سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 19 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ابتسامة تدوم مدى الحياة: دليلك للعناية بالأسنان في كل مرحلة عمرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كم يحتاج الجسم من البروتين يوميًا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أطعمة ممنوعة للمرضع: قللي منها لصحة طفلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مكملات البروبيوتيك: كل ما تحتاج معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التخلص من التوتر: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أطعمة مفيدة لمرضى الربو: قائمة بأهمها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          كيفية التعامل مع الطفل العنيد: 9 نصائح ذكية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          كيف يؤثر التدخين على لياقتك البدنية وأدائك الرياضي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن لقاح السعال الديكي للأطفال والبالغين! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لمرضى السكري: 9 فواكه ذات مؤشر جلايسيمي منخفض! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #181  
قديم 12-02-2022, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




3. الربع الأخير من سورة ص



من الآية 49 إلى الآية 54: ﴿هَذَا ذِكْرٌ يعني: هذا القرآن ذِكْرٌ يُذكَر به الله تعالى، وهو شَرَفٌ لك أيها الرسول ولمَن اتَّبعك، ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الذين يعملون بهذا القرآن ﴿لَحُسْنَ مَآَبٍ أي لَهم حُسن مصير عندنا في الآخرة، وهي ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ أي جنات الخلود ﴿مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ: يعني أبوابها تكونُ مفتَّحةً لهم ليدخلوا منها، ثم يجلسون ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا علىالسُرُر المُزَيَّنة (والسُرُر جمع سرير)، ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ أي يطلبون فيها ما يشتهون من أنواع الفواكه اللذيذة والشراب، (ولَعَلّ الله تعالى قد ذَكَرَ الفاكهة دونَ سائر الطعام للإشارة إلى أن طعامهم وشرابهم لمجرد التلذذ - كما يُتلَذَّذ بالفاكهة - لا لطرد الجوع كما في الدنيا، وإلاّ، فإن الله تعالى قد قال في آيةٍ أخرى: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، وقال أيضاً: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أي عندهم في مجالسهم نساءٌ لا تنظر إحداهنّ إلى غير زوجها، ولا يَنظر زوجها إلى غيرها (مِن شدة حُسنها وجمالها)، وهُنّ ﴿أَتْرَابٌ أي متساويات في السن، (إذ سِنّ أهل الجنة هو ثلاث وثلاثون سَنَة)،﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ يعني هذا النعيم هو ما توعدون به أيها المتقون يوم القيامة،﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا لكم، ﴿مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ أي ليس له فَناء ولا انقطاع.

من الآية 55 إلى الآية 61: ﴿هَذَا يعني هذا الذي سَبَقَ وَصْفه للمتقين، ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ الذين تجاوزوا الحدَّ في الكفر والمعاصي ﴿لَشَرَّ مَآَبٍ: أي لهم شر مَرجع ومصير، وهي﴿جَهَنَّمَ التي ﴿يَصْلَوْنَهَا: أي يُعذَّبون فيها، فتغمرهم من جميع جوانبهم، ﴿فَبِئْسَ الْمِهَادُ: أي بئس الفراش فراشهم (لأنه مصنوع من نار)،﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ: يعني هذا حميمٌ وغَسَّاقٌ فليَذوقوه (إذ في الكلام تقديمٌ وتأخير) (والحميم هو الماء شديد الحرارة ، والغَسّاق هو الصديد الذي يسيل من أجساد أهل النار)، ﴿وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ يعني: ولهم عذابٌ آخر يُشبه الحميم والغَسّاق ﴿أَزْوَاجٌ يعني أصناف عديدة من العذاب.

ثم أخبَرَ سبحانه أن رؤساء الضلال يدخلون النار قبل غيرهم، ثم تقول لهم ملائكة النار - عندما يرون أتْباعهم داخلينَ بعدهم -:﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ: يعني هذه جماعة من أهل النار داخلة معكم (وهم أتْباعكم في الضلال)، فيجيبون الملائكة قائلين: ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ أي لا سعة عليهم، ولا راحة لهم هنا ﴿إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ يعني إنهم سيُعانون من حرَّ النار كما عانيناه، فـ﴿قَالُوا أي قال فوج الأتْباع لرؤسائهم: ﴿بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ، فـ ﴿أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا: يعني إنكم الذين قدَّمتم لنا هذا السَكَن في النار (إذ كنتم تأمروننا بالشرك والفجور)، قال تعالى: ﴿فَبِئْسَ الْقَرَارُ يعني: فبئس المُستَقرّ الذي انتهى إليه الطاغون وأتْباعهم في النار، و﴿قَالُوا أي قال فوج الأتْباع داعينَ ربهم: ﴿رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا يعني: مَن كان سببا في عذابنا هذا (بإضلاله لنا في الدنيا): ﴿فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ أي ضاعِف عذابه في النار.

الآية 62، والآية 63، والآية 64:﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى في النار ﴿رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ أي كنا نعتبرهم في الدنيا ﴿مِنَ الْأَشْرَارِ؟ (يقصدون بذلك: المسلمين الذين كانوا يَتَّهمونهم بالتُهَم الباطلة، ويلصقون بهم كل شؤم وشر وفساد)، ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا: يعني هل استهزاؤنا بهم واتّهامنا لهم كان خطأً؟ ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ: يعني أم أنهم معنا فيالنار، لكنّ أبصارنا ضَلّتْ عنهم فلم تقع عليهم؟، ثم قال تعالى:﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ: يعني إنّ جدال أهل النار وتخاصمهم حَقٌّ واقع لا شك فيه.


الآية 65، والآية 66: ﴿قُلْ - أيها الرسول - مُخَوّفاً لقومك من هذا العذاب: ﴿إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ لكم من عذاب الله إن أشركتم به وعصيتموه، ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ: يعني ليس هناك إله يَستحق العبادة إلا الله وحده، فهو سبحانه ﴿الْوَاحِدُ في ذاتهوأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو ﴿الْقَهَّارُ الذي قَهَرَ كل شيء وغَلَبه، وهو﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي مالك السماوات والأرض ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا، وهو ﴿الْعَزِيزُ في انتقامه ممن أشرك به، ﴿الْغَفَّارُ لذنوب مَن تابإليه ورجع إلى ما يُرضيه.
من الآية 67 إلى الآية 70: ﴿قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ: يعني إن هذا القرآن - وما يحتوي عليه من تقرير التوحيد والنُبُوّة والبَعث وعَرْض القصص والأحداث ووَصْف الجنة والنار - لَهُوَ خبرٌ عظيم الشأن ﴿أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (لا تتفكرون في أدلته ولا تلتفتون إلى مواعظه، ولا ترغبون في سماعه وتدبُّر مَعانيه)، ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ: يعني لم يكن لي عِلم باختصام ملائكة السماء في شأن خلق آدم، عندما قال الله لهم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، فما كانَ لي مِن عِلمٍ بذلك لولا تعليم الله لي،ووحيه إليَّ به، ﴿إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ يعني: ما يُوحِي اللهُ إليَّ مِن عِلْمٍ إلا لأني نذيرٌ لكم من عذابه،مُبَيِّنٌ لكم الحق من الباطل، (فلم يُوحَ إليّ الأمر حتى أكون رئيساً عليكم أو غير ذلك، وإنما أوحِيَ إليّ لتقرير حقيقة واحدة، وهي أني نذيرٌ لكم ولغيركم من عذاب الله المُعَدّ لمن أشرك به في عبادته، وخرج عن طاعته).

الآية 71، والآية 72: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ أي اذكر أيها الرسول لهؤلاء المشركين - الذين أطاعوا عَدوّهم وعَدوّ أبيهم، وعصوا ربهم مِن أجْله - اذكر لهم حين قال ربك للملائكة: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ أي أَكْمَلتُ صورته﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فأصبح حَيّاً: ﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ أي فخِرُّوا له ساجدين (سجود تحيةٍوتكريم، وليس سجود عبادةٍ وتعظيم، لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده)، (وقد حَرَّمالله في شريعة الإسلام سجود التحية: سداً لباب الشرك).

الآية 73، والآية 74: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ كما أمَرهم ربهم، فلم يَمتنع منهم أحد ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ الذي كانَ يَعبد اللهَ معهم، فإنه ﴿اسْتَكْبَرَ أي تكَبّر عن السجود،حَسَدًا لآدم على هذا التكريم العظيم ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ أي: فصارَ إبليس بذلك من الجاحدينَ باللهِ تعالى، العاصينَ لأمره.


الآية 75: ﴿قَالَ اللهُ تعالى - مُنكِرًا على إبليس تَرْكَ السجود -: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ: يعني ما الذي مَنَعَك من السجود لمَن أكرمتُه فخلقتُه بيديَّ؟﴿أَسْتَكْبَرْتَ على آدم، ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ أي المُتكبرين على ربك؟، (وفي الآية إثبات صفة اليدينلله تبارك وتعالى، على الوجه اللائق به سبحانه، وأنّ له يَدَيْن ليست مِثل أيْدي المخلوقين، لأنه تعالى ليس كمِثله شيء).

الآية 76:﴿قَالَ إبليس: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فقد ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (فرأى أن النار أشرف من الطين، وفَضَّلَ ما يراه عقله على الانقياد لأمر ربه).


الآية 77، والآية 78: ﴿قَالَ اللهُ تعالى له: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا أي اخرج من الجنة ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ أي مَطرودٌ من كل خير، ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي أي البُعد مِن رحمتي﴿إِلَى يَوْمِ الدِّينِ: يعنيإلى يوم الجزاء، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ أي جزاءهم الحق.

الآية 79، والآية 80، والآية 81: ﴿قَالَ إبليس: ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أي أخِّرني في الدنيا إلى اليوم الذي تَبْعَث فيه عبادك (وهو يومالقيامة)، فـ ﴿قَالَ اللهُ له: ﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ أي فإنك مِمَّن أخَّرْتُ هَلاكهم ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وهو اليوم الذي يموت فيه جميع الخَلق بعدالنفخة الأولى - لا إلى يوم البعث، (وقد أجابَ اللهُ طلبه اختباراً لعباده).

الآية 82، والآية 83:﴿قَالَ إبليس: ﴿فَبِعِزَّتِكَ - يا رب - وعظمتك ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ أي سوف أُضِلُّ ذرية آدم جميعاً عن طريق الهُدى (انتقامًا لنفسي مِن آدم) ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ أي مِن بني آدم، ثم خَصَّهم بقوله:﴿الْمُخْلَصِينَ: يعني إلا عبادك الذين أخلصوا لكالعبادة، فخَلَّصتَهم من السُوء والفَحشاء، فهؤلاء لن أستطيع إضلالهم.

الآية 84، والآية 85: ﴿قَالَ الله تعالى لإبليس: ﴿فَالْحَقُّ يعني: فأنا الحقُّ (أو: فالحَقُّ قولي)، ﴿وَالْحَقَّ أَقُولُ يعني: ولا أقول إلا الحق: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ (والمقصود إبليس وذريته) ﴿وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أي من بني آدم ﴿أَجْمَعِينَ.


الآية 86، والآية 87، والآية 88: ﴿قُلْ أيها الرسول لمُشرِكي قومك: ﴿مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغرسالة ربي (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي)، ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ: يعني لا أتكلف كذباً على ربي، فأقول ما لم يَقُله، وما أنذركم به من عند نفسي﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ: يعني ما هذا القرآن إلا تذكيرٌ للجن والإنس (إذ يَتذكرون به ما ينفعهم في دِينهم ودُنياهم)، ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ: أي سوف تعلمون خبر هذا القرآن وصِدقه، حين ينتصر الإسلام، ويدخلالناس فيه أفواجًا، وحين يقع عليكم العذاب، وتنقطع عنكم الأسباب.



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #182  
قديم 12-02-2022, 11:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




تفسير سورة الجاثية [1]





• الآية 1:﴿ حم: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أولسورة البقرة، واعلم أنَّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (حا ميم).



الآية 2: ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ إنما هو ﴿ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الذي لا يمنعه شيءٌ مِن فِعل ما يريد، ﴿ الْحَكِيمِفي أفعالهوأحكامه.



من الآية 3 إلى الآية 6: ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ بارتفاعها واتِّساعها ﴿ وَالْأَرْضِ بجبالها وبحارها ﴿ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ أي حُجَج وأدلة للمؤمنين على استحقاق الله وحده للعبادة، (وقد خَصَّ سبحانه المؤمنين لأنهم أحياء، يَسمعون ويُبصرون ويَعقلون فيَرون هذه الآيات ويَعتبرون بها)، ﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ أيها الناس ﴿ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ يعني: وفيما يَنشر الله في الأرض من كل أنواع الدواب: ﴿ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي يوقنون بأن الذي خَلَقهم هو المُستَحِق وحده لعبادتهم، وأنه القادر على بَعْثهم بعد موتهم لأنه هو الذي ابتدأ خَلْقهم، ﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يعني: وفي تعاقب الليل والنهار عليكم ﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ وهو المطر - الذي يحصل بسببه الرزق - ﴿ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا أي بعد جفافها، فأخرجت النبات والزرع بعد أن كانت ميتة لا حياةَ فيها، ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ يعني: وفي تقلب أحوال الرياح وتوجيهها لكم من جميع الجهات لمنافعكم، ففي ذلك كله ﴿ آَيَاتٌ تدل على قدرة الله تعالى وعنايته بمصالح خلقه ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (إذ لا يُعقَلُ أبدًا أن يَخلُقَ سبحانه ثم يُعبَد غيرُه، وأن يَرزُقَثم يُشكَر غيرُه)﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ وبراهينه ﴿ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ أيها الرسول ﴿ بِالْحَقِّ أي بالصِدق(وليس كما يُخبر المُشرِكون عن آلهتهم أنها تقرّبهم إلى الله كذباً وباطلاً) ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ أي بعد حديث الله ﴿ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ؟! يعني فبماذا سيُؤمنون إن لم يؤمنوا بآيات الله الواضحة، التي تدل على أنه الإله الحق، وأنه القادر على إحياء الموتى كما أحيا هذه الأرض الميتة؟!



من الآية 7 إلى الآية 10: ﴿ وَيْلٌ أي هلاكٌ ووعيدٌ بالعذاب ﴿ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أي كثير الكذب (يَصِف الطاهر بالخبيث والخبيث بالطيب، والكاذب بالصادق والصادق بالكاذب) ﴿ أَثِيمٍ أي كثير الآثام، منغمس في كبائر الذنوب ﴿ يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ﴿ ثُمَّ يُصِرُّ على كُفره بها ﴿ مُسْتَكْبِرًا عن الانقياد لها ﴿ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَاولم يَنتفع بها ﴿ فَبَشِّرْهُ أيها الرسول ﴿ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ في نار جهنم، ﴿ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا يعني إذا وَصَلَ إليه شيء من آيات القرآن: ﴿ اتَّخَذَهَا هُزُوًا أي اتخذها سُخرِيّةً ولعباً، ولا يَمتثل لأوامرها ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ أي عذابٌ يُهِينهم ويُذِلّهم (جزاءً لهم على استهزائهم بالقرآن)،﴿ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ أي سيَلقون بعد موتهم: جهنم تنتظرهم ليُعذَّبوا فيها ﴿ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا: يعني لن ينفعهم حينئذٍ ما كانوا يكسبونه من الأموال والأولاد، ولن يدفعوا عنهم مِن عذابَ اللهِ شيئاً، ﴿ وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ يعني: ولن تنفعهم آلهتُهم الباطلة التي عبدوها مِن دون الله، ظناً منهم أنها ستشفع لهم عند ربهم ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، (واعلم أنّ لفظ "وراء" يُطلق على ما كانَ خلفاً وما كانَ أماماً، لأنّ كل ما وُورِيَ - أي: استُتِر - فهو وراء).



الآية 11:﴿ هَذَا هُدًى: يعني هذا القرآن هادٍ من الضلالة، ومُرشدٌ إلى الحق، يهدي مَن آمن به وعمل بهُداه إلى طريق مستقيم يوصله إلى الجنة، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ أي جحدوا بآيات القرآن وأدلته الواضحة، أولئك ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ أي لهم عذابٌ مِن أسوأ أنواع العذاب يوم القيامة.



الآية 12، والآية 13:﴿ اللَّهُ سبحانه وتعالى هو ﴿ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ أي ذلَّلَهُ لكم ﴿ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ أي لتجري السفن فيه بقدرته سبحانه، وبأمْرِهِ للبحر أن يَحملها رغم ثِقَلها، لتحملكم وتحمل أثقالكم ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي: وتركبونها لتطلبوا رِزقَ اللهِ بالتجارة والربح فيها (وذلك بنقل البضائع والسِلَع من بلدٍ إلى آخر)﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَأي: لتشكروا ربكم على هذه النعم العظيمة فتعبدوه وتُطيعوه ولا تُشركوا به، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ أي لمصالحكم ومنافعكم ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ (كالشمس والقمروالنجوم والسحاب) ﴿ وَمَا فِي الْأَرْضِ (كالدَوابِّ والشجر والماء) ﴿ جَمِيعًا مِنْهُ: يعني أن جميع هذه النعم من الله وحده، وقد أنعم بها عليكم لتعبدوه وحده ولا تشركوا به، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ التسخير ﴿ لَآَيَاتٍ تدل على قدرة الله تعالى وعنايته بمصالح خلقه، وأنه وحده الذي يَستحق أن يَعبدوه ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أي يتفكرون في هذه الآيات ليَتَّعظوا بها، ويَجتهدوا في فِعل ما يَنفعهم في الدنياوالآخرة.



الآية 14: ﴿ قُلْ أيها الرسول ﴿ لِلَّذِينَ آَمَنُوا - وذلك قبل الهجرة، قبل أن يأذن الله بجهاد المُشرِكين - أن ﴿ يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ أي يتجاوزوا عن أذى الكفار الذين لا يتوقعون أيام الله (التي ينصر فيها المؤمنين عليهم في الدنيا)، ولا يتوقعون عذابه لهم في الآخرة، وقد أمَرَ الله المؤمنين بالصبر ﴿ لِيَجْزِيَ قَوْمًا يوم القيامة ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (فيجزي المؤمنين على عفوهم وصبرهم بأحسن الجزاء، ويعاقب المُشرِكين على شِركهم وإيذائهم بأشد العقاب).



الآية 15: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا بما شَرَعه الله له: ﴿ فَلِنَفْسِهِيعني فإنما ثمرة عمله راجعةٌ إليه وحده في الجنة، ﴿ وَمَنْ أَسَاءَ فعَصَى اللهَ ورسوله ﴿ فَعَلَيْهَا يعني فإنما عقاب تلك الإساءة سيعود على نفسه، ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ بعد موتكم، ليحاسبكم على جميع أعمالكم.



الآية 16، والآية 17:﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وهي التوراة والإنجيل ﴿ وَالْحُكْمَ أي عَلَّمناهم الحُكم بين المتنازعين على الوجه الذي يُحقق العدل، ﴿ وَالنُّبُوَّةَ أي جَعَلنا أكثر الأنبياء منهم، ﴿ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أي رَزَقناهم مِن الأطعمة الطيبة (من الثمار والحبوبواللحوم والمَنّ والسلوى وغير ذلك) ﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ أي فضلناهم على عالمي زمانهم من الأمم المعاصرة لهم، (ولَعَلّ المقصود بذلك التفضيل أنَّ الله جَمَعَ لهم بين استقامة الدين والخُلُق، وبين حُكم أنفسهم بأنفسهم بالعدل والحق، مع طِيب العيش وتحقق الأمن والرخاء) (وذلك أيام إيمانهم واستقامتهم، وبسبب صبرهم على إيذاء فرعون وقومه)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ: يعني أعطيناهم دلالاتٍ واضحة - مِن أمْر دينهم - تبَيِّن لهم الحق من الباطل، وأعطيناهم شرائع واضحة في التوراة تبَيِّن لهم الحلال من الحرام، وتنَظِّم لهم أمور حياتهم، ﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا وتفرقوا ﴿ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ: يعني إلا مِن بعد ما تبيَّنوا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي وُعِدوا به في التوراة والإنجيل، وذلك ﴿ بَغْيًا بَيْنَهُمْ أي ظلمًا وحسدًا وطلبًا للدنيا (لأنّ كلفرقةٍ منهم كانت تتمنَّى أن يكون هذا النبي الخاتَم مِن عندها)،﴿ إِنَّ رَبَّكَ - أيها الرسول - ﴿ يَقْضِي بَيْنَهُمْ أي سوف يَحكم بين المختلفين من بني إسرائيل وغيرهم ﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمور الدين، فيُدخل المُكَذِّبين بك النار، ويُدخل المؤمنين بك الجنة (كعبد الله بن سَلام وأصحابه).



الآية 18، والآية 19: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ أيها الرسول ﴿ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ: أي جعلناك على شريعة واضحة من أمر الدين الحق (الذي ارتضاه الله لعباده)، ﴿ فَاتَّبِعْهَا أي اتَّبع الشريعة التي جعلناك عليها ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ: أي لا تتَّبع أهواء الجاهلينَ بشرع الله، الذين لا يعلمون الحق ﴿ إِنَّهُمْ أي هؤلاء المُشرِكون الذين يدعونك إلى اتِّباع أهوائهم واقتراحاتهم ﴿ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا: يعني لن يدفعوا عنك شيئًا من عقاب الله إن اتّبعتَ أهواءهم، ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ أي المتجاوزين لحدود الله - من المنافقين واليهود وغيرهم - (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ: يعني بعضهم أنصار بعض، إذ يَنصرون بعضهم على المؤمنين، ﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (وهم الذين يخافون عذابه، فيفعلوا ما يُرضيه ويَجتنبوا ما يُغضبه)، فاللهُ سبحانه سينصرهم على أعدائهم، ويُعينهم في أمورهم.



الآية 20: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ: يعني هذا القرآنُ براهينٌ ظاهرة للناس، ليُبصِروا بها الهدىمنالضلال (لِمَا اشتملتْ عليه آياته مِن البلاغة والتحَدي والإخبار بالغيب) ﴿ وَهُدًى يعني: وهو إرشادٌ لهم إلى الحق، وإلى طريق السعادة في الدنيا والآخرة ﴿ وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي يوقنونَ بحقيقة صحته، وأنه تنزيلُ رب العالمين.



الآية 21: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ - وهم الذين اكتسبوا الشِرك والمعاصي بجوارحهم، وخالَفوا أمْر ربهم -، فهل ظنوا ﴿ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً أي متساوينَ ﴿ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ؟! أي في دنياهم وآخرتهم؟! (لا يكونُ هذا أبداً) ﴿ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ: أي قبح حُكمهم بالمساواة بين الفجار والأبرار.



الآية 22: ﴿ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي خلَقَهما سبحانه لإقامة العدل والثواب والعقاب بين عباده، فأنزل الشرائع وأرسل الرُسُل، ليَعمل الناس في هذه الدنيا ﴿ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ في الآخرة ﴿ بِمَا كَسَبَتْ مِن خيرٍ أو شر ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (فكيف إذاً يُساوونَ بين الصالحين والمُفسدين؟! هذا ليس من العدل في شيء).



الآية 23: ﴿ أَفَرَأَيْتَأيها الرسول ﴿ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أي جَعَل طاعته لهَواه كطاعة المؤمن لله، فلا يَهوى شيئاً إلا فَعَله ﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ يعني: وأضلَّه الله بعد وصول العلم إليه وقيام الحُجَّة عليه، (ولَعَلّ المقصود من قوله تعالى: (عَلَى عِلْمٍ) أي على عِلمٍ من الله تعالى بأنه لا يَستحق الهداية، بسبب اتّباعه لهواه وعدم انقياده لشرع الله)، ﴿ وَخَتَمَ سبحانه ﴿ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ فلا يَسمع مواعظَ اللهِ بتدبُّر وانتفاع، ولا يَعقلها بقلبه، ﴿ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً: أي جعل سبحانه على بصره غطاءً، فلا يرى البراهين الدالة على استحقاق الله وحده للعبادة، ﴿ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ: يعني فمن يوفقه للحق والرشد بعد إضلال الله له؟! ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ: يعني أفلا تتعظون - أيها الناس - فتعلموا أنَّ مَن فَعَل الله به ذلك لن يهتدي أبدًا؟، إذاً فاطلبوا من ربكم الهداية بصِدق، ولا تتّبعوا أهوائكم، (وفي الآية تحذير للمؤمن مِن أن يفعل كل ما تهواه نفسه).



الآية 24، والآية 25: ﴿ وَقَالُوا أي قال مُشرِكو مكة: ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا: يعني ما الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها، ولا حياة غيرها (وهذا تكذيبٌ منهم بالبعث بعد الموت)، وقالوا: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا أي جيلٌ يموت وجيلٌ يَحيا، فيموت الآباءُ مِنّا ويَحيا الأبناء ﴿ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ: أي ما يهلكنا إلا مَرُّ الليالي والأيام وطول العمر، ثم قال تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ: أي ما يتكلمون إلا بالظن الناتج عن التخمين واتّباع الآباء بغير دليل،﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ أي واضحاتِ الدلالة في قدرة الله على البعث بعد الموت: ﴿ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا: ﴿ ائْتُوا بِآَبَائِنَا أي ائتونا - يا محمد أنت ومَن معك - بآبائناالذين قد ماتوا، فأحيُوهم لنا ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في أنّ الله يَبعث مَن في القبور.



الآية 26: ﴿ قُلِ لهم أيها الرسول: ﴿ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ (فهو سبحانه المُتفرِّد بالإحياء والإماتة، وأنتم تعلمون ذلك أيها المُشرِكون، فلقد كنتم أمواتًا وأنتم في العَدم، فأوجدكم سبحانه ونَفَخَفيكم الحياة، فكذلك لا يُعجزه إحياءكم بعد موتكم) ﴿ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْمِن قبوركم ﴿ إِلَىأرض المَحشَر في﴿ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الذي﴿ لَا رَيْبَ فِيهِ أي الذي لا شَكَّفيه ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أي لا يَعلمون قدرة اللهِ على إحياءهم كما بدأ خَلْقهم.



الآية 27: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ خَلقًا ومُلكًا وتصرفاً (فالقادر على خَلْق ذلك كله، قادرٌ على بَعْث عباده يوم القيامة من قبورهم أحياءً)، ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (وهم الذين يريدون إبطال الحق الواضح بالأهواء الفاسدة)، فهؤلاء يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بدخولهم نار جهنم وحِرمانهم من نعيم الجنة.



من الآية 28 إلى الآية 32: ﴿ وَتَرَى - يوم القيامة - ﴿ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً: أي ترى أهلَ كل مِلَّةٍ باركينَ على رُكَبهم - لشدة الذل والخوف - يَنتظرون حُكم الله فيهم، ﴿ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا يعني إلى رؤية كتاب أعمالها، ويُقال لهم: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَفـ ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ أي يَنطق عليكم بجميع أعمالكم من غير زيادة أو نقصان، ﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: أي كنا نأمر ملائكتنا بنسخ أعمالكم وكتابتها وأنتم لا تشعرون، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُواباللهِ ورسوله، وبكل ما أخبَرهم به من الغيب ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ أي يدخلهم في جنّته برحمته (بسبب إيمانهم وعملهم الصالح) ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ أي الفوز الواضح الذي لا فوزَ مِثله،﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أي جحدوا أن الله هو الإله الحق وكذَّبوا رُسُله ولم يعملوا بشرعه، فهؤلاء يقول الله لهم توبيخًا: ﴿ أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ عن استماعها والإيمان بها، ﴿ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ أي كنتم قومًا مُشرِكين تفعلون المعاصي ولا تؤمنون بثوابٍ ولا عقاب؟! ﴿ وَإِذَا قِيلَ لكم: ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث ﴿ حَقٌّ﴿ وَالسَّاعَةُ التي تقوم فيها القيامة ﴿ لَا رَيْبَ فِيهَا أي لا شك في مجيئها، ﴿ قُلْتُمْ حينئذٍ: ﴿ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ﴿ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا: يعني ما نتوقع وقوعها إلا ظناً ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ:أي لسنا على يقين وتأكد من أن الساعة آتية، (وهذا بالنسبة لبعض الناس، وإلاّ فقد تقدم أن بعضهم كان يُنكر البعث بالكُلِّية).



الآية 33، والآية 34، والآية 35: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا: أي ظَهَرَ لهؤلاء المُكَذِّبين جزاءُ ما عملوه من الأعمال القبيحة ﴿ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ: يعنيأحاط بهم - من كل جانب - عذاب النار الذي كانوا يَسخرونمنه ويستعجلون به، ﴿ وَقِيلَ لهم: ﴿ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا يعني: اليوم نترككم في عذاب جهنم، كما تركتم الاستعداد للقاء ربكم بالإيمان والعمل الصالح والتوبة والاستغفار، ﴿ وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ: أي مَسكنكم الدائم هو نار جهنم ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ يُنقذونكم مِن حَرّها وعذابها، ﴿ ذَلِكُمْ أي هذا العذاب الذي أصابكم ﴿ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا: أي بسبب أنكم اتخذتم آيات الله وحُجَجه استهزاءً ولعبًا ﴿ وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا: أي خدعتكم الحياة الدنيا بزينتها، ﴿ فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا أي من النار، ﴿ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ: أي لا يُطلب منهم العُتبَى (وهو إرضاءربهم بالتوبة والعمل الصالح)،فقد فاتَ أوانُ ذلك.




الآية 36، والآية 37: ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ على ما حَكَمَ به لأهل الجنة (فضلاً وإحساناً)، وعلى ما حَكَمَ به على أهل النار (عدلاً وحكمة)، والشكر له على نعمه التي لا تُحصَى، فهو سبحانه ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي مُدَبِّر أمْرالخلائق أجمعين ﴿ وَلَهُ وحده ﴿ الْكِبْرِيَاءُ أي العظمة والجلال والسُّلْطان والحكم النافذ على مَن شاء ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ أي الغالَب، الذي لا يمنعه أحد من فعل ما يريد ﴿ الْحَكِيمُ في أقواله وأفعاله وقدَره وشَرْعه.







[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف أ.د. التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #183  
قديم 12-02-2022, 11:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود



تفسير سورة الأحقاف كاملة [1]


الآية 1: ﴿ حم: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أولسورة البقرة.

الآية 2: ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ إنما هو ﴿ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الذي لا يمنعه شيءٌ مِن فِعل ما يريد، ﴿ الْحَكِيمِفي أفعالهوأحكامه.

الآية 3: ﴿ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ أي ليَعرف العباد عظمة خالقهما فيعبدوه وحده، ويقيموا الحق والعدل فيما بينهم، وللدلالة على قدرته تعالى على البعث بعد الموت (لأنّ ذلك أهون عليه مِن خَلْق السماوات والأرض)، ﴿ وَأَجَلٍ مُسَمًّى أي خُلِقَت السماوات والأرض وما بينهما بوقتٍ معلوم تفنَى عنده(وهو يوم القيامة)، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَأي مُعرضونَ عما أنذرهم به القرآن، فلا يتفكرون في أدلته ولا يتعظون.

الآية 4: ﴿ قُلْ أيها الرسول لهؤلاء المُشرِكين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة الباطلة ﴿ أَرُونِييعني أخبروني ﴿ مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ يعني أيُّ جُزءٍ خلقوه منها حتى يَستحقوا عبادتكم؟!، ﴿ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ: يعني أم أنّلهم شِركًا مع الله في خَلْق السماوات؟!، ﴿ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أي بكتاب مُنَزَّل من قبل هذا القرآن يَشهد لكم بصحة عبادة أصنام لم تخلق شيئاً!﴿ أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ: يعني أو ائتوني بأثَر مِن عِلمٍ صحيح - يُروَى عن أهل العلم السابقين - يدل على أن الأصنام تشفع لكم عند ربكم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فيما تزعمون.

الآية 5، والآية 6: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ يعني: ومن أشد ضلالاً ﴿ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ دعاءه ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأنها من الأموات أو الأحجار أو الأشجار، ﴿ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ يعني: وهذه المخلوقات غافلة عن دعاء مَن يعبدها، عاجزة عن نفعه أو ضره، ﴿ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ يعني إذا جُمِعوا يوم القيامة للحساب والجزاء ﴿ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً: أي كانت هذه الآلهة المزعومة أعداءً لمن عبدها في الدنيا ﴿ وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ يعني إنها تتبرأ منهم، وتُنكِر عبادتهم لها.

الآية 7: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ أي على هؤلاء المُشرِكين ﴿ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ أي واضحاتِ الدلالة على حقيقة التوحيد والبعث والنُبُوّة: ﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِين: يعني إنهم قالوا عن القرآن حين جاءهم: (هذا سحرٌ ظاهر) (وهم يَعلمون أنهم كاذبونَ في ذلك، فلقد اعترف لهم أحد رؤسائهم - وهو الوليدُ بن المُغِيرة - أنّ ما يَقوله السَحَرةُ شيئ، وأنَّ هذا القرآن شيئٌ آخر، وأنه ليس بكلامِ بَشَر (وذلك عندما سمع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجْبَره المُشرِكون بعد ذلك أن يقولَ للناس إنه سِحر).

الآية 8: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ يعني بل يقولون: (إنّ هذا القرآن قد افتراه محمد مِن عند نفسه)، مع أنهم يَعلمون أنه بَشَرٌمِثلهم، إذاً فلماذا لا يأتونَ بمِثله كما تحَدّاهم؟! ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنِ افْتَرَيْتُهُ على اللهِ كما تزعمون ﴿ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا: يعني فإنكم لن تقدروا أن تدفعوا عني شيئًا من عقاب الله لي، ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ: أي هو سبحانه أعلم مِن كل أحد بما تقولونه في هذا القرآن من الأقوال الباطلة، ﴿ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فشهادته لي بالنُبُوَّة هي ماأعطاهُ لي من المُعجِزات الباهرات (كانشقاق القمر وغيرها)، وكذلك وَحْيُهُإليَّ بهذا القرآن الذي أُنذِرُكُم به، والذي لا يستطيعُ أن يقوله بَشَر، وأنتمتعلمون ذلك لأنكم أبْلغ البَشَر، ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ الْغَفُورُ لمن تاب إليه من عباده، ﴿ الرَّحِيمُ بهم، حيثُ جعل التوبة نجاةً لهم من عذابه.

الآية 9: ﴿ قُلْ أيها الرسول لمُشرِكي قومك: ﴿ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ: يعني ما كنتُ أوّل رُسُل الله إلى خلقه، ولم آمُركم بشيءٍ جديد، فإنّ جميع الرُسُل قبلي قد دَعَتْ أقوامها إلى التوحيد، وأخبرتهم بحقيقة البعث بعد الموت، ﴿ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ: يعني ما أدري ما يفعله الله بي ولا بكم في هذه الحياة الدنيا مُستقبَلاً: (هل سأخرج من بلدي أو أقتل؟، أو تُقبَل دعوتي ويَنصرني ربي؟ وهل سيُعَجّل الله لكم العذاب في الدنيا أو يُمهلكم إلى عذاب الآخرة؟ أو يهديكم إلى الإسلام؟ لا أدري) ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ: يعني ما أتّبع - في أفعالي وأقوالي وفيما أبلِّغه للناس - إلا ما يُوحِيه إليَّ ربي، ﴿ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مِن عذاب اللهِ تعالى لأُخَوّفكم عقوبة الشِرك والمعاصي، ﴿ مُبِينٌأي أُوَضِّح لكمما أُرْسِلتُ به إليكم.

الآية 10: ﴿ قُلْ أيها الرسول لهؤلاء المُكَذِّبين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ يعني أخبِروني ﴿ إِنْ كَانَ هذا القرآن ﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِاستكباراً وعِناداً﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وهو عبد الله بن سَلام (الذي شهد له اليهود بأنه أعلمهم)، فإنه قد شهد ﴿ عَلَى مِثْلِهِ أي على مِثل هذا القرآن (وهو ما في التوراة من التصديق بنُبُوَّة محمد صلى الله عليه وسلم)، ﴿ فَآَمَنَ أي صدَّقَ بالقرآن وعمل بما به، ﴿ وَاسْتَكْبَرْتُمْ يا كفار قريش عن الإيمان به والانقياد له، فأخبِروني إذاً: أليس هذا أعظم الظلم وأشد الجحود؟! ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يوفِّقهم سبحانه إلى طريق الرُشد والصواب، بسبب عنادهم واستكبارهم من بعد وضوح الحق.

الآية 11: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من قريش ﴿ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أي قالوا في شأن المؤمنين: ﴿ لَوْ كَانَ خَيْرًا يعني: لو كان الإسلام يعود علينا بالخير والمصلحة المادية: ﴿ مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ أي ما سبقنا إليه هؤلاء المؤمنون الفقراء، لأننا أولى بالخير منهم، (وذلك حسب زعْمهم الفاسد، وإلاَّ فإنهم قد عانَدوا مِن أجل الحفاظ على مَناصبهم الفانية، ورضوا بأن يَتَّخذوا آلهةً من الحَجَر يَتقربون إليها ويَسجدون لها، على العكس من المؤمنين الذين انقادوا للحق بمجرد ظهوره)، ﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ يعني: وإنْ ظَهَرَ عنادهم وعَظُمَ استكبارهم فأعماهم الله عن الهداية بالقرآن ﴿ فَسَيَقُولُونَ: ﴿ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ يعني هذا كذب مأخوذ مِن كَذِب الأوّلين.

الآية 12: ﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ يعني: ومِن قبل هذا القرآن - الذي أنكره المُشرِكون - أنزل الله التوراة، وهي ﴿ كِتَابُ مُوسَى الذي أنزله اللهُعليه ليكونَ ﴿ إِمَامًا يُقتَدَى به ﴿ وَرَحْمَةً لمن آمَنَ به وعمل بما فيه (وذلك قبل بعثة محمد عليه الصلاةوالسلام)، ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ يعني: وهذا القرآن هو كتابٌ مُوافقٌ لِمَا قبله من الكُتُب (فهو مُصَدِّقٌ لِمَا فيها مِن صِحَّة، ومُبَيِّنٌ لِمَا فيها من تحريف)، وقد جعله الله ﴿ لِسَانًا عَرَبِيًّا أي أنزله بلُغة عربية واضحة، في غاية الفصاحة والبلاغة ﴿ لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي ليُخوّف الذين ظلموا أنفسهم - بالشِرك والمعاصي - من النار ﴿ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ بالجنة، وهم الذين يُراقبون ربهم في كل شؤونهم، ويُحسنون عبادتهم له (بتخليصها من الشِرك والرياء، وبأدائها كما شَرَعَها لهم).

الآية 13، والآية 14: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ إذ هو الذي خلقنا وحده، فلذلك لن نعبد غيره، ﴿ ثُمَّ اسْتَقَامُوا على شريعة ربهم ﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من فزع يوم القيامة وأهواله، ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما تركوه وراءهم بعد موتهم من أمور الدنيا، ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أي هم أهل الجنة ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا (إذ حياتهم فيها أبديةٌ، وسعادتهم فيها لا توصَف) ﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي بسبب أعمالهم الصالحة التي كانت سبباً في إدخالهم الجنة برحمة ربهم.

الآية 15، والآية 16: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا يعني وَصّيناه أن يبِرّهما، وأن يُحسِن إليهما بالقول والعمل، وأن يدعو لهما بعد موتهما، - وخاصةً أمّه - فقد ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا أي حَمَلَته في بطنها على مَشقةٍ وتعب ﴿ وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا: أي وَلَدَته أيضًا على مَشقةٍ وتعب (ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم برّها فوق بر الوالد مرتين، كما ثبت ذلك في الصحيحين)، ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا يعني: ومدة حَمْله وفطامه ثلاثون شهرًا، (واعلم أنّ لفظ "فِصاله" للإشارة إلى أنه يُفصَل حينئذٍ عن الرضاعة)، ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ: يعني حتى إذا بلغ هذا الإنسان البارّ مُنتهَى قوته البدنية والعقلية ﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (لأنه عندئذٍ يكون أكثر انشغالاً بأمور الدنيا)﴿ قَالَ داعياً ربه - طالباً إعانته -: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي يعني ألْهِمْني ووفقني ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ عملاً ﴿ صَالِحًا تَرْضَاهُ مني ﴿ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيأي اجعل الصلاح سارياً في ذريتي حتى يَشملهم جميعاً، ليكونوا في ميزان حسناتي، ويدعوا لي بعد موتي، ﴿ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ من ذنوبي الماضية وندمتُ عليها ﴿ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي الخاضعينَ لك بالطاعة، المُستسلمينَ لأمرك ونَهْيك، المُنقادينَ لحُكمك، ثم قال تعالى عن هذا الصنف الصالح: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا أي نتقبل أحسن أعمالهم (وهو كل عمل صالح، كان خالصاً لله تعالى، موافقاً لشرعه) ﴿ وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فلا نعاقبهم عليها بعد توبتهم منها، ونرحمهم بإدخالهم ﴿ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ أي في جُملة أصحاب الجنة، وقد كانَ ذلك الإدخال ﴿ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ أي الذي وعدناهم به في كُتُبنا وعلى ألسنة رُسُلنا.

الآية 17، والآية 18: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا يعني: وأما الذي قال لوالديه - حينَ دَعَواه إلى التوحيد والإقرار بالبعث -: قُبحًا لكما ﴿ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ مِن قبري حيًا بعد موتي ﴿ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي يعني: وقد مضت الأمم من قبلي، فلم يُبعث منهم أحد؟، ﴿ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ يعني: ووالداه يسألان الله هدايته، قائلَين له: ﴿ وَيْلَكَ آَمِنْ يعني صَدِّق واعمل صالحًا، فـ ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث ﴿ حَقٌّ ﴿ فَيَقُولُ لهما: ﴿ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني: ما هذا الذي تتحدثون عنه من البعث والحياة الثانية إلا قصص السابقينَ التي لا حقيقةَ لها،ثم قال تعالى عن هذا الصنف الفاسد: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي وَجَبَ عليهم حُكم الله بالعذاب ﴿ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ: يعني في جُملة أمم قد مضت مِن قبلهم على الكفر والتكذيب ﴿ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (لأنهم اشتروا الضلالَ بالهدى، واستبدلوا النعيم المُقيم بالعذاب الأليم).

الآية 19: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا يعني: ولكل فريق من أهل الخير وأهل الشر منازل عند الله يوم القيامة، بحسب أعمالهم التي عملوها (كلٌّ بحسب مَرتبته)، ﴿ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ أي: وقد فَعَلَ سبحانه ذلك، ليُوَفيهم جزاء أعمالهم كاملة يوم القيامة ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.


الآية 20: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ليُعَذَّبوا فيها، فيُقال لهم توبيخًا: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا (وذلك بإقبالكم على الشهوات والمَلَذّات وانشغالكم بها)، حتى نسيتم الآخرة فلم تعملوا لها، (ولَعَلّ المقصود مِن قوله تعالى: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ﴾ أي ثواب أعمالكم الخيرية، كإطعام الطعام وصلة الأرحام وغير ذلك، لأن هذه الأعمال لم تكن عن إيمان، فأعطاكم الله جزاءها في الدنيا من المُتَع الرخيصة، فاستمتعتم بها، ولم يُبقِ لكم شيئاً مِن نعيم الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾).

﴿ فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ أي عذاب الذل والإهانة في النار ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أي بسبب استكباركم ﴿ فِي الْأَرْضِ التى خلقها الله لكم ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ إذ لا حقّ لكم في ذلك الاستكبار، لضَعفكم وعَجزكم (فالكبرياء لله وحده، وهو لم يأذن لكم بالكِبر)، ولأنّ حُجَج الله وأدلته كانت واضحة، ولكنكم تكبرتم عن الانقياد لها ﴿ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ يعني: وبسبب خروجكم عن طاعة الله ورسوله.

الآية 21: ﴿ وَاذْكُرْ - أيها الرسول - ﴿ أَخَا عَادٍ (وهو هود عليه السلام)، الذي أرسله الله إلى قبيلة عاد، ﴿ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ: أي اذكر حين أنذر قومه أن يَنزل بهم عذاب الله، وهم في منازلهم المعروفة بـ "الأحقاف" ﴿ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يعني: وقد مضت الرُسُل بإنذار أقوامها - قبل هود وبعده - بـ ﴿ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ إن أشركتم به ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وهو يوم القيامة.

الآية 22، والآية 23: ﴿ قَالُوا أي قالت عادٌ لهود: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا أي لتصرفنا عن عبادة آلهتنا؟ ﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا من العذاب ﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فـ ﴿ قَالَ لهم: ﴿ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ: يعني إنما العلم بوقت مَجيئ هذا العذاب عند الله، ﴿ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ يعني: وإنما أبلّغكم ما أرسلني الله به إليكم، ﴿ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ بسبب استعجالكم بالعذاب، وجُرأتكم على ربكم.

الآية 24، والآية 25: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ: يعني فلمّا رأوا العذاب عارضاً (أي على هيئة سحاب يَعرض في الأفق)، وكان متجهًا إلى أوديتهم: ﴿ قَالُوا: ﴿ هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا: أي هذا سحابٌ مُمطر لنا، فقال لهم هود عليه السلام: ﴿ بَلْ أي ليس هذا عارضُ مطر ورحمة كما ظننتم، ولكنْ ﴿ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ أي هو عارضُ العذاب الذي استعجلتموه: ﴿ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا (ما أعظمك يا رب)،﴿ فَأَصْبَحُوا أي صاروا ﴿ لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ أي لا يُرى في بلادهم شيءٌ إلا آثار مساكنهم (إذ أهلك الله قوم عادٍ عن آخرهم، واقتلعت الريح مُعظم مساكنهم)، ولم يَنجُ إلا هود والذين آمنوا معه برحمة خاصة من الله تعالى، و﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(وفي هذا تهديدٌ لقريش لكي يتوبوا من شِركهم وتكذيبهم).

الآية 26: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ يعني أعطينا لعاد أسباب التمكين في الأرض - من القوة المادية وغيرها - ﴿ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ يعني في الذي لم نُمَكِّنكم فيه يا كفار قريش من القوة والإمكانيات،﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا يَسمعون به، ﴿ وَأَبْصَارًا يُبصرون بها، ﴿ وَأَفْئِدَةً أي قلوباً يَعقلون بها، ﴿ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ: يعني إنهم لم يَنتفعوا بهذه الحواس، ولكنهم استعملوها فيما يُغضب ربهم ﴿ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ الواضحة، ﴿ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ: يعني أحاط بهم العذاب الذي كانوا يَسخرونمنه، فلم يستطيعوا النجاة والفرار.

الآية 27، والآية 28: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ يا أهل مكة ﴿ مِنَ الْقُرَى كعادٍ وثمود، ﴿ وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ يعني: وبيَّنَّا لهم أنواع الحُجَج والأدلة والمواعظ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عن كُفرهم وعِصيانهم إلى توحيد الله وطاعته، ﴿ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً: يعني فهَلاّ نَصَرَتهم آلهتُهم التي عبدوها لتشفع لهم عنده كما يزعمون! ﴿ بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ: يعني بل غابوا عنهم عند نزول العذاب فلم يجيبوهم، ولم يدفعوا عنهم شيئاً من عذاب الله، ﴿ وَذَلِكَ أي غياب آلهتهم عنهم وعدم نَصْرهم لهم هو ﴿ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ أي هو نتيجة كذبهم وافتراؤهم الذي كانوا يعيشون عليه من أنهم شفعاء لهم عند ربهم.

من الآية 29 إلى الآية 32: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ: أي اذكر أيها الرسول حين بَعَثنا إليك عدداً من الجن ﴿ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ الذي تتلوه ﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ: يعني فلمّا حضروا سماع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ قَالُوا لبعضهم: ﴿ أَنْصِتُوا لنستمع إلى هذا القرآن، ﴿ فَلَمَّا قُضِيَ يعني فلما فَرَغَ الرسول صلى الله عليه وسلم من تلاوة القرآن - وقد فَهِمَه هؤلاء الجن وأثَّرَ فيهم -: ﴿ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ أي رجعوا إلى قومهم مُحَذرين لهم من عذاب الله إن لم يؤمنوا به، فـ﴿ قَالُوا لقومهم من الجن: ﴿ يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ثم وَصَفوا لهم القرآن بقولهم: ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ: أي مُوافقاً لِمَا قبله مِن كُتُب الله التي أنزلها على رُسُله ﴿ يَهْدِي أي يُرشد الناس ﴿ إِلَى الْحَقِّ﴿ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يُوَصّلهم إلى الجنة ﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ - وهو رسوله محمد - فأجيبوه إلى ما يدعوكم إليه ﴿ وَآَمِنُوا بِهِ، فإن تفعلوا ذلك ﴿ يَغْفِرْ اللهُ ﴿ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (وهي كل الذنوب التي بينكم وبين ربكم، وأمّا مَظالم الناس: فرُدُّوها إليهم تُغفَر لكم)، ﴿ وَيُجِرْكُمْ أي يُنقذكم سبحانه ﴿ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وهو عذاب جهنم.

♦ ثم قالوا لهم: ﴿ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ يعني: ومَن لم يَستجب إلى ما دعا إليه رسول الله ﴿ فَلَيْسَ بِمُعجِز فِي الْأَرْضِ يعني لن يُعجز اللهَ تعالى إذا حاول الهرب في الأرض (إذا أراد الله عقوبته) ﴿ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أي ليس له أنصارٌ يَمنعونه مِن عذاب الله﴿ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍأي في ضلالٍ واضح عن الحق.

الآية 33: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وما فيهنّ مِن المخلوقات العظيمة، ﴿ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ: أي لم يُعجزه خلق ذلك كله ولم يتعب مِنه، ألم يَعلموا أنه ﴿ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى الذين خَلَقهم أوّلاً مِن نُطفة؟ ﴿ بَلَى إنّ ذلك أمْرٌ يسير على الله تعالى﴿ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا يُعجزه شيء.

الآية 34: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ليُعَذَّبوا فيها، فيُقال لهم توبيخًا: ﴿ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ؟ يعني أليس هذا العذاب الذي أنكرتموه حق؟ ﴿ قَالُوا - مُقسِمين بالله تعالى -: ﴿ بَلَى وَرَبِّنَا إنه حَقّ، ﴿ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.


الآية 35: ﴿ فَاصْبِرْ - أيها الرسول - على تكذيب قومك وإيذائهم لك ﴿ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ أي أصحاب الصبر والعزم ﴿ مِنَ الرُّسُلِ وهم (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد) عليهم جميعاً الصلاة والسلام (وذلك على المشهور من أقوال العلماء)، وعلى هذا يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يقتدي بهؤلاء الأنبياء (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى) عليهم الصلاة والسلام، ﴿ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ: أي لا تستعجل العذاب لقومك أيها الرسول، فإنه آتيهم لا مَحالة، و﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ - أي العذاب في الآخرة - ﴿ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ: يعني كأنهم لم يمكثوافي الدنيا (وهم أحياء) ولا في قبورهم (وهم أموات)إلا ساعة من نهار (بسبب رؤيتهم لجهنم التي سيُعذبون فيها) (والإنسانُ إذا عَظُمَ خوفه: نَسِيَ كل ما مَرَّ به من نعيمٍ أو عذاب، خاصةً إذا قارنَ ذلك بعذاب الآخرة الأبدي)، ﴿ بَلَاغٌ: يعني هذا القرآنُ بلاغٌ لقومك ولغيرهم، ﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (والسؤال غرضه النفي)، يعني إنه لا يُهْلَكُ بعذاب الله إلا القوم الخارجون عن أمْره وطاعته.



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #184  
قديم 12-02-2022, 11:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود







تفسير سورة محمد كاملة [1]















الآية 1، والآية 2: ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا أي جَحَدوا أن الله هو الإله الحق ﴿ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي مَنَعوا الناس عن الدخول في دين الله تعالى، أولئك ﴿ أَضَلَّ اللهُ ﴿ أَعْمَالَهُمْ يعني أبطل أعمالهم الخيرية (كإطعام الطعام وصلة الأرحام)، فلم يجدوا ثوابها في الآخرة، بل ضَلَّت عنهم (لأنها لم تكن عن إيمان ولم تكن خالصةً لله تعالى)، ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا باللهِ ورُسُله ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ يعني آمَنوا بالقرآن ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أولئك ﴿ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ: أي مَحا الله عنهم خطيئاتهم، فلم يعاقبهم عليها بسبب توبتهم ﴿ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ أي أصلح شأنهم وحالهم في الدنيا والآخرة (واعلم أن البال يُطلَق أيضاً على القلب والعقل وعلى ما يَخطر للمرء من تفكير).







الآية 3: ﴿ ذَلِكَ أي ذلك الإضلال والهدى ﴿ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ: أي بسبب أن الذين كفروا اتَّبَعوا الشيطان فأطاعوه فأضلهم الله، ﴿ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ: أي اتَّبَعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاءَ به من الهدى، فزادهم الله هدىً، ﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْيعني: وكما بيَّن الله حال الفريقين وما يَستحقانه، فكذلك يُبَيِّن الله للناس أمثالهم، بأنْ يُظهر لهم حال الناجينَ الفائزين من الناس، وحال الهالكينَ الخاسرين منهم ليعتبروا.







الآية 4، والآية 5، والآية 6: ﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا - أيها المؤمنون - ﴿ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ: يعني فأحكِموا قيد الأسرَى: ﴿ فَإِمَّا مَنًّا: يعني فإما أن تَمُنُّوا عليهم بفك أسْرهم "مجاناً"، وذلك ﴿ بَعْدُ أي بعد انتهاء المعركة، ﴿ وَإِمَّا فِدَاءً يعني: وإما أن يُفادوا أنفسهم بالمال، أو مُقابل إطلاق سَراح أسير مسلم عند المُشرِكين أو غير ذلك.







واستمِرُّوا ﴿ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا: أي حتى تضع الحرب أثقالها، وهي معداتها، (وهذه الجملة كناية عن انتهاء الحرب بنصر الإسلام والمسلمين)، ﴿ ذَلِكَ أي ابتلاء المؤمنين بقتال الكافرين ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ أي لاَنتصر من الكافرين بغير قتال (كأنْ يَخسف بهم الأرض أو يصيبهم بوَباءٍ قاتل أو غير ذلك) ﴿ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ يعني: ولكنه جعل عقوبتهم على أيديكم، فشَرَعَ الجهاد؛ ليختبر صِدْق المؤمنين بالقتال، وليَنصر بكم دينه، ويُوصلكمبالجهاد إلى أعلى الدرجات، ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ من المؤمنين المخلصين - الذين يُقبِلونَ على عدوهم غير هاربين - ﴿ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ يعني لن يُبْطِل الله ثواب أعمالهم، ﴿ سَيَهْدِيهِمْ إلى إجابة سؤال المَلَكَين في القبر، وسيَهديهم إلى سلوك طريق الجنة بعد موتهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وقال عن الضالين يوم القيامة: ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ، ﴿ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ يعني: وسيُصلِح أمورهم التي تركوها في الدنيا بعد موتهم، وسيُصلِح بالهم في الجنة، فلا تصيبهم الهموم والأحزان،﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ﴿ عَرَّفَهَا لَهُمْ أي عَرَّفهم بها وَوَصَفها لهم، ثم عرَّفهم بمنازلهم فيها إذا دخلوها.







الآية 7: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يعني إن تنصروا دينَ الله تعالى (بالجهاد في سبيله والحُكم بكتابه، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه): ﴿ يَنْصُرْكُمْ على أعدائكم، ﴿ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ عند القتال.







الآية 8، والآية 9: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ أي هلاكًا لهم وشقاءً ﴿ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ يعني: وأذهب الله ثواب أعمالهم الحسنة (كصلة الرحم وإكرام الضيف وفك الأسرى)، ﴿ ذَلِكَ أي شقاؤهم وإبطال أعمالهم ﴿ بِأَنَّهُمْ أي بسبب أنهم ﴿ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ (وهو القرآن المشتمل على أنواع الهدايات و الإصلاحات) ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ: يعني فلذلك أبطل الله أعمالهم.







الآية 10، والآية 11: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا- أي هؤلاء المُكَذّبون - ألم يَمشوا ﴿ فِي الْأَرْضِ متأملينَمُعتبِرين، ﴿ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: يعني كيف كانَ مصير المُكَذِّبين قبلهم (كعادٍ وثمود وقوم لوط)؟ وما نزل بهم من الهلاك؟، فقد ﴿ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ديارهم، ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا يعني: وللكافرين أمثال تلك العقوبة التي نزلت بتلك الأمم، (وفي هذا تهديدٌ لكفار مكة)، ﴿ ذَلِكَ أي ذلك الذي فعلناه (مِن نجاة فريق الإيمان وإهلاك فريق الكفر) ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا: أي بسبب أن الله وليُّ المؤمنين ونصيرهم ﴿ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ يعني لا أحد يتولى أمورهم وينفعهم، ولا نصيرٌ لهم ينقذهم من عذاب ربهم.







الآية 12: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ أي حدائق وبساتين عجيبة المَنظر تَسُرّ أنظارهم ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري الأنهار من تحت أشجارها المُتدلّية، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ يعني: ومَثَلُ الذين كفروا في أكلهم وتمتعهم بالدنيا، كمثل البهائم التي لا هَمَّ لها إلا الأكل، ﴿ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ يعني: ونارُ جهنم هي مَسكن الكافرين ومأواهم يوم القيامة.







الآية 13: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ يعني: وكثير مِن أهل القرى الذين كانوا أشد قوة من أهل قريتك أيها الرسول - وهي مكة - ﴿ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أي التي أخرجك أهلها، (ولَعَلّ المقصود هنا أنهم كانوا سبب إخراجه - بإيذائهم له ولأصحابه ومحاربة دعوته - لأنه صلى الله عليه وسلم خرج باختياره ولم يُكرِهه المُشرِكون على الخروج، بل كانوا يحاولون مَنْعه من الخروج لكي يقتلوه، واللهُ أعلم)، ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ أي دمَّرنا هذه القرى المُكَذّبة بأنواع العذاب ﴿ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ: يعني فلم يكن لهم نصيرٌ ينقذهم من عذاب ربهم، ولم تنفعهم قوتهم (وفي هذا تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم بسبب خروجه من بلده التي يحبها، وفيه أيضاً تهديدٌ لمُشرِكي مكة أن يصيبهم ما أصاب المُكَذِّبين قبلهم إن لم يتوبوا، وقد تاب الكثير منهم والحمد لله).







الآية 14: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ: يعني أفمَن كان على حُجَّة واضحة من ربه (والمقصود بهذه الحُجَّة: القرآن الكريم، الذي أنزلاللهُ فيه البراهين، وتَحَدَّى به المُشرِكين)، فهل هذا الذي على بصيرةٍ مِن أمْر دينه ﴿ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ: أي كمَن حسَّن لهم الشيطان قبيح أعمالهم﴿ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ في فِعل المعاصي وعبادة غير الله تعالى، مِن غير حُجَّة ولا برهان إلا التقليد الأعمى؟! لا يستويان أبداً.







الآية 15: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ يعني: وَصْف الجنة - التي وَعَدَ اللهُ بها عباده المتقين - أنها ﴿ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ أي غير متغيِّر في ريحه أو طعمه بسبب طول مُكثه ﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أي لم تُصِبه "حُموضة" أو غيرها كما يحدث في ألبان الدنيا ﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَأي يَتلذذ بها الشاربون﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى (من الشمع والشوائب)، ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ أي من مختلف الفواكه وغيرها (مِمّا لم يذوقوا طعمه في الدنيا، ولم يتخيلوا لذَّته) ﴿ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ يعني: وأعظم من ذلك النعيم: (سِتر ربهم وتجاوزُه عن ذنوبهم)، فلذلك عاشوا في الجنة سعداء بمغفرة ربهم لهم ورضاه عنهم.







فهل هذا المتقي - الخائف من عذاب ربه، الذي يفعل ما يُرضيه ويَجتنب ما يُغضبه - فلذلك نَعَّمه الله في هذه الجنة ﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ ﴿ وَسُقُوا أي تَسقيهم ملائكة العذاب ﴿ مَاءً حَمِيمًا أي شديد السخونة ﴿ فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ؟! لا يستويان أبداً.







الآية 16، والآية 17: ﴿ وَمِنْهُمْ يعني: ومِن المنافقين الكفار ﴿ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ أي يستمع إلى حديثك - أيها النبي - ﴿ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ أي انصرفوا من مجلسك: ﴿ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: أي قال هؤلاء المنافقون لمن حضروا مجلسك من أهل العلم بكتاب الله - على سبيل الاستهزاء -: ﴿ مَاذَا قَالَ آَنِفًا؟ يعني ماذا قال محمد قبل قليل؟ (يشيرون بذلك إلى أنهم لم يكونوا مهتمين بحديثه صلى الله عليه وسلم) ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أي ختم على قلوبهم، فلا تفهم الحق ولا تهتدي إليه، ﴿ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ في الكفر والضلال،﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا يعني: وأما الذين اتَّبَعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من الحق، ولم يتَّبعوا أهوائهم: ﴿ زَادَهُمْ الله ﴿ هُدًى ليَثبتوا على الحق ﴿ وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ: أي وفقهم للتقوى، ويَسَّرها لهم، فحَبَّبَ إليهم الطاعات، وكَرَّهَ إليهم المعاصي.







الآية 18: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ يعني فهل ينتظر هؤلاء المكذبون إلا القيامة التي وُعدوا بها ﴿ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً أي فجأةً﴿ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا أي حين تأتي شروط الساعة وعلاماتها الكبرى، وساعتها سيؤمنون؟!، (ولَعَلّ الله تعالى عَبَّرَ عن مَجيئ علامات الساعة الكُبرَى بصيغة الماضي - مع أنها لم تأتِ بعد - لتأكيد وقوعها في عِلمه سبحانه)، ﴿ فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ: يعني فمِن أين لهم التذكر - الذي ينفعهم - إذا جاءتهم الساعة؟! (إذ حِينها يُغلَق باب التوبة).







وقد قال بعض المُفسِّرين بأن المقصود مِن قوله تعالى: ﴿ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ﴾أي جاء بعض شروط الساعة، وهي بعثة محمد عليه الصلاة والسلام وانشقاق القمر، واللهُ أعلم.







الآية 19: ﴿ فَاعْلَمْ أيها النبي ﴿ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أي لا معبود بحق إلا الله، فاعبده وتوكل عليه ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ مِمّا عاتَبَكَ فيه ربك ﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ أي استغفر للمؤمنين والمؤمنات ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ: أي يعلم تصرفكم في يقظتكم نهارًا ﴿ وَمَثْوَاكُمْ أي يعلم مستقركم في نومكم ليلاً، (فهو سبحانه يراكم ويعلم حالكم في كل ساعةٍ مِن ليلٍ أو نهار، ألاَ فاخشوه واحذروا أن يراكم على معصية، حتى تفوزوا برضاه في جنات النعيم)، (واعلم أن قوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ فيه دليل على وجوب العلم قبل القول والعمل)، واعلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قالمَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات، كَتَبَ الله له بكل مؤمن ومؤمنة حَسَنة) (انظر صحيح الجامع حديث: 6026)، فاللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.







الآية 20، والآية 21: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا - مُتَمَنّين الجهاد، شوقاً لِمَا أعَدّه الله للمجاهدين في الجنة -: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ: يعني هَلاّ نُزِّلت سورة من الله تأمرنا بجهاد الكفار، ﴿ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ يعني لم يُنسَخ شيءٌ من أوامرها ونواهيها، بل جَعَلتْ الجهادَ فرضاً عليهم لا يتبدل ﴿ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ أي ذُكَرَ الله فيها الأمر بالجهاد والترغيب فيه: ﴿ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي الذين في قلوبهم شَكٌّ وضَعفٌ في الإيمان﴿ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ أيها النبي - وهم خائفون من القتال - ﴿ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي كنَظَر المحتضر الذي يصيبه الإغماء خوفاً من الموت، ﴿ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ: يعني فالأولى لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض أن يطيعوا أمْرَ الله تعالى، ﴿ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ: يعني وأن يقولوا قولاً حسناً، كأن يقولوا للرسول: (سمعنا وأطعنا)، ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ: يعني فإذا وَجَبَ أمْر الله بفرض القتال عليكم: كَرِهَوا القتال، ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ يعني لو وَفّوا بما عاهدوا اللهَ عليه من أنهم سيقاتلون مع رسوله ﴿ لَكَانَ الوفاءُ بالعهد ﴿ خَيْرًا لَهُمْ في الدنيا والآخرة.







الآية 22، والآية 23: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بعمل المعاصي ونَشْر الشِرك والفساد ﴿ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ فلا تصلوا أقاربكم المؤمنينَ الصادقين، بل تُعلِنوا الحرب عليهم ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أي أبعدهم الله من رحمته ﴿ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ: أي جعلهم لا يَسمعون ما ينَفعهم ولا يُبصرون حُجَج الله مع كثرتها.







وقد قال صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين -: (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم، وقال أيضاً - كما في الصحيحين -: (مَن سَرّهُ أن يُبسَط له - (أي يُوَسَّع له) - في رزقه، ويُنسَأ له - (أي يُؤخَّر له) - في أجَله: فليَصِل رَحِمَه)، (وقد وَضَّحنا معنى تأخير الأجل عند تفسير الربع الأخير من سورة الرعد، فراجِعه إن شئت).







الآية 24: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ: يعني أفلا يتفكرون في أدلة القرآن ومواعظه، ليعرفوا الحق من الباطل، ويفعلوا ما يَنفعهم، ويَجتنبوا ما يَضُرّهم؟! ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا يعني بل قلوبهم مغلَقة لا يصل إليها شيء من هذا القرآن، فلا تتدبر مواعظ الله وحُجَجه (والله سبحانه هو الذي يفتح لهم تلك الأقفال، إذا طلبوا منه الهداية بصدق، وتخلّوا عن أهوائهم وشهواتهم).







الآية 25، والآية 26: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ أي ارتدُّوا عن الهدى والإيمان ورجعوا على أعقابهم كفارًا ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى واتضح لهم الحق: ﴿ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ أي حَسَّنَ لهم نفاقهم ﴿ وَأَمْلَى لَهُمْ أي مَدَّ لهم في الأمل - فوعدهم بطول العمر - ليُجَرئهم على الكفر والمعاصي، ﴿ ذَلِكَ أي ذلك الإضلال ﴿ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ: أي بسبب أنهم قالوا لليهود والمُشرِكون الذين كرهوا القرآن: ﴿ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ (بأنْ نتعاون معكم على عداوة الرسول وترغيب المؤمنين في التخلف عن الجهاد)، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْأي يعلم ما يتحدثون به سراً مع اليهود والمُشرِكين، ويعلم ما يخفونه في نفوسهم، فأظهرَ الله ذلك لرسوله.







الآية 27، والآية 28: ﴿ فَكَيْفَ يكون حالهم ﴿ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ أي قبضتْ أرواحهم، وهم ﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ أي يضربون وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد؟،﴿ ذَلِكَ العذاب الذي أصابهم ﴿ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ أي بسبب أنهم فعلوا ما أغضب الله عليهم من الشِرك والمعاصي، ﴿ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ يعني: وبسبب أنهم كرهوا أن يفعلوا ما يُرضِي اللهَ عنهم من العمل الصالح (ومِن ذلك: كُرههم لقتال الكفار بعدما فرضه الله عليهم) ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ:يعني فأبطل الله ثواب أعمالهم الحسنة (كصِلة الرَحِم وإطعام الطعام وغير ذلك).







الآية 29، والآية 30: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني أم ظن هؤلاء المنافقون ﴿ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْيعني هل ظنوا أن الله لن يُخْرِج ما في قلوبهم من الحسد والحقد للإسلام وأهله؟! بلى، سيُظهره سبحانه للناس، لأنه يُميّز الصادق من الكاذب، ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ يعني: ولو نشاء لأريناك أيها النبي أشخاص هؤلاء المنافقين ﴿ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ أي فحينئذٍ ستعرفهم بعلاماتٍ ظاهرة فيهم، ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ: أي سوف تعرفهم فيما يَظهر من كلامهم الدالّ على نواياهم السيئة وعداوتهم للمسلمين والذم فيهم (ولحن القول: هو ما يُفهَم من الكلام بالتعريض والتلميح والإشارة، ويُطلَق أيضاً على الخطأ أثناء الكلام) ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ - أيها الناس - فلا تَخفَى عليه طاعة مَن أطاعه، ولا معصية مَن عصاه، وسيَجزي كُلاً بما يَستحق.







الآية 31: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ: أي سوف نختبركم أيها المؤمنون بالشدائد والقتال ﴿ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ أي حتى يَظهر للناس ما عَلِمناه في قديم الأزل؛ لنميز أهل الجهاد منكم ﴿ وَالصَّابِرِينَ على قتال أعداء الله، ﴿ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ يعني: ونُظهِر أخباركم للناس (أي نختبر صحة ما تخبرون به عن أنفسكم من الإيمان والطاعة).







وقد كان أحد الصالحين يقولُ - مناجياً ربه -: (اللهم لا تَبتَلِنا، فإنك إذا بَلَوتنا: فضحتَنا وهتكتَ أستارنا).







الآية 32: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بوحدانية اللهِ تعالى ونُبُوَّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي منعوا الناسَ عن الدخول في سبيل الله (وهو الإسلام) ﴿ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ: أي خالفوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فحاربوه ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى أي من بعد ما جاءتهم الحُجَج والآيات أنه نبي من عند الله، فهؤلاء ﴿ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا بأفعالهم،بل إنّ ضَرَرها سيَعودُ عليهم ﴿ وَسَيُحْبِطُ الله ﴿ أَعْمَالَهُمْ أي سيُبْطِل ثواب أعمالهم التي عملوها في الدنيا، لأنها لم تكن عن إيمان، ولأنهم لم يريدوا بها وجه الله تعالى.







الآية 33: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ باتّباع كِتابه ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ باتّباع سُنته ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ: أي لا تبطلوا ثواب أعمالكم بالرياء والشِرك والمعاصي، وبأداء الأعمال على غير النحو الذي شَرَعه الله لكم.







الآية 34: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي صَدُّوا الناسَ عن الإسلام (بالتعذيب والتخويف ونشر الأكاذيب الباطلة)﴿ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴿ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ(وسيُعَذّبهم على كُفرهم).







الآية 35: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ يعني: ولا تبدأوا بدعوتهم إلى الصُلح والمُسالَمة على سبيل الخوف منهموإظهار العجز أمامهم ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ أي طالما أنكم الغالبونَ لهم، بل هم الذين يطلبونَ منكم الصُلح ﴿ وَاللَّهُ مَعَكُمْ بنصره وتأييده ﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ: يعني لن يُنْقصكم ثواب أعمالكم.







الآية 36، والآية 37: ﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌأي تلهو بها القلوب وتلعب بها الأبدان (لِما فيها من الزينة والشهوات)، ثم تزول سريعًا، ﴿ وَإِنْ تُؤْمِنُوا بالله ورسوله، ﴿ وَتَتَّقُوا عذابَ ربكم (بأداء فرائضه واجتناب معاصيه): ﴿ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ أي يُعطكم ثواب أعمالكم كاملاً، بل ويَزيدكم من فضله ﴿ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ: أي لا يسألْكم سبحانه إخراج جميع أموالكم، بل يأمركم بالإنفاقفي سبيله بقدر طاقتكم، فإنه ﴿ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا يعني إن يسألكم إخراج جميع أموالكم ﴿ فَيُحْفِكُمْ أي يُلِحَّ عليكم في إخراجها، فحينئذٍ ﴿ تَبْخَلُوا بها، فلا تخرجونها ﴿ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ يعني: ويُظهِر سبحانه ما في قلوبكم من الكراهية لهذا التكليف الذي يأمركم بإخراج جميع أموالكم (بسبب حُبُّكم الشديد للمال)، ولكنه سبحانه رَحِمَكم فلم يأمركم بذلك.







الآية 38: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ أيها المؤمنون ﴿ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ: أي يدعوكم الرسول إلى النفقة لجهاد أعداء الله ونُصرة دينه، ﴿ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ بالنفقة في سبيل الله، ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ لأنه يَحرمها ثواباً عظيماً، ﴿ وَاللَّهُ هو ﴿ الْغَنِيُّ عنكم وعن مالكم ﴿ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ المحتاجونَ إليه في كل أموركم، ولا تستغنون عنه طرفة عين، ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا: يعني إن تعرضوا عن امتثال أمْره: ﴿ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ: أي يُهلككم، ويأت بقوم آخرين ﴿ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ أي لا يكونوا مِثلكم في الإعراض عن أمْره، بل يطيعونه ويطيعون رسوله، ويجاهدون في سبيله بأموالهم وأنفسهم.









[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #185  
قديم 12-02-2022, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود





تفسير سورة الفتح كاملة[1]



الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ أيها الرسول ﴿ فَتْحًا مُبِينًا أي فتحاً ظاهرًا واضحاً (يُظهر الله فيه دينك)، والراجح أنّ المقصود بهذا الفتح هو صًلح "الحُدَيْبِيَة"، الذي كانَ قبل فتح مكة، والذي كان من شروطه أن يأمن الناس فيه على دمائهم، وأن يعتنقوا الدين الذي يرغبونه بإرادتهم، فبذلك اتّسعت في تلك المدة دائرة الدعوة لدين الله، وتمَكَّنَ مَن يريد الوصول إلى الحق مِن معرفة الإسلام، والوقوف على حقيقته، فدخل الناس في دين الله أفواجًا؛ ولذلك سمَّاه الله فتحًا مبينًا.

♦ وقد فتَحنا لك ذلك الفتح - أيها الرسول - ويَسَّرناه لك﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ بسبب الطاعات الكثيرة التي نَتَجَتْ من هذا الفتح، وبسبب ما تحَمَّلتَه من المتاعب والأذى في سبيل الدعوة ﴿ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ يعني: ولكي يُتِمّ نعمته عليك بإظهار دينك ﴿ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا: أي يوفقك سبحانه إلى الثبات على الطريق المستقيم الذي لا انحراف فيه (وهو الإسلام)، المُوَصِّل بمن اتّبعه إلى الجنة،﴿ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ على أعدائك ﴿ نَصْرًا عَزِيزًا أي نصرًا قويًّا لا يَغلبه غالب، ولا يَدفعه دافع (بسبب دخول الكثيرين في الإسلام - ومنهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص - واستعدادهم لقتال الأعداء).

الآية 4، والآية 5، والآية 6: ﴿ هُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ: أي أنزل الطمأنينة ﴿ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ يوم الحُدَيْبِيَة فسكنَتْ قلوبهم، ورَسَخَ اليقين فيها ﴿ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ: أي ليزدادوا تصديقًا بدين الله واتّباعًا لرسوله (مع تصديقهم واتّباعهم)، ﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (الذين يَنصر الله بهم عباده المؤمنين) - ومن هذه الجنود: السكينة التي يُنزلها سبحانه في القلوب فتهدأ وتطمئن - وما يَعلم جنود ربك إلا هو، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا بخلقه، ﴿ حَكِيمًا في تدبيره لأولياءه، (واعلم أنّ في قوله تعالى: (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) دليلٌ على أن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالطاعة، ويَنقص بالمعصية).

♦ واعلم أنّمن الأسباب المؤدية إلى السكينة والطمأنينة: (طلب رضا الخالق، والاستغناء عن المخلوقين)، وكذلك الرضا بالقضاء والقدر، كما قال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)، قال "عَلقمة" رحمه الله في تفسير هذه الآية: (هو الرجلُ تصيبُه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله؛ فيَرضى ويسلِّم).

♦ وقد قدَّرَ اللهُ ذلك الفتح، وشَرَعَ لعباده الجهاد ﴿ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ - الطائعين لأوامر الله - ﴿ جَنَّاتٍ أي بساتين جميلة المنظر ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري الأنهارُ مِن تحت أشجارها المُتدلِّية﴿ خَالِدِينَ فِيهَا (فحياتهم فيها أبديةٌ، وفرْحَتهم فيها لا توصَف)،﴿ وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ أي يمحو عنهم ذنوبهم فلا يُعاقبهم عليها (بسبب توبتهم، وندمهم على ما مضى من ذنوبهم) ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (لأنّ فيه النجاة من كل خوف وغَمّ، وفيه الحصول على كل مطلوبٍ ومحبوب)، ﴿ وَيُعَذِّبَ سبحانه ﴿ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشرِكينَ وَالْمُشْرِكَاتِوهم ﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ أي الذين يظنون أنّ الله لن يَنصر نبيّه والمؤمنين وأنه لن يُظهر دينه، أولئك ﴿ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ: يعني عليهم تدور دائرة العذاب والشقاء وكل ما يسُوءهم ﴿ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴿ وَلَعَنَهُمْ أي طَرَدهم من رحمته ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا أي قبُحَت مصيراً يصيرون إليه بعد موتهم.

الآية 7: ﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (الذين يؤيد بهم عباده المؤمنين)، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا في انتقامه من أعدائه، ﴿ حَكِيمًا في تدبيره لأوليائه المؤمنين، (واعلم أنّ الفعل (كان) إذا جاء مع صفة معينة، فإنه يدل على أنّ هذه الصفة مُلازِمة لصاحبها، كقوله تعالى - واصفاً نفسه بالرحمة والمغفرة -: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أي كانَ - دائماً وأبَداً - غفوراً رحيماً).

- الآية 8، والآية 9: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ أيها النبي ﴿ شَاهِدًا على أمّتك بإبلاغهم الرسالة ﴿ وَمُبَشِّرًا للمؤمنين بالرحمة والجنة، ﴿ وَنَذِيرًا للعُصاة والمُكَذِّبين من النار﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِبعد قيام الحُجَّة عليكم، ﴿ وَتُعَزِّرُوهُ: أي تنصروا الله بنَصركم لدينه وعباده المؤمنين، ﴿ وَتُوَقِّرُوهُ: أي تعظموه سبحانه فلا تعصوه، بل تؤدون عبادته كما ينبغي ﴿ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا بالصلاة وغيرها.

الآية 10: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يعني إن المؤمنين الذين يُعاهدونك أيها النبي بوادي "الحُدَيْبِيَة" على قتال المُشرِكين في ديارهم بمكة﴿ فَمَنْ نَكَثَ أي نَقَضَ عهده - فلم يقاتل مع الرسول والمؤمنين - ﴿ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ لأنّ إثم ذلك سيعود عليه وحده، ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ مِن نُصرة نبيّه والصبر عند لقاء أعداءه وعدم الفرار منهم: ﴿ فَسَيُؤْتِيهِ سبحانه ﴿ أَجْرًا عَظِيمًا وهو الجنة.

الآية 11، والآية 12: ﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ (وهم "البدو" الذين تخلَّفوا عن الخروج معك أيها الرسول إلى مكة للعمرة، عندما طلبتَ منهم ذلك تحسُّباً لقتال قريش لكم)، فهؤلاء سيقولون لك إذا عاتبتَهم على تخلفهم: ﴿ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴿ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا أي اسأل ربك أن يغفر لنا تخلُّفنا، وهم ﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ: أي يقولون ذلك بألسنتهم ولا حقيقة له في قلوبهم، ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا؟! لا أحد، إذاً فاتقوا اللهَ وتوبوا من نفاقكم، ولا تتركوا القتال خوفاً من الموت، حتى لا يُهلككم سبحانه بعذابٍ من عنده، ﴿ بَلْ: يعني ليس الأمر كما ظننتم أيها المنافقون مِن أن الله لا يعلم ما في صدوركم من النفاق، ولكنْ ﴿ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالكم (ظاهرها وباطنها)، وسيُجازيكم عليها إن لم تتوبوا، ﴿ بَلْ: يعني وليس الأمر كما زعمتم من انشغالكم بالأموال والأهل، ولكنْ ﴿ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا: أي ظننتم أنّ أهل قريش سوف يقتلون الرسول وأصحابه، وأنهم لن يَرْجعوا إليكم أبدًا ﴿ وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ: أي حَسَّن الشيطان ذلك في قلوبكم، ﴿ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ أي ظننتم ظنًا سيئًا أن الله لن ينصر نبيّه وأصحابه على أعدائهم ﴿ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا أي كنتم قومًا هَلْكى لا خيرَ فيكم عندما ظننتم ذلك الظن السيئ.

الآية 13، والآية 14: ﴿ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا أي أعددنا لهم نارًا حارة تُوقَد عليهم وتَغلي بهم (وهذا تخويفٌ لهم لَعَلّهم يَرجعون إلى ربهم)، ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي بيده سبحانه كل شيء، فـ ﴿ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ بفضله ورحمته ﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ بعدله وحكمته ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا لمن تاب إليه، ﴿ رَحِيمًا به، حيث جعل التوبة نجاةً له، (وقد كانت هذه دعوةً لهم إلى التوبة مِن نفاقهم وعدم الإصرار عليه، وبالفِعل، فقد تاب أكثرهم والحمد لله).

الآية 15: ﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ (وهم الذين تخلَّفوا عن الخروج معكم أيها المؤمنون إلى مكة)، فسيقولون لكم ﴿ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا (وهي غنائم "خيبر" التي وعدكم الله بها وأنتم راجعون من "الحُدَيْبِيَة"): ﴿ ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ: أي اتركونا نذهب معكم إلى خيبر، ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ: أي يريدون بذلك أن يُغَيِّروا وَعْد الله لأهل الحُدَيبِيَة، إذ وعدهم سبحانه أن يجعل لهم غنائم خيبر عِوَضاً عن فتح مكة في هذا العام، ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ لَنْ تَتَّبِعُونَا: يعني لن تخرجوا معنا إلى خيبر، ﴿ كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ: يعني إن الله قد قال لنا - قبل رجوعنا إلى "المدينة" -: (إن غنائم خيبر لمن حضر بَيعة الحُدَيْبِيَة فقط)، ﴿ فَسَيَقُولُونَ لكم: ﴿ بَلْ تَحْسُدُونَنَا: يعني ليس الأمر كما تقولون، فإن الله لم يأمركم بهذا، ولكنكم تمنعوننا من الخروج معكم حسدًا منكم؛ لكي لا نأخذ معكم من الغنيمة، ثم قال تعالى: ﴿ بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا: يعني ليس الأمر كما زعموا من أنكم تحسدونهم، ولكنهم لا يفهمون عن الله مِن أمْر الدين إلا شيئاً يسيرًا، فلذلك لم يَفهموا أن الله لن يُخلِف وعده ولو كرهوا ذلك.

الآية 16: ﴿ قُلْ أيها الرسول ﴿ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ - وهم الذين تخلَّفوا من "البدو" عن الخروج إلى مكة -: ﴿ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعني سوف يعطيكم الله فرصةً أخرى لكي تُثبِتوا صِدق إيمانكم وتوبتكم، فسوف يأمركم سبحانه بقتال قومٍ يَمتلكونَ شجاعة وقوةشديدة في القتال، فـ ﴿ تُقَاتِلُونَهُمْ﴿ أَوْ يُسْلِمُونَ مِن غير قتال، ﴿ فَإِنْ تُطِيعُوا أمْرَ ربكم: ﴿ يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وهو الجنة ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يعني: وإن تعرضوا عن طاعة أمْره ﴿ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ حين تخلفتم عن السير مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة: ﴿ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا في نار جهنم، (هذا، وقد اختلف العلماء في المقصود بهؤلاء القوم: هل هم الفُرس أو الروم أو أصحاب مُسَيلمة الكذاب؟، واللهُ أعلم).

الآية 17: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ يعني ليس عليه إثم في أن يتخلَّف عن الجهاد مع المؤمنين لعدم استطاعته، ﴿ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ لأن هؤلاء جميعاً أصحاب أعذار، ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - في الجهاد وغيره - ﴿ يُدْخِلْهُ سبحانه ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ أي يُعرض عن طاعة الله تعالى، فيتخلَّف عن الجهاد مِن غير عُذر: ﴿ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا في نار جهنم.

الآية 18، والآية 19: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ أي حين بايعوك أيها النبي ﴿ تَحْتَ الشَّجَرَةِ على قتال المُشرِكين في مكة، (وهذه البَيعة تسمى بيعة الرضوان في عام "الحُدَيْبِيَة") ﴿ فَعَلِمَ سبحانه ﴿ مَا فِي قُلُوبِهِمْ من الإيمان والصدق والوفاء ﴿ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ يعني أنزل الطمأنينة عليهم وثبَّت قلوبهم حتى لا يخافوا من المُشرِكين، ﴿ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وهو فتح خيبر﴿ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا من أموال يهود خيبر ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا أي غالباً، لا يمنعه شيئٌ من فعل ما يريد، ﴿ حَكِيمًا في تدبيره وصُنعه.

الآية 20، والآية 21: ﴿ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا في أوقاتها التي قدَّرها لكم، ﴿ فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ: أي عجَّل لكم غنائم خيبر، ﴿ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ أي مَنَعَ اليهود أن يصيبوكم بالسوء الذي كانوا يُخفونه لكم (وهو قَتْل نسائكم وأولادكم وأخْذ أموالكم أثناء غيابكم عن "المدينة")، فصَرَفَ الله قلوبهم عن ذلك لتشكروه ﴿ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ يعني: ولتكون هذه الصَرفة (التي صَرَفهم بها عنكم)، ثم هزيمتهم على أيديكم في خيبر،وغنيمتكم بديارهم وأموالهم: علامة تستدلون بها على أن الله حافظكم وناصركم - في حضوركم وغيابكم - إن أطعتموه واتقيتموه، ﴿ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا: أي يوفقكم إلى الثبات على الطريق المستقيم (وهو الإسلام)، ومِن ذلك: طاعة الله تعالى والتوكل عليه وحده في جميع أموركم، ﴿ وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا يعني: وقد وعدكم الله بغنيمة أخرى لم تقدروا عليها (وهي غنائم فارس والروم) ﴿ قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا يعني ولكنه سبحانه قادرٌ عليها، فهي في ملكه وتحت تصرفه، وقد وعدكم بها ولا بد مِن وقوع ما وَعَدَ به، وقد حدث ذلك والحمد لله ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا.


الآية 22، والآية 23: ﴿ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من قريش - في الحُدَيْبِيَة - ﴿ لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ: أي لأعطوكم ظهورهم فِراراً منكم ﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا يُعينهم على قتالكم، ﴿ وَلَا نَصِيرًا يَنصرهم عليكم،وقد كانت هذه ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ أي هذه هي طريقته سبحانه التي قد مضت في الأمم السابقة (وهي نَصْر أوليائه وهزيمة أعدائه)، ﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا يعني لن يستطيع أحد أن يُغيّر طريقة الله في خَلْقِهِ وكَوْنه.

الآية 24: ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ أي صَرَفَ المُشرِكين عن إيذائكم ﴿ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ يعني: وصَرَفكم سبحانه عن قتلهم ﴿ بِبَطْنِ مَكَّةَ وهي الحُدَيْبِيَة﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يعني من بعد أنْ قَدَرْتم عليهم، فصاروا تحت سلطانكم (والمقصود بهؤلاء المُشرِكين: هم ثمانون رجلاً خرجوا من مكة ليقتلوا الرسول وصحابته بالحُدَيْبِيَة، فأوقعهم الله في أيدي الصحابة، فعفا عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقتلهم، فكان ذلك سبب صلح الحُدَيْبِيَة) ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا.


الآية 25، والآية 26: ﴿ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: كفار قريش هم الذين جحدوا توحيد الله تعالى ﴿ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أي منعوكم يوم الحُدَيْبِيَة عن دخول المسجد الحرام لأداء العمرة وأنتم مُحرِمون، ﴿ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ يعني: ومنعوا الهدي أن يبلغ مكانَ ذَبْحه وهو الحرم، فظل محبوساً في مكانه بالحُدَيْبِيَة، ﴿ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ مُستضعَفون ﴿ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ يعيشون بين هؤلاء الكافرين بمكة، ويكتمون إيمانهم خوفاً على أنفسهم ﴿ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أيها المؤمنون؛ فلَعَلّكم إنْ دخلتم مكة للحرب والقتال ﴿ أَنْ تَطَئُوهُمْ أي " تَدهَسُوهم" بجيشكم فتقتلوهم، ﴿ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ: أي فحينئذٍ يصيبكم عيبٌ وعار بسبب قتلكم لهم خطأً بغير علم، وما يَلزم لذلك من الكفارة ودفع الدِيَة لأهل المقتول.

♦ وقد رَضِيَ الله لكم بالصُلح مع المُشرِكين، ولم يأذن لكم بقتالهم ﴿ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ أي ليُنعِم على كثيرٍ منهم بالإيمان بعد الكفر - وذلك أثناء هُدنة الحُدَيْبِيَة، وبعد فتح مكة - ﴿ لَوْ تَزَيَّلُوايعني: لو تميَّز هؤلاء المؤمنون والمؤمنات عن مُشرِكي "مكة"، وخرجوا مِن بينهم: ﴿ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا بأيديكم (قتلاً وأسراً)، وذلك ﴿ إِذْ أي حينَ ﴿ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ (وهي الكِبر والتعاظم المانعَين لهم عن قبول الحق)، ومِن ذلك امتناعهم أن يدخل الرسول وأصحابه مكة، حين قالوا: (كيف يقتلون أبناءنا ويدخلون بلادنا؟، واللاتِ والعُزَّى ما دخلوها)، وحين رفضوا أن يكتبوا أثناء صُلح الحُدَيْبِيَة: "بسم الله الرحمن الرحيم"، ورفضوا أيضاً أن يكتبوا: "هذا ما قاضَى عليه محمد رسول الله"، فهَمَّ بعض الصحابة أن يرفضوا الصلح انتصاراً لدينهم، ولكنه سبحانه عَلِمَ أن المصلحة والخير في ذلك الصلح ﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ يعني أنزل الطمأنينة والحِلم ﴿ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فوافقوا على عدم كتابة ذلك، فتَمَّ الصلح ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى يعني: وجَعَلَهم مُلتزمين بما تقتضيه كلمة التقوى"لا إله إلا الله" من الثبات والسكون والحِلم والحكمة ﴿ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا يعني: وكان الرسول وأصحابه أحق بكلمة التوحيد من غيرهم، وكانوا أهلاً للتقوى، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (ومِن ذلك: عِلمه بأحقية أصحاب رسول الله بالإيمان والتقوى من غيرهم) ولَعَلَّ الله تعالى وَصَفَ كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" بأنها كلمة التقوى لأنها رأس كل تقوى، ولأنها الواقية مِن الشِرك والخلود في النار، واللهُ أعلم.

الآية 27، والآية 28: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ أي جَعَلَ الله الرؤيا التي أراها لرسوله عام الحُدَيْبِيَة حقاً، وكان مضمون هذه الرؤيا: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - لأن الرؤيا لم تحدد العام الذي سيدخلون فيه مكة - ﴿ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ (وهذا كناية عن أداءكم للعمرة والحج باطمئنان)﴿ لَا تَخَافُونَ من المُشِركين (وهذا هو ماحدث في فتح مكة فيما بعد)، ﴿ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أي: فعَلِمَ سبحانه أنّ الخير والمصلحة في صَرْفكم عن "مكة" في عامكم ذلك، ودخولكم إليها فيما بعد، وأنتم لم تعلموا ذلك، لأنكم لا تعلمون الغيب، ولم تعلموا بأمر المؤمنين المستضعفين بمكة ﴿ فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا أي جعل لكم قبل أن تدخلوا مكة - كما وَعَدَكم في الرؤيا -: فتحاً قريباً (وهو هُدنة الحُدَيْبِيَة وفتح خيبر).

﴿ هُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ أي بالقرآن العظيم ودين الإسلام الواضح ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي لِيُعلِيَهُعلى الأديان الباطلة كلها ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا: أي يَكفيك أيها الرسول أن الله شاهدٌ على أنه سينصرك ويُظهر دينك على كل دين باطل، (وقد حَقَّقَ سبحانه وعده، فالإسلامُ ظاهرٌ في الأرض كلها، سَمِعَ به أهل الشرق والغرب، واعتنقه الناس في أنحاء المعمورة).

الآية 29: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أي على دينه (وفي مقدمتهم الصحابة الكرام): ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴿ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ: أي يَرحم المؤمنون بعضهم بعضاً ﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًاأي كأنهم دائماً في ركوع وسجود (وهذا كناية عن إكثارهم من النوافل)، ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا أي يرجون ربهم أن يتفضل عليهم، فيُدخلهم الجنة ويَرضى عنهم، ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ يعني: علامة طاعتهم ظاهرة في وجوههم من أثر السجود والعبادة، ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ يعني هذه هي صفتهم الموجودة في التوراة، ﴿ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ يعني: وأما صفتهم الموجودة في الإنجيل، فهي ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ يعني أخرج ساقه وفروعه ﴿ فَآَزَرَهُ: أي فتكاثرت فروعه بعد ذلك ﴿ فَاسْتَغْلَظَ أي قَوِيَ الزرع واشتد ﴿ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ أي صارَ قائمًا على سيقانه، فأصبح مَنظره جميلاً ﴿ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ،فبذلك قَوَّى الله الصحابة وكَثَّرهم ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ - أي من الصحابة بصفة خاصة -: ﴿ مَغْفِرَةً لذنوبهم ﴿ وَأَجْرًا عَظِيمًا وهو الجنة، (وللصحابة الفضل والسَبْق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمّة، إذ كانوا أفهم الناس لدين الله تعالى، وضَحُّوا بأرواحهم وبكل ما يملكون مِن أجل نُصرة هذا الدين وإبلاغه إلى جميع الخلق، فاللهم إنا نحبهم بحُبِّكَ لهم، فاجمعنا معهم في جنتك ودار كرامتك).



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.

- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #186  
قديم 12-02-2022, 11:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




تفسير سورة الحجرات كاملة[1]




لآية 1: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: أي لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله، ولا تقولوا حتى يقول، ولا تأمروا حتى يأمر، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ أي خافوهُ سبحانه ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لِما تنطقون به، ﴿ عَلِيمٌ بنياتكم وأعمالكم.

الآية 2: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ عند مُخاطبتكم له، ﴿ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ: أي لا تنادونه بصوتٍ عال كما ينادي بعضكم بعضاً، ولا تقولوا له: يا محمد، ولكن شرِّفوه، وقولوا: (يارسول الله)، وقد أمَرَكم الله بذلك، كراهة ﴿ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ أي يُبطِل الله ثوابها ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ بحبوطها وبُطلانها.

الآية 3: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ أي يَخْفِضون أصواتهم ﴿ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وهُم في مجلسه ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى يعني أخلَصَ قلوبهم ليَضع فيها تقواه وخَشيته ومُراقبته، (إذ كلمة "امتحن" مأخوذة من "امتحان الذهب" أي تخليصه من الشوائب)،والمعنى أن الله تعالى جعل قلوبهم خالصة من أىّ شيءٍ سِوَى هذه الخشية والطاعة، أولئك ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم ﴿ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وهو الجنة.

الآية 4، والآية 5: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ أيها النبي ﴿ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أي مِن وراء حُجراتك بصوتٍ مرتفع: ﴿ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ أي ليس لهم من العقل ما يُجبرهم على حُسن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلَّم وتوقيره، ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ﴿ لَكَانَ ذلك ﴿ خَيْرًا لَهُمْ عند الله تعالى، لأنّ الله قد أمَرَهم بتوقيرك، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ لِمَا صَدَرَ عنهم، (رَحِيمٌ) بهم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة.

الآية 6: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ وهو المُرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ﴿ بِنَبَأٍ يعني إذا جاءكم بخبرٍ ما: ﴿ فَتَبَيَّنُوا أي تثبَّتوا مِن خَبَره - قبل تصديقه ونقله والحُكم به - حتى تعرفوا صحته؛ ﴿ أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ: أي حتى لا تؤذوا قومًا بريئونَ، وأنتم جاهلونَ ببرائتهم ﴿ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ. وقوله تعالى: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾، يُفهَم منه أيضاً أنه (إن جاءكم شخصٌ مشهودٌ له بالصدق فاقبلوا منه)، وفي هذا دليل على جواز الأخذ بالأحاديث التي يرويها الآحاد (أي يَرويها شخص واحد ثقة، مشهودٌ له بالصدق والعدل والأمانة).

الآية 7، والآية 8: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ (فتأدّبوا معه؛ وأطيعوا أمْره دونَ مُجادلة)، فإنه أعلم منكم بما يَصلح لكم، وهو يريد بكم الخير، و﴿ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ مِمّا تختارونه لأنفسكم: ﴿ لَعَنِتُّمْ: يعني لأَدَّى ذلك إلى مَشقتكم (إذ ربما تريدون لأنفسكم شيئاً - فيه من الشر والضرر ما لا تعلمونه - فلا يوافقكم الرسول عليه)، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴿ وَزَيَّنَهُ أي حَسَّنَ الإيمانَ ﴿ فِي قُلُوبِكُمْ فآمنتم وأطعتم،﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ (وهو الخروجَ عن طاعة الله) ﴿ وَالْعِصْيَانَ (إذاً فلا مجال للاقتراحات التي تُسيئ إليكم وإلى نبيّكم وأنتم لا تعلمون)، ﴿ أُولَئِكَ المتصفون بهذه الصفات ﴿ هُمُ الرَّاشِدُونَ أي السالكونَ طريق الهدى والرشاد المُوَصِّل بهم إلى الجنة، فلا يَضِلّوا عنه طالما أنهم متمسكون بهذه الصفات.

♦ وقد كان هذا الخير الذي حصل لهم ﴿ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ عليهم ﴿ وَنِعْمَةً﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمن يَشكر نعمه، ﴿ حَكِيمٌ في إنعامه على مَن يَستحق هذه النعم.


الآية 9: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا أيها المؤمنون ﴿ بَيْنَهُمَا (وذلك بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسُنّة رسوله، والرضا بحُكمهما)، ﴿ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى: يعني فإن اعتدت إحدى الطائفتين وامتنعت عن الإجابة إلى ذلك، ﴿ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي: أي قاتلوا جميعاً هذه الفئة الظالمة ﴿ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ: أي حتى ترجع إلى حُكم الله ورسوله، ﴿ فَإِنْ فَاءَتْ أي رجعتْ ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ بإعطاء كل طائفةٍ حقها، ﴿ وَأَقْسِطُوا أي اعدلوا في جميع أحكامكم (فلا تتجاوزوا حُكم الله ورسوله)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي يحب العادلينَ في أحكامهم، القاضينَ بين خلقه بالإنصاف.

الآية 10: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ في الدين، ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ إذا اقتتلا أو تخاصَما ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ في جميع أموركم ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي حتى تُرحموا في الدنيا والآخرة، (لأنّ كلمة: (لَعَلَّ) إذاجاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد التأكيد ووجوب الوقوع).

الآية 11: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴿ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ: يعني عسى أن يكون المُستهزَأ به خيرًا من المُستهزِئ، ﴿ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ يعني: ولا يَسخر نساءٌ مؤمنات مِن نساءٍ مؤمنات; ﴿ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أي لا تُظهِروا عيوب بعضكم، ولكنْ تناصَحوا فيما بينكم بالقول اللَّيّن، وبألاَّ تكون النصيحة على الملأ، (ولَعَلّ الله تعالى قال: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ)، ولم يقل: (وَلَا تَلْمِزُوا بعضكم) لأن المؤمنين يُعتبَرون كفردٍ واحد)، ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ أي لا ينادي بعضكم بعضًا بما يكره من الألقاب، ﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ أي: قَبُحَ هذا الاسم وهذه الصفة: (الفسوق - وهو السخرية واللمز والتنابز بالألقاب - بعدما دخلتم في الإسلام وعقلتم شرائعه وأحكامه) ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ من هذه الأفعال المنكَرة وغيرها ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي، فعَرَّضوها لغضب الله وعقابه.

الآية 12: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ أي اجتنِبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين؛ فــ ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (لأنّ هناك أشياء لا تعلمونها، إذاً فالتمسوا العُذر لإخوانكم)، ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا أي لا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين، ولا تحاولوا الاستماع إلى أسرارهم، ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا: أي لا يَقُل أحدكم ما يكرهه أخوه في غيبته (حتى ولو كانت تلك الصفة التي تذكرونها موجودة فيه)، ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا أي يأكل لحمه وهو ميت؟! ﴿ فَكَرِهْتُمُوهُ: يعني فأنتم تكرهون ذلك (إذاً فاكرهوا غيبة أخيكم، ورُدُّوا المغتاب عن غيبته - قدر استطاعتكم - بالموعظة الحسنة) ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما أمَرَكم به ونهاكم عنه ﴿ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ أي يقبل التوبة من عباده، ﴿ رَحِيمٌ بهم، فلا يُعذبهم بذنبٍ تابوا منه.

الآية 13: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى: أي خلقناكم من أب واحد (وهو آدم)، ومن أُم واحدة (وهي حواء)، فلا تَفاضُل بينكم في النسب، ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ بالتناسل ﴿ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ متعددة ﴿ لِتَعَارَفُوا: أي ليَعرف بعضكم بعضًا، فتتعاونوا على ما ينفعكم في الدنيا والآخرة (لا لتتفاخروا بأنسابكم)، فـ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ أي أفضلكم ﴿ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ يعني أشدكم خوفاً منه وعملاً بطاعته، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بالمتقين، ﴿ خَبِيرٌ بأفعالهم وما في قلوبهم.

الآية 14: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا يعني آمنا بالله ورسوله، ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ لَمْ تُؤْمِنُوا يعني إنكم ما آمنتم بعد ﴿ وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا أي استسلمنا وانقدنا لأوامر ربنا﴿ وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ يعني: ولم يَدخل الإيمان بعدُ في قلوبكم، ولكنه سيَدخل إن شاء الله إذا داوَمتم على طاعة الله ورسوله واجتناب المُحَرَّمات ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا أي لا يُنقصكم سبحانه من ثواب أعمالكم شيئًا ولن يَظلمكم ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن تاب مِن ذنوبه، ﴿ رَحِيمٌ به، حيث جعل التوبة نجاةً له من عذابه (إذاً فتوبوا إليه أيها الأعراب واصدقوا في إيمانكم، يَغفر لكم ربكم ويَرحمكم).

الآية 15: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ حقاً هم ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وعَمِلوا بشرعه ﴿ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا: يعني لم يَشُكُّوا في إيمانهم ﴿ وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: أي بَذَلوا أرواحهم ونفائس أموالهم في الجهاد في سبيل الله وطاعته ورضوانه، ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ في إيمانهم.

الآية 16: ﴿ قُلْ - أيها النبي - لهؤلاء الأعراب: ﴿ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ: يعني أتُخَبِّرونَ اللهَ بدينكم وبما في ضمائركم ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ؟! ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لا يَخفى عليه ما في قلوبكم.

الآية 17: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا: أي يَمُنُّ هؤلاء الأعراب عليك - أيها النبي - بإسلامهم ونُصرتهم لك، ﴿ قُلْ لهم: ﴿ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ: أي لا تَمُنُّوا عليَّ دخولكم في الإسلام; فإنَّ نفع ذلك إنما يعود عليكم، ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ: يعني بل الله هو الذي له المِنّة والفضل عليكم في أنْ وفقكم للإيمان به وبرسوله ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَفي إيمانكم.

الآية 18: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي يعلم ما خَفِيَ عنكم فيالسماوات والأرض، (ومِن ذلك: عِلمه بمَن صَدَقَ في إيمانه، ومَن يَدَّعي ذلك بلسانه)، ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وسيجازيكم على أعمالكم.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #187  
قديم 12-02-2022, 11:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود





تفسير سورة ق كاملة [1]



الآية 1، والآية 2، والآية 3:﴿ ق: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، ﴿ وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (يُقسِم الله تعالى بالقرآن ذي الشرف والخير الكثير) (هذا هو القسم، وأما الشيء الذي يَقسم الله عليه فهو محذوف بَلاغةً (لأنه يُفهَم من الآية التي بعده)، وتقديره: (لقد أرسلتُ محمداً ليُبَلّغ رسالتي إلى خلقي، ويُنذرهم عذابي إن خالَفوا أمري)، ﴿ بَلْ عَجِبُوا: يعني ولكنّ المُكَذِّبين مِن قريش تعَجَّبوا ﴿ أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ أي بَشَرٌ مِثلهم - يعرفون صدقه وأمانته - ليُنذرهم عقاب ربهم ﴿ فَقَالَ الْكَافِرُونَ: ﴿ هَذَا أي الذي يدعونا إليه ﴿ شَيْءٌ عَجِيبٌ، ﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا نَرجع بعد ذلك إلى خِلقتنا التي نحن عليها الآن؟ ﴿ ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ: يعني ذلك الإرجاع بعيد الوقوع.

الآية 4:﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ: يعني لقد عَلِمنا ما تُفنِيه الأرض من أجسادهم بعد موتهم ﴿ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ أي كتابٌ محفوظٌ من التغيير والتبديل، ومحفوظٌ فيه كل ما يجري عليهم في حياتهم وبعد مماتهم (وهو اللوح المحفوظ).

الآية 5:﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ: أي كذَّبَ هؤلاء المُشرِكون بالقرآن حين جاءهم، ﴿ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ: يعني فهم في أمْرٍ مضطرب بسببه، إذ اضطربتْ أقوالهم فيه إلى أقوالٍ عديدة، ولم يستقروا على شيءٍ منها، والسبب في ذلك أن فصاحة القرآن وبلاغته قد أذهلتهم، إذ تحداهم أن يأتوا بسورة مِن مثله فعجزوا عن ذلك (رغم أنهم أفصح الناس وأبلَغهم)، فاضطروا إلى اللجوء لهذه الأقوال الباطلة حتى يصدوا الناس عن الإيمان به.

الآية 6، والآية 7، والآية 8:﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا بلا أعمدة، وجعلناها مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، ﴿ وَزَيَّنَّاهَا بالنجوم، ﴿ وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ أي ليس فيها شقوق ولا فتوق، بل هي سليمة من الخلل والعيوب؟ ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا أي جعلناها مُمتدة مُتسعة، وبَسَطناها لتستطيعوا العَيش فوقها ﴿ وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ: أي وَضَعْنا في الأرض جبالاً راسيةً لتُثَبِّتها ﴿ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ: أي أنبتنا فيها من كلنوع من أنواع النبات الحَسَن النافع الذي يَسُرُّ الناظرينَ إليه، وقد جعل الله هذه الآيات العظيمة ﴿ تَبْصِرَةً: أي براهين ظاهرة يَستدِل بها أصحابالبصائر على وحدانية اللهِ تعالى وقدرته على البعث (لأنّ ذلك أهون عليه مِن خلْق السماوات والأرض وما فيهما)، ﴿ وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي موعظة يتذكر بها كل عبد راجع إلى ربه بالتوبة، مُقِرٌّ لهبتوحيده، مُخلِصٌ له في عبادته (فهذا هو الذي يَنتفع بآيات ربه).

الآية 9، والآية 10، والآية 11:﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا أي كثير المنافع ﴿ فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ أي بساتين كثيرة الأشجار ﴿ وَحَبَّ الْحَصِيدِ يعني: وحب الزرع المحصود (كالقمح وغيره)، ﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ أي طِوالاً عاليات، ﴿ لَهَا طَلْعٌ أي ثمر ﴿ نَضِيدٌ أي متراكب بعضه فوق بعض، وقد أنبتنا ذلك الزرع والثمر والحَبّ ﴿ رِزْقًا لِلْعِبَادِ ليأكلوا منه بحسب حاجاتهم، ﴿ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا: يعني أحيينا بهذا الماء بلدة يابسة لا حياةَ فيها، ﴿ كَذَلِكَ الْخُرُوجُ يعني: وكما أحيا سبحانه هذه الأرض الميتة بالنبات، فكذلك تُخرَجون يوم القيامة من قبوركم أحياءللحساب والجزاء.

الآية 12، والآية 13، والآية 14:﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أي قبل هؤلاء المُشرِكين من قريش: ﴿ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ (وهُم أصحاب البئر، الذين قتلوا نَبِيَّهم وألقوه في البئر فأهلكناهم)، ﴿ وَثَمُودُ (وهم قوم صالح) ﴿ وَعَادٌ (وهم قوم هود) ﴿ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍأي إخوانه في الوطن الذي كان يعيش فيه،﴿ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ (وهم قوم شعيب) (والأيْكة هي المدينةِ ذات الأشجار الملتفة الأغصان) ﴿ وَقَوْمُ تُبَّعٍ اليمني، ﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ يعني: كل هؤلاء الأقوام قد كذَّبوا رُسُلهم ﴿ فَحَقَّ وَعِيدِ أي: فوَجَبَ عليهم وعيدي لهم بالعذاب على كُفرهم.

الآية 15:﴿ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ: يعني أفَعَجَزْنا عن ابتداء الخلق الأول الذي خلقناه ولم يكن شيئًا؟!، كلا لم نَعجَز، ﴿ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ يعني: ولكنّ المُكَذِّبين في حَيْرة وشك ﴿ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ وهو البعث بعد الموت، (وكيف ذلك، والذي خَلَقهم أول مرة قادرٌ أن يعيدهم كما بدأهم؟!، بل إن إعادة الخَلق أهْوَنُ عليه سبحانه، لأنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة).

الآية 16، والآية 17، والآية 18:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴿ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ: أي نعلم ما تُحَدِّثه به نفسه من الخواطر والإرادات، ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ: أي نحن - بقدرتنا عليه وعِلمنا بما يُسِرُّهُ وما يُعلِنه - أقرب إليه ﴿ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (وهو عِرْق في العُنُق متصل بالقلب) ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِأى: نحن أقرب إليه بعِلمنا، وذلك حينَ يَكتب المَلَكان المُكَلَّفان بكتابة أعماله ﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ أي: وهُما مُلازِمانِ له عن يمينه وعن شماله (فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات)، ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ يعني: ما يتكلم بكلمة ﴿ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (والمقصود أنّ هذين المَلَكين، كِلاهما (رقيب) أي مُراقبٌ لأعمال الإنسان، وكِلاهما (عتيد) أي مُعَدّ لكتابة أعماله).

الآية 19، والآية 20:﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ: أي جاءت شدة الموت وآلامه ﴿ بِالْحَقِّ الذي لا مَرَدَّ له ولا مَفَرَّ منه، ﴿ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ يعني ذلك ما كنت منه تهرب أيها الإنسان وتفزع، ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ وهو القرن المعروف بـ "البوق" نفخة البعث الثانية، ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ الذي توعَّد الله به الكفار والعُصاة (وهو يوم القيامة).

الآية 21، والآية 22:﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ يوم القيامة ﴿ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ: أي معها مَلَكان، أحدهما يسوقها إلى المَحشر، والآخر يَشهد عليها بما عملتْ في الدنيا من خير وشر،﴿ لَقَدْ كُنْتَ أيها الإنسان ﴿ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا أي من هذا الذي رأيتَه اليوم ﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ الذي غطَّى قلبك، فزالت الغفلة عنك، ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي قويٌ حادّ، ترى به ما كنت تنكره من البعث والجزاء.

من الآية 23 إلى الآية 26:﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ - وهو المَلَك الكاتب لأعماله، الشهيد عليها -: ﴿ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ: يعني هذا هو ما عندي من كتاب أعماله، وهو مُعَدٌّ محفوظ حاضر، ثم يقول الله للمَلَكين المُكَلَّفَيْن به - السائق والشهيد - إذا حَكَمَ الله عليه بالنار:﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ أي كثيرَ الكفر والتكذيب، جاحد بأن الله هو الإلهُ الحقُّ، ﴿ عَنِيدٍ أي مُعانِد للحق، ﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ: أي كثير الامتناع عن أداء ما عليه من الحقوق في ماله، ﴿ مُعْتَدٍ على حدود الله وعلى عباده، ﴿ مُرِيبٍ: أي شاكٍّ في وعد الله ووعيده، ﴿ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ أي عَبَدَ معه معبودًا آخر مِن خَلقه، ﴿ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ في جهنم.

الآية 27: ﴿ قَالَ قَرِينُهُ (والمقصود به هنا: شيطانه الذي كان معه في الدنيا): ﴿ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ أي ما أجْبرته على الطغيان والضلال، ﴿ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ عن طريق الحق والرشاد، متوغلاً في الشِرك والعصيان.

الآية 28، والآية 29: ﴿ قَالَ اللهُ تعالى: ﴿ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ﴾: أي لا تتجادلوا عندي في موقف الحساب; إذ لا فائدة من ذلك، ﴿ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ في الدنيا ﴿ بِالْوَعِيدِ مِن عذابي، لمن كَفَرَ بي وعصاني، ﴿ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ أي لا مُبَدِّلَ لوعدى، ولا مُعَقِّبَ لحُكمي، بل هو كائنٌ لا مَحالة، ﴿ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ(فلا أعذِّب أحدًا إلا بعد قيام الحُجَّة عليه، ولا أعذِّب أحدًا بذنب أحد).

الآية 30: ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ: ﴿ هَلِ امْتَلَأْتِ؟ ﴿ وَتَقُولُ: ﴿ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ يعني هل من زيادة من الجن والإنس؟ فعندئذٍ يضع الرب سبحانه قدمه فيها، فيَنزوي بعضها على بعض (أى يُضَمّ بضعها إلى بعض) وتقول: قط، قط (أي اكتفيت اكتفيت، فحينئذٍ تمتلئ) (والحديث في البخاري ومسلم)، طبعاً مِن غير أن نُشَبِّه قدم الرب تبارك وتعالى بقدم المخلوق، لأنه سبحانه ليس كمثله شيئ، ولكننا نُثبِت القدم كما أثبتها الله لنفسه، وكما أثبتها له نبيّه صلى الله عليه وسلم مِن غير أن نُشَبهها بشيء).

من الآية 31 إلى الآية 35:﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ أي قُرِّبت الجنة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ، فصارت ﴿ غَيْرَ بَعِيدٍ منهم، (فهم يشاهدونها زيادةً لهم في المَسَرَّة)، ويُقال لهم: ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ: يعني هذا هو النعيم المقيم الذي كنتم توعدون به في الدنيا ﴿ لِكُلِّ أَوَّابٍ أي تائب مِن ذنوبه، ﴿ حَفِيظٍ أي يَحفظ حدود الله فلا يَنتهكها، ويحافظ على الطاعات التي يتقرب بها إلى ربه، وهو﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ: أي خاف الرحمن في الدنيا (حينَ لم يكن يَراه أحدٌ غيره سبحانه)، ﴿ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ: أي لَقِيَ ربه يوم القيامة بقلبٍ تائب من الذنوب، ويُقال لهؤلاء المتقين:﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ أي ادخلوا الجنة سالمينَ من الهموم والشرور ومِن كل سوء، آمنينَ فيها من جميع المكاره والمخاوف ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا أي في الجنة ﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ:أي عندنا ما هو أعظم من النعيم الذي أعطيناه لهم (وهو التلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: (إذا دخل أهل الجنةِ الجنة، يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟، فيقولون: ألم تُبَيِّض وجوهنا؟ ألم تُدخِلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيُرفع الحجاب، فيَنظرون إلى وجه الله، فما أُعْطُوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم)، ثم تَلا صلى الله عليه وسلم: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ).

الآية 36، والآية 37:﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ: يعني ولقد أهلكنا كثيراً من الأمم المكذبة قبل مُشرِكي قريش، ﴿ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا أي كانوا أشد منهم قوة ﴿ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ أي بحثوا وفتَّشوا في البلاد، قائلين:﴿ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ؟ يعني هل مِن مَهرب يُنَجِّينا من عذاب الله؟ فلم يجدوا، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ أي في إهلاك الأمم الماضية - رغم قوتها وكثرة حصونها - ﴿ لَذِكْرَى أي عبرة ﴿ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ يَعقل به، ﴿ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ: يعني أصغى السمعَ لآيات الله ﴿ وَهُوَ شَهِيدٌ يعني: وهو حاضرٌ بقلبه، غير غافل ولا ساهٍ.

الآية 38: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا من أصناف المخلوقات ﴿ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴿ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ: يعني ما أصابنا تعب ولا إعياء بسبب ذلك الخلق، (ففي هذه القدرة العظيمة دليلٌ على قدرته سبحانه على إحياء الموتى، فإنّ ذلك أهون عليه).

من الآية 39 إلى الآية 42:﴿ فَاصْبِرْأيها الرسول ﴿ عَلَى مَا يَقُولُونَ من التكذيب والاستهزاء (فإن الله لهم بالمرصاد)، ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي استعن على هذا الصبر بالصلاة (المشتملة على التسبيح والحمد) ﴿ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أيفي صلاة الفجر، ﴿ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ أي في صلاة العصر، ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ: أي صَلِّ له من الليل، ﴿ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ يعني: وسبِّحْ ربك واحمده بعد الصلوات المفروضة،﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ وهو المَلَك "إسرافيل" الذي ينادي بنفخه في (البُوق) الذي يُشبه القرن ﴿ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ أي قريب من موقف الحشر والحساب، ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ أي يومئذٍ يَسمع الموتى صيحة البعث ﴿ بِالْحَقِّ الذي لا شك فيه،﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ أي ذلك هو يوم خروج أهل القبور من قبورهم.

الآية 43، والآية 44: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الخَلق من العدم، ثم ننفخ فيهم الروح، ﴿ وَنُمِيتُ أي نميتهم في الدنيا بعد انتهاء آجالهم، ﴿ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ: يعني إلينا مصيرهم جميعًا يوم القيامة للحساب والجزاء﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ أي تتشقق ﴿ الْأَرْضُ عَنْهُمْ أي عن الموتى المدفونين بها، فيَخرجون منها ﴿ سِرَاعًا: أي مُسرعين لإجابة الداعي (الذي دعاهم إلى الوقوف بين يدي الله للحساب)، ﴿ ذَلِكَ أي الجمع في موقف الحساب، هو ﴿ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ أي سَهلٌ علينا لا صعوبة فيه، فإننا نقول للشيء كن فيكون.

الآية 45: ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ أي بما يقوله هؤلاء المُشرِكون مِن الافتراء على الله تعالى والتكذيب بآياته، ﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ أيها الرسول ﴿ بِجَبَّارٍ أي لستَ مُسَلَّطاً عليهم لتجبرهم على الإسلام، وإنما بُعِثْتَ مُبلِّغًا لهم، ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ أي ذكِّر - بمواعظ القرآن وأدلته - مَن يَخافُ وعيدي (لأنّ مَن لا يخاف الوعيد: لا يَتذَّكر ولا يتعظ).




[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف أ.د. التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #188  
قديم 12-02-2022, 11:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




تفسير سورة الذاريات



• من الآية 1 إلى الآية 6:﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (يُقسِم اللهُ تعالى بالرياح المُثِيرات للتراب إثارةً شديدة، والتي أيضاً تثير السحاب لإنزال المطر)،﴿ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا(أي يُقسِم سبحانه بالسُحُب الحاملاتِ ثِقَلاً عظيمًا منالماء بقدرة الله تعالى)، (واعلم أن الوقر هو الثِقَل، كما كان يقول المُشرِكون: (وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ) أي ثِقَلٌ في السمع)،﴿ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (أي يُقسِم سبحانه بالسُفن التي تجري في البَحر بيُسرٍ وسهولة، بعد تسخير الله للبحر أن يَحملها)، ﴿ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (أي يُقسِم سبحانه بالملائكة التيتُقَسِّم أمْر الله في خَلقه، كالأرزاق والأمطار وغير ذلك بأمر ربها)، (واعلم أنّ الله تعالى يُقسِم بمايشاء مِن خلقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله تعالى، لأنّ الحَلِف بغير اللهشِرك).

ثم أخبر سبحانه عن جواب القَسَم (وهو الشيء الذي يُقسِم اللهُ عليه)، فقال:﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ يعني أن الذي توعدون به أيها الناس - من البعث والحساب -هو وعدٌ حق لا شك فيه،﴿ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ يعني: وإنّ الجَزاء على الأعمال لآتٍ لا مَحالة، (واعلم أن الدين هنا بمعنى الجزاء، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ أي جزاءهم الحق).

الآية 7، والآية 8، والآية 9: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (يُقسِم سبحانه بالسماء ذات الطُرُق - أو ذات الخَلق الحَسَن): ﴿ إِنَّكُمْ أيها المُكَذِّبونَ ﴿ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ: أي في قولٍمضطرب بشأن هذا القرآن، وبشأن النبي عليه الصلاة والسلام (إذ اضطربتْ أقوالهم فيهما إلى أقوالٍ عديدة، ولم يَستقروا على شيءٍ منها، والسبب في ذلك أنهم عَجَزوا عن الإتيان بسورةٍ مِثل سور القرآن (رغم أنهم أفصح الناس وأبلَغهم)، فاضطروا إلى اللجوء لهذه الأقوال الباطلة، حتى لا يُفتَضَح عَجْزهم ونقصهم)، ﴿ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ يعني: يُصرَف عن الإيمان بالقرآنوالرسول صلى الله عليه وسلم مَن صَرَفه اللهُ عن الإيمان بهما؛ بسبب إعراضه عن أدلة اللهالواضحة وبراهينه اليقينية، فلم يُوَفِّقه اللهُ إلى الخير.

من الآية 10 إلى الآية 14: ﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ:أي لُعِن الكَذابون (وهم المُفترونَ على الله الكَذِب، الذين يَنشرون الأكاذيب والأقوال الباطلة ليصدوا بها الناس عن دين الله) ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ أي في جهلٍ وضلالٍ غامر، ﴿ سَاهُونَ أي غافلونَ عن أمْر الآخرة ﴿ يَسْأَلُونَ - سؤال استبعاد وتكذيب -: ﴿ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ؟ يعني متى يوم الجزاء؟، فرَدَّ الله عليهم بقوله: ﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ أي يُعرَضونَ عليها ويُعذَّبون فيها، ويُقال لهم:﴿ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ أي ذوقوا عذابكم، ﴿ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَفي الدنيا.

من الآية 15 إلى الآية 19: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ - الذين خافوا عذابَ ربهم في الدنيا - هُم اليوم ﴿ فِي جَنَّاتٍ أي في بساتين عجيبة المَنظر ﴿ وَعُيُونٍ أي أنهار جارية، تجري خِلال تلك البساتين والقصور ﴿ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ مِن أصناف النعيم الذي تشتهيه أنفسهم (وهُم راضونَ فَرِحون)، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ أي كانوا في الدنيا﴿ مُحْسِنِينَ أي كانوا يُراقبون ربهم في كل شؤونهم، وكانوا يُحسِنون عبادتهم له (بتخليصها من الشِرك والرياء، وبأدائها كما شَرَعَها لهم)، و﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ: أي كانوا ينامون قليلاً من الليل، لأنهم كانوا يَقومونَ ليَقفوا بين يَدَي ربهم في الصلاة، كما قال تعالى في سورة السجدة: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ أي تتباعد جنوبهم عن فراش النوم، ليقوموا لله تعالى فيصلاة الليل، فـ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا ﴾ من عذابه ﴿ وَطَمَعًا ﴾ في جنته،﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني: وفي وقت السحور (وهو السُدس الأخير من الليل) يَستغفرون ربهم من ذنوبهم،﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ - واجب ومُستحَبّ - ﴿ لِلسَّائِلِ الذي يسأل الناس لشدة حاجته وفقره ﴿ وَالْمَحْرُومِ وهو المُحتاج الذي يَستحي أن يسأل الناس.

من الآية 20 إلى الآية 23: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ أي دلائل واضحة على قدرة خالقها تبارك وتعالى، وقد جَعَل الله هذه الآيات ﴿ لِلْمُوقِنِينَ الذين يُوقِنون بأنّ الخالق الرازق هو المُستَحِقّ وحده للعبادة، وأنه القادر على بَعْث الناس بعد موتهم، لأنه هو الذي ابتدأ خَلْقهم، ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ يعني: وفي خَلْق أنفسكم أيها الناس دلائل على قدرة ربكم، وأنه وحده المُستحِق لعبادتكم ﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ؟ يعني ألاَ تُبصِرونَ هذه الدلائل في أنفسكم فتعتبروا بها؟!،﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴿ وَمَا تُوعَدُونَ - مِن الخير والشر والثواب والعقاب - كل ذلك مكتوبٌ مُقدَّر عند الله في السماء،﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ يعني إنَّ ما وعدتُكُم به حَقٌّ ﴿ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (أي لا تَشُكُّوا فيه كما أنكم لا تَشُكُّون في نُطقكم).

من الآية 24 إلى الآية 37: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ يعني: هل جاءك أيها الرسول خبر ضيوف إبراهيم الذين أكرمهم (وقد كانوا من الملائكة الكِرام)، وقد جاؤوا له على هيئة بَشَر، ﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ في بيته، ﴿ فَقَالُوا له:﴿ سَلَامًا فـ﴿ قَالَ إبراهيمُ رَدًّا على تحيّتهم: ﴿ سَلَامٌ، ثم قال لهم:﴿ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ يعني أنتم قومٌ غُرَباء لا نَعرفكم،﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ أي ذَهَبَ سريعًا إلى أهله - حتى يُكرم ضَيفه - ﴿ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (وذلك بعد أن ذبَحَه وشَواه)، لأن الله قال في سورة هود: ﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ (أي مَشوي)، ثم وضعه أمامهم﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ، وتلَّطَّفَ في دَعْوتهم إلى الطعام، فـ ﴿ قَالَ لهم: ﴿ أَلَا تَأْكُلُونَ؟، ولكنه رأى أيديهم لا تمتد إلى الطعام ﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً يعني أحَسَّ في نفسه بخوفٍ منهم (لأنه ظن أنهم أرادوا به شراً عندما لم يأكلوا)، فـ ﴿ قَالُوا له:﴿ لَا تَخَفْ إننا ملائكة ربك،﴿ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ أي بَشَّروه بأن زوجته "سَارَةَ" سوف تَلِد له ولدًا، وسيَكون هذا الولد من أهل العلم بدين الله تعالى (وهو إسحاق عليه السلام)،﴿ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ: يعني أقبلت "سَارَة" نَحْوهم في صَيحة تعجُّب (عندما سمعتْ هذه البشرى من الملائكة)، ﴿ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا أي ضربت وجهها بيدها تعجُّبًا من هذا الأمر، ﴿ وَقَالَتْ: ﴿ عَجُوزٌ عَقِيمٌ! يعني كيف ألد وأنا عجوز عقيم لا ألد؟﴿ قَالُوا أي قالت لها الملائكة: ﴿ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ: يعني هكذا قال رَبُّكِ كما أخبرناكِ، فهو سبحانه القادرُ على ذلك، ولا عَجَب من قدرته ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ في تصرفاته، ﴿ الْعَلِيمُ الذي لا يَخفى عليه أنكِ عقيم.

ثم ﴿ قَالَ لهم إبراهيم:﴿ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ يعني: فماالأمر الخطير الذي جئتم مِن أجْله أيها المُرسَلونَ مِن عند الله؟﴿ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يعني إنّ اللهَ قد أرْسَلَنا لإهلاك قوم لوطٍ المجرمين﴿ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ أي لنُهلكهم بحجارةٍ مِن طين مُتحجِّر شديد الحرارة﴿ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ أي مُعَلَّمَةً عند اللهِ تعالى بعلامةٍ معروفة لا تُشبه حجارة الأرض، وقد أُعِدّت ﴿ لِلْمُسْرِفِينَ أي المُتجاوزينَ الحدَّ في الفجور والعِصيان، ثم قال تعالى:﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي نَجَّينا المؤمنين الذين كانوا في قرية لوط (وهُم لوط عليه السلام ومَن آمَنَ به)، فأخرجناهم من القرية قبل نزول العذاب﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (وهو بيت لوط عليه السلام، باستثناء امرأته الكافرة)، ﴿ وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً:يعني أبقينا مِن ديار قوم لوط آثارًا واضحة تدل على قدرتنا على إهلاك الفاسقين وانتقامنا منهم، وقد كانت هذه العبرة ﴿ لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ أي الذين يَخافون عذابَ الله الأليم، (فهؤلاء يَدفعهم خَوفهم إلى أن يُطيعوا ربهم ولا يَعصوه).

الآية 38، والآية 39، والآية 40: ﴿ وَفِي مُوسَى يعني: وفي قصة موسى آياتٌ وعِبَر، (واعلم أن قوله تعالى: (وَفِي مُوسَى) مَعطوفٌ على قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌفيكون المَعنى: وتركنا أيضاً في قصة موسى آيات) ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ أي بحُجَّة ظاهرة قوية وهي اليد والعصا ﴿ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ يعني أعْرَضَ فرعون عن الإيمان مُغترًّا بقوة جنوده (الذين يَركَنُ إليهم ويَعتمد عليهم)، ﴿ وَقَالَ عن موسى: ﴿ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ أي طرحناهم في البحر فغرقوا جميعاً، ﴿ وَهُوَ مُلِيمٌ يعني: وإنّ فرعون قد فَعَلَ ما يُلامُ عليه ويُعَذَّب به، بسبب كُفره وجحوده وفجوره.

الآية 41، والآية 42: ﴿ وَفِي عَادٍ يعني: وفي قصة إهلاك قوم عاد، آيةٌ على قدرتنا وانتقامنا من المُكَذِّبين ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ أي الريح التي لابَرَكَةَ فيها ولا تأتي بخير،﴿ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ: يعني لم تترك شيئًا مَرَّت عليه إلا جعلته كالشيءالمُفتَّت (باستثناء مَساكنهم)، لأن الله تعالى قال في سورة الأحقاف: (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)، وذلك حتى تكون عبرةً لمَن بعدهم.

الآية 43، والآية 44، والآية 45:﴿ وَفِي ثَمُودَ يعني: وفي قصة إهلاك قوم ثمود، آيةٌ على انتقامنا من الجاحدينَ بآيات ربهم ﴿ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ أي قال لهم نبيُّهم صالح: (تمتعوا بنعم ربكم، واشكروا نعمه - بتوحيده وطاعته - حتى تنتهي آجالكم) ﴿ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ أي عَصَوا أمْر ربهم (فلم يُسلِموا له ولم يَشكروا نعمه).

ويُحتمَل أن يكون المقصود مِن قوله تعالى: ﴿ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ﴾ أي حين قال لهم نبيُّهم صالح - بعد أن ذبَحوا الناقة -: (تمتعوا بحياتكم حتى يأتيكم عذاب الله بعد ثلاثة أيام)، لأن الله تعالى قال في سورة هود: (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)،﴿ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ﴾ أي استمَرّوا على عِصيانهم لأوامر ربهم، وازدادوا في الطُغيان.

﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ: يعني أخذتهم صاعقة العذاب (وهي الصيحة الشديدة) ﴿ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إلى عقوبتهمبأعينهم،﴿ فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ: يعني فما أمكَنهم الهرب ولا النهوض مما هم فيه من العذاب، ﴿ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ يعني: وما كانوامُمتنعين عن العذاب بقوّتهم.

الآية 46: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ يعني: وأهلكنا قومَ نوح مِن قبل هؤلاء المذكورين في الآيات السابقة ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ أي كانوا قومًا خارجينَعن طاعة الله وأمْره، (إنّ في إهلاك الأمم الماضية لآيةً تدل على إنجاء الله للمُوَحِّدين وانتقامه من المُشرِكين).

من الآية 47 إلى الآية 51: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا أي جَعَلناها سَقْفًا للأرض، مُحكَمة البناء، وقد خلقناها ﴿ بِأَيْدٍ أي خلقناها بأيدينا (وهذا تشريفٌ للسماء، أنّ اللهَ تعالى خلقها بيَدِه الكريمة ولم يَخلقها بكلمة "كُن")، وقد خَلَقها أيضاً بقوةٍ وقدرةٍ عظيمة، ظهرتْ في رفع السماء بغير أعمدة، ﴿ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ أي قادرونَ على توسعة السماء بتلك الصورة العجيبة،﴿ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا أي جَعَلناها فِراشًا للخَلق ليَستقروا عليها ﴿ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ أي نِعمَ الرَبّ الذي مَهَّدَ الأرضَ لعباده،﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ من أنواع الموجودات ﴿ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ أي خلقنا نوعين مختلفين (ذكراً وأنثى، خيراً وشراً، جنةً وناراً، وغير ذلك) ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ: أي لكي تتذكروا قدرة الله فتعتبروا بها، وتذكُروا أنّ خالق الأزواج كلها هو إلهٌ واحد، فلا تعبدوا معه غيره﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ أي قل أيها الرسول للناس: فِرُّوا من عقاب الله إلى رحمته (وذلك بالتوبة إليه والعمل بطاعته)، ﴿ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ أي مُخَوِّفٌ لكم من عذاب الله إن لم تؤمنوا وتطيعوا،مُبَيِّنٌ لكم الحق من الباطل، ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ أي لا تعبدوا معه معبودًا آخر مِن خَلقه﴿ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مِن عذابه، ﴿ مُبِينٌأي أُوَضِّح لكمما أُرْسِلتُ به إليكم، (واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبه - أي أهَمَّهُ - أمْر، فَزَعَ إلى الصلاة، وهذا فرارٌ إلى الله تعالى بالصلاة).

من الآية 52 إلى الآية 55: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ يعني: وكما كَذَّبت قريشٌ نبيَّها محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقالوا عنه: (ساحر أو مجنون)، فكذلك قالت الأمم السابقة في رُسُلها، فأنزل اللهُ بهم عذابه،﴿ أَتَوَاصَوْا بِهِ؟! يعني هل تواصَى المُكَذِّبون الأوّلون والآخرون بأن يقولوا جميعاً تلك المَقولة لرُسُلهم؟! ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ يعني لم يحدث ذلك، ولكنهم قومٌ تشابهت قلوبهم وأعمالهم في الكفر والطغيان، فقال مُتأخِّروهم مِثل قول سابِقِيهم (ليَصُدّوا الناسَ عن دين الله)،﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ: يعني فأعرِضْ أيها الرسول عن المُشرِكين، ولا تلتفت إلى تكذيبهم حتى يأتيك أمْر الله بقتالهم، ﴿ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ: يعني لن يَلومك أحد على هذا الإعراض، فقد بَلَّغتَهم ما أُرسلتَ به إليهم﴿ وَذَكِّرْ يعني ومع إعراضك أيها الرسول عنهم، فقد أمَرَك ربك أن تداوم على التذكير بوعده ووعيده (بين الحِين والآخر) ﴿ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يعني فإنّ الموعظة يَنتفع بها المؤمنون، وتقوم بها الحُجَّة على المُعانِدين.

من الآية 56 إلى الآية 60: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أي ليَعبدوني وحدي ويُطيعوا أمري،﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (لأنه سبحانه غنيٌ عما يحتاجه البشر)،﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ أي المُعطي، المُتكفل برزق خلقه (فهو سبحانه لا يَحتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، وهو رازقهم والغني عنهم)، وهو سبحانه ﴿ ذُو الْقُوَّةِ أي صاحب القوة العظيمة التي لا يستطيع أحد أن يتخيلها، وهو ﴿ الْمَتِينُ أي الشديد الذي لا يُقْهَر ولا يُغلَب ولا يُعجزه شيء. فإذا عرفتَ أيها الرسول ما تقدم مِن هَلاك المُكَذِّبينَ السابقين: ﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا - بتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم - ﴿ ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ أي قد جَعَلَ الله لهم نصيباً من العذاب مِثل نصيب أصحابهم الذين مَضَوا قبلهم ﴿ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ يعني فلا يَستعجلوني بالعذاب، فهو آتيهم لا مَحالة،﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يعني: فوَعيدٌ بالعذاب - وتحذيرٌ شديد للجاحدينَ - مِن يومهم الذي يوعَدون فيه بالعذاب، وهو يوم القيامة.





[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #189  
قديم 12-02-2022, 11:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




تفسير سورة الطور







من الآية 1 إلى الآية 10: ﴿ وَالطُّورِ (يُقسِم اللهُ تعالى بالطور، وهو الجبل الذي كلَّم اللهُ عليه موسى)، ﴿ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (أي يُقسِم سبحانه بكتابٍ مكتوب)، وهو القرآن الكريم، الذي كُتِبَ ﴿ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ أي في صُحُفٍ مبسوطة، ﴿ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (أي يُقسِم سبحانه بالبيت المعمور بعبادة الملائكة)، وهو بيتٌ في السماءالسابعة، تطوف به الملائكة، ﴿ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ(وهي السماء الدنيا)، التي رَفَعها اللهُ بقدرته من غير أعمدة، ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ أي المملوء بالمياه (ويُحتمَل أن يكون المقصود بالبحر المَسجور أي المُوقَد ناراً يوم القيامة، والله تعالى يُقسم بمايشاء مِن خلقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله تعالى.



♦ ثم أخبر سبحانه عن جواب القَسَم (وهو الشيء الذي يُقسِم اللهُ عليه)، فقال: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ أي سيَقَع بالكفار والمُصِرِّين على المعاصي لا مَحالة،و﴿ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ أي ليس له مِن مانعٍ يمنعه عند وقوعه يوم القيامة ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا يعني: يومئذٍ تتحرك السماء بشدة فيَختلُّ نظامها، وتضطرب أجرامها السماوية الضخمة ﴿ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا أي تزول الجبال عن أماكنها.



من الآية 11 إلى الآية 16: ﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أي: فهَلاكٌ وعذابٌ أليم يوم القيامة للمُكَذِّبين ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ أي يَخوضونَ في الباطل، ﴿ يَلْعَبُونَ أي يَتَّخذون دينهم استهزاءً ولعبًا، فوَيلٌ لهم ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا أي يوم يُدْفَعون دفعاً عنيفاً إلى نار جهنم، ويُقال لهم توبيخًا:﴿ هَذِهِ هي ﴿ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴿ أَفَسِحْرٌ هَذَا؟! يعني هل ما تشاهدونه الآن سِحر (كما كنتم تقولون عن القرآن)؟! ﴿ أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ؟! ﴿ اصْلَوْهَا أي ذوقوا حَرَّ هذه النار ﴿ فَاصْبِرُوا على ألَمها وشدتها ﴿ أَوْ لَا تَصْبِرُوا﴿ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ: أي يَتساوَى صَبْركم ويأسكم، فلن يُخَفَّف عنكم عذابها،ولن تخرجوا منها أبداً ﴿ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِن الشِرك والمعاصي.



من الآية 17 إلى الآية 24: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ الذين خافوا عذابَ ربهم - ففعلوا ما يُرضيه واجتنبوا ما يُغضبه - أولئك ﴿ فِي جَنَّاتٍ أي في حدائق كثيرة يَجري الماءُ مِن خِلال أشجارها، ﴿ وَنَعِيمٍ لا يُفسِد لَذَّته شيء،﴿ فَاكِهِينَ أي فَرِحينَ مَسرورين، إذ يَتلذذونَ ﴿ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ من أصناف النعيم المختلفة، ﴿ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ(بسبب صَبْرهم على التقوى وخَوفهم من عذاب ربهم)، ويُقال لهم: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الأعمال الصالحة، وهُم يَجلسون في الجنةِ ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ أي على سُرُر مَرصوصة بجانب بعضها ومتقابلة (والسُرُر جمع سرير)، ﴿ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ: بنساءٍ جميلات، وهذا وَصفٌ لنساء الجنة عموماً، سواء النساء المؤمنات أو الحور العين.



﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أي صَدَّقوا بالله ورُسُله وبكل ما أخبر به الرُسُل من الغيب (وهذا التصديق يكونُ إقراراًبالقلب وقولاً باللسان وعَمَلاً بالجَوَارح (والجَوَارح هي أعضاء الإنسان))، ﴿ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أي اتَّبَعهم أبناؤهم في هذا الإيمان: ﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ: أي جَعَلنا أبناءهم في نفس مَنزلتهم في الجنة - وإن لم يَبلغوا أعمال آبائهم - لتَكمُل سعادتهم باجتماعهم مع أبناءهم في الجنةِ، ﴿ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: لم نُنقِص الآباء شيئًا مِن حسناتهم بسبب رَفع أبناءهم إليهم، بل أعطيناهم جزاءهم كاملاً، ورفعنا إليهم أبناءهم فضلاً منا ورحمة، ﴿ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ: يعني كل إنسان مَرهونٌ بعمله يوم القيامة (إلا إنه سبحانه تفَضَّلَ على أولئك الآباء المؤمنين، فرَفَعَ أبناءهم إلى درجاتهم رحمةً منه وإحساناً)، ﴿ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ - مِن مُختلَف الأصناف اللذيذة - ﴿ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ من جميع أنواع اللحوم.



♦ وأهلُ الجنة ﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا: أي يُعطي بعضهم بعضاً كأسًا من الخمر، يُناوله أحدهم لصاحبه، ويَنزعه الآخر منه في بَهجةٍ ومِزاح (ليَتِمّ بذلك سرورهم)، ومِن صفات خمر الجنة أنها ﴿ لَا لَغْوٌ فِيهَا: أي لا يَحدُث لشاربها هَذَيان بالكلام كما في خمر الدنيا (إذ اللغو هو الكلام الذي لا فائدة منه)، والمقصود أنها لا تُذهِب عقل شاربها، ﴿ وَلَا تَأْثِيمٌ يعني: وليس في شُربها إثم كما في خمر الدنيا، ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ أي أطفالٌ صغار مُعَدُّون لخدمتهم ﴿ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ: يعني كأنّ هؤلاء الخَدَم - في الصفاء والجمال - لؤلؤ مُخبَّأ في أصدافه، لم تمَسّه الأيدي.



من الآية 25 إلى الآية 28: ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ يعني أقبَلَ أهلُ الجنة يَسأل بعضهم بعضًا عن أحوالهم في الدنيا (وهذا مِن تَمام الأُنس والسعادة)، فـ﴿ قَالُوا: ﴿ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ أي كنا- ونحن بين أهلينا - خائفينَ من عذاب ربنا ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بدخول الجنة ﴿ وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ أي نَجّانا من سَموم جهنم (وهوحَرّها الشديد الذي يَدخل مَسامّ الجلد فيَحرقه)، وذلك رحمةً منه سبحانه، بسبب خوفنا من عذابه، (فقد قالصلى الله عليه وسلم: (يقول اللهُ عز وجل: وَعِزَّتي لا أجمعُ على عبديخوفَيْن ولا أجمعُ له أمْنَيْن، إذا أمِنَني في الدنيا: أخَفتُهُ يومَالقيامة، وإذا خافني في الدنيا: أمَّنْتُهُ يومَ القيامة))(انظر السلسلة الصحيحة ج: 6/ 355)، ثم قالوا: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ أي كنا نتضرع إليه وحده، ونتذلل له بالدعاء أن يَحفظنا من العذاب ويوصلنا إلى النعيم، فاستجابَ دعائنا ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ أي كثير الإحسان، ﴿ الرَّحِيمُ بعباده المؤمنين، (ومِن بِرُّه ورحمته بنا أنْ رَزَقنا رضاه والجنة، وأعاذَنا مِن سخطهوالنار).



من الآية 29 إلى الآية 34: ﴿ فَذَكِّرْ - أيها الرسول - مَن أُرسِلتَ إليهم بالقرآن ﴿ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ يعني إنك - بسبب إنعام الله عليك بالنُبُوّة ورَجاحة العقل وكمال الخُلُق - لستَ بكاهنٍ يُخبر بالغيبِ جَهلاً دونَ وَحْي ﴿ وَلَا مَجْنُونٍ لا يدري ما يقول (كما يَزعمون)،﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ يعني بل يقول المُشرِكون عنك أيها الرسول: هو شاعرٌ ﴿ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ أي ننتظر به نزول الموت ومَصائب الدهر (لنستريح من دَعْوته، ولا ندخل معه في جدالٍ يَغلبنا فيه بحُجَّته)،﴿ قُلْ لهم: ﴿ تَرَبَّصُوا أي انتظروا مَوتِي ﴿ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ أي من المُنتظرينَ بكم العذاب، وسَتَرَون لمن تكون العاقبة،﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا يعني أم تأمرهم عقولهم بهذا القول المتناقض؟! (إذ صفات الكَهَانة والشِعر والجنون لا يمكن اجتماعها في وقتٍ واحد)، ﴿ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ: يعني بل هم قومٌ مُتجاوزونَ الحدَّ في الطغيان، فطُغيانهم هو الذي يأمرهم بما يقولون،﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ يعني بل يقولون: (لقد اختلق محمدٌ القرآنَ من عند نفسه) ﴿ بَلْ إنهم يَعرفون أنه ليس من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ أي لا يؤمنونَ بالقرآنِ جُحوداً واستكباراً (حتى لا يَنقادوا لأوامره)، فلذلك قالوا هذا الكلام، ﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ أي فليأتوا بكلامٍ مِثل القرآن ﴿ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ في زَعْمهم أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قد اختلقه.



من الآية 35 إلى الآية 43: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ: يعني أم خُلِق هؤلاء المُشرِكون مِن غير خالق؟! ﴿ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ لأنفسهم؟! (وكِلا الأمْرين باطلٌ ومستحيل)، وهذا يَلزَم أنّ اللهَ هو الذي خَلَقهم، وأنه وحده المُستحِق لعبادتهم، ﴿ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ على هذا الصُنع البديع المُتقَن؟! ﴿ بَل لَا يُوقِنُونَ يعني بل هم لا يُوقِنونَ بعذاب الله، فلذلك أشركوا بربهم، لعدم خوفهم من عذابه، ﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ يتصرفون فيها حتى يُعطوا النُبُوّة لمن شاؤوا؟! ﴿ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ؟! يعني أم هم القاهرونَ لمخلوقات الله تعالى، فيتصرفوا في المُلك كما يشاؤون؟! ليس الأمر كذلك، بل هم العاجزونَ الضعفاء، والله وحده هو المسيطر على الكون، الذي يَتصرف فيه كيف يشاء، ويُعطي مِن فضله ما يَشاءُ لمن يشاء، ﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ؟ يعني أم لهم مِصعَدٌ صَعَدوا به إلى السماء، فاستمَعوا فيه إلى الوحي، فعَلموا أنّ الذي هم عليه حق؟! ﴿ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ: يعني فليأتِ مَن يَزعم أنه استمعَ إلى ذلك بحُجَّة ظاهرة تدل على صِدق دَعواه، (وكيف لهم ذلك وقد حُجِبَتْ الشياطين والجن عن الاستماع، فكيف بغيرهم؟!).



﴿ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ؟! يعني أم جعلتم لِلهِ سبحانه البنات حين قلتم - افتراءً وكَذِبًا -: (الملائكة بنات الله)، وجعلتم لأنفسكم البنين الذين ترضونهم؟! (وهذا من باب التوبيخٌ والاستهزاء بحُكمهم الباطل، وإلاّ فإنه سبحانه مُنَزَّهٌ عن أن يكون له ولد (ذكراً كانَ أو أنثى)، لأنه رَبُّ كل شيء ومَالكُه والغني عنه، فما الحاجةُ إذاً إلى الولد؟!)، ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أيها الرسول ﴿ أَجْرًا على تبليغ الرسالة ﴿ فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أي فهُم بسببه في جهد ومَشقة من الالتزام بغرامةٍ تطلبها منهم، فلذلك كرهوا ما تدعوهم إليه؟! (كلا لم يحدث ذلك، إذ لو طلبتَه منهم، لكانَ ذلك مانعاً لهم عن اتِّباعك ولاَحتجوا به عليك)،﴿ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟! يعني أم عندهم عِلم الغيب فهم يكتبون منه - أي يَنقلونه من اللوح المحفوظ - ليجادلوك به؟! ليس الأمر كذلك; فإنه لا يعلم الغيب إلا الله، ﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا: يعني بل إنهم يريدون مَكرًا بالرسول والمؤمنين، ﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ أي فهُم الذين يَرجع عليهم كَيدهم ومَكرهم، ﴿ أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ؟! يعني أم لهم مَعبودٌ يَستحق العبادة غير الله؟! ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ أي تَنَزَّهَ اللهُ وتَعاظَمَ عن شِركهم، إذ هو الخالق الرازق المُستحِق وحده للعبادة.





من الآية 44 إلى الآية 49: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا - على سبيل الفرض - ﴿ كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا أي قطعة من السماء ساقطةً عليهم ليُعَذَّبوا بها، لم يرجعوا عَمّا هم عليه من التكذيب، بل ﴿ يَقُولُوا: ﴿ سَحَابٌ مَرْكُومٌ: يعني هذا سحابٌ مُتراكم بعضه فوق بعض، ﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ: أي فاتركهم أيها الرسول في عِنادهم حتى يُلاقوا يومهم الذي فيه يُهلَكون، وهو يوم القيامة﴿ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا أي يوم لا يَنفعهم كَيدهم لك، ولا يَدْفع عنهم شيئًا من عذاب الله ﴿ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ أي لا يُنقذهم أحد من هذا العذاب، ﴿ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ يعني: وإنّ لهؤلاء المُشرِكينَ عذابًا يَلقونه في الدنيا قبل عذاب يوم القيامة (من القتل والأسر وغير ذلك، كما حدث في بدر، وكما حدث في المَجاعة التي أصابتهم سبع سنوات)، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أي لا يَعلمون ما أعَدَّه الله لهم من العذاب،﴿ وَاصْبِرْ أيها الرسول ﴿ لِحُكْمِ رَبِّكَ أي اصبر لأمْره لك بإبلاغ رسالته والصبر على أذاهم، ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا أي تحت بَصَرِنا وتحت رعايتنا، نَراكَ ونَحفظك مِن كَيدهم، (وفي الآية إثباتٌ لصفة العينين لله تعالى على الوجه الذي يَليق به، دونَ تشبيهٍ بخلقه، إذ هو سبحانه ليس كمثله شيء)، واعلم أنّ لفظ "أَعْيُنِنَا" قد جاء هنا بصيغة الجمع للتعظيم، كما يقول الأمير أو الحاكم في خطابه: (أمَرنا نحن بكذا وكذا)، ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ أي حينَ تقوم إلى الصلاة، والمعنى: واستعِن على هذا الصبر بالصلاة (المشتملة - في ركعاتها - على التسبيح والحمد، وكذلك في الأذكار التي بعدها)، ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ أي: صَلِّ له من الليل، وسَبِّح بحمده (في أذكار المساء)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (مَن قال سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة: غُفِرَتْ ذنوبه ولو كانت مِثل زَبَد البحر) (وفي رواية عند الترمذي أنه يقول ذلك صباحاً ومساءً) (واعلم أنّ زَبَد البحر هي الرَغوةً الطافية فوق سطح البحر)، ﴿ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ يعني: وافعل ذلك أيضاً وقت صلاة الفجر (عند ذهاب النجوم من السماء)، وهذا يَشمل صلاة الفجر وأذكار الصباح. ويُحتمَل أن يكون المقصود مِن قوله تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)، أي حينَ تقوم من نومك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (مَن تَعارَّ مِن الليل - أي استيقظ أو أصابه قلق - فقال حين يستيقظ: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله)، ثم قال: (اللهم اغفر لي)، أو دَعا: استُجِيبَ له، فإنْ قامَ فتوضأ ثم صَلَّى: قُبِلَتْ صلاته). ويُحتمَل أيضاً أن يكون المقصود من قوله تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) أي حينَ تقوم مِن مَجلسك (فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَن جَلَسَ في مَجلس فكَثُرَ فيه لَغَطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألاّ إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غُفِرَ له ما كان في مَجلسه ذاك")(انظر حديث رقم: 6192 في صحيح الجامع).






[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #190  
قديم 12-02-2022, 11:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




تفسير سورة النجم




من الآية 1 إلى الآية 10: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ يُقسِم اللهُ تعالى بالنجوم إذا غابت بعد طلوعها،﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ: أي ما ضَلَّ محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق ﴿ وَمَا غَوَى ﴾ يعني: وما خَرَجَ عن العِلم والرَشاد، بل هو في غاية الاستقامة والسَداد،﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ يعني: وليس نُطقه صادرًا عن هوى نفسه﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ أي ما القرآن والسُنَّة - اللذان يَنطق بهما - إلا وحيٌ يوحيه اللهُ إليه، وقد ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى: أي عَلَّمَ محمدًا صلى الله عليه وسلم مَلَكٌ شديد القوة﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾ أي ذو مَنظر حَسَن (وهو جبريل عليه السلام) ﴿ فَاسْتَوَى ﴾ أي ظَهَرَ جبريل واستقر ﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾ وهو أفق السماء، ﴿ ثُمَّ دَنَا ﴾ أي: ثم اقترب جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ فَتَدَلَّى ﴾ أي زادَ في القُرب - نازلاً مِن عُلُوِّه في الأفق - إلى النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾يعنيفأصبحَ قُربه منه مِقدار طُول قوسين، بل أقل من ذلك (والقوس هو السلاح الذي يُرمَى به السهم)، ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ يعني فحينئذٍ أوحى اللهُ إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحاهُ إليه، وذلك بواسطة جبريل عليه السلام.



من الآية 11 إلى الآية 18: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ أي ما كَذَّبَ قلبُ النبي محمد ما رآه بصره (مِن آيات ربه في تلك الليلة، ومِن خِلقة جبريل الحقيقية ذات الستمائة جناح، كما ثَبَتَ ذلك في الصحيحين)، والمقصود مِن أن القلب لم يُكَذِّب البصر: أن القلب تيَقَّنَ أنّ البصر قد رآهُ حقيقةً،﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾؟! يعني أتجادلونه أيها المُشرِكون على ما يَراهُ من آيات ربه - ومِن ذلك رؤيته لجبريل عليه السلام - وأنتم تعلمون أنه الصادق الأمين؟!،﴿ وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ يعني: ولقد رأى محمدٌ صلى الله عليه وسلم جبريلَ على صورته الحقيقية مرةً أخرى (ليلة الإسراء والمعراج) ﴿ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾ وهي شجرة عظيمة فوقالسماء السابعة، يَنتهي إليها ما تَصعد به الملائكة من أعمال أهل الأرض، و﴿ عِنْدَهَا ﴾ أي عند هذه الشجرة: ﴿ جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾ التي وَعَدَ اللهُ المتقين أن يسكنوها، ﴿ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ أي يُغَطِّي الشجرة - من الحُسن والجمال والنور والألوان - ما لا يستطيع بَشَرٌ أن يَصِفه، ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى: أي ما ذَهَبَ بصر النبي صلى الله عليه وسلم يمينًا ولا شمالاً - وهو في السماء السابعة - ولم يَرتفع بصره عن الحد الذي أُمِر برؤيته، ﴿ لَقَدْ رَأَى ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ﴿ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ الدالة على قدرة الله وعظمته (كجبريل عليه السلام والجنة والنار، وغير ذلك من عجائب خلق الله تعالى وعظيم قدرته).



من الآية 19 إلى الآية 26: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ ﴾ أيها المُشرِكون هذه الأصنام التي تعبدونها: ﴿ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴾ ﴿ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾ (هل نَفَعَتكم بشيء أو ضَرَّتكم بشيء حتى تجعلوها شركاء لله تعالى؟!).



وكانوا يُسَمُّون هذه الأصنام بأسماء الإناث، ثم زعموا أنها تماثيل للملائكة - التي جعلوها بناتٍ لله تعالى - كذباً وافتراءً عليه سبحانه، فرَدَّ الله عليهم بقوله: ﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ﴾؟! يعني أتجعلون لكم الذَّكَر الذي ترضونه، وتجعلون لله الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم؟! ﴿ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ أي قِسمة ظالمة، (وهذا من باب التوبيخ والاستهزاء بحُكمهم الباطل، وإلاّ فإنه سبحانه مُنَزَّهٌ عن أن يكون له ولد (ذكراً كان أو أنثى)، لأنه رَبُّ كل شيء ومَالكُه والغني عنه؟!)، ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ ﴾ يعني ما هذه الأصنام إلا أسماء لا مَعاني لها، وقد ﴿ سَمَّيْتُمُوهَا آلهةً ﴿ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ ﴾ جهلاً منكم وضَلالاً، إذ إطلاقكم لفظ (إله) على صَنَم لا يَجعله إلهاً، و﴿ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ أي لم يُنَزِّل الله بشأنها حُجَّةً تدل علىأنها تستحق العبادة أو أنها تُقَرِّبكم إليه كما تَزعمون.



♦ ثم قال الله لرسوله: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ﴾ أي ما يَتبعون في ذلك إلا الظن الناتج عن التقليد الأعمى للآباء، واتّباع الأهواء المنحرفة عن الفطرة السليمة، ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ ﴾ - على لسان نبيّهم - ﴿ الْهُدَى ﴾ أي ما فيه هدايتهم وصَلاحهم وسعادتهم، فلم يَنتفعوا به، ﴿ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ﴾؟! أي ليس للإنسان ما تمَنّاه من شفاعة هذه المعبودات أو غيرها مما تهواه نفسه بغير إذنٍ من الله تعالى، ﴿ فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى ﴾ أي: فلله وحده الأمر في الدنيا والآخرة، ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ يعني: وكثير من الملائكة في السماوات - مع علوِّ مَنزلتهم - ﴿ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا: أي لا تنفع شفاعتهم شيئًا عند ربهم ﴿ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ منهم بالشفاعة، ﴿ وَيَرْضَى ﴾ عن المشفوع له من أهل التوحيد.



من الآية 27 إلى الآية 30: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ ﴾ - مِن مُشرِكي العرب - ﴿ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ﴾ أي يُسمُّون الملائكة تسمية الإناث؛ لاعتقادهم جَهلاً أن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله تعالى،﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ: أي ليس لهم بذلك مِن علمٍ صحيح يُصَدِّق ما قالوه، ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ ﴾ أي ما يتبعون في ذلك ﴿ إِلَّا الظَّنَّ ﴾ الناتج عن التخمين واتّباع الآباء بغير دليل، ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا: يعني إنّ الظن لا يَكفي عن العلم ولا يُغنِي عنه (والمطلوب في العقيدة: العلم وليس الظن)،﴿ فَأَعْرِضْ ﴾ أيها الرسول ﴿ عَنْ مَنْ تَوَلَّى ﴾ أي أعرَضَ ﴿ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ وهو القرآن ﴿ وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ (لأنه قد رأى - بظنه الباطل - أنّ إيمانه بالقرآن سوف يَمنعه من شهواته الرخيصة وأهوائه الفاسدة، ففضَّل الدنيا الفانية على الآخرة الباقية)، ﴿ ذَلِكَ ﴾ - الذي هم عليه مِن طلب الدنيا - هو ﴿ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ أي هو مُنتهى عِلمهم وغايتهم ﴿ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ أي ضَلَّ عن الإسلام (الذي هو طريق الهدى والرشاد)، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ﴾ أي اتَّبع طريق الإسلام، المُوصل به إلى الجنة.



الآية 31، والآية 32: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ - مُلكًا وتدبيرًا وتصَرُّفاً - فهو سبحانه يَهدي من يشاء (بفضله ورحمته)، ويُضِلّ من يشاء (بعدله وحكمته) ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا ﴾ أي ليُعاقب الذي أساءوا بما عملوا من الشرك والمعاصي ﴿ وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾ - وهم المُحسنونَ في عبادة ربهم والمُحسنونَ في معاملة خَلقه - فيَجزيهم سبحانه ﴿ بِالْحُسْنَى ﴾ وهي الجنة، ومِن صفاتهم أنهم: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ﴾ أي يَجتنبون كبائر ما نَهَى الله عنه (كالشِرك والظلم وأكْل الحرام ونَقض العهد والكذب والغيبة)، وما قَبُح من أنواع المعاصي (كالزنى)، ﴿ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾ (وهي الذنوب الصِغار التي لا يُصِرُّ عليها صاحبها، أو يُلِمُّ بها نادراً دونَ تعمد ثم يتوب منها)، فهذه الصغائر - مع الإتيان بالواجبات وترْك المُحَرَّمات وكثرة الاستغفار - يَغفرها الله لهم ويَسترها عليهم ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ إذ مَغفرته سبحانه تشمل كل ذنب (صغيراً كانَ أو كبيراً) طالما أنّ فاعله قد تابَ منه، ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾ أي هو سبحانه أعلم بأحوالكم وضَعفكم ﴿ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ أي هو أعلم بكم حين خَلَقَ أباكم آدم مِن تراب الأرض ﴿ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ ﴾ أي: وحِينَ كنتم أجنَّة (والأجِنَّة جمع جَنين) ﴿ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي لا تشهدوا لها بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي، وتَصِفُوها بالتقوى (على سبيل الفخر والإعجاب)، لأن الإعجاب بالنفس مُحبِط للعمل كالرياء، و﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ أي هو أعلم بمَن اتقى عقابه فاجتنب مَعاصيه (إذاً فلا داعي إلى ذِكر ذلك منكم، فإنه سبحانه لن يُنقِصكم مِن أجوركم شيئاً).



من الآية 33 إلى الآية 55: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى: يعني أرأيت - أيها الرسول - هذا الرجل الذي أعرَضَ عن طاعة ربه ﴿ وَأَعْطَى قَلِيلًا ﴾ مِن ماله للمحتاجين ﴿ وَأَكْدَى ﴾ أي: ثم توقف عن العطاء وقطَعَ مَعروفه؟! ﴿ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ ﴾ بأنّ ماله سوف يَنتهي إذا أنفق منه في سبيل الله ﴿ فَهُوَ يَرَى ﴾ ذلك الغيب ببصره؟! ليس الأمر كذلك، وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف بسبب بُخله، ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾؟ يعني أم لم يُخبِره أحد بما جاء في التوراةِ وصُحُف إبراهيم الذي َوفَّى كل ما أمَرَه الله به، وبلَّغ رسالته كاملة؟



♦ ثم بَيَّنَ سبحانه بعض ما تضمنته تلك الصُحُف مِن عِلمٍ فقال: ﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى: أي لا تؤاخَذ نفسٌ بذنب غيرها (إلا إذا كانت سبباً في إضلالها، ولم تَتُب عن ذلك الإضلال)، ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى: أي لا يُجازَى الإنسان إلا بما كَسَبه هو بسَعْيه من الخير والشر (ومِن ذلك أيضاً: ما دَلَّ عليه الناس أثناء حياته)، ﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾ أي سوف يَرى اللهُ سَعْيَه في الآخرة - وهو أعلم به - وإنما هذا لإقامة الحُجَّة عليه، ﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ أي: ثم يُجزَى الإنسانُ - على سَعْيه - الجزاء الكامل بالعدل، ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ يعني إليه سبحانه يَنتهي مصير الخلائق يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، ﴿ وَأَنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ هُوَ أَضْحَكَ ﴾ مَن شاء مِن عباده ﴿ وَأَبْكَى ﴾ مَن شاءَ منهم، ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ ﴾ أي أماتَ مَن أرادَ موته مِن خلقه ﴿ وَأَحْيَا ﴾ مَن أراد حياته منهم (فهو سبحانه المتفرِّد بالإحياء والإماتة، المُستحِق وحده للعبادة)، ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ ﴾ أي النوعين: ﴿ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ - من الإنسان والحيوان -﴿ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾ أي مِن نطفة مَنِيّ تُصَبُّ في الرَحِم،﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴾ أي عليه سبحانه إعادة خَلقه بعد موتهم (وهي النشأة الأخرى يوم القيامة)، لأنه هو الذي ابتدأ خَلْقهم (وإعادة الشيء كما كان، أسهل مِن إيجاده أول مرة)، ﴿ وَأَنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ هُوَ أَغْنَى ﴾ يعني أغنَى بعض خلقه بما يَكفي لسد حاجتهم، ﴿ وَأَقْنَى ﴾ يعني: وأقنَى آخرين (أي أعطاهم مالاً كثيراً فوق حاجاتهم، فاقتنوه اقتناءً وادِّخاراً)، ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾ (والشِعرَى هو نجم مُضِيء، كان بعض أهل الجاهلية يعبدونه من دون الله تعالى)،﴿ وَأَنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ﴾ (وهم قوم هود) ﴿ وَثَمُودَ ﴾ (وهم قوم صالح) ﴿ فَمَا أَبْقَى ﴾ يعني فلم يُبْقِ منهم أحدًا،﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ﴾ يعني: وأهلك سبحانه قوم نوح قَبل عاد وثمود ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ﴾ أي كانوا أشد تمردًا وأعظم كفرًا ممن جاء بعدهم،﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ ﴾ وهي مُدُن قوم لوط ﴿ أَهْوَى ﴾ أي أسقطها سبحانه من السماء بعد أن قلَبَ بلادهم، وجعل عالِيَها سافلها﴿ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ﴾ أي فألبَسَها من الحجارة شيئاً عظيماً (وذلك برَجْمها من السماء)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾ يعني: فبأيِّ نِعَم ربك عليك أيها الإنسان المُكَذِّب تَشُك، حتى تعبد غيره وتُكَذِّب آياته؟!



من الآية 56 إلى الآية 62: ﴿ هَذَا ﴾ أي محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى ﴾ أي هو مُنذِرٌ بالحق الذي أنذَرَ به الأنبياء قبله (فإنّ جميع الرُسُل قد دَعَتْ أقوامها إلى التوحيد، وأخبرتهم بحقيقة البعث بعد الموت، وخوَّفتهم من الشِرك والعصيان)، ﴿ أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ ﴾ أي اقتربت القيامة القريبة (وإن استبعدوها)، فإنّ كل آتٍ قريب،﴿ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ: أي لا تستطيع نفسٌ أن تكشفها (أي تَدفعها إذا جاءت)، ولا تستطيع نفسٌ أن تكشف وقت مَجيئها، إذ لا يَعلم ذلك إلا الله وحده، ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴾؟! يعني أفمِن هذا القرآن تَعجبون - أيها المُشرِكون - مِن أن يكون صحيحًا؟! ﴿ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴾؟! يعني: وتضحكون منه سخرية واستهزاءً، ولا تبكون خوفًا مِن وعيده؟! ﴿ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾ أي غافلونَ مُعرِضونَ عنه؟! ﴿ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ ﴾وحده - فهو الذي خَلَقكم ورَزَقكم - ﴿ وَاعْبُدُوا ﴾ أي أخلِصوا له العبادة، واخضعوا مُنقادينَ لأمره.





[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.


- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 346.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 340.75 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.69%)]