|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() من مشاهد الإيمان في شهر رمضان الشيخ عادل يوسف العزازي ثمرات الصبر فالصبر قرينُ النصر، وهو مع اليقين طريق الإمامة في الدين، قال تعالى: ï´؟ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ï´¾ [السجدة: 24]. والصابر لا يخشى كيد الكائدين: ï´؟ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ï´¾ [آل عمران: 120]. والصبر يُوصِّل صاحبَه إلى العزِّ والتمكين، كما ذكَر الله عن نبيه يوسف - عليه السلام -: ï´؟ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [يوسف: 90]. ويكفي فضلاً للصابرين أن الله معهم ï´؟ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ï´¾ [البقرة: 153]، فظفروا بهذه المعيَّة بخيري الدنيا والآخرة. ومن ثواب الصابرين أن الله يحبهم ï´؟ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 146]، وأي شيء يرجوه العبد بعد محبة الله له! ومن ثواب الصابر أنه لا يُقدِّر ثوابه إلا الله ï´؟ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ï´¾ [الزمر: 10]، وتأمَّل الارتباط بين هذه الآية وبين قوله في الحديث: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))، لتعلم أن الصبر قرين الصوم. ويكفي في الصبر أنه يجعل المسيء كأنه ولِيٌّ حميم: ï´؟ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ï´¾ [فصلت: 34، 35]. بل إن الإنسان لا ينال الفلاح إلا بالصبر، ولا يقوى على الدعوة إلا بالصبر، كما قال تعالى: ï´؟ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ï´¾ [العصر: 1 - 3]. فبيّن أن جنس الإنسان في خُسران إلا مَن حقَّق الإيمان والعمل الصالح فانتفع لنفسه، ثم نفع غيره بالدعوة إلى الحق والصبر على هذه الدعوة، وهذا مِصداق لقوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾ [آل عمران: 200]. ولا ينتفع بآيات الله إلا مَن رُزِق الصبر والشكر؛ كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ï´¾ [إبراهيم: 5]. وأخبر أن الصابر هو صاحب العزيمة القويَّة، وقد وصف الله رسله بقوة العزم وأمر رسوله بالصبر كما صبروا، فقال تعالى: ï´؟ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ï´¾ [الأحقاف: 35]، وأرشد عباده إلى هذه العزيمة فقال: ï´؟ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ï´¾ [الشورى: 43]، وقال: ï´؟ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ï´¾ [آل عمران: 186]. وعمومًا فالصبر خير كله، فقال تعالى مؤكِّدًا: ï´؟ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ï´¾ [النحل: 126]. وتستروح نفوس المؤمنين وينتهي ما يُلاقونه من حبْس النفس وتَجرُّع مرارة الصبر بالجنة التي أَعدَّها الله لهم: ï´؟ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ï´¾ [المؤمنون: 111].
__________________
|
#12
|
||||
|
||||
![]() من مشاهد الإيمان في شهر رمضان الشيخ عادل يوسف العزازي مشهد التوحيد ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله تعالى قال: كلُّ عملِ ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به)). فأول مشهد يَشهده الصائمون مشهدَ توحيد الله - عز وجل - وتوحيد الله يَنقسِم إلى: توحيد الربوبيَّة، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات. فيشهد - أولاً - توحيد الربوبية بأنه - سبحانه - المتفرِّد في الكون بالخلق والإيجاد، والمُلْك والتصرف، فهو الذي خلَق الإنسان من العدم، وأسبَغ عليه النعم، فخلق العباد وخَلَق لهم ما في الأرض مباحًا طيبًا إلا ما حرَّمه عليهم: ï´؟ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ï´¾ [البقرة: 29]. وهو الذي أودع فيهم شهوةَ الطعام وشهوة النكاح، فقال تعالى ممتنًّا على عباده: ï´؟ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ï´¾ [الأعراف: 189]. واقتضت رحمة الله - تربيةً لنفوس عباده - أن يُزكِّي الإنسان لتسمو رُوحه، وليستعلي المؤمن بإيمانه على فتنةِ النَّفْس والشهوة، وثقلة اللحم والدم، والرغبة في المتاع والسلطان، فلم يتركه ربنا فريسة لشهواته وأهوائه، بل أمدَّه بما يُصلِحه بفريضة الصيام، فهو سبحانه (رب العالمين) الذي يتولَّى تربيتهم بما فيه صلاحهم. فإذا شهد الصائم هذا المشهد ارتقى إلى مشهد الإلهية ومعنى الإلهية: هو توحيد الله بالعبادة فلا تُصرَف لغيره، وتفرُّده بالأمر، وذلك معنى قوله: ï´؟ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ï´¾ [الأعراف: 54]، فله الخلق - توحيد الربوبية - وله الأمر - توحيد الإلهية. فهو - سبحانه - الذي يفرض حُكمَه فيبيح لعباده ما شاء ويُحرِّم عليهم ما شاء. ويتجلى ذلك في الصيام فقد حرَّم عليهم ما أباحه لهم من الطعام والشراب والنكاح وقتًا من الزمان، وهو نهار رمضان، فإذا كان يوم العيد حرَّم عليهم صيام ذلك اليوم. فسبحان من له الأمر! حرَّم عليهم الفِطر في نهار رمضان، وحرَّم عليهم الصوم يوم العيد. فيشهد العبد بقلبه ربًّا جليلاً مستويًا على عرشه يأمر خلْقه بما شاء، وينهاهم عما شاء فيُحِل لهم ما يشاء ويُحرِّم عليهم ما يشاء، فهو الإله الحق. فالحلال ما أحلَّه الله، والحرام ما حرَّمه الله، والدين ما شرعه الله. قال تعالى: ï´؟ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ï´¾ [الشورى: 21]، وقال تعالى: ï´؟ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ï´¾ [يونس: 59]. وأما كون الصيام لا يُصرَف إلا لله؛ فذلك لأنه عبادة السرِّ، وقد اختصَّ الله الصوم لنفسه دون غيره من العبادات، فقال: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)). لذلك قالوا: إنه العبادة التي لم يُعبَد بها سواه، فالركوع والسجود عُبِد به غير الله، والحج ونحوه عُبِد به غير الله، ولكن الصوم عبادة لم يُعبَد بها سواه. ثم ينتقل الصائم بعد ذلك إلى مشهد (الأسماء والصفات) فيشهد صفات الله العُلى، وأسماءه الحسنى في تشريعه الصوم وتحريم الطعام والشراب والنكاح على الصائم. فيشهد ربًّا غنيًّا لا يفتقر إلى شيء، بل هو (القيوم) وقيام كل أمر به - سبحانه. قال تعالى: ï´؟ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ï´¾ [يونس: 68] وقال تعالى: ï´؟ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ï´¾ [الأنعام: 101]. ويشهد معاني أسماء العزة والقوة، فهو - سبحانه - (العزيز) (القوي) (المهيمن) (الكبير) (المالك) بما فرضه على عباده. وهو - سبحانه - (الحكيم) (الرحمن الرحيم) في حكمته في التشريع فلم يُعنِت عباده، ولم يفرِض عليهم الآصار، إنما فرض عليهم ما في وُسْعهم: ï´؟ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ï´¾ [البقرة: 286]، ففرض عليهم شهرًا واحدًا في العام، فهذه رحمة الله بخلقه، كما أنه فرض عليهم من عبادة الصلاة خمس صلوات فقط، وفي الحج مرة واحدة في العمر، وهكذا نجد الرحمة في فرائض الله في جميع أحكامه. ويشهد معنى (الرقيب) (البصير) الذي يراهم أينما كانوا فيُراقِبون الله سرًّا وجهرًا ويُخلِصون العمل له. وهكذا تنجلي معاني العبودية، فيكون الصائم في حِفْظ الله وعنايته، حيث يقول ربنا - تبارك وتعالى -: ï´؟ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ï´¾ [الزمر: 36]، والله الموفِّق إلى سواء السبيل. موعظة: يا غافلاً عن القيامة، ستدري بمن تقع الندامة، يا مُعرِضًا عن الاستقامة، أين وجه السلامة، يا كثير الخطايا سيَخِف ميزانك، يا مشغولاً بلهوه سيُنشَر ديوانك، يا أعجمي الفَهْم متى تفهم؟ أتؤثِر على طاعة الله كسْبَ درهم؟ وتفرح بذنب عقوبته جهنم، ستعلم حالك غدًا ستعلم، سترى مَن يبكي ومَن يندم!
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
![]() من مشاهد الإيمان في شهر رمضان الشيخ عادل يوسف العزازي مشهد التقوى وهو المشهد الأوفر، وهدف الصيام وغايته، قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183]. قال ابن كثير: "لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان، ولهذا ثبت في الصحيحين: ((يا معشر الشباب مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء))"[1]. "وهكذا تَبرُز الغاية الكبيرة من الصوم، إنها التقوى، فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب، وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تَحرُس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تَهجِس في البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه، فهي غاية تتطلَّع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداة من أدواتها وطريق موصل إليها، ومن ثَمَّ يرفعها القرآن أمام عيونهم هدفًا وضيئًا يتَّجِهون إليه عن طريق الصيام ï´؟ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ï´¾ [البقرة: 73]"[2]. معنى التقوى: قال طلق بن حبيب: "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله". قال الحافظ ابن رجب: "ويدخل في التقوى الكاملة فِعْل الواجبات، وتَرْك المُحرَّمات والشبهات، وربما دخل فيها بعد ذلك فِعل المندوبات وترْك المكروهات، وهي أعلى درجات التقوى". فعلى هذا فالتقوى درجات: أولها: فِعْل الواجبات وترْك المحرَّمات، وهي درجة المُقتصِدين أصحاب اليمين. قال ابن عباس: "المتَّقون الذين يَحذرون من الله وعقوبته في ترْك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في تصديق ما جاء به". وقال عمر بن عبدالعزيز: "ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرَّم الله وأداء ما افترض الله، فمن رُزِق بعد ذلك خيرًا، فهو خير إلى خير". الثاني وهو أعلاها: أن يزيد عما تقدَّم فِعْل المندوبات وترْك المكروهات والاستبراء من الشهوات. وقد وصَف الله تعالى المتَّقين فقال: ï´؟ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ï´¾ [البقرة: 177]. وثبت في الصحيحين والسنن من حديث النعمان بن بشير: ((مَن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه)). قال الحسن البصري: "ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام". أصل التقوى: قال الحافظ ابن رجب: "أصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويَحذَره وقاية تَقيه منه"[3]. وقال ابن كثير: "وأصل التقوى من التوقِّي مما يكره؛ لأن أصلها وقى من الوقاية"[4]. وقد قيل: إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل أُبيَّ بن كعب عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى، قال: فما عمِلت؟ قال: شمَّرتُ واجتهدت، قال: فذاك التقوى، وقد أخذ هذا المعنى المعتز فأنشد: خلِّ الذنوبَ صغيرَها ![]() وكبيرها ذاك التقى ![]() واصنع كماشٍ فوق أر ![]() ض الشوك يَحذَر ما يرى ![]() لا تَحقِرنَّ صغيرةً ![]() إن الجبال من الحصى ![]() تمام التقوى: تقدَّم الكلام عن أصل التقوى ومَنشئها، وأما نهايتها وتمامها، فقد قال أبو الدرداء: "تمام التقوى أن يتَّقي الله العبدَ حتى يتَّقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خَشية أن يكون حرامًا، يكون حجابًا بينه وبين الحرام". وقال أيضًا: "لا يبلُغ العبد حقيقةَ التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس". بالصيام يتحقَّق أصل التقوى وتمامها: الصوم عبادة يغلِب عليها مراقبة الله، والإخلاص في العمل؛ إذ إن الصائم لا يَطَّلِع عليه في وقت خَلوته أحد إلا الله، ومع ذلك يمتنع عن الإتيان بما يُخِل بصومه مراقبة لله وإخلاصًا له في هذه العبادة، فينشأ في نفسه التقوى التي أحلَّها وقاية نفسه من غضب الله وسخطه. ثم إن هذه التقوى والخشية تزداد عنده في هذا الشهر بما رغَّب فيه الشرع مع الصيام بقراءة القرآن وذِكر الله - عز وجل - وقيام الليل والصدقات وغير ذلك. وما زال يزداد ويرقى، وتقوى عزيمته بترك مألوفاته ومباحاته، فيتعوَّد بذلك على ترك ما يُبغِض اللهُ ولو كان شيئًا يسيرًا. قال الحسن البصري: "ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام". التقوى وصية الله إلى جميع خلقه: قال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ï´¾ [النساء: 131]. والتقوى وصية رسوله - صلى الله عليه وسلم -: فعن العرباض بن سارية قال: وعَظَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعِظة مودِّع، فأوصنا، قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي)) الحديث[5]. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميرًا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا. والتقوى وصية المؤمنين: كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يقول في خُطْبته: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تُثنوا على الله بما هو أهله، وأن تَخلِطوا الرغبةَ بالرهبة وتجمعوا الإلحاف بالمسألة. وكتب عمر إلى ابنه عبدالله: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، فإنه مَن اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومَن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك. واستعمل علي بن أبي طالب رجلاً على سريَّة، فقال له: أوصيك بتقوى الله - عز وجل - الذي لا بد لك من لقاه، ولا منتهى لك دونه، وهو يَملِك الدنيا والآخرة. وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى رجل: "أوصيك بتقوى الله - عز وجل - التي لا يَقبل غيرها ولا يرحَم إلا أهلها ولا يثيب إليها عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين". والتقوى كما أنها وصية الله فهي أمر الله: قال تعالى: ï´؟ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ï´¾ [آل عمران: 102]. قال ابن مسعود: ï´؟ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ï´¾ [آل عمران: 102] أن يُطاع فلا يعصى، ويُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر. وهي أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -: عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اتَّقِ الله حيثما كنت وأَتْبِع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)). [1] تفسير ابن كثير (1: 213) والحديث متفق عليه. [2]في ظلال القرآن (1: 168). [3] جامع العلوم والحكم. [4] تفسير ابن كثير (1: 40). [5] صحيح: رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح.
__________________
|
#14
|
||||
|
||||
![]() من مشاهد الإيمان في شهر رمضان الشيخ عادل يوسف العزازي مشهد الجود في الصحيحين عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيُدارِسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسَلة". الجود خُلُق من أخلاق رسولنا - صلى الله عليه وسلم - الذي جبَله عليه رب العالمين، وحظه من الجود هو الحظ الأوفر والمكان الأسمى؛ ففي الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس". والجود هو البذل والعطاء، ليس في المال فحسب، بل في المال والعلم والوقت والجاه، وبذْل النفس لله تعالى وغير ذلك. وقد وصفته أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - بقولها: ((والله لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتَصِل الرحم، وتَقرِي الضيف، وتَحمِل الكلَّ، وتُكسِب المعدوم، وتُعين على نوائب الحق)). فمن جوده - صلى الله عليه وسلم - جوده بالعلم: وذلك بتعليم الجاهل، وبذْله للسائل الجواب أفضل وأكثر من سؤاله، فمثال ذلك عندما سئل عن الوضوء بماء البحر: قالوا: يا رسول الله، إنا نركب البحرَ ونحمل معنا القليل من الماء، فإذا توضَّأنا منه عطِشنا، أفنتوضَّأ بماء البحر؟ قال: ((هو الطهور ماؤه الحِل ميتته)). فتضمَّن جوابه أنواعًا من العلم جاد بها أكثر من سؤال السائل، فمن ذلك: منها: أنها أعطاه حكمًا عامًّا لماء البحر، سواء كان الحال على ما جاء في سؤال السائل، أم كان غير ذلك، إذ لا يَلزم لاستعماله أن يكون معه ماء قليل يخشى العطش إذا استعمله. ومنها: أنه أعطاه حكمًا آخر لم يسأل عنه السائل، وهو حُكْم ميتة البحر، ولا شك أن السائل يحتاج إليه؛ إذ كونه جَهِل حُكْم الماء مع العلم بطهوريته، فهو من باب أولى يجهل حكم ميتة البحر لظاهر قوله تعالى: ï´؟ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ï´¾ [المائدة: 3]، فقال - صلى الله عليه وسلم -مبينًا حُكْم ميتة البحر: ((الحِلُّ ميتته)). ومن جوده - صلى الله عليه وسلم - جوده بالصبر والاحتمال لأذى الغير: كما ورد في صحيح البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة - رضي الله عنها - حدَّثته أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أُحد؟ فقال: ((لقد لقيتُ من قومِكِ ما لقيتُ - وفي آخر الحديث - فإذا جبريل فناداني: يا محمد، إن الله سمِع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك مَلَك الجبال لتأمره بما شئتَ فيهم فناداني مَلَك الجبال فسلَّم عليَّ ثم قال: يا محمد؛ ذلك فيما شئتَ، فإن شئتَ أن أُطبِق عليهم الأخشبين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله - عز وجل - لا يشرك به شيئًا))، والأخشبان: هما جبلان بمكة. ومن ذلك جوده - صلى الله عليه وسلم - في بساطة وجهه وبشاشته في وجوه الناس. ومنها جوده - صلى الله عليه وسلم - في البذل والعطاء: في الصحيحين عن جابر قال: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا فقال: لا، وأنه قال لجابر: ((لو جاءنا مالُ البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا))، وقال بيديه جميعًا. وفي صحيح مسلم عن صفوان بن أمية قال: ((لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني وإنه لمن أَبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي)). وفي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد أن شملة أُهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم -فلبسها وهو يحتاج إليها، فسأله إياها رجل فأعطاه، فلامه الناس وقالوا: قد كان محتاجًا إليها، وقد علمت أنه لا يَرُد سائلاً فقال: إنما سألتها لتكون كفني فكانت كفنه. قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: (كان جوده - صلى الله عليه وسلم -كله لله وفي ابتغاء مرضاته، فإنه كان يبذُل المال إما لفقير محتاج أو يُنفِقه في سبيل الله أو يتألَّف به على الإسلام مَن يقوى الإسلام بإسلامه، كان يؤثِر على نفسه وأهله وأولاده، فيُعطي عطاء يعجَز عنه الملوك مِثل كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهر والشهران لا يُوقَد في بيته نار، وربما ربَط على بطنه الحجرَ من الجوع، وكان قد أتاه سبي، فشكت إليه فاطمة ما تلقى من خدمة البيت، وطلبتْ منه خادمًا تكفيها مؤنة بيتها، فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها، وقال: ((لا أعطيك وأَدع أهل الصفة تُطوى بطونهم من الجوع)).
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
![]() من مشاهد الإيمان في شهر رمضان الشيخ عادل يوسف العزازي مشهد الصبر قال تعالى: ï´؟ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ï´¾ [البقرة: 45]. قال ابن جرير في تفسيره: "وقد قيل: إن معنى الصبر في هذا الموضع الصوم، والصوم بعض معاني الصبر عندنا" [1]. فالصوم تجتمع فيه معاني الصبر الثلاثة: 1- الصبر على ألم الجوع والعطش. 2- الصبر عن المعاصي، وقد علَّمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك حيث قال: ((من لم يدع قولَ الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))؛ متفق عليه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن سابَّه أحد أو قاتله أحد، فليَقُل: إني امرؤ صائم))[2]. فليصبر الإنسان عن معصية الله - عز وجل - في هذا الشهر، ولا يَبِع حظَّه مع الله بشهوة تَذهَب لذاتها وتبقى تَبِعتها، تذهب الشهوة وتبقى الشقوة، ويُعينه على صبره عن شهواته مشهدُ قهره لشيطانه والظِّفَر به، ومشهد العِوض وهو ما وعد الله - سبحانه - من تعويض مَن ترَك الحرام، ومشهد البلاء والعافية، فإن البلاء ليس إلا الذنوب، والعافية المُطلَقة هي الطاعات وعوافيها[3]. 3- الصبر على طاعة الله - عز وجل - وهو يتحقَّق في رمضان بكثرة العبادة، ففيه الصوم، وفيه المحافظة على الصلاة، وفيه التهجد، وفيه تلاوة القرآن، وفيه الصدقة والجود، وفيه الإحسان إلى الخَلق، وفيه بِر الوالدين، وغير ذلك من أنواع الطاعات. واعلم أن صبر المؤمن إنما يكون لله وبالله، كما قال تعالى: ï´؟ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ï´¾ [النحل: 127]. فالصيام يُربِّي المؤمنَ على تحمُّل المشاق بصبره، وهو بذلك يستطيع أن يَثبُت أمام المِحن مهما بلغت واشتدت، قال الله تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ï´¾ [الأنعام: 34]. وقال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ï´؟ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ï´¾ [الروم: 60]، والاستخفاف: الحمل على الخفَّة والطيش بعدم الصبر. [1] تفسير ابن جرير الطبري (1: 259). [2] متفق عليه. [3] في ظلال القرآن لسيد قطب.
__________________
|
#16
|
||||
|
||||
![]() من مشاهد الإيمان في شهر رمضان الشيخ عادل يوسف العزازي مشهد التوبة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومَرَدة الجن، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتَح منها باب، وفتِّحت أبواب الجنة، فلم يُغلَق منها باب، ونادى منادٍ، يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أَقصِر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة))[1]. يا مَن أكثر عمره مع الذنوب قد مضى، إن كان ما فرط يُوجِب السخط فاطلب في هذا الشهر الرضا، يا كثير القبائح، غدًا تَنطِق الجوارح، فأين الدموع السوافح، يا ذا الداء الشديد الفاضح، سُدَّ أبواب اللهو والممازح. يا مَن قد سارت بالمعاصي أخباره، يا من قد قَبُح إعلانه وأسراره، أتؤثِر الخسران - قل لي - وتختاره؟ يا كثير الذنوب وقد دنا إحضاره. قد ضاعت في الذنوب الأعمار، فأين يكون لهذا الغرس إثمار؟! أخي القارئ: هكذا ينادي المنادي في شهر رمضان ((يا باغي الشر أَقصِر))، إنها دعوة إلى التوبة فأيام رمضان أيام محو الذنوب، وقد ثبَت في الحديث عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاني جبريل فقال: يا محمد مَن أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلتُ: آمين، قال: يا محمد، مَن أدرك شهر رمضان فمات ولم يُغفَر له فأُدخِل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلتُ: آمين، قال: ومَن ذُكِرت عنده فلم يُصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين))[2]. نعم، إنه شهر رمضان الذي يَمُن الله فيه على عباده بالعِتق من النيران، فالمحروم من أدرك رمضان فلم يُغفَر له، فقد اجتمع فيه كثير من أسباب المغفرة، فمن ذلك: 1- الصيام: فالصوم يُكفِّر الله به الذنوب، فقد ثبت في الحديث: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[3]. وعن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يُكفِّرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))[4]. 2- التهجد: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[5]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم وقُربة إلى الله تعالى، ومَنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومَطرَدة للداء من الجسد))[6]. شهر رمضان شهر المصابيح، شهر التهجد والتراويح، واهًا لأوقاته من زواهر ما أشرفها، ولساعاته التي كالجواهر ما أَظرفَها، أشرقت لياليها بصلاة التراويح، وأنارت أيامها بالصيام والتسبيح، حِليتها الإخلاص والصدق، وثمرتها الخلاص والعِتق. 3- ليلة القدر: ((مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه))[7]. فيا مَن ضاع عمره في لا شيء، استدرك ما فات في ليلة القدر فإنها تُحسَب بالعمر. 4- قراءة القرآن: وشهر رمضان هو شهر القرآن، قال تعالى: ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ï´¾ [البقرة: 185]. كان قتادة يَختِم القرآن في كل سبعِ ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة. وقال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: كنتُ أختِم القرآن في رمضان ستين مرة. وهكذا كان حال السلف إذا دخل رمضان ينشغِلون بقراءة القرآن. عن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب مَنعته الطعامَ والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان))[8]. يا من ضيّع عمره في غير الطاعة، يا مَن فرَّط في شهره، بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة، يا مَن جعل خَصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خَصمك الشفاعة؟ فعليك أخي الصائم أن تصون صومَك وإياك وكثرة المعاصي، وإياك وذَهاب ثواب صومك بالعكوف أمام الأفلام والمسرحيات والفوازير والأغاني ونحو ذلك. وهذه الأيام فرصة لك لكي تُقلِع عن ذنوبك ومعاصيك، فأيام رمضان أيام محو ذنوبكم، فاستغيثوا إلى مولاكم من عيوبكم، هي أيام الإنابة فيها تُفتَح أبواب الإجابة، فأين اللائذ بالجَناب، أين المتعرِّض بالباب، أين الباكي على ما جنى، أين المستغفِر لأمر قد دنا. أين المعتذِر مما جناه، فقد اطَّلع عليه مولاه، أين الباكي على تقصيره قبل تحسُّره في مصيره. قال عبدالله بن مسعود: "ودِدتُ لو أن الله غفر لي ذنبًا واحدًا، وألا يُعرَف لي نَسب". وقال: "وددتُ أني عبدالله بن روثة، وأن الله غفر لي ذنبًا واحدًا". الأمر بالمعروف: وقد أمر الله عباده وأرشدهم إلى التوبة في مواضع كثيرة، فقال تعالى: ï´؟ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾ [النور: 31]. قال ابن القيم: "وهذه الآية في سورة مدنيَّة خاطَب الله بها أهلَ الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه، بعد إيمانهم وصبْرهم، وهجرتهم، وجهادهم. ثم علَّق الفلاح بالتوبة تعليق المسبَّب بالسبب، وأتى بأداة (لعل) المُشعِرة بالترجي إيذانًا أنكم إذا تُبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون جعلنا الله منهم". وقال تعالى: ï´؟ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ï´¾ [الحجرات: 11]، قسم العباد إلى تائب وظالم، وما ثَمَّ قِسم ثالث البتة، وأوقع اسم (الظالم) على من لم يَتُب، ولا أظلم منه لجهله بربه وبحقه، وبعيب نفسه وآفات أعماله[9]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله، فوالله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))[10]. يا قليل العِبَر وقد رحل أبوه وأمه، يا مَن سيجمعه اللحد عن قليل ويَضمه، كيف يُوعَظ من لا يَعِظه عقله ولا فَهْمه، كيف يُوقَظ من نام قلبه لا عينه ولا جسمه. شروط التوبة: ينبغي أن تكون التوبة نصوحًا خالصة لله، وذلك يتحقَّق بثلاث شروط: الأول: الإقلاع عن الذنب. الثاني: الندم؛ لأنه فرَّط في حق الله - عز وجل. الثالث: العزم على ألا يرجع إليه مرة أخرى. فإن كانت هناك حقوق تتعلَّق بالعباد فيشترط مع هذه الشروط شرطًا: الرابع: وهو أن تُرَد الحقوق لأصحابها أو يتحلَّل منهم. أمور تحتاج إلى توبة غفل عنها الكثير: يجب على العبد أن يتوب من جميع الذنوب والآثام من الشرك والبدع والكبائر والصغائر. وإنه مهما بلغت الذنوب فإن الله يقبل توبة التائب، قال تعالى: ï´؟ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ï´¾ [الزمر: 53]. فهلم أيها الصائم وأقصِر عن الذنوب والمعاصي: يا باغي الشر أقْصِر لتنال رحمة الله، وليُبدِّل الله سيئاتك حسنات؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ï´¾ [الفرقان: 68 - 70]. [1] صحيح، رواه الترمذي وابن ماجه، معنى صفدت: شدت بالأغلال والقيود. [2] صحيح رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع وله شواهد أخرى بمعناه، انظر صحيح الترغيب والترهيب (985- 986). [3] رواه البخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن. [4] رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه. [5] رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. [6] صحيح، رواه الترمذي والبيهقي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع. [7] رواه البخاري ومسلم. [8] صحيح، رواه أحمد والطبراني وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع. [9] مدارج السالكين (1: 178). [10] رواه مسلم (2702) وأبو داود (1515) من حديث الأغر المزني.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |