|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() نساء.... خالدات د . أميرة الصاعدي(16) عاتكة بنت يزيد بن معاوية (العالمة السّخيّة) امرأة فريدة في تاريخنا الإسلامي، إذ كان اثنا عشر خليفة من خلفائنا محارم لها تضع الخمار بين أيديهم، فأبوها يزيد بن معاوية، وأخوها معاوية بن يزيد، وجدها معاوية بن أبي سفيان، وزوجها عبد الملك بن مروان ، وأبو زوجها مروان بن الحكم، وابنها يزيد بن عبد الملك، وبنو زوجها الوليد وسليمان وهشام، ![]() وابن ابنها الوليد بن يزيد، وابن ابن زوجها يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وإبراهيم بن الوليد، وهو ابن ابن زوجها أيضاً. إنها عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموية القرشية ، كانت من شهيرات النساء في عصرها لا لحسبها ونسبها فقط؛ بل لعلمها وفضلها، فقد عاشت في عصر التابعين ، عصر العلماء والمحدثين والفقهاء، فنهلت من علمهم، وأخذت عنهم، حتى عدّها ابن زرعة ممن حدّث بالشام من النساء. فلم يشغلها الحسب والنسب واشتغالها برعاية زوجها الخليفة عن طلب العلم من أهله، فطمحت إليه لتزداد به شرفاً على نسب، وفضلاً على فضل، راغبة فيما عند الله من الجزاء الأوفى للعلماء. كما اشتُهر عن عاتكة أيضاً سخاؤها وجودها على الفقراء والمحتاجين، ذلك أنها ضمت بين جوانحها قلباً فيّاضاً بالعطف عليهم وتفقد حاجاتهم ، فقد زادها طلب العلم نبلاً في العطاء، وهمة للتقرب إلى الله تعالى في هؤلاء المساكين، حتى يُروى أنها أنفقت مالها كله على الفقراء من آل سفيان؛ إذ أورد صاحب تاريخ مدينة دمشق أن زوجها عبد الملك بن مروان قال لها: " لو أشْهدْتِ بمالك لولدك. قالت: أَدْخِلْ علي عدة من ثقات مواليّ حتى أُشْهدهم، فوجّه إليها بعدد منهم، ووجّه معهم رَوْح بن زنباع فأبلغها "روح" الرسالة، فقالت: يا روح ! بَنيّ في غنَى عن مالي بأبيهم وموضعهم من الخلافة، ولكن أُشهدكم أنّي قد أوقفت(1)جميع مالي على آل أبي سفيان، فهم إلى ذلك أحوج لتغيّر حالهم) وعندما سمع روح بن زنباع منها ذلك خرج إلى عبد الملك بن مروان، وقد تغيّر لونه، فسأله عبد ![]() الملك عن ذلك، فقال: وَجّهْتنِي إلى معاوية جالسُ في أثوابه(2) ! وأخبره الخبر(3) . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) أوقفته: أي جعلته وقفاً. (2) يقصد أنها أشبهت جدّها معاوية، فكأنها هو جالس في أثوابه. (3) ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، "تراجم النساء" ، ص203،206، دار الفكر. ![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() نساء.... خالدات د . أميرة الصاعدي (20) فاطمة بنت عبد الملك " الأميرة الزاهدة " امرأة قلّما تجود الدنيا بمثلها !! درجت في أكناف النّعيم، وترعرعت في أروقة الخلافة وأبهة الملك .. فقد كان أبوها وجدها وإخوانها وأبناؤهم جميعاً خلفاء ، فعاشت تتقلب في مطارف العزّ والدلال، فقد أحبها أبوها حبًّا جماً، وأعذق عليها أصناف الرفاهية والهناءة . فنشأت أميرة يحفها بهاء الملك من كل جانب .. ويستنير وجهها بسنا الرفعة وأُلق الغنى.. إنها فاطمة بنت عبد الملك بن مروان الأموية القرشية ![]() ، التي قال عنها الزبير بن بكّار: لم تكن امرأة تستحق هذا البيت إلى يومنا هذا غيرها، وهو : بنتُ الخليفة والخليفةُ جدّها أخت الخلائف والخليفة بعلُها وقد اكتمل عقد فضلها حين أضفت عليه من جواهر العلم ودرره الشيء الكثير ، فقد حرصت على طلبه، حتى أضحت راوية للحديث، وقد كانت ممن ذكرها أبو زرعة فيمن حدّث بالشام من النساء ، وقد روى عنها عدد من العلماء والتابعين أمثال عطاء بن أبي رباح المكي التابعي مفتي أهل مكة ومحدثهم، وكذلك روى عنها أبو عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري وغيرهما. وبذا اكتمل لفاطمة عقد كمال نادر قلّ أن تناله امرأة في الوجود، وبقيت تتطلع هي إلى واسطته وأثمن جواهره ، وهو الزوج الصالح الذي بوجوده ستنهل من منابع السعادة والفلاح ، فأتمّ الله نعمته عليها بأن وهبها رجلاً من خيرة الرجال أميراً محباً صالحاً زاهداً هو الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله. ![]() فقد تربّى ابن عمها عمر بين إخوتها في قصر والدها بعد وفاة أبيها عبد العزيز بن مروان حيث ضمه عبد الملك إليه وربّاه بين أبنائه ، وحين بلغت فاطمة سن الصبا اليافع، ونضج شبابهما، اختار لها أبوها ابن عمها عمر زوجاً وكفؤاً لها.. فأعجبها اختيار أبيها، وفرح عمر بها، وأجاب عمه قائلاً: وصلك الله يا أمير المؤمنين، فقد كفيت المسألة وأجزلت العطية. فازداد عمه إعجاباً به . وكان عمر منذ نشأته فصيحاً لَسِناً، فلما سأله عمه عن نفقته –ضماناً لمعيشة ابنته- فأجابه: هي بين السيئتين . قال: وما هما؟ قال: قول الله تعالى " وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً "سورة الفرقان:67 . فسُرّ عبد الملك به وتساءل عمّن علّمه هذا؟! وزُفّت فاطمة إلى زوجها، فكان يوم زفافهما من الأيام المشهودة في دمشق، فقد ذكر من حضر عرسهما أنهم كانوا يسرجون القناديل بالغالية(1) بدلاً من الزيت. وعاشت فاطمة مع عمر عيشة مترفة منعمة، فقد أضحى عمر والي المدينة، ورزقهما الله منه بابنين اثنين هما: إسحاق ويعقوب. ![]() ودامت هذه الحياة الهنيئة حتى كان عام تسع وتسعين من الهجرة حين تولى زوجها خلافة الأمة، فانقلبت حياته ، وغدا –وهو الشاب الذي غُذّي من آنية الملك- إماماً زاهداً تثقل مسئولية الخلافة كاهله. وأضحت فاطمة بين يوم وليلة زوج الخليفة الزاهد، فوقفت تلك الأميرة الأموية زوجة زوجة معينة مخلصة ، واستشعرت مسئوليتها تجاه زوجها الذي آثر طريق الآخرة راكباً مركب التقشف والزهد، ولم تتردد فاطمة بين ما ألفته من حياة الترف والنعيم سابقاً وبين ما يدعوها إليه زوجها الخليفة من حياة جديدة قد تشقّ عليها.. فأصالة نسبها ، وطيب منشئها وتربيتها دفعاها دفعاً للتحول التام إلى الوقوف بجانب زوجها، فباعت لأجله حياتها السابقة دون أسف أو ألم ، فهاهو عمر يخيّرها بين البقاء معه أو التحوّل إلى أهلها إذا كانت تتمسك بجواهر لها كان أبوها قد أعطاها إياها لم ير الرائي أثمن منها، فكان مما قاله لها –رضي الله عنها- : " اختاري إما أن تردّي حليّك إلى بيت المال، وإما أن تأذني في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد. قالت: لا بل أختارك يا أمير المؤمنين، وعلى أضعافه لو كان لي. فأمر به عمر فوضع في بيت مال المسلمين. وحين توفي عمر –رضي الله عنه - واستخلف يزيد، سأل فاطمة إن كانت راغبة في تلك الجواهر ليردّها عليها ، فأجابته وهي الرزان المصون: فإني لا أشاؤه.. طبت عنه نفساً في حياة عمر، وأرجع فيه بعد موته، لا والله أبداً. فلما رأى ذلك يزيد قسمه بين أهله وولده. ![]() وهكذا آثرت فاطمة حياة التقشف والكفاف حتى ليؤثر عنها، أنها كانت تعمل بيدها، وتخيط ثيابها ... وتقوم على مشاغل بيتها تاركة حلل الدنيا ونعيمها الزائل، مؤثرة رضا زوجها الزاهد الذي قادها –بإذن الله- إلى طريق الجنة ونعيمها الخالد(2) . (2) انظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/393، دار صادر، وابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، 290،296، دار الفكر، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 5/132،134، مؤسسة الرسالة. ![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() نساء.... خالدات د . أميرة الصاعدي (21) هند بنت المهلّب بن أبي صُفرة (من أعقل النساء ) امرأة عاقلة حصيفة، ذات أدب ومروءة، تمتاز بعقل راجح ونظر بعيد، حتى قال عنها التابعي الفقيه أيوب السجستاني: " ما رأيت امرأة أعقل منها...". نشأت في كنف أمير شجاع، اهتمّ بتربيتها وتهذيبها، وزانها بالفضل والعلم؛ إنها هند بنت المهلب بن أبي صُفْرة الأزدية البصرية ، والدها الأمير المجاهد المهلب بن أبي صفرة، وزوجها الحجاج بن يوسف الثقفي. ![]() درجت وترعرعت هند في بيئة دينية أدبية، إذ نالت نصيباً وافراً من العلم والأدب، وكان من أشهر مَن تلّقت عنه العلم والدها المهلّب ، كما حدّثت عن الحسن البصري، حتى نبغت في العلم والفقه، ومالت إلى الأدب ، إلى أن عدّت من ربّات الفصاحة والبلاغة؛ إذ كانت لها أقوال بليغة، من مثل قولها: " ما تحلّت النساء بحلية أحسن عليهن من لُبّ طاهر، تحته أدب كامل". وقد سرى حسن تربيتها وفضل علمها في نفسها كما تسري المياه في الغصن الرطيب، فتزيد من بهائه ونضرته فتتّفق أزاهيره ، وتنضج ثماره، فقد بلغت هند من رجاحة العقل والحكمة ما جعلها تتعرف إلى نفوس الرجال والنساء ، فلا تسدي نصحاً ولا تُصدر قولاً إلا عن رؤية ثاقبة وحكمة بليغة، وقد نقل ابن عساكر طرفاً من أقوالها الحكيمة ، كمثل قولها :" شيئان لا تُؤمنُ المرأة عليهما؛ الرجال والطِّيب". وقد ثبت فيها رجاحة عقلها ثقة واسعة بالنفس، فغدت جريئة في الحق ، إذ نراها لا تهاب في الحق أحداًن يروى أنها قدمت على أمير المؤمنين الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه - فقالت له:" يا أمير المؤمنين علام حبست أخي؟" قال: تخوّفت أن يشُقّ عصا المسلمين. فقالت له: فالعقوبة بعد الذنب أو قبل الذنب؟! ![]() وكانت تقطع أوقات فراغها بما ينفع، وتحث النساء على ذلك، فقد كانت تغزل بيديها على الرغم من مكانتها الاجتماعية العالية ، فقد روى زياد بن عبد الله القرشي أنه دخل عليها فرأى في يدها مغزل فتعجب قائلاً لها: أ تغزلين وأنت امرأة أمير؟! قالت: سمعت أبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أطولكن طاقة أعظمكن أجراً، وهو يطرد الشيطان، ويذهب بحديث النفس". هذا وقد توّجت هند رحمها الله سجاياها الفاضلة بالجود والكرم والسخاء، فقد كانت أم عبد الله العتكي تدخل عليها فكانت تقول: كنت أدخل على هند بنت المهلب وهي تسبّح باللؤلؤ، فإذا فرغت من تسبيحها ألقته إلينا، فقالت: اقسمنه بينكن. ولعل أجمل أقوالها وأكثرها حكمة ومعرفة بحال الدنيا قولها : " إذا رأيتم النّعم مستدرّة فبادروها بتعجيل الشكر قبل حلول الزوال"(1) ![]()
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() نساء.... خالدات د . أميرة الصاعدي (22) حفصة بنت سيرين "خادمة القرآن" سيدة فاضلة جليلة، نذرت نفسها لخدمة القرآن وعلومه ، بعد أن تعلّقت به، وسرت آياته في نفسها سريان الدماء في العروق. إنها حفصة بنت سيرين، خريجة مدرسة كبرى من مدارسنا الإسلامية ، إنها مدرسة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. ![]() فقد نشأت حفصة في بيت تُقى وعلم وورع وزهد ، لم تشغلها أمور النساء من اهتمام بزينتهن وجمالهن عن الاهتمام بطلب العلم لتكون من ورثة الأنبياء. فقد تعمقت في فهم القرآن، ودراسة علومه، إذ نضج سوقها في عصر التابعين الذين كان شغلهم الشاغل خدمة علوم الدين على تنوعها ، فغاصت في أعماق الكتاب الكريم تستجلي درره ، وتشرح آيه، حتى إن أخاها محمد بن سيرين كان إذا أشكل عليه شيء من القرآن ، قال: "اذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ؟" وهذا يدل على علمها بوجوه قراءته. وكانت كثيراً ما تخلو إلى نفسها وتنقطع للعبادة فتقيم الليالي الطويلة راكعة ساجدة حتى بدا أثر الصلاح على وجهها وأضاء بنور الهدى والإيمان ، وهو زينة أتمها الله على عباده المخلصين تعلو فوق كل زينة وجمال. وهكذا اشتهرت حفصة بعلو مكانتها عند كبار العلماء والمحدثين فقال عنها إمام المحدثين يحيى بن معين: " حفصة بنت سيرين ثقة حجة". توفيت في السنة الواحدة بعد المئة من الهجرة، عن قرابة السبعين عاماً، وحضر جنازتها جمع كبير من التابعين ![]() ، وعلى رأسهم الحسن البصري، رحمها الله رحمة واسعة، وجعلها وأمثالها أسوة لبنات هذه الأمة(1). (1) انظر: ابن حجر: تهذيب التهذيب، 12/410، دار الفكر، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/507، مؤسسة الرسالة. ![]()
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() نساء.... خالدات د . أميرة الصاعدي (24) عاتكة بنت زيد العدوية والشهادة الحاضرة هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية، أخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، هاجرت إلى المدينة مع من هاجر إليها استجابة لله ورسوله. صيّنة، ديّنة، عفيفة، أديبة بليغة، ذات حسن وجمال يزينهما خُلق رفيع جعل الشباب يقبلون متنافسين على الزواج بها ، وكان ممن تقدّم لها عبد الله بن أبي بكر فآثرته على غيره لخلقه ودينه، وجمع الله بينهما على الخير ، فنمت أفنان المحبة بينهما وترعرعت، فأحبها عبد الله حباً قوياً أخذ بمجامع قلبه حتى كان لا يشعر بمرور الوقت وهو يجالسها في بيتهما ، تقرّ عينه بملاطفتها، وتطرب نفسه بحسن حديثها وصباحة وجهها ، حتى قيل إنها شغلته عن مغازيه، بل رُوي أنه في إحدى الجمع مرّ به أبو بكر ليصطحبه إلى الصلاة ، فسمعه يناجيها ويدللها، فتركهما وانصرف، فلمّا انقضت الصلاة ، ولم يره بين الصفوف، عاد إليه فوجده على حاله تلك التي تركه عليها، فعلم أن حبّه لعاتكة قد شغله عن نفسه،فناداه فأمره بتطليقها أمراً، فما كان منه إلا أن استجاب لأبيه وطلّقها على غير ذنب جنته. ![]() لكنّ نفسه المحبة أبت إلا وأن تشاغله بها، فلبث حزيناً والهاً ينشد أشعار الندم واللوعة حتى سمعه أبو بكر ذات يوم وهو ينشد: أعاتكُ لا أنساكِ ما ذرَّ شارقٌ وما ناحَ قُمْريُّ الحمام المطوّقُ(1) أعاتكُ قلبي كلَّ يومٍ وليلةٍ إليكِ بما تُخفي النفوس معلّقُ ولم أرَ مثلي طلّقَ اليومَ مثلَها ولا مثلَها في غير جُرْمٍ تُطَلَّقُ لها خُلُقٌ جزْلٌ وراْيٌ ومَنْصِبٌ وخَلْقٌ سَوِيٌّ في الحياءِ ومَصدَقٌ(2) فرقّ أبو بكر له وأمره بمراجعتها، فسارع عبد الله إليها وهو يكاد يطير من شدة الفرح، فأجابته بعد دُلٍّ، وعادت مشوقة إلى الزوج الوفي والعشّ الهانئ، فاستقبلها قائلاً: أعاتكُ قَدْ طُلِّقْتِ في غيرِ ريبةٍ ورجعتِ للأمر الذي هو كائِنُ كذلك أمرُ الله غادٍ ورائحٌ على النَّاسِ فيه أُلفةٌ وتباينُ وما زال قلبي للتّفرقِ طائراً وقلبي لِما قد قرّب الله ساكنُ ليهنَك أَنّي لا أرى فيكِ سَخْطَةً وأنّكِ قد تمّت عليكِ المحاسنُ وأنّك ممّن زيَّن اللهُ وجْهَهُ وليس لوجهٍ زانهُ اللهُ شائنُ وعاشا ردحاً من الدهر يطيعان الله ورسوله ويستجيبان لأمرهما، حتى شاء الله أن يفترقا ثانية إلى غير رجعة ، فقد أُصيب عبد الله بسهم في حصار المسلمين للطائف أودى بحياته، فحزنت عليه حزناً شديداً لكنها صبرت واحتسبت لفقده وقالت تبكيه منشدة: رُزِئتُ بخيرِ النّاسِ بعدّ نبيهمْ وبعدَ أبي بكرٍ وما كانَ قصّرا فآليتُ لا تنفكُّ عيني حزينةً عليكَ ولا ينفكُّ جلدِيَ أغبرا فللهِ عيْنَا مَنْ رأى مثلَهُ فتًى أكرَّ وأحْمى في الهياجِ وأصْبرا إذا شُرِعَتْ فيهُ الأَسِنَّةُ خاضَها إلى الموتِ حتى يتركَ الرُّمحَ أحمرا ![]() فلما آذنت عدّتها بالانقضاء، خطبها عمر بن الخطاب لنفسه، فأنبأته أن عبد الله كان قد اشترط عليها ألا تتزوج بعده وأنه أعطاها حديقة على ذلك ، فأشار عليها عمر بأن تردّ على أهله حديقتهم، وأن تتزوج، ففعلت ما أمرها به وتزوجت منه حتى استشهد، فبكته بكاء مريراً وقالت ترثيه: عينُ جودي بعَبْرةٍ ونحيبِ لا تَملّي على الإمامِ النجيبِ فجعتْني المنونُ بالفارسِ المُعلمِ يومَ هياجِ والتّثويبِ(3) قلْ لأهلِ الضّرّاء والبؤْسِ موتوا قد سقَتْهُ المنونُ كَأْسَ شَعُوبِ(4) وقالت: مُنع الرُّقادَ فعادَ عيني عائدٌ ممّا تضمّنَ قلبيَ المعمودُ(5) قدْ كانَ يُسْهرُني حذاركَ مرَّةً فاليومَ حقّ لعينيَ التَّسْهيدُ أبكي أميرَ المؤمنينَ ودونَهُ للزائرينَ صفائحُ وصعيدُ(6) ثم تزوجها الزّبير بن العوّام، وكانت قد اشترطت عليه ألاّ يمنعها من الصلاة، فكان كما أرادت، لكنّها كلما تهيّأت إلى الخروج للصلاة، قال لها: والله إنّك لتخرجين وإنّي لكاره، فتقول: فامنعني أجلسُ! فيقول: كيف وقد شرطت لك ألاَ ألا أفعل؟! ، وظلَّ على حاله تلك حتى ارتأى ذات يوم أن يحتال عليها ؛ فلما ذهبت لصلاة العشاء كَمن لها، فلمّا مرّت ضرب كفْلها ومضى، فاسترجعت وانصرف إلى منزلها ولم تخرج بعدها، فلما سألها الزبير: مالك لا تخرجين إلى الصلاة ؟ قالت: فسد الناس، واللهِ لا أخرج من منزلي! فعلم أنها ستفِ بما قالت، حتى إذا قُتل الزبير يوم الجمل، قالت ترثيه: غَدَر ابنُ جرموزٍ بفارس بُهْمةٍ يوم الّلقاء وكان غير معرِّدِ(7) يا عمرو لو نبّهتَهُ لوجدته لا طائشاً رعْشَ الجَنانِ ولا اليدِ كم غمْرةٍ قد خاضَها لمْ يُثْنِهِ عنها طرادٌ يالْبن فقْعِ القَرْددِ(8) ثكلتْك أمُّك إنْ ظفرتَ بمثلهِ ممّن يروح ويغتدي والله ربِّك إن قتلتَ لمسلماً حلَّت عليكَ عقوبة المتعمِّدِ ![]() فخطبها علي بن أبي طالب لنفسه فقالت له: يا أمير المؤمنين، أنت بقية الناس وسيد المسلمين، وإني لأضنّ بك يا ابن عم رسول الله عن القتل ، فقال علي: مَن أراد الشهادة حاضرة فليتزوج من عاتكة، ولم يتزوجها. فتزوجت من الحسين بن علي وكانت خير معين له فيما مرَّ به من بلاء، واستشهد فبكته، ولم تتزوج بعده فكان آخر أزواجها(9) (1) الشارق: قرن الشمس، وقوله"ما ذر شارق" أي كلما طلعت الشمس. القمري المطوق: ضرب من الحمام يطوق عنقه بلون أسود. لسان العرب مادة/ ش ر ق. (2) المنصب: الأصل والمنبت، أي أن منبتها أصيل. لسان العرب، مادة/ نصب . المَصْدَق: هو الرأي الجاد الصادق. لسان العرب مادة/ صدق. (3) الفارس المُعلم: الذي جعل لنفسه علامة الشجعان في الحرب ليعرف بها. لسان العرب مادة/ ع ل م. (4) الشعوب: التفرق والتشتت. لسان العرب مادة/ ش ع ب . (5) القلب المعمود: الذي اشتد حزنه. لسان العرب مادة/ ع م د . (6) الصفائح: الحجارة الصلبة، وتريد بها هنا حجارة القبر، والصعيد: التراب. (7) البُهمة من الفرسان: الشجاع الذي لا يُدرى من أين يُؤتى لشدة بأسه. لسان العرب مادة/ ب ه م . غير معرد: أي غير فار أو محجم عن الحرب، يقال: عرّد الرجل عن قِرنه إذ أحجم عنه ونكص . لسان العرب: مادة/ ع ر د . (8) الفقع: أراد أحد أنواع الكمأة، ويظهر في مرتفع الأرض. القردد: ما ارتفع من الأرض، وقولها :" يا ابن فقع القردد" إشارة إلى سوء حاله ومذلته فهو كالفقع في الأرض المرتفعة. لسان العرب مادة/ ق ر د (9)ابن عبد البر: الاستيعاب، 4/1876، مطبعة نهضة مصر، وابن الأثير: أسد الغابة، 7/183، دار الشعب، والصفدي: الوافي بالوفيات: 16/558، دار النشر فرانز شتايز، وابن حجر: الإصابة: 8/11، دار الجيل، ومحمد بن علي قطب وعبد الفتاح الدومي: من أعلام النساء سيرة ومنهاج، ص320، مكتبة الإحسان. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |