|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() القـــــدر (11) كتب الله لي عمرة لم أخطط لها مسبقاً.. حين اتصل بي صاحبي وأبدى رغبته في صحبتي له.. لم أتردد.. قضينا يومين في مكة ومثلهما في المدينة التي لم أزرها منذ أكثر من عشر سنوات.. - أينما تقرأ في كتاب الله تجد آية توضح شيئاً من قضايا القدر.. كنت وصاحبي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بين العشاءين.. وكنا قد سلمنا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة مباشرة.. وأخذنا مجلساً هادئاً ننتظر الصلاة الأخيرة.. فتح صاحبي المصحف... قرأ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} (الزمر:41) - في هذه الآية.. ينسب الله الاهتداء للعبد.. {من اهتدى}.. وكذلك الضلال.. {ومن ضل}.. وذلك أن العبد يختار بإرادته ما يريد.. فالذي يختار طريق الهداية ويبذل أسبابها ينالها.. فضلاً من الله.. ومن يختار طريق الغواية ويسير فيها يتركه الله.. عدلاً منه عزّ وجلّ. والأول يثاب على طاعته.. والآخر يعاقب على معصيته.. في الآخرة أما في الدنيا... فلا جزاء ولا عقاب.. وإنما ابتلاء.. - هل نستطيع أن نجزم بأن من أراد الهداية نالها؟ - نعم.. إذا بذل أسبابها الصحيحة.. عمل الطاعات.. ترك السيئات.. الإخلاص لله.. ودعاء الله.. ومن أخل بشيء من هذه الشروط حرمه الله «الهداية».. وإن كان فيما يبدو «مهتديا».. وبهذا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة.. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار» متفق عليه. قاطعني.. - أريد شرحاً لهذا الحديث ولاسيما «فيسبق عليه الكتاب»؟ - بفضل الله لقد كنت اطلعت على شرح ابن حجر والنووي للصحيحين قبل فترة وجيزة.. نعلم ابتداء أن ما كتبه الله في اللوح المحفوظ إنما هو علمه... وما يقع في الكون يتفق مع ما كتبه الله لكمال علمه سبحانه وتعالى.. أما الأعمال: «الحسنات والسيئات» فلا تسجل على العبد إلا بعد أن يعملها.. وهنا تكون المحاسبة على ما يعمله العبد.. لا ما كتبه الله.. وفي شرح الحديث يقول النووي.. «والمراد بهذا الحديث أن هذا قد يقع في نادر من الناس لا أنه الغالب فيهم» وفي رواية.. «فيما يبدو للناس».. وذلك أن أحدنا لا ينبغي أن يحكم على أحد.. فيقول: «والله لا يغفر الله لفلان».. لكثرة معصيته.. أو يقول «فلان من أهل الجنة» لكثرة طاعاته.. فإن أحدنا لا يعلم خاتمة أي أحد.. وكذلك هذا الحديث يحذر الإنسان من سوء الخاتمة فلا يركن إلى صالح أعماله «ويضمن» الجنة بل يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويكثر من الدعاء «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».. «السلسلة الصحيحة».. أما قوله صلى الله عليه وسلم : «فيسبق عليه الكتاب».. أي سبق في علم الله ما سيفعله هذا الإنسان ولكنه هو الذي عمل بعمل أهل الجنة.. أو عمل بعمل أهل النار.. فنال جزاء عمله.. لا أن الله كتب عليه بمعنى أرغمه على عمل أهل النار.. ولكن نبين أن هذا قد يحصل في القليل النادر من الناس لخلل في أسباب الهداية.. كالغرور أو العجب أو الاتكال إلى الأعمال الصالحة وعدم دعاء الله عز وجل.. فالهداية فضل من الله والضلال عدل من الله، لمن اختار هذه الطريق.. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#12
|
||||
|
||||
![]() القـــــــدر (12)ولو شاء الله - يقول عز وجل: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم..} (المائدة:48).. ويقول سبحانه: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين} (الأنعام:35).. ويقول عز من قائل: {ولو شاء الله ما أشركوا..} (الأنعام 107).. ويقول سبحانه: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} (يونس:99).. ويقول: {وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين} (النحل:9).. ويقول: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون} (النحل:93)، وفي آية أخرى: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير} (الشورى:8). هذه الآيات تبين جانبا من الإيمان بالقدر. ولنتدبر آخر آيتين إذ يخبر الله عز وجل أنه لو شاء وأراد إرادة كونية لجعل جميع خلقه أمة واحدة مهتدين طائعين.. ولكنه عز وجل يهدي من يسلك طريق الهداية.. ويدخل في رحمته.. ويترك الظالم الذي يختار طريق الضلال، وسيبعث الجميع يوم القيامة ليسألوا عما كانوا يعملون في الدنيا ويجازون على ذلك... وهكذا نوفق بين المعاني التي وردت في هذه الآيات. كنت وصاحبي في موعدنا الشهري الذي يصادف أول ثلاثاء من كل شهر ميلادي.. - ولكن بعض الناس يتمسك بأن الله: {يضل من يشاء ويهدي من يشاء}.. عذراً إذا لم يرغب أن يسلك طريق الهداية. - هذا عذر أقبح من ذنب.. أولا وصف الله بما لا يليق به.. «بهذا المعنى»، وثانياً.. لن ينفعه هذا العذر بين يدي الله عز وجل.. وثالثا.. من ركن إلى هذا العذر لن يبحث عن الهداية.. ومن باب أولى لن يجدها.. باختصار.. كل أحد مسؤول عن عمله.. وسيقف بين يدي الله يوم القيامة: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة:6). - وماذا عن الآيات الأخرى؟! - على الإجمال هذه الآيات تبين أن مشيئة الله نافذة.. لا يردها شيء.. فلو أراد الله سبحانه أن يجعل الجميع مؤمنين مهتدين.. لكانوا كما شاء- ولو شاء أن يجعل الجميع أمة واحدة.. لكانوا كذلك.. ولكن حكمته سبحانه اقتضت أن يترك للناس حرية العمل والاختيار.. وأنزل لهم أنواعا من الاختبارات.. ليتبينوا مواقعهم من الإيمان والتصديق وليزدادوا من الخيرات.. والحسنات.. وأريد أن أذكر آية واحدة من مجموع الآيات التي ذكرناها في البداية.. وهي: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين} (الأنعام:35)، يخاطب بها الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن المراد من وراءه.. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من الجاهلين... ولكن من ظن أن الله يعجز عن هداية الناس جميعاً... فهو جاهل.. ومن ظن أن الله يجبر أحداً على الضلال فهو جاهل.. ومن ظن أنه يهتدي دون توفيق من الله فهو جاهل.. ومن ظن أنه يرتكب المعصية رغما عن الله فهو جاهل.. إن الفاسق يرتكب المعصية بإرادته والله أذن للمعصية أن تقع في ملكه مع أنه سبحانه وتعالى يكرهها.. والصالح يعمل الصالحات بتوفيق الله.. والله يحب ذلك، ويجزي عليها أضعافا مضاعفة. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
![]() القـــــــدر (13) تحقيق الإيمان - لم يكن تحقيق الإيمان بالقدر مشكلة عند الصحابة، فقد فهموا المطلوب منهم بأحاديث بسيطة سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . - هل لك أن تبين ذلك بأمثلة؟ كنت وصاحبي نتمشى حول مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء من فندقنا الواقع عند الزاوية الشمالية الشرقية للمسجد. - لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم مثلا في الحديث المتفق عليه، عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». وهذا شرح قول الله تعالى: {ياأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليماً حكيما} (النساء: 170). فإن الله بعث الأنبياء جميعا بالهدى، الذي هو البيان والإرشاد والحجة والبرهان وخاتمهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه بأعظم بيان وهو القرآن العظيم، فمن الناس من قبل هذا الهدى وأقبل عليه مخلصاً وأراد أن يستزيد إيماناً منه أن الهداية سبيل للنجاة بعد الموت، فهذا ييسر الله له درب الهداية ويزيده هدى. ومن الناس من لم يهتم بهذا الأمر ولم يعتن به، ولم يرفع بذلك رأساً غفلة منه، أو ضعف إيمان، أو عدم يقين بما سيكون بعد الموت، فهذا تركه الله لما اختار. قاطعني.. - وهل اختيار هذا وذاك بمحض إرادتهما؟ أم بتقدير الله؟ - كلا الأمرين معاً، هكذا فهم الصحابة الكلمات التي تلقوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ففي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فأخذ شيئاً فجعل ينكت به الأرض، فقال: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة»، قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال صلى الله عليه وسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاء»، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى} (الليل: 5 - 11)، وفي رواية قالوا: إذاً نجتهد. ولاحظ -يا أبا عبدالله- أن التيسير للعمل من الله، أتى بعد العمل من العبد {أعطى واتقى...}، {فسنيسره لليسرى}، {بخل واستغنى}، {فسنيسره للعسرى}، ثم قرأ الآيات في سبب نيل الجنة: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف: 43)، {لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون} (الأنعام: 127)، {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} (السجدة: 17)، {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون} (السجدة: 19)، {أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون} (الأحقاف: 14). فلقد نالوها بأعمالهم، وسبق في علم الله ما هم عاملون فكتبه عز وجل، وهذا معنى الحديث: «إن الله عز وجل خلق آدم ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر» السلسلة الصحيحة. فالعبد لا يعلم الغيب ولا يعلم ماذا كتب له، ولن يحاسب على ما كتب، بل سيحاسب على ما يعمل؛ ولذلك قال الصحابة: «إذاً نجتهد»، أو «إذاً نجد في العمل»، وهذا هو المطلوب من العبد أن يعمل بطاعة الله لينال الثواب من الله. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#14
|
||||
|
||||
![]() القـــــــدر (14) يــدبـر الأمـــر «التدبير»... تنزيل الأمور في مراتبها وعلى أحكام عواقبها، وأيضا.. إنه سبحانه وتعالى يقضي ويقدر حسب مقتضى الحكمة وهو النظر في أدبار الأمور وعواقبها.. وجاء «التدبير» في حق الله تعالى.. في مواضع من كتاب الله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (يونس:3)، وفي قوله سبحانه: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}(يونس:31), ويقول تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}(الرعد:2). كنت وصاحبي في طريقنا إلى مبنى المحاكم.. لحضور جلسة في قضية بينه وبين بعض أقاربه: - وماذا عن قوله سبحانه: {فالمدبرات أمراً}؟! - هذه وردت في سورة النازعات حيث يقسم الله عز وجل ببعض ملائكته.. ومنهم «المدبرات أمراً».. التي تباشر تدبير أمور الكون كما أراد الله عز وجل وقضى... فالملائكة هي التي تتولى تنفيذ القضايا الكبرى كنفخ الروح وانتزاعها.. وسوق السحاب وإنزال المطر.. والزرع والرياح وكل ما يحتاج الإنسان: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}(الرعد:11).. أي يحفظونه بأمر الله.. قاطعني: - ألا توجد آية أن الله يدبر الأمور في يوم كان مقداره ألف سنة؟ - بلى في سورة السجدة: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}(السجدة:5).. والمعنى أن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض في يوم واحد من أيامكم.. مع أن المسافة التي يقطعها تقدر بمسيرة ألف سنة، خمسمائة نزولا ومثلها صعودا.. وذلك أن المسافة بين السماء الدنيا والأرض مسيرة خمسمائة سنة.. وقيل إن الملائكة تقطع في يوم واحد ما يقطعه أحدكم في ألف سنة.. وقيل إن قضاء ألف سنة ينزل في يوم واحد.. وهكذا.. كل ألف سنة ينزل القضاء مرة واحدة.. والظاهر الأول وأن الملائكة تنزل بأمر الله فتدبر أمور الكون جميعا.. فهي تنزل بالأوامر وتعرج بالأعمال.. كل ذلك في أقل من يوم.. كما أخبر الرسول [ «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون» البخاري، وإذا علم المؤمن أن الله هو الذي يدبر الأمر.. أي كل أمر.. في السماء والأرض.. الرزق، الصحة، المرض، السعادة، الشقاء، الأبناء.... وغيرها من أمور بني آدم... فإنه يطمئن.. لان الذي يدبر الأمور هو الله عز وجل... فإذا تيقن المؤمن من ذلك.. لم يحزن على ما فات ولم يجزع بما يقع... ولم يخف مما سيأتي. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
![]() القـــــــدر (15)لا شيء يقع إلا بإذن الله - من الآيات التي يجب تدبرها لاستكمال مسألة الإيمان بالقدر الآيات التي تبين أن لا شيء يقع إلا بإذن الله. - هل لي بمزيد ايضاح؟ - نعم.. إن شاء الله. - كنت وصاحبي نشرب قهوة الضحى في أحد الأماكن الهادئة قبالة شاطئ البحر، بعيداً عن صخب الشوارع وزحمة الأسواق. - تدبر قول الله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} (البقرة: 102)، وقوله عز وجل: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً} (آل عمران: 145)، وقوله سبحانه: {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون} (يونس: 100)، {وما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} (التغابن: 11)، وقوله عز وجل: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين} (آل عمران: 166). هذه الآيات وغيرها تبين أن لا شيء: طاعة، ومعصية، ومصيبة، وفرحا، وموتا، وعزة، وذلا، ونصرا، وهزيمة.. إلخ، لا شيء يقع إلا بإذن الله، وما أذن الله به أن يقع في ملكه، وكل شيء ملكه، قد يحبه، وقد يبغضه، ولكنه سبحانه أذن له أن يقع. - هل أستطيع أن أقول - ولله المثل الأعلى - ولكن تقريباً للمعنى: إن ملكا أذن لمن في قصره أن يفعل ما شاء، سواء وافق ما يحبه ويريده أم عارض ما يحبه ويرضاه. - هذا المثل ناقص، وذلك أن الله عز وجل يعلم مسبقاً ما سيفعله عبيده وكتبه سبحانه، وما يفعلونه بكامل إرادتهم سبق في علم الله، وأذن الله له أن يقع في ملكه، وسوف يجازي عبيده على أفعالهم إن خيرا فخير وزيادة، وإن شر فعدله إن لم يتفضل الله بمغفرته. - وماذا عن الآية التي تبين أن المصائب تقع بسبب الذنوب؟ واسمح لي لا أحفظ الآية. - تعني قوله عز وجل: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى: 30). - نعم. - هذه الآية تبين سبباً رئيساً لوقوع المكروه على العبد وهو الأكثر ولا تعارض، فكله يقع بإذن الله، كما تعلم تقع المصيبة تكفيراً أو تمحيصاً، فالله تبارك وتعالى يمحص المؤمنين ويطهرهم ويرفع درجاتهم، تدبر قول الله تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا} (آل عمران: 165 - 166)، وكذلك تدبر قول الله تعالى: {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} (آل عمران: 142). قاطعني: - قوله عز وجل: {ليعلم الله...}؟ - شعرت أنك ستسأل هذا السؤال، لقد علم الله هذه الأمور قبل وقوعها: {ليعلم الله} هنا أي: ليتحقق علم الله على أرض الواقع، لتروا أنتم علم الله فيكم، فالله عز وجل لا يعلم شيئاً جديداً، سبق علمه كل شيء قبل وقوعه، بل ما لم يقع لو وقع يعلمه الله، ثم تأمل قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} (آل عمران: 156)، فقول بعض الناس: لو أطاعنا فلان ولم يسافر لما وقع عليه هذا الحادث المميت، هذا القول يشبه قول الكفار؛ وذلك أن من الإيمان بالقدر أن يؤمن العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وما أخطئه لم يكن ليصيبه. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#16
|
||||
|
||||
![]() القـــــــدر (16)- شمولية الإيمان بالقدر - مشكلة كثير من الناس في قضية القدر أنهم يطبقون الإيمان بالقدر في موضع وينكرونه في موضع آخر. - هذه عبارة مبهمة بيّنها جزاك الله خيراً. هكذا بدأ الحوار بيني وبين شقيقي الأصغر، حين كنت في زيارة لوالدتي يوم الثلاثاء، وكانت والدتي ثالثنا. - مثلاً.. لا أحد يجلس في بيته ولا يبحث عن عمل ومصدر رزق ويقول: لو شاء الله لرزقني، فهو القائل في كتابه: {إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} (آل عمران: 37) وغيرها من الآيات التي تدل على المعنى نفسه، بل كل عاقل يسعى في طلب رزقه ليرجع بما كتبه الله له من رزق، وكذلك لا أحد يتأخر عن الزواج والاقتران بامرأة ويرجو الذرية ويقول: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} (الشورى: 49)، بل كل عاقل يسعى للزواج، ثم إن لم يرزق بذرية يبذل كل الأسباب المادية لإزالة العوائق طلباً للذرية. وهكذا ينبغي أن يكون الموقف في جميع قضايا القدر، بذل الأسباب لنيل المحبوب، ودفع المكروه، والإيمان بأن ما يتحصل بعد بذل الأسباب قد علمه الله قبل خلق السموات والأرض وكتبه، فالهداية مثلاً، كما في الرزق، لا ينبغي لأحد أن يبتعد عن أسباب الهداية ولا يسعى لها، ثم يقول: لو شاء الله لهداني، فهو القائل سبحانه في كتابه: {لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (النور: 46)، أو يتقاعس عن الطاعات ويتمادى في المعاصي والمنكرات، ويقول: {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء} (النحل: 35)، أو يقول في الحديث القدسي أن الله تعالى قال عن ذرية آدم: «هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي» السلسلة الصحيحة؛ بل يفعل مثل ما فعل في الرزق والذرية فيبذل أسباب الهداية، ويقرأ قوله الله تعالى: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً} (مريم: 63)؛ فالهداية لها أسباب كما للرزق أسباب، والجنة لها طريق واضح بين، كما للذرية طريق واضح بين، وفي الواقع الحصول على الهداية والجنة أضمن من الحصول على الرزق والذرية. استغرب صاحبي جملتي الأخيرة، وأظهر ذلك بتعابير وجهه: - ماذا تعني؟ - أعني أن العبد قد يبذل أسباب الرزق ولا ينال الرزق الذي سعى له لحكمة أرادها الله، وقد يبذل أسباب الذرية ولا ينال الذرية، ولكن لا يبذل أحد أسباب الهداية الصحيحة ولا ينالها، وكذلك لا يبذل أسباب دخول الجنة ولا يدخلها، وبالطبع من الأسباب الدعاء وعدم الاغترار بالعمل، وعدم الايجاب على الله، بل الرجاء. إن الإيمان الصحيح بالقدر يربح العبد ويبين له كل ما يحتاج في أمور دينه ودنياه؛ فيعيش مرتاح البال قرير العين، يتعامل بطريقة صحيحة في كل جوانب حياته. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#17
|
||||
|
||||
![]() القـــــــدر (17) مسؤولية العبد عن تصرفاته لا شك أن العبد مسؤول عن جميع تصرفاته.. وسيحاسب عن كل عمل: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة:7). - وماذا عن الآيات التي تبين أن الشيطان هو الذي يغوي بني آدم وأنه سبب ضلالهم؟! كان حواري مع صاحبي ونحن في طريقنا إلى أحد المخيمات الربيعية بعد أن صلينا العصر وذلك لقضاء المساء مع بعض معارفنا الذين دعونا للعشاء بمناسبة فوز أحدهم في الانتخابات الفائتة. - لا شك أن الشيطان سبب للإغواء.. كما الشهوات سبب للضلال.. كما الأخلاق السيئة كالكبر والحسد.. سبب للمعاصي.. ولكن العبد مسؤول عن نفسه.. ألا يخضع لهذه الأسباب.. ولذلك يتبرأ الشيطان من جميع من استجاب له: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} (إبراهيم:22)، فالشيطان يدعو إلى المعاصي.. وكذلك بعض الناس يدعو إلى المعاصي ويزينها.. والهوى أيضا يدعو إلى المعصية ويزينها.. والعبد يستجيب لهذه الدعوات أو يرفضها.. ويستجيب لدواعي الخير والهداية.. فالقرآن يدعوه إلى الخير.. وأهل الصلاح يدعونه إلى الهدى.. وهكذا هي حياة العبد.. ولكنه في النهاية هو المسؤول عن اختياره وهو الذي يحدد مصيره.. بما كسبت يداه. تركنا الطريق المعبد إلى طريق صحراوي.. اكتست الأرض بشيء من اللون الأخضر بعد موسم لا بأس به من الأمطار. - وماذا عما يجري على العبد من مصائب لا دخل له بها.. كمرض عزيز وموت حبيب.. وغير ذلك من أمور تجري عليه.. يكرهها؟! - لقد جعل الله الحياة الدنيا «دار ابتلاء».. فهو سبحانه الخالق.. وله الحق أن يبتلي من يشاء بما يشاء.. {لا يُسأل عما يفعل} (الأنبياء:23)، ومع ذلك فهو سبحانه.. رحيم بعباده.. لطيف بخلقه.. بل هو أرحم بالعبد من الأم برضيعها.. ولم يخلق الله سبحانه الخلق ليعذبهم.. بل ليعبدوه، فإذا قضى الله على عبده قضاء فيما لا دخل للعبد به فقد أمره سبحانه وتعالى.. أن يعلم أن الذي قدر هذا الأمر هو الله سبحانه وتعالى.. فعليه أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه فيرضى بما قدره الله عليه.. لأن رضاه بذلك يرضي الله عنه.. «فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» السلسلة الصحيحة، ورضاه أو سخطه لا يغير مما وقع.. أو مما سيقع شيئا.. ولكن الرضا فيه الأجر من الله.. والسخط فيه الوزر على العبد. - هناك آية.. أظن في سورة النساء.. معناها.. ما أصابك من حسنة فمن الله؟! قاطعته: تعني قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} (النساء:78)؟ - نعم. - هذه الآية تبين المصدر والسبب فيما يقع على العبد.. في بدايتها.. أن لا مفر من الموت.. في المكان والزمان الذي كتبه الله عز وجل.. قبل خلق السموات والأرض، فلا يظنن ظان أنه إذا فرّ من الموت سينجو... بل ينبغي على العبد أن يتخذ أسباب النجاة من الهلاك ولكنه إذا مات.. فهذه قضية حتمية.. ثم يبين الله عز وجل.. موقف بعض اليهود والمنافقين الذين لا يتركون فرصة إلا ويلمزون رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والآية عامة وتنطبق على كل من قال مقولتهم.. وذلك أنهم جعلوا الرسول صلى الله عليه وسلم سببا فيما يقع عليهم من مكروهات كالجدب والمرض.. يتشاءمون برسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأمر الله عز وجل رسوله أن يخبرهم بأن كل ما يجري عليهم مما يحبون أو يكرهون مصدره الله عز وجل.. ثم بين سبحانه وتعالى.. أن المكروه قد يقع بسبب معاصي العبد.. كما قال تعالى في آية أخرى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى:30)، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد:11)، باختصار.. الله سبحانه وتعالى عدل.. رحيم.. لطيف.. رؤوف.. لا يقضي على العبد ما يضره.. إذا آمن العبد بهذه الصفات.. وغيرها من صفات الكمال لله عز وجل.. فإنه دون شك يرضى بقضاء الله فينال الرضا من الله.. فيعيش مطمئنا في حياته.. مأجورا في آخرته. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#18
|
||||
|
||||
![]() القـــــــدر (18) القــدر واختيــار العبــاد من الآيات التي تبين الإيمان بالقدر قول الله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} (القصص:68).. وكذلك قوله تبارك وتعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير} (التغابن :2). وقد نقل القرطبي كلاما للزجّاج وقال عنه: هو أحسن الكلام في هذه المسألة، ونصه: «إن الله خلق الكافر وكفره فعل له وكسب، وخلق المؤمن وإيمانه فعل له وكسب مع أن الله خالق الكفر والإيمان». وهذا الذي عليه جمهور الأمة. - وما الذي كتبه الله عز وجل.. وهو واقع لا محالة؟ كنت وصاحبي بانتظار ضيف لنا من مكة المكرمة.. تعرفنا عليه خلال موسم الحج الفائت ودعوناه حينها لزيارة الكويت.. هاتفنا قبل أربعة أيام ليخبرنا بموعد وصوله. - الذي كتبه الله عز وجل هو علمه الذي أحاط بكل شيء.. فقد علم سبحانه من سيكون مؤمنا.. ومن سيكون كافرا.. وعلمه هذا لا يعلمه أحد من خلقه.. فلا يعلم أي منا.. إن كان قد سبق في علم الله أنه سيموت مؤمنا أو كافرا.. ولذلك يسعى كل منا ويجتهد في الطاعات ليكون من أهل الإيمان.. وهذا معنى قول الزجاج: «الكفر فعل وكسب للعبد يصبح به كافرا، والإيمان فعل وكسب للعبد يصبح به مؤمنا..» فالعبد هو الذي يكسب العمل.. كما قال تعالى في سورة الإنسان: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} (الإنسان:3).. أي بينا له الطريق.. وهو الذي اختار... أن يكون شاكرا.. أو اختار أن يكون كافرا.. وكل ذلك قد علمه الله عز وجل.. وكتبه.. ولنرجع إلى الآية التي بدأنا بها حديثنا.. من سورة القصص فـ«الخيرة» من «التخير» وتستعمل بمعنى المصدر وبمعنى «المتخير».. قيل سببه.. قول الوليد بن المغيرة: {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} (الزخرف:31).. فالله سبحانه وتعالى.. بحكمته وعلمه يختار للعباد ما هو خير لهم.. فيختار الرسل من خيرة البشر «يصطفيهم».. وليس الأمر للمخلوقات.. وهذا مما اختص الله به.. فلا ينازعه أحد: {سبحان الله عما يشركون}... وهكذا كل أمر كوني.. لا يشارك الله أحد من مخلوقاته فيه. ظهر على لوحة القدوم أن الطائرة وصلت. - وبالطبع هذه الآية لا تعني أن العبد لا خيار له في أفعاله... فالواقع يكذب هذا بل العبد له كامل الاختيار؛ ولذلك هو مسؤول مسؤولية كاملة عن أفعاله.. ومحاسب عليها يوم القيامة.. ومجاز عليها.. هو لا خيار له فيما لن يسأل عنه: مولده.. لونه.. نسبه.. عمره... القضايا التي لا دخل له فيها.. إن قضايا القدر تدور على علم الله.. الذي كتبه.. فنؤمن به... وعلى الأمور التي تقع علينا دون اختيارنا فنصبر على ما نكره ونشكر لنيل ما نحب. وعلى أعمالنا التي نكتسبها... وهذه مسؤوليتنا وسنحاسب عليها. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#19
|
||||
|
||||
![]() القـــــــدر (19) الرضا بالقدر - الرضا بالقدر ليس استسلاما.. الفرق بينهما كالفرق بين التوكل والتواكل... إن أحدنا مأمور أن يرضى بقضاء الله وقدره.. وأيضا مأمور أن يتخذ الأسباب لإزالة ما يقع عليه من مكروه... وكله بقضاء الله عز وجل. - ولكن النفس البشرية -في لحظات الضعف- ربما تتململ وتضجر من كثرة ما يصيبها من المكروهات. - وهنا ينبغي على العبد أن يثبت على الإيمان... في لحظات الضعف والابتلاء كما قال الله تعالى: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون} (التوبة:16)... وكذلك قوله عز وجل: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} (آل عمران:140)، وكذلك: {وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} (الحديد:25).. وقوله: {وليعلم الله الذين آمنوا وليعلم المنافقين} (العنكبوت:11).. ومعنى الآيات: حتى يتحقق علم الله فيكم وترونه رأي العين.. وإلا فكل ذلك قد علمه الله سابقا.. ولا يضاف إلى علم الله الكامل شيء.. فالمؤمن يتمسك بالإيمان ويلجأ إلى الله.. وكلما ازدادت الشدة.. ازداد إقبالا على الله.. أما الآخر فقد وصفه الله عز وجل بقوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} (الحج:11). كان صاحبي يناقشني وبيده قصاصة من صحيفة يومية ذكرت كاتبتها قضية «الاستسلام للقدر». أراد صاحبي مزيد توضيح: - وكيف يكون الرضا بالقدر..؟! - اسمع قول النبي [: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط». (السلسلة الصحيحة)... فالبلاء غالبا دليل خير.. والرضا نتدرب عليه.. بهدي من القرآن والسنة.. يصف الله عباده المؤمنين: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} (البقرة:156).. فالعبد المؤمن يعلم أنه لا شيء يقع إلا بإذن الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} (التوبة: 51).. كل هذه عقائد يؤمن بها المؤمن إيمانا راسخا.. فإذا وقعت المصيبة.. قال بلسانه: {إنا لله وإنا إليه راجعون}... يذكّر نفسه.. ويحيي ما كان يعتقده في قلبه.. ثم يحمد الله.. «الحمدلله على كل حال».. كما في حديث من قُبض ولده.. فيكون جزاؤه.. «ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» السلسلة الصحيحة. قاطعني: - وماذا عن قول: «الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه»؟ - هذا القول لم أجده في كتب الحديث ولا يجوز نسبة الشر إلى الله كما قال [ في دعائه: «والخير كله في يديك والشر ليس إليك...» (مسلم)، وعلى أية حال.. إذا نزل المكروه بالعبد.. صبر ولم يجزع.. ولم يسخط بأن يتكلم ساخطا على قضاء الله.. بل يصبر.. ويسترجع، ويسعى بكل ما أوتي أن يزيل ما وقع عليه -إن كان يمكن إزالته- ولا يستسلم ويضعف.. بل يستعين بالله ويستعين بمن يستطيع الاستعانة به من عباد الله الأحياء... ويتقوى على ذلك بذكر الله.. ويذكّر نفسه.. أن الجزع لا يغير مما وقع شيئا.. والسخط لا يرفع المصيبة.. بل يزيدها سوءا.. فيتعامل «بإيجابية» مع المصيبة لتتحول إلى مصدر لكسب رضا الله... ومغفرة الذنوب.. وربما.. نيل الجنة. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#20
|
||||
|
||||
![]() القـــــــدر (20)الله قسم الأرزاق التقيته دون سابق موعد في حفل زفاف ابن صديق مشترك لنا، كانت قد مضت قرابة العشر سنين منذ آخر لقاء بيننا. بعد التحيات والأسئلة المعتادة، أخذنا جانبا هادئاً نسبياً. - قرأت حديثاً لا أعرف مدى صحته، ولكن بدايته: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم» وبصراحة أعجبني الحديث، فهل مر عليك من قبل؟! - سبحان الله، كنت في حلقة علمية ألقاها أحد المشايخ الأفاضل الذين دعتهم وزارة الأوقاف، وتناول هذا الحديث، فعزمت على حفظه، ومتنه: «إن الله ق سم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب، فمن ضن بالمال أن ينفقه وخاف العدو أن يجاهده وهاب الليل أن يكابره فليكثر من قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» هذا النص ورد في السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله. - هل هناك رواية عن ابن مسعود بالنص ذاته؟ - نعم... الحديث يرويه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي بعض الكتب مثل صحيح الترغيب والترهيب يروى موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه والشاهد أن هذا الحديث يبين أن الله قسم الأخلاق بين العباد كما قسم الأرزاق، وحتى نفهم الموقف مما قسمه الله ينبغي أن نطبق هذا المعتقد على القضايا المادية الملموسة ونقيس عليها غيرها. فنقول: الجميع يؤمن بأن الله قسم الأرزاق بين عباده، فلماذا لا يجلس هؤلاء في بيوتهم ويقولون: ما قسمه الله لنا سيأتينا ولو نمنا في بيوتنا ولم نسع في طلب الرزق؟ لا يقول ذلك عاقل، بل الجميع يسعى لطلب الرزق والاستزادة منه قدر ما يستطيع، بل السعي مطلوب ومأمور به: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} (الملك: 15)، {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} (الجمعة:10)، وكذلك قضايا الأخلاق والإيمان، فمن رزقه الله أخلاقاً حميدة - وذلك أن من الأخلاق جبليا ومكتسبا - ينبغي أن يحمد الله على الخلق الحميد ويستغله في كسب الثواب والأجر، أما الغالب من الأخلاق فهو من كسب ابن آدم؛ ولذلك يثاب عليه يوم القيامة، وثبت في الحديث: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق» صحيح الترغيب والترهيب؛ فالعبد المؤمن يؤمن يقيناً أن الله كتب كل شيء من رزق، وهداية، وإيمان، وولد، وتوفيق في أمور الدنيا، ومع ذلك يسعى في طلب الرزق ويتزوج لطلب الولد، وينبغي عليه أن يجتهد في طلب الإيمان والهداية والصلاح؛ فيبذل الأسباب الشرعية لينال كل هذا مع اليقين أن الله قد كتبها سابقاً. قاطعني: - والجزء الثاني من الحديث؟ - قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب. هذه الحقيقة تريح العبد الصادق، فإن كان يزعم أنه يريد أن يكون فيمن يحبهم الله، لا ينظر إلى أهل الدنيا، بل إلى أهل الإيمان؛ فلا يكون عنده حسد، ولا جشع، ولا حرص على متاع الدنيا. ثم يختتم الرسول صلى الله عليه وسلم حديثه بإرشاد المؤمنين إلى عبادة عظيمة وهي ذكر الله عز وجل؛ فإنه أثوب عند الله من إنفاق المال النافلة والجهاد النافلة والقيام النافلة، وهذا يصدقه حديث أبي الدرداء: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكارها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى، قال: «ذكر الله» صححه الألباني. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |