حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) - الصفحة 19 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         خاطرة قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          كلمات منهي عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 16166 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 4027 )           »          أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 177 )           »          الشباب أداة بناء وتأثير وتغيير وإن لم نحسن تربيتهم تحولوا إلى أداة تدمير ومعاول هدم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          سبيل التأسي بدراسة حديث اللهم إني ظلمت نفسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 109 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 135 - عددالزوار : 77731 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 31 - عددالزوار : 11760 )           »          المهيمن العزيز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-06-2025, 11:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(181)


آداب الدعاء(3-4)


10- تحري الأوقات والأزمان:
الأفضل في الدعاء أن يتحرى العبد الأوقات والأماكن المفضلة للدعاء، والتي جاء ذكرها في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، ونذكر بعضًا منها:
- جوف الليل، لقوله تعالى:{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}(1)، ثم يذكر الله تعالى فضل آخر الليل من حيث أثر العبادة والدعاء والقرآن على النفس فيقول:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}(2)، حيث يَعمّ الهدوء والسكينة الأجواء، فتصفى النفس ويرقّ القلب، ويبدأ العبد بمناجاة ربه ويضع بين يديه حاله من ضعف وخطيئة ومصيبة.
وأثناء هذا الصفاء الكوني والإنساني ينزل الله تبارك وتعالى نزولاً يليق بجلاله وعظمته، ليجيب دعوة عباده وينزل عليهم عفوه ورحمته، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل يعطى هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له حتى ينفجر الصبح«(3).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «في الليل ساعة لا يسأل الله فيها عبد مسلم شيئًا إلا أعطاه الله وذلك كل ليلة«(4).
وقد سئل النبي ﷺ: أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات«(5).
- بين الأذان والإقامة: وهي فترة زمنية مباركة حين يلبي العباد دعوة الله تعالى للصلاة والفلاح، إلى أن يحين وقت إقامة الصلاة، فقد جعل الله تعالى هذا الوقت مباركًا لأنه بداية الدخول عليه والوقوف بين يديه، حيث تكون الإجابة أقرب من غيره من الأوقات، يقول عليه الصلاة والسلام: «الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة، فادعوا«(6).
- أثناء الصلاة وبعدها: فقد ثبت عن النبي ﷺ الدعاء أثناء الصلاة بعد تكبير الإحرام وقبل الفاتحة وفي الركوع وعند الاعتدال من الركوع وفي السجود وبعد التشهد الأخير، وكلها مواطن يستحب فيها الدعاء، فضلاً عن دعاء القنوت عند البلاء والنوازل، فمن دعائه صلى الله عليه بعد الاعتدال من الركوع: «سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم طهرني بالثلج والماء والبرد. اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الوسخ«(7).
كما ثبت عنه ﷺ الدعاء في السجود أثناء الصلاة فقال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء«(8).
وأما بعد الصلاة وآخر الصلاة بعد التشهد الأخير، فللحديث السابق ذكره عن أسمع الدعاء: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات«(9).
ويقول معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ أخذ بيده وقال: «يا معاذ والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك«(10).
- في يوم الجمعة: لقوله ﷺ: «في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه«(11).
- أثناء الوقوف بعرفة: ولعرفة فضل زماني ليومه، ومكاني لموقعه، وهو محل استجابة الدعاء لهذين الفضلين، يقول عليه الصلاة والسلام: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
«(12).
- الدعاء عند النداء وعند نزول المطر: لقوله ﷺ: «ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر«(13).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[المزمل: 2]

(2)
[المزمل: 6]

(3)
أخرجه مسلم (ص307، رقم 758) كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء.

(4)
أخرجه مسلم في المرجع السابق (رقم 757).

(5)
أخرجه الترمذي (ص798، رقم 3499) كتاب الدعوات، باب ينزل ربنا كل ليلة. وهو حديث صحيح.

(6)
أخرجه الترمذي (ص59، رقم 212) كتاب الصلاة، باب أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة. وأحمد (3/155، رقم 12606). وابن حبان (4/94، رقم 1696). وهو حديث صحيح.

(7)
أخرجه مسلم (ص198، رقم 476) كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه في الركوع.

(8)
أخرجه مسلم (ص199، رقم 482) كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع.

(9)
سبق تخريجه.

(10)
أخرجه أبو داود (ص225، رقم 1522) كتاب الوتر، باب في الاستغفار. والترمذي (ص777، رقم 3407) كتاب الدعوات، باب منه (دعاء: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر).

(11)
أخرجه البخاري (ص150، رقم 935) كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة. ومسلم (ص342، رقم 852) كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة.

(12)
أخرجه الترمذي (ص817، رقم 3585) كتاب الدعوات، باب دعاء يوم عرفة.

(13)
أخرجه أبو داود (ص368، رقم 2542) كتاب الجهاد، باب الدعاء عند اللقاء. والحاكم (2/124، رقم 2534)، ولفظ أبي داود: »عند النداء وعند البأس».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-08-2025, 01:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(182)


دعوات مستجابة
أخبر النبي ﷺ عن الدعوات المستجابة في بعض الأحوال حسب حال العبد وزمانه، ومن هذه الدعوات:
1- دعوة المظلوم: وقد كثرت الأحاديث في هذه الدعوة المستجابة وأنه ليس بينها وبين الله حجاب، أي أن الله تعالى يستجيب لها مباشرة، يقول عليه الصلاة والسلام: «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب«(1).
2- دعوة الوالد والمسافر: لقول النبي ﷺ: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده«(2).
3- دعوة المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب: لقول النبي ﷺ: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل«(3).
4- دعوة الغازي والحاج والمعتمر: لقول النبي ﷺ: «الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم«(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1)
أخرجه البخاري (ص395، رقم 2448) كتاب المظالم، باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم. ومسلم (ص31، رقم 19) كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين.

(2)
أخرجه الترمذي (ص445، رقم 1905) كتاب البر والصلة، باب ما جاء في دعوة الوالدين. وابن ماجه (ص552، رقم 3862) كتاب الدعاء، باب دعوة الوالد ودعوة المظلوم. وأحمد (2/258، رقم 751). وهو حديث حسن.

(3)
سبق تخريجه.

(4)
أخرجه النسائي (ص364، رقم 2625) كتاب المناسك، باب فضل الحج. وابن ماجه (ص418، رقم 2893) كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحاج. وهو حديث صحيح


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-08-2025, 01:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(183)


أخطاء في الدعاء
وأما عن الأخطاء التي يرتكبها بعض الناس في الدعاء فكثيرة ولا يمكن حصرها، ولكن يمكن الإشارة إلى أهمها:
1- التوسلات الشركية: وهي الدعاء إلى غير الله تعالى، من الأحجار والأشجار والأموات والأشخاص والصالحين والجن والشياطين وغيرهم، فإنه شرك بجميع هذه الأشكال، لأن الرسول ﷺ بيّن أن الدعاء هو العبادة، ففعل هؤلاء يعني توجه العبادة لغير الله، وهو الشرك بحقيقته.
2- طلب التعجيل بالعقوبة في الدنيا للنجاة منها يوم القيامة، وهذا خطأ كبير يقع فيه كثير من الناس، فيقول: يا رب إن كنت ستعاقبني أو تعذبني، فعجلّها لي في الدنيا حتى أسلم يوم القيامة وأدخل الجنة، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن هذا الدعاء.
»عن أنس أن رسول الله ﷺ عاد رجلًا من المسلمين قد خَفَتَ فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله ﷺ: هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجلّه لي في الدنيا، فقال رسول الله ﷺ: سبحان الله، لا تطيقه، أو لا تستطيعه، أفلا قلتَ: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ قال: فدعا الله له فشفاه»(1).
3- الدعاء بما هو مستحيل أو ما هو مخالف للعقل أو بما تعهد الله تعالى بإخفائه في الدنيا: كأن يطلب أحدهم الخلود في الدنيا، أو أن يعمّر ألف سنة، أو يتحول إلى كائن آخر أقوى من البشر، أو يسأل رؤية الله تعالى في الدنيا، وغيرها من الأدعية الممتنعة شرعًا أو عقلاً، فإن ذلك كله خطأ وحرام في بعض الأحيان، لا يجوز الدعاء بها.
4- الدعاء بقطيعة الرحم: لأن الدعاء في الأصل عبادة لله تعالى، ومسألة لتحقيق منفعة ودرء مفسدة، وقطع الأرحام من المفاسد الكبيرة التي نهى عنها الشارع في الكتاب والسنة، فلا يمكن أن يجتمع هذا الدعاء مع حقيقة الدعاء، يقول عليه الصلاة والسلام: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم»(2).
5- الدعاء على الأولاد: وهو من الأخطاء التي تتكرر بين الناس ولا يبالون بها، في لحظات الغضب والانفعال، لا سيما وأن دعاء الوالدين مستجابة، لقوله ﷺ: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»(3). فاستجابة الدعوة متوقعة في أية لحظة، وبعدها لا ينفع الندم.
6- الدعاء الغامض وغير المفهوم: قد يرافق الدعاء غفلة القلب وتشرد الفكر، فلا يعلم صاحبه ماذا يريد ومَنْ يسأل، وقد يسهو ويقول في حق الله تعالى ما لا يليق به، لذا أمر الله تعالى بحضور القلب ووضوح الكلام أثناء الدعاء فقال:{وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(4).
7- تحجير الدعاء: يعني الأنانية في الدعاء، وهي من الأخطاء المنهى عنها في الدعاء، كأن يقول أحدهم: اللهم اهدني وحدي، أو اشفني وحدي. وهذا غير جائز لأن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء فلا يمكن تحجيرها على شخص دون آخر، يقول تبارك وتعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}(5).وجاء في الصحيح أن أعرابيًا قال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فقال له عليه الصلاة والسلام: «لقد حجّرتَ واسعًا»(6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(1)
أخرجه مسلم (ص117، رقم 2688) كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة.

(2)
أخرجه مسلم (ص1186، رقم 2735) كتاب الذكر، باب أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل.

(3)
سبق تخريجه.

(4)
[الأعراف: 205]

(5)
[الأعراف: 156]

(6)
أخرجه البخاري (ص1051، ررقم 6010) كتاب الآداب، باب رحمة الناس والبهائم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-08-2025, 01:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(184)



آثار الدعاء على النفس والمجتمع(1-4)

وللدعاء آثار على النفس والمجتمع كما لسائر العبادات والأذكار، ومن أهم هذه الآثار ما يلي:
أولاً: الدعاء سبب لانشراح الصدر:
إن العبد حين يبث لخالقه شكواه ونجواه، فيقف بين يديه ويفضي إليه بكل ما يعانيه ويشكو منه، ويسأله الصبر والثبات، والفرج عن الكربات، فإن هذا الإفضاء يريح النفس ويشرح الصدر، ثم لأن هذه الشكوى لا تكون لمخلوقات مثله وإنما هي لخالق المخلوقات ومدبر الأكوان والكائنات، ومسير الأحوال والأزمان، الأمر الذي يسدل على النفس ستار السكينة والطمأنينة.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول عند الكرب وضيق النفس: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم«(1). وكان من دعاء موسى عليه السلام طلب انشراح الصدر {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}(2).
ثانيًا: الدعاء يعافي النفس من داء الكبر:
الكبر داء نفسي خطير ناجم عن ضعف العلاقة مع الله تعالى والبعد عنه، وإن اللجوء إلى الله والوقوف بين يديه بالدعاء والعبادات يقوي هذه العلاقة ويقرّب العبد منه جلّ وعلا، فلا يمكن أن يجتمع في نفس العبد الكبر على العباد، والتذلل أمام رب العباد، فكان الدعاء الوسيلة الفاعلة والمؤثر لدفع هذا الداء عن نفس صاحبه، وقد أشار الله إلى هذه العلاقة بين الدعاء والكبر فقال:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
(1)
أخرجه البخاري (ص1103، رقم 6345) كتاب التوحيد، باب قول الله: { ﯤﯥ}. ومسلم (ص1184، رقم 2739) كتاب الذكر والدعاء، باب دعاء الكرب.

(2)
[طه: 25-26]

(3)
[غافر: 60]




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-08-2025, 01:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(185)



آثار الدعاء على النفس والمجتمع(2-4)



ثالثًا: الدعاء يدفع عن صاحبه البلاء:
لقد ثبت عن النبي ﷺ أحاديث كثيرة يسأل الله فيها العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة، وهذا يعني أن الدعاء يدفع عن الإنسان كثيرًا من البلاءات والمصائب، كما أشار إلى ذلك النبي ﷺ بقوله: «إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل»(1). كما قال أيضًا: «لا يرد القدر إلا الدعاء«(2).
كما أوصى عليه الصلاة والسلام الأمة أن يتعوذوا بالله من البلاء والشقاء والمصائب، فقال: «تعوّذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء«(3).
ومن أكثر أنواع البلاءات، بلاء المرض، سواء كان نفسيًا أو عضويًا، فإنه يعتري جميع الناس، بشكل متفاوت من إنسان إلى آخر، فربما يكون قويًا ومزمنًا على بعضهم ويبقى معهم حتى آخر العمر، وقد يكون ضعيفًا وسهلاً ولا يدوم طويلاً، ومنه ما بين هذا وذاك، وهو في جميع الأحوال بلاء يصيب الإنسان.
وبما أن المرض والشفاء من عند الله تعالى، وهو القادر على إبقاء أحدهما وزوال الآخر، فإن الله جعل الدعاء وسيلة من الوسائل الكثيرة لردّ المرض أو التخفيف من وطأته إذا وقع، وكذلك حفظ الإنسان من سائر الشرور والمصائب، يقول عليه الصلاة والسلام: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك«(4).
كما وصّى عليه الصلاة والسلام بطلب العافية العامة في الدين والبدن وذلك من خلال الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، فقال: «من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئًا يعطى أحبّ إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء«(5).
وقد علّم جبريل عليه السلام رسول الله ﷺ ما يقوله من الدعاء عند المرض، فعن أبي سعيد رضي الله عنه، أن جبريل أتى النبي ﷺ فقال: «يامحمد اشتكيت؟» قال: «نعم». قال: «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس وعين حاسد بسم الله أرقيك والله يشفيك«(6).
كما ورد أن عثمان بن أبي العاص جاء إلى النبي ﷺ يشتكي من وجع فقال له: «أمسك بيمينك سبع مرات وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد». قال عثمان: ففعلت ذلك، فأذهب الله - عز وجل – ما كان بي. فلم أزل أأمر به أهلي وغيرهم(7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1)
سبق تخريجه.

(2)
أخرجه الترمذي (ص491، رقم 2139) كتاب القدر، باب لا يرد القدر إلا الدعاء. وابن ماجه (ص15، رقم 90) المقدمة.

(3)
أخرجه البخاري (ص1103، رقم 6347) كتاب الدعوات، باب التعوذ من جهد البلاء

(4)
أخرجه مسلم (ص1177، رقم 2708) كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من سوء القضاء.

(5)
سبق تخريجه.

(6)
أخرجه الترمذي (ص972، ص236-237) كتاب الجنائز، باب التعوذ للمريض.

(7)
أخرجه أبو داود (ص552، رقم 3893) كتاب الطب، باب كيف الرقى. والترمذي (ص817، رقم 3588) كتاب الدعوات، باب في الرقية إذا اشتكى. والحديث صحيح.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18-08-2025, 01:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(186)



آثار الدعاء على النفس والمجتمع(3-4)



رابعًا: الدعاء سبب للثبات عند اللقاء:
كما إن الدعاء من أهم أسباب الثبات والنصر في المعارك، فإن الله تعالى يثبت عباده عند لقاء الأعداء إذا دعوه، وينصرهم عليهم، وقد ضرب الله لذلك مثلاً في قصة طالوت ومن معه حين واجهوا قوة جالوت وجنوده، قال الله تعالى:{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(1)، فقد لجأ هؤلاء القوم الصالحون إلى الله تعالى بالدعاء ليثبتهم وينصرهم على جيش جالوت، فاستجاب الله دعوتهم فكانت النتيجة التي أفرحت المؤمنين:{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(2).
وكان هذا شأن النبي ﷺ في المعارك والحروب، فقد دعا كثيرًا يوم بدر وألحّ على الله تعالى في دعائه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: - وهو في قبة له يوم بدر - أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا، فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك وهو في الدرع، فخرج وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر«(3).
خامسًا: الدعاء يساعد في تلاحم المجتمع:
إن الدعاء له أثر كبير في إيجاد روح التلاحم والتآلف بين أبناء المجتمع، لأنه يزيل من قلوبهم درن الحقد وسواد الكراهية، فحين يدعو أحدهم لأخيه المسلم بالعفو والغفران، أو بدوام العافية والنعمة أو كشف الضرّ والأذى، فإنما يكسب بذلك قلبه ومحبته، وهذا شأن المؤمن نحو المؤمن في كل الأحوال، يقول تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}(4).
وقد حثَّ الإسلام المؤمنين على الدعاء لإخوانهم، كما في قوله:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}(5)، وقوله ﷺ: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة؛ عند رأسه ملك موكّل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل«(6). كما يقول عليه الصلاة والسلام أيضًا: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء«(7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) [البقرة: 250]
(2) [البقرة: 251]
(3) سبق تخريجه.
(4) [الحشر: 10]
(5) [محمد: 19]
(6) سبق تخريجه.
(7) أخرجه الترمذي (ص468، رقم 2035) كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الثناء بالمعروف. وهو حديث حسن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18-08-2025, 01:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(187)



آثار الدعاء على النفس والمجتمع(4-4)



سادسًا: الدعاء مفزع للمظلومين:
الدعاء هو البوابة التي يقبل منها العبد إلى الله تعالى دون وسيط، وهو الملاذ الذي يلجأ إليه الضعفاء والمظلومون، الذين لا يملكون من الأمر شيئًا أمام جبروت الظالمين والمعتدين، فحين يقع الإنسان تحت وطأة الظلم وثقل أغلاله، فلا يجد بدًّا بالدعاء إلى من هو أقوى منهم وأقدر عليهم.
وقد ذكر القرآن الكريم الأنبياء والرسل عليهم السلام ومعاناتهم مع أقوامهم، والظلم الذي كان يلحق بهم أثناء دعوتهم إلى الله، فكانوا لا يستسلمون لليأس والفشل وإنما يلجؤون إلى الله تعالى بالدعاء وطلب النصرة.
فقد دعا نوح ربه حين كذّبه قومه واتهموه بالجنون قال تعالى:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ . فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ}(1).
ودعا موسى عليه السلام حين توجه إلى مدين هاربًا من بطش فرعون، قال تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}(2).
كما دعا يوسف عليه السلام حين ظلم وزُجَّ به في غياهب السجن، قال تعالى على لسانه:{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}(3).
واستجاب الله تعالى تلك الدعوات، لأنها خرجت من نفوس مظلومة لا حول لها ولا قوة، ولأن الله عدل لا يحب الظلم لنفسه ولا يحبها بين عباده، وقد حذّر عليه الصلاة والسلام أمته من اقتراف هذا الذنب العظيم، وأخبر أن دعوة المظلوم مستجابة عند الله، فقد وصّى معاذًا حين بعثه إلى اليمن قائلاً: «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب«(4).
وهنا أوجّه رسالتين للظالم والمظلوم:
- فأما رسالة الظالم: فأذكّره بالعاقبة الوخيمة التي تترتب على ظلمه لنفسه في التقصير بالعبادات وأداء الفرائض واقتراف المعاصي وغيرها، وعلى ظلمه للناس في التعدي عليهم وعلى حقوقهم وأموالهم وأنفسهم، فأذكره بما تؤول إليه حاله حين يقابل ربه في يوم لا مفر منه، يقول الحق جل جلاله:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}(5).
فقد حرّم الله تعالى الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا»(6). كما قال عليه الصلاة والسلام: «الظلم ظلمات يوم القيامة«(7).
وأقول كما قال الشاعر:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرًا *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
ولا ينفع الندم بعد أن تقع العقوبة، فربما تكون عاجلة في الدنيا وآجلة في الآخرة، يقول تبارك وتعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(8).
كما تجدر الإشارة هنا إلى أن من أعان على ظلم فهو شريك معه، ومن حابى الظالمين وأقرّهم على ظلمهم فإنهم يعرضون أنفسهم للعذاب والعقاب، يقول تبارك وتعالى:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}(9).
وهذا المشهد كاف للقيام بمراجعة صريحة للنفس وإنابة صادقة إلى الله تعالى، قبل أن يحلّ الأجل وينتهي العمل، وباب التوبة مفتوح لا يغلق لقوله ﷺ: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها«(10).
- وأما رسالة المظلوم: فأذكّره بقول السحرة لفرعون حين تمكّن اليقين من قلوبهم وآمنوا بنبوة موسى عليه السلام، وعرفوا حقيقة الحياة:{فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}(11).
فالدنيا دار عمل والآخرة دار حساب، والكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وإن أكبر فوز ونجاة حين يودّع الإنسان هذه الحياة ولا يحمل في صحيفته حقوق الناس ومظالمهم، فينال عند ربه الأمن والسلامة في جناته، يقول تبارك وتعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}(12).
ولا يأخذ المظلوم شطط في التفكير أو يستسلم لليأس من ضيق حاله وشدة مظلمته، فإن الله تعالى يسمع ويرى، وهو ليس بغافل عما يعمل الظالمون في أرضه، وإنما يؤخرهم لحكمة من عنده جلّ وعلا، يقول تبارك وتعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}(13).
وخير زاد يتزود به المظلوم تقوى الله تعالى والصبر والثبات، لأن الله سيجازيه خيرًا في الدنيا بالفرج وقصم الظالم وحلول النعم، وثوابًا وجزاء في الآخرة التي هي أوفى وأبقى، يقول تبارك وتعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(14)، ويقول:{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(15).
* * *
وفي الختام:
فإن الدعاء عبادة عظيمة، وسنة من سنن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أوجبها الله تعالى على عباده وأحبّها لنفسه، فإنه تعالى يحب أن يسمع دعاء عبده وتضرعه إليه، يقول عليه الصلاة والسلام: «سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل«(16).
فلا يجوز إهمال الدعاء وفصله عن الحياة والحركة اليومية للإنسان سواء داخل بيته مع أفراد أسرته، أو خارجها مع أبناء مجتمعه في المؤسسة أو المدرسة أو المستشفى أو المتجر والمصنع أو في الشارع، حتى يؤدي رسالته في الحياة بنجاح وتفوّق وينشر الخير والسعادة على ظهر الأرض.
كما لا يجوز الاستهانة بدعاء أحد واستصغار أمره، مهما كانت حاله، فقيرًا كان أو غنيًا، أبيض أو أسود، صغيرًا أو كبيرًا، فالله تعالى قريب من الجميع ويسمع الجميع، وهو القائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(17).
وصدق الشافعي حين قال:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن *** له أمد وللأمد انقضاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[القمر: 9-10]

(2)
[القصص: 22]

(3)
[يوسف: 33]

(4)
سبق تخريجه.

(5)
[طه: 111]

(6)
أخرجه مسلم (ص1128، رقم 2577) كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم.

(7)
أخرجه البخاري (ص395، رقم 2447) كتاب المظالم، باب الظلم ظلمات يوم القيامة. ومسلم (ص1129، رقم 2578) كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم.

(8)
[الأنفال: 25]

(9)
[هود: 113]

(10)
سبق تخريجه.

(11)
[طه: 72]

(12)
[الأنعام: 82]

(13)
[إبراهيم: 42]

(14)
[الزمر: 10]

(15)
[النحل: 41]

(16)
أخرجه الترمذي (ص3571، رقم 813) كتاب الدعوات، باب انتظار الفرج وغيره. والحديث إسناده ضعيف، لكن معناه صحيح.

(17)
[البقرة: 186]




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18-08-2025, 01:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(188)


الاستغفار والفرج
الاستغفار عبادة عظيمة، أثره عظيم على النفس في حاضرها ومستقبلها، وفي حال قوتها وضعفها، وصحتها ومرضها، وفي الدنيا والأخرى، نعرض له في هذا المبحث مفتتحين بما رواه أبو داود رحمه الله قال:
حدثنا هشام بن عمار:حدثنا الوليد محمد بن علي بن عبدالله بن عباس، عن أبيه أنه حدّثه: عن ابن عباس؛ أنه حدّثه قال: قال رسول الله ﷺ: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب«(1).
مفهوم الاستغفار:
غَفَرَ الشيءَ: ستره. ويقال غفر الشيْبَ بالخضاب: غطاه، وغفر المتاعَ في الوعاء: أدخله فيه وسَتَره، واللهُ له ذنبه: غَفْرًا، وغُفرانًا، ومغفرة: ستره وعفا عنه. واستغفر الله ذنبه، ومن ذنبه، ولذنبه: طلب منه أن يغفره(2).
فالاستغفار: هو طلب المغفرة من الله تعالى، وذلك بستر الذنوب والعفو عنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(1)
أخرجه أبو داود (ص224، رقم 1518) كتاب الوتر، باب في الاستغفار. وابن ماجه (ص545، رقم 3819) كتاب الأدب، باب في الاستغفار. والحديث ضعيف لكن معناه صحيح موافق للقرآن.

(2)
المعجم الوسيط 2/ 656 مادة (غَفَرَ).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 17 ( الأعضاء 0 والزوار 17)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 211.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 206.23 كيلو بايت... تم توفير 4.97 كيلو بايت...بمعدل (2.35%)]