|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#191
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة القمر كاملة من الآية 1 إلى الآية 5: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَة ُ ﴾ التي تقوم فيها القيامة (إذ إنها آتيةٌ لا مَحالة، وكل آتٍ قريب)، ﴿ وَانْشَقَّ الْقَمَر ُ ﴾: أي انفلق القمر فلقتين، وذلك حين طَلَبَ كفار مكة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُريهم آية، فدعا اللهَ تعالى، فشَقَّ اللهُ القمرَ فلقتين، فكانت كل فلقة منهما في مكان، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اشهدوا (والحديث في الصحيحين)،﴿ وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً ﴾ تدل على صِدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ يُعْرِضُوا ﴾ عن الإيمان بها ﴿ وَيَقُولُوا ﴾ - في عِنادٍ واستكبار - بعد ظهور الحق: هذا ﴿ سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴾ أي سِحرٌ مارٌّ ذاهب زائل عَمَّا قريب (وهذا مأخوذ مِن قولهم:مَرَّ الشىء واستمَرّ، إذا ذهَبَ وزال)، ﴿ وَكَذَّبُوا ﴾ النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وَاتَّبَعُوا ﴾ - في هذا التكذيب - ﴿ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ لا عقولهم، ﴿ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ﴾ يعني: وكلُّ أمْرٍ - خيراً كانَ أو شراً - جزاؤه مُستقِرٌ بأهله في الجنة أو في النار (وفي هذا تهديدٌ لهم)، ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ ﴾ أي جاءهم من أخبار الأمم المُكَذِّبة برُسُلها - وما أصابهم من العذاب - ﴿ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ﴾ أي ما فيه كفاية ليَنتهوا عن كُفرهم وضَلالهم،﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ﴾ يعني: وهذه الأخبار التي جاءتهم فيها حكمةٌ بالغة - أي عبرة عظيمة - لمن أراد أن يتعظ بها، ولكنْ ﴿ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾؟! يعني فماذا تنفع الإنذارات إذا جاءت لقومٍ أعرَضوا عنها واتَّبعوا أهوائهم وما تدعوهم إليه أنفسهم؟! الآية 6، والآية 7، والآية 8: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ يعني أعرِض أيها الرسول عن هؤلاء المُعانِدين ولا تلتفت إلى تكذيبهم، وانتظِر بهم يومًا عظيمًا (وهو يوم القيامة) ﴿ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ ﴾ أي: يوم يدعو المَلَك إسرافيل بنفخِهِ في البُوق ﴿ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ﴾ يعني إلى أمْرٍ فظيع، وهو الوقوف أمام المَلِك الجبار للحساب، وتراهم يومئذٍ﴿ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ ﴾ أي أبصارهم ذليلة ﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ ﴾ أي من القبور ﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ - في انتشارهم وسُرعتهم - ﴿ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ﴾ في الآفاق، وتراهم﴿ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ﴾: أي مُسرعينَ إلى ما دُعُوا إليه، و﴿ يَقُولُ الْكَافِرُونَ ﴾: ﴿ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾:يعني هذا يومٌ عسير، صعب، شديد الهَول والحَرّ. من الآية 9 إلى الآية 17: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ - أي قبل مُشرِكي مكة - ﴿ قَوْمُ نُوحٍ ﴾﴿ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا ﴾ نوحًا ﴿ وَقَالُوا ﴾ عنه: ﴿ مَجْنُونٌ ﴾ لا يدري ما يقول،﴿ وَازْدُجِرَ ﴾: أي نَهَروهُ مُتوعدينَ إياه بأنواع الأذى (إنْ لم يَنته عن دَعْوته)،﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ ﴾ يعني إني ضعيفٌ عن مقاومة هؤلاء الظالمين، ﴿ فَانْتَصِرْ ﴾ أي انتصِر لي يا رب بعقابٍ مِن عندك على شِركهمبك،﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴾ أي بمَطَرٍ كثير مُتدفق (كالسيول الجارفة)،﴿ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا ﴾ أي شَققنا الأرضَ فأصبحت عيونًا متفجرة بالماء، ﴿ فَالْتَقَى الْمَاءُ ﴾ أي التقى ماء السماء وماء الأرض ﴿ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾: أي اجتمع الماءَان على أمْر إهلاكهم (الذي قدَّره اللهُ لهم)، ﴿ وَحَمَلْنَاهُ ﴾ أي حَمَلنا نوحًا - ومَن معه من المؤمنين وأصناف الكائنات - ﴿ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴾: أي على سفينةٍ ذات ألواح ومَسامير (لتربط الألواح ببعضها)، فكانت﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي تحت بَصَرِنا وتحت حِفظنا ﴿ جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ﴾ يعني: وقد أغرقنا المُكَذِّبين انتصارًا لنَبيِّنا نوح الذي كُفِرَ بنُبُوّته (أي كَفَرَ قومه بنُبُوّته) ﴿ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً ﴾: أي جعلنا قصة نوح عبرة وعِظة على إهلاك المُشرِكين وإنجاء المُوَحِّدين، وكذلك تَرَكنا السفينة على جبل الجُودي لتكون آيةً للناس على قدرتنا ﴿ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾؟ يعني فهل مِن مُتعِّظ يَتعظ بما حدث لهم (فيُوَحِّد ربه ويُطيعه)؟﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾: يعني فكيف كان عذابي ونُذُري - أي عاقبة تكذيب إنذاري - لمَن كَفَرَ بتوحيدي وكَذَّبَ رُسُلي؟ إنه كان عظيمًا مؤلمًا، ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ ﴾ أي سَهَّلْنا لفظ القرآن للتلاوة والحِفظ، وسَهَّلْنا مَعانيه للفهم والتدبر - لمَن أراد أن يَتذكر ويَعتبر - ﴿ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾؟ يعني فهل مِن مُتعِّظ بالقرآن، فيَعمل بما فيه (ليَنجو من النار ويَسعد في الجنة)؟، (وهذه الجملة قد أعادَ اللهُ ذِكرها في هذه السورة للحثّ على الاستكثار من تلاوة القرآن وتدَبُّره وتعليمه والعمل به، وللتنبيه على أهمية الاتعاظ بإهلاك اللهِ تعالى للأمم العاصية رغم قوتها، حتى يتوب العبد توبةً نصوحاً خوفاً مِن عقاب ربه)، ولفظ "مُدَّكِر" أصله "مُتذكِّر"، ولكنْ أُدغِمَت التاء في الذال فصارت (مُدَّكِر). من الآية 18 إلى الآية 22: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ ﴾ أي كَذَّبتْ قبيلة عادٍ رسولَهم هودًا فعاقَبناهم ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾؟ يعني ألم يكن عذابي بهم واقعاً مَوقعه؟ والجواب: بَلى، ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا ﴾ أي ريحًا شديدة البرودة، ذاتَ صوتٍ شديد ﴿ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ﴾ أي في يومِ شؤمٍ لهم، مٌستمرٌ عليهم بالعذاب والهلاك، فكانت هذه الريح الشديدة ﴿ تَنْزِعُ النَّاسَ ﴾ أي تقتلع الناس مِن أماكنهم على الأرض، فترمي بهم على رؤوسهم، فتكسر أعناقهم، وتفصل رؤوسهم عن أجسادهم، حتى صاروا ﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ لطُول أجسامهم ﴿ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ﴾ أي كنَخلٍ مُنقلِع من جذوره، ساقط على الأرض ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾؟ يعني فكيف كان عذابي وعاقبة تكذيب إنذاري، لمَن عَصاني وكَذَّبَ رُسُلي؟ لقد كان شديداً مُهلِكاً،﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ ﴾ أي سَهَّلْنا لفظ القرآن للتلاوة والحِفظ، وسَهَّلْنا مَعانيه للفَهم والتدبر - لمَن أراد أن يَتذكر ويَعتبر - ﴿ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾؟ يعني فهل مِن مُتعِّظ بالقرآن؟ من الآية 23 إلى الآية 32: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ﴾ أي كَذّبوا بالتحذيرات التي أنذَرَهم بها رسولهم صالح بسبب شِركهم،﴿ فَقَالُوا ﴾ - في استكبار -: ﴿ أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ ﴾ ونحن جماعة كثيرة؟! ﴿ إِنَّا إِذًا ﴾ - يعني إنْ اتَّبعناه - ﴿ لَفِي ضَلَالٍ ﴾ أي سنَكون في بُعْدٍ عن الصواب ﴿ وَسُعُرٍ ﴾ أي جنون،﴿ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا ﴾؟ يعني هل أُنزِل عليه الوحي واختَصّه اللهُ بالنُبُوّة مِن بيننا، وهو ليس أكبَرنا سِنّا ولا أشرَفنا نَسَباً؟! ﴿ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ﴾ أي كثير الكذب والتجَبُّر (إذ تجَرّأ أن يقول إنّ اللهَ أرسله إلينا)، ثم قال تعالى:﴿ سَيَعْلَمُونَ غَدًا ﴾ عند نزول العذاب بهم ﴿ مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ﴾: أي سيعلمون مَنِ هو الكذاب الجبار المتكبر (صالح أم هُم؟)،﴿ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ ﴾ أي سنُخرج لهم الناقة التي طلبوها من الصخرة ﴿ فِتْنَةً لَهُمْ ﴾ أي اختبارًا لهم (هل يؤمنون بها أو يكفرون؟)، ﴿ فَارْتَقِبْهُمْ ﴾ أي انتظر يا صالح وراقِب ما سيَصنعونه بها، وانتظر ما سيَصنعه اللهُ بهم إذا ذَبَحوها، ﴿ وَاصْطَبِرْ ﴾ على دعوتك لهم وأذاهم لك﴿ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ﴾ يعني أخبِرهم أنّ ماء بئرهم مقسومٌ بين قومك وبين الناقة: (يومٌ لهم ويومٌ للناقة)، ﴿ كُلُّ شِرْبٍ ﴾ يعني كل نصيب من الماء: ﴿ مُحْتَضَرٌ ﴾ أي يَحضره مَن كانت قسمته ويومه (إما ثمود وإما الناقة)، ويُمنَع من الحضور مَن ليس يومه. فاستمَرُّوا على ذلك فترة من الزمن، ولكنهم مَلُّوا هذه القِسمة، وعَزَموا على قتل الناقةِ ظُلماً وعُدواناً ﴿ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ ﴾ (وهو أشقى رجل في القبيلة، وهو الذي قال اللهُ عنه: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا)،فحَرَّضوهُ على ذَبْحها) ﴿ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ﴾أي: فتناول السيف، فذَبَح الناقة ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾؟ يعني فكيف كان عذابي وعاقبة تكذيب إنذاري، لمَن كَذَّبَ بآياتي الواضحة وتكَبَّرَ عن الانقياد لها؟ إنه كان عظيمًا مؤلمًا،﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾: يعني إنا أرسلنا عليهم جبريلَ عليه السلام، فصاح بهم صيحة واحدة فهَلَكوا عن آخرهم، ﴿ فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ﴾: أي صاروا - بعد هَلاكهم - كالزرع الجاف (الذي يُستَخدَم في بناء حظيرة المواشي)، ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ ﴾ أي سَهَّلْنا لفظ القرآن للتلاوة والحِفظ، وسَهَّلْنا مَعانيه للفهم والتدبر - لمن أراد أن يتذكر ويَعتبر - ﴿ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾؟ يعني فهل مِن مُتعِّظ بالقرآن؟ من الآية 33 إلى الآية 40: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ ﴾: أي كذَّبوا بآيات الله التي أنذَرهم بها رسولهم لوط،﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا ﴾ أي أرسلنا عليهم حجارةً من السماء ﴿ إِلَّا آَلَ لُوطٍ ﴾ (وهُم أتباعه المؤمنون)، فقد ﴿ نَجَّيْنَاهُمْ ﴾ مِن هذا العذاب ﴿ بِسَحَرٍ ﴾ أي في آخر الليل (وقت السحور)، وقد كان هذا الإنجاء ﴿ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾ بسبب إيمانهم وشُكرهم لنِعَمنا، و﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ﴾يعني: وبمِثل ذلك الإنعام نَجزي مَن شَكَرَنا بالإيمان والطاعة، ﴿ وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا ﴾ يعني: ولقد خَوَّفَهم لوطٌ بعقوبتنا إن لم يؤمنوا وينتهوا عن المعاصي ﴿ فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ﴾ يعني فلم يَسمعوا له، بل شكُّوا في إنذاره لهم وكذَّبوه،﴿ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ ﴾ أي طلبوا منه أن يفعلوا الفاحشة، ﴿ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ﴾ أي: فأعميناهم حتى لا يَصلوا إلى الملائكة، وقيل لهم: ﴿ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾﴿ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً ﴾ أي جاءهم في صباح الغد: ﴿ عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ ﴾ أي عذابٌ استقر فيهم، فلم يُفارقهم حتى هَلَكوا (وهو رَجْمهم بالحجارة وقلْب قُراهم)، وقال اللهُ لهم:﴿ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ أي ذوقوا عذابي الذي أنزلته بكم، وعاقبة تكذيب إنذاري الذي أنذركم به رسولكم، ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ ﴾ أي سَهَّلْنا لفظ القرآن للتلاوة والحِفظ، وسَهَّلْنا مَعانيه للفهم والتدبر - لمن أراد أن يتذكر ويعتبر - ﴿ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾؟ يعني فهل مِن مُتعِّظ به؟ الآية 41، والآية 42: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ﴾ أي جاءَ قومَ فرعون إنذارُنا لهم بالعقوبة على كُفرهم (على يد هارون وموسى)، ولكنهم ﴿ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا ﴾ وهي الآيات التسع - الدالة على وحدانية الله تعالى وصِدق نُبُوَّة موسى وهارون -﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ ﴾: أي عاقبناهم بالغرق، عقوبةَ عزيزٍ لا يُغلَب، ﴿ مُقْتَدِرٍ ﴾ على فِعل ما يشاء، في الوقت الذي يشاء. من الآية 43 إلى الآية 48: ﴿ أَكُفَّارُكُمْ ﴾ - يا مَعشر قريش - ﴿ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ ﴾ المُكَذّبينَ الهالكين ﴿ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ ﴾؟! يعني أم لكم براءةٌ مِن عقاب الله مكتوبةٌ في الكتب المُنَزَّلة على الأنبياء؟!﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ﴾: يعني بل يقول كفار "مكة": نحن جماعة مُنتصرة لا يَغلبنا مَن أرادنا بسوء (لأننا أصحابُ حَزمٍ وقوة ورأيٍ صائب)، ثم قال اللهُ لهم - في تحدٍ باهر -:﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ﴾: أي سوف يُهزَم جَمْع كفار "مكة" أمام المؤمنين، ﴿ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ أي: وسوف يَفِرُّون من المؤمنين، (وقد حقق الله ذلك الوعد يوم "بدر"، رغم قلة المؤمنين وكثرة المشركين)،﴿ بَلِ السَّاعَةُ ﴾ التي تقوم فيها القيامة هي ﴿ مَوْعِدُهُمْ ﴾ الأكبر (الذي يُجازَون فيه بما يَستحقون)،﴿ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ أي عذابها أعظم وأشد قسوة من العذاب الذي أصابهم يوم بدر،﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ ﴾ الذين أجرَموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي ﴿ فِي ضَلَالٍ ﴾ عن الحق في الدنيا ﴿ وَسُعُرٍ ﴾ أي في نارٍ مُستعِرة - أي مُوقَدة - يوم القيامة﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ﴾، ويُقال لهم - تأنيباً -: ﴿ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴾ أي ذوقوا شدة عذاب جهنم وحرارتها. من الآية 49 إلى الآية 55: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ أي خَلَقنا كل شيءٍ بتقديرٍ قدَّرناه في اللوح المحفوظ،﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ ﴾ يعني: وما أمْرنا للشيء - إذا أردناه - إلا أن نقول قولة واحدة، وهي "كُن"، فيكونُ ﴿ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ أي لا يتأخر طرفة عين، (فكذلك يكون البعث يوم القيامة)،﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ ﴾ أي أهلكنا أشباهكم في الكفر من الأمم السابقة ﴿ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾؟ يعني فهل مِن مُتعِّظ بما نزل بهم من العذاب فيؤمن ويُطيع؟،﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ﴾ يعني: وكل شيء فَعَله أشباهكم السابقون: مكتوبٌ في الزُبُر (وهي الكُتُب التي كَتَبَتها الحَفَظة عليهم)،﴿ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ﴾ من أعمالهم ﴿ مُسْتَطَرٌ ﴾ أي مُسَطَّر في صحائفهم، وسيُجزَون به يوم القيامة،﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ - الذين خافوا عذابَ ربهم في الدنيا - سيَكونون يوم القيامة ﴿ فِي جَنَّاتٍ ﴾ أي في حدائق جميلة المَنظر، ﴿ وَنَهَرٍ ﴾أي أنهار جارية، تجري خلال تلك الحدائق والقصور ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾ أي في مَجلس حق، لا يُسمَع فيه كلامٌ باطل، ولا يَأثم فيه أحد (وهو الجنة) ﴿ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ أي في جوار المَلِك العظيم، ذي المُلك والسلطان، المقتدر الذي لا يُعجزه شيء. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#192
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة الرحمن كاملة من الآية 1 إلى الآية 13: ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ (الذي وَسِعَت رحمته الدنيا والآخرة)﴿ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴾ أي علَّمَ مَن شاءَ مِن عباده القرآن (بتيسير تلاوته وحفظه وفَهْم مَعانيه)، ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾ ليَعبده وحده ولا يُشرك به، ﴿ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ أي علَّمه التعبير عمَّا في نفسه - تمييزًا له عن غيره - ليَشكر نعمه ويَنقاد لأمره. ♦ ثم ذَكَرَ سبحانه بعض مَظاهر قدرته وعَدله وإنعامه على خلقه، للاستدلال بذلك على استحقاقه وحده لعبادتهم، وعلى قدرته على بَعْثهم بعد موتهم، فقال:﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ أي يَدوران في فلَكَيهمابحسابٍ مُتقَن لا يَختلف ولا يَضطرب، ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ (فمَخلوقات السماوات ومخلوقات الأرض تعرف ربها سبحانه وتعالى وتسجد له، وتخضع لِمَا سَخرَّها له مِن مصالح عباده)، ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا ﴾ بقدرته العظيمة من غير أعمدة، ﴿ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ أي شَرَعَ لكم العدل، وألهَمَكم بصُنع آلته (وهو الميزان)، مِن أجْل ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾ أي حتى لا تعتدوا وتخونوا مَن وَزَنتم له، ﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ ﴾ أي بالعدل ﴿ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾: أي لا تُنْقِصوا الميزان إذا وَزَنتم للناس (كل هذا إنعامٌ مِن رحمات الرحمن، ودليلٌ على شدة عناية الله بالعدل بين عباده)، ﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴾ أي وَضَعَها ومَهَّدها ليَستقر عليها الخلق، ﴿ فِيهَا ﴾ أي في الأرض ﴿ فَاكِهَةٌ ﴾ كثيرة ﴿ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴾ يعني: وفيها النخل ذات الأوعية التي يَخرج منها الثمر، (ولَعَلّ الله تعالى خَصَّ التمر من بين باقي الفواكه لمَكانته عند العرب وكثرة فوائده)، ﴿ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ ﴾ يعني: وفيها الحب ذو القِشر - مِثل القمح والأرز والشعير - رِزقًا لكم ولأنعامكم، ﴿ وَالرَّيْحَانُ ﴾ يعني: وفيها كل نبات طيّب الرائحة (مِثل نبات الريحان وغيره)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - يا مَعشر الجن والإنس – تكذِّبان، وهي كثيرة لا تُعَدّ ولا تُحصَى؟!، (وما أحسن ما قاله الجن حين تَلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة، فكلما مَرَّ بهذه الآية، قالوا: "ولا بشيءٍ مِن آلائك ربَّنا نُكَذِّب، فلك الحمد"، وهكذا يَنبغي للعبد إذا تُلِيَتْ عليه نعم الله تعالى، أن يُقِرَّ بها، ويَشكره عليها). ♦ ولَعَلّ الله تعالى قد كَرّرَ هذه الآية في سورة "الرحمن" تقريراً لعباده بنعمه عليهم، لتذكيرهم بها (وذلك لكثرة غفلتهم عن شُكرها وتعلق قلوبهم بالدنيا)، فإنّ مِن عادة العرب: تكرار الكلام لتأكيده، إذ كانوا يقولون: (ما تَكَرَّر: تَقَرَّر)، ولذلك كُرّرَت الآيات لتأكيد نعم الله على الإنس والجن، فالاستفهام في هذه الآية أسلوبٌ للتقرير وعدم الإنكار. ♦ والذي يَتتبع هذه الآية الكريمة، يُلاحِظ أن اللهَ تعالى قد كَرَّرها ثماني مرات عَقِب آياتٍ فيها ذِكر عجائب خَلقه، وبداية هذا الخلق ونهايته، ثم كَرَّرها سبع مرات - عَقِب آياتٍ فيها ذِكر النار وشدائدها - بعدد أبواب جهنم، ثم كَرَّرها ثماني مرات - في وَصْف الجنّتَين وأهلهما - بعدد أبواب الجنة، وكَرَّرها كذلك ثماني مرات في الجنّتَين اللتين أقل درجةً من الجنّتَين السابقتَين، ولَعَلّ في ذلك إشارة إلى أنّ الذي يَتعظ بالثمانية الأولى (التي تدل على قدرة الله ووحدانيته وعظمته)، فاتّقَى عذابَ ربه (بطاعته واجتناب معصيته)، استحق هاتين الثمانيتَين من الله تعالى (وهي الجنة)، ووقاه السبعة السابقة بفضله وكَرَمه (وهي النار)، واللهُ أعلم. من الآية 14 إلى الآية 18: ﴿ خَلَقَ ﴾ سبحانه ﴿ الْإِنْسَانَ ﴾ - والمقصود به هنا آدم عليه السلام (أبو البَشَر) - إذ خَلَقه اللهُ ﴿ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴾ أي مِن طين يابس كالفَخَّار (إذا نُقِر عليه: سُمِعَ له صوت)، ﴿ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾ أي مِن لهب النار المُختلَط بعضه ببعض (وهو اللهب الأحمر والأصفر والأزرق)، إذ أصل كلمة "المارج": المروج، وهو الاختلاط، كما سيأتي في قوله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) أي خَلَطهما، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - يا مَعشر الجن والإنس - تكذِّبان؟!، هو سبحانه ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ﴾ أي مُدَبِّر أمْر الشمس في مَشرقَيها ومَغربَيها (في الصيف والشتاء)، فدَبَّرَ سبحانه ذلك كله وسَخَّره لمصالح العباد، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما الدينية والدنيوية تكذِّبان يا مَعشر الجن والإنس؟! من الآية 19 إلى الآية 25:﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ أي خَلَطَ سبحانه البحرين - العذب والمالح - فجَعَلهما ﴿ يَلْتَقِيَانِ ﴾ يعني يَجريان معاً في مكانٍ واحد، ولكنْ ﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ ﴾ أي حاجز، فـ﴿ لَا يَبْغِيَانِ ﴾ أي لا يَطغى أحدهما على الآخر، فيَذهب بخصائصه ويُفسده، بل يَبقى العذب عذبًا، والمالح مالحًا (رغم اختلاطهما)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الظاهرة والباطنة - تكذِّبان؟! ﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا ﴾ - أي مِن البحرَين - ﴿ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ الذي يَتزين به نساؤكم، (واعلم أنه قد تم حديثاً العثور على اللؤلؤ والمرجان فى بعض الأنهار العذبةفى ضواحي "ويلز واسكتلاندا")، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما تكذِّبان؟!، ﴿ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ﴾ (والجَواري هي السُفن الجارية، والأعلام هي الجبال)، والمعنى: إنّ من آيات الله تعالى هذه السفن الضخمة، التي تجري في البحر مِثل الجبال، فهو سبحانه الذي عَلَّمَ نوحاً عليه السلام كيفية صُنعها، وهو وحده الذي له التصرف فيها وهي في البحر (إذ هو الذي سَخَّرَ البحر ليَحملها - رغم ثِقَلها - لمنافع العباد، وهو القادر على إغراقها بالرياح وقتما يشاء)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - يا مَعشر الجن والإنس - تكذِّبان؟! من الآية 26 إلى الآية 30: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ يعني: كل مَن على الأرض - مِن الخَلق - هالك﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ أي تبقى ذاته سبحانه (لأنّ بقاء وجهه سبحانه يَستلزم بقاء ذاته كلها، لأنه سبحانه الحي الذي لا يموت)، وهو﴿ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ أي ذو العَظَمة والكَرَم، (وفي الآية إثباتٌ لصفة الوجه لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله، دونَ تشبيهٍ بخلقه)، (وفي الآية أيضاً دليل على فناء كل شيء إلا اللهُ تعالى وما وَرَدَ الدليل بعدم فنائه، وهم ثمانية أشياء: (العرش والكرسي، والنار والجنة، واللوح والقلم والأرواح، وعُجب الذَنَب (وهو الجزء الذي يَتبقى من الإنسان بعد موته ولا يتحلل)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ (ولَعَلّ المقصود بالنعمة هنا - عند ذِكر الموت - هو تذكير المؤمنين من الإنس والجن بنعمة الإراحة من التكاليف والعبادات للتنعم في روضات الجنات)، ﴿ يَسْأَلُهُ ﴾ سبحانه ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ أي يَطلبون منه أن يَقضي لهم جميع حوائجهم (كالرزق والصحة والأولاد ومَغفرة الذنوب، والإعانة على التوبة النصوح وحُسن العبادة)، وكذلك تسأله الملائكة أن يَغفر ذنوب الذين تابوا وآمنوا، فلا غِنَى لأحدٍ منهم عنه سبحانه، ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ (إذ يُعِزُّ ويُذِلُّ، ويُحيي ويميت، ويُعطي ويَمْنع بحسب عدله التام وحِكمته البالغة)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الظاهرة والباطنة - تكذِّبان؟! من الآية 31 إلى الآية 36: ﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ ﴾: أي سنأتي لحسابكم ومُجازاتكم بأعمالكم ﴿ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ ﴾ يعني يا أيها الإنس والجن (فنُعاقب أهل المعاصي، ونُكافئ أهل الطاعات)﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الدينية والدنيوية - تكذِّبان؟! ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾: ﴿ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ﴾ يعني إن قَدَرْتم أن تهربوا مِن البعث والجزاء - مِن نَواحي السماوات والأرض - فافعلوا، ولكنكم ﴿ لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ أي لن تقدروا على ذلك إلا بقوةٍ قاهرة غالبة (وكيف لكم ذلك وأنتم لا تملكون لأنفسكم نفعًا ولا ضرًا؟!، وفي هذا تعجيزٌ لهم)﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما تكذِّبان؟! ♦ فإن أردتم الفرار مِن حُكمي فيكم يوم القيامة - على سبيل الفرض - فحينئذٍ ﴿ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ ﴾ يعني يُرْسَل عليكما لهبٌ من نار، ونحاس مُذاب - أي قد ذابَ مِن شدة غليانه - يُصَبُّ على رؤوسكم ﴿ فَلَا تَنْتَصِرَانِ ﴾ أي فحينئذٍ لا يَنصر بعضكم بعضًا من عذاب الله، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما تكذِّبان؟! من الآية 37 إلى الآية 45: ﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ ﴾ يوم القيامة ﴿ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ﴾ أي فصارت حمراء كلَون الورد أو الزيت المغلي (وذلك من شدة الأمر وصعوبته يوم القيامة)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - يا مَعشر الجن والإنس - تكذِّبان؟! ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ﴾ يعني: ففي ذلك اليوم لا تَسأل الملائكةُ مُجرِمي الإنس والجن عن ذنوبهم، (ويُحتمَل أن يكون المقصود من قوله تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ) أي لا يُسأل أحدٌ أن يُحمَل عنه ذنبه، فيكون ذلك مِثل قوله تعالى: (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا)، أي لا يسأله أن يَحمل عنه ذنبه، واللهُ أعلم)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الظاهرة والباطنة - تكذِّبان؟!، ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ﴾ أي تَعرِفهم الملائكةُ بعلاماتهم يوم القيامة (مِثل اسوداد وجوههم وغير ذلك) ﴿ فَيُؤْخَذُ ﴾ المُجرم ﴿ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ﴾: أي تَضُم الملائكة مُقدمة رأسه مع أقدامه، فتَرميه في النار، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - يا مَعشر الجن والإنس - تكذِّبان؟!، ويُقال يومئذٍ: ﴿ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ﴾ أي التي كانوا يُكذِّبون بها في الدنيا﴿ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ ﴾ يعني: مَرةً يُعذَّبون في الجحيم، ومَرةً يُسقون من الحميم المغلي (وهو شرابٌ شديد الحرارة، يشوي الوجوه ويقطِّع الأمعاء)﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ (ولَعَلّ المقصود بالنعمة هنا - في آيات وصف العذاب - هو التذكير بنعمة العدل بين العباد، وجزاء الظالمينَ المُفسِدين بما يَستحقون يوم القيامة). من الآية 46 إلى الآية 61: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ يعني: ولمَن خافَ الوقوف بين يدي اللهِ تعالى يوم القيامة، فأطاعه وترَكَ مَعاصيه، فهذا المُتّقي له في الجنة حديقتان عظيمتان تُحيطان بقصره، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الدينية والدنيوية - تكذِّبان؟، وهاتان الحديقتان ﴿ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ﴾ أي لهما أغصان مَملوءة بأوراق الشجر، ومَملوءة بالثمار ذات الألوان الجميلة، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - يا مَعشر الجن والإنس - تكذِّبان؟!، ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴾ يعني: في هاتين الحديقتين عَينان من الماء (تجريان خلال أشجارهما)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الدينية والدنيوية - تكذِّبان؟!، ﴿ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴾ يعني: في هاتين الحديقتين صِنفانمن الفواكه، (وقد قيل إن المقصود بهذين الصِنفين: الرَّطِب (مِثل العنب) واليابس (مِثل اللوز)، وقيل أيضاً: نوعٌ معروف - أي موجود في فاكهة الدنيا - والآخر غير معروف، واللهُ أعلم)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الظاهرة والباطنة - تكذِّبان؟ ♦ ويَجلس المتقون في الجنة ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ﴾: أي متكئين على فُرُش (مُبَطَّنة من الحرير الغليظ)، ﴿ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ﴾ يعني: وثمر أشجار الجنتين قريبٌ منهم (إذ يَقطفونه بسهولة وهم جالسون)﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما تكذِّبان؟!، ﴿ فِيهِنَّ ﴾ أي في هذه الفُرُش: ﴿ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ﴾: أي نساءٌ لا تنظر إحداهنّ إلى غير زوجها، ولا يَنظر زوجها إلى غيرها (مِن شدة حُسنها وجمالها) (سواء النساء المؤمنات أو الحُور العِين)، فقلوبهم وأبصارهم متعلقة بأزواجهم من شدة الحب، ﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ ﴾ أي لم يُجامعهنّ ﴿ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ﴾ أي قَبل أهل الجنة ﴿ وَلَا جَانٌّ ﴾﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - يا مَعشر الجن والإنس - تكذِّبان؟!، ﴿ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ يعني كأنّ نساء الجنة - في بياضهنّ وجمالهنّ -: (الياقوتُ والمَرْجانُ)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الدينية والدنيوية - تكذِّبان؟!، ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾؟ يعني: هل جزاء مَن أحسن بعمله في الدنيا إلا الإحسان إليه بهذا النعيم في الآخرة؟، (وواللهِ إنّ هذه الآية لَتُعَلِّم العبدَ مراقبة الله تعالى في كل أموره، فيَعبد ربه كأنه يراه، حتى يَجد عنده يوم القيامة - من الثواب - ما يُقال له بسببه: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟))، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ (ولَعَلّ المقصود بالنعمة هنا - في آيات وصف النعيم - هو تذكير المؤمنين برحمة ربهم وإحسانه بهم، إذ هو سبحانه الذي وفقهم لطاعته وحَبَّبها إليهم، وأنعَمَ عليهم بمغفرة ذنوبهم وقبول توبتهم (بعد أن رَزَقهم الصبر والثبات عليها)، كما أنعَمَ عليهم بمضاعفة أجورهم - من عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف - ثم أنعَمَ عليهم بالخلود الأبدي في ذلك النعيم بغير حساب). من الآية 62 إلى الآية 78: ﴿ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ﴾ يعني: وأدنَى من الحديقتين السابقتين في الدرجة: حديقتان أُخرَتان (بحسب أعمال العباد)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الدينية والدنيوية - تكذِّبان؟!، ﴿ مُدْهَامَّتَانِ ﴾ يعني: هاتان الجنتان خَضراوتان، قد اشتدَّت خُضرتهما حتى مالت إلى السواد، (وهذا اللون الجميل يُلاحِظه الإنسان - في الدنيا - إذا نظر إلى الزروع والأشجار وقت غروب الشمس)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - يا مَعشر الجن والإنس - تكذِّبان؟ ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴾ يعني: في هاتين الجنتين عَينان فوَّارتان بالماء لا تنقطعان، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الدينية والدنيوية - تكذِّبان؟!، ﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ ﴾ مِن مُختلَف أنواع الفواكه ﴿ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ (ولَعَلّ هاتَين الثمرتَين قد ذُكِرَتا بصفةٍ خاصة، لإظهار فضلهما ومَنافعهما)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الظاهرة والباطنة - تكذِّبان؟!، ﴿ فِيهِنَّ ﴾ أي في هذه الجنات الأربعة: ﴿ خَيْرَاتٌ ﴾ أي زوجاتٌ طيّبات الأخلاق (لا تؤذي زوجها)، ﴿ حِسَانٌ ﴾ أي شديدات الحُسن والجمال، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الدينية والدنيوية - تكذِّبان؟!، ﴿ حُورٌ ﴾أي بيض الأجساد ﴿ مَقْصُورَاتٌ ﴾ أي مَستوراتٌ مَصُونات ﴿ فِي الْخِيَامِ ﴾ (وهي خيام من اللؤلؤ المُجَوَّف، طولها سِتّون مِيلاً، كما ثَبَتَ ذلك في صحيح مسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم)، واعلم أن هذه الخيمة تكون في مكان مُعَيَّن بداخل القصر، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - يا مَعشر الجن والإنس - تكذِّبان؟!، ﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ ﴾ أي لم يُجامعهنّ ﴿ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ﴾ أي قبل أزواجهنّ مِن أهل الجنة ﴿ وَلَا جَانٌّ ﴾﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الدينية والدنيوية - تكذِّبان؟!، ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ ﴾ أي متكئين على وسائد﴿ خُضْرٍ ﴾ أي خضراء اللون، وقد قيل: (إنّ الرَفرف هو شيءٌإذا استوى عليه صاحبه: رَفرَفَ به، أي طارَ به حيثما يريد، يَتلذذ به مع أنيسته)، ﴿ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴾ يعني: وفُرُش جميلة المنظر، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؟ يعني فبأي نِعَم ربكما - الظاهرة والباطنة - تكذِّبان؟!، ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ﴾:أي كَثُرَتْ بركات اسم ربك الرحمن، وكَثُرَ خيره وفضله، فهو سبحانه ﴿ ذِي الْجَلَالِ ﴾ أي ذي العَظَمة الباهرة، والمَجد الكامل ﴿ وَالْإِكْرَامِ ﴾ لأوليائه المتقين. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#193
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة الواقعة كاملة من الآية 1 إلى الآية 26: ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ يعني إذا قامت القيامة:﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾: أي لا تستطيع نفسٌ أن تُكَذِّب بها وقت قيامها، وإنها ﴿ خَافِضَةٌ ﴾ لأعداء الله في النار، ﴿ رَافِعَةٌ ﴾ لأوليائه في الجنة، ﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ﴾: يعني إذا حُرِّكت الأرض تحريكًا شديدًا ﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ﴾ يعني: وفُتِّتت الجبال تفتيتًا دقيقًا ﴿ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ﴾: أي فصارت غبارًا متطايرًا في الجو، ﴿ وَكُنْتُمْ ﴾ - أيها الخلق - ﴿ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ﴾ أي أصنافًا ثلاثة: ﴿ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾: يعني فأصحابُ اليمين - وهم أهل المَنزلة العالية - ما أعظم مَكانتهم!، ﴿ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ﴾: يعني وأصحابُ الشمال - وهم أهل المَنزلة الدنيئة - ما أسوأ حالهم!، ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾ يعني: والسابقونَ إلى الطاعات في الدنيا هم السابقونَ إلى الدرجات العالية في الجنة، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ هم ﴿ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ عند الله تعالى في أعلى درجات الجنة، ﴿ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ أي في بساتين النعيم الدائم (التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتَلَذُّالأعين)، وإنّ هؤلاء السابقين ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴾ أي جماعة كثيرة مِن مُؤمِني الأمم السابقة، وأيضاً من المُسلمين الأوائل في هذه الأمّة (الذين سبقوا غيرهم إلى الجهاد والهجرة)، ﴿ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴾ يعني: وقليلٌ مِن آخر هذه الأمة. ♦ ويَجلسون في الجنة ﴿ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ﴾ أي على سُرُر مَنسوجة بالذهب (والسُرُر جمع سرير) ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ﴾ أي يُقابل بعضهم بعضًا (وهم في غاية الحب والبهجة والسرور)، يَجمعهم مَجلس واحد يَتسامرونَ فيه على السُرُر، فإذا أرادوا الانصراف: تدورُ بهم السُرُر إلى قصورهم، و﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ ﴾ - لخدمتهم في الجنة - ﴿ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴾ أي أطفال صغار لا يَشيبون ولا يموتون، فيَدورون عليهم في مَجالسهم ﴿ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ﴾ (والأباريق جمع إبريق، وهو الإناء الذي يُصَبّ منه الشراب و"العصائر")، ﴿ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴾ أي: ومعهم كؤوس مِن خمر، يأتونَ بها مِن عيون جارية في الجنة (كعيون الماء الجارية على الأرض) ﴿ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ﴾ أي لا تُصَدَّعُ منها رؤوس شاربيها ﴿ وَلَا يُنْزِفُونَ ﴾ أي لا يُسكَرون بسببها، لأنها لا تَذهب بعقولهم كخمر الدنيا، (واعلم أن الله تعالى قد شَّبه العقل - الذي يَذهب بسبب الخمر - بالدم الذي يَنزِف من الجريح)، ﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴾ أي يَختارونَ ما يشاؤون من الفواكه اللذيذةالتي يطوف بها الخَدَم عليهم، ﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ (مِن كل أصناف الطيور التي ترغب فيها نفوسهم)، ﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴾ يعني: ولهم زوجاتٌ جميلات، بِيض الوجوه، واسعات الأعين، (وهذا الوصف يشمل النساء المؤمنات والحور العين)، ﴿ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴾ يعني كأنّ هؤلاء النساء - في جمالهنّ وإشراقة وجوههنّ - لؤلؤ مُخبَّأ في أصدافه، لم تمَسّه الأيدي، وقد كان هذا النعيم﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (من الإيمان والتوبة والعمل الصالح)، ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ﴾: أي لا يَسمعون في الجنة كلاماً باطلاً ولا كلاماً يَتأثمون بسماعه (كالغيبة وغيرها)، حتى لا يَتكدر صفو نعيمهم، ولا تتنغص لذة حياتهم،﴿ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾: أي لكنهم يَسمعون قولاً سالمًا من الأذى، وكذلك يَسمعون تسليم بعضهم على بعض، وتسليم الملائكة عليهم. من الآية 27 إلى الآية 40: ﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ ﴾ - وهم أهل المَنزلة العالية - ﴿ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ﴾ يعني ما أعظم مكانتهم وجزاءهم! (إذ قلوبهم مليئةٌ بالسعادة، ووجوههم تَظهر عليها آثار النعيم وتملؤها الفرحة)، إنهم يَتنعمون ﴿ فِي سِدْرٍ ﴾: أي في شجر السِدْر، الذي يَخرج منه ثمرة النَبْق، التي هي أحلى من العسل وأنعم من الزبد، (واعلم أن شجر السدر فيه ثلاث مِيزات: ظل ظليل، وثمر لذيذ، ورائحة ذكية) ﴿ مَخْضُودٍ ﴾ أي لا شوك فيها كما في الدنيا، ﴿ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ﴾ يعني ومَوز متراكب بعضه على بعض﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴾ أي ظلٍّ دائم لا يزول ﴿ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ﴾ أي ماء جارٍ لا ينقطع ﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ﴾ من مختلف الأصناف ﴿ لَا مَقْطُوعَةٍ ﴾ أي لا تنقطع عنهم ﴿ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ أي لا يَمنعهم أحدٌ مِن أخْذها (بل كل ما يطلبونه يأخذونه)، ﴿ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ﴾ أي يَجلسون على فُرُشٍ جميلة مرفوعة على السُرُر (أو: مرفوعة عن الأرض ليتكئوا عليها)، ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ﴾: يعني أنشأنا نساءَ الجنة - اللاتي يَجلسنَ على هذه الفُرُش - نشأةً غير النشأة التي كانت في الدنيا، (بحيثُ يَسعَد بها زوجها وتُسَرّ عينه برؤيتها، فلا يَنظر إلى غيرها) ﴿ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ﴾ ﴿ عُرُبًا ﴾ أي مُتَحَبِّبات إلى أزواجهن، إذ يُسمِعونهم أجمل الكلمات وأرَقّ الأصوات وأروع الضحكات، فيَتعلق قلب زوجها بها، ويَشتد حبه لها (حتى يكاد يطير من الفرحة وهو معها)، وقد جعلهنّ اللهُ ﴿ أَتْرَابًا ﴾ أي في سنٍّ واحدة (وهو سن أهل الجنة: ثلاث وثلاثين سنة) (انظر صحيح الترمذي ج: 4 /682)، وقد خلقناهنّ ﴿ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾ وهُم ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴾ أي جماعة كثيرة من الأولين ﴿ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴾ يعني: وجماعة كثيرة من الآخرين (فهل مِن مُشَمِّرٍ للجنة، بالتوبة وصالح الأعمال، وكثرة الحمد والاستغفار؟). من الآية 41 إلى الآية 56: ﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ ﴾ - وهم أهل المَنزلة الدنيئة - ﴿ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ﴾ يعني ما أسوأ حالهم وجزاءهم!،إنهم ﴿ فِي سَمُومٍ ﴾ أي في ريح شديدة الحرارة - تخرج من حَرِّ جهنم - فتَخنِق أنفاسهم وتَحرق جلودهم، ﴿ وَحَمِيمٍ ﴾ يعني: وماء مَغلي ﴿ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ﴾: أي ظِل مِن دخان شديد السواد﴿ لَا بَارِدٍ ﴾ كغيره من الظلال، بل هو شديد السخونة، ﴿ وَلَا كَرِيمٍ ﴾ حَسَن المنظر، بل هو شديد القُبح، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ﴾ أي كانوا في الدنيا مُتنعِّمينَ بالحرام، مُعرِضينَ عما جاءتهم به الرُسُل، لا يُتعِبون أنفسهم في طاعة الله تعالى وأداء تكاليفه،﴿ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ﴾ أي كانوا يُقيمون على الشرك والمعاصي، ولا يَنوون التوبة منها، ﴿ وَكَانُوا يَقُولُونَ ﴾ - مُستبعِدينَ للبعث يوم القيامة -: ﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾؟ أي سنُبعَث أحياءً من قبورنا، بعد أن تحَلَّلتْ عظامنا في تراب الأرض؟! ﴿ أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ﴾؟! يعني أو يُبعَث آباؤنا الذين مضوا مِنقبلنا؟!، ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ ﴾ ﴿ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ أي سيُجمَعون في يومٍ معلوم بوقتٍ مُحَدَّد (وهو يوم القيامة)﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ﴾ ﴿ لَآَكِلُونَ ﴾ في نار جهنم ﴿ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ﴾ التي ثَمَرها غايةٌ في الحرارة، وغايةٌ في المَرارة، ﴿ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾ من شدة الجوع (رغم أنها تغلي في حلوقكم وأمعاءكم) ﴿ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ﴾ يعني إنهم بعد الأكل من الزقزم يَعطشون، فيَشربون ماءً شديد الحرارة، لا يَرْوي ظمأهم، بل يَشوي وجوههم ويُقَطِّع أمعاءهم، ﴿ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ﴾: أي فستَشربون منه بكثرة، كشُرب الإبل العطاش التي لا تَرْتوي بالماء - بسبب مَرَضٍ يصيبها - فيَظل حلقها دائماً شديد العَطَش، شديد الجَفاف، ﴿ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ﴾: يعني هذا الذي يَلقونه من العذاب هو ما أُعِدَّ لهم من الضيافة يوم القيامة (واعلم أن كلمة "ضيافة" هنا تحمل توبيخاً لهم واستهزاءً بهم). من الآية 57 إلى الآية 62: ﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ ﴾ أيها الناس ولم تكونوا شيئًا ﴿ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ ﴾ يعني فهَلاَّ تصدِّقون بالبعث! (فإنّ الذي ابتدأ خَلْقكم قادرٌ أيضاً على بَعثكم)، ثم ذَكَرَ سبحانه بعض الأدلة على ذلك، فقال: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ﴾؟ يعني أرأيتم المَنِيّ التي تضعونه في أرحام نسائكم؟ ﴿ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ ﴾؟! يعني هل أنتم الذين تخلقون ذلك بَشَرًا حياً؟! ﴿ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾؟! ﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ﴾ أي قَدَّرناهُ عليكم، وكَتبنا لكل واحد منكم أجلاً مُحَدَّداً لا يتأخر عنه بحال، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾يعني: وما نحن بعاجزينَ عن إعادتكم أحياءً بعد موتكم، بل إننا قادرونَ أيضاً ﴿ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ ﴾ أي نُبَدِّل ما أنتم عليه من الخَلق والصورة ﴿ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ أي نُوجدكم في صِوَرٍ لا تعلمونها (وهذا تهديدٌ لهم بمَسخهم إلى أبشع الحيوانات وأقبحها)، ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى ﴾ يعني: ولقد علمتم أن اللهَ تعالى هو الذي أنشأكم النشأة الأولى ولم تكونوا شيئًا ﴿ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ﴾: يعني فهَلاَّ تتذكَّرون قدرة الله على إنشائكم مرة أخرى (فإن إعادة الشيء كما كان، أسهل مِن إيجاده أول مرة). من الآية 63 إلى الآية 67: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ﴾؟ يعني أرأيتم الزرع الذي تضعون بذرته في الأرض؟ ﴿ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ ﴾؟! يعني هل أنتم الذين تُنبتونه في الأرض؟! ﴿ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾ يعني بل نحن الذين نُنبته في الأرض ونُخرج منه الورق والحب والثمر،و﴿ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا ﴾ أي لَجعلنا ذلك الزرع يابساً، لا يُنتفع به ﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾: يعني فأصبحتم - حينئذٍ - تتعجبون مما نزل بزرعكم، وتقولون:﴿ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ﴾ أي خَسرنا ما أنفقناه على هذا الحَرث ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ من الرزق. من الآية 68 إلى الآية 70: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ﴾؟ أي الذي تشربونه لتحْيَوا به؟ ﴿ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ ﴾ أي مِن السحاب؟! ﴿ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ﴾: يعني بل نحن الذين أنزلناه رحمة بكم، و﴿ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ ﴾ أي لَجعلنا هذا الماء ﴿ أُجَاجًا ﴾ أي شديد الملوحة (لا يُنتفع به في شُربٍ ولا زرع)، ﴿ فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ يعني فهَلاَّ تشكرون ربكم على إنزال الماء العذب لنَفعِكم، فتوَحِّدوه وتطيعوا أمْره! من الآية 71 إلى الآية 74: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ﴾ أي التي توقدونها؟، ﴿ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا ﴾؟! يعني أأنتم الذين خلقتم شجرتها التي تُقدَح منها النار (مِثل شجر "الزِند والمَرْخ والعَفار والكَلْخ")؟! ﴿ أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ﴾: يعني بل نحن الخالقونَ لتلك الأشجار، (فالذي أوجد النار في الشجر الرَطب بالماء، قادرٌ على أن يبعثكم أحياءً بعد موتكم ليُحاسبكم)، ﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ﴾ أي جعلنا نار الدنيا تذكيرًا لكم بنار جهنم، لتتقوا عذاب ربكم بالإيمان والتوبة والعمل الصالح، ﴿ وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ﴾ يعني: وجَعَلنا النار ليَنتفع بها المُسافرون (بالتدفئة والإضاءة ونُضج الطعام)، ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾: أي فنَزِّه - أيها النبي - ربك العظيم عن شِرك المُشرِكين قائلاً: (سبحان ربي العظيم)، إذ هو سبحانه كامل الأسماء والصفات، كثير الخير والإحسان، وأما غيره فلم يَخلق شيئاً ولم يُنعِم بشيء، فكيف يَعبدونهم من دون الله تعالى؟! من الآية 75 إلى الآية 82: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾: يعني أُقسِم بمواقع النجوم، (إذ هذا مِثل قول القائل مُهدداً: (أنا لن أقسم، ولكنْ لولم تفعل كذا: سوف يَحدث كذا)، وهذا تأكيدٌ للقسم، فأقسَمَ سبحانه بسقوط النجوم في مغاربها (أو بالمواقع التي يَمُرّ بها النجم) - ﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ أي عظيمٌ في قَدَره (لو كنتم مِن أهل العلم)، ثم أخبر سبحانه عن جواب القَسَم (وهو الشيء الذي يُقسِم اللهُ عليه)، فقال:﴿ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ﴾: يعني إنّ هذا القرآن - الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم - لَقرآنٌ عظيمُ المنافع، كثير الخير، غزير العلم، يدعو إلى كريم الأخلاق، وهو مكتوبٌ ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾ أي في كتاب مَصُون مستور عن أعين الخلق، وهو اللوح المحفوظ (وذلك على الراجح من أقوال العلماء) ﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾: أي لا يَمَسُّ اللوح المحفوظ إلا الملائكة الكِرام (الذين طهَّرهم الله من الذنوب والعيوب)، وهذا القرآن الكريم ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي مِن رب الخلائق أجمعين، ﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ﴾؟! يعني أفبهذا القرآن العظيم أنتم مُكَذِّبونَ أيها المُشرِكون؟!، ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ يعني: وتجعلون شُكركم لنعم الله عليكم - وأعظمها القرآن - أنكم تكذِّبون بها وتكفرون؟! من الآية 83 إلى الآية 96: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴾: يعني فهَلاّ تستطيعون - إذا وصلت روحُ أحدكم إلى حَلقه عند موته ﴿ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ﴾ يعني: وأنتم حضورٌ تنظرون إليه - أن تمسكوا روحه في جسده؟! لن تستطيعوا ذلك، ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ﴾ بملائكتنا (مَلَك الموت وأعوانه)، ﴿ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾ يعني: ولكنكم لا ترونهم،﴿ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾: يعني فهل تستطيعون - إن كنتم غير مُحاسَبين ولا مَجزيين بأعمالكم -: ﴿ تَرْجِعُونَهَا ﴾؟! أي تعيدون الروح إلى الجسد ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في أنكم غير مُجازين بعد الموت؟!، لن ترجعوها (إذاً فاعلموا أنّ الذي أخَذَها قهراً مِن جَسَدها، قد أخَذَها لحكمةٍ عظيمة، وهي بَعْثها بعد موتها لتُجازَى على أعمالها، وإلاّ لَبَقِيَتْ الأرواح في الأجساد، إذ لا فائدة مِن انتزاعها منها بعد وَضْعها فيها إلا حِكمةُ نَقْلها إلى حياةٍ ثانية، لتُجازَى فيها على ما عملتْ في الحياة الأولى). ﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ ﴾ أي المَيّت ﴿ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ (وهم السابقون، المذكورون في أول السورة): ﴿ فَرَوْحٌ ﴾: أي فله عند موته راحة من عناء الدنيا، وفرحة غامرة تغمر قلبه وروحه (عندما يُبَشَّر بالجنة)، ﴿ وَرَيْحَانٌ ﴾ أي له رائحةٌ ذكية طيبة ورِزقٌ حَسَن، ﴿ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾ في الآخرة (إذ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر)، ﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾ (وهم أقل درجةً من السابقين المُقرَّبين): ﴿ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾ يعني فيُقال له: سلامةٌ لك وأمْنٌ (لأنك من أصحاب اليمين)، (أو لَعَلّ المقصود: أنّ إخوانه الذين سَبَقوه مِن أصحاب اليمين يُسَلِّمون عليه ويُحَيّونه عند وصوله إليهم ولقائه بهم)، ﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ بالبعث، ﴿ الضَّالِّينَ ﴾ عن الهدى:﴿ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ﴾: أي فله ضِيافة مِن شراب جهنم المَغلي ﴿ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ﴾: يعني وله نارٌ يُحرَق بها، ويُقاسي حَرّها، ﴿ إِنَّ هَذَا ﴾ الذي قصصناه عليك - أيها الرسول - ﴿ لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ﴾ الذي لا شك فيه، ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ أي نزِّه وقَدِّس اسمه العظيم عمّا يقول الظالمون والجاحدون، قائلاً بلسانك وبقلبك: (سبحان ربي العظيم). [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#194
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة الحديد ♦ من الآية 1 إلى الآية 6: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: أي نَزَّهَ اللهَ تعالى - عن كل ما لا يليق به - جميع الكائنات التي في السماوات والأرض، (حتى الكفار، فإنهم - وإن لم يُسَبّحوا اللهَ بلسانهم - فإنهم يُسَبّحونه بحالهم، إذ يَشهدون بفِطرتهم أنّ اللهَ سبحانه هو الخالق القادر، ويَسجدونَ له بخضوعهم لأحكامه الجارية عليهم - مِن غِنىً وفقر، وصحةٍ ومرض، وسعادةٍ وشقاء - ولا يَقدرون أن يَرُدّوها) ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب الذي لا يَمنعه شيءٌ مِن فِعل ما يريد، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في صُنعه وأحكامه وتدبير أمور خلقه، ﴿ لَهُ ﴾ سبحانه ﴿ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ فهو المالك المتصرف في خلقه﴿ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ (فهو سبحانه المتفرِّد بالإحياء والإماتة، المُستحِق وحده للعبادة)،﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (فما شاءه كان، وما لم يَشأه لم يكن)،و﴿ هُوَ الْأَوَّلُ ﴾ الذي ليس قبله شيء ﴿ وَالْآَخِرُ ﴾ الذي ليس بعده شيء، ﴿ وَالظَّاهِرُ ﴾ الذي ليس فوقه شيء، ﴿ وَالْبَاطِنُ ﴾ الذي ليس دونه شيء (أي ليس شيءٌ أقرب إليه من شيءٍ آخر، بل هو سبحانه القريب مِن كل شيء - على حَدٍ سواء - بعلمه وإحاطته وقدرته وهو فوق عرشه) ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ لا يَخفَى عليه شيء،و﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾،﴿ ثُمَّ ﴾ - بعد خَلْق السماوات والأرض -: ﴿ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ أي عَلاوارتفع على عرشه (فوق جميع خَلْقه) استواءً يَليق بجلاله وعظمته (لا يُشبه استواء المخلوقين، لأنه سبحانه ليس كمِثله شيء). ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ ﴾أي يعلم سبحانه كل ما يدخل في الأرض من الماء والبذور والأموات ﴿ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ﴾ من النباتات والمعادنوالكنوز ﴿ وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ من الأمطار والملائكة والكتب ﴿ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾ يعني: وما يَصعد إليها منالملائكة وأعمال الخلق، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ مَعَكُمْ ﴾ - بعلمه وإحاطته - ﴿ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ وسيجازيكم على أعمالكم،﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ وما فيهنّ (لا شريك له في الخلق والتدبير والعبادةوالتشريع)﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾: يعني وإليه سبحانه مَرجع الخلائق يوم القيامة للحساب والجزاء، ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾أي يُدخِل ما يَنقص من ساعات الليل في ساعات النهار، ﴿ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ أي يُدخِل ما نَقَصَ منساعات النهار في ساعات الليل، فيَطولُ هذا ويَقصُر ذاك ﴿ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ أي هو عليمٌ بكل ما تُخفِيهِ الصدور من النِيَّات والخواطر، (فاحذروا أن يَطَّلع عليكم وأنتم تخفون في صدوركم ما لا يُرضيه). ♦ الآية 7، والآية 8، والآية 9: ﴿ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ يعني: يا مَن لم تؤمنوا بعد: آمِنوا بالله ورسوله، ويا مَن آمنتم: اثبُتوا على إيمانكم ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ يعني: وأنفقوا من المال الذي رزقكم الله به واستخلفكم فيه - أي أورثكم إياه - بعد هلاك السابقين، ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ وَأَنْفَقُوا ﴾ من مالهم في سبيل الله ﴿ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ يوم القيامة،﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾؟! يعني: وأيُّ شيءٍ يَمنعكم من الإيمان بوحدانية الله تعالى والعمل بشرعه، رغم وضوح الأدلة على ذلك - وأولها شعوركم الفِطري بأنّ الله هو خالقكم - ﴿ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ ﴾ ليلاً ونهاراً ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ ﴾؟!﴿ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ ﴾ يعني: وقد أخذ اللهُ العهدَ منكم على ذلك التوحيد وأنتم في ظهر أبيكم آدم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني إن كنتم تريدون الإيمان: فآمِنوا قبل فوات الأوان، ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ أي دلائل واضحة من آيات القرآن وبراهينه ﴿ لِيُخْرِجَكُمْ ﴾ بذلك ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ أي مِن ظُلُمات الكُفر إلى نورالإيمانِ، ومِن ظُلُمات الجهل إلى نورالعِلم، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾: يعني إن الله تعالى - بإخراجه لكم من الظلمات إلى النور - لَيَرْحمكم رحمة واسعة، ويُجازيكم أحسن الجزاء (إن آمنتم بآياته ولم تتكبروا عن الانقياد لها). ♦ من الآية 10 إلى الآية 15: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا ﴾ أيها المؤمنون ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي في طُرُق الخير الموصلة إلى جنته - وأولها الجهاد في سبيل الله لتقويَة المسلمين وإضعافِ المُشرِكين - ﴿ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾؟! أي سوف يَرث سبحانه كلَّ ما فيهما بعد فناء الخلق، (ومِن ذلك: هذا المال الذي بأيديكم)، إذاً فأنفِقوا منه في سبيله، قبل أن يعود إليه دونَ أن تؤجَروا عليه، واعلموا أنه ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ﴾: أي لا يتساوى في الأجر والثواب مَن أنفق منكم من قبل فتح "مكة" وقاتل الكفار (حين كان المالُ قليلاً، وحين كان المسلمون أقل عدداً وسلاحاً مما كانوا عليه بعد الفتح) ﴿ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ﴾ عند الله تعالى ﴿ مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ ﴾ أي من بعد الفتح ﴿ وَقَاتَلُوا ﴾﴿ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ يعني: وكِلا الفريقين قد وعدهم الله بالجنة ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ لا يَخفى عليه إنفاقكم وقتالكم وجميع أعمالكم (ألاَ فاتقوه وامتثِلوا أمْره)،ثم رَغَّبهم سبحانه في الإنفاق بقوله:(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ أي يُنفق إنفاقًا حسنًا (يعني من مال حلال - طالبًا للأجر من الله تعالى - مِن غير أن يَمُنّ على الفقير) ﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾ أي يُضاعِف له ربه أجْر الصَدَقة إلى سبعمائة ضعف، ﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ وهو الجنة. ♦ واعلم أنّ اللهَ تعالى قد سَمَّى ذلك الإنفاق قرضًا؛ حثًّاً للنفوس على العَطاء؛ لأنّالمُقرِض مَتَى عَلِمَ أنّ ماله كله سيعود إليه - مع مُضاعَفة حسناته وتكفير سيئاته - سَهُلَ عليهإخراجه، واعلم أيضاً أنّ مَجيء لفظ الجلالة﴿اللَّهُ﴾ في قوله تعالى: ﴿يُقْرِضُ اللَّهَ﴾فيه غاية الطَمَأنينة للمُنفِق؛ لأنه يَعلم أنّ قرْضَهُ سيُعطيه لِغنيٍ كريمٍ قادر. ♦ وسوف يُعطي اللهُ المُنفقين ذلك الأجر يوم القيامة ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ ﴾ (الذي اكتسبوه بالإيمان والعمل الصالح)، فهذا النور يَتقدمهم ليُضيئ لهم الصراط المُظلِم (الذي يجتازونه إلى الجنة)، فيَمشي ذلك النور ﴿ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ يعني مِن أمامهم يهديهم إلى طريق الجنة ﴿ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾ أي يُحيط بهم النور من جميع جوانبهم (وإنما اقتصر سبحانه على ذِكر جهة اليمين على سبيل التشريف لتلك الجهة)، واعلم أنّ نورهم يكون على قدر أعمالهم، وتقول لهم الملائكة المُعَدّة لاستقبالهم: ﴿ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أي تجري الأنهار مِن خلال أشجارها وقصورها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا تخرجون منها أبدًا، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾، ثم ذَكَرَ سبحانه حال المنافقين يوم القيامة بقوله: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ - وهم على الصراط -: ﴿ انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ﴾: أي انتظرونا نَستضِئ من نوركم لنستطيع المرور على الصراط في هذا الظلام، فـ﴿ قِيلَ ﴾ أي يُقال لهم: ﴿ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ ﴾ أي ارجعوا إلى الدنيا﴿ فَالْتَمِسُوا نُورًا ﴾ أي فاطلبوا نورًا بالإيمان والعمل الصالح (وذلك استهزاءً بهم)، ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي فُصِلَ بين المؤمنين والمنافقين ﴿ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ ﴾﴿ بَاطِنُهُ ﴾ - أي مِن ناحية المؤمنين -: ﴿ فِيهِ الرَّحْمَةُ ﴾ وهي الجنة،﴿ وَظَاهِرُهُ ﴾ - أي من ناحية المنافقين -: ﴿ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ أي مِن جهته العذاب، (وذلك جزاءً لهم على إظهارهم الإيمان بألسنتهم، وإخفائهم الكفر في قلوبهم)، وحينئذٍ﴿ يُنَادُونَهُمْ ﴾ أي يُنادِي المنافقون على المؤمنين قائلين: ﴿ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ﴾ في الدنيا، نؤدي العبادات مثلكم؟!، فـ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال لهم المؤمنون: ﴿ بَلَى ﴾ قد كنتم معنا في الظاهر ﴿ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ يعني أهلكتم أنفسكم بالنفاق والمعاصي، وأوقعتم أنفسكم في الفتن ﴿ وَتَرَبَّصْتُمْ ﴾ أي انتظرتم المصائب والموت بالنبي وبالمؤمنين، ﴿ وَارْتَبْتُمْ ﴾ أي شَكَكتم في دين الله تعالى ﴿ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ ﴾ أي خدعتكم أمانِيكم الباطلة، وخَدَعكم طول الأمل بأن الموت بعيد وهو آتيكم لا مَحالة، وبَقيتم على ذلك ﴿ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾ أي حتى جاءكم الموت ﴿ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ أي خدعكم الشيطانبإمهال الله لكم، فجَرَّأكم على الاستمرار في الضلال، ﴿ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ ﴾ أي لا يُقبل منكم شيءٌ تَفتدونَ به من العذاب ﴿ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (وهم الذين أعلنوا الكفر ولم يُخفوه مِثلكم)، ﴿ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ﴾ أي مَسكنكم جميعاً نارُ جهنم ﴿ هِيَ مَوْلَاكُمْ ﴾ يعني هي أوْلى بكم من كل منزل (لخُبث نفوسكم) ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ يعني: وهي بئسَ المَرجعُ والمُقام. ♦ الآية 16، والآية 17: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ يعني ألم يَحِن الوقت للمؤمنين - الذين أصابتهم الغفلة، فأكثَروا من المِزاح، وأكثَروا الكلامَ بغير ذِكر الله تعالى - ﴿ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾؟ أي تلين قلوبهم وتَرِقّ عند ذِكر الله وسماع القرآن، وعند ذِكر وعد الله ووعيده؟ ﴿ وَلَا يَكُونُوا ﴾ - في قسوة القلوب والغفلة - ﴿ كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ - من اليهود والنصارى - ﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي مِن قبل بعثة النبي محمد ﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ﴾ أي فقد طالَ عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم ﴿ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ (لعدم وجود مَن يُذكِّرهم ويُرشدهم)، فبدَّلوا كلامَ الله تعالى﴿ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ يعني: وأصبح أكثرهم خارجين عن طاعة الله وأمْره. ♦ ثم أخبر الله المؤمنين بأنه قادرٌ على إزالة تلك القسوة من القلوب، فقال: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ (وذلك بإنزال المطر وإخراج النبات، فتصير حية بعد أن كانت مَيّتة)، فكذلك هو قادرٌ على إحياء القلوب الميّتة وتليينها بعد قسوتها (وذلك بالإكثار مِن ذكر الله تعالى، وكثرة التذكير بالوعد والوعيد)، (واعلم أنّ هذا الخطاب يَشمل أيضاً أهل الكتاب، فاللهُ تعالى قادرٌ على إزالة تلك القسوة مِن قلوبهم، إنْ هم تابوا وآمَنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم)، ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ ﴾ الدالة على قدرتنا ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ أي لتعقلوا هذه الآيات فتؤمنوابها وتفعلوا ما ينفعكم في الدنيا والآخرة. ♦ الآية 18، والآية 19: ﴿ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ ﴾ أي المتصدقين من أموالهم والمتصدقات ﴿ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾يعني وكانت صدقاتهم كالقرض الحَسَن (أي مِن مالٍ حلال، وقد أخرجوها طلباً لرضا ربهم وجنته، ولم يَمُنّوا بها على الفقير)، فأولئك ﴿ يُضَاعَفُ لَهُمْ ﴾ ثواب تلك الصدقات إلى سبعمائة ضِعف ﴿ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ وهو الجنة،﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ ولم يُفرِّقوا بين أحدٍ منهم في الإيمان ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ﴾ أي الذين كَمُلَ تصديقهم بما جاءتهم به رُسُلهم (اعتقادًا وقولاً وعملاً)، ﴿ وَالشُّهَدَاءُ ﴾ أي شُهداء المعارك في سبيل الله، هم الآن ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ أي في الجنة (إذ أرواحهم في أجواف طيرٍ خُضر، تأكل من الجنة حيث شاءت)، و﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ أي لهم أجرهم الجزيل، ونورهم العظيم (وذلك يوم القيامة)، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾ الواضحة ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ (فلا أجْرَ لهم ولا نور)، بل يَحترقون في نار جهنم. ♦ الآية 20: ﴿ اعْلَمُوا ﴾ أيها الناس ﴿ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ في غالب أحوالها ﴿ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾ أي تلهو بها القلوب وتلعب بها الأبدان ﴿ وَزِينَةٌ ﴾ تتزينون بها، ﴿ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ﴾ بمتاعها الزائل، ﴿ وَتَكَاثُرٌ ﴾ أي تَزايُد ﴿ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾ والانشغال بذلك عن الآخرة، وهذه الدنيا - في سرعة زوالها -:﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ﴾ أي كمَثَل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته (أي النبات الذي خَرَجَ بسبب هذا المطر)، ﴿ ثُمَّ يَهِيجُ ﴾ أي يَجِفّ ذلك الزرع ﴿ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ﴾ بعد خُضرته ونَضارته ﴿ ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ﴾ أي متكسِّرًا متفتتًا، (فكذلك تزول الدنيا سريعاً كسُرعة زَوال هذا الزرع بعد خُضرته)، ﴿ وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ للكفار ﴿ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ﴾ لأهل الإيمان ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ - لمن عمل لها ونسي آخرته - ﴿ إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ أي متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها. ♦ واعلم أن المقصود بكلمة (الْكُفَّارَ) المذكورة في الآية أي الزُرَّاع، وهم الذين كفروا - أي غَطُّوا - بذرة الزرع بتراب الأرض، إذ الفعل (كَفَرَ) معناه في اللغة (غَطَّى)، ولذلك سُمِّيَ الجاحدونَ كفاراً، لأنهم يُغَطون الإيمان الذي خلقه الله في فِطرتهم. ♦ الآية 21: ﴿ سَابِقُوا ﴾ أي تسابَقوا - أيها الناس - في السَعي ﴿ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ (وذلك التوبة النصوح والابتعاد عن المعاصي)، لتفوزوا بمغفرةٍ من ربكم ﴿ وَجَنَّةٍ ﴾ واسعة ﴿ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾﴿ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾: أي هي مُعَدَّة للذين وحَّدوا اللهَ واتَّبَعوا رُسُله، ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ إذ الجنة لا تُنال إلا برحمة الله وفضله (بسبب الإيمان والعمل الصالح) ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ أي ذو العطاء الكثير الواسع. ♦ الآية 22، والآية 23، والآية 24: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ ﴾ يعني ما أصابَ أحدٌ مكروهاً قط (من الأمراض والجوع والموت وسائر الابتلاءات) ﴿ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ ﴿ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾: يعني إلا هي مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل أن تُخْلَق الخليقة ﴿ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ أي سهلٌ عليه سبحانه لأنه على كل شيء قدير، وقد أخبَرَكم سبحانه بذلك ﴿ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ﴾: يعني لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من حظوظ الدنيا (لأنكم تعلمون أنّ كل شيء مُقَدَّر، وأنّ الآخرة خيرٌ وأبقى) ﴿ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ ﴾ من النعم (فرحَ كِبر وغرور)، لأنكم تعلمون أنكم ما أدركتم تلك النعم بحَولكم وقوتكم، وإنما هو بفضل الله ورحمته، إذاً فاشتغِلوا بشُكر مَن أعطاكم النعم وصَرَفَ عنكم البلاء، ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ ﴾ أي مُعجَبٌ بنفسه، متكبر على الخلق بنعم الله عليه، ﴿ فَخُورٍ ﴾ أي يَمدح نفسه على سبيل الفخر، فهذا الكِبر والفخر يَمنع المتكبرين من القيام بحقوق الله وحقوق الآخرين، ولهذا قال تعالى بعدها: ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾ بمالهم، ولا ينفقونه في سبيل الله، ﴿ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ﴾ بتحسينه لهم،﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ ﴾ يعني: ومَن يُعرض عن الإنفاق في سبيل الله فلن يضر إلا نفسه، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ عن صدقته، ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته. ♦ الآية 25: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بالحُجج الواضحات ﴿ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ﴾ أي أنزلنا عليهم الكتب - المتضمنة للأحكام والشرائع - فصارت معهم (أي يَحكمون بها بين الناس)، وشَرَعنا للناس الميزان (وهو العدل)، وألهَمَناهم بصُنع آلته (وهو المِيزان الذي يُوزَن به) ﴿ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾: أي ليتعامل الناس فيما بينهم بالعدل، ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾ أي فيه قوة شديدة، (والمقصود: آلات القتال، كالسَيف وغيره)، ﴿ وَمَنَافِعُ ﴾ كثيرة ﴿ لِلنَّاسِ ﴾ إذ مُعظم صناعاتهم معتمدة على الحديد،﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ ﴾ - علمًا ظاهرًا للخلق - ﴿ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ ﴾ أي يَنصر دينه ورُسُله بآلات القتال (المصنوعة من هذا الحديد)، ﴿ بِالْغَيْبِ ﴾ أي يَنصرونه سبحانه وهم لا يرونه بأبصارهم في الدنيا،﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾أي لا يحتاج إلى نُصرة أحد، وإنما طلب مِن عباده الجهاد لاختبار صِدق إيمانهم، ورفع درجاتهم في الجنة. ♦ والظاهر من قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) أن الله تعالى أنزل الحديد من السماء، كما أنزل آدم وحواء من السماء. ♦ الآية 26، والآية 27: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ إلى قومهما ﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴾ أي جعلنا في ذريتهماالأنبياء والكتب المُنَزَّلة (إذ كل الأنبياء الذين جاءوا من بعدهما كانوا من ذريتهما، وكل الكتب التي نزلتْ بعدهما نزلتْ على ذريتهما)، ﴿ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ﴾ يعني: فمِن ذريتهما أُناسٌ مُهتَدونَ إلى الحق، ﴿ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ أي خارجونَ عن طاعة الله،﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا ﴾ أي: ثم أتبعنا - على مِنهاج نوح وإبراهيم - برُسُلنا الذين أرسلناهم بالآيات، ﴿ وَقَفَّيْنَا ﴾ أي أتبعنا على مِنهاج أولئك الرُسُل ﴿ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ (وقد خُصَّ بالذِكر مِن بين الرُسُل لتأخره عنهم في الزمان)﴿ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ ﴾﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ﴾ أي الذين اتبعوا عيسى على دينه الحق - وهو توحيد الله تعالى - أولئك جَعَلَ الله في قلوبهم ﴿ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾ فكانوا مُتوادِّين فيما بينهم، رُحماء بالناس، ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ﴾ يعني: وقد ابتدعوا رَهبانية (بالغلوِّ في العبادة وعدم الزواج، وارتداء الثياب الخشنة، والانقطاع في الصوامع للتعبد)، ﴿ مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾أي ما فرضنا عليهم تلك الرهبانية، لِما فيها من التشديد، ﴿ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ﴾ يعني: ولكنهم هم الذين ألزَموا أنفسهم بها، قاصدينَ بذلك رضا الله، مِن غير أن يَشرعها اللهُ لهم!!، ﴿ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾: يعني فلم يلتزموا بما أوجبوه على أنفسهم من الطاعات، لأنهم شرعوا لأنفسهم ما يَشُقّ عليهم أن يلتزموا به ﴿ فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ﴾ وهم الذين ثبتوا على إيمانهم بالله ورُسُله وعبدوا اللهَ تعالى بما شرع، (ومِن ذلك: إيمانهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، المُبَشَّر به في كُتُبهم)، ﴿ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ أي كثيرٌ منهم خارجونَ عن طاعة الله، مُكَذِّبون بنَبِيّه محمد صلى الله عليه وسلم. ♦ الآية 28، والآية 29: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ أي آمَنوا بعيسى وموسى عليهما السلام: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي خافوا عقابه ﴿ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم (المذكور عندكم في التوراة والإنجيل): ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ (أي يُعطكم الله ضِعفين من الأجر - يعني أجراً مضاعفاً - مقابل إيمانكم بنبيّكم، ثم إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم) ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾ أي تهتدون به، (إذ تعيشون في الدنيا على نور هداية الله تعالى، وفي الآخرة تمشون بهذا النور على الصراط) ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ ذنوبكم، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لعباده التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم، حيث جعل التوبة نجاةً لهم من عذابه، وقد أعطاكم الله تعالى ذلك كله﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ﴾ أي ليَعلم أهل الكتاب - الذين رفضوا الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم - ﴿ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾: أي ليَعلموا أنهم لا يقدرون أن يَحصلوا على شيء مِن فضل الله تعالى (سواء يَكسبونه لأنفسهم أو يَمنحونه لغيرهم) إلا بإذنه (ومِن ذلك ادّعائهم كَذِباً بأنهم يَحملون "صك الغفران" لمن فعل المعاصي منهم!!)، ﴿ وَأَنَّ الْفَضْلَ ﴾ كله ﴿ بِيَدِ اللَّهِ ﴾ وحده ﴿ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ من عباده، ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ على خلقه. ♦ والظاهر أن المقصود من "الفضل" الذي لا يَقدر عليه أهل الكتاب: هو نعمة النُبُوّة والرسالة، لأنهم كانوا يريدون حَصْر النُبُوّة والرسالة في بني إسرائيل فقط، وكانوا يَرجون أن يكون النبي الخاتم مِن بني إسرائيل وليس مِن العرب، فجحدوا بنُبُوّة محمد صلى الله عليه وسلم، فلذلك ناداهم الله تعالى هنا بلفظ الإيمان، لتذكيرهم بأنهم أهل كتاب، وأنّ اللهَ قد أمَرَهم في كُتبهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويَتّبعوه، وأنه يجب أن يكونوا أول المؤمنينَ به من الناس، لأنهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم. ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ ﴾ أصله (لأنْ لا يعلم)، ومَعناه: لكي يَعلم، و (لا) هنا تُسَمّى ("لا" الزائدة لتقوية الكلام وتأكيده)، فهي كقوله تعالى: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ يعني أُقسِم بيوم القيامة. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#195
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة المجادلة الآية 1: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ ﴾ - مِن فوق سبع سماوات - ﴿ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ (وهي المرأة التي جاءت تجادلك - أيها الرسول - في شأن زوجها الذي قال لها: (أنتِ عليَّكظَهر أمي)، أي مُحَرَّمة عليّ كحُرمة أمي التي ولدتني، فلا أقرَبُكِ ولا تَحِلِّين لي) (وقد كان هذا القول يُعتبر طلاقًا في الجاهلية)، ﴿ وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ﴾ يعني: وهي تتضرع إلى الله تعالى لتفريج كُربتها، ﴿ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ - مِن عليائه -﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ لكل قول، ﴿ بَصِيرٌ ﴾ بكل شيء. ♦ تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (تبارك الذي وَسِعَ سَمْعُهُالأصوات، إنّ المرأة لَتُناجي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، أسمَع بعضكلامها، ويَخفى عليَّ بعض، إِذ أنزل اللهُ تبارك وتعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾). الآية 2: ﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾ أي يُحَرِّمون زوجاتهم على أنفسهم كحُرمة أمهاتهم عليهم (وهو ما يُعرَف بالظِهار)، فهؤلاء قد عصوا الله تعالى بهذا الظِهار وخالَفوا شرعه. ♦ ثم أبطَلَ سبحانه هذا الظِهار - الذي يَظلم الزوجة - وبَيَّنَ أنها لا تصيرأُمًّا بحال، فقال: ﴿ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ﴾ يعني: إنّ نسائهم لَسْنَ في الحقيقة أمهاتهم، إنما هُنّ زوجاتهم, و﴿ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ يعني ما أمهاتهم ﴿ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ﴾ ﴿ وَإِنَّهُمْ ﴾ أي هؤلاء الأزواج المُظاهِرون ﴿ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ﴾: أي يقولون قولًا كاذبًا فظيعًا لا حقيقة له، ولا يؤخَذ به في الشرع، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ أي يعفو عمَّن صَدَرَ منه بعض المُخالَفات - ويَغفر له ذنوبه - إذا تَداركها بالتوبة النصوح والاستغفار. الآية 3، والآية 4: ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾ (وذلك بأن يقولوا لهنّ: (أنتِ عليَّكظَهر أمي)، أي كحُرمتها) ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ﴾ أي يَعزمون على العودة للتي ظاهَروا منها (إذ كان الظِهار في الجاهلية طلاقًا)، فإذا رجع المُظاهرونَ منكم عن قولهم وعزموا على إتيان نسائهم: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ يعني: فعلى الزوج المُظاهِر أن يُخرِج كفارة الظِهار (وهي عِتق رقبة مؤمنة، عبدًا كانَ أو جارية)، بشرط أن يَعتق الرقبة ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾: أي مِن قبل أن يُجامع زوجته التي حَرَّمها على نفسه، ﴿ ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ﴾: يعني ذلك هو حُكم الله فيمَن ظاهَرَ مِن زوجته، وقد وَعَظكم الله - أي أمَرَكم - بعدم الوقوع فيه، وأوجب هذه الكفارة على مَن وقع فيه; لكي لا تعودوا إليه أبدًا ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالكم، وسيُجازيكم عليها، ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ﴾ رقبة يُعتقها، أو لم يستطع دفع ثمنها: ﴿ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾ يعني: فعليه صيام شهرين متتاليين مِن قبل أن يُجامع زوجته, ﴿ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ﴾ أن يصوم الشهرين لعُذر شرعي: ﴿ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾ يعني: فعليه أن يُطعم ستين مسكينًا بما يُشبعهم، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي بيّنَّاه لكم من أحكام الظِهار ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ وتعملوا بما شَرَعه الله لكم, وتتركوا ما كنتم عليه في جاهليتكم، (إذ الإيمان بالله ورسوله: اعتقادٌ وقولٌ وعمل)، ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ يعني: تلك الأحكام هي أوامر الله وحدوده فلا تتجاوزوها, ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ ﴾ - الذين يَجحدون شرائع الله وحدوده ويتعدونها - لهم ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في نار جهنم. الآية 5، والآية 6: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي يُعادونَ اللهَ ورسوله ويَكرهون شَرعه، أولئك ﴿ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ أي خُذِلوا وأُهينوا، كما خُذِل الذين خالَفوا أمْر الله ورُسُله مِن قبلهم, فأذاقهم اللهُ عذابه وأذلّهم، (وقد ذَكَرَ سبحانه لفظ (كُبِتُوا) بصيغة الماضي - مع أن عقابهم وإذلالهم لم يأتِ بعد - لتحقق وقوع ذلك العقاب في عِلم الله تعالى، إذ هذا كقوله سبحانه: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ))، ﴿ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ أي واضحاتٍ في الحُجَّة (تدل على أن شرع الله وحدوده حق)، ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ ﴾ - الذين جحدوا آيات الله - لهم ﴿ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ يوم القيامة ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾: أي يوم يُحيي الله جميع الموتى ﴿ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ﴾ يوم القيامة، فقد ﴿ أَحْصَاهُ اللَّهُ ﴾ أي حَفظه عليهم في صحائف أعمالهم ﴿ وَنَسُوهُ ﴾ (لانشغالهم بالدنيا الفانية)، فلم يتوبوا، ولم يستغفروا، ولم يندموا على ما ضاع من عُمْرهم في المعاصي فاستحقوا العقوبة، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ (إذ شَهِدَ سبحانه على أعمال عباده في الدنيا، وسيُجازيهم بها في الآخرة). الآية 7: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ يعني ألم تعلم أيها الرسول ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ ولا يَخفى عليه شيء؟، فـ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾ يعني: ما يَتحدث ثلاثةٌ مِن خَلقه سرًّا إلا هو رابعهم بعلمه وإحاطته, ﴿ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ﴾ (بعلمه وإحاطته)، ﴿ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ ﴾ يعني: ولا أقلُّ من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثرُ منها ﴿ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ﴾ بعِلمه ﴿ أَيْنَ مَا كَانُوا ﴾ (لا يَخفى عليه شيءٌ مِن أمْرهم)، فيَرى مكانهم ويَسمع كلامهم﴿ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ ويُجازيهم عليه ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾، (واعلم أن الله تعالى قد بدأ هذه الآيات بالعِلم وخَتَمَها بالعلم، ليُوَضِّح أنه سبحانه معهم بعِلمه وليس بذاته، إذ هو سبحانه قد أخبر عن نفسه قائلًا: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي عَلا وارتفع على العرش - استواءً يليق بجلاله - فوق السماء السابعة، وهذه آية مُحكَمة، يعني لا تَحتمل أكثر مِن مَعنى). الآية 8: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ﴾ (وهم اليهود والمنافقون الذين نَهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحديث سرًّا بما يُثير الشك في نفوس المؤمنين)، ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ أي: ثم يَرجعون إلى ما نُهُوا عنه ﴿ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ﴾ أي يتحدثون سرًّا بما هو إثمٌ من القول، وإيذاءٌ للمؤمنين، ومُخالفةٌ لأمر الرسول؟ ﴿ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ﴾ يعني: وإذا جاءك - أيها الرسول - هؤلاء اليهود والمنافقون لأمر من الأمور: حَيَّوك بغير التحية التي شرعها الله لك، فقالوا: (السامُ عليك) أي الموت لك, واللهُ تعالى قد حَيَّى نبيّه بقوله: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾: ﴿ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾: يعني هَلاَّ يُعاقبنا اللهُ بما نقول لمحمد (إن كان رسولًا حقًا), فرَدَّ اللهُ عليهم قائلًا: ﴿ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ﴾ أي تكفيهم جهنم يدخلونها ويُعانونَ من حَرِّها الشديد، ﴿ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾: أي فجهنم هي بئس المَرجع والمُستقَرّ لهم. الآية 9: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ ﴾ يعني إذا تحدثتم سرًا فيما بينكم: ﴿ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ﴾: أي لا تتحدثوا بما فيه إثمٌ من القول، أو عُدوانٌ على غيركم, أو مٌخالفةٌ لأمر رسولكم (كما يفعل اليهود والمنافقون) ﴿ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ يعني: ولكن تحدثوا بما فيه خيرٌ وطاعة وإحسان ومَصلحة للمسلمين، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ (وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه)، فإنكم راجعونَ إليه بعد موتكم. الآية 10: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ ﴾: يعني إنما التحدث سرًا بالإثم والعدوان هو من وسوسة الشيطان (إذ هو المُزَيِّن لها والمُشَجِّع عليها)، وقد فعل الشيطانُ ذلك ﴿ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: أي ليُدْخِل الحزن على قلوب المؤمنين (إذ كانَ يوسوس لهم بأنّ ذلك التَناجي والكيد والتدبير سوف يَضُرّهم)، ﴿ وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ يعني: وليس ذلك بمؤذي المؤمنين شيئًا إلا بمشيئة الله تعالى وإرادته، ﴿ وَعَلَى اللَّهِ ﴾ وحده ﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي فليَعتمدوا عليه في كل أمورهم. الآية 11: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا ﴾ يعني إذا طُلِب منكم أن يُوَسِّع بعضكم لبعضٍ في المجالس فأوسعوا: ﴿ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ أي يُوَسِّع اللهُ لكم في الرزق، ويُوَسِّع لكم في قبوركم وفي غُرُفاتكم في الجنة، ﴿ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ﴾ يعني: وإذا طُلِب منكم أن تقوموا مِن مَجالسكم لأمرٍ فيه خيرٌ لكم وطاعةٌ لربكم فسارِعوا بالقيام له: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ ﴾ أي ليَرفع اللهُ مكانة المؤمنين المُطيعين منكم في الدنيا والآخرة ﴿ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ يعني: ويَرفع سبحانه أهل العلم منكم - أيها المؤمنون - درجات عالية في الجنة (لجَمْعهم بين الإيمان والعلم والعمل)، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ فاتقوه وسارِعوا إلى امتثال أمره، (وفي الآية إشارة إلى مكانة العلماء وفضلهم ورفع درجاتهم). الآية 12، والآية 13: قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ﴾ هذا مَنسوخ بقوله تعالى:﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ - بأنْ نَسَخَ ذلك الحُكم فضلًا منه ورحمة - ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾، (لذلك لم أشأ أن أخوضَ فيتفسير هاتين الآيتين). من الآية 14 إلى الآية 19: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ وهم المنافقون الذين اتخذوا اليهود أصدقاء وناصَروهم عليكم؟!، ﴿ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ ﴾: يعني أولئك المنافقون ليسوا في الحقيقة من المسلمين ولا من اليهود، ﴿ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ ﴾ أي يَحلفون كذبًا أنهم مُسلمون ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ أنهم كاذبون فيما حَلَفوا عليه، أولئك﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾لا يُطيقونه ﴿ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ أي قَبُحَ ما كانوا يَعملونه من النفاق والحَلف الكاذب، وقد﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾: أي جعلوا حَلفهم الكاذب وقايةً لهم من قتل المسلمين لهم وأخْذ أموالهم بسبب كُفرهم ﴿ فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي فصَدُّوا المؤمنين - بذلك الحَلِف الكاذب - عن سبيل الله (وهو جهادهم وتطهير صفوف المسلمين منهم)، إذ كانوا يوقعون العداوة بين المسلمين، ويُثيرون المَخاوف والشكوك في قلوبهم، حتى يَصدوهم عن سبيل الله وهو الإسلام، وهم مُختبئون تحت عَباءته ﴿ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ أي يُذِلّهم ويُهينهم في نار جهنم، وحينئذٍ ﴿ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ أي لن تدفع عنهم أموالهم وأولادهم مِن عذاب اللهِ شيئًا ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾. ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾ أي اذكر أيها الرسول يوم يَبعث اللهُ هؤلاء المنافقين جميعًا يوم القيامة ﴿ فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ﴾: أي يَحلفون للهِ تعالى أنهم كانوا مؤمنين (مِثلما كانوا يَحلفون لكم أيها المؤمنون في الدنيا) ﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ ﴾ يعني: ويَعتقدون أنّ ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم في الدنيا عند المسلمين! ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ أي البالغونَ في الكذب حدًا لم يَبلغه غيرهم، وسبب ذلك أنه قد﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ﴾ أي غَلَبهم الشيطان واستولى عليهم, حتى تركوا أوامر الله وذِكره والعمل بطاعته, ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ﴾ وأتْباعه ﴿ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ في الدنيا والآخرة. الآية 20: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي يُخالفون أوامر الله ورسوله ﴿ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ﴾: أي في جُملة الأذِلاّء المغلوبينَ المُهانين في الدنيا والآخرة. الآية 21: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾: أي كَتَبَ اللهُ في اللوح المحفوظ، وقضى بأن النَصر له ولكتابه ولرُسُله وعباده المؤمنين ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ ﴾ لا يُقهَر، ﴿ عَزِيزٌ ﴾ لا يُغلَب. الآية 22: ﴿ لَا تَجِدُ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾ أي يُصدِّقون بالله واليوم الآخر، ويَعملون بما شَرَعَ اللهُ لهم, فلا تجدهم أبدًا ﴿ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: أي يُحبون ويُناصرون مَن عادَى اللهَ ورسوله وخالف أمْره وشرعه، فلا يَفعلون ذلك مع أحدٍ من الكفار ﴿ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ (والعشيرة هم الأقرباء)، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ الذين يَنصرون دين الله ويُعادونَ أعدائه، قد ﴿ كَتَبَ ﴾ اللهُ ﴿ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ﴾ أي ثَبَّتَ الإيمانَ في قلوبهم ﴿ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ﴾ يعني وقوَّاهم بنَصرٍ منه على عَدُوّهم في الدنيا، وقوَّاهم ببرهانٍ منه سبحانه (وهو حُجَج القرآن وأدلته الساطعة) ﴿ وَيُدْخِلُهُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ (والفرحة تملأ وجوههم)، وقد﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ - بسبب إيمانهم وطاعتهم - فلا يَغضب عليهم أبدًا, ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ يعني: وهُم قد رَضوا عن ربهم بما أعطاهم من الكَرامات ونعيم الجنات, ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ﴾ وأولياؤه ﴿ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الفائزونَ بسعادة الدنيا والآخرة. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#196
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة الحشر الآية 1: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾: أي نزَّهَ اللهَ تعالى - عن كل نَقصٍ وعَيب - جميع ما في السماوات والأرض من مخلوقاته، (إذ مَعنى كلمة (سبحان الله) أنك تَنفي عن اللهِ تعالى كل ما لا يَليقُ به)، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يَمنعه شيءٌ مِن فِعل ما يريد ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ الذي يضع الأشياء في مَواضعها. الآية 2: ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي أخرج الجاحدينَ بنُبُوّة محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ (وهم يهود بني النَضير)، إذ أخرجهم سبحانه ﴿ مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾ - التي كانت حول "المدينة" - ﴿ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ﴾ أي لأول حَشْرٍ لهم، (والحَشر هو جَمْع الناس في مكان واحد)، والمقصود به هنا: حَشْر يَهود جزيرة العرب إلى أرضٍ غيرها (أي جَمْعهم للخروج إلى أرضٍ أخرى)، وقد كان ذلك أول خروج لهم من جزيرة العرب، ولذلك سَمَّاه الله تعالى (أول الحشر) أي الخروج الأول، وأما الخروج الثاني لهم فكانَ مِن خَيبر إلى الشام. ♦ واعلم أن اللام التي في قوله تعالى: (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) تُسَمَّى (لام التوقيت)، أي: أخرَجَهم سبحانه من ديارهم ليبدأ أول حشر وخروجٍ لهم، فهي كقوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي ابتداءً من وقت تَحَرُّك الشمس عن وسط السماء (وهو وقت الظهر)، وكقوله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أي: لأول عِدتهنّ (وهو الطُهر الذي لم تُمَسّ فيه). ﴿ مَا ظَنَنْتُمْ ﴾ - أيها المسلمون - ﴿ أَنْ يَخْرُجُوا ﴾ من ديارهم بهذا الذل والهَوان (بسبب قوة حصونهم)، ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ ﴾ يعني: وظن اليهود أنّ حصونهم مانعةٌ لهم من عذاب الله، وأنها لا يَقدر عليها أحد، ﴿ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ﴾ أي مِن حيث لم يَخطر لهم ببال ﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾ يعني ألقى في قلوبهم الخوف والفزع الشديد، فصاروا ﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾: أي اتّعِظوا يا أصحاب البصائر السليمة والعقول الراجحة بما حدث لهم، فلا تَعصوا ربكم. ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)، هو مِثل قول العرب: (أتَى عليه الدهر) أى: أهلَكَه وأفناه، وكما يقولون أيضاً: (لقد أُتِيَ فلانٌ مِن مَأمنه) أى نَزَلَ بهالهلاك، أمّا إتيانُ اللهِ تعالى يوم القيامة فيكونُ إتيانًاحقيقيًّا بذاته على النحو اللائق بجلاله وكماله، ففي صحيح مُسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال- وهو يتحدث عن يوم القيامة -: (حتى إذا لم يَبْقَ إلاَّ مَنكان يَعْبُدُ اللَّهَ تعالىمِن بَرٍّ وفاجر: أتاهم رَبُّ العالمين سبحانه وتعالى في أدنَى صورةٍ مِن التي رأوهُ فيها) (إلى آخر الحديث). الآية 3، والآية 4: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ ﴾ يعني: ولولا أنّ اللهَ تعالى قضى على هؤلاء اليهود بالخروج مِن ديارهم ﴿ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ﴾ بالقتل والأسر وغير ذلك، ﴿ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ﴾ ﴿ ذَلِكَ ﴾ - الذي أصابهم في الدنيا وما يَنتظرهم في الآخرة - ﴿ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي بسبب مُخالفتهم لأمرالله ورسوله، ﴿ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ ﴾ يعني: ومَن يُخالف أوامر الله تعالى ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾. الآية 5: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ﴾ يعني: ما قطعتم أيها المؤمنون مِن نخلةٍ في أرض يهود بني النَضير ﴿ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا ﴾: يعني أو تركتموها قائمةً على ساقها، مِن غير أن تتعرضوا لها: ﴿ فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾: يعني فكُلّ ذلك كان بإذن الله وأمْره، فلا إثم عليكم فيه ﴿ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾يعني: وليُذلَّ بذلك اليهود الخارجين عن طاعته، حيث سَلَّطكم على قطع نخيلهم وتحريقها. الآية 6: ﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ ﴾ يعني: والمال الذي رَدَّه الله على رسوله - أي أعطاه له - من أموال بني النَضير: ﴿ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ﴾: يعني فلم تركبوا لتحصيله - أيها المؤمنون - خيلاً ولا إبلاً، ولم تعانوا مَشَقة من أجل الحصول عليه ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ﴾ مِن أعدائه، فيَستسلموا لهم بغير قتال (مِثلما سَلَّطَ رسوله محمداً على يهود بني النَضير ففتح بلادهم، بعد أن نقضوا عهدهم معه وتآمَروا على قتله)، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا يُعجزه شيء، (واعلم أن الفَيء هو ما أُخِذ من أموال الكفار مِن غير قتال، وقد وَضَّح سبحانه كيفية تقسيمه في الآية التالية). الآية 7، والآية 8: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾: يعني إنّ هذا الفيء - الذي أعطاه الله لرسوله من أموال مُشرِكي أهل القرى، مِن غير قتال أو مشقةٍ منكم أيها المؤمنون -: ﴿ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ يعنيفإنّهذا الفَيءيُقسَّم كالآتي: (الجُزء الأول لله وللرسول، وذلك بأن يُجعَل في مصالح المسلمينالعامة، ويُنفَق منه أيضاً على الكعبة وسائر المساجد، والجُزء الثاني لأقرباءالرسول صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم وبنو عبد المُطَّلِب (فقد جُعِللهمذلك الجزء من الفَيء مكان الصدقة، لأن الصدقة لا تَحِلُّ لهم)، والجُزء الثالث لليتامى (وهم الأطفال الذين مات آباؤهم وهم صِغار، لم يبلغوا بعد)، والرابع للمساكين (وهم أهل الاحتياج والفقر)،والخامس لابن السبيل (وهو المسافر الغريب الذي فَقَدَ ماله - أو نَفَذ ماله - واحتاجَ للنفقة). ♦ وقد قضى اللهُ بتلك القِسمة ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً ﴾ أي حتى لا يكون المال مِلكًا متداولاً ﴿ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ (ويُحرَم منه الفقراء)، ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ يعني: وما أعطاكم الرسول مِن مال، أو شَرَع لكم مِن شرع، فاقبلوه، ﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ يعني: وما نهاكم عن أَخْذه أو فِعْله فانتهوا عنه، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بامتثال أوامره وترْك نواهيه وطاعة رسوله ﴿ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ لمن عصاه وخالَفَ أمْره ونَهْيه، (واعلم أن هذه الآية أصل في وجوب العمل بالسُنّة: قولاً أو فِعلاً أو تقريرًا). ♦ وكذلك يُعطَى مِن هذا الفَيء ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ﴾ أي الذين اضطرهم كفار "مكة" إلى الخروج من ديارهم وأموالهم (بسبب إيذائهم لهم والتضييق عليهم)، فهاجَروا إلى "المدينة" وهم ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾: أي يطلبون من الله أن يتفضل عليهم بالرزق في الدنيا والرضوان في الآخرة ﴿ وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ بالجهاد في سبيل الله ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ الذين صَدَقوا في إيمانهم، حيث تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا لينصروا اللهَ ورسوله. الآية 9: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ ﴾ يعني: والأنصار الذين سكنوا "المدينة"، وأسكَنَ اللهُ الإيمانَفي قلوبهم بعدما أحبوه واختاروه على الكفر، ﴿ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ أي مِن قبل هجرة المهاجرين إليهم ﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾ أي يحبون المهاجرين، ويُعطونهم من أموالهم ﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ﴾ يعني: ولا يجد الأنصار في أنفسهم حَسَدًا للمهاجرين على ما أعطاهم اللهُ من مال الفَيء وغيره، ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ يعني: ويُقَدِّمون المهاجرينَ والفقراء على أنفسهم ﴿ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ يعني حتى ولو كان بهم فقرٌ واحتياج لهذا المال أو هذا الطعام الذي يعطونه لإخوانهم، ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ﴾ يعني: ومَن يَسلَم من البخل، فيُعطي ما زادَ عن حاجته لإخوانه المحتاجين: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾أي الفائزون في الدنيا والآخرة، (واعلم أن الشح هو البخل، غير أن الشُحّ يُطلَق على حِرص النفس على حقوقها وقلة التسامح فيها، ويرى ابن القيم رحمه الله أنَّ الشُحّ هو شدة الحِرص على الشيء، والمبالَغة في طلبه، والتعب في تحصيله، وأما البخل فهو مَنْع إنفاقه بعد الحصول عليه، فهو شَحِيحٌ قبل الحصول على الشيء، بخيلٌ بعد الحصول عليه). الآية 10: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ يعني: وأما المؤمنون الذين جاؤوا من بعد الأنصار والمهاجرين، فإنهم ﴿ يَقُولُونَ ﴾: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ وهم المهاجرون والأنصار﴿ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا ﴾ أي حقدًا وغيظاً ﴿ لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ (بل اجعلنا نحبهم بسبب حُبّهم لك ولرسولك)﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ ﴾ بعبادك، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بالمؤمنين، فاستجِب دعائنا برحمتك، ووَفِّقنا إلى أداء حقوقك ومَحبة عبادك المؤمنين (وفي الآية دليل على أنه ينبغي للمسلم ألاّ يَحمل في قلبه شحناء لأخيه، وأن يَذكر سَلَفَه الصالح بخير، وأن يُحِبّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعو اللهَ أن يَرضى عنهم). من الآية 11 إلى الآية 17: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا ﴾ وهم المنافقون الذين ﴿ يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ أي قالوا ليهود بني النَضير الكفار: ﴿ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ ﴾: يعني لئن أخرجكم محمد ومَن معه مِن منازلكم: ﴿ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ﴾من المدينة ﴿ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا ﴾ أي لا نطيع أحداً طَلَبَ منا خِذْلانكم أو ترْك الخروج معكم، ﴿ وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ ﴾ يعني: ولئن قاتلوكم لَنُعِينكم عليهم بالرجال والسلاح ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ ﴾ أي المنافقين ﴿ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيما وَعَدوا به يهود بني النَضير، فـ﴿ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ﴾: يعني لئن أُخرِج اليهود من "المدينة" لا يَخرج المنافقون معهم، ﴿ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ ﴾ لأنهم جُبناء، ﴿ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ ﴾ يعني: ولئن قاتلوا معهم - على سبيل الفرض - ﴿ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ﴾: أي سوف يَفِرّون مُنهزمين من المؤمنين ﴿ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ أي: ثم لا يَنصرهم الله تعالى، بل يَخذلهم ويُذِلُّهم. ﴿ لَأَنْتُمْ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ﴾ يعني إنّ خوف هؤلاء المنافقين منكم أعظم وأشد في صدورهم مِن خوفهم من الله تعالى، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ أي بسبب أنهم لا يَفهمون صفات الله تعالى، ولا يَعلمون عظمته وقدرته، ولا يتصورون شدة عذابه. ♦ ثم أخبر سبحانه عن بعض صفات اليهود والمنافقين قائلاً: ﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا ﴾أي اليهود والمنافقون﴿ إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ ﴾ بالأسوار والخنادق ﴿ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ﴾: يعني أو مِن خلف الجُدران، ﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾: أي عداوتهم فيما بينهم شديدة، ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ أي تظن أنهم مجتمعون على كلمة واحدة، ولكنّ قلوبهم متفرقة، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ (إذ لو كانوا يعقلون: لاَجتمعوا على الحق بعد ما عرفوه، وما حدث لهم هذا التفرق). ♦ مَثَل هؤلاء اليهود فيما أصابهم من العقوبة ﴿ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ﴾ أي كمَثَل كفار قريش يوم "بدر"، ويهود بني قَيْنُقاع، فقد ﴿ ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾: أي ذاقوا سُوء عاقبة كُفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في نار جهنم، ومَثَل هؤلاء المنافقين في تحريض اليهود على القتال ووَعْدهم لهم بأنْ يَنصروهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ ﴾: أي كمَثَل الشيطان حين زَيَّنَ للإنسان الكفر ودعاه إليه، ﴿ فَلَمَّا كَفَرَ ﴾ ذلك الإنسان ﴿ قَالَ ﴾ له الشيطان: ﴿ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ﴾ومِن كُفرك ﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا ﴾ أي كان مصير الشيطان والإنسان الذي أطاعه في الكُفر ﴿ أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ﴾﴿ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾ يعني: وذلك جزاء المُعتدينَ، المتجاوزينَ لحدود الله. الآية 18، والآية 19: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي خافوا اللهَ واحذروا عقابه، ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ يعني: ولْتتدبر كل نفس ما قَدَّمَت من الأعمال ليوم القيامة (ألاَ فحاسِبوا أنفسكم أيها المؤمنون قبل أن تُحاسَبوا، وسارِعوا بالتوبة الصادقة التي يُبَدّل الله بها سيئاتكم حسنات، وأكثِروا مِن َحْمد الله على نعمه عليكم، وأكثِروا من الاستغفار على ذنوبكم)، كما كان يُكثِر النبي صلى الله عليه وسلم - قبل موته - مِن قول: (سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه)، عِلماًبأن(سبحان الله وبحمده) تعادل في المعنى(سبحان الله والحمد لله)، وقد كان أحد السلف دائماً يقول: (الحمد لله أستغفر الله)،فقال له أحد جُلَسائِه: (ألاَ تُحسِنُ غيرَ هذا؟)، فقال له: (بل أُحسِنُالكثير، ولكنني رأيتُني أتقلبُ بين نعمةٍ وذنب)، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ في كل أفعالكم وأقوالكم ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ ﴾ أي تركوا أداء حقوق الله التي أوجبها عليهم ﴿ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ يعني فلذلك أنساهم حظوظ أنفسهم من الأعمال الصالحة التي تنجيهم من العذاب يوم القيامة، و﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ أي الخارجونَ عن طاعة الله ورسوله. الآية 20: ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ المُعَذَّبون ﴿ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ المُنعَّمون، ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ بكل مطلوبٍ ومحبوب، الناجونَ من كل خوفٍ ومكروه. الآية 21: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ ﴾ من الجبال، ففَهِمَ ما فيه مِن وَعدٍ ووعيد: ﴿ لَرَأَيْتَهُ ﴾ - رغم قوته وضخامته -: ﴿ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ أي خاضعًا ذليلاً متشققًا لشدة خوفه من الله تعالى، ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ﴾ ونوَضِّحها لهم ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ في قدرة الله وعَظَمته، (وفي الآية حَثٌّ على تدَبُّر القرآن، وتفَهُّم مَعانيه، والعمل به). الآية 22: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا معبود بحق إلا هو ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي عالم السر والعَلانية، ﴿ هُوَ الرَّحْمَنُ ﴾ الذي وَسِعَت رحمته كل شيء، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. الآية 23: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا يَستحق العبادة غيره، ﴿ الْمَلِكُ ﴾ أي المالك لجميع الأشياء، المتصرف فيها بلا شريك، وهو ﴿ الْقُدُّوسُ ﴾ أي المُنزَّه عن كل ما لا يليق به، وهو ﴿ السَّلَامُ ﴾ أي ذو السلامة مِن كل نقص، الذي يُفيض السلام على مَن شاء مِن عباده، وهو ﴿ الْمُؤْمِنُ ﴾ أي المُصَدِّق رُسُله وأنبياءه بالآيات والمعجزات، ليُثبت للناس صِدق ما أرسلهم به، وهو سبحانه ﴿ الْمُهَيْمِنُ ﴾ أي الرقيب على أعمال خَلقه، المُسَيطر على كَوْنه، فلا يَخرج شيءٌ عن إرادته وإذنه، وهو ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يُغلَب، ﴿ الْجَبَّارُ ﴾ الذي قَهَرَ جميع العباد، وخضع له سائر الكون، وهو ﴿ الْمُتَكَبِّرُ ﴾ الذي له الكبرياء والعَظَمة ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ أي تَنَزَّهَ الله وتعاظَمَ عن شِرك هؤلاء المُشرِكين (الذين يُساوونَ الخالق العظيم بالمخلوق العاجز الضعيف، ويعبدونه معه). الآية 24: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ ﴾ أي المُوجِد لكل المخلوقات من العدم، ﴿ الْبَارِئُ ﴾ أيالمُبدِع في خَلْقه، ﴿ الْمُصَوِّرُ ﴾ الذي يُصَوِّر أشكال المخلوقات ويُنشئها على هيئاتٍ مختلفة، ﴿ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ والصفات العُلَى، ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ في انتقامه مِن أعدائه، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبيره لأوليائه. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#197
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة الممتحنة كاملة الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ أي لا تتخذوا الكافرينَ نُصَراء وأحِبّاء، فـ﴿ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ﴾ أي تعطونهم مَحبتكم فتخبرونهم بأسرار النبي والمسلمين!!، وكيف تفعلون ذلك ﴿ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ﴾ (الذي أنزله اللهُ على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم)، و﴿ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ ﴾ أي اضطروه إلى الخروج من مكة بالتضييق عليه ومُحاربة دعوته ﴿ وَإِيَّاكُمْ ﴾ يعني: وكذلك اضطروكم أيضًا إلى الخروج منها بشدة الإيذاء والتعذيب والاضطهاد، وكل ذلك مِن أجل ﴿ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ﴾ أي تعبدوه وحده لا شريك له، فكيف تتخذونهم أولياء﴿ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ﴾؟! يعني: إن كنتم - أيها المؤمنون - قد هاجرتم مُجاهدينَ في سبيلي، طالبينَ رِضايَ عنكم، فلا تتولوا أعدائي وأعداءكم بالمَعونة والنُصرة، فـ﴿ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ﴾ أي تعطونهم مَحبتكم وتنقلون إليهم أخباركم سرًا ﴿ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ﴾ في قلوبكم تجاههم (وأعلمُ أيضًا ما فعلتموه في الخفاء، عندما أخبرتم أقربائكم المُشرِكين بأسرار المسلمين) ﴿ وَمَا أَعْلَنْتُمْ ﴾ يعني: وأنا أعلم بما أظهرتموه للناس (فكيف لا تستحيون مِن اطِّلاعي عليكم؟!)، ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ ﴾ يعني: ومَن يفعل ذلك منكم فيتولى أعداء الله تعالى ﴿ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾: أي فقد خرج عن الطريق المستقيم - المُوَصِّل إلى الجنة - وسَلَكَ طريق الجهل والضَلال.♦ واعلموا أنّ أقربائكم المُشرِكين - الذين تعطونهم مَحبتكم وأسراركم -﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً ﴾: يعني إن يتمكنوا منكم: لا يَرحموكم، ولا يُراعوا القَرابة التي بينكم، ولا يعترفوا بمَحبتكم لهم، بل ﴿ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ﴾: أي يَمُدّوا إليكم أيديهم بالقتل والضرب، وألسنتهم بالسَبّ والأذى، ﴿ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ يعني: وهم قد تمنَّوا أن تكفروا مِثلهم.♦ واعلموا أيها المؤمنون أنكم ﴿ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ﴾: أي لن ينفعكم أقربائكم وأولادكم المُشرِكين - الذين تتقربون إليهم بنقل أسراركم الحربية - ولن يدفعوا عنكم من عذاب الله شيئًا، و﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ﴾ يعني: يوم القيامة يُفَرِّق الله بينكم، فيُدْخلكم أيها المؤمنون الجنة، ويُدخِل المشركين النار، وهُم سوف يَفرّون منكم عند اشتداد الهَول (فما الفائدة إذًا من مَعصية الله تعالى مِن أجلهم؟!) ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ فاحذروا مُخالفة أمْره.الآية 4، والآية 5: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ ﴾ - أيها المؤمنون - ﴿ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ أي قدوة حسنة ﴿ فِي إِبْرَاهِيمَ ﴾عليه السلام﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ من المؤمنين ﴿ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ ﴾ المُشرِكين: ﴿ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ ﴾ أي بريئون منكم ﴿ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ من الأصنام وغيرها، فقد ﴿ كَفَرْنَا بِكُمْ ﴾ أي لم نعترف لكم بقَرابةٍ ولا ولاء، وقد أنكرنا ما أنتم عليه من الكفر، ﴿ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ ﴾ أي ظَهَرتَ العداوة والكراهية بيننا وبينكم - واضحة لا خفاءَ فيها - ولو كنتم أقربائنا، ﴿ أَبَدًا ﴾ أي ما دُمتم على كُفركم ﴿ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ وتتركوا عبادة غيره،﴿ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ ﴾: يعني لكنْ لا يدخل في ذلك الاقتداء: استغفار إبراهيم لأبيه، حين قال له: ﴿ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ (فإنّ ذلك كانَ قبل أن يَتبيَّن لإبراهيم أنّ أباه لن يتوب مِن شِركه، فلما تبيَّنَ له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه)، ﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا ﴾ أي اعتمدنا عليك وحدك، فثَبِّتنا على الإيمان، ﴿ وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا ﴾ أي رجعنا إليك بالتوبة، ورجعنا إليك في كل أمورنا ﴿ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ يعني: ونحن نعلم أنّ إليك مَرجعنا بعد موتنا، فسَنستعد للقدوم عليك، ونَعمل ما يُقَرّبنا إليك، ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (وذلك بأن تسَلِّط الكافرين علينا فيَفتنونا عن ديننا، أو تنصرهم علينا - بسبب ذنوبنا - فيُفتَنوا بذلك، ويقولوا: (لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا العذاب)، فيَزدادوا كفرًا)، ﴿ وَاغْفِرْ لَنَا ﴾ ذنوبنا، ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ ﴾ في انتقامك ممن عصاك ولم يتب إليك، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبيرك لأوليائك (فدَبِّر لنا ما يَنفعنا ويُرضيك عنا).♦ ويُحتمَل أن يكون هذا الدعاء المذكور في الآية مِن قول إبراهيم عليه السلام ومَن معه، ويُحتمَل أيضًا أن يكون إرشادًا من الله تعالى للمؤمنين أن يقولوه تَقويةً لإيمانهم وتثبيتًا لهم عليه، كما فَعَلَ إبراهيم ومَن معه (رغم قلتهم وكثرة عدوهم).الآية 6: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ فِيهِمْ ﴾ أي في إبراهيمَ والذين معه ﴿ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ أي قدوة حميدة (في مُعاداة الكفار ولو كانوا أقربائهم)، وهذه القدوه الحسنة تكونُ ﴿ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ ﴾ (إذ يَقتدي بهم مَنكان يرجو ثوابَ ربه، ويَنتظر مَجيء اليوم الآخر وما فيه مِن نعيمٍ مقيم أو عذابٍ أليم)،﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ ﴾ يعني: ومن يُعْرِض عما أمَرَه الله به من الاقتداء بأنبيائه، ويتخذ أعداء الله أولياء: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ عن طاعة عباده، وهم المُحتاجون إليه، وهو ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته.الآية 7: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ ﴾ - أيها المؤمنون - ﴿ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ ﴾ (وهم الذين عاديتموهم من أقاربكم المُشرِكين امتثالًا لأمر الله تعالى)، فهو سبحانه قادرٌ أن يجعل بينكم وبينهم ﴿ مَوَدَّةً ﴾ أي مَحَبَّةً بعد ذلك البُغض (وذلك بانشراح صدورهم للإسلام)، فيصيروا إخوانكم في الدين، ﴿ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لمن تاب إليه من الشرك والمعاصي واعترف بذنبه، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم (حيثُ جعل التوبة نجاةً لهم).الآية 8: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ ﴾ - أيها المؤمنون - ﴿ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ (وهم الكفار الذين لم يُقاتلوكم بسبب دينكم)، ﴿ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ﴾، فهؤلاء لا ينهاكم اللهُ ﴿ أَنْ تَبَرُّوهُمْ ﴾ أي تكرموهم وتحسنوا معاملتهم ﴿ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾ يعني: وتَعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم والحُكم بينهم بالعدل ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ أي يحب الذين يَعدلون بين جميع الناس في أقوالهم وأفعالهم.الآية 9: ﴿ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ أي قاتلوكم بسبب دينكم ﴿ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ﴾﴿ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ ﴾ أي عاوَنوا الكفارَ على إخراجكم، فهؤلاء ينهاكم اللهُ ﴿ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ﴾ أي يَنهاكم أن تتولوهم بالنُصرة والمَحبة، ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ ﴾ يعني: ومَن يتخذهم أنصارًا على المؤمنين وأحبابًا ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ (لأنهم وضعوا الولاية في غير مَوضعها، والظُلم هو وَضْع الشيء في غير مَوضعه).الآية 10: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ﴾ يعني إذا جاءكم النساء المؤمنات مُهاجراتٍ من دار الكفر إلى دار الإسلام: ﴿ فَامْتَحِنُوهُنَّ ﴾ أي اختبروهنّ لتعلموا صِدق إيمانهنّ (وذلك بأن يَحلِفنَ لكم بأنهنّ ما خَرَجنَ من ديارهنّ إلا رغبةً في الإسلام، ولم يَخرُجنَ كُرهًا لأزواجهنّ أو غير ذلك من أمور الدنيا)، ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ﴾أي أعلم بحقيقة إيمانهنّ منكم، لأنه وحده الأعلم بما في القلوب، (وفي هذا دليل على صحة القاعدة الفقهية التي تقول: (نحن لنا الظاهر، واللهُ يتولى السرائر))، ﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ﴾ يعني إنْ غَلَبَ على ظنكم أنهنّ صادقاتٌ في إيمانهنّ (بعد أن حَلفنَ لكم): ﴿ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ﴾: أي فلا ترُدُّوهنّ إلى أزواجهنّ الكافرين، إذ ﴿ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ﴾: أي فالنساء المؤمنات لا يَحِلّ لهنّ أن يَتزوجنَ الكفار، ﴿ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ يعني: ولا يَحِلّ للكفار أن يتزوجوا المؤمنات، ﴿ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ﴾ يعني: وأعطوا الكفار - وهم أزواج المؤمنات المهاجرات إليكم - مِثل ما أنفقوا عليهنّ من المهور، (فإذا جاء زوجها المُشرِك يُطالبكم بقيمة المَهر الذي أنفقه عليها، فأعطوه إياه).﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾: أي لا إثم عليكم في أن تتزوجوا هؤلاء المؤمنات المهاجرات (إذا دفعتم لهنَّ مُهورهنّ)، ﴿ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ﴾ يعني: ولا تمسكوا أيها المسلمون بنكاح زوجاتكم الكافرات (سواء اللاتي تركتموهنّ بدار الكُفر أو المُرتَدّات)، لأنّ العِصمة قد انقطعت بإسلامكم، فلا يَحِلّ لكم الإمساك عليهنّ، ﴿ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ ﴾ يعني: واطلبوا من المُشرِكين قيمة المهور التي أنفقتموها على نسائكم المُرتَدّات إليهم، ﴿ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ﴾ يعني: ولْيَطلب منكم المشركون قيمة المهور التي أنفقوها على نسائهم المهاجرات إليكم، (واعلم أنّ هذا بيان لمَظهر من مظاهر عدالة الإسلام في أحكامه، حتى مع المشركين)، ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ أي ذلك الحُكم المذكور هو ﴿ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ أي هو حُكم الله الذي يَحكم به بينكم فلا تخالفوه ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بأحوال عباده وما يُصلحهم، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ فيما شَرَعه لهم، ليَحفظ لهم حقوقهم.الآية 11: ﴿ وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ ﴾ يعني: وإنْ ذَهَبَتْ بعض زوجاتكم المُرتَدّات إلى الكفار، ولم يُعطكم الكفار مهورهنّ التي دفعتموها لهنّ، ﴿ فَعَاقَبْتُمْ ﴾ أي: ثم انتصرتم - في يومٍ ما - على هؤلاء الكفار أو غيرهم: ﴿ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا ﴾: يعني فأعطوا بعض الغنائم لهؤلاء المسلمين - الذين ذهبت أزواجهم إلى الكفار - بمِثل ما أنفقوا عليهنّ من المهور (وذلك قبل تقسيم الغنائم) ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ أي اتقوااللهَ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه; فإنَّ إيمانكم بالله يُوجِبُ عليكم تقواه. الآية 12: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ﴾ أي يُعاهِدنك ﴿ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ في عبادته، ﴿ وَلَا يَسْرِقْنَ ﴾﴿ وَلَا يَزْنِينَ ﴾﴿ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾ (سواء بعد أن يَلدوهنّ أو قبل الولادة)، ﴿ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾ يعني: ولا يَنسِبنَ لأزواجهنّ أولادًا ليسوا منهم،كأنْ يكون هذا الولد نتيجة زِنا أو تبَنِّي أو يكونُ مُلتقَطًا من الطريق(أي كانَ ابن خطيئة، وألقته أمه في الطريق لتتخلص منه)، فهذا هو البُهتان - أي الكذب - المُفترَى، وأمّا قوله تعالى: ﴿ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾، لأن الولد إذا وضعته الأم، سقط بين يديها ورجليها، فلذلك زعمتْ كذبًا أنها ولدته وهو ليس ابنها.﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ ﴾ أيها النبي ﴿ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ تأمرهنّ به: ﴿ فَبَايِعْهُنَّ ﴾ أي اقبل بَيعتهنّ وعهدهنّ ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ﴾ أي اسأل اللهَ أن يَغفر لهنّ ما مَضى من ذنوبهنّ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لذنوب عباده التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم (فلا يُعذبهم بذنبٍ تابوا منه).الآية 13: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ أي لا تنصروا قومًا غَضِبَ الله عليهم لكُفرهم، ولا تحبوهم، ولا تتخذوهم أصدقاء، ولا تخبروهم بأسرار المسلمين، ﴿ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ ﴾: يعني قد يَئِسَ هؤلاء الكفار من ثواب الله في الآخرة (لعدم إيمانهم بها) ﴿ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾: يعني كما يئس الكفار مِن عودة أصحاب القبور إلى الحياة، لعدم إيمانهم بالبعث بعد الموت، أو لَعَلّ المقصود: كما يئس أصحاب القبور الكفار من رحمة الله تعالى (وذلك حين شاهدوا الحقيقة بعد موتهم، وعلموا عِلم اليقين أنهم لا نصيبَ لهم من رحمة ربهم). [1]وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#198
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة الصف كاملة الآية 1:﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾: أي نَزَّهَ اللهَ تعالى - عن كل ما لا يليق به - جميع الكائنات التي في السماوات والأرض (إذ ما مِن شيءٍ إلا يُسَبِّح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ في انتقامه من أعدائه, ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبيره لأوليائه. الآية 2، والآية 3:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾: يعني لماذا لا توفون بالعهود التي بينكم وبين الله تعالى، والوعود التي بينكم وبين الناس؟!، ولماذا تأمرون الناس بالخير وتنسون أنفسكم فلا تفعلوه؟! (وهذا إنكارٌ على كل مَن يُخالف فِعلُه قولَه)،فقد﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾:أي عَظُم كُرهاً عند الله أن تقولوا بألسنتكم ما لا تفعلونه، (هذا، وواللهِ إني لَخائفٌ جداً من هذه الآية، فاللهم عفوك وغفرانك لي). الآية 4:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ ﴾ - أي لإعلاء كلمته وإظهار دينه - ﴿ صَفًّا ﴾ أي صفوفاً مُتراصّة (لا تخاف من الأعداء) ﴿ كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ أي كأنهم بُنيان مُحكَم لا يَنفذ منه العدو. الآية 5:﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾ أي اذكر لقومك أيها الرسول حين قال موسى لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي ﴾ بالأقوال السيئة ومُخالفة الأوامر, ﴿ وَقَدْ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني: وأنتم تعلمون ﴿ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾؟!، ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا ﴾ يعني فلمّا انصرفوا عن الحق بعد أن علموه، وأصروا على العِصيان: ﴿ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ أي صَرَفَ الله قلوبهم عن قَبول الهُدى والعمل به؛ عقوبةً لهم على ضلالهم الذي اختاروه لأنفسهم ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ أي لا يوفق الخارجين عن طاعته إلى ما فيه هدايتهم وسعادتهم (وذلك بعد أن توغلوا في الفجور والضلال واختاروه على الهدى). ♦ واعلم أن قوله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)يَجعل المؤمن على خوفٍ وحذر مِن فِعل المعاصي، حتى لا يُعاقب اللهُ قلبه بالضلال والغفلة، كما قال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) (إذ أشغلناه بالدنيا وهمومها، حتى صارت هِمَّته دنيئة، وعزيمته ضعيفة، فلم يعد يشعر بحلاوةٍ في الطاعة، ولا يَتلذذ بالذِكر والعبادة)، ورَحِمَ الله مَن قال: (رأيتُ الذنوبَ تُمِيت القلوب، وقد يُورِث الذلَّ إدمانُها، وترْك الذنوبَ حياةُ القلوب، وخيرٌ لنفسك عِصيانها)، وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (إن للحسنة نوراً في القلب، وضياءً في الوجه، وقوةً في البَدَن، وسعةً في الرزق، ومَحبةً في قلوب الخَلق، وإن للسيئة ظُلمةً في القلب، وسواداً في الوجه،وضعفاً في البَدَن، وضِيقاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخَلق)، ورَحِمَ الله مَن قال: (أيا عبدُ كم يراك اللهُ عاصياً، حريصاً على الدنيا وللموت ناسياً، أنَسِيتَ لقاءَ الله واللحدَ والثَرى؟، ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيَ، لو أن المرءَ لم يلبس ثياباً من التُقَى، تجَرَّدَ عُرياناً ولو كانَ كاسياً، ولو أن الدنيا تدومُ لأهلها، لَكانَ رسولُ الله حَيّاً وباقياً). الآية 6:﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ لقومه: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾،وقد جئتكم ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ ﴾ أي لِما جاءَ قبلي ﴿ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾ المُنَزَّلة على أخي موسى، ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ يعني: وشاهدًا بصدق رسول يأتي من بعدي اسمه "أحمد" (وهو اسم من أسماء النبي محمد صلى الله عليه وسلم)، وداعيًا إلى التصديق به, ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ يعني: فلمّا جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالآيات الواضحات من عند الله تعالى, والتي تدل على صِدق رسالته ووجوب اتِّباعه في العقيدة والشريعة: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال الجاحدونَ بنُبُوّته: ﴿ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ أي هـذا الذي جئتَنا به سِحرٌ ظاهر. الآية 7:﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ يعني: ومَن أشد ظلمًا ﴿ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ أي اختلق على الله الكذب, فجعل له شركاء في عبادته، وحَرَّم ما لم يُحَرِّمه اللهُ تعالى ﴿ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ ﴾ يعني: وقد فعل ذلك وهو يُدعَى إلى الدخول في الإسلام وإخلاص العبادة لله وحده، فهذا ظُلمه أعظم مِمّا لو كانَ أيام الجاهلية (حين لم يكن هناك رسولٌ ولا قرآن)، أمّا أن يَكذب على الله تعالى والنورُ غامر، والوحي يَنزل، والرسول يدعو ويُبَيِّن: فالأمر حينئذٍ أعظم وأشد ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ أي لا يوفِّق الذين ظلموا أنفسهم - بإصرارهم على الكفر والشرك - إلى طريق الحق والصواب. الآية 8:﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾: أي يريد هؤلاء الظالمون أن يُبطلوا الحق الذي بُعِثَ به محمد صلى الله عليه وسلم - وهو القرآن - بأقوالهم الكاذبة, ﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾ أي مُظهِر الحق - بإتمام دينه - ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾. الآية 9:﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ﴾ محمدًا صلى الله عليه وسلم ﴿ بِالْهُدَى ﴾ وهو القرآن ﴿ وَدِينِ الْحَقِّ ﴾ وهو دين الإسلام ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ أي لِيُعلِيَهُعلى كل الأديان الباطلة المُخالِفة للإسلام ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ ذلك، (وقد حَقَّقَ سبحانه وعده، فالإسلامُ ظاهرٌ في الأرض كلها، سَمِعَ به أهل الشرق والغرب، واعتنقه كثيرٌ منهم، وخَضَعَ له العالم أجْمَع على عهد الصحابة والتابعين، وسيأتي اليوم الذي يَسُودُ فيه الإسلامُ أهلَ الدنيا جميعاً). من الآية 10 إلى الآية 13: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ ﴾ يعني هل أُرشِدكم إلى تجارةٍ عظيمةِ الشأن ﴿ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾؟ ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ أي تداومون على إيمانكم بالله ورسوله ﴿ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾ لنُصرة دينه وإعلاء كلمته (حتى يُعبَد وحده ولا يُعبَد غيره)﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ من تجارة الدنيا وشهواتها الرخيصة العاجلة ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾،فإن فعلتم ذلك أيها المؤمنون: ﴿ يَغْفِرْ ﴾ اللهُ ﴿ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ فلا يعاقبكم عليها ﴿ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق جميلة المَنظر ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أي تجري الأنهار من تحت أشجارها المتدلية وقصورها العالية ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ﴾ أي مساكنَ حَسَنَة البناء، طَيِّبة الرائحة (كالقصور المصنوعة من الذهب والفضة، والخِيام المصنوعة من اللؤلؤ)، ﴿ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ أي في جناتالخلود ﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ الذي لا فوز مِثله،﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ﴾ يعني: ويُعطِكم سبحانه نعمةً أخرى تحبونها - أيها المؤمنون - وهي: ﴿ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ على عدوكم ﴿ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ يعني: وفتحٌ عاجل يتم على أيديكم (وهو فتح مكة وباقي المدن والقرى، وما يَتبع ذلك مِن عزةٍ وسعادةٍ وهناء)، ﴿ وَبَشِّرِ ﴾ - أيها النبي - ﴿ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الطائعين، بالنصر في الدنيا, والجنة في الآخرة. الآية 14: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ﴾ أي كونوا أنصارًا لدين الله تعالى ورسوله والمؤمنين, وكونوا في استجابتكم لأمر ربكم ﴿ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ ﴾ وهُم أصفياء عيسى (الذين اختارهم لصُحبته): ﴿ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾؟ يعني مَن يَنصرني ويُعينني في كل ما يُقرِّب إلى الله تعالى ويأمر به؟، فـ﴿ قَالَ ﴾ له ﴿ الْحَوَارِيُّونَ ﴾: ﴿ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ﴾ أي نحن أنصار دين اللهِ والداعونَ إليه. ♦ أما بقية بنى إسرائيل فقد افترقوا فرقتين، كما قال تعالى: ﴿ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ بعيسى عليه السلام وبما كان يدعوهم إليه من التوحيد، ﴿ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ ﴾ برسالته، فاقتتلت الطائفتان ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ أي نَصرنا المؤمنينَ بوحدانية الله تعالى وبنُبُوّة عبده ورسوله عيسى، فنصرناهم ﴿ عَلَى عَدُوِّهِمْ ﴾ من الكَفَرة والمُشرِكين بالحُجّة والتمكين ﴿ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ يعني فأصبحوا ظاهرينَ عليهم؛ غالبينَ لهم. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#199
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة الجمعة كاملة الآية 1: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾أي يُنزِّه اللهَ تعالى - عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله وعظمته - جميع ما في السماوات وما في الأرض, (وقد وَعَدَنا سبحانه على لسان رسوله بالجزاء العظيم على التسبيح)، فقد قال صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين -: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، (وواللهِ إني لأَشعر بسعادة بالغة عندما أقول هاتين الكلمتين، إذ يَتردد في خاطري وأنا أقولهما أنهما (الحبيبتان الثقيلتان)، فأستشعر حينئذٍ أن الله تعالى يحب هذه الكلمات ويَفرح بها، وها أنا الآن أقول ما يُحبه حبيبي (الله)). ♦ واعلم أن صفة "الفَرَح" ثابتة لله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين -: (لَلهُ أفرح بتوبة عبده...) إلى آخر الحديث، (طبعاً مِن غير أن نُشَبِّه صفات الله تعالى بصفات مخلوقاته، إذ هو سبحانه ليس كمثله شيء). ♦ وقَوْله تعالى: ﴿ الْمَلِكِ ﴾ أي هو وحده المالك لكل شيء, المتصرف فيه بلا مُنازِع, الحاكم الذي لا حُكم إلا له، ومَرجع الأمور كلها إليه، ﴿ الْقُدُّوسِ ﴾ أي الكاملُ في صفاته، المُنزَّه عن كل نقص, ﴿ الْعَزِيزِ ﴾ أي الغالب على أمره, فإذا أراد شيئاً قال له "كن" فيكون، ﴿ الْحَكِيمِ ﴾ في تدبيره وصُنعه. الآية 2، والآية 3، والآية 4: ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾: أي أرسَلَ في العرب - الذين ليس عندهم كتاب سماوي - رسولاً منهم إلى الناس جميعًا ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ﴾ أي يقرأ عليهم القرآن ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ أي يُطَهِّرهم من العقائد الفاسدة والأخلاق السيئة ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾: أي يُعَلِّمهم القرآن والسُنّة, ﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي: ولقد كانوا قبل بعثته لَفي انحراف واضح عن الحق، ﴿ وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ﴾ يعني: وقد أرسَله سبحانه إلى قومٍ آخرين لم يأتوا بعدُ, وسوف يأتون من العرب ومِن غيرهم (إذ رسالته صلى الله عليه وسلم لجميع الإنس والجن، منذ بعثته إلى قيام الساعة)،﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يَمنعه شيئٌ مِن فِعل ما يريد, ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في اختيار مَن عَلِم أنه يَستحق النُبُوّة مِن خَلقه، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي بَعْث الرسول صلى الله عليه وسلم في أمّة العرب وغيرهم, هو ﴿ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ من عباده ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ أي ذو العطاء الكثير الواسع. الآية 5: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾ (وهم اليهود الذين كَلَّفهم اللهُ بالعمل بما في التوراة ثم لم يعملوا بها - ومِن ذلك: جحودهم بنُبُوّة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن علموا صفاته المذكورة في التوراة - حَسداً منهم على إعطاء النُبُوّة لأحدٍ غيرهم)، فهؤلاء مَثَلهم ﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾: أي كَشَبَه الحمار الذي يَحمل كتبًا من العلم النافع ولا يَدري ما فيها, ﴿ بِئْسَ ﴾ أي قَبُحَ ﴿ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ ﴾ بعد أن علموا أنها الحق, ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ (وهم الذين يتجاوزون حدوده ويخرجون عن طاعته)، فلا يوفقهم سبحانه إلى الحق والصواب وإلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة. الآية 6، والآية 7: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء اليهود - الذين تمَسَّكوا بالمِلّة اليهودية المُحَرَّفة -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا ﴾ يعني يا أيها اليهود ﴿ إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ ﴾: يعني إن ادَّعيتم كذبًا أنكم أحِبّاءُ لله تعالى دونَ غيركم من الناس، وأنّ الجنة خاصة بكم وحدكم، وأنكم إذا مِتُّم دخلتموها: ﴿ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في دَعواكم،﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ يعني: ولن يَتمنوا الموتَ أبدًا، بسبب خوفهم من عقاب الله لهم (لِما يَعرفونه مِن صِدق النبي محمد صلىالله عليه وسلم وكَذبهم، وبسبب ما ارتكبوه مِن الكُفروالعِصيان)، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ وسيُعاقبهم على ظُلمهم. الآية 8: ﴿ قُلْ ﴾: ﴿ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾ يعني فهو آتيكم لا مَحالة، ولن تستطيعوا الهرب منه،﴿ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ أي: ثم تُرجَعون يوم القيامة إلى الله تعالى، عالم السر والعَلانية ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ويُجازيكم على أعمالكم. الآية 9، والآية 10: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾ يعني إذا نادى المؤذن للصلاة في يوم الجمعة: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ أي: فامضُوا إلى سماع الخطبة وأداء الصلاة ﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ يعني: واتركوا البيع والشراء، (لأنه إذا لم يكن هناك بيع: لم يكن هناك شراء، وكذلك اتركوا جميع ما يَشْغَلُكم عن الصلاة)، ﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ لِما فيه من غفران ذنوبكم وثواب الله لكم في جنات النعيم، ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (يعني إن كنتم تعلمونَ مصالح أنفسكم، فافعلوا ما أمَرَكم اللهُ به)،﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ ﴾ يعني: فإذا سمعتم الخطبة وأدَّيتم الصلاة: ﴿ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ لأداء أعمالكم التي تركتموها عند النداءللصلاة﴿ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾: أي اطلبوا الرزق من الله تعالى بالسعي والعمل، ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ في جميع أحوالكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ يعني لكي تفوزوا بخَيرَي الدنيا والآخرة. الآية 11: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا ﴾ يعني: وإذا رأى بعض المسلمين تجارةً أو شيئًا مِن لهو الدنيا وزينتها: تفرَّقوا إليها ﴿ وَتَرَكُوكَ ﴾ - أيها النبي - ﴿ قَائِمًا ﴾ على المنبر تخطب. ♦ واعلم أن هذه الآية قد نزلت في شأن قافلة تجارية جاءت من الشام، وكان الناس في المسجد وقت الجمعة، فلمّا انتهت الصلاة وطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يَخطب - وكانت الخطبة في أول الإسلام بعد صلاة الجمعة، وذلك قبل نزول هذه الآية - فخرج الناس يتسللون ليروا القافلة (ظناً منهم أن خروجهم بعد الصلاة جائز، حتى ولو لم يسمعوا الخطبة)، فاستقبلوا القافلة بالدفوف فرَحاً بها (حيثُ كان بهم في ذلك الوقت فقرٌ وغَلاء)، حتى لم يَبق مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحاضرينَ معه: (والذي نفسي بيده لو تتابعتم - أي في خروجكم من المسجد - حتى لا يَبقى منكم أحد، لَسالَ عليكم الوادي ناراً) (انظر السلسلة الصحيحة ج: 7)، ثم نزلتْ هذه الآية تَعِيب عليهم خروجهم وترْكهم لنبيّهم يَخطب، وتعاتبهم عتاباً شديداً. ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيها النبي -: ﴿ مَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ - من النعيم الأبدي - ﴿ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ﴾ التي تشغلكم عن طاعة الله،﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ أي هو سبحانه خير مَن أعطى عباده, (ألاَ فاطلبوا منه الرزق - واسعوا في تحصيله - بعد أن تؤدوا طاعته)، واستعينوا بطاعته على تحصيل رزقه، ولا يتكرر منكم هذا الصنيع السيئ، وإلا فقد تتعرضون لعذابٍ عاجل غير آجل. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#200
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير سورة المنافقون كاملة الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ﴾: يعني إذا حضر المنافقون مَجلسك أيها الرسول: ﴿ قَالُوا ﴾ لك بألسنتهم: ﴿ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ﴾ ﴿ سَواء شهد المنافقون بذلك أو لم يشهدوا)﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾فيما أظهروه لك، وحلفوا عليه بألسنتهم (وقد أخفوا في قلوبهم الكفر به)، وهؤلاء المنافقون قد ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ أي جعلوا حَلفهم الكاذب وقايةً لهم من قتل المسلمين لهم وأخْذ أموالهم بسبب كُفرهم ﴿ فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي فصَدُّوا المؤمنين - بذلك الحَلِف الكاذب - عن سبيل الله (وهو جهادهم وتطهير صفوف المسلمين منهم)، إذ كانوا يوقعون العداوة بين المسلمين، ويثيرون المخاوف والشكوك في قلوبهم، حتى يصدوهم عن سبيل الله وهو الإسلام، وهم مختبئون تحت عباءته ﴿ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ أي قَبُحَ ما كانوا يعملونه من النفاق والحَلف الكاذب،﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ﴾: يعني ذلك لأنهم آمَنوا في الظاهر، ثم كفروا في الباطن، واستمَروا على ذلك ولم يتوبوا ﴿ فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ أي خَتَمَ الله على قلوبهم بالكفر والعياذُ بالله (فلا يَدخل قلوبهم خيرٌ ولا إيمان)، ﴿ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ أي لا يَفهمون ما فيه صَلاحهم. من الآية 4 إلى الآية 8: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ﴾ يعني: وإذا نظرتَ أيها الرسول إلى هؤلاء المنافقين: أعجَبك مَناظرهم وهيئاتهم (إذ هم يَهتمون بالظاهر ولا يُصلِحون الباطن)، ﴿ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ يعني وإن يتحدثوا: تَتلذذ بالاستماع لحديثهم (وذلك لفصاحة ألسنتهم)، وهُم في الحقيقة ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾ يعني كأنهم أخشابٌ مُلقاة على الحائط، لا حياةَ فيها، ولا ثَباتَ لها، ولا مَنفعة منها (وذلك لفراغ قلوبهم من الإيمان وعقولهم من الفَهم والعلم النافع، على الرغم مِن عِظَم أجسامهم)، ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾: أي يظنون أن كل صوت عالٍ واقعٌ عليهم وضارٌّ بهم (وذلك لشدة جُبنهم وعِلمهم بحقيقة نفاقهم)، ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ ﴾ أي هم أعداؤكم - أيها الرسول والمؤمنون - بل إنّ عداوتهم أشد خطراً من عداوة المُشرِكين (إذ عداوتهم غير ظاهرة، لدخولهم تحت شعار الإسلام، على العكس ممن يُعلنون عداوتهم لكم من المُشرِكين وغيرهم)، ﴿ فَاحْذَرْهُمْ ﴾ أي خُذ حذرك منهم أيها الرسول (حتى لا يُفشوا أسراركم، أو يريدوا بكم سوءاً)، ﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ﴾ أي طَرَدهم الله من رحمته وفضَحَهم وأهلكهم، ﴿ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾: يعني كيف يَنصرفون عن الحق إلى الباطل، رغم ما يشاهدونه مِن وضوح الحق وقوَّة أدِلَّته؟! ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾ أي لهؤلاء المنافقين - بعد أن قالوا بعض الكلمات الخبيثة في حق الرسول وأصحابه -: ﴿ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﴾: يعني أقبِلوا تائبينَ إلى الله تعالى، مُعتذرينَ عمَّا صدر منكم من القول السيِّئ، حتى يَستغفر لكم رسول الله ويدعو اللهَ تعالى أن يعفو عنكم، فإذا قيل لهم ذلك، تجدهم أيها الرسول قد ﴿ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ﴾ أي حَرَّكوها إلى جهةٍ غير جهة من يُخاطبهم، رافضينَ الاعتذار إليك، ﴿ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ ﴾ أي يُعرِضون عن الحق، ﴿ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ عن الامتثال لأوامر ربهم. ♦ ثم أخبَر اللهُ رسوله أن استغفاره لهؤلاء المنافقين لا يَنفعهم، فقال: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ (وذلك لإصرارهم على الكفر والعناد، وتوَغّلهم في الفِسق والضَلال) ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ أي لا يوفِّق الخارجين عن طاعته للإيمان بدينه (وذلك لاستمرارهم على الباطل مِن بعد ما تبَيَّن لهم الحق). ♦ وهؤلاء المنافقون (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ ﴾ فيما بينهم - بعد أنْ أغاظهم اجتماع الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة حُبهم له -: ﴿ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ﴾: أي لا تنفقوا على فقراء المهاجرين وهم عند محمد، ولا تقدموا لهم عوناً أو مساعدة حتى يجوعوا، فيتفرقوا طالبينَ للرزق بعيداً عنه (وكأنّ الرزق بأيديهم وتحت مشيئتهم!)، فَرَدَّ الله عليهم قائلاً: ﴿ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ أي هو وحده الذي يَملكها ويتصرف فيها، فيُعطي الرزق لمَن يشاء - بتيسير أسبابه له - ويَمنعه عمَّن يشاء، ﴿ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ أي لا يَفهمونَ ذلك لفساد قلوبهم، ولهذا ظنوا أنهم إنْ مَنَعوا الإنفاق على المهاجرين، فسوف يموتون جوعاً (ولم يعلموا أن الذي يرزق المنافقين أنفسهم هو الله وحده)، و﴿ يَقُولُونَ ﴾ أيضاً: ﴿ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ ﴾ - وذلك بعد أن كانوا في إحدى الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم -: ﴿ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ ﴾ - يَقصدون بذلك أنفسهم - أنهم سيُخرِجون ﴿ مِنْهَا ﴾ أي من "المدينة": ﴿ الْأَذَلَّ ﴾ (يَقصدون بذلك المؤمنين)، فَرَدَّ الله عليهم قائلاً: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي لهم الغَلَبة والعُلُوّ لا لغيرهم ﴿ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يَعلمونَ ذلك؛ لانغماسهم في الجهل الضلال. الآية 9، والآية 10، والآية 11: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ أي لا تُشْغِلْكم أموالكم ولا أولادكم عن عبادة الله وطاعته، ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾ يعني: ومَن شَغَلته أمواله وأولاده عن فرائض الله ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ الذين بلغوا أقصى درجات الخسران والغفلة، لأنهم خالفوا ما أمَرَهم الله به، ﴿ وَأَنْفِقُوا ﴾ أيها المؤمنون ﴿ مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ (ويدخل في هذا: النفقات الواجبة - كالزكاة والكفارة ونفقة الزوجات والنفقة في الجهاد -، والنفقات المستحبة، وهو التصدق في جميع طُرُق الخير)، وسارِعوا إلى ذلك ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ ﴿ فَيَقُولَ ﴾ نادمًا: ﴿ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾: يعني هَلاّ أمهلتني، وأخَّرتَ موتي إلى وقتٍ قصير ﴿ فَأَصَّدَّقَ ﴾ يعني فأتصدق مِن مالي ﴿ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ الأتقياء، ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ﴾ (وذلك حيثُ لا يَنفع الندم)، فتُوبوا أيها العُصاة قبل فوات الأوان﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ وسيُجازيكم على أعمالكم. ♦ ولَعَلّ الله تعالى ختم سورة المنافقين بالحث على كثرة الذِكر والصدقة، لأنّ فيهما علاجاً للقلب من مرض النفاق، فقد وَصَفَ الله تعالى المنافقين بأنهم (لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)، فتَبيَّنَ مِن ذلك أن الذِكر الكثير براءةٌ للقلب من النفاق، كما أن الصدقة سببٌ لعلاج القلب المريض، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (داوُوا مرضاكم بالصدقة) (انظر صحيح الترغيب والترهيب ج: 1)، وليس هناك أخطر من أمراض القلوب، إذ لا ينفع في الآخرة مالٌ ولا بنون، إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليم. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |