|
فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة ) |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() المسجد الأقصى في السيرة النبوية المسجد الأقصى هو مَسْرَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنه عُرِجَ به إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء الآية: 1]، وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربـطـته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عـُرِجَ بي إلى السماء» (رواه مسلم). فكانت صلاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأنبياء في ليلة الإسراء والمعراج دلالة واضحة على أن آخر صِبغة للمسجد الأقصى هي الصبغة الإسلامية، فاستقر نسب المسجد الأقصى إلى الالتصاق بالأمة الإسلامية التي أمَّ رسولها ـ صلى الله عليه وسلم ـ سائر الأنبياء فيه، ولا شك كذلك أن في اقتران العروج بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى السماوات العلى بالمسجد الأقصى دليل على مدى ما لهذا البيت من مكانة عند الله تعالى، ومنزلة عالية عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته . والمسجد الأقصى قبلة الأنبياء وقبلة المسلمين الأولى، وذكر القرطبي وغيره عند تفسير قول الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران الآية:96] " إن أول بيت وضع في الأرض للعبادة هو بيت الله الحرام بمكة المكرمة - حرسها الله -، وبعده المسجد الأقصى بأربعين عاماً "، ثم قال: " ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أول مسجد وضع في الأرض؟، قال: «المسجد الحرام»، قلت: ثم أي؟، قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟، قال: «أربعون عاماً، ثم الأرض لك مسجد، فحيث أدركتك الصلاة فصلِّ». وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلَّى، أو صلَّاها، صلاةَ العصرِ وصلَّى معَه قومٌ، فخرَج رجلٌ ممن كان صلَّى معَه فمرَّ على أهل المسجد وهم راكِعون، قال: أشهَدُ بالله، لقد صلَّيتُ معَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت، وكان الذي مات على القِبلةِ قبلَ أن تُحَوَّلَ قِبَلَ البيتِ رجالٌ قُتِلوا، لم نَدرِ ما نقول فيهِم، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة من الآية:143] (رواه البخاري). والمسجد الأقصى مسجد بارك الله فيه وحوله، والصلاة فيه فضلها كبير، ولا يستطيع الدجال أن يدخله، فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثا: حكما يصادف حكمه، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني). وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ أنه: سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟، فقال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المُصَلَّى هو، أرض المحشر والمنشر، وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط ـ أو قال قوس الرجل ـ حيث يرى منه بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعا» (رواه الطبراني وصححه الألباني). وعن جنادة بن أبي أمية ـ رضي الله عنه ـ قال: انطلقت أنا وصاحب لي إلى رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الدجال، ولا تحدثنا عن غيرك وإن كنت في نفسك ثبتا، فقال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أنذركم الدجال» – ثلاثا - فإنه جعد، آدم (أسود)، ممسوح العين اليسرى، تمطر السماء ولا تنبت الأرض، معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار، معه جبل خبز ونهر ماء، يمكث في الأرض أربعين صباحا يبلغ فيها كل منهل، ليس أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبيت المقدس، والطور، يسلط على نفس واحدة يقتلها ثم يحييها ولا يسلط على غيرها، ألا وإنه يقول: أنا ربكم، فمن شُبِّه عليه فاعلموا أن الله - عز وجل - ليس بأعور» (رواه أحمد). والمسجد الأقصى من المساجد الثلاثة التي تُشد لها الرحال، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «لا تشد (وفي لفظ: لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» (رواه البخاري). فائدة : المسجد الأقصى لم يُجعل حرماً كالمسجد الحرام في مكة التي حرمها إبراهيم ـ عليه السلام ـ، ولا كالمسجد النبوي في المدينة التي حرمها نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولذلك يقول العلماء أنه لا يصح وصف المسجد الأقصى بأنه حرم، وأن يقال عنه: ثالث الحرمين . قال ابن تيمية: " وأما المسجد الأقصى: فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال .. والأقصى: اسم للمسجد كله، ولا يُسمى هو ولا غيره حرماً، وإنما الحرم مكة والمدينة خاصة ". وقال الشيخ ابن عثيمين: " فإن بعض الناس يقول عن المسجد الأقصى ثالث الحرمين، وهذا يوهم أن المسجد الأقصى له حرم، والمسجد الأقصى ليس له حرم، بل هو كسائر المساجد لا حرم له .. وليس في الشرع إلا حَرَمان اثنان فقط، أحدهما وهو أشرفهما وأعظمهما: حرم المسجد الحرام في مكة المكرمة، والثاني: حرم المسجد النبوي في المدينة النبوية، وليس هناك حرما ثالث " . وفي رحلة الإسراء والمعراج وأحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكثيرة المتعلقة بالمسجد الأقصى ظهر فضله وأهميته، مما جعل له مساحة كبـيرة في قلوب المسلمين، وفي الـتـاريخ الإسلامي، وقد حافظ المسلمون على مفاتيح القدس منذ استلمها عـمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، حتى جاء مِنْ بعده مَنْ فرط فيها، فعلى المسلمين أن يعرفوا منزلته ومكانته، ويستشعروا مسئوليتهم نحوه، بتحريره من أيدي اليهود .. منقول
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
![]() حسبي الله ونعم الوكيل
|
#3
|
|||
|
|||
![]() فك الله أسر المسجد الأقصي
|
#4
|
||||
|
||||
![]() مدينة القدس.. الجامعة الحارسة! مثلما جعل الله تعالى للناس زماناً شريفاً فاضلاً تتنزَّل فيه الرحمات، وتَعظم فيه النفحات، ويكون هذا الزمان بذلك التكريم محلاً لاجتهاد الصالحين، وميداناً لتسابقهم في الاغترافِ من هذا الشرف والفضل، والنَّهَلِ من تلك المكانة الممنوحة؛ فكذلك الحال في الأمكنة! فلقد فضَّل الله تعالى بعض الأمكنة على بعض، وجعلها مثابة للناس وأمناً، وخلع عليها من رحماته وأفضاله ما ميزها على ما سواها، وما جعلها ذات مكانة مميزة عند عباده الطائعين. ومدينة القدس هي من تلك الأمكنة المشرفة والمفضلة؛ بارك الله فيها وحولها، ورفع قدرها بإيجاد المسجد الأقصى فيها، ذلك المسجد الذي ربط الإسلام بينه وبين المسجد الحرام في الرحلة المعجزة، فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ إلَى الْـمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: ١]، كما أنه مسجد تضاعف فيه الصلوات[1]، وكان محطاً ومَجمعاً للأنبياء والرسل، وقبلة أولى للمسلمين قبل أن يؤمروا بدوام التوجه لبيت الله الحرام بمكة المكرمة. هذه الأمكنة التي شرفها الله وفضلها من سائر الأماكن، ليست مجرد بناء من الحجارة والأخشاب، ولا تتفاضل على ما عداها بما فيها من كنوز وماديات؛ إنما هي أبنية تتجسد فيها المبادئ، وأمكنة صارت مَعْلَماً على قيم محددة، وبقدر ما تكون هذه المبادئ وتلك القيم ذات أهمية وعلو ورسوخ، تكون الأمكنة أيضاً بالضرورة ذات أهمية وعلو ورسوخ. ونستطيع أن نبرز ما لمدينة القدس من أهمية وتميز في المنظور الإسلامي وفي وجدان المسلمين، من خلال الإشارة إلى بُعْدَين مهمين توافرا لهذه المدينة، وميَّزاها من بين المدائن، وهي أنها المدينة الجامعة الحارسة. القدس.. المدينة الجامعة: لقد كانت مدينة القدس جديرة بأن توصف بأنها المدينة الجامعة؛ لأنها المدينة التي شهدت ميلاد وحياة وبطولات كثير من الأنبياء؛ بل يكفيها أن توصف بهذا الوصف لأنها شهدت اجتماع الأنبياء جميعاً في بيت المقدس، ليلة الإسراء والمعراج، حين صلى بهم إماماً خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فكان ذلك إيذاناً بهيمنة رسالته الخاتمة على كل الرسالات، وبانتقال بيت المقدس إلى عهدة الإسلام وأمانة المسلمين. في مدينة القدس عاش داود وسليمان عليهما السلام، وعاش عيسى وأمه عليهما السلام، وعلى مقربة منها دُفن خليل الرحمن إبراهيم[2]، ثم جُمع الأنبياء خلف خاتمهم صلى الله عليه وسلم، إنها حقاً المدينة الجامعة! إن للقدس - من دون سائر المدن - مكانة مميزة عند أصحاب الرسالات السماوية الثلاث، حتى ولو لم يرها موسى عليه السلام، ولو لم تتنزل فيها التوراة شريعة اليهود، وقد عاش فيها أصحاب الرسالات الثلاث في وئام وسلام تحت راية الإسلام قروناً عدة، قبل أن تعصف الأهواء بأصحاب المطامع والمشاريع الاستيطانية، الذين وجدوا الدعم الكامل من الغرب الاستعماري؛ فعاثوا في المدينة فساداً، وحرموها من أن تظل كما كانت مدينة جامعة لأتباع الأنبياء. فالقدس وإن كانت مدينة جامعة بحق فإنها لم تتمتع بهذه الجامعية إلا في رحاب الإسلام، الذي أتاح الأمان لكل المنضوين تحت رايته، وصان دماءهم وأعراضهم، وأمَّنهم على بِيَعهم وكنائسهم، وجعل الإيمان بكل الأنبياء دون تفرقة ركناً أساسياً لا يتم إيمان المسلم دونه: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: ٥٨٢]، لقد عاش اليهود في كنف القدس تحت راية الإسلام، قبل الحروب الصليبية وقبل الاستعمار الحديث، مواطنين متمتعين بالحقوق التي يتمتع بها المسلمون في هذه المدينة، وكذلك عاش النصارى. وكان الاستعمار الخارجي - قديماً في الحروب الصليبية، وحديثاً في غزوة نابليون بونابرت لمصر وفلسطين - حريصاً على انتزاع صفة الجامعية عن مدينة القدس، وذلك بأن يهدم التعايش الذي قرره النبي صلى الله عليه وسلم في صحيفة المدينة، وحرص عليه المسلمون بعده؛ حتى يسهل له النفاذ لعمق البلاد الإسلامية، وليجد مبرراً لتدخُّله تحت زعم حماية الأقليات الدينية! فقد تحالف نابليون مع اليهود، عندما غزا مصر عام 1798م، ووقف في أبريل عام 1799م أمام أبواب مدينة عكا، وأصدر نداءه الشهير إلى اليهود، والذي جاء فيه: «إن العناية الإلهية التي أرسلتني على رأس هذا الجيش إلى هنا، قد جعلت رائدي العدل، وكلفتني بالظفر، وجعلت من القدس مقري العام، وهي التي ستجعله بعد قليل في دمشق، التي لا يضير جوارها بلد داود.. يا ورثة فلسطين الشرعيين.. انهضوا، وبرهنوا على أن القوة الساحقة التي كانت لأولئك الذين اضطهدوكم، لم تفعل شيئاً بسبيل تثبيط همة أبناء هؤلاء الأبطال الذين كانت محالفة إخوانهم تشرف إسبرطة وروما»[3]. ففي عهد الإسلام وأمانه، كانت القدس مدينة جامعة، توفر الأمان والكرامة والحقوق لكل أبنائها، بينما في عهد غيره أريد لها أن تكون مدينة مفرِّقة، لا يتساوى ساكنوها في الحقوق وفي صون الدماء والأعراض ودور العبادة، بل لا تعرف إلا لوناً واحداً من الدين والفكر؛ وليذهب من يخالفون ذلك إلى خارج المدينة، أو ليبقوا فيها عبيداً أذلاء! القدس.. المدينة الحارسة: كما أشرنا، فإن مدينة القدس لها مكانة راسخة متميزة في قلوب المسلمين، لما ميزها الله تعالى وحباها من نفحات، ومن ثم كان المسلمون- وما زالوا - يتنادون لمصابهم فيها. ولأن مدينة القدس كثيراً ما كانت مرمى لسهام الأعداء، وهدفاً لأطماعهم وحملاتهم العسكرية، قديماً وحديثاً؛ فإنها صارت رمزاً لهذا التدافع الحضاري؛ الذي يجري على أسنة الرماح وعلى حد السيوف وضربات المدافع! وأصبح المسلمون يتنادون ويتناصرون كلما أصاب القدس مصاب، وحلَّ بها بلاء، بأكثر مما يتنادون ويتناصرون لأي مصاب أو بلاء آخر. وبهذا التنادي والتناصر للقدس، صار يحصل للمسلمين من استجماع الطاقات، واستنفار الهمم، وتوحيد الصفوف.. ما لا يحصل لهم بغيره. فكأن القدس - ويا للمفارقة - تحولت إلى مدينة حارسة للمسلمين ولقيمهم، ولنخوتهم وفروسيتهم، واتحادهم، لا أن المسلمين هم من يحرسونها! ولذا، فنحن نرى بأعيننا أن المسلمين يتدافعون ويتناصرون لمصاب القدس، ولمصاب فلسطين عامة، بأكثر من أي مصاب آخر، فهي - بحق - قضيتهم المركزية، التي معها يتعالون على خلافاتهم وجراحاتهم وهمومهم، ولا توجد قضية أخرى يتوحد عليها المسلمون- من جاكرتا بإندونيسيا إلى طنجة بالمغرب - مثل قضية القدس وفلسطين. ولننظر مثلاً كيف تفاعل العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، ومعه الجاليات الإسلامية في أوربا وأمريكا، ومعهم أحرار العالم؛ تجاه غلق الكيان الصهيوني بوابات المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه ومحاولة فرض بوابات إلكترونية على مداخله، في شهر يوليو الماضي، حتى استطاع المرابطون في الأقصى أن ينتصروا على إرادة الاحتلال، وأن يستعيدوا الأقصى كما كان قبل الأزمة. كذلك، فلننظر كيف هب المسلمون في كل قارات العالم، لرفض قرار الرئيس الأمريكي، في 6 ديسمبر الماضي، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتبار المدينة المقدسة عاصمة الكيان الصهيوني، مؤكدين مكانة القدس في الوجدان العربي والإسلامي. ولو أننا نرى مثل هذا التفاعل الحار من العالم الإسلامي - على تنامي أطرافه - تجاه قضاياه الأخرى، وهي كثيرة؛ لما كان المسلمون في هذه الحالة من الضعف والاستكانة، ولما تجرأ عليهم غيرهم واستخف بحقوقهم. فالقدس حارسة للوعي والضمير الإسلامي، الذي يجب أن يكون منتبهاً دائماً إلى ضرورة وحدته، وإلى أهمية وقوفه صفاً واحداً لمواجهة الأخطار الخارجية، وإلى أن ما يجمع العرب والمسلمين أكثر مما يفرقهم، بل إن تجمعهم هو الوسيلة لقطع الطريق على ما يمكن أن يفرقهم ويمزق صفوفهم. نعم، إن القدس هي المدينة الحارسة للعقل المسلم، وهي الكفيلة بأن تضبط البوصلة على الاتجاه الصحيح والطريق المستقيم، بعيداً عن متاهات الطرق الجانبية. [1] الصواب أن الصلاة في المسجد الأقصى بمئتين وخمسين صلاة، لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: «تذاكرنا ونحن عند رسول الله أيهما أفضل؛ مسجد رسول الله أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله: صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مِثْل شَطَنِ فَرَسِهِ من الأرض حيث يَرى منه بيت المقدس خيراً له من الدنيا جميعاً». رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي والألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم (2902). [2] «مكانة بيت المقدس»، د. عبد الحليم عويس، ص27، 28، مركز الإعلام العربي، ط2، 2007م، باختصار. [3] «القدس الخالدة»، د. عبد الحميد زايد، ص270، تقديم د. عبد العظيم رمضان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 2000م. ________________________________________________ الكاتب: السنوسي محمد السنوسي
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() بذور الأمل تنبت حول القدس الحمدُ للَهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ: في القدس حيث تقف الأحجار بجانب إنسانِه تقذف مستعمريه، في القدس يكتب التاريخ حروفه بمداد من لحم ودم، في القدس شاهدٌ على أمَّة حيَّة لا تموت آمالها، لأن بذورها غرستها آيات من الرحمن تنبت كلَّ يوم. في القدس تمشي البشارات على قدمين، لا تُوهِن الآلامُ من عزم أبنائه بل تهون، وحين يُسأل عن تلك الجبال الشامخات مصدرِ ثباتِها، نقول: ذلك سرٌّ لا يعلمه إلا المستيقنون. لا هراوات المستوطنين، ولا هرولات المطبعين ولا نكوص الساقطين الراقصين على أشلاء شهدائها يقتل الحلم البريء فوق أفواه أطفالها. قرارات أممية، اتفاقات السلام، مؤتمرات أو تعهدات، صفقة القرن أيّاً كان الوصف أو المعنى أو الأهداف خفيُّها وجليُّها... وتبقى القدس أرض الأنبياء ومسرى نبيِّه عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، لا تسلم نفسها للطامعين. ثمة تجربة أجريت على عجماوات تُركت في إناء تصارع الموت دون أيِّ نجدة أو مُعين، فلم تلبث إلا 15 دقيقة واستسلمت للموت. وحين أعيدت التجربة مع مجموعة أخرى أضيفت لها جرعة من أمل بأن أُنقِذت في لحظتها الأخيرة، ثم أعديت مرة أخرى إلى إناء الموت فظلت تقاوم 60 ساعة؛ ذلك أن يد المنقذ أحيت في نفوسها الأمل فقاومت وقاومت حتى إذا يئست هلكت. هذه قصة تجربةِ عجماواتٍ مع بني الإنسان. فما بالنا ونحن نفخة من روح الرحمن الذي وعد عباده أنهم لَهُم المنصورون، وأن جنده لهم الغالبون. القدس لا نرى غدها اليوم حلماً بل يقيناً إنَّا عائدون. منقول
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() الشذوذ الجنسي .. أحدث انحرافات العصر كنت أسير منذ بضعة أشهر في اروقة "معرض بيروت الدولي للكتاب"، حين استوقفني أحد الأجنحة الفارغة من الكتب، فتوقفت أقرأ الإعلانات المعروضة في هذا الجناح، والتي تحمل عنوانا عريضا واحدا " انا مثلي"... بقيت هذه العبارة تتردد مرات ومرات في ذهني بشكل تلقائي ودون أن استوعب معانيها، فجأة مدّت الفتاة المسؤولة عن الجناح يدها لتعطيني وريقات تعريف بمحتويات الجناح، عندئذ انتفضت بسرعة وكأن حية لسعتني، وقلت للفتاة بشكل عفوي وغاضب "الموضوع لا يهمني على الاطلاق". فما كان من الفتاة إلا أن أخذت الورقة ووضعتها في مكانها بشكل لا مبالي وكأنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيه مثل هذا الموقف... بقيت هذه الحادثة عالقة في خاطري، إلى ان لفت انتباهي أحد الاعلانات لبرنامج" لا يمل" التلفازي المشهور، والذي يجسد في أحد لقطاته شخصيتي اثنين من مثليي الجنس، يتحاوران باسلوب ماجن، فاجر، ساقط، ينم عن المستوى الهابط لبعض البرامج التلفازية التي تدعي أنها تضحك الناس وترفه عنهم، بينما هي في الحقيقة تؤسس - بوعي أو بغير وعي- لقبول بعض التصرفات الشاذة التي لا يقبلها دين ولا شرع... خبر آخر استوقفني، وهو ذلك الذي نشرته صحيفة الوطن السعودية في عددها الصادر في 24_ 12_ 2008م.، ومفاده أن "قاضيا كويتياً وافق على تزويج فتاتين احداهما من جنسية عربية في سابقة تشهدها البلاد لأول مرة ". إن وجود الشذوذ الجنسي في المجتمعات العربية والإسلامية أمر ليس بالجديد ربما، وكتب التاريخ تتقل بعض القصص التي حدثت قديما، ولكن الجديد في الأمر هو اتجاه بعض الناس إلى الدفاع عن هذا الشذوذ، والترويج له، والدعوة إليه، والقبول به، كأمر طبيعي لا دخل للإنسان في إيجاده أو دفعه... ومما شجع على انتشار هذه الظاهرة أمور عدة: 1- الدعم الدولي للشاذين والشاذات، وهذا الدعم قد يكون معنوياً أو مادياً، ويأتي الدعم المعنوي عبر اضفاء الصبغة القانونية على هذا النوع من الشذوذ. ويتولى هذا الأمر المؤتمرات الدولية التي تشرع هذا العمل وعلى رأسها مؤتمر بكين 95 وتفرعاته الذي يدعم حرية الشذوذ بحجة حرية المرأة والمساواة في الجندر بمعنى إلغاء كل الفوارق بين الرجل والمرأة. كما يأتي أيضاً عن طريق المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية التي "شطبت الشذوذ الجنسي كمرض نفسي عقلي ليصير عملا سويا لا ضرر فيه". اما الدعم المادي فيأتي عن طريق التمويل المالي الذي تقدمه بعض المنظمات والجهات المانحة للجمعيات التي تمثل الشاذين، ومن بين هذه المنظمات: البنك الدولي الذي قدم" مساعدة مالية للمنظمة التركية الوحيدة التي يتجمع تحت لوائها الشاذون الأتراك وهي "كاووس ج.ل." في أكتوبر/تشرين الأول 2005 لتنظيم ورشات تتدارس مشاكلهم في تركيا ". ومن الجهات الداعمة الولايات المتحدة الأميركية التي ذكر موقع " حماسنا " على الشبكة العنكبوتية أنها تقدم دعماً ماديا كبيرا للشواذ في العالم العربي. وكذلك أعلن الموقع نفسه أن هناك علاقة بين اسرائيل وعدد من الجمعيات العربية، وأن مواقع الشذوز تدار من " تل أبيب". 2- انشاء الجمعيات التي تدعو إلى هذا الشذوذ وتنشره، وأولى هذه الجمعيات التي أنشئت في لبنان عام 2006 م. جمعية " حلم"، التي استحصلت على رخصة قانونية لها من الدولة اللبنانية، وهي تمارس نشاطها بشكل عادي، كما أنها تقوم بأنشطة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، وهي تسعى لخلق جماعات صديقة كما يقول مؤسسها ورئيسها " جورج قزي". أن هذه الجمعية ليست الوحيدة في هذا المجال في لبنان، فللأسف، هناك جمعية أخرى خاصة بالشاذات، ولديها مجلة الكترونية ومدونة خاصة تصدر عنها، وهي تهدف كما تقول عن نفسها إلى إلغاء " الوصم والتمييز اللاحق بالنساء بسبب ميولهن الجنسية ". 3- الدعم الإعلامي لهذا النوع من الشذوذ فإضافة إلى بعض البرامج الماجنة التي تتعرض لهذا الموضوع بشكل ساخر، تظهر بعض البرامج الحوارية -التي تعتبر نفسها جادة- وتستضيف الشاذين في برامجها وتحاورهم وتدافع عنهم وتستضيف الباحثين الذين يبررون هذه تصرفاتهم ويدعون إلى تقبلهم كفئة من المجتمع لها حقوق وعليها واجبات... هذا ويأتي الدعم الاعلامي للشذوذ ايضاً عن طريق بعض الأفلام السينمائية العربية التي تسعى إلى تجسيد هذه الظاهرة في سابقة خطيرة لم تكن معروفة، بل وكانت مستنكرة، وقد حاول أحد هذه الأفلام تقديم صورة الشاذ على أنه ضحية للمجتمع. إن خطورة الشذوذ الجنسي لا يكمن في وجوده بالدرجة الأولى، ولكن خطورته تكمن في محاولة نقل التجربة الغربية إلى المجتمعات العربية، والسعي لإسقاطها على مجتمعاتنا كما هي، والدعوة إلى شرعنتها من الناحية الفقهية والقانونية، متناسين نتائج انتشار هذه الظاهرة في الدول الغربية والآثار السلبية الخطيرة التي تركتها على المجتمعات هناك، ومن بينها التفكك الأسري، والانحرافات الأخلاقية، والأمراض الجديدة التي لم تعرف سابقا، وعلى رأسها مرض الإيدز الذي يقتل سنويا حوالي ربع مليون شخص وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية... من هنا فإن الواجب على المسلمين وغير المسلمين التكاتف والعمل يد واحدة من أجل محاربة هذا الشذوذ بشتى الوسائل الفردية والجماعية، ومن هذه الوسائل: السعي لسحب التراخيص عن مثل هذه الجمعيات ومحاربتها وكشف سوءاتها للمجتمع... ومنها أيضا استصدار القوانين والتشريعات التي تحرم هذه الظاهرة وتفرض العقوبة الشديدة والمغلظة عليها، خاصة في حال الجهر بها والمباهاة بها. يقول المفتي الجوزو في الشذوذ الجنسي انها جريمة " أشد خطرا من جريمة الزنا -على قبحها- لأن الشذوذ محرم عقلاً وطبعاً وشرعاً، وحرمته لا تزول أبداً، ولذلك فكل من يبيحه يعتبر مرتداً عن شريعة الله، واقعاً في حد من أخطر حدوده". ويؤكد المفتي الجوزو أن هذا الفعل ليس مرضاً، بل هو اختيار سلوكي، "ومن هنا فالتعاطف مع هؤلاء مرفوض مطلقا". و يؤكد هذا الكلام بعض علماء النفس الذين يقولون " إن المثلية الجنسية ليست مرضاً أو تشويهاً وإنما حالة يمكن علاجها في حال......... وُجدت الرغبة في المعالجة". أما في حال الإصرار على هذه الجريمة فإن الحكم الشرعي في هذا الفعل يتراوح بين تطبيق حد الزنا على فاعله والذي هو الرجم في حال الإحصان (الزواج) والجلد في حال عدم الإحصان عند البعض، وبين القتل للفاعل والمفعول به لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به). إن شدة العقوبة التي فرضها الإسلام على هذا الفعل لهو أكبر دليل على أن هذا الفعل هو مخالف للفطرة الإنسانية التي تحصر العلاقة الجنسية في إطار الزواج الشرعي الذي يتم بين المرأة والرجل، فمن أخل بهذه القاعدة يكون مخالفا للفطرة الإنسانية. ________________________________________________ الكاتب: د. نهى عدنان قاطرجي
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() فضائل بيت المقدس عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر عباد الله، اتقوا الله - تعالى - فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، معاشر المؤمنين، عباد الله، يزداد ألم المسلمين وأسفهم يومًا بعد يوم على الحال التي آلَ إليها المسجد الأقصى من تسلُّط اليهود المجرمين عليه، وانتهاكهم لحُرمته، واعتدائهم على قُدْسيته ومكانته، وارتكابهم فيه ومع أهله أنواعًا كثيرة من التعديات والإجرام، والمسجد الأقصى - عباد الله - مسجد عظيم مبارك، له مكانة عالية في نفوس المؤمنين، ومنزلة رفيعة في قلوبهم، فهو مسجد خُصَّ في الكتاب والسُّنة بميزات كثيرة، وخصائص عديدة وفضائل جمَّة، تدل على رفيع مكانته وعظيم قدره، فمن فضائله - عباد الله - أنه أحد المساجد الثلاثة المفضلة التي لا يجوز شد الرحال بنية التعبُّد إلا إليها؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومسجد الأقصى»؛ (متفق عليه). ومن فضائله أنه ثان مسجد وُضع في الأرض؛ فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله أيُّ مسجد وُضع في الأرض أول، قال: «المسجد الحرام»، قلتُ ثم أي، قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما، قال: «أربعون سنة»، ثم أينما أدركتْكَ الصلاة بعدُ فصلهْ؛ فإن الفضل فيه))؛ (متفق عليه). ومن فضائله - عباد الله - أنه قِبلة المصلين الأُولى قبل نسخ القبلة وتحويلها إلى الكعبة؛ فعن البراء - رضي الله عنه - قال: "صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، ثم صرفه نحو القِبلة"؛ (متفق عليه). ومن فضائله أنه مسجد في أرض مباركة؛ قال الله - تعالى -: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1]، وقد قيل لو لم تكن لهذا المسجد إلا هذه الفضيلة، لكانت كافية. وأرضه - عباد الله - هي أرض المحشر والمنشر؛ فعن ميمونة مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قلت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، قال: «أرضُ المحشر والمنشر»؛ (رواه ابن ماجه). ومن فضائله أنه مَسْرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنه عُرج به إلى السماء؛ فعن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُتيت بالبراق وهو دآبة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغلة، يضع حافره عند منتهى طَرْفه، فركبتُ؛ حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت فصليتُ فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل - عليه السلام - بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل: اخترت الفِطرة، ثم عُرِج بنا إلى السماء»؛ (رواه مسلم). ومن فضائله - عباد الله - أن الصلاة فيه تُضاعَف؛ فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل؛ أمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم بيت المقدس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلَّى هو، وليوشكنَّ أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس، خير له من الدنيا جميعًا»، قال أو قال: «خير له من الدنيا وما فيها»؛ (رواه الحاكم، وهو حديث صحيح). وهذا - عباد الله - عَلَمٌ من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - حيث بيَّن ما سيؤول إليه المسجد الأقصى، مع تعلُّق قلوب المسلمين به، وأن مؤامرات الأعداء على المسجد الأقصى ستزداد، حتى إنّ المؤمن ليتمنَّى أن يكون له موضع صغير يُطِل منه على المسجد الأقصى، ويكون ذلك أحبَّ إليه من الدنيا وما فيها. ومن فضائله - عباد الله - ما ورد في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لما فرغ سليمان بن داود - عليهما السلام - من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثًا؛ حُكمًا يصادف حكمه، ومُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي أحدٌ لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمه»، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أما اثنتان فقد أُعطيهما، وأرجو أن يكون أُعطي الثالثة»؛ (رواه النسائي، وابن ماجه). عباد الله: يجب علينا أن ندرك أن عدوان اليهود على المسجد الأقصى، وعلى أرض فلسطين، وعلى المسلمين في فلسطين، ليس مجرد نزاع على أرض، وأن ندرك أن قضية فلسطين قضيةٌ إسلامية، يجب أن يُؤرِّق أمرُها بال كل مسلم، ففلسطين بلد الأنبياء، وفيها ثالث المساجد الثلاثة المعظمة، وهي مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيها قِبلة المسلمين الأُولى، وليس لأحد فيها حقٌّ إلا الإسلام وأهله؛ {الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف : 128]، ويجب علينا - عباد الله - أن ندرك أن تغلب هذه الشرذمة المرذولة، والفئة المخذولة وتسلُّطهم على المسلمين، إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي، وإعراض كثير من المسلمين عن دينهم الذي هو سبب عِزهم وفلاحهم ورِفْعتهم في الدنيا والآخرة؛ قال الله - تعالى -: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، فلا بد - عباد الله - من عودة صادقة وأوْبَة حميدة إلى الله - جلّ وعلا - فيها تصحيح للإيمان وصلة بالرحمن، وحِفاظ على الطاعة والإحسان، وبُعد وحذر من الفسوق والعصيان؛ لينال المؤمنون بذلك العزّ والتمكين، والنصر والتأييد، وعليكم - عباد الله - بالصدق مع الله - تبارك وتعالى - في الدعاء؛ فإن المؤمن في كل أحواله وجميع شؤونه؛ في شدته ورخائه، وسرائه وضرَّائه لا مفزع له إلا الله، ولا ملجأ له إلا إلى ربِّه وسيده ومولاه، يتوجه إليه بالدعاء والأمل والرجاء. فيا إلهنا، يا إلهنا، إليك المشتكى وأنت حسيبنا، يا من يجيب المضطر إذا دعاه، ويجبر الكسير إذا ناداه، ويفرِّج هَمَّ المهموم إذا ذلَّ له ورجاه، إلهنا وسيدنا ومولانا إن اليهود تسلُّطوا على أرض فلسطين، وعلى المسجد الأقصى العظيم، وعلى إخواننا المسلمين في فلسطين قتلاً وتشريدًا، وعلى مسجدنا الأقصى وبيوتهم هدمًا وتخريبًا، وعلى حرمته وحرماتهم هتكًا وإفسادًا، فكم من بيوت هُدِّمت، وكم من أعراض هتكت، وكم من نساء رُمِّلَتْ، وكم من دماء أريقتْ، وكم من أطفال يُتِّموا، لقد تفاقم من اليهود الطغيان، وتزايد السطو والإجرام، وعظم الجبروت والعدوان، إلهنا يا من النصر من عنده يُستمنح، يا من أبوابه وخزائنه لمن دعاه تُفتح، يا مزلزل عروش الظالمين، يا قاصم ظهور الجبارين، يا مُبطل كيد المجرمين. لقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامةَ ولا صفر»، وهذا حديث جاء في جملة أحاديث عظيمة أتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُبطلة خرافات أهل الجاهلية وضلالتهم التي عاشوا عليها، فجاء الإسلام بتوجيهاته العظيمة ودلالاته الكريمة مبطلاً ما كان عليه أهل الجاهلية من ضلالات عمياء، وخرافات وجهالات كثيرة، ومن ذلكم - عباد الله - ما كان يعتقده أهل الجاهلية في شهر صفر أنه شهر مشؤوم، فيعطلون فيه أنواعًا من أعمالهم، وأنواعًا من مصالحهم وتجارتهم؛ لاعتقادهم أنه شهر فيه شُؤْم، وهي خرافة مَضى عليها أهل الجاهلية، فجاء الإسلام بإبطالها وهدمها ونسْفِها، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا صفر»؛ أي: لا وجود لهذه الخرافة، ولا مكانة لها؛ فإنها أمور تسكن في عقول أهل الخرافة، أما أهل الإسلام، فقد أنقذهم الله - تبارك وتعالى - بالإسلام من خرافات أهل الجاهلية وضلالتها، ولهذا - عباد الله - فمن اعتقد أو ظنَّ في شهر صفر أو في يوم من الأيام، كيوم الأربعاء، أو يوم من الأيام كاليوم الثالث عشر أو نحو ذلك، فهو امرؤ فيه جاهلية انطلت عليه خرافات أهل الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها، والواجب على المسلمين - عباد الله - أن يكونوا في كل الأيام والشهور، والأزمنة والدّهور متوكِّلين على الله، معتمدين عليه ساعين في مصالحهم على الوجه الذي يحب الله ويرضاه، بعيدين كل البعد عن خرافات أهل الجاهلية وضلالتهم. اللهم وفقنا لهداك وجنبنا سخطك يا ذا الجلال والإكرام، واجعلنا من المتوكلين عليك حقًّا، المؤمنين بك صدقًا يا ذا الجلال والإكرام.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() خطورة الرافضة على الإسلام وأهله محمود الدوسري إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد: لم تكتف الرافضةُ بهجرهم للسُّنة، وإنكارهم لها، بل أضافوا إضافةً مُنكَرةً جعلت إجرامَهم مُضاعفاً؛ إذْ لم يكتفوا بإنكار الحديث ورفضِه، وإنما لجؤوا إلى وضع ما أسْمَوه أحاديثَ ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبحوا بهذه الفِعلة النكراء من ألد أعداء السُّنة كيداً ومكراً، واختلاقاً للكذب والبهتان على السنة النبوية، والأئمة من آل البيت رضي الله عنهم. وعلى هذا، فإنَّ أهم مظاهر هجر الرافضة للسُّنة يتمثَّل في: أولاً: ردِّهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: وضعِهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبهم عليه. أسباب نشوء التَّشيع: نشأ التشيع - في ظاهر الأمر - على الاعتقاد بأنَّ علياً رضي الله عنه وذريته هم أحقُّ الناس بالخلافة، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ علياً أحقُّ بها من سائر الصحابة بوصية من النبي صلى الله عليه وسلم، كما زعموا في رواياتهم التي اخترعوها، وملؤوا بها كتبهم قديماً وحديثاً. والحق أن التشيُّع أشد خطراً على الإسلام، إذ استتر به أعداء الإسلام؛ لهدمه، ولقد كان التشيُّع مأوًى يلجأ إليه كلُّ مَنْ أراد هدم الإسلام لعداوةٍ أو حقد، ومَنْ كان يريد إدخال تعاليم آبائه؛ من يهودية ونصرانية وزردشتية وهندية، كلُّ هؤلاء كانوا يتَّخِذون حُبَّ آل البيت ستاراً يضعون وراءه كلَّ ما شاءت أهواؤهم[1]. وها هو اليهودي عبد الله بن سبأ الذي أظهر الإسلام نفاقاً، وتظاهر بحبِّ عليٍّ رضي الله عنه وغلا فيه، حتى زعم أنَّ الله تعالى قد حلَّ فيه، وعمل في السرِّ؛ لبثِّ سموم دعوته في عوام الناس، وقد حاول عليٌّ رضي الله عنه القضاء على هذه الفتنة، فأحرق كثيراً منهم، ولكن الأمر استفحل والفتنة تأصَّلت جذورها، وأخذت الأفكار المسمومة موقعها في قلوب الكثير من الناس، وترسَّخت فكرة عدم قبول الأحاديث المروية من غير أشياع عليٍّ رضي الله عنه[2]. وتستَّر بعض الفرس بالتشيُّع، وحاربوا الدولة الأموية، والعباسية، وقاموا بثورات عديدة، سجَّلها علماء الفرق والتاريخ، وما في نفوسهم إلاَّ الكُره للعرب ودولتهم، والسعي لاستقلالهم وهيمنتهم، وتاريخ الشيعة في القديم والحديث شاهد صدق على أنَّ الحركات المارقة والهدامة إنَّما خرجت من تحت عباءتهم بعد أن رضعت لَبَنَهم وهُدْهِدَتْ بين ذراعيهم[3]. يقول السيوطي رحمه الله: (وأصل هذا الرأي الفاسد: أنَّ الزنادقة، وطائفةً من غلاة الرافضة، ذهبوا إلى إنكارِ الاحتجاج بالسُّنة، والاقتصارِ على القرآن، وهم في ذلك مختلفو المقاصد. فمنهم: مَنْ كان يعتقد أنَّ النبوة لعليٍّ رضي الله عنه، وأنَّ جبريلَ عليه السلام أخطأ في نزوله إلى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، تعالى اللهُ عمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيراً. ومنهم: مَنْ أقرَّ للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة، ولكن قال: إنَّ الخلافة كانت حقًّا لعليٍّ، فلمَّا عدل بها الصحابةُ عنه إلى أبي بكرٍ رضي الله عنهم أجمعين؛ قال: هؤلاء المخذولون - لعنهم الله - كَفَروا حيث جاروا، وعدلوا بالحقِّ عن مستحِقِّه، وكفَّروا - لعنهم الله – عليًّا رضي الله عنه أيضا؛ لعدم طلبه حقَّه. فبَنَوا على ذلك ردَّ الأحاديث كلها؛ لأنها عندهم - بزعمهم - من رواية قومٍ كُفَّار، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. وهذه آراءٌ ما كنتُ أستحِلُّ حكايتَها، لولا ما دعت إليه الضَّرورةُ؛ من بيان أصل هذا المذهب الفاسد، الذي كان الناسُ في راحة ٍمنه من أعصار. وقد كان أهلُ هذا الرأي موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة فمَنْ بعدهم، وتصدَّى الأئمةُ الأربعة وأصحابُهم في دروسِهم، ومُناظراتِهم، وتصانيفِهم، للرد عليهم)[4]. خطورة الرافضة على الإسلام وأهله: خطورة الرافضة على الإسلام وأهله (أهلِ السنة) نابع من عدة أمور[5]: 1- أصل بدعة الرافضة كان عن زندقةٍ وإلحاد، بخلاف الخوارج – مثلاً – الذين كانت بدعتهم عن جهل وضلال؛ كما قال ابن تيمية رحمه الله: (الذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقاً مُلحداً عدواً لدين الإسلام وأهله، ولم يكن من أهل البدع المُتأوِّلين؛ كالخوارج والقدرية)[6]. 2- استعمالهم للتقية المرادفة للكذب، وتظاهرهم بنصرة آل البيت، وانخدع بهم كثير من عوام المسلمين، بل بعض خواصهم. 3- بُغضُهم وتكفيرُهم ولَعنُهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ نفراً يسيراً، وبُغضهم وتكفيرهم لأهل السنة وتربية أتباعهم على هذا البغض. 4- التشيع كان مأوًى يلجأ إليه كلُّ مَن أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ولقد أصبح الرافضة الخندق الذي يتسلَّل منه الباطنية والملاحدة؛ لتحريف الإسلام؛ كما قال ابن تيمية رحمه الله: (أصلُ الرَّفضِ إنما أحدثه زنديقٌ غَرَضُه إبطالُ دينِ الإسلام، والقدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قد ذكر ذلك العلماء، وكان عبدُ الله بن سبأ شيخُ الرافضة لَمَّا أظهر الإسلام أراد أنْ يُفسد الإسلام بمكره وخُبثه؛ كما فعل بولص بدين النصارى، فأظهر النُّسك، ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى سعى في فتنة عثمان وقتله... ولهذا كانت الزنادقة الذين قصدُهم إفساد الإسلام يأمرون بإظهار التشيع، والدخول إلى مقاصدهم من باب الشيعة)[7]. 5- تاريخ الشيعة – في القديم والحديث – شاهد صدق على أنَّ الحركات المارقة والهدَّامة إنما خرجت من تحت عباءتهم بعد أنْ رضعت لبنَهم وهُدهدت بين ذراعيهم. 6- الرافضة في هذا الزمن صار لهم دول يحتمون بها، ويحكمون تحت ظلها. 7- كثرة دعاة الرافضة وانتشارهم في أقطار الأرض ومحاولة جذب المسلمين إلى مذهبهم الفاسد. 8- انخداع بعض المسلمين بالرافضة وظهور مَنْ يدعو إلى التقريب بين أهل السنة والرافضة، ووجود معاهد في بعض بلاد أهل السنة لهذا الغرض، بل وُجِدَ مَنْ يزعم أنه لا فرق بين أهل السنة والرافضة في شيء من أمور الاعتقاد، بل ذلك كالخلاف بين المذاهب الأربعة! ولعل الخطر الأكبر على الإسلام وأهله من وراء الرافضة قديماً وحديثاً هو ردُّهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاربتهم لها، ونشر البدع المختلفة في كافة أقطار الأرض حتى إنه في كثير من البلدان التي هي خالصة لأهل السُّنة وُجِدَ من بدعهم الكثير؛ ومنها: زيارة القبور والتبرُّك بها والتَّوسل بصاحبها والإهداء إليها، وإقامة الموالد لأصحابها وغير ذلك من مظاهر غير خافية، فكم أماتوا من سُنَّة وأحيوا من بدعة، وهذا من هجر السُّنة النبوية. وكذا وضعُهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإدخال ما ليس في الدين إلى الدين؛ فلبَّسوا على كثير من الناس دينهم وانحرفوا بهم عن طريق الحق والهدى والنور إلى طرق الضلال والظلمات والغواية. ابن تيمية رحمه الله يتصدَّى للرافضة: تكفَّل الله تعالى بحفظ هذا الدين، فكلما افترى المفترون هيأ الله مَنْ يقمعهم ويُبيِّن للمسلمين بطلان قولهم، ومن هؤلاء العلماء الذين جاهدوا في هذا الميدان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فهو من العظماء الأفذاذ الذين تصدَّوا للرافضة وأفشلوا مخططاتهم وحذَّروا المسلمين من شرهم، ولا يوجد كتاب يردُّ على الرافضة، ويفضحهم، ويبيِّن قُبحَ مذهبهم مِثلَ كتابه: "منهاج السنة النبوية"، فهو يناقش الخصوم، ويدحض حججهم، ويرد على شبهاتهم، بمنهج علمي جامعاً بين العقل والنقل، وإيراد البراهين الواضحة المنضبطة بالعدل والإنصاف، وليس بالظلم والتعسف. وزماننا هذا يُشبه زمان ابن تيمية رحمه الله، من ناحية ظهور الرافضة ووجود دول تحميهم، وضعف كثير من أهل السنة أو تخاذلهم، لذا فإنَّ ما صلح أن يكون ردًّا على الروافض في ذلك الوقت فهو صالح أن يكون ردًّا عليهم في هذا الوقت[8]. [1] انظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، د. غالب عواجي (1/ 128). [2] انظر: مكانة السنة في التشريع الإسلامي، (ص 235). [3] انظر: فجر الإسلام، د. أحمد أمين، (ص 276)؛ السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، (ص 88). [4] مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، (ص 6-7). [5] انظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الرافضة، د. عبد الله بن إبراهيم عبد الله (1/ 5)؛ السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، (1/ 87). [6] منهاج السنة النبوية، (4/ 203). [7] منهاج السنة النبوية، (8/ 339، 340). [8] انظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الرافضة، (1/ 5).
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() الأندلس والقدس.. هل يعيد التاريخ نفسه؟ مقدمة: تستأثر الأندلس والقدس بمكانة خاصة ومتميزة في الوجدان والعاطفة الإسلامية تحديداً. ولأنهما كذلك، فقد طُرحت (تراجيديا) الأندلس و (دراما) القدس في ملفات وأعداد خاصة ضمن المجلات والدوريات العربية بمختلف تلاوينها واهتماماتها. وإذا كانت عادة الطرح تسير في منطق الانفصال و (الأحادية)، أي دراسة كل مادة بمعزل عن الأخرى؛ فهل حدث إذن أن تساءلنا حيناً عن مدى إمكانية تعالق القضيتين فعلاً؛ فبين الأندلس والقدس تقاطعات على أكثر من صعيد (الموقع الجغرافي المغري، والحضور المتميز في الذاكرة العربية، ثم - هو الأهم - الوضع المهترئ المهزوز الذي عاشته الأندلس، وعيش القدس اليوم على الأمل). لقد كتب كثير من الكتاب - وما يزالون - حول القدس، في محاولة جادة ومستميتة لاستثارة الانتباه واستنهاض الهمم حيال الأخطار (الشاذة) التي تتهدد - يوماً بعد يوم - القدس راسمة حاضراً مؤلماً ومستقبلاً قاتماً. وإذ نحن نساهم بمقالتنا هذه، فقد رُمْنا الانزياح بها عن القراءة (التقليدية) لإشكالية القدس، وكذا تكسير نمطية العرض (المفصول) لها كما ذكرنا، وذلك وَفْقَ منهج تركيبي يجمع خلاصة التجربتين الأندلسية والمقدسية في إطار مقاربةٍ ومقارنةٍ، دون الغوص في الأحداث والتفاصيل التاريخية التي تعج بها كتب التاريخ. قد يسائلنا بعض القرَّاء: لِمَ قسوة العنوان، ألا يحمل معاني التشاؤمية والانهزامية؟ نجيب بالنفي، ونقول: إن العنوان لا يعدو تعبيراً صريحاً عن الواقع والمآل (المنتظر) ما لم يتنبه عالمنا العربي لحتمية الفعل والتصرف قبل فوات الأوان، فالخوف أحياناً يدفعنا لإحقاق المستحيل. وقد يتساءل آخر مستفهماً: أية علاقة لحدث تاريخي (ماضوي) لما يجري في القدس؟ أَوَلَيْسَ هذا زمن حقوق الإنسان، والشرعية الدولية؟ لكن سرعان ما يتبدد شبح السؤال والغموض، ويتجلى وضوح المقاربة التي نحن بصددها، حينما نطرح السؤال التالي: كيف انتهت الأندلس، هل سقطت دفعة واحدة؟ وكيف قوبلت استغاثات ونداءات الأندلسيين من لدن العالم الإسلامي آنذاك؟ وماذا لو عكسنا المعادلة بتحييدنا الأندلس وإحلال القدس مع تغيير طفيف في بنية الأسئلة؟ الأندلس بين الانقسام الداخلي والتهديد الخارجي: بعد اندثار الدولة الأموية عاشت الأندلس على إيقاع ملوك الطوائف بدايةَ نهايتها. فلم نعد نتحدث عن الأندلس كتلة واحدة متماسكةً ومتجانسةَ الأهداف والمصالح؛ بل حل ما يمكن تسميته بـ (بالمدن الدول - polis) المستقلة والمتنابذة فيما بينها، فقد أصبحت التجزئة أمراً واقعاً ميَّز مرحلة ملوك الطوائف. هذا في الوقت الذي عقدت فيه الـمَلَكية الكاثوليكيـة العـزم على ضم الإمارات الأندلسية تباعاً وسحقها، من خلال تسريع زمن (حروب الاسترداد) وتشديد الحصار على حكامها. وإذا كانت الضرورة التاريخية تحتِّم على ملوك الطوائف الاتحاد والتكتل لصد العدو (الكافر) المشترك، فإن الأنانية واستحكام الأطماع الشخصية والعداوة المضمرة فيما بينهم، حملتهم على التحالف مع ذاك العدو، والتنازل له عن قلاع وحصون مع الالتزام بدفع (الجزية)، بل تمادت زوجات وأبناء بعضهم إلى الارتماء في أحضان ملوك قشتالة والتسمي بأسماء صليبية[1]. من ناحية أخرى، لم تكن العمليات الجهادية المغربية (المرابطية والموحدية ثم المرينية) بقادرة على كبت المد الإيبيري على الديار الأندلسية، نظراً لطابعها الدفاعي والظرفي، على أنها سمحت للأندلس بالاستمرار لبرهة من الزمن، إلى أن دبَّ الوهن في الكيان المغربي على العهد المريني والوطاسي، فتداعت على إثره الدويلات الأندلسية، في حين دخلت غرناطة في حالة احتضارٍ سلامتُها معقودة ومتوقفة على المساعدة والاستغاثة بالعالم الإسلامي التي لم تأتِيها ولم تلبَّ أبداً، فكان الاستسلام والإفراغ أمراً حتمياً. هذه النهاية المأساوية التي آلت إليها غرناطة، ونجاح (حرب الاسترداد) في تحقيق أهدافها (الإستراتيجية)، تتحمل فيها الذات جانباً من المسؤولية. فقد كان لتدخُّل النساء في السياسة دور رئيسي في جملةٍ من الأحداث الخطيرة التي عصفت بغرناطة. حيث قاد التنافس والصراع بين (عائشة الحرة) و (ثريا)، إلى انشطار المجتمع إلى معسكرين متضادين: طرف يناصر (عائشة)، وحزب آخر يصطف إلى جانب (ثريا). لكن (عائشة الحرة) نجحت في التغلب على خصمها، وتمكنت من تنصيب ابنها (أبو عبد الله الصغير) ملكاً على غرناطة. وعندما خرج (أبو عبد الله الصغير) من الأسر، ألفى عمه (الزغل) متولياً كرسي الملك، فشن عليه حرباً بتأييد من النصارى، أجبرت الغرناطيين مرة أخرى على إعلان مواقفهم من الأطراف المتصارعة، فعاد الانقسام مجدداً ليفتت وحدة وتماسك المجتمع، وهو ما تسبب في إنهاك قوة غرناطة واستنزاف قوتها. وبالفعل، فقد استغل التحالف الكاثوليكي هذا الحال، وزحف على العديد من القلاع والحصون، وضرب حصاراً على غرناطة، لم يجد معه (أبو عبد الله الصغير) بُدّاً من الاستسلام وتسليم مفاتيح المدينة للكاثوليك. الأندلسيون وموجة التنصير والمعاناة: على الرغم من معاهدة الاستسلام التي بموجبها سلَّم أبو عبد الله الصغير مفاتيح غرناطة عام 1492م، وهي آخر معقل إسلامي بجزيرة إيبيريا، والتي تضمنت جملة من البنود القاضية بتمتيع المسلمين بحقوقهم الكاملة كما في عهد الحكم الإسلامي بها، بَيْد أنه ما كاد يمر وقت قصير حتى أخلَّت إسبانيا بتعهداتها المذكورة، وانطلقت حملات التنصير والإدماج القسريين في الدين والثقافة الإسبانية الكاثوليكية. في هذا السياق تأتي محاكم التفتيش لملاحقة المسلمين وفصلهم عن عقيدتهم وثقافتهم الإسلامية، منتهجةً في ذلك سبيل الإكراه والقهر والاضطهاد وحظر اللغة العربية. يروي لنا المؤرخ المجهول تلك المعاناة بقوله: «... ثم بعد ذلك دعاهم إلى التنصر وأكرههم عليه... فدخلوا في دينه كرهاً وصارت الأندلس كلها نصرانية ولم يبقَ من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله جهراً... وجعلت النواقيسَ في صوامعها بعد الآذان وفي مساجدها الصور والصلبان... فكم فيها من عين باكية وكم فيها من قلب حزين وكم فيها من الضعفاء والمعدومين... قلوبهم تشتعل ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً مدراراً، وينظرون أولادَهم وبناتِهم يعبدون الصلبان ويسجدون للأوثان، ويأكلون الخنزير ويشربون الخمر... فيا لها من فاجعة ما أمرَّها، ومصيبة ما أعظمها وأضرها، وطامة ما أكبرها»[2]. القدس ودراما التهويد الممنهج: في أفق تنزيل الرواية التاريخية المزعومة، وضعت السلطات الإسرائيلية خطة تهويد واسعة للقدس، يمكننا إجمالها في ثلاثة مشاريع كبرى: الأولى: مشاريع ذات بُعْد عمراني تعميري: ينطلق هذا المشروع بمصادرة منازل وأراضي الساكنة المقدسية، وتهديم المنازل بدعوى عدم وجود رُخَص للبناء، وهي رخصٌ تعلم إسرائيل - قبلاً - أنها يصعب بل يستحيل تحصيلها؛ نظراً لطبيعة المسطرة الإسرائيلية الصعبة والمعقدة في هذا الشأن[3]. وهو ما يدفع بالمقدسيين - بشكل طبيعي - إلى هجرة داخلية أو خارجية، فيصبح المجال فسيحاً للسلطة الإسرائيلية لتشييد المزيد من المستوطنات وتمددها المخيف على حساب الأحياء القديمة. الثانية: مشاريع ذات بُعد ديموغرافي: سعياً من دولة الصهاينة لتطـويق القدس، أقامت جداراً يعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، ويمزق العلاقات العائلية والاجتماعية لساكنة القدس. إن تحقيق غلبة ديموغرافية يهودية بالقدس، حمل السلطات الإسرائيلية على تشجيع حركة الهجرة لليهود نحو السكن في القدس، وذلك بتخصيص امتيازات وتسهيلات مغرية لهم، إلى جانب نقل الثقل الاقتصادي إلى القدس الغربية، وزيادة الضغط الضريبي على المتاجر والمصانع في الشطر الشرقي للقدس. ناهيك عن خطة التهجير (اللطيفة) للمقدسيين التي أعدتها إسرائيل بناء على فقراتٍ وموادَّ قانونية، تُسْتغَل بشكل ذكي لسحب بطاقة الإقامة أو منحها[4]، وذلك في إطار شرعنة ممارساتها (انتهاكاتها) وتغليفها بغلاف قانوني. الثالثة: مشاريع ذات بعد حضاري: لم تسلم مقدسات المسلمين ومعالمهم الحضارية بالقدس من عملية التهويد الممنهج؛ فالمصادرة والمحو والاعتداء والتدنيس ينال كل أثر أو مؤشر دال على الهوية والثقافة الإسلامية[5]، التي ترنو إسرائيل إلى طمسها وإتلافها أملاً لفصل الذات عن مقوماتها الهوياتية. في مقابل ذلك، تجري أبحاث وحفريات صهيونية تجتهد في العثور على بقايا وآثار تسند الادعاءات والمزاعم التاريخية الإسرائيلية. كما يتم في الاتجاه ذاته، استبدال أسماء الأماكن والأحياء والشوارع بأخرى عبرية. ضياع الأندلس وتداعي القدس نحو بناء الصورة: لعل نظرة سريعة على حاضر القدس وواقعها وموقف عالمنا العربي من القضية، كافية لإعادة تحيين واسترجاع حلقات ضياع الأندلس، ومساءلة الذات العربية عن حقيقة إدراكنا لسيناريو الضياع وقراءتنا المتفحصة والواعية لفصوله، التي تكاد تتماهى مع المشهد المأساوي الذي ينذر بفقدان فردوس آخر أَلَا وهو (فردوس القدس). طبعاً في الحالتين كلتيهما (الأندلس والقدس) يصنَّف العدو على درجة عالية من القوة والحزم والإصرار و (الشوفينية)، والاختلاف كامن هنا في الفرق بين الطرف الأندلسي - ونقصد هنا النخبة السياسية الحاكمة وليس الشعب - المتخاذل والخَنُوع والمستسلم لرغبات وأطماع الأجنبي، وبين الجانب المقدسي المدافع باستماتة وبسالة وإيمان وطني يندر قرينه عن قضية أرض وهوية، في ظل عدم تكافؤٍ صارخٍ في موازين القوى. من المعلوم أن القضية الفلسطينية تعرضت لنكبات ونكسات، ثم لحملات تطهير وتنكيل وتدمير منذ (الوعد المشؤوم) عام 1917م؛ الذي (شرعن) الطموحات والحلم الصهيوني في إنشاء وطن قومي لليهود بالديار الفلسطينية. وإذا كان هذا الحلم قد صار واقعاً، فإن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وتطبيع العرب مع إسرائيل، يعدُّ تحولاً وتطوراً خطيراً يهدد مستقبل الوجود الإسلامي بالمدينة المقدسة، التي لطالما شكلت على مدار التاريخ الإسلامي رمزاً دينياً حافلاً بالمعاني والدلالات الراسخة في ذاكرة المسلمين كافة. إن تذكيرنا بضياع الأندلس، ومحاولتنا الدمج بين هذه التجربة الثابتة في المخيال الإسلامي، ونظيرتها المقدسية الراهنة المتهاوية، في هذه الورقة، تعد خطوة طريفة نحاول من خلالها تذكير ضمير العالم الإسلامي بحساسية اللحظة التي تشهدها القدس، والتحذير من مغبة التهوين من المسألة، حتى لا نكرر تجربةً أمرَّ فنضيع القدس، ثم نتباكى بعدها على فردوس ندعوه هو الآخر «الفردوس المفقود»! في الختام: عموماً يمكن القول: إن مسلسل (ضياع القدس) قد عُرضت أكثرُ من نصف حلقاته الدراماتيكية وشاهدناها على شاشاتنا العربية، كما سبق أن أخبرنا التاريخ عن تلاحق سقوط الإمارات الأندلسية متتالية. فليس في الأمر إذن، سوى اختلاف في الجغرافيا والأدوار والأزمنة مع الاحتفاظ بالسيناريو ذاته؛ فمن جهة الأندلس هناك القدس، ومن جهة الكاثوليكية ثمة الصهيونية. وهكذا نستمر في مشاهدة ومتابعة المسلسل منتظرين الحلقة الأخيرة منه، لنختار له اسماً جميلاً على شاكلة «الفردوس المفقود»! [1] الدعيج (أحمد)، أركستهم الذنوب، مجلة المعرفة، العدد 68، فبراير 2001م، ص30. [2] رزوق (محمد)، الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16 - 17، كلية الآداب والعلوم الإنسانية - الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، الطبعة الثالثة، 1998م، ص 56 - 57. [3] صالح (محسن)، معاناة القدس والمقدسات تحت الاحتلال الإسرائيلي، سلسلة أولست إنساناً 7، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت، ص 97. [4] ينظر المرجع نفسه. [5] لمزيد من التفاصيل والصور والشواهد حول الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في حق الحضارة الإسلامية والإنسانية عموماً، يراجع المرجع نفسه باعتباره يركز على هذا البعد. _________________________________________________ الكاتب: د. محمد جباري
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() مسجدنا الأقصى نجلاء جبروني مَسْرى نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ومِنه مِعْراجُه إلى السماء. أولى القبلتين وثاني المسجدين. عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّلُ؟ قال: المسجدُ الحرامُ. قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: المسجدُ الأقصى. قلتُ: كم بينهما؟ قال أربعون سنةً[1]. إنه ميراثُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ بَنَاهُ آدمُ عليه السلام وعمَّرَه إبراهيمُ عليه السلام ثم إسحاق ويعقوب عليهما السلام من بعده وجدَّد بِناءَه وهيَّئَهُ للعبادة سليمانُ عليه السلام، وعاش في أكنافه داود وزكريَّا ويحي وعيسى عليهم السلام. والمسلمون هم ورثة جميعِ الأنبياء، يستوي في ذلك أنبياء بني إسرائيل وغيرهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ»[2]. وقال-صلى الله عليه وسلم-: «أنا أولى الناس بعيسى بنِ مريمَ في الدنيا والآخرة، والأنبياء أخوة لعَلَّاتٍ. أمهاتُهم شتى، ودينُهم واحدٌ»[3]. والمعنى: أن دينَهم واحدٌ وشرائعَهم مختلفة، كما ينتسب الأخوةُ من أمهاتٍ مُختلفاتٍ لأبٍ واحدٍ. فجميعُ الأنبياءِ والرسلِ دينُهم الإسلام؛ دينُ الله -عز وجل-؛ توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]. فنوحٌ-عليه السلام-يقول لقومه: ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 72]. وإبراهيم وإسماعيل –عليهما السلام-يقولان في دعائهما: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ﴾ [البقرة: 128]. ويعقوب -عليه السلام- يوصِي أبناءَه قائلاً: ﴿ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132]. وأبناء يعقوب -عليه السلام- يجيبون أباهم: ﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]. ويوسف – عليه السلام - يقول: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]. وموسى– عليه السلام - يقول لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84]. والحواريون يقولون لعيسى–عليه السلام-: ﴿ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52]. وسليمان – عليه السلام - يقول في رسالته لسبأ: ﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِين ﴾ [النمل: 30]. فالدين عند الله هو الإسلام؛ وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. والله – عز وجل - قد بعث محمدًا – صلى الله عليه وسلم - بأتمِّ الإسلام وأكملِه، بعثَه بالتوحيدِ وبالبراءةِ من الشرك، وبشريعةٍ كاملةٍ صالحةٍ لكلِّ زمانٍ ومكان، شاملةٍ لكل شئون الحياة، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المادة: 3]. وقد جمع الله ببيت المقدس جميعَ الأنبياءِ والرسل مِن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وصلى بهم نبيُّنا إمامًا ليَعْلَمَ الناسُ أنَّه المقدَّم والإمام المعظم، وأنه الوريث وأمَّته من بعده لهؤلاء الأنبياء. إن الوراثةَ الحقيقية لجميعِ الأنبياءِ والرسلِ مبْنِيَّةٌ على العقيدة والإيمان لا على القومية أو الأنساب. ولهذا استحق بنوا إسرائيل الأرضَ المقدسة في زمن موسى- عليه السلام - لمَّا كانوا على الإسلام والإيمان، لكنهم لمَّا بدَّلوا دينَهم وكفروا برسلِهم وقتلوا أنبياءَهم وحرَّفوا كتاب ربِّهم؛ ما عاد لهم حقٌ في المسجد الأقصى، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]. جعلَ اللهُ وراثةَ الأرضِ لعبادِهِ المؤمنين الموحِّدين، ولهذا أورثَ اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين معه أراضي يهودِ المدينة وديارهم، قال تعالى: ﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الأحزاب: 27]. ولهذا أيضًا خرج الصحابةُ - رضي الله عنهم - فاتحين لمشارقِ الأرضِ ومغاربِها ولم يكونوا قبل ذلك مالكين لشيء منها. فالأرض كلها مآلها لأهل الإسلام، وسيحصل هذا في آخر الزمان عندما ينزل عيسى - عليه الصلاة والسلام -ويحكم الأرض كلها بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويؤمن من تبقى من أهل الكتاب، قال تعالى: ﴿ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 159]. وقال صلى الله عليه وسلم: «واللهِ! ليَنزِلَنَّ ابنُ مريمَ حَكَمًا عادلًا. فلَيَكسِرَنَّ الصليبَ. ولَيَقتُلَنَّ الخِنزيرَ. ولَيَضَعَنَّ الجِزيَةَ»[4]. قال صلى الله عليه وسلم: « إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها فإنَّ أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زوَى لي منها »[5]. إنَّ المسجدَ الأقصى مسجدُنا ولن ننساه ولن نتنازل عنه، هذه عقيدتُنا، هذه قضيَّتُنا ليست قضية فلسطين ولا قضية العرب ولا قضية الشرق الأوسط، إنَّها قضيةُ كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ على وجه الأرض. هل سيعود لنا المسجد الأقصى الذي بَشَّرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بفتحه قبل أن يُفتح فَقَال: « اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ »، ثم ذكر منها: « فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ »[6]؟ (نعلم أن المسجد الأقصى سيعود لأننا نؤمن بخبر الصادق المصدوق، فلقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن الخلافة الإسلامية التي على منهاج النبوة ستعود للمسلمين وأن عودتها ستكون مِن بيت المقدس وأكنافه. سيعود بعد ملحمة مع اليهود، ينطق فيها الحجر والشجر وينادي: «يا مُسلِمُ، هذا يَهوديٌّ ورائي، فاقْتُلْه»[7]. وأخبرنا بأن دين الله سيعم الأرض أو أكثرها، وليس بيت المقدس فحسب، فقال صلى الله عليه وسلم: « ليبلغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله اللهُ هذا الدينَ بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ وأهلَه وذلًّا يذلُّ اللهُ به الكفرَ »[8]. ولكن متى سيكون ذلك؟ الجواب: متى عُدْنَا إلى أسبابِ عزِّنا ومجدِنَا؛ عادَ لنَا بيتُ المقدس. فلقد تركنا أسبابَ العزِّ والنصرِ وانحرفنا عن طريق التمكين، فضللنا السبيل؟ وما هو طريق النصر والتمكين يا تُرى؟ أجاب عمر بن الخطاب عن هذا لسؤال يوم فتح بيت المقدس؛ فقال: « إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العِزَّة بغير ما أعزَّنا الله به أذلَّنا الله »[9]. هذا هو السبب الحقيقي للنصر؛ التمسك بالإسلام، واتِّباع كتاب الله وسنَّة نبيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-عمليًّا وواقعيًّا، وليس بالكلام ولا بالادعاءات، فلنتبع الكتاب والسُّنة بفهم سلفِ الأمَّة وعلى طريقة الصحابة -رضي الله عنهم-الذين نصرهم الله، ومكَّن لهم في الأرض[10]. لن يعودَ إلينا المسجدُ الأقصى حتى نرفعَ لواءَ الشريعةِ فوقَ رؤوسِنا وندوسَ بأقدامِنَا كلَّ المناهج التي تخالف منهج الله -عز وجل-" الليبرالية، والعلمانية، والاشتراكية، والرأسمالية والقومية والديمقراطية " وغيرها من مناهج المحتل. الليبرالية التي تعني الحرية المطلقة دون قيدٍ من دينٍ أو شرع، وشعارُها: " أنتَ حر ما لم تضر"، افعل ما تشاء ما لم تتعدَّ على حريَّات الآخرين! وتحت هذا الشعار رأينا حرية الكفر والإلحاد تحت مسمى الفكر والإبداع، وحرية الفسق والخلاعة تحت مسمى حرية المرأة، رأينا حرية خلع الحجاب، رأينا حرية الاختلاط في العمل والمواصلات والمدارس والجامعات وداخل البيوت والأسر، رأينا حرية العلاقات بين الشباب والبنات ونشر الفواحش والمنكرات والكلام عن الحب والغرام في المسلسلات والأفلام تحت مسمى حرية الفن والإمتاع. الليبرالية والعلمانية صناعة غربية، نادى بها الغرب نتيجة لاستبداد الكنيسة وسيطرتها على الحياة في أوربا في القرن السادس عشر، الكنيسة كانت تستولي على أموال الناس وتبيع لهم صكوك الغفران، وتحارب العلم وتقتل العلماء، تحلِّل وتحرِّم كما تشاء، الكنيسة هي من تعيِّن الحاكم الذي يحكم -كما يدَّعون- بأمر السماء (نظرية الحق الإلهي) وعلى الشعب السمع والطاعة العمياء. ثار الناس على هذا الظلم والطغيان، نادَوْا بالتحرر من سلطان الكنيسة ونبذوا الدين، نادَوْا بالعلمانية التي تعني فصل الدين عن الحياة، أن يكون الدين مجرد شعائر، أن يكون معزولا داخل جدران الكنائس والمعابد. هل نحن المسلمون نحتاج ذلك وعندنا الإسلام؟ هم نبذوا دينَهم بعد ما حرَّفوه أما نحنُ فدينُنَا دينُ الحقِّ و العدل ، دين الله الذي ارتضاه لعباده ، توحيد الله –عز و جل و إفراده بالعبادة و اتِّباع رسوله -صلى الله عليه و سلم- ليس فيه ظلمٌ ولا استبداد ولا اضطهاد ولا محاربة للعلم ولا تناقض مع العقل المهتدي بنور الشرع ، فالحاكم والمحكوم كلاهما له حقوق وعليه واجبات، وروي أن رجلا قال لعمر بن الخطاب : اتق الله يا عمر، فقال له رجل من القوم: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله، فقال له عمر-رضي الله عنه- : دعه فلْيَقُلْهَا لي، نِعْمَ ما قال، ثم قال عمر :" لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم"، هذا هو الإسلام؛ دينُ العدل والمساواة، دينٌ صالحٌ لكلِّ زمانٍ و مكان ، شاملٌ لكلِّ أمورِ الحياة ، إنَّه الصراط المستقيم و الروح الحقيقية و النور الهادي، قال تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]. هذا هو مصدر عزَّتِنا وقوَّتِنا الذي لابد أن نعرفَه جيدًا. ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83]. لن يعودَ المسجدَ الأقصى حتى نعودَ إلى دِينِنَا، حتى نطهِّرَ قلوبَنا من رجسِ الشهواتِ والشُبُهات، حتى نصحِّحَ عقائدَنَا ونصلحَ عبادتَنا ونحسِّن أخلاقنا ونطهِّرَ قلوبَنَا من الرياء والغلِّ والحسد، حتى نقدِّمَ أمر الله على كل أحد، حتى نبذل لهذا الدين، حتى نعرفَ لله حقَّه ونوقِنَ بوعدِه، قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55]. واجبنا نحو الأقصى![11]!: هل القضية تكون بتفريغ شحنة الغضب بحرق العلم الإسرائيلي أو بهتافاتٍ وشعاراتٍ رنانة، أو مظاهرات ووقفات احتجاجية، أو استنكارات وشجب وتنديد وبيانات، أو المطالبة بطرد السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية مع العدو الصهيوني والأمريكي أو في المقاطعة الاقتصادية للمنتجات اليهودية والأمريكية، وعدم التطبيع معهم وفقط؟! هل هذا كافيًا أم أن هناك واجبًا أعظم نحو مقدساتنا وثوابتنا الدينية في وسع كل فردٍ مِن أفراد أمتنا الإسلامية؟ ومن هذه الواجبات التي في استطاعتنا: 1- إحياء القضية، ومكانة القدس والأقصى في نفوس أبنائنا وشبابنا والأجيال القادمة؛ حتى لا تُنسى، وأن نفهمها على وفق شرع الله؛ أن الصراع بيننا وبين اليهود صراع دين وعقيدة وأن دفاعنا عن الأقصى ليس لأجل الأرض أو العروبة وإنما هو لإعلاء كلمة الله في الأرض. 2- الاهتمام بأمر المسلمين والتألم لآلامهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى »[12]. 3- الدعاء: قال الله عز وجل: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر:60]، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ [البقرة:186]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»[13]، فالله هو القوي القدير العزيز الذي لا يعجزه شيء. 4- التوكل على الله والافتقار والذل، والانكسار له والتضرع، وطلب العز منه، وليس مِن الشرق أو الغرب: قال الله عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]، وقال: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]. 5- الطاعة والصلاة والإخلاص: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّما يَنْصُرُ اللهُ هذه الأُمَّةَ بِضَعِيفِها؛ بِدَعْوَتِهمْ وصلاتِهِمْ وإِخْلاصِهِمْ»[14]، وقال عمر بن الخطاب t : "إننا ننتصر على عدونا بطاعتنا لله ومعصية عدونا له، فإذا استوينا في المعصية كانت لعدونا الغلبة بالعدد والعدة"، وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]. 6- بث روح الأمل والرجاء والثقة في أن المستقبل للإسلام واليقين في وعد الله وعدم اليأس والإحباط ودفع روح الهزيمة النفسية: قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر:51]. وقال تعالى: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص:83]. 7- إحياء روح الجهاد: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم»[15]، وقال صلى الله عليه وسلم: « مَن ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ به نَفْسَهُ، ماتَ علَى شُعْبَةٍ مِن نِفاقٍ »[16]. 8- مجاهدة النفس قبْل مجاهدة العدو، فمن خان حيَّ على الصلاة، خان حيَّ على الكفاح، خان حي على الجهاد: قال الله عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]، وقال صلى الله عليه وسلم: « وأفضلُ المهاجرين من هجر ما نهى اللهُ تعالى عنه، وأفضلُ الجهادِ من جاهد نفسَه في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ »[17]، هل نزعت من قلبك شهوات النفس وأهوائها وجاهدتها أولاً حتى تستطيع أن تجاهد أعداء الله في الخارج، وأخرجت من قلبك حب الدنيا وملذاتها وكراهية الموت في سبيل الله. وكما قيل: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم وفي بيوتكم، تقم على أرضكم". 9- ترك الذنوب والمعاصي: فما نزل بلاء إلا بذنبٍ، وما رفع إلاّ بتوبة، قال الله -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، ألا نستحيي مِن أنفسنا على ما يحدث في مجتمعنا مِن إدمان الخمر والمخدرات، والتدخين والشيشة، وسماع الموسيقى ومشاهده القنوات الإباحية، وتضييع الصلوات ومعاكسة الفتيات، والرقص والمجون... ثم نقول أين النصر؟! ونتساءل؛ لماذا يحدث للمسلمين كل ما يحدث في كل مكان؟ دماء تسفك، وبلاد تحتل، وبيوت تهدم، وأمان يضيع ؟! 10- إحياء قضية الولاء والبراء، والحب والبغض على أساس العقيدة والدين، وليس الأرض والتراب: قال الله -تعالى-: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة:120]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ﴾ [المائدة: 51]. وأخيرًا لابد لنا جميعًا من الدعوة إلى الله والعمل للدين، وحمل همّ الإسلام، والبذل والتضحية بالنفس، والمال، والوقت، وترك الانشغال بالدنيا والشهوات. إن قضية العمل للدين، والبذل في سبيل الله، وعودة الخلافة، وعودة هذه الأمة لقيادة الدنيا بدين الله عز وجل، وتعبيد الناس لرب الناس عز وجل ؛ ليست مسئولية شخص بعينه، وإنما مسئولية كل مسلم على حسب طاقاته وقدرته. في الختام يبشِّرُنَا نبيُّنَا صلى الله عليه وسلم بنصرِ الله ووعدِه، وبأن القدس -بإذن الله- سوف تكون مقبرةً لليهود، وحينها يؤذن لفجر الإسلام أن يعود، كما قال الصادق المصدوق: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيُّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ»[18]. فاللهم طهِّر الأقصى مِن دنسِ اليهود، واجمعْ كلمةَ المسلمين، ووحِّد صفهم، وانصرهم على عدوِّكَ وعدوِّهِم. اللهم أقر أعينّنَا بنصرةِ دينِك وكتابِك وعبادِك المؤمنين، واحفظ مسجدَنَا الأقصى يا ربَّ العالمين. [1]صحيح البخاري (3366)، صحيح مسلم (520)، صحيح ابن حبان (6228). [2]صحيح البخاري (3397). [3]صحيح البخاري (3443)، صحيح مسلم (2365). [4]صحيح مسلم (155)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [5]صحيح ابن حبان (7238)، من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. [6]صحيح البخاري (3176) من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه. [7]رواه البخاري (3593)، ومسلم (2921) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. [8]مجمع الزوائد (6/ 17)، رجاله رجال الصحيح. [9]رواه الحاكم (1/ 130)، وصحَّحه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (1/ 117) على شرط الشيخين. [10]هل يعود بيت المقدس للمسلمين، الشيخ سعيد محمود، بوابة الفتح الإلكترونية، (بتصرف). [11]واجبنا نحو الأقصى، د. أحمد حمدي، بوابة الفتح الإلكترونية، بتصرف وبعض إضافات. [12]صحيح مسلم (2586). [13]أخرجه أبو داود (1479)، والترمذي (2969)، وابن ماجة (3828)، وصححه الألباني. [14]صحيح الجامع (2388). [15] أخرجه أبو داود (3462)، والبزار (5887)، والطبراني في مسند الشاميين (2417)، وصححه الألباني. [16]صحيح مسلم (1910). [17]صحيح الجامع (1129). [18]صحيح مسلم (2922).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |