والتصاقهما بعد أن كانا منفصلين، واقترابهما من الناسحتى يتأذوا بالعرق وشدة الحر)، ﴿ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ: ﴿ أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ يعنيأين المَهرب من العذاب؟،﴿ كَلَّا: أي لن تستطيع الفرار، فإنه ﴿ لَا وَزَرَ: أي لا ملجأ ولا حِصن تحتمي به، وإنّ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يعني إلى الله وحده مصير الخلائق يوم القيامة ومُستقَرّهم، فيُجازِي كُل واحدٍ بما يَستحقه،﴿ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ: أي يُخبِرُ اللهُ الإنسانَ في ذلك اليوم بجميع أعماله: ما قدَّمه منها في حياته، وما أخَّره بعد موته (وهو كل ما دل عليه الناس أثناء حياته - مِن خيرٍ أو شر - فعملوا به بعد موته، فإنه يُكتَب في ميزانه)،﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ: يعني بل الإنسان حُجّة واضحة على نفسه، إذ تشهد عليه أعضاؤه بكل ما فعل ﴿ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ يعني: ولو جاء بكل مَعذرة يَعتذر بها عن إجرامه، فإنه لا ينفعه ذلك.







من الآية 16 إلى الآية 20: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ: أي لا تحرك أيها النبي لسانك بالقرآن - وقت نزول الوحي عليك - لأجل أن تتعجل بحفظه (مَخافة أن يتفلَّت منك)، فـ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ: يعني إنّ علينا جَمْعه في صدرك لتحفظه، ثم علينا تسهيل قراءته على لسانك ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ: يعني فإذا قرأه عليك رسولنا جبريل: ﴿ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ أي استمِعْ لقراءته وأنصِت لها، ثم اقرأ القرآن كما قرأه﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ يعني: ثم إنّ علينا توضيح ما أُشكِل عليك فَهْمه من مَعانيه وأحكامه.







من الآية 21 إلى الآية 25: ﴿ كَلَّا: أي ليس الأمر كما زعمتم - أيها المُشرِكون - مِن إنكار البعث والجزاء، لأنكم تعلمون أن القادر على إيجادكم اليوم، قادرٌ على إيجادكم مرة أخرى، ولكنْ: ﴿ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ يعني: ولكنّ الذي جعلكم تُكَذِّبون بالبعث والجزاء هو حبكم للحياة العاجلة - أي الدنيا - وما فيها من لذات وشهوات، ﴿ وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ أي: وتتركون العمل للآخرة (لأن الإيمان بها يُكَلِّفكم الصلاة والزكاة والصيام والجهاد، والتخلي عن الكثير من الشهوات المُحَرّمة)، ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ أي: وجوهُ أهل السعادة يوم القيامة مُشرِقة حَسَنة ﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: أي ترى خالقها ومالِكَ أمْرها، فتتمتع بذلك،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: (إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، يقول الله تعالى: (تريدون شيئاً أَزِيدُكُم)؟، فيقولون: (ألم تُبَيِّضْ وجوهنا؟ ألم تُدخِلنا الجنة وتُنَجِّنا منالنار؟)، فيُكشَفُ الحجاب، فما أُعْطوا شيئاً أحَبّ إليهم من النظر إلىربهم)،(يا الله، كم أتمنى هذه اللحظة، التي أرى فيها خالقي وحبيبي، اللهم اجعلنا مِن أهل الجنة - بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب - ومَن قالَ آمين).







﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ يعني: ووجوهُ الأشقياء يوم القيامة عابسة مُسوَدّة ﴿ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ: أي تتوقع أن تَنزل بها عقوبة شديدة تَقصم فقرات الظَّهر، وذلك ابتداءً من إلقائها في جهنم (نسأل اللهَ العفو والعافية).







من الآية 26 إلى الآية 35: ﴿ كَلَّا: أي ليس الأمر كما تحسب أيها الإنسان مِن أنّ اللهَ لن يجمع عظامك ولن يُجازيك، فـ﴿ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ يعني: فإذا وصلتْ روحك إلى أعالي صدرك، ﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ يعني: وقال بعض الحاضرين لبعض: هل مِن راقٍ يَرْقيه ويَشْفيه مما هو فيه؟،﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ يعني: وأيقن المُحتضر أنَّ الذي نزل به هو فراق الدنيا والأهل (لمُعاينته لملائكة الموت)﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ يعني: واتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة، وصَعُبَ الأمر واشتد الكَرب، (فحينئذٍ ستعلم أنّ الذي أخَذَ روحك قهراً مِن جَسَدك، قد أخَذَها لحكمةٍ عظيمة، وهي بَعْثها بعد موتها لتُجازَى على أعمالها، وإلاّ لَبَقِيَتْ الأرواح في الأجساد، إذ لا فائدة مِن انتزاعها منها بعد وَضْعها فيها إلا حِكمة نَقْلها إلى حياةٍ ثانية، لتُجازَى فيها على ما عملتْ في الحياة الأولى).







﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ: يعني إلى الله تعالى مَساق العباد يوم القيامة ليجازيهم بأفعالهم: (إما إلى الجنة وإما إلى النار)، ﴿ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى يعني: فلا صَدَّقَ هذا الكافرُ بالقرآن، ولا أدَّى فرائض الصلاة﴿ وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى يعني: ولكنه كذَّب بالقرآن، وأعرض عن الإيمان﴿ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أي: ثم مَضَى إلى أهله يَتبختر في مَشيته (مُعجَباً بنفسه، غير خائف من عذاب ربه)، فلذلك توعَّده الله بقوله:﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى أي: هلاكٌ لك فهَلاك في الدنيا أيها المُكَذِّب المتكبر،﴿ ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى يعني: ثم هَلاكٌ لك فهَلاك في جهنم (وهذا التكرار لتأكيد الوعيد بالعذاب).







من الآية 36 إلى الآية 40: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى؟! يعني أيظنُّ هذا الإنسان المُنكِر للبعث أن يُترك هَمَلاً لا يُؤمَر ولا يُنهَى، ولا يُحاسَب ولا يُعاقَب؟!﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى؟! يعني ألم يكن هذا الإنسان نطفة ضعيفة من ماءٍ حقير يُصَبّ في الأرحام؟!،﴿ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً أي: ثم صار قطعة دم جامدة (متعلقة بالرحم)، ﴿ فَخَلَقَ فَسَوَّى أي فخلقه الله بقدرته وسوَّى صورته في أحسن تقويم؟﴿ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ أي فجَعَلَ من هذا الإنسان: النوعين: ﴿ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى؟! يعني أليس ذلك الخالق لهذه المخلوقات بقادرٍ على إعادتهم بعد موتهم؟! بلى إنه قادرٌ على ذلك (فإنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة).








[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-03-2022, 02:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود









تفسير سورة الإنسان








الآية 1: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا؟ (وهذا الاستفهام غرضه التقرير والتأكيد)، أي لقد جاء على الإنسان وقتٌ من الزمان - قبل أن تُنفَخ فيه الروح - لم يكن وقتها شيئاً يُذكَر، ولا يُعرَف له أثر.







الآية 2، والآية 3: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ أي خلقناه من نطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة، ﴿ نَبْتَلِيهِ: أي نختبره بالتكاليف الشرعية بعد بلوغه، ﴿ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا: أي فجعلناه - مِن أجْل ذلك التكليف - ذا سمعٍ وبصر؛ ليسمع الآيات، ويرى الأدلة،﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ: أي وَضَّحنا له طريق الهدى والضلال والخير والشر; ليَكونَ ﴿ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا: يعني إما مؤمنًا شاكرًا، وإما كفورًا جاحدًا.







ولَعَلَّ اللهَ تعالى ذَكَر لفظ (نَبْتَلِيهِ) بعد أن ذَكَرَ النُطفة، ليَختبر الإنسان بذلك: (هل يتذكر أصل نشأته، فينقاد لربه ويتواضع مع خَلْقه؟، أم يَغتر بنفسه ويتكبرعلى أوامر ربه؟).







الآية 4: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا أي أعددنا ﴿ لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ تُشَدُّ بها أرجلهم، فيُسحَبون بها إلى جهنم، ﴿ وَأَغْلَالًا: أي قيودًا تُجمَع بها أيديهم مع أعناقهم، ﴿ وَسَعِيرًا أي نارًا يُحرَقون بها وهم مُقيَّدون.







من الآية 5 إلى الآية 10: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ (وهم أهل الطاعة والإخلاص، الذين يؤدون حق الله تعالى وحق عباده)، أولئك ﴿ يَشْرَبُونَ في الجنة ﴿ مِنْ كَأْسٍ فيها خمر (لأنّ الكأس - في عُرف السابقين - كانت تُطلَق على الخمر، فلا يُقال (كأس) ما لم يكن بها خمر) ﴿ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا أي هذه الخمر ممزوجة (أي مخلوطة) بماء الكافور ليَزيدها لذة،﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يعني: وهذا الشراب اللذيذ هو عينٌ جارية في الجنة يَشرب منها عباد الله، (هذا باعتبار أنّ (يَشْرَبُ بِهَا) معناها (يشرب منها)، ويُحتمَل أن يكون المقصود: (عيناً يشرب عباد الله خَمْرهم بها)أي مخلوطاً بمائها)، ﴿ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا أي يُجْرونها إجراءً سهلاً حيث شاؤوا، فحيثُما ذهبوا تمكنوا من تفجيرها ليشربوا منها (سواء في غُرَفهم أو قصورهم أو مجالس سعادتهم وأُنسِهم).







إنهم كانوا في الدنيا﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ: أي يوفون بما أوجبوه على أنفسهم من طاعة الله تعالى واجتناب معصيته، (واعلم أنالنذرثلاثة أنواع:(النذر المشروط بشرط معين)، كأن يقول العبد مثلاً: (إنْ شَفَىاللهُ فلانًا: فللهِ عَلَيَّ أن أصوم ثلاثة أيام)، وهذا النوع مكروه؛ لأنه لايَصدر إلا من البخيل الذي يَشترط على ربه، والنوع الثاني: هو (النذر المُطْلَق) أي بدون شرط أو مقابل؛ كأنْ يقول العبدُ مثلاً: (للهِ عليَّ أن أصوم ثلاثةأيام، أو للهِ عليَّ أن أقرأ نصف جزء من القرآن يومياً، أو للهِ عليَّ ألاّ أفعل المعصية الفلانية أبدًا، أو لمدة أسبوع مثلاً)، وذلك على سبيل إلزام النفس وتربيتها، وترويضها على فِعل الطاعات واجتنابالمعاصي، وهذا النوع هو قُربة من أفضل القُرُبات، وأما النوع الثالث: فهو(النذر لغير الله تعالى)، كالنذر للأولياء والصالحين وغير ذلك، وهذا شِرك.







واعلم أنّ الإنسانَ إذا نذرَ نذرًا جائزًا: (سواء كانَ نذرًا مُطلَقًا، أوكانَ نذرًا مَشروطًاً) فعليه أن يُوفِي بنذره، فإذا نَقَضَ نذرَهُ، فليَعلمأنَّكفارة النذر هي نفسها كفارة اليمين، وأمّا نَذْرُ الشِّرك، فلا يَجوز للإنسان أن يَفعله ولا أن يُوفِي به.







﴿ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا أي: وكان هؤلاء الأبرار يخافون عقاب الله يوم القيامة، ذلك اليوم الذي يكون ضرره خطيرًا، وشَرُّه منتشرًا على الناس (إلا مَن رحمه الله تعالى)،﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ - أي رغم حُبّهم له وحاجتهم إليه - فيُطعمونه ﴿ مِسْكِينًا أي فقيرًا عاجزًا عن الكسب، لا يملك شيئًا من الدنيا ﴿ وَيَتِيمًا: أي طفلا مات أبوه، ولا مالَ له، ﴿ وَأَسِيرًا قد أُسِرَ في الحرب (من المُشرِكين وغيرهم)، ويقولون في أنفسهم:﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ أي طلباً لرضا الله وجنّته ﴿ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا: أي لا نريد منكم عِوَضًا ولا ثناءً ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا أي يومًا شديدًا تَعبس فيه الوجوه (مِن فظاعة أمْره وشدة هَوله)، ﴿ قَمْطَرِيرًا أي ثقيلاً طويلاً يشتد فيه الحر والعَرَق.







من الآية 11 إلى الآية 22: ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ: أي فحفظهم الله من شدائد ذلك اليوم ﴿ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا يعني: وأعطاهم حُسنًا ونورًا في وجوههم، وبهجةً وفرحًا في قلوبهم،﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا يعني: وأثابهم - بسبب صبرهم على فِعل الصالحات وترْك المُحَرّمات - جنة عظيمة يأكلون منها ما شاؤوا، ويَلْبَسون فيها الحرير الناعم، (ولَعَلَّ اللهَ تعالى خَصّ الحرير من بين نعيم الجنة، لأنه هو ثوبهم الظاهر الذي يدل على الرفاهية والنعيم الذي يعيشون فيه)،﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ (والأرائك جمع أرِيكة، وهي السرير المُزَيّنبالستائر الجميلة)، ﴿ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا: أي لا يرون فيها حَرَّ شمس، ولا شدة بَرد، بل جميع أوقاتهم في ظِلٍّ ظليل، بحيث تتلذذ به الأجساد، ولا تتألم من حَرٍّ ولا برد، ﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا يعني: وقريبةً منهم أشجار الجنة، مُظَلّلةً عليهم ﴿ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا يعني: وسُهِّل لهم أَخْذُ ثمارها تسهيلاً عظيماً (إذ يتناولها القائم والقاعد والمتكئ)﴿ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ يعني: ويدور عليهم الخدم بأواني الطعام من الفضة ﴿ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ يعني: وبأكواب الشراب من الزجاج﴿ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ أي يَجمع بين صفاء الزجاج وبياض الفضة، ﴿ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا أي قدَّر السُقاة هذه الأكواب على مقدار ما يَشتهي الشاربون، ﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا: أي يُسقَى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسًا مملوءةً خمرًا مُزِجَت بالزنجبيل.







واعلم أن زنجبيل الجنة يكون خالياً من أي مُنَغِّص أو مُكَدِّر موجود في زنجبيل الدنيا (إذ كان الزنجبيل في الدنيا له طعم حار لاذع، لا يستسيغه بعض الناس)، قال "مُقاتِل" رحمه الله: (لا يُشبهزنجبيل الدنيا)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (كل ما ذَكَرَ اللهُ في القرآن مِمّا في الجنة وسَمَّاه،ليس له في الدنيا مِثل)، فالأشياء في الجنة يُنزَع منها المُنَغِّصات التي كانت في الدنيا، كما قال تعالى: (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) أي شَجَر نَبْق ليس له شوك (رغم أنه كان فيه شوك في الدنيا)، وكما قال تعالى عن نساء الجنة: (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ).







ويُسقَون أيضاً في الجنة ﴿ عَيْنًا أي مِن عينٍ ﴿ فِيهَا أي موجودة في الجنة ﴿ تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (ولَعَلّها سُمِّيَت بذلك لسَلاستها ولذتها وحُسنها)، ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ أي يدور عليهم - لخدمتهم - أطفال صغار لا يَشيبون ولا يموتون ﴿ إِذَا رَأَيْتَهُمْ أي هؤلاء الأطفال: ﴿ حَسِبْتَهُمْ أي ظننتهم - لجمالهم وانتشارهم في الخدمة هنا وهناك - ﴿ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا أي كأنهم اللؤلؤ المُضيئ المنثور على الأرض.







﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ يعني: وإذا رأيتَ هناك (في أيّ مكان في الجنة): ﴿ رَأَيْتَ نَعِيمًا لا يُدْركه الوصف ﴿ وَمُلْكًا كَبِيرًا أي عظيمًا واسعًا لا نهايةَ له،﴿ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ أي يَعلوهم ويُجَمِّل أجسادهم: ثيابٌ بطائنها من الحرير الرقيق الأخضر، ﴿ وَإِسْتَبْرَقٌ يعني: وظاهرها من الحرير الغليظ، ﴿ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ يعني: ويُحَلَّون - من الحُليِّ - بأساور من الفضة، ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا أي شرابًا نقياً من كل أذى، فائقاً في الجودة (ألَذّ من النوعين السابقين)، ولذلك أُسنِدَ إسقاؤه إلى الله عز وجل، (واعلم أنّ مِن طُهر هذا الشراب أنه لا يصير بولاً نَجِساً، ولكنه يصير رشحاً من جلودهم كرشح المِسك).







ويُقال لهم:﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً: يعني إن هذا النعيم قد أُعِدَّ لكم بسبب أعمالكم الصالحة، ﴿ وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا أي: وكان عملكم في الدنيا عند الله مَرضيًا مقبولاً.







من الآية 23 إلى الآية 26: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا أي نَزَّلْناه عليك أيها الرسول آية بعد آية - بحسب الحوادث والأحوال - لتُذَكِّر الناس بما فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب،﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ أي اصبر على أمْر الله لك (بإبلاغ رسالته والصبر على أذى المُشرِكين)، ﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا يعني: ولا تطع اقتراحات وأهواء المُشرِكينَ المُنغمسينَ في الشهوات، المُبالغينَ في الكفر والضلال، (ولَعَلَّ الله تعالى قال: ﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾، ولم يقل: (ولا تطع منهم أحداً)، للإِشارة إلى أن طاعتهم تؤدي إلى ارتكاب إثم أو كُفر).







﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا: أي استعن على الصبر وتحَمُّل الأذى بالمداومة على ذِكر ربك ودعائه بأسمائه في أول النهار وآخره، (ويدخل في ذلك: صلاة الصبح والظهر والعصر)﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ أي صَلِّ له صلاة المغرب والعشاء ﴿ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا يعني: وصَلِّ له - في الليل - وقتاً طويلاً فيه.







الآية 27، والآية 28: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ يعني إن هؤلاء المُشرِكين يحبون الدنيا وينشغلون بها ﴿ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا يعني: ويتركون خلف ظهورهم العمل بما فيه نجاتهم من يومٍ عظيم الشدائد.







ثم يُذَكِّرهم سبحانه بأنه خالقهم والقادر على تبديلهم بغيرهم، فيقول: ﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ أي أوجدناهم من العدم﴿ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ أي أحْكمنا خَلْقهم، وقوَّينا أعضاءهم ومَفاصلهم ﴿ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا يعني: وإذا شئنا أهلكناهم، وجئنا بقومٍ مؤمنينَ ممتثلينَ لأوامر ربهم.







من الآية 29 إلى الآية 31: ﴿ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ: يعني إن هذه السورة عبرة وموعظة للناس، ﴿ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا: يعني فمَن أراد الخير لنفسه في الدنيا والآخرة، اتخذ بالإيمان والتقوى طريقًاً يوصله إلى مغفرة الله ورضوانه،﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ يعني: وما تريدون أمرًا من الأمور إلا بتقدير الله ومشيئته، (واعلم أن الآية قد أثبتت أن العبد له مشيئة وإرادة، ولكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته، فما شاءه الله كان، وما لم يشأ لم يكن)، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان) (انظر حديث رقم: 7406 في صحيح الجامع)، ويدخل في ذلك قولهم: (اعتمدتُ على الله وعليك)، والصحيح أن يقول: (اعتمدت على الله ثم عليك)، أو: الفضل لله تعالى ثم لك، وهكذا)، وقد ثبت أيضاً أنّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئتَ)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلتَ لله نِدّاً؟! - وفي رواية: أجعلتَني نِدّاً لله؟! -، ما شاء الله وحده) (انظر صحيح الأدب المفرد ج: 1/274)، وفي هذا دليل على أن العُذر بالجهل قاعدة شرعية أصولية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للرجل: اسكت يا كافر أو: اسكت يا فاسق، ولكنه عَذَرَه بجهله وعلَّمه، فلذلك يجب أن نرحم الناس، وأن نَعذرهم بجهلهم، وأن نُعَلِّمهم كما أنعم اللهُ علينا بالعلم.







﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا بأحوال خلقه، ﴿ حَكِيمًا في تدبيره وصُنْعه،﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ مِن عباده ﴿ فِي رَحْمَتِهِ ورضوانه (وهم المؤمنونَ به وبرسوله)، ﴿ وَالظَّالِمِينَ المتجاوزين لحدود الله تعالى: ﴿ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.








واعلم أنّ الفعل (كان) إذا جاء مع صفة معينة، فإنه يدل على أنّ هذه الصفة مُلازِمة لصاحبها، كقوله تعالى - واصفاً نفسه بالرحمة والمغفرة -: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أي كانَ - دائماً وأبَداً - غفوراً رحيماً (لمَن رجع إليه نادماً على ذنوبه).












[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17-03-2022, 02:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود










تفسير سورة المرسلات








من الآية 1 إلى الآية 7:﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (يُقسِم اللهُ تعالى بالرياح الطيّبة، التي يُرسلها متتابعة، كالشَعرالمتتابع في عُرف الفَرَس، وهو الشعر الموجود أعلى عُنُقه)،﴿ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (يعني: ويُقسِم سبحانه بالرياح الشديدة المُهلِكة، التي تَعصف بكل ما تَمُرّ به وتقتلعه)،﴿ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (يعني: ويُقسِم سبحانه بالملائكة المُكَلَّفين بالسُحُب، إذ يَنشرونها ويسوقونها إلى حيثُ شاء اللهُ أن تُمطِر)،﴿ فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (يعني: ويُقسِم سبحانه بالملائكة التي تنزل من عنده بالآيات التي تُفَرِّق بين الحق والباطل والحلال والحرام)،﴿ فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (يعني: ويُقسِم سبحانه بالملائكة التي تتلقى الوحي من عنده، ثم تنزل به على أنبيائه ليُذَكِّروا الناسَ به)، ليكونَ ذلك الوحي﴿ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا أي يَشمل إعذارًا من الله إلى خَلْقه، يعني إزالةً لأعذارهم في عدم الإيمان (وذلك بذِكر البراهين وإقامة الحُجَج)، كما يشمل إنذارًا منه إليهم (وذلك بتحذيرهم من عذاب النار والحرمان من نعيم الجنة، وبتذكيرهم بقصص هلاك السابقين ليتعظوا بهم)، حتى لا يكون لهم حُجّة على الله تعالى بعد إنزال الوحي.







ثم أخبَرَ سبحانه عن الشيء الذي يُقسِم عليه، فقال:﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ يعني إنّ الذي توعدونَ به أيها الناس - مِن أمْر يوم القيامة، وما فيه من حسابٍ وجزاء - لَنازلٌ بكم لا مَحالة، ﴿ واعلم أنّ الله تعالى يُقسِم بما يشاء مِن خَلْقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله تعالى، لأنّ الحَلِف بغير الله شِرك).







من الآية 7 إلى الآية 15:﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ أي ذَهَبَ ضياؤها،﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ أي تشققتْ،﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ أي تطايرت وصارت هباءً منثوراً،﴿ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ أي حُدِّدَ لها وقتٌ للحُكم بينها وبين أُمَمِها، ﴿ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ؟يعني لأيِّ يومٍ أخِّرت الرُسُل؟، ﴿ والغرض من هذا السؤال: تعظيم الأمر وإثارة الانتباه)، إنها أخِّرت ﴿ لِيَوْمِ الْفَصْلِ أي ليوم القضاء والحُكم بين الخلائق (وهو يوم القيامة)،﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ؟ يعني: وما أعلمك - أيها الإنسان - أيُّ شيءٍ هو يوم الفصل وشدته وهوله؟﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : أي هَلاكٌ عظيم في ذلك اليوم للمُكَذّبينَ بالحق الذي جاءت به الرُسُل.







من الآية 16 إلى الآية 19:﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ؟ يعني ألم نُهلك السابقين من الأمم الماضية - كقوم نوحٍ وعادٍ وثمود - بسبب تكذيبهم للرُسُل؟﴿ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ ؟ يعني: ثم نُلحِق بهم المتأخرين (مِمّنَ كانوا مِثلهم في العصيان والتكذيب)؟،﴿ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ : أي بمِثل ذلك الإهلاك، نفعل بكفار مكة - بسبب تكذيبهم لرسولهم محمد - إن لم يتوبوا ويؤمنوا، ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : أي هَلاكٌ وعذابٌ شديدٌ لهم يوم القيامة، بعدما شاهدوا عقوبات المُكَذّبين أمثالهم وديارهم الخاوية، ولم يتعظوا بها.







واعلم أن هذا التكرارللتحذير والوعيد (لَعَلَّ المُشرِكين يتعظون به، ويتوبون مما هم فيه قبل فوات الأوان)، فكُلّ مَقطع من مَقاطع هذه السورة كأنه "هَزّة عنيفة" للمُكَذّبين، بعد تقرير الله لهم بآياته الواضحة ونعمه الظاهرة.







من الآية 20 إلى الآية 24:﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ؟ يعني ألم نخلقكم - يا معشر الكفار - من ماءٍ ضعيف حقير، وهو النطفة ﴿ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ : أي فجعلنا هذا الماء في مُستَقَرّ مُتمكِّن - مُهَيّأ لحِفظ النُطفة - وهو أرحام النساء،﴿ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ : أي فجعلناه في الرحم إلى وقت محدد، معلوم عند الله تعالى،﴿ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ أي فقَدَرنا على خَلْقه وتصويره وإخراجه، فنِعْمَ القادرونَ نحن،﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أي: عذابٌ أليم يوم القيامة، لمَن كَذَّبَ بقدرتنا على إحياء مَن ابتدأنا خَلْقه أول مرة.







من الآية 25 إلى الآية 34:﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ؟ يعني ألم نجعل هذه الأرض التي تعيشون عليها وعاءً؟، تَضُمّ ﴿ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا : أي تَضُمّ على ظَهْرها أحياءً كثيرين، وفي بطنها أمواتًا كثيرين، ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ : أي جعلنا في الأرض جبالاً راسيةً عالية لتُثَبِّتها حتى لا تضطرب بكم، ﴿ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ؟ يعني وأسقيناكم ماءً عذبًا حُلواً؟﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : أي هَلاكٌ ودَمار يوم القيامة للمُكَذّبين بهذه النعم.







ويُقال للكافرين يوم القيامة: ﴿ انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ : أي سيروا إلى عذاب جهنم الذي كنتم به تُكَذِّبون في الدنيا،﴿ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ أي سيروا فاستظلوا بدخان جهنم، الذي يتفرع منه ثلاث فروع، ولكنه في الحقيقة ﴿ لَا ظَلِيلٍ أي لا يُظِل من حر ذلك اليوم ﴿ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ أي: ولا يَدفع شيئًامن حر اللهب، بل يحيط بهم اللهب والحر من كل جانب،كما قال تعالى:﴿ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ﴿ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ : يعني إن جهنم تقذف بشرر عظيم من النار ( كل شرارة منه كالبناء الضخم) ﴿ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ يعني كأنّ شرر جهنم - في هيئته -: جِمالٌ صُفر اللون (أو جِمالٌ سُود يَميل لونها إلى الصُّفْرة)، وهي مُندفعة ومُتزاحمة (والمقصود بهذا التشبيه: زيادة الترويع والتهويل)،﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : أي هَلاكٌ وعذابٌ شديد يوم القيامة للمُكَذّبين بعذاب الله تعالى.







من الآية 35 إلى الآية 40:﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ : يعني هذا هو يوم القيامة الذي لا يَنطق فيه المُكَذّبون بكلامٍ ينفعهم﴿ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ يعني: ولا يكون لهم إذن في الكلام فيعتذرون (لأنه لا عُذرَ لهم)،﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أي هَلاكٌ عظيم في ذلك اليوم للمُكَذّبينَ بمجيئه، ﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ : يعني هذا يومٌ يَفصل اللهُ فيه بين الخلائق، ويَتميز فيه الحق من الباطل، وقد ﴿ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ : أي جمعناكم فيه - يا معشر كفار هذه الأمّة - مع الكفار الأولين من الأمم الماضية،﴿ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ : يعني فإنْ كان لكم حِيلة في الخَلاص من عذابي، فافعلوها وأنقِذوا أنفسكم مِن انتقامي،﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : أي عذابٌ أليم في ذلك اليوم للمُكَذّبينَ بيوم الحساب والجزاء.







من الآية 41 إلى الآية 47:﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ الذين خافوا عذابَ ربهم - ففعلوا ما يُرضيه واجتنبوا ما يُغضبه - هم اليوم ﴿ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ : أي في ظلال الأشجار المتدلية، وعيون الماء الجارية﴿ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ أي يطلبون فيها ما يشتهون من أنواع الفواكه اللذيذة، (ولَعَلّ الله تعالى قد ذَكَرَ الفاكهة دونَ سائر الطعام للإشارة إلى أن طعامهم وشرابهم لمجرد التلذذ - كما يُتلَذَّذ بالفاكهة - لا لطرد الجوع كما في الدنيا، وإلاّ، فإن الله تعالى قد قال في سورة الطور: ﴿ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)، وقال في سورة الواقعة: ﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾، ويُقال لهم: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا أي بعيدًا عن كل أذى، سالمينَ من كل مكروه ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بسبب ما قدمتموه في الدنيا من صالح الأعمال،﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ : أي بمِثل ذلك الجزاء العظيم، نَجزي أهل الإحسان على طاعتهم وتقواهم،﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : أي هَلاكٌ وحسرة عظيمة يوم القيامة للمُكَذّبين بما فيه من النعيم الأبدي.







ثم هدَّد اللهُ الكافرين بقوله: ﴿ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ : أي كلوا من لَذّات الدنيا الفانية، واستمتعوا بشهواتها الرخيصة زمنًا قليلاً، فإنكم مُجرمونَ بإشراككم بالله،﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : أي هَلاكٌ وعذابٌ يوم القيامة للمُكَذّبين بالتوحيد والنُبُوّةِ والبعث والحساب.







الآية 48، والآية 49، والآية 50:﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ يعني وإذا قيل لهؤلاء المُشرِكين: صَلُّوا لله تعالى واخضعوا له وحده: لا يخضعون ولا يُصَلُّون، بل يُصِرُّون على استكبارهم،﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : أي هَلاكٌ وعذابٌ عظيم يوم القيامة للمُكَذّبين بآيات القرآن الواضحة،﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ يعني:إنْ لم يؤمنوا بهذا القرآن، فبأيّ كلامٍ بعده يؤمنون؟! وهو المُوَضِّح لكل شيء، الواضح في حِكَمه وأحكامه وأخباره، المُعجِز في ألفاظه ومعانيه.







[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22-03-2022, 05:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود











تفسير سورة النبأ



















من الآية 1 إلى الآية 16:﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ؟! يعني: عن أيِّ شيءٍ يسأل رجالُ قريش بعضهم البعض؟، إنهم يتساءلون﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ: أي عن الخبر العظيم الشأن (وهوما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والنُبُوّة والبعث يوم القيامة)﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (ما بين مُصَدِّق ومُكَذِّب)، ﴿كَلَّا أي: ليس الأمر كما يزعم المُشرِكون من إنكار صحة ذلك الخبر العظيم، ﴿سَيَعْلَمُونَ عاقبة تكذيبهم، ويَظهر لهم ما سيَفعله الله بهم يوم القيامة،﴿ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ أي: ثم سيتأكد لهم حينئذٍ صِدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن والبعث، وذلك حين لا ينفعهم العلم (وهذا تهديدٌ ووعيدٌ لهم).











ثم ذَكَرَ سبحانه بعض مَظاهر قدرته وإنعامه على خَلْقه، وعنايته بمصالحهم، للاستدلال بذلك على استحقاقه وحده لعبادتهم، وقدرته على بَعْثهم بعد موتهم، فقال:(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا؟ يعني ألم نجعل الأرض مُمَهَّدة لكم كالفِراش لتستقروا عليها؟،﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا؟ يعني: وجعلنا الجبال ثابتة لتثبيت الأرض - كما تُثبَّت الخيمة بالأوتاد - حتى لا تضطرب بكم؟،﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا؟ أي خلقناكم أنواعاً (ذكراً وأنثى)؟،﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا؟ أي جعلنا نومكم راحةً لأبدانكم (إذ فيه تهدؤون وتستريحون من التعب نهاراً في طلب الرزق)؟،﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا أي ساتراً يَستركم بظلامه (كما تَستركم الثياب)؟،﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا أي تنتشرون فيه لطلب مَعاشكم، وتسعَون فيه لمَصالحكم؟، ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا؟ أي بَنَينا فوقكم سبع سماوات متينة البناء، مُحكَمة الخَلق، لا شقوق لها؟، ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا؟ أي جعلنا الشمس سِراجًا وقَّادًا (أي تَشِعّ بالضوء والحرارة)، لتنتفعوا بضوءها وحرارتها (في الإبصار والتدفئة والزراعة، وغير ذلك من منافعكم)؟،﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ (وهي السُحُب المُمطرة)، فأنزلنا منها بقدرتنا ﴿مَاءً ثَجَّاجًا أي ماءً مُنصَبّاً بكثرة﴿لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا أي لنخرج بهذا الماء حَبّاً مما يأكله الناس، وحشائش مما تأكله الأنعام﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا أي بساتين مُلتفة ببعضها - لتَشَعُّب أغصانها - تُبهِج النفوس؟











من الآية 17 إلى الآية 20:﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ أي يوم القضاء بين الخلق بما قدَّموه من الأعمال - وهو يوم القيامة - ﴿كَانَ مِيقَاتًا أي كان موعدًا محددًا للأولين والآخرين﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ أي يوم يَنفخ المَلَك إسرافيل في القرن - وهو المعروف بـ "البوق" - نفخة البَعث من القبور ﴿فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا أي تأتون أممًا (كل أمّةٍ مع نَبيّها)،﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ أي انشقت في ذلك اليوم ﴿فَكَانَتْ أَبْوَابًا أي صار لها أبواب كثيرة لنزول الملائكة،﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ أي نُسِفَت الجبال - بعد أن اقتلعها الله من أماكنها - ﴿فَكَانَتْ سَرَابًا أي فصارت كالسراب الذي لا حقيقة له (إذ يُرَى - مكان الجبل - تراباً في الهواء، فيُظَنّ أنه جبل).











من الآية 21 إلى الآية 30:﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا أي تَرصد يومئذٍ أهل الكفر والإصرار على المعاصي، حيثُ أرصَدها اللهُ تعالى لهم (أي أعَدَّها لهم)، وصارت ﴿لِلطَّاغِينَ مَآَبًا: أي صارت جهنم مَرجعاً للمتجاوزين حدودهم في الشِرك والظلم والفجور والعِصيان، إذ يَرجعون إليها بعد موتهم، ويَظلونَ ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا أي ماكثينَ فيها أزماناً متتالية لا تنتهي،﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا أي لا يُصيبهم فيها هواءٌ بارد، ﴿وَلَا يذوقونَ فيها ﴿شَرَابًا يَرويهم ﴿إِلَّا حَمِيمًا أي ماءً شديد الحرارة، ﴿وَغَسَّاقًا وهو صديد أهل النار (الذي يسيل من أجسادهم) فيشربونه.











وقد كان هذا الجزاءُ﴿جَزَاءً وِفَاقًا أي جزاءً عادلاً مُوافِقًا لأعمالهم التي عملوها في الدنيا، حيثُ ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا أي كانوا لا ينتظرون يوم الحساب (لأنهم لم يؤمنوا به، ولم يعملوا له)﴿وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا أي كَذَّبوا بما جاءتهم به الرُسُل تكذيباً شديداً،﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا يعني: وقد أحصينا كلَّ شيء عملوه (إذ كانت ملائكتنا تكتب أعمالهم في الكتب التي معهم)، ويُقال لهم - تبكيتاً - وهم يُعَذَّبون:﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (فحينئذٍ يَعظُم كَرْبهم، ويَتمكن اليأسمن نفوسهم)، أَعَاذَنااللهُ وإخوانَنا المؤمنينَ من جهنم.











من الآية 31 إلى الآية 40: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الذين عملوا ما يُرضِي ربهم واجتنبواما يُغضبه - خوفاً من عذابه -، أولئك سيَكونُ لهم ﴿مَفَازًا أي مكانَ فوز ونجاة (وهو الجنة)، فإنّ لهم فيها﴿حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا أي لهم بساتين جميلة المنظر وأعنابًا لذيذة،﴿وَكَوَاعِبَ أي لهم في الجنة زوجات جميلات مُرتفِعات الصدور، (واعلم أن هذا الوصف يشمل النساء المؤمنات والحُور العِين)، ﴿أَتْرَابًا أي في سِنٍّ واحدة (وهو سِنّ أهل الجنة: ثلاث وثلاثين سنة) (انظر صحيح الترمذي ج: 4/682)، ﴿وَكَأْسًا أي لهم كأسٌ فيها خمر (لأنّ الكأس - في عُرف السابقين - كانت تُطلَق على الخمر، فلا يُقال (كأس) ما لم يكن بها خمر)، ﴿دِهَاقًا أي مملوءة،﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا أي لا يسمعون في الجنة كلامًا باطلاً، ﴿وَلَا كِذَّابًا أي لا يُكَذِّب بعضهم بعضًا (حتى لا يَتكدر صفو نعيمهم، ولا تتنغص لذة حياتهم)،كل ذلك كانَ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ لأهل الجنة، ﴿عَطَاءً حِسَابًا: أي عطاءً كافيًا لهم، (يُقال: أعطاني فُلان فأحسَبَني أي كَفاني، وإذا أخَذَ ما يكفيه، قال: حَسبي أي يكفيني)، فهذا العطاء هو فضلٌ من الله تعالى﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا أي خالق كل ذلك ومُدَبِّر أمْره، وهو ﴿الرَّحْمَنِ الذي وَسِعَت رحمته الدنيا والآخرة، وهو الذي ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا أي لا يَملك أحدٌ من خَلْقه (ولو كان جبريل عليه السلام) أن يُخاطبه إلا بإذنه، وذلك﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا: أي يوم يقوم الروح الأمين (جبريل عليه السلام)، فيقف وحده (لِعِظَم خَلْقه)، ويقف الملائكة جميعاً صفاً واحداً، ﴿لَا يَتَكَلَّمُونَبالشفاعة لأحدٍ من الخلق ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ: يعني إلا لمَن أذن له الرحمن في الكلام أو في الشفاعة ﴿وَقَالَ صَوَابًا أي: وقال هذا المَلَك - الذي أُذِنَ اللهُ له فى الكلام - قولاً صواباً يُرضى ربه،﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ أي اليوم الذي لا شك في وقوعه، ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا يعني فمَن شاء النجاة مِن عذاب ذلك اليوم، فليتخذ مَرجعًا حَسَناً إلى ربه (وذلك بسلوكه طريق النجاة، بالإيمان وصالح الأعمال، والتوبة وكثرة الاستغفار).











﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا أي حَذَّرناكم مِن عذاب يوم القيامة القريب وإن استبعدتموه، فإنّ كل آتٍ قريب، ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ: أي يوم يرى فيه كل امرئٍ ما عَمِلَ من خيرٍ وشر، ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ - مِن هَول الحساب وصعوبة الأمر -: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (فلم أُبعَث حَيّاً بعد موتي حتى لا أُعَذَّب).
























[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22-03-2022, 05:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود

تفسير سورة النازعات




من الآية 1 إلى الآية 9: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (يُقسِم اللهُ تعالى بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار والفجار نزعاً شديداً عند الموت)، (ومعنى غَرْقاً: أي الإغراق في نَزع الروح من أقصى الجسد)، ﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (يعني: ويُقسِم سبحانه بالملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بنشاط ورفق)،﴿ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا(يعني: ويُقسِم سبحانه بالملائكة التي تَسْبَح عند نزولها من السماء وعند صعودها إليها)، ﴿ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (يعني: ويُقسِم سبحانه بالملائكة التي تسبق غيرها فى تنفيذ أمْر ربها)،﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا يعني: ويُقسِم سبحانه بالملائكة المُنَفّذات لأمر ربها فيما أسنَدَ إليها تدبيره، في بعض الأمور التي كَلَّفها بها (كقبض الأرواح، وإنزال الأمطار، وإرسال الرياح، وغير ذلك بأمر ربها ومشيئته)، (هذا هو القسم، وأما الشيء الذي يُقسِم اللهُ عليه، فهو محذوف بَلاغةً (لأنه يُفهَم من الآية التي بعده)، وتقديره: (سوف تُبعَث الخلائق من قبورها وتُحَاسَب) ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ: أي يوم تضطرب الأرض بالنفخة الأولى (وهي نفخة الإماتة)، (وقد سُمِّيَت هذه النفخة بالراجفة، لأنها تتسبب في إرجاف - أي اضطراب - الكون كله وفنائه) ﴿ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ: أي تتبعها النفخة الثانية (وهي نفخة الإحياء)(وقد سُمِّيَت بالرادفةلأنها تَردُف النفخة الأولى، أى تأتى بعدها)،﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أي: قلوبُ الكفار يومئذٍ خائفة قلقة،﴿ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ يعني: أبصار أصحاب هذه القلوب تكون ذليلة منكسرة، (واعلم أنّ الله تعالى يُقسِم بما يشاء مِن خَلْقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله تعالى، لأنّ الحَلِف بغير الله شِرك).

من الآية 10 إلى الآية 14: ﴿ يَقُولُونَ أي مُنكِرو البعث: ﴿ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ؟! يعني هل سنُرَدُّ في الحالة الأولى (وهي الحياة) بعد أنْ مِتنا؟! ﴿ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً؟! يعني أنُرَدُّ بعد أنْ صِرنا عظامًا مفتتة؟!،و﴿ قَالُوا: ﴿ تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ يعني: رَجْعتنا تلك ستكون إذًاً خاسرة، أي لا أمل في وقوعها (فشَبَّهوها بالتجارة الخاسرة التي لا أمل في ربحها)،فرَدَّ اللهُ عليهم قائلاً:﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ: يعني فإنما هي صيحة واحدة﴿ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ: يعني فإذا هم أحياءٌ على وجه الأرض، (واعلم أن الساهرة:هي الأرض المستوية البيضاء التي لا نبات فيها، وهي هنا أرض المحشر، وقد قيل إنهاسُمِّيَت بالساهرة لأنّ مَن عليها يومئذٍ من الخلق يَسهرون ولا ينامون، بل يُحاسَبون ويُجازونَ بأعمالهم).

من الآية 15 إلى الآية 26: ﴿ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى؟ يعني: هل جاءك أيها الرسول خبر موسى عليه السلام؟﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى: أي حين ناداه ربه بالوادي المطهَّر المبارك "طُوَى"، فقال له:﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ - بآياتي -، فـ﴿ إِنَّهُ طَغَى أي قد تجاوَزَ الحد في الكفر والظلم والعِصيان،﴿ فَقُلْله: ﴿ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى؟ يعني هل لك رغبة فى أن أدُلّك على ما يُزَكِّيك ويُطَهِّرك من النقائص والعِصيان؟﴿ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى؟ يعني وأُرشِدك إلى طاعة ربك وأُعَرِّفك به، فتخشاه وتتقيه، لتنجو من ناره وتَسعد بجنّته؟، ﴿ فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى يعني أراه العلامة العُظمَى، الدالة على صِدقه في رسالته (وهي العصا التي تحولت إلى ثعبان عظيم، ويده التي أصبحت بيضاء كالثلج، بخلاف سائر جسده الأسمر)،﴿ فَكَذَّبَ فرعون بالآيات ﴿ وَعَصَى ربه عزَّ وجلَّ،﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ أي انصرف رافضاً للحق، ﴿ يَسْعَى مُجتهدًا في معارضة موسى، ﴿ فَحَشَرَ فَنَادَى أي فجَمَعَ أهل مملكته وناداهم،﴿ فَقَالَ لهم: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (وهنا قد وصل إلى قمة الكُفر والعياذُ بالله)﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى: أي فانتقم اللهُ منه بالعذاب في الدنيا والآخرة، وجعله عِبرةً لكل متمرد على ربه،﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى: يعني إنّ في فرعون - وما نزل به من العذاب - لَمَوعظةً لمن يَخشى اللهَ تعالى (وهو المؤمن التَقِيّ)، فهذا هو الذي يجد العظة والعبرة في هذه الآيات والقصص.

واعلم أن المقصود من هذه الآيات السابقة: تصبير الرسول صلى الله عليه وسلم على ما يُعانيه من تكذيب قومه له، وجحودهم بالحق الواضح الذي جاء به، فلذلك قَصَّ اللهُ عليه جُزءاً من قصة موسى، وصَبْره على إيذاء فرعون وتكذيبه، ليكون ذلك تخفيفاً عليه، وتهديداً لقومه بعقوبةٍ تنزل بهم، كعقوبة فرعون الذي كان أشد منهم قوة، ومع ذلك فقد أهلكه الله وجنوده في البحر.

من الآية 27 إلى الآية 33: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ؟ يعني هل إعادتكم أيها الناس أحياءً - بعد موتكم - أعظم أم خَلْق هذه السماء الواسعة ورَفْعها بغير أعمدة؟!، والجواب معلوم: وهو أنّ هذه السماء العظيمة أشد خلقاً منكم، فقد ﴿ بَنَاهَا أي رفعها سبحانه فوقكم كالبناء (فلا تسقط عليكم إلا إذا أراد)، و﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا: يعني أعلى سقفها في الهواء ﴿ فَسَوَّاهَا يعني أحكَمَ خَلْقها (فلا خلل فيها ولا شقوق)﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا: يعني أظلَمَ ليلها (بغروب شمسها) ﴿ وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا: يعني أظهَرَ نهارها (بشروق شمسها)،﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا يعني: والأرض - بعد خَلْق السماء - بَسَطَها ومَهَّدها، ثم وضع فيهامنافعها، فـ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا: أي فجَّر فيها عيون الماء، ﴿ وَمَرْعَاهَا يعني: وأنبت فيها ما يَرعاه الإنسان (من سائر النبات والحبوب والثمار)، ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا: أي ثَبَّتَ فيها الجبال (لتكون أوتادًا لها فلا تضطرب)، وقد خَلَقَ سبحانه كل هذه الأشياء وسَخَّرها؛ لتكون ﴿ مَتَاعًا لَكُمْ أي مَنفعةً لكم ﴿ وَلِأَنْعَامِكُمْ (التي هي الإبل والبقر والغنم)،(ألاَ فاعلموا أنه وحده المُستحِق لعبادتكم، وأنّ إعادة خَلْقكم يوم القيامة أهْوَن عليه مِن خَلْق هذه الأشياء العظيمة).

من الآية 34 إلى الآية 41: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يعني فإذا جاءت القيامة الكبرى والشدة العظمى (وذلك بعد النفخة الثانية)، ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى يعني عندئذ يُعْرَض على الإنسان كل عمله، فيتذكره ويعترف به،﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى يعني وأُظهِرَت جهنم لكل مُبْصِر، فيراها واضحةً مُخِيفة لا يُخْفيها شيء،﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى أي تمَرَّد على أمْر ربه﴿ وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا أي فَضَّلَ الحياة الدنيا على الآخرة واتَّبع شهواتها العاجلة:﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى: يعني فإنّ مَصيره إلى النار﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ أي خاف من القيام بين يدي ربه، ليسأله عن كل صغيرةٍ وكبيرة، وعن كل نعمةٍ أنعمها عليه، فدَفَعَه ذلك الخوف إلى المُسارَعة في فِعل الطاعات، والعزم على ترْك السيئات، والإكثار من الحمد والاستغفار ﴿ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى أي نَهَى نفسه عن الأهواء الفاسدة والخواطرالدنيئة:﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى يعني فإن الجنة هي مَسكنه الدائم (التي فيها ما تشتهيه نفسه، وتفرح بها عينه).

من الآية 42 إلى الآية 46: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا؟ أي يسألك كفار مكة عن الساعةِ التي تقوم فيها القِيامة - استبعادًا لها وتكذيبًا -: متى وقت وقوعها؟،﴿ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا؟ يعني: إنك أيها الرسول لا تعلم شيئاً عن وقت مجيئها، حتى تَذكرها لهم، وإنما﴿ إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا أي: مُنتهَى عِلمها إلى الله وحده (فلا يَعلمها أحدٌ غيره)،و﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا يعني: وإنما شأنك في أمْر الساعة أن تُحَذّر منها مَن يخافها، إذاً فلا تهتم بمن يستعجلك بها، استخفافاً بأمرها، فـ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا يعني: يوم يرون القيامة، كأنهم لم يمكثوا في الدنيا (وهم أحياء) ولا في قبورهم (وهم أموات) إلا ما بين الظهر إلى غروب الشمس (وهو وقت العَشِيّ)، أو ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار (وهو وقت الضحى)، وذلك لِمَا شاهَدوه من أهوال القيامة، ولطُول وقوفهم في حر الشمس، وتغطية العَرَق لجميع جسدهم، وبسبب رؤيتهم لجهنم التي سيُعَذَّبونَ فيها (والإنسانُ إذا اشتدّ خَوْفه: نَسِيَ كل ما مَرَّ به مِن نعيمٍ أو عذاب، خاصةً إذا قارَنَ ذلك بعذاب جهنم الأبدي).



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22-03-2022, 05:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود










تفسير سورة عبس كاملة












من الآية 1 إلى الآية 16: ﴿ عَبَسَ أي ظَهَرَ الغضب والعبوس في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى يعني: وأعرَض لأجل أنّ الأعمى "عبد الله بن أُمّ مكتوم" قد جاءه طالباً للعلم والهدى، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مُنشغِلاً بدعوة كبار قريش إلى الإسلام، فأعرَضَ عن "عبد الله بن أُمّ مكتوم" رضي الله عنه، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآيات مُعاتِباً لرسوله صلى الله عليه وسلم، قائلاً له: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ؟ يعني وأيُّ شيءٍ أَعْلَمَك - أيها الرسول - بحقيقة أمْره؟ ﴿ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أي: لعله بسؤاله هذا تَزكو نفسه وتَطهُر مما كانَ عليه في جاهليته﴿ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى: يعني أو يحصل له المزيد من الاعتبار والاتعاظ فيتقي عذاب ربه، ﴿ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى عن هَدْيك - وهم كفار قريش -﴿ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى؟ يعني فأنت تتصدى لهم (بإقبالك عليهم وإنصاتك لكلامهم)؟!﴿ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى؟! يعني: وأيّ شيءٍ عليك من المسؤولية في عدم تطَهُّرهم مِن كُفرهم، بعد أن بَلَّغتَهم؟!﴿ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى يعني: وأمَّا مَن كان حريصاً على لقائك، فجاءك يجري ﴿ وَهُوَ يَخْشَىأي يخشى اللهَ من التقصير في طلب النصيحة والموعظة ﴿ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى؟! يعني فأنت عنه تتشاغل؟!﴿ كَلَّا: أي ليس الأمر كما فعلتَ أيها الرسول ﴿ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ: يعني إن هذه السورة موعظةٌ لك ولكل مَن شاء الاتعاظ، ﴿ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ: يعني فمَن أراد الاتعاظ: قرأ القرآن فاتعظ بما فيه وانتفع بهُداه.







وهذا القرآن موجودٌ ﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ: أي في صُحُفٍ مُعَظّمة موَقّرة (وهو اللوح المحفوظ)، ﴿ مَرْفُوعَةٍ أي عالية القدر (مرفوعة في السماء)، ﴿ مُطَهَّرَةٍمن الزيادة والنقص، ومُنَزَّهة عن مَسّ الشياطين لها، ﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ أي: موجودة بأيدي ملائكةٍ كَتَبة (ينقلون الوحي من اللوح المحفوظ)، (وقد قيل في تسميتهم بالـ(سَفرة)، لأنهم سُفراء بين الله وخَلْقه، إذ كانوا يُعاونون جبريل عليه السلام في حِفظ الوحي حتى يبلغه إلى الأنبياء والرُسُل)، وهُم ﴿ كِرَامٍ: أي مُكَرَّمون عند الله تعالى، ﴿ بَرَرَةٍ يعني أخلاقهم وأفعالهم بارّة طاهرة طائعة لله تعالى.











وما أقرب هذا الوصف من مؤمنٍ كريم النَفْس، طاهر الروح، يحفظ كتاب الله ويعمل به، بيده مُصحَف يقرؤه، ويُرَتّل فيه كلام ربه وحبيبه، فقد ثَبَتَ في في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مَثَل الذي يقرأ القرآن وهو حافظٌ له، مع السَفَرة الكرام البَرَرة، ومَثَل الذي يقرؤه وهو يتعاهده وهو عليه شاقٌّ شديد، فله أجران"، (ويُحتمَل أن يكون المقصود بكونهمع الملائكة السَفَرة: أن له في الآخرة منازل في الجنة، يكونُ فيها رفيقاً لهم).







من الآية 17 إلى الآية 23: ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ! أي: لُعِنَ الإنسان الكافر وعُذِّب، ما أشدَّ كُفره بربه!﴿ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؟! يعني: ألم يَرَ مِن أيِّ شيءٍ خَلَقَه الله أول مرة، ليَعلم أنه سبحانه القادر على بَعْثه بعد موته، لأنه هو الذي ابتدأ خَلْقه؟!﴿ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ أي لقد خَلَقَه الله من ماءٍ ضعيف (وهو المَنِيُّ)، فقدَّره أطواراً - أي مراحل متدرجة -: (نُطفة ثم عَلَقة ثم مُضغة ثم عظامًا ولحمًا)، ﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ أي: ثم وَضَّحَ له طريق الخير والشر، ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ بعد انتهاء أجله، ﴿ فَأَقْبَرَهُ أي جعل له مكانًا يُقبَر فيه (وإلاّ لأَنتَنَ وتعَفّن)، ﴿ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ يعني ثم وقتما شاءَ سبحانه: أحياه بعد موته للحساب والجزاء (وهو يوم القيامة)، ﴿ كَلَّا: أي ليس الأمر كما يزعم هذا المُنكِر للبعث، فإنّ البعث بعد الموت واقعٌ لا محالة، ورغم ذلك فإنه ﴿ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ أي لم يُؤَدِّ ما أمَرَه اللهُ به من الإيمان والعمل بطاعته، بل استمر فى طُغيانه وعِناده.







من الآية 24 إلى الآية 32: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ - مُتأملاً - ﴿ إِلَى طَعَامِهِ كيف خَلَقَه الله له ودَبَّره؟، ألم يَرَ﴿ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ من السماء على الأرض ﴿ صَبًّا أي إنزالاً قوياً، ﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ لنُخرج منها النبات ﴿ شَقًّا بديعاً حكيماً، بحيث تخرج النباتات من الأرض خروجاً يُبهج النفوس، ﴿ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا أي حبوباً كثيرة يأكلها الناس (كالأرز والقمح والذرة وغير ذلك)﴿ وَعِنَبًا بألوان مختلفة﴿ وَقَضْبًا أي عَلَفًا للدواب﴿ وَزَيْتُونًا تأكلونه وتصنعون منه الدُّهن (وهو الزيت) ﴿ وَنَخْلًا يَخرج منه أنواعاً مختلفة من التمور، ﴿ وَحَدَائِقَ غُلْبًا أي حدائق عظيمة الأشجار (تبتهج النفوس لرؤيتها)، ﴿ وَفَاكِهَةً أي ثمارًا متعددة، ﴿ وَأَبًّا أي عُشباً تأكله الأنعام، كل ذلك قد خلقه الله تعالى ﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ أي لتَنْعَموا به أنتم وأنعامكم (وهي الإبل والبقر والغنم، التي تنتفعون بألبانها ولحومها وركوب بعضها)، (إذاً فاعلموا أن الذي يَعتني بمصالحكم هو وحده المُستحِق لعبادتكم).







من الآية 33 إلى الآية 42: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يعني فإذا جاءت صيحة البعث (التي تصيب الأسماع بالصمم مِن شدتها) ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ - لشدة ذلك اليوم وصعوبته - ﴿ مِنْ أَخِيهِ ﴿ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ: يعني وزوجته وأبنائه، (وهؤلاء المذكورون هم أقرب الناس إليه، ومع هذا يهرب منهم، خوفاً من أن يطالبوه بحق لهم عليه، فيأخذوه منه)، ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ يعني: لكل واحد منهم يومئذٍ أمْرٌ يُشغله عن غيره، ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ أي: وجوهُ أهل النعيم في ذلك اليوم: مُضيئة، ﴿ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ: أي مَسرورةٌ فَرِحة، ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ يعني: ووجوهُ أهل الجحيم مُظلمة مُسودَّة﴿ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أي تغطيها ذِلَّة وكآبة شديدة﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الذين كفروا بنعم الله وكذَّبوا بآياته، ﴿ الْفَجَرَةُ الذين تجرؤوا على حُرُماته وانتهكوا حدوده.







[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22-03-2022, 05:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1]










رامي حنفي محمود







تفسير سورة التكوير







من الآية 1 إلى الآية 14: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ أي ذهب ضَوْءُها،﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ أي تساقطت على الأرض، ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ أي سُيِّرَت عن وجه الأرض - بعد أن اقتلعها الله من أماكنها - وجعلها هباءً منثوراً،﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ يعني: وإذا النُوق الحوامل تُرِكَت وأُهمِلَت (بعد أن كانت تأخذ اهتماماً شديداً وعنايةً بالغة من أصحابها حتى تلد)،﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ يعني: وإذا الحيوانات الوحشية جُمِعَت؛ ليَقتصَّ اللهُ مِن بعضها لبعض، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: "لَتُؤَدَنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يُقاد - (يعني حتى يُقتَصّ) - للشاة الجَلحاء - (أي التي لا قرْنَ لها) - من الشاة القرناء"، ثم ثَبَتَ في حديثٍ آخر أنه بعد هذا القِصاص: تصيرُ الشاتان تراباً (انظر السلسلة الصحيحة ج 4/606)، وذلك حتى يَتحقق العدل التام يوم القيامة،﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ يعني: وإذا البحار أُوقِدَت بالنار، فقد قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: (تُملأ البحار كلها يوم القيامة بالنار، فيُزاد بها في نار جهنم)، ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ يعني: وإذا النفوس قُرنَت بأجسادها، أو (قُرِنَت بأمثالها في الخير والشر)، فأصبحت كُلّ طائفة متشابهة في الأعمال، تقف مع بعضها يوم القيامة،﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ يعني: وإذا الطفلة (التي دُفِنَت وهي حية)، سُئِلَت يوم القيامة - جَبرًا لخاطرها وتبكيتاً لمَن دَفَنَها -:﴿ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟! يعني ماذا فعلتْ حتى تُدفَن وهي حية؟!،﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ يعني: وإذا صُحُف الأعمال فُتِحَت وعُرِضَت على أصحابها،﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ أي قُلِعَت وأُزيلت من مكانها،﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ يعني: وإذا النار أُوقِدَت، فاشتعلت اشتعالاً شديداً،﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ أي قُرِّبت مِن المتقين (زيادةً لهم في المَسَرَّة والاطمئنان)، فإذا وَقَعَ كل ذلك: فقد ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ أي وجدتْ كلُّ نفس ما قدَّمَت من خير أو شر.












من الآية 15 إلى الآية 25: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ: يعني فأُقسِم بالنجوم التي تختفي أنوارها نهارًا، وهي﴿ الْجَوَارِ أي الجارية في مَدارها، ﴿ الْكُنَّسِ أي المستترة في أبراجها (أي في مَنازلها)، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ يعني: وأُقسِم بالليل إذا أقبَلَ بظلامه،﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ يعني: وبالصبح إذا ظهر ضياؤه، ثم أخبَرَ سبحانه عن الشيء الذي يُقسِم عليه، فقال:﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ: يعني إن القرآن لَتبليغُ رسولٍ كريم - وهو جبريل عليه السلام - الذي يُبَلِّغ القرآنَ عن رب العالمين،﴿ ذِي قُوَّةٍ يعني إنّ جبريل صاحب قوة شديدة في تنفيذ ما يؤمَر به، ﴿ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ يعني: وإنه لَصاحب مكانة رفيعة عند الله تعالى (رب العرش العظيم)،﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ أي تطيعه الملائكة هناك (في السماء) أو في أيّ مكان يذهب إليه، ﴿ أَمِينٍ: أي مؤتمَن على الوحي الذي يَنزل به،﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ يعني: وما محمد - الذي تعرفونه - بمجنون كما تزعمون (حتى تصرفوا الناسَ عنه)، فإنكم تعلمون أنه أعقل أهل الأرض، إذ كنتم تَشهدونَ له بالصدق والأمانة، ورَضيتم بحُكمه عندما أرادتم إعادة بناء الكعبة (وذلك قبل بعْثَته)،﴿ وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ يعني: ولقد رأى محمدٌ جبريلَ - الذي يأتيه بالوحي - في الأفق العظيم (وهو أفق الشمس عند مَطلعها)، وذلك حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم - على صورته الحقيقية - جالساً بين السماء والأرض، وهو يَسُدّ الأفق مِن مَطلع الشمس إلى مَغربها،﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ يعني: وما محمدٌ ببخيل في تبليغ الوحي عن ربه، فإنه لو كان كاتماً شيئاً من الوحي، لَكَتَمَ عتاب الله تعالى له في شأن الصحابي "عبد الله بن أُمّ مكتوم" في سورة (عَبَسَ)، ولَكَتَمَ قوله تعالى في سورة الأحزاب: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ يعني: وما هذا القرآن بقول شيطانٍ مطرود من رحمة الله، مَرجومٌ بالشُهُب حتى لا يَسمع كلامَ الملائكة في المَلأ الأعلى، ولكنه كلام رب العالمين ووَحْيه.












♦ واعلم أنّ كلمة (لا) التي في قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ) تُسَمَّى (لا الزائدة) لتأكيد القسم، واعلم أيضاً أنّ الله تعالى يُقسِم بما يشاء مِن خلقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله تعالى، لأنّ الحَلِف بغير الله شِرك.












من الآية 26 إلى الآية 29: ﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟! يعني: فأين تذهب بكم عقولكم في التكذيب بالقرآن، بعد أنْ علمتم براهينه القاطعة؟!﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ يعني:ما هذا القرآن إلا تذكيرٌ للجن والإنس (إذ بالتفكر فيه يَهتدون إلى الحق، وباتِّباعه يَسعدون في الدنيا والآخرة)، فإنّ القرآنَ فيه العِبَر والمواعظ الكافية﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ أي يستقيم على الحق والإيمان، ولا يتَّبع شيطانه وهَواه،﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يعني: وما تشاؤون الاستقامة ولا تَقدرون عليها، إلا أن يشاءها لكم الله تعالى، رب الخلائق أجمعين (ألاَ فاطلبوها منه بصِدقٍ وتذلل، واجتهدوا في تحصيل أسبابها).

















تفسير سورة الإنفطار







من الآية 1 إلى الآية 5: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ أي انشقت واختلَّ نظامها،﴿ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ أي تساقطت،﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ أي اختلطت ببعضها وأصبحت بحراً واحداً (سواء المالح والعَذب)، وذلك لانكسار الحاجز الذي كان يفصل بينهما - بعد زلزلة الأرض - إعلاماً بخراب العالم،﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ أي قُلِبَت وأُخرِجَ ما فيها من الأموات، فإذا وقع كل ذلك: فقد﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ: أي وَجَدَ كلُّ إنسانٍ جميع أعماله: ما قدَّمَه في حياته، وما أخَّرَه بعد موته (وهو كل ما دَلَّ عليه الناس أثناء حياته - مِن خيرٍ أو شر - فعَمِلوا به بعد موته، فإنه يُكتَب في ميزانه، ثم يُجازَى به).












من الآية 6 إلى الآية 12: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟! يعني ما الذي خدعك وجرّأك على عِصيان ربك الكريم، صاحب الخير الكثير، الجدير بالشكر والطاعة؟!، ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ ولم تكن شيئاً يُذكَر ﴿ فَسَوَّاكَ أي أحكَمَ خَلْقك ﴿ فَعَدَلَكَ: أي جعلك معتدل الخلق، متناسب الأعضاء (كل شيءٍ يؤدي وظائفه)، ﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ يعني: في أيِّ صورةٍ شاءها خلقك، ﴿ كَلَّا أي لم يَغُرّكَ كرم الله ولا حِلمه ﴿ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ يعني: وإنما الذي جَرَّأه على المعاصي هو تكذيبه بيوم الدين (الذي هو يوم الجزاء)، كما قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) أي جزاءهم الحق، ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ أي وما علمتم أنّ عليكم ملائكة يُراقبون أفعالكم ويَحفظونها ويَكتبونها في صحائفكم،﴿ كِرَامًا أي مُكَرَّمينَ عند الله تعالى، ﴿ كَاتِبِينَ لِمَا كُلِّفوا به، فلا يفوتهم شيءٌ من أعمالكم وأسراركم،﴿ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ في السر والعَلَن، وسوف تُفاجأون يوم الجزاء بصحائف أعمالكم، وقد حَوَت جميع أعمالكم، فلم تترك صغيرةً ولا كبيرة.












من الآية 13 إلى الآية 19: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ (وهم الأتقياء، المؤدون لحقوق الله تعالى وحقوق عباده) ﴿ لَفِي نَعِيمٍ يوم القيامة،﴿ وَإِنَّ الْفُجَّارَ (الذين أهمَلوا حقوق الله تعالى وحقوق عباده، وخرجوا عن طاعته) ﴿ لَفِي جَحِيمٍ أي في نارٍ شديدة الاشتعال﴿ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ: أي يُعانون مِن لهيبها وحَرّها يوم الجزاء،﴿ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ يعني: وما هم عن عذاب جهنم بغائبين (لا بخروجٍ ولا بموت)﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ؟يعني:وما أدراكَ أيها الرسول ما عظمة يوم الحساب والجزاء؟، ثم يؤكد سبحانه ذلك بقوله: ﴿ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ؟ يعني ثم ما أدراكَ ما في هذا اليوم من الشدة والصعوبة؟﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا يعني: يومئذٍ لا يَقدر أحدٌ على نفع أحد، ﴿ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يعني: والأمر في ذلك اليوم لله وحده، لا ينازعه فيه أحد (فلا يَشفع أحدٌ لأحد إلا إذا أَذِنَ الله للشافع، ورَضِيَ عن المشفوعِ له).











[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22-03-2022, 05:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

تفسير سورتي (المطففين والانشقاق) كاملة







رامي حنفي محمود


تفسير سورة المطففين

من الآية 1 إلى الآية 6: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ أي: عذابٌ شديد للذين يُنقِصون المكيال والميزان، (إذ التطفيف هو التقليل في الميزان)، وهم﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ: يعني إذا اشتروا من الناس شيئاً مَوزونًا أو بمكيال، إذا هم يُوفونَ لأنفسهم (أي يأخذون فوق حقهم)، ﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يعني: وأما إذا كالوا لهم بمكيال أو وزنوا لهم بميزان، إذا هم ﴿ يُخْسِرُونَ أي يُنْقصون حقوق الناس، ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ؟!يعني ألاَ يعتقد أولئك المطففون أن الله سيَبعثهم ويُحاسبهم على أعمالهم؟ بلى إنهم سيُبعَثونَ مِن قبورهم﴿ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ أي في يومٍ عظيم الهول (وهو يوم القيامة)﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ يعني: يوم يقوم الناس بين يدي رب العالمين، ليحاسبهم على القليل والكثير.



♦ واعلم أنّ اللام التي في قوله تعالى: (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ)، تُسَمَّى لام التوقيت (أي لبداية يوم عظيم).



من الآية 7 إلى الآية 17: ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ: يعني ألاَ إنّ مَصير الفُجَّار - الذي كُتِبَ لهم أن يصيروا إليه يوم القيامة - ﴿ لَفِي سِجِّينٍ أي في ضِيقٍ شديد، جزاءً لهم على أعمالهم (ومنها: الظلم ونقص الكيل والميزان)، ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ؟يعني وما أدراك أيها الرسول ما هذا الضيق؟، إنه سِجنٌ مقيم وعذابٌ أليم، وكتابهم﴿ كِتَابٌ مَرْقُومٌ أي: مكتوبٌ بوضوح، يَفهمه صاحبه إذا قرأه يوم القيامة.



♦ وقد قال بعض المفسرين إنّ "سِجِّينٍ" هو اسم كتاب ديوان الشر الذي كُتِبَت فيه أعمال الفجار والشياطين، واللهُ أعلم.



﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أي: عذابٌ شديد يوم القيامة للمكذبين﴿ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ أي الذين يُكَذِّبون بوقوع يوم الجزاء﴿ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أي ظالم، متجاوز للحد، ﴿ أَثِيمٍ أي صاحب الآثام الكثيرة (وأكبر الآثام: الشِرك بالله)، فهو يُفَضِّل الانقياد وراء شهواته على الإيمان بهذا اليوم والاستعداد له، و﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني إذا قُرِئَتْ آيات القرآن على هذا الظالم، قال: (هذه قصص السابقين وأباطيلهم)، (وهذا مِن جَهله وعِناده، وإلاَّ، فكيف يكون هذا الكتاب المشتمل على الحق والعدل التام، أساطيرَ الأولين؟!)﴿ كَلَّا: أي ليس الأمر كما زعموا، بل هو كلام الله تعالى، ووَحْيه إلى نَبيّه، ﴿ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يعني: وإنما الذي حَجَبَ قلوبهم عن قبول الحق: ذنوبهم التي غطت قلوبهم وتراكمت عليها، (وفي هذا تحذير مِن مُواصلة الذنوب وعدم التوبة منها، لأن ذلك قد يؤدي بالعبد إلى أن يُحرَم من التوبة)، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا أخطأ خطيئة: نُكِتَت في قلبه نُكتة سوداء - (والنكتة هي الأثر) -، فإذا هو نَزَعَ - (أي أقلع عن الذنوب ونَزَعَ نفسه عن ارتكاب المعاصي)- واستغفر وتاب: سُقِلَقلبه- (أي تمت تنقيته من ذلك الأثر بسبب توبته وندمه) -، وإنْ عادَ - (أي إلى الذنب مرة أخرى) -: زِيدَ فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذَكَر الله: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ") (انظر صحيح سنن الترمذي ج: 5/ 434).



﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ يعني ألاَ إنهم يوم القيامة لَمَحجوبونَ عن رؤية ربهم، ﴿ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ يعني: ثم إنهم لَداخِلو النار ليُعانوا حرها الشديد، ﴿ ثُمَّ يُقَالُ لهم - تأنيباً وتحسيراً - وهم يُعَذَّبون: ﴿ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ.




واعلم أنّ حَجْب الكفار عن رؤية الله تعالى في الآخرة دليلٌ على رؤية المؤمنين له في الجنة، لأنه يُفهَم من الآية أنّ غيرهم من أهل الإيمان غير محجوبين، وقد قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: (إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، يقول الله تعالى: (تريدون شيئاً أَزِيدُكُم)؟، فيقولون: (ألم تُبَيِّضْ وجوهنا؟ ألم تُدخِلنا الجنة وتُنَجِّنا من النار؟)، فيُكشَفُ الحجاب، فما أُعْطوا شيئاً أحَبّ إليهم من النظر إلى ربهم)، وقال صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحيْن -: (إنكم سَتَرَوْنَ ربكم كما ترون القمر، لا تُضامُون في رؤيته - (أي لا يَصعُب عليكم رؤيته) - فإن استطعتم ألاَّ تُغلَبوا على صلاةٍ قبلَ طلوع الشمس - (وهي الفجر) - وصلاةٍ قبلَ غروب الشمس - (وهي العصر) - فافعلوا(، وفيهذا الحديث تحذيرٌ لكل مَن يُضَيِّع صلاة الفجر والعصر - فيُصَلّي الفجر بعد شروق الشمس، أو يُصَلّي العصر بعد أذان المغرب - مِن أن يُحرَم مِن لذة النظر إلى وجه الله الكريم.



من الآية 18 إلى الآية 28: ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ: يعني ألاَ إن مَصير المتقين - الذي كُتِبَ لهم أن يصيروا إليه - ﴿ لَفِي عِلِّيِّينَ أي في الدرجات العالية في الجنة، ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ؟يعني وما أدراك أيها الرسول ما هذه الدرجات العالية؟ إنّ أصحابها في نعيمٍ مقيم لا يستطيعون تخيّله، وإنّ كتابهم﴿ كِتَابٌ مَرْقُومٌ أي: مكتوبٌ بوضوح، يَفهمه صاحبه إذا قرأه يوم القيامة ﴿ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ أي يَطَّلِع عليه المُقَرَّبون من ملائكة كل سماء.



﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ: يعني إن أهل الصدق والطاعة لَفي الجنة يتنعمون، وإنهم يَجلسونَ مُتكئينَ﴿ عَلَى الْأَرَائِكِ (والأرائك جمع أرِيكة، وهي السرير المُزَيّن بالستائر الجميلة) ﴿ يَنْظُرُونَ بإعجابٍ وانبهار إلى ما أعطاهم الله من أصناف النعيم (وأعظم ذلك النعيم: التلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم)، ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يعني: ترى في وجوههم بهجة النعيم، ﴿ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ أي يُسْقَون مِن خَمرٍ صافية، ﴿ مَخْتُومٍ يعني: إناؤها مُحكم الغَلق، لم يَمَسّه أحدٌ قبلهم، ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ يعني في آخر ذلك الشراب تفوح رائحة مِسك، ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ يعني: (وفي تحصيل ذلك النعيم: فليتسابق المتسابقون بكثرة الطاعات وإتقانها، والبُعد عن المعاصي وأسبابها)، ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ يعني: وهذا الشراب مَمزوج ومَخلوط من عين عالية في الجنة تُعْرَف بـ "تسنيم"، ليزداد شرابهم بها لذة، ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَيعني: وهي عينٌ قد أُعِدَّت ليَشرب منها المُقَرَّبون، ويتلذذوا بها.



من الآية 29 إلى الآية 36: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ: يعني إنّ المجرمين كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين ويضحكون منهم، ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (سُخريةً بهم)، ﴿ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ يعني: وإذا رجع المجرمون إلى أهلهم تَفَكَّهوا معهم بالسخرية من المؤمنين، ﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ يعني: وإذا رأى هؤلاء الكفار أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم مُتَّبعينَ للهدى: ﴿ قَالُوا - فيما بينهم -: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ: يعني إن هؤلاء لفي ضلالٍ بسبب اتِّباعهم محمدًا، ﴿ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ يعني: وما بَعَثَ اللهُ هؤلاء المجرمين مُراقبينَ على أعمال المؤمنين حتى يَحكموا عليهابالضلال!، ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ يعني: فيوم القيامة يَسخر المؤمنون من الكفار، كما سَخِرَ الكفار منهم في الدنيا، وهم﴿ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ يعني: على المجالس الفاخرة ينظرون إلى أعدائهم في النار، ثم قال تعالى: ﴿ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ؟يعني هل جُوزِيَ الكفار جزاءً موافقاً لِمَا كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرور والمعاصي؟ (والجواب: نعم).



تفسير سورة الإنشقاق

من الآية 1 إلى الآية 6: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ أي تشققت وتمزقت لنزول الملائكة ﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا أي سمعتْ وأطاعت أمْرَ ربها فيما أمَرَها به من الانشقاق، ﴿ وَحُقَّتْ يعني: وحُقَّ لها أن تنقاد لأمره، ﴿ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ أي اتَّسعت رُقعتها، بعد أن زالت جبالها وتهدمت مبانيها، ﴿ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا يعني: وقذفت ما في بطنها من الأموات ﴿ وَتَخَلَّتْ عنهم، ﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا: أي سمعتْ وأطاعت أمْرَ ربها فيما أمَرَها به، ﴿ وَحُقَّتْ أي حُقَّ لها أن تنقاد لأمره، فإذا حدث كل ذلك: فقد (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (كما تقدم نظير هذا في سورة الانفطار)، ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا: يعني إنك ساعٍ إلى الله تعالى، وعاملٌ أعمالاً مِن خير أو شر ﴿ فَمُلَاقِيهِ أي فسَتَظل على ذلك حتى تُلاقِي ربك يوم القيامة، ليُجازيك على عملك بفضله أو بعدله، (فاللهم ليس لنا إلا عفوك وغُفرانك، ولا نَثِق إلا في رحمتك، فنسألك باسمك الأعظم أن تَمُنّ علينا - قبل موتنا - بتوبةٍ نصوح صادقة تُرضيك عنا، تمحو بها خطايانا، وتُبَدِّل بها سيئاتنا حسنات).



الآية 7، والآية 8، والآية 9: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ يعني فأما مَن أُعطِيَ صحيفة أعماله بيمينه (وهو المؤمن):﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا أي حسابًا سهلاً لا مُناقشة فيه ﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًايعني: ويَرجع إلى أهله المؤمنين، وأهله من الحور العين، وهو فَرِحٌ مسرورٌ في الجنة.



من الآية 10 إلى الآية 15: ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ أي يأخذ كتابه بشماله مِن وراء ظهره، إهانةً له، (ولَعَلّ هذا هو الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ))، ﴿ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا: أي سوف يدعو على نفسه بالهلاك﴿ وَيَصْلَى سَعِيرًا أي سيدخل ناراً شديدة يُعاني حَرّها، فـ﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا أي كان في أهله - في الدنيا - مسرورًا (بغرور وتكَبُّر)، غير خائف من عذاب ربه، ﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ أي ظنَّ أن لن يَرجع إلى خالقه حياً للحساب، ﴿ بَلَى سيُعيده اللهُ كما بدأه ويُجازيه على أعماله، ﴿ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا أي عليمًا بحاله وأعماله.



ولذلك ينبغي للعبد أن يتعلم كيف يُراقب اللهَ تعالى، وذلك بأن يَضع أمام عينيه دائماً قول ربه تبارك وتعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)؟، وقوله تعالى: (بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا)، فلا يفعل شيئاً إلا ويتذكر أن الله تعالى يراه، ويتذكر أنه لو وضع له صاحب العمل ما يُعرَف بـ(كاميرات المُراقَبة) في مكان عمله، وأخبره أنه يراه، فإنه لن يجرؤ أن يفعل شيئاً يُغضِبه! (فما لكم لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا؟!).



من الآية 16 إلى الآية 19: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ: يعني فأُقسِم باحمرار الأفق عند الغروب، ﴿ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ يعني: وأُقسِم بالليل وما جَمَعَ من الدواب والحشرات وغير ذلك﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ يعني: وبالقمر إذا اكتمل نوره:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍأي سوف تمُرّون أيها الناس بمراحل متعددة - مرحلة بعد أخرى - (مِن نُطفة إلى عَلَقة إلى مُضغة إلى نفخ الروح إلى الموت إلى البعث).



♦ واعلم أنّ كلمة (لا) التي في قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ) تُسَمَّى (لا الزائدة) لتأكيد القسم، واعلم أيضاً أنّ الله تعالى يُقسِم بما يشاء مِن خَلْقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله تعالى، لأنّ الحَلِف بغير الله شِرك.



من الآية 20 إلى الآية 25: ﴿ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ؟! يعني فأيُّ شيءٍ يَمنع هؤلاء المُكذّبين من الإيمان بالله واليوم الآخر بعدما اتّضحت لهم الآيات؟! ﴿ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ؟! يعني: وما لهم إذا قرئ عليهم آيات القرآن الواضحة وبراهينه الساطعة لا يسجدون لله وحده، ولا يخضعون لأمره؟! ﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ يعني إنما عادة الذين كفروا: التكذيب ومُخالفة الحق﴿ واللهُ أعلم بِمَا يُوعُونَ يعني: واللهُ أعلم بما يكتمون في صدورهم من العناد (مع عِلمهم أنّ ما جاء به القرآنُ حق)، ﴿ فَبَشِّرْهُمْ أيها الرسول ﴿ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ قد أعدَّه اللهُ لهم، ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا أي لكنّ الذين آمَنوا بالله ورسوله، وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب، ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وهي الفرائض والنوافل وأفعال الخير (فأدَّوْها بإخلاصٍ لله تعالى وعلى النحو الذي شَرَعه)، أولئك ﴿ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ:أي لهم في الآخرة أجْرٌ غير مقطوع ولا منقوص.






[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.

- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22-03-2022, 05:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود










تفسير سورتي (البروج والطارق) كاملة








تفسير سورة البروج



من الآية 1 إلى الآية 9: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (يُقسِم اللهُ تعالى بالسماء ذات المنازل التي تسير فيها الكواكب والنجوم)، ﴿ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (يعني: ويُقسِم سبحانه بيوم القيامة الذي وَعَدَ اللهُ الخلقَ أن يجمعهم فيه)، ﴿ وَشَاهِدٍ يَشهد، ﴿ وَمَشْهُودٍيُشهَد عليه، ثم أخبَرَ سبحانه عن الشيء الذي يُقسِم عليه، فقال: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ: أي لُعِنَ الذين شَقُّوا في الأرض شقًا عظيمًا لتعذيب المؤمنين، ثم فَسَّرَ سبحانه ما في هذا الأخدود بقوله: ﴿ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ يعني: وأوقدوا النارَ الشديدة ذات الحطب الكثير (ليَزيدها اشتعالاً)، ﴿ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ أي مُلازِمونَ للأخدود، قريبون من النار، ليضيفوا لها الوقود إذا أُطفِئَت، ﴿ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ أي حضورٌ، قائمونَ على تعذيب المؤمنين، ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ يعني: وما أخذوهم بهذا العقاب الشديد إلا لأنهم آمنوا بالله ﴿ الْعَزِيزِ أي الغالب، ﴿ الْحَمِيدِ أي الذي يَستحِق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وما فيهنّ (لا شريك له في الخلق والتدبير والعبادة والتشريع) ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (إذ شَهِدَ سبحانه على أعمال عباده في الدنيا، وسيُجازيهم بها في الآخرة).







الآية 10، والآية 11: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ أي فَتَنوهم عن دينهم فأحرَقوهم بالنار؛ ليَصرفوهم عن دين الله تعالى ﴿ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا مما فعلوا: ﴿ فَلَهُمْ في الآخرة ﴿ عَذَابُ جَهَنَّمَ بأنواعه المختلفة، وخصوصاً: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ أي لهم عذابٌ مُحرِق مُضاعَف في جهنم (جزاءً لهم على إحراقهم للمؤمنين بالنار)، (واعلم أن الآية عامة في كل مَن فَتَنَ المؤمنين عن دينهم)، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وتركوا الشرك والمعاصي ﴿ لَهُمْ جَنَّاتٌ أي حدائق جميلة المَنظر (فيها من كل أصناف النعيم الذي يتخيلونه، والذي لا يَخطُر أيضاً على قلوبهم)، ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري الأنهار من تحت أشجارها المتدلية وقصورها العالية، ﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ الذي لا فوز مِثله.







من الآية 12 إلى الآية 16: ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ: يعني إن انتقام ربك من أعدائه لَعظيمٌ شديد، ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُأي يُبدئ الخلق في الدنيا، ثم يعيده كما بدأه، ليُحاسب خَلْقه ويُجازيهم (وكذلك يبدئ البطشبأعدائه فى الدنيا، ثم يعيده عليهم فى الآخرة بصورةٍ أشد وأبقى)، ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ لمن تاب إليه، ﴿ الْوَدُودُ أي كثير المَوَدّة والمَحَبّة لأوليائه (فهو سبحانه يُحب عباده المؤمنين وهُم يُحبونه)، ﴿ ذُو الْعَرْشِ أي صاحب العرشِ ﴿ الْمَجِيدُ الذي بلغ المُنتهَى في الفضل والكرم (فالمَجيد هنا صفةٌ لله تعالى وليست للعرش، إذ الكلام فيه تقديم وتأخير، فكأنه قيل: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ الْمَجِيدُ ذو العرش))، ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ أي لا يَمتنع عليه شيءٌ يريده.







من الآية 17 إلى الآية 22: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ؟ يعني هل جاءك أيها الرسول خبر الجموع الكافرة المُكَذِّبة لأنبيائها؟ ﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ وما حَلَّ بهم من العذاب، ﴿ بَلِ لم يَعتبر قومك بذلك، ولكنّ ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ أي في تكذيب متواصل كعادة مَن قبلهم، ﴿ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ أي قد أحاط بهم عِلماً وقدرة، (فهُم في قبضته وتحت سلطانه وقهره)، ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ يعني: وليس القرآن كما زعموا بأنه شِعرٌ وسِحرٌ ليصرفوا الناس عنه، ولكنه قرآنٌ عظيمُ الخير والنفع، وإنه مكتوبٌ ﴿ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ لا يصيبه تبديل ولا تحريف.



♦ ♦ ♦








تفسير سورة الطارق



من الآية 1 إلى الآية 4: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (يُقسِم اللهُ تعالى بالسماء، وبالنجم الذي يَطرقها ليلاً) ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ؟ يعني وما أدراك - أيها الرسول - ما عظمة هذا النجم؟، إنه ﴿ النَّجْمُ الثَّاقِبُ أي هو النجم المُضِيئ المتوهِّج (الذي يَثقب الظلام بنوره)، ثم أخبَرَ سبحانه عن الشيء الذي يُقسِم عليه، فقال: ﴿ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ يعني: ما كُلُّ نفسٍ إلا وقد كُلِّفَ بها مَلَكٌ رقيبٌ عليها، يَحفظ أعمالها؛ لتُحاسَب عليها يوم القيامة.







من الآية 5 إلى الآية 10: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ المُنكِر للبعث: ﴿ مِمَّ خُلِقَ؟ يعني مِن أيّ شيءٍ خَلَقَه اللهُ تعالى؟ (حتى يَعلم أن إعادة خَلْقه بعد الموت أهْوَن مِن ابتداء خَلْقه أوّل مرة)، لقد ﴿ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ أي خُلِقَ مِن مَنِيٍّ مُنصَبّ بسرعة في الرَحِم،وهذا الماء ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ أي يَخرج مِن بين صُلب الرجل (وهو العَظم الذي في ظهره)، ﴿ وَالتَّرَائِبِ وهو العظم الذي في صدر المرأة (فهذا العَظم هو الذي يَخرج منه ماء المرأة)، ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ: يعني إنّ الذي خَلَقَ الإنسان من هذا الماء الضعيف، لَقادرٌ سبحانه على رَجْعه إلى الحياة يوم القيامة ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ أي يوم تُخْتَبر أسرار الصدر فيما أخفته من العقائد والنِيّات، ويُمَيَّز الصالح منها من الفاسد، فحينئذٍ تُكشَف وتَظهر أمام الخلق (إلا مَن ستره اللهُ تعالى بستره الجميل، اللهم استرنا ولا تفضحنا)، ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ يعني فما للإنسان حينئذٍ مِن قوةٍ يَدفع بها العذاب عن نفسه، وما له مِن ناصر يُخَلِّصه من عذاب الله.







♦ وهذا يُذَكِّرني بقول أحد التائبين: (اللهم لا براءةَ لي مِن ذنبٍ فأعتذر، ولا قوةَ فأنتصِر، ولكني مُذنِبٌ مُستغفِر، فاللهم أدخِل عظيمَ جُرمي في عظيمِ عفوك).







من الآية 11 إلى الآية 17: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (يُقسِم اللهُ تعالى بالسماء ذات المطر المتكرر)، ﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِيعني:ويُقسِم بالأرض ذات التشقق (أي التي تتشقق عندما يخرج منها النبات): ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ يعني إن القرآن لَقولٌ فاصل بين الحق والباطل ﴿ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ أي ليس باللعب واللهو بل هو الجد كل الجد، ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا: يعني إن المُكَذِّبينَ للرسول والقرآن، يكيدون ويُدَبِّرونَ كيداً يَصرفونَ به الناس عن القرآن؛ ليُحافظوا على رئاستهم وسيادتهم، ﴿ وَأَكِيدُ كَيْدًا يعني: ويَكيد اللهُ كَيدًا عظيماً - مُقابِلاً لكيدهم - ليُظهِر الحق، ولو كره الكافرون، ﴿ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أي لا تستعجل عذابهم أيها الرسول، بل ﴿ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا: يعني أمهِلهم قليلاً، وسترى ما يُصيبهم من العذاب والهلاك (سواء في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما معاً)، فقد نزل بهم العذاب يوم بدر، وأصابهم القحط والجوع سبع سنوات، ولَعذابُ الآخرة أشد وأبقى.










[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 266.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 260.47 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]