تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 18 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         انت أخي في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفساد الأخلاقي ...عند غياب الرقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كن نبيهاً ذكياً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          آية الإسراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          مستقبل اليهود كما تحدده سورة الأعراف والإسراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          طاهر بن الحسين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          إسلام حمزة رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تاريخ المسلمين في القرم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مصنع الحياة - الزواج الطريق القويم للمتعة الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أبناؤكم يبثون همومهم إليكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #171  
قديم 16-04-2022, 01:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (171)
صــ341 إلى صــ 345


والرابع: أن معنى الكلام: ينبغي لجميع الناس أن يعينوا ولي المقتول حتى يقيدوه منه ، كما لو قتل أولياءهم جميعا ، ذكره القاضي أبو يعلى . [ ص: 341 ] والخامس: أن المعنى: من قتل نبيا أو إماما عادلا ، فكأنما قتل الناس جميعا ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والقول بالعموم أصح . فإن قيل: إذا كان إثم قاتل الواحد كإثم من قتل الناس جميعا ، دل هذا على أنه لا إثم عليه في قتل من يقتله بعد قتل الواحد إلى أن يفنى الناس؟ فالجواب: أن المقدار الذي يستحقه قاتل الناس جميعا ، معلوم عند الله محدود ، فالذي يقتل الواحد يلزمه ذلك الإثم المعلوم ، والذي يقتل الاثنين يلزمه مثلاه ، وكلما زاد قتلا زاده الله إثما ، ومثل هذا قوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام: 160] فالحسنة معلوم عند الله مقدار ثوابها ، فعاملها يعطى بمثل ذلك عشر مرات . وهذا الجواب عن سؤال سائل إن قال: إذا كان من أحيا نفسا فله ثواب من أحيا الناس ، فما ثواب من أحيا الناس كلهم؟ هذا كله منقول عن المفسرين . والذي أراه أن التشبيه بالشيء تقريب منه ، لأنه لا يجوز أن يكون إثم قاتل شخصين كإثم قاتل شخص ، وإنما وقع التشبيه بـ"كأنما" ، لأن جميع الخلائق من شخص واحد ، فالمقتول يتصور منه نشر عدد الخلق كلهم .

[ ص: 342 ] وفي قوله: (ومن أحياها) خمسة أقوال .

أحدها: استنقذها من هلكة ، روي عن ابن مسعود ، ومجاهد . قال الحسن: من أحياها من غرق أو حرق أو هلاك . وفي رواية عكرمة عن ابن عباس: من شد عضد نبي أو إمام عادل ، فكأنما أحيا الناس جميعا .

والثاني: ترك قتل النفس المحرمة ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية .

والثالث: أن يعفو أولياء المقتول عن القصاص ، قاله الحسن ، وابن زيد ، وابن قتيبة .

والرابع: أن يزجر عن قتلها وينهى .

والخامس: أن يعين الولي على استيفاء القصاص ، لأن في القصاص حياة ، ذكرهما القاضي أبو يعلى . وفي قوله (فكأنما أحيا الناس) جميعا قولان .

أحدهما: فله أجر من أحيا الناس جميعا ، قاله الحسن ، وابن قتيبة .

والثاني: فعلى جميع الناس شكره ، كما لو أحياهم ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات يعني: بني إسرائيل الذين جرى ذكرهم .
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم [ ص: 343 ] من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم

قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله في سبب نزولها: أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في ناس من عرينة قدموا المدينة ، فاجتووها ، فبعثهم رسول الله في إبل الصدقة ، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا ، فصحوا ، وارتدوا عن الإسلام ، وقتلوا الراعي ، واستاقوا الإبل ، فأرسل رسول الله في آثارهم ، فجيء بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وسمر أعينهم ، وألقاهم بالحرة حتى ماتوا ، ونزلت هذه الآية ، رواه قتادة عن أنس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والسدي .

والثاني: أن قوما من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق ، فنقضوا العهد ، وأفسدوا في الأرض . فخير الله رسوله بهذه الآية: إن شاء أن يقتلهم ، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف . رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .

[ ص: 344 ] والثالث: أن أصحاب أبي بردة الأسلمي قطعوا الطريق على قوم جاؤوا يريدون الإسلام فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال ابن السائب: كان أبو بردة ، واسمه هلال بن عويمر ، وادع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن أتاه من المسلمين لم يهج ، ومن مر بهلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهج ، فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من قوم هلال ، فنهدوا إليهم ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم ، ولم يكن هلال حاضرا ، فنزلت هذه الآية .

والرابع: أنها نزلت في المشركين ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن . واعلم أن ذكر "المحاربة" لله عز وجل في الآية مجاز .

[ ص: 345 ] وفي معناها للعلماء قولان .

أحدهما: أنه سماهم محاربين له تشبيها بالمحاربين حقيقة ، لأن المخالف محارب ، وإن لم يحارب ، فيكون المعنى: يخالفون الله ورسوله بالمعاصي .

والثاني: أن المراد: يحاربون أولياء الله ، وأولياء رسوله . وقال سعيد بن جبير: أراد بالمحاربة لله ورسوله ، الكفر بعد الإسلام . وقال مقاتل: أراد بها الشرك . فأما "الفساد" فهو القتل والجراح وأخذ الأموال ، وإخافة السبيل .

قوله تعالى: أن يقتلوا أو يصلبوا اختلف العلماء هل هذه العقوبة على الترتيب ، أم على التخيير؟ فمذهب أحمد رضي الله عنه أنها على الترتيب ، وأنهم إذا قتلوا ، وأخذوا المال ، أو قتلوا ولم يأخذوا ، قتلوا وصلبوا ، وإن أخذوا المال ، ولم يقتلوا ، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإن لم يأخذوا المال ، نفوا . قال ابن الأنباري: فعلى هذا تكون "أو" مبعضة ، فالمعنى: بعضهم يفعل به كذا ، وبعضهم كذا ، ومثله قوله: كونوا هودا أو نصارى [البقرة: 135]

المعنى قال بعضهم هذا ، وقال بعضهم هذا . وهذا القول اختيار أكثر اللغويين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #172  
قديم 16-04-2022, 01:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (172)
صــ346 إلى صــ 350

وقال الشافعي: إذا قتلوا وأخذوا المال ، قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال ، قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا ، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف . وقال مالك: الإمام مخير في إقامة أي الحدود شاء ، سواء قتلوا أو لم يقتلوا ، أخذوا المال أو لم يأخذوا ، والصلب بعد القتل . وقال أبو حنيفة ، [ ص: 346 ] ومالك: يصلب ويبعج برمح حتى يموت . واختلفوا في مقدار زمان الصلب ، فعندنا أنه يصلب بمقدار ما يشتهر صلبه . واختلف أصحاب الشافعي ، فقال بعضهم: ثلاثة أيام ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وقال بعضهم: يترك حتى يسيل صديده . قال أبو عبيدة: ومعنى "من خلاف" أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، يخالف بين قطعهما . فأما "النفي" فأصله الطرد والإبعاد .

وفي صفة نفيهم أربعة أقوال .

أحدها: إبعادهم من بلاد الإسلام إلى دار الحرب ، قاله أنس بن مالك ، والحسن ، وقتادة ، وهذا إنما يكون في حق المحارب المشرك ، فأما المسلم فلا ينبغي أن يضطر إلى ذلك .

والثاني: أن يطلبوا لتقام عليهم الحدود ، فيبعدوا ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

والثالث: إخراجهم من مدينتهم إلى مدينة أخرى ، قاله سعيد بن جبير .

وقال مالك: ينفى إلى بلد غير بلده ، فيحبس هناك .

والرابع: أنه الحبس ، قاله أبو حنيفة وأصحابه . وقال أصحابنا: صفة النفي: أن يشرد ولا يترك يأوي في بلد ، فكلما حصل في بلد نفي إلى بلد غيره .

وفي "الخزي" قولان .

أحدهما: أنه العقاب . والثاني: الفضيحة .

وهل يثبت لهم حكم المحاربين في المصر ، أم لا؟ ظاهر كلام أصحابنا أنه لا يثبت لهم ذلك في المصر وهو قول أبي حنيفة . وقال الشافعي ، [ ص: 347 ] وأبو يوسف: المصر والصحاري سواء ، ويعتبر في المال المأخوذ قدر نصاب ، كما يعتبر في حق السارق ، خلافا لمالك .
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم

قوله تعالى: إلا الذين تابوا قال أكثر المفسرين: هذا الاستثناء في المحاربين المشركين إذا تابوا من شركهم وحربهم وفسادهم ، وآمنوا قبل القدرة عليهم ، فلا سبيل عليهم فيما أصابوا من مال أو دم ، وهذا لا خلاف فيه . فأما المحاربون المسلمون ، فاختلفوا فيهم ، ومذهب أصحابنا: أن حدود الله تسقط عنهم من انحتام القتل والصلب والقطع والنفي . فأما حقوق الآدميين من الجراح والأموال ، فلا تسقطها التوبة ، وهذا قول الشافعي .

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم

قوله تعالى: وابتغوا إليه الوسيلة في الوسيلة قولان . [ ص: 348 ] أحدهما: أنها القربة ، قاله ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، والفراء . وقال قتادة: تقربوا إليه بما يرضيه . قال أبو عبيدة: يقال: توسلت إليه ، أي: تقربت إليه . وأنشد:


إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل


والثاني: المحبة ، يقول: تحببوا إلى الله ، هذا قول ابن زيد .
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم

قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما قال ابن السائب: نزلت في طعمة بن أبيرق ، وقد مضت قصته في سورة (النساء) . و "السارق": إنما سمي سارقا ، لأنه يأخذ الشيء في خفاء ، واسترق السمع: إذا تسمع مستخفيا . قال المبرد: والسارق هاهنا: مرفوع بالابتداء ، لأنه ليس القصد منه واحدا بعينه ، وإنما هو ، [ ص: 349 ] كقولك: من سرق فاقطع يده . وقال ابن الأنباري: وإنما دخلت الفاء ، لأن في الكلام معنى الشرط ، تقديره: من سرق فاقطعوا يده . قال الفراء: وإنما قال: (فاقطعوا أيديهما) لأن كل شيء موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا ، جمع ، تقول: قد هشمت رؤوسهما ، وملأت [ظهورهما] وبطونهما [ضربا] ومثله فقد صغت قلوبكما [التحريم: 4] وإنما اختير الجمع على التثنية ، لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين اثنين في الإنسان: اليدين ، والرجلين ، والعينين ، فلما جرى أكثره على هذا ، ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية ، وقد يجوز تثنيتهما . قال أبو ذؤيب:


فتخالسا نفسيهما بنوافذ كنوافذ العبط التي لا ترقع


[ ص: 350 ] فصل

وهذه الآية اقتضت وجوب القطع على كل سارق ، وبينت السنة أن المراد به السارق لنصاب من حرز مثله ، كما قال تعالى: فاقتلوا المشركين [التوبة: 5] ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء ، والصبيان ، وأهل الصوامع . واختلف في مقدار النصاب ، فمذهب أصحابنا: أن للسرقة نصابين: أحدهما: من الذهب ربع دينار ، ومن الورق ثلاثة دراهم ، أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #173  
قديم 16-04-2022, 01:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (173)
صــ351 إلى صــ 355


[ ص: 351 ] وهو قول مالك . وقال أبو حنيفة: لا يقطع حتى تبلغ السرقة عشرة دراهم . وقال الشافعي: الاعتبار في ذلك بربع دينار ، وغيره مقوم به ، فلو سرق درهمين قيمتهما ربع دينار ، قطع ، فإن سرق نصابا من التبر ، فعليه القطع . وقال أبو حنيفة: لا يقطع حتى يبلغ ذلك نصابا مضروبا ، فإن سرق منديلا لا يساوي نصابا ، في طرفه دينار ، وهو لا يعلم ، لا يقطع . وقال الشافعي: يقطع . فإن سرق ستارة الكعبة ، قطع ، خلافا لأبي حنيفة . فإن سرق صبيا صغيرا حرا ، لم يقطع ، وإن كان على الصغير حلي . وقال مالك: يقطع بكل حال . وإذا اشترك جماعة في سرقة نصاب ، قطعوا ، وبه قال مالك ، إلا أنه اشترط أن يكون المسروق ثقيلا يحتاج إلى معاونة بعضهم لبعض في إخراجه . وقال أبو حنيفة ، والشافعي: لا قطع [ ص: 352 ] عليه بحال ويجب القطع على جاحد العارية عندنا ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والليث بن سعد ، خلافا لأكثر الفقهاء .

[ ص: 353 ] فصل

فأما الحرز ، فهو ما جعل للسكنى ، وحفظ الأموال ، كالدور والمضارب والخيم التي يسكنها الناس ، ويحفظون أمتعتهم بها ، فكل ذلك حرز ، وإن لم يكن فيه حافظ ولا عنده ، وسواء سرق من ذلك وهو مفتوح الباب ، أو لا باب له إلا أنه محجر بالبناء . فأما ما كان في غير بناء ولا خيمة ، فإنه ليس في حرز إلا أن يكون عنده من يحفظه . ونقل الميموني عن أحمد: إذا كان المكان مشتركا في الدخول إليه ، كالحمام والخيمة لم يقطع السارق منه ، ولم يعتبر الحافظ . ونقل عنه ابن منصور: لا يقطع سارق الحمام إلا أن يكون على المتاع أجير حافظ . فأما النباش ، فقال أحمد في رواية أبي طالب: يقطع ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وابن أبي ليلى . وقال الثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة: لا يقطع .

[ ص: 354 ] فصل

فأما موضع قطع السارق ، فمن مفصل الكف ، ومن مفصل الرجل . فأما اليد اليسرى والرجل اليمنى ، فروي عن أحمد: لا تقطع ، وهو قول أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وأبي حنيفة ، وروي عنه: أنها تقطع ، وبه قال مالك ، والشافعي . ولا يثبت القطع إلا بإقراره مرتين ، وبه قال ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو يوسف . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي: يثبت بمرة . ويجتمع القطع والغرم موسرا كان أو معسرا . وقال أبو حنيفة: لا يجتمعان ، فإن كانت العين باقية أخذها ربها ، وإن كانت مستهلكة ، فلا ضمان . وقال مالك: يضمنها إن كان موسرا ، ولا شيء عليه إن كان معسرا .

قوله تعالى: نكالا من الله قد ذكرنا "النكال" في (البقرة)

قوله تعالى: والله عزيز حكيم قال سعيد بن جبير: شديد في انتقامه ، حكيم إذ حكم بالقطع . قال الأصمعي: قرأت هذه الآية ، وإلى جنبي أعرابي ، فقلت: والله غفور رحيم ، سهوا ، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله . قال: أعد فأعدت: والله غفور رحيم ، فقال: ليس هذا كلام الله ، فتنبهت ، فقلت: والله عزيز حكيم . فقال: أصبت ، هذا كلام الله . فقلت له: أتقرأ القرآن؟ قال: لا . قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال: يا هذا عز فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لما قطع .
[ ص: 355 ] فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير

قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه سبب نزولها: أن امرأة كانت قد سرقت ، فقالت: يا رسول الله هل لي من توبة؟ فنزلت هذه الآية . قاله عبد الله ابن عمرو . وقال سعيد بن جبير: فمن تاب من بعد ظلمه ، أي: سرقته ، وأصلح العمل ، فإن الله يتجاوز عنه ، إن الله غفور لما كان منه قبل التوبة ، رحيم لمن تاب .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #174  
قديم 16-04-2022, 01:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (174)
صــ356 إلى صــ 360


يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن [ ص: 356 ] الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم

قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال . أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بيهودي وقد حمموه وجلدوه ، فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم ، فدعا رجلا من علمائهم ، فقال: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا نترك الشريف ، ونقيمه على الوضيع ، فقلنا: تعالوا نجمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم والجلد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" فأمر به فرجم ، ونزلت هذه الآية ، رواه البراء بن عازب .

[ ص: 357 ] والثاني: أنها نزلت في ابن صوريا آمن ثم كفر ، وهذا المعنى مروي عن أبي هريرة .

والثالث: أنها نزلت في يهودي قتل يهوديا ، ثم قال: سلوا محمدا فإن كان بعث بالدية ، اختصمنا إليه ، وإن كان بعث بالقتل ، لم نأته ، قاله الشعبي .

والرابع: أنها نزلت في المنافقين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

والخامس: أن رجلا من الأنصار أشارت إليه قريظة يوم حصارهم على ماذا ننزل؟ فأشار إليهم: أنه الذبح ، قاله السدي . قال مقاتل: هو أبو لبابة بن عبد المنذر ، قالت له قريظة: أتنزل على حكم سعد ، فأشار بيده: أنه الذبح ، وكان حليفا لهم . قال أبو لبابة: فعلمت أني قد خنت الله ورسوله ، فنزلت هذه الآية . ومعنى الكلام: لا يحزنك مسارعة الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم وهم المنافقون ، ومن الذين هادوا وهم اليهود .

(سماعون للكذب) قال سيبويه: هو مرفوع بالابتداء . قال أبو الحسن الأخفش: ويجوز أن يكون رفعه على معنى: ومن الذين هادوا سماعون للكذب . وفي معناه: أربعة أقوال .

أحدها: سماعون منك ليكذبوا عليك . والثاني: سماعون للكذب ، أي: قائلون له . والثالث: سماعون للكذب الذي بدلوه في توراتهم . والرابع: سماعون للكذب ، أي: قابلون له ، ومنه: "سمع الله لمن حمده" أي: قبل .

[ ص: 358 ] وفي قوله (سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) قولان .

أحدهما: يسمعون لأولئك ، فهم عيون لهم .

والثاني: سماعون من قوم آخرين ، وهم رؤساؤهم المبدلون التوراة .

وفي السماعين للكذب ، وللقوم الآخرين قولان .

أحدهما: أن "السماعين للكذب" يهود المدينة ، والقوم الآخرون [الذين لم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم] يهود فدك . والثاني: بالعكس من هذا .

وفي تحريفهم الكلم خمسة أقوال .

أحدها: أنه تغيير حدود الله في التوراة ، وذلك أنهم غيروا الرجم ، قاله ابن عباس ، والجمهور .

والثاني: تغيير ما يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب عليه ، قاله الحسن .

والثالث: إخفاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم . والرابع: إسقاط القود بعد استحقاقه .

والخامس: سوء التأويل ، وقال ابن جرير: المعنى يحرفون حكم الكلم ، فحذف ذكر الحكم لمعرفة السامعين بذلك .

قوله تعالى: من بعد مواضعه قال الزجاج : أي: من بعد أن وضعه الله مواضعه ، فأحل حلاله ، وحرم حرامه .

قوله تعالى: يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه في القائلين لهذا قولان .

أحدهما: أنهم اليهود ، وذلك أن رجلا وامرأة من أشرافهم زنيا ، فكان حدهما الرجم ، فكرهت اليهود رجمهما ، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن قضائه في الزانيين إذا أحصنا ، وقالوا: إن أفتاكم بالجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فلا تعملوا به ، هذا قول الجمهور . [ ص: 359 ] والثاني: أنهم المنافقون . قال قتادة: وذلك أن بني النضير كانوا لا يعطون قريظة القود إذا قتلوا منهم ، وإنما يعطونهم الدية ، فإذا قتلت قريظة من النضير لم يرضوا إلا بالقود تعززا عليهم ، فقتل بنو النضير رجلا من قريظة عمدا ، فأرادوا رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل من المنافقين: إن قتيلكم قتيل عمد ، ومتى ترفعوا ذلك إلى محمد خشيت عليكم القود ، فإن قبلت منكم الدية فأعطوا ، وإلا فكونوا منه على حذر . وفي معنى "فاحذروا" ثلاثة أقوال .

أحدها: فاحذروا أن تعملوا بقوله الشديد . والثاني: فاحذروا أن تطلعوه على ما في التوراة فيأخذكم بالعمل به . والثالث: فاحذروا أن تسألوه بعدها .

قوله تعالى: ومن يرد الله فتنته في "الفتنة" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها بمعنى: الضلالة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثاني: العذاب ، قاله الحسن ، وقتادة . والثالث: الفضيحة ، ذكره الزجاج .

قوله تعالى: فلن تملك له من الله شيئا أي: لا تغني عنه ، ولا تقدر على استنقاذه . وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم من حزنه على مسارعتهم في الكفر .

قوله تعالى: لم يرد الله أن يطهر قلوبهم قال السدي: يعني المنافقين واليهود ، لم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الكفر ، ووسخ الشرك بطهارة الإيمان والإسلام .

قوله تعالى: لهم في الدنيا خزي أما خزي المنافقين ، فبهتك سترهم وإطلاع النبي على كفرهم ، وخزي اليهود بفضيحتهم في إظهار كذبهم إذ كتموا الرجم ، وبأخذ الجزية منهم . قال مقاتل: وخزي قريظة بقتلهم وسبيهم ، وخزي النضير بإجلائهم .
[ ص: 360 ] سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين

قوله تعالى: سماعون للكذب قال الحسن يعني حكام اليهود يسمعون الكذب ممن يكذب عندهم في دعواه ، ويأتيهم برشوة فيأخذونها . وقال أبو سليمان: هم اليهود يسمعون الكذب ، وهو قول بعضهم لبعض: محمد كاذب ، وليس بنبي ، وليس في التوراة رجم ، وهم يعلمون كذبهم .

قوله تعالى: أكالون للسحت قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي ، وأبو جعفر: "السحت" مضمومة الحاء مثقلة . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة: "السحت" ساكنة الحاء خفيفة . وروى خارجة بن مصعب ، عن نافع: أكالون للسحت بفتح السين وجزم الحاء . قال أبو علي: السحت والسحت لغتان . وهما اسمان للشيء المسحوت ، وليسا بالمصدر ، فأما من فتح السين ، فهو مصدر سحت ، فأوقع اسم المصدر على المسحوت ، كما أوقع الضرب على المضروب في قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير . وفي المراد بالسحت ثلاثة أقوال .

أحدها: الرشوة في الحكم . والثاني: الرشوة في الدين ، والقولان عن ابن مسعود . والثالث: أنه كل كسب لا يحل ، قاله الأخفش .

قوله تعالى: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم فيمن أريد بهذا الكلام قولان .

أحدهما: اليهوديان اللذان زنيا ، قاله الحسن ، ومجاهد ، والسدي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #175  
قديم 16-04-2022, 01:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (175)
صــ361 إلى صــ 365


والثاني: رجلان من قريظة والنضير قتل أحدهما الآخر ، قاله قتادة . وقال [ ص: 361 ] ابن زيد: كان حيي بن أخطب قد جعل للنضيري ديتين ، والقرظي دية ، لأنه كان من النضير ، فقالت قريظة: لا نرضى بحكم حيي ، ونتحاكم إلى محمد ، فقال الله تعالى: لنبيه فإن جاؤوك فاحكم بينهم الآية .

فصل

اختلف علماء التفسير في هذه الآية على قولين .

أحدهما: أنها منسوخة ، وذلك أن أهل الكتاب كانوا إذا ترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيرا ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم ، ثم نسخ ذلك بقوله: وأن احكم بينهم بما أنزل الله فلزمه الحكم ، وزال التخيير ، وهذا مروي عن ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي .

والثاني: أنها محكمة ، وأن الإمام ونوابه في الحكم مخيرون إذا ترافعوا إليهم ، إن شاؤوا حكموا بينهم ، وإن شاؤوا أعرضوا عنهم ، وهذا مروي عن الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وهو الصحيح ، لأنه [ ص: 362 ] لا تنافي بين الآيتين ، لأن إحداهما: خيرت بين الحكم وتركه . والثانية: بينت كيفية الحكم إذا كان .
وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين

قوله تعالى: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة قال المفسرون: هذا تعجيب من الله عز وجل لنبيه من تحكيم اليهود إياه بعد علمهم بما في التوراة من حكم ما تحاكموا إليه فيه ، وتقريع لليهود إذ يتحاكمون إلى من يجحدون نبوته ، ويتركون حكم التوراة التي يعتقدون صحتها .

قوله تعالى: فيها حكم الله فيه قولان .

أحدهما: حكم الله بالرجم ، وفيه تحاكموا ، قاله الحسن .

والثاني: حكمه بالقود ، وفيه تحاكموا ، قاله قتادة .

قوله تعالى: ثم يتولون من بعد ذلك فيه قولان .

أحدهما: من بعد حكم الله في التوراة . والثاني: من بعد تحكيمك .

قوله تعالى: وما أولئك بالمؤمنين قولان .

أحدهما: ليسوا بمؤمنين لتحريفهم التوراة . والثاني: ليسوا بمؤمنين أن حكمك من عند الله لجحدهم نبوتك .
[ ص: 363 ] إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون

قوله تعالى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور قال المفسرون: سبب نزول هذه الآية: استفتاء اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الزانيين ، وقد سبق . و "الهدى": البيان . فالتوراة مبينة صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومبينة ما تحاكموا فيه إليه . و "النور": الضياء الكاشف للشبهات ، والموضح للمشكلات .

وفي النبيين الذين أسلموا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم الأنبياء من لدن موسى إلى عيسى ، قاله الأكثرون .

فعلى هذا القول في معنى "أسلموا" أربعة أقوال .

أحدها: سلموا لحكم الله ، ورضوا بقضائه . والثاني: انقادوا لحكم الله ، فلم يكتموه كما كتم هؤلاء . والثالث: أسلموا أنفسهم إلى الله عز وجل . والرابع: أسلموا لما في التوراة ودانوا بها ، لأنه قد كان فيهم من لم يعمل بكل ما فيها كعيسى عليه السلام . قال ابن الأنباري: وفي "المسلم" قولان .

أحدهما: أنه سمي بذلك لاستسلامه وانقياده لربه . والثاني: لإخلاصه لربه ، من قوله: ورجلا سلما لرجل [الزمر: 29] أي: خالصا له .

[ ص: 364 ] والثاني: أن المراد بالنبيين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن ، والسدي . وذلك حين حكم على اليهود بالرجم ، وذكره بلفظ الجمع كقوله: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله [النساء: 54]

وفي الذي حكم به منها قولان . أحدهما: الرجم والقود . والثاني: الحكم بسائرها ما لم يرد في شرعه ما يخالف . والثالث: النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ، قاله عكرمة .

قوله تعالى: للذين هادوا قال ابن عباس : تابوا من الكفر . قال الحسن: هم اليهود . قال الزجاج : ويجوز أن يكون في الآية تقديم وتأخير على معنى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا . فأما "الربانيون" فقد سبق ذكرهم في (آل عمران) . وأما "الأحبار" فهم العلماء واحدهم حبر وحبر ، والجمع أحبار وحبور . وقال الفراء: أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد الأحبار: حبر بكسر الحاء . وفي اشتقاق هذا الاسم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه من الحبار وهو الأثر الحسن ، قاله الخليل . والثاني: أنه من الحبر الذي يكتب به ، قاله الكسائي . والثالث: أنه من الحبر الذي هو الجمال والبهاء . وفي الحديث "يخرج رجل من النار قد ذهب حبره وسبره" أي: جماله وبهاؤه . فالعالم بهي بجمال العلم ، وهذا قول قطرب .

وهل بين الربانيين والأحبار فرق أم لا؟ فيه قولان .

أحدهما: لا فرق ، والكل علماء ، هذا قول الأكثرين ، منهم ابن قتيبة ، والزجاج . وقد روي عن مجاهد أنه قال: الربانيون: الفقهاء العلماء ، وهم فوق الأحبار . وقال السدي: الربانيون العلماء ، والأحبار القراء . وقال ابن زيد: [ ص: 365 ] "الربانيون": الولاة ، و "الأحبار": العلماء ، وقيل: الربانيون: علماء النصارى ، والأحبار: علماء اليهود .

قوله تعالى: بما استحفظوا من كتاب الله قال ابن عباس : بما استودعوا من كتاب الله وهو التوراة . وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما: يحكمون بحكم ما استحفظوا . والثاني: العلماء بما استحفظوا . قال ابن جرير: "الباء" في قوله: (بما استحفظوا) من صلة الأحبار .

وفي قوله: (وكانوا عليه شهداء) قولان .

أحدهما: وكانوا على ما في التوراة من الرجم شهداء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: وكانوا شهداء لمحمد عليه السلام بما قاله أنه حق . رواه العوفي عن ابن عباس .

قوله تعالى: فلا تخشوا الناس واخشون قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، وابن عامر ، والكسائي: "واخشون" بغير ياء في الوصل والوقف . وقرأ أبو عمرو: بياء في الوصل وبغير ياء في الوقف ، وكلاهما حسن . وقد أشرنا إلى هذا في (آل عمران) ثم في المخاطبين بهذا قولان .

أحدهما: أنهم رؤساء اليهود ، قيل لهم: فلا تخشوا الناس في إظهار صفة محمد ، والعمل بالرجم ، واخشوني في كتمان ذلك ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس . قال مقاتل: الخطاب ليهود المدينة ، قيل لهم: لا تخشوا يهود خيبر أن تخبروهم بالرجم ، ونعت محمد ، واخشوني في كتمانه .

والثاني: أنهم المسلمون ، قيل لهم: لا تخشوا الناس ، كما خشيت اليهود الناس ، فلم يقولوا الحق ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #176  
قديم 16-04-2022, 01:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (176)
صــ366 إلى صــ 370


[ ص: 366 ] قوله تعالى: ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا في المراد بالآيات قولان .

أحدهما: أنها صفة محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن .

والثاني: الأحكام والفرائض . والثمن القليل مذكور في (البقرة) .

فأما قوله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقوله تعالى بعدها: فأولئك هم الظالمون فأولئك هم الفاسقون . فاختلف العلماء فيمن نزلت على خمسة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في اليهود خاصة ، رواه عبيد بن عبد الله عن ابن عباس ، وبه قال قتادة . والثاني: أنها نزلت في المسلمين ، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا المعنى . والثالث: أنها عامة في اليهود ، وفي هذه الأمة ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، والنخعي ، والسدي . والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى ، قاله أبو مجلز . والخامس: أن الأولى في المسلمين ، والثانية في اليهود ، والثالثة في النصارى ، قاله الشعبي .

وفي المراد بالكفر المذكور في الآية الأولى قولان .

أحدهما: أنه الكفر بالله تعالى . والثاني: أنه الكفر بذلك الحكم ، وليس بكفر ينقل عن الملة .

وفصل الخطاب: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا له ، وهو يعلم أن الله أنزله ، كما فعلت اليهود ، فهو كافر ، ومن لم يحكم به ميلا إلى الهوى من غير جحود ، فهو ظالم وفاسق . وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: [ ص: 367 ] من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم به فهو فاسق وظالم .
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون

قوله تعالى: وكتبنا أي: فرضنا (عليهم) أي: على اليهود (فيها) أي: في التوراة . قال ابن عباس : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، فما بالهم يخالفون ، فيقتلون النفسين بالنفس ، ويفقؤون العينين بالعين؟ وكان على بني إسرائيل القصاص أو العفو ، وليس بينهم دية في نفس ولا جرح ، فخفف الله عن أمة محمد بالدية .

قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر: النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، ينصبون ذلك كله ويرفعون "والجروح" وكان نافع ، وعاصم ، وحمزة ينصبون ذلك كله ، وكان الكسائي يقرأ: "أن النفس بالنفس" نصبا ، ويرفع ما بعد ذلك . قال أبو علي: وحجته [ ص: 368 ] أن الواو لعطف الجمل ، لا للاشتراك في العامل ، ويجوز أن يكون حمل الكلام على المعنى ، لأن معنى: وكتبنا عليهم: قلنا لهم: النفس بالنفس ، فحمل العين على هذا ، وهذه حجة من رفع الجروح . ويجوز أن يكون مستأنفا ، لا أنه مما كتب على القوم ، وإنما هو ابتداء إيجاب . قال القاضي أبو يعلى: وقوله: العين بالعين ، ليس المراد قلع العين بالعين ، لتعذر استيفاء المماثلة ، لأنا لا نقف على الحد الذي يجب قلعه ، وإنما يجب فيما ذهب ضوؤها وهي قائمة ، وصفة ذلك أن تشد عين القالع ، وتحمى مرآة ، فتقدم من العين التي فيها القصاص حتى يذهب ضوؤها . وأما الأنف فإذا قطع المارن ، وهو مالان منه ، وتركت قصبته ، ففيه القصاص ، وأما إذا قطع من أصله ، فلا قصاص فيه ، لأنه لا يمكن استيفاء القصاص ، كما لو قطع يده من نصف الساعد . وقال أبو يوسف ، ومحمد: فيه القصاص إذا استوعب . وأما الأذن ، فيجب القصاص إذا استوعبت ، وعرف المقدار . وليس في عظم قصاص إلا في السن ، فإن قلعت قلع مثلها ، وإن كسر بعضها ، برد بمقدار ذلك . وقوله: والجروح قصاص يقتضي إيجاب القصاص في سائر الجراحات التي يمكن استيفاء المثل فيها .

قوله تعالى: فمن تصدق به يشير إلى القصاص .

فهو كفارة له في هاء "له" قولان .

أحدهما: أنها إشارة إلى المجروح ، فإذا تصدق بالقصاص كفر من ذنوبه ، وهو قول ابن مسعود ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، والحسن ، والشعبي .

[ ص: 369 ] والثاني: إشارة إلى الجارح إذا عفا عنه المجروح ، كفر عنه ما جنى ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، ومقاتل ، وهو محمول على أن الجاني تاب من جنايته ، لأنه إذا كان مصرا فعقوبة الإصرار باقية .
وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين

قوله تعالى: وقفينا على آثارهم أي: وأتبعنا على آثار النبيين الذين أسلموا (بعيسى) فجعلناه يقفو آثارهم (مصدقا) أي: بعثناه مصدقا (لما بين يديه) وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا ليس هذا تكرارا للأول ، لأن الأول لعيسى ، والثاني للإنجيل ، لأن عيسى كان يدعو إلى التصديق بالتوراة ، والإنجيل أنزل وفيه ذكر التصديق بالتوراة .
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون

قوله تعالى: وليحكم أهل الإنجيل قرأ الأكثرون: بجزم اللام على معنى الأمر ، تقديره: وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه . وقرأ الأعمش ، وحمزة: بكسر اللام ، وفتح الميم على معنى "كي" فكأنه قال: وآتيناه الإنجيل لكي يحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه .
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من [ ص: 370 ] الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون

قوله تعالى: وأنزلنا إليك الكتاب يعني: القرآن (بالحق) أي: بالصدق مصدقا لما بين يديه من الكتاب قال ابن عباس : يريد كل كتاب أنزله الله تعالى . وفي "المهيمن" أربعة أقوال .

أحدها: أنه المؤيمن رواه التميمي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وعطاء ، والضحاك . وقال المبرد: "مهيمن" في معنى: "مؤيمن" إلا أن الهاء بدل من الهمزة ، كما قالوا: أرقت الماء ، وهرقت ، وإياك وهياك .

وأرباب هذا القول يقولون: المعنى: أن القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب إلا أن ابن أبي نجيح روى عن مجاهد: ومهيمنا عليه . قال: محمد مؤتمن على القرآن . فعلى قوله ، في الكلام محذوف ، كأنه قال: وجعلناك يا محمد مهيمنا عليه ، فتكون هاء "عليه" راجعة إلى القرآن . وعلى غير قول مجاهد ترجع إلى الكتب المتقدمة .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #177  
قديم 16-04-2022, 01:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (177)
صــ371 إلى صــ 375

[ ص: 371 ] والثاني: أنه الشاهد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل .

والثالث: أنه المصدق على ما أخبر عن الكتب ، وهذا قول ابن زيد ، وهو قريب من القول الأول .

والرابع: أنه الرقيب الحافظ ، قاله الخليل .

قوله تعالى: فاحكم بينهم يشير إلى اليهود بما أنزل الله إليك في القرآن ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق قال أبو سليمان: المعنى: فترجع عما جاءك . قال ابن عباس : لا تأخذ بأهوائهم في جلد المحصن .

[ ص: 371 ] قوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا قال مجاهد: الشرعة: السنة ، والمنهاج: الطريق . وقال ابن قتيبة: الشرعة والشريعة واحد . والمنهاج: الطريق الواضح . فإن قيل: كيف نسق "المنهاج" على "الشرعة" وكلاهما بمعنى واحد؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أن بينهما فرقا من وجهين: أحدهما: أن "الشرعة" ابتداء الطريق ، والمنهاج: الطريق المستمر ، قاله المبرد . والثاني: أن "الشرعة" الطريق الذي ربما كان واضحا ، وربما كان غير واضح . والمنهاج: الطريق الذي لا يكون إلا واضحا ، ذكره ابن الأنباري . فلما وقع الاختلاف بين الشرعة والمنهاج ، حسن نسق أحدهما على الآخر .

والثاني: أن الشرعة والمنهاج بمعنى واحد . وإنما نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين . قال الحطيئة:


ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد


فنسق البعد على النأي لماخالفه في اللفظ ، وإن كان موافقا له في المعنى ، ذكره ابن الأنباري . وأجاب عنه أرباب القول الأول ، فقالوا: "النأي": كل ما قل بعده أو كثر كأنه المفارقة ، والبعد إنما يستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته .

وللمفسرين في معنى الكلام قولان .

أحدهما: لكل ملة جعلنا شرعة ومنهاجا ، فلأهل التوراة شريعة ، ولأهل [ ص: 373 ] الإنجيل شريعة ، ولأهل القرآن شريعة ، هذا قول الأكثرين . قال قتادة: الخطاب للأمم الثلاث: أمة موسى ، وعيسى ، وأمة محمد ، فللتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللفرقان شريعة يحل الله فيها ما يشاء ، ويحرم ما [يشاء] بلاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، [ولكن] الدين الواحد الذي لا يقبل غيره ، التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل .

والثاني: أن المعنى: لكل من دخل في دين محمد جعلنا القرآن شرعة ومنهاجا ، هذا قول مجاهد .

قوله تعالى: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة فيه قولان .

أحدهما: لجمعكم على الحق .

والثاني: لجعلكم على ملة واحدة ولكن ليبلوكم أي: ليختبركم في ما آتاكم من الكتب ، وبين لكم من الملل . فإن قيل: إذا كان المعني بقوله: لكل جعلنا [ ص: 374 ] منكم شرعة :نبينا محمدا مع سائر الأنبياء قبله ، فمن المخاطب بقوله: ليبلوكم ؟ فالجواب: أنه خطاب لنبينا ، والمراد به سائر الأنبياء والأمم . قال ابن جرير: والعرب من شأنها إذا خاطبت غائبا ، فأرادت الخبر عنه أن تغلب المخاطب ، فتخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب .

قوله تعالى: فاستبقوا الخيرات قال ابن عباس ، والضحاك: هو خطاب لأمة محمد عليه السلام . قال مقاتل: و "الخيرات": الأعمال الصالحة . إلى الله مرجعكم في الآخرة فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون من الدين . قال ابن جرير: قد بين ذلك في الدنيا بالأدلة والحجج ، وغدا يبينه بالمجازاة .
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون

قوله تعالى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله سبب نزولها: أن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد ، وعبد الله بن صوريا ، وشأس بن قيس ، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلنا نفتنه عن دينه ، فأتوه ، فقالوا: يا محمد ، قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم ، وأنا إن تبعناك ، اتبعك اليهود ، وإن بيننا وبين قوم خصومة ، فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس . وذكر مقاتل أن [ ص: 375 ] جماعة من بني النضير قالوا له: هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا أهل قريظة في أمر الدماء كما كنا عليه من قبل ، ونبايعك؟ فنزلت هذه الآية . قال القاضي أبو يعلى: وليس هذه الآية تكرارا لما تقدم ، وإنما نزلتا في شيئين مختلفين ، أحدهما: في شأن الرجم ، والآخر: في التسوية في الديات حتى تحاكموا إليه في الأمرين .

قوله تعالى: واحذرهم أن يفتنوك أي: يصرفوك عن بعض ما أنزل الله إليك وفيه قولان .

أحدهما: أنه الرجم ، قاله ابن عباس . والثاني: شأن القصاص والدماء ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: فإن تولوا فيه قولان .

أحدهما: عن حكمك . والثاني: عن الإيمان ، فاعلم أن إعراضهم من أجل أن الله يريد أن يعذبهم ببعض ذنوبهم . وفي ذكر البعض قولان .

أحدهما: أنه على حقيقته ، وإنما يصيبهم ببعض ما يستحقونه .

والثاني: أن المراد به الكل ، كما يذكر لفظ الواحد ، ويراد به الجماعة ، كقوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء [الطلاق: 1] والمراد: جميع المسلمين . وقال الحسن: أراد ما عجله من إجلاء بني النضير وقتل بني قريظة .

قوله تعالى: وإن كثيرا من الناس لفاسقون قال المفسرون: أراد اليهود .

وفي المراد بالفسق هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: الكفر ، قاله ابن عباس . والثاني: الكذب ، قاله ابن زيد . والثالث: المعاصي ، قاله مقاتل .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #178  
قديم 16-04-2022, 01:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (178)
صــ376 إلى صــ 380

أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون

[ ص: 376 ] قوله تعالى: أفحكم الجاهلية يبغون قرأ الجمهور "يبغون" بالياء ، لأن قبله غيبة ، وهي قوله: وإن كثيرا من الناس لفاسقون وقرأ ابن عامر: "تبغون" بالتاء ، على معنى: قل لهم . وسبب نزولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم بالرجم على اليهوديين تعلق بنو قريظة ببني النضير ، وقالوا: يا محمد هؤلاء إخواننا ، أبونا واحد ، وديننا واحد ، إذا قتلوا منا قتيلا أعطونا سبعين وسقا من تمر ، وإن قتلنا منهم واحدا أخذوا منا أربعين ومائة وسق ، وإن قتلنا منهم رجلا قتلوا به رجلين ، وإن قتلنا امرأة قتلوا بها رجلا ، فاقض بيننا بالعدل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لبني النضير على بني قريظة فضل في عقل ولا دم" فقال بنو النضير: والله لا نرضى بقضائك ، ولا نطيع أمرك ، ولنأخذن بأمرنا الأول ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال الزجاج : ومعنى الآية: أتطلب اليهود حكما لم يأمر الله به ، وهم أهل كتاب الله ، كما تفعل الجاهلية؟! .

قوله تعالى: ومن أحسن من الله حكما قال ابن عباس : ومن أعدل؟! .

وفي قوله: لقوم يوقنون قولان .

أحدهما: يوقنون بالقرآن ، قاله ابن عباس . والثاني: يوقنون بالله ، قاله مقاتل . وقال الزجاج : من أيقن تبين عدل الله في حكمه .
[ ص: 377 ] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء في سبب نزولها ثلاثة أقوال . .

أحدها: أنها نزلت في أبي لبابة حين قال لبني قريظة إذ رضوا بحكم سعد: إنه الذبح ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وهو قول عكرمة .

والثاني: أن عبادة بن الصامت قال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود ، وإني أبرأ إلى الله من ولاية يهود ، فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ، ولا أبرأ إلى الله من ولاية يهود ، فنزلت هذه الآية ، قاله عطية العوفي .

والثالث: أنه لما كانت وقعة أحد خافت طائفة من الناس أن يدال عليهم الكفار ، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألحق بفلان اليهودي ، فآخذ منه أمانا ، [ ص: 378 ] أو أتهود معه ، فنزلت هذه الآية ، قاله السدي ، ومقاتل . قال الزجاج : لا تتولوهم في الدين . وقال غيره: لا تستنصروا بهم ، ولا تستعينوا ، (بعضهم أولياء بعض) في العون والنصرة .

قوله تعالى: ومن يتولهم منكم فإنه منهم فيه قولان .

أحدهما: من يتولهم في الدين ، فإنه منهم في الكفر .

والثاني: من يتولهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر .
فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين

قوله تعالى: فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم قال المفسرون: نزلت في المنافقين ، ثم لهم في ذلك قولان .

أحدهما: أن اليهود والنصارى كانوا يميرون المنافقين ويقرضونهم فيوادونهم ، فلما نزلت لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء قال المنافقون: كيف نقطع مودة قوم إن أصابتنا سنة وسعوا علينا ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وممن قال: نزلت في المنافقين ، ولم يعين: مجاهد ، وقتادة .

والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن أبي ، قاله عطية العوفي .

وفي المراد بالمرض قولان .

أحدهما: أنه الشك ، قاله مقاتل . والثاني: النفاق ، قاله الزجاج .

[ ص: 379 ] وفي قوله: يسارعون فيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: يسارعون في موالاتهم ومناصحتهم ، قاله مجاهد ، وقتادة .

والثاني: في رضاهم ، قاله ابن قتيبة . والثالث: في معاونتهم على المسلمين ، قاله الزجاج . وفي المراد "بالدائرة" قولان .

أحدهما: الجدب والمجاعة ، قاله ابن عباس . قال ابن قتيبة: نخشى أن يدور علينا الدهر بمكروه ، يعنون الجدب ، فلا يبايعونا ، و [نمتار فيهم] فلا يميرونا .

والثاني: انقلاب الدولة لليهود على المسلمين ، قاله مقاتل .

وفي المراد بالفتح أربعة أقوال .

أحدها: فتح مكة ، قاله ابن عباس ، والسدي . والثاني: فتح قرى اليهود ، قاله الضحاك . والثالث: نصر النبي صلى الله عليه وسلم على من خالفه ، قاله قتادة ، والزجاج .

والرابع: الفرج ، قاله ابن قتيبة . وفي الأمر أربعة أقوال .

أحدها: إجلاء بني النضير وأخذ أموالهم ، وقتل قريظة ، وسبي ذراريهم ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . والثاني: الجزية ، قاله السدي . والثالث: الخصب ، قاله ابن قتيبة . والرابع: أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بإظهار أمر المنافقين وقتلهم ، قاله الزجاج . وفيما أسروا قولان .

أحدهما: موالاتهم . والثاني: قولهم لعل محمدا لا ينصر .
ويقول: الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين

قوله تعالى: ويقول الذين آمنوا قرأ أبو عمرو ، بنصب اللام على معنى: وعسى أن يقول . ورفعه الباقون ، فجعلوا الكلام مستأنفا . وقرأ ابن كثير ، [ ص: 380 ] ونافع ، وابن عامر يقول: بغير واو ، مع رفع اللام ، وكذلك في مصاحف أهل مكة والمدينة . قال المفسرون: لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ، اشتد ذلك على المنافقين ، وجعلوا يتأسفون على فراقهم ، وجعل المنافق يقول لقريبه المؤمن إذا رآه جادا في معاداة اليهود: أهذا جزاؤهم منك ، طال والله ما أشبعوا بطنك؟ فلما قتلت قريظة ، لم يطق أحد من المنافقين ستر ما في نفسه ، فجعلوا يقولون: أربعمئة حصدوا في ليلة ، فلما رأى المؤمنون ما قد ظهر من المنافقين ، قالوا: (أهؤلاء) يعنون المنافقين (الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم) قال ابن عباس : أغلظوا في الأيمان . وقال مقاتل: جهد أيمانهم: القسم بالله . وقال الزجاج : اجتهدوا في المبالغة في اليمين (إنهم لمعكم) على عدوكم (حبطت أعمالهم) بنفاقهم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #179  
قديم 16-04-2022, 01:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (179)
صــ381 إلى صــ 385

يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم

قوله تعالى: من يرتد منكم عن دينه قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي: يرتد ، بإدغام الدال الأولى في الأخرى ، وقرأ نافع ، وابن عامر: يرتدد ، بدالين . قال الزجاج : "يرتدد" هو الأصل ، لأن الثاني إذا سكن من المضاعف ، ظهر التضعيف . فأما "يرتد" فأدغمت الدال الأولى في الثانية ، وحركت الثانية بالفتح ، لالتقاء الساكنين . قال الحسن: علم الله أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم عليه السلام ، فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه . وفي المراد بهؤلاء القوم ستة أقوال . [ ص: 381 ] أحدها: أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ، قاله علي بن أبي طالب ، والحسن عليهما السلام ، وقتادة ، والضحاك ، وابن جريج . قال أنس بن مالك: كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة ، وقالوا: أهل القبلة ، فتقلد أبو بكر سيفه ، وخرج وحده ، فلم يجدوا بدا من الخروج على أثره .

والثاني: أبو بكر ، وعمر ، روي عن الحسن أيضا .

والثالث: أنهم قوم أبي موسى الأشعري ، روى عياض الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قوم هذا" يعني: أبا موسى .

والرابع: أنهم أهل اليمن ، رواه الضحاك ، عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والخامس: أنهم الأنصار ، قاله السدي .

والسادس: المهاجرون والأنصار ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . قال ابن جرير: وقد أنجز الله ما وعد فأتى بقوم في زمن عمر كانوا أحسن موقعا في الإسلام ممن ارتد .

قوله تعالى: أذلة على المؤمنين قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أهل [ ص: 382 ] رقة على أهل دينهم ، أهل غلظة على من خالفهم في دينهم . وقال الزجاج : معنى "أذلة": جانبهم لين على المؤمنين ، لا أنهم أذلاء .

يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم لأن المنافقين يراقبون الكفار ، ويظاهرونهم ، ويخافون لومهم ، فأعلم الله عز وجل أن الصحيح الإيمان لا يخاف في الله لومة لائم ، ثم أعلم أن ذلك لا يكون إلا بتوفيقه ، فقال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يعني: محبتهم لله ، ولين جانبهم للمسلمين ، وشدتهم على الكافرين .
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون

قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .

أحدها: أن عبد الله بن سلام وأصحابه جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن قوما قد أظهروا لنا العداوة ، ولا نستطيع أن نجالس أصحابك لبعد المنازل ، [ ص: 383 ] فنزلت هذه الآية ، فقالوا: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين ، وأذن بلال بالصلاة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا مسكين يسأل الناس ، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أعطاك أحد شيئا"؟ قال: نعم . قال: "ماذا"؟ قال: خاتم فضة . قال: "من أعطاكه"؟ قال: ذاك القائم ، فإذا هو علي بن أبي طالب ، أعطانيه وهو راكع ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

وقال مجاهد: نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدق وهو راكع .

والثاني: أن عبادة بن الصامت لما تبرأ من حلفائه اليهود نزلت هذه الآية في حقه ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث: أنها نزلت في أبي بكر الصديق ، قاله عكرمة .

والرابع: أنها نزلت فيمن مضى من المسلمين ومن بقي منهم ، قاله الحسن .

قوله تعالى: ويؤتون الزكاة وهم راكعون فيه قولان .

أحدهما: أنهم فعلوا ذلك في ركوعهم ، وهو تصدق علي عليه السلام بخاتمه في ركوعه . والثاني: أن من شأنهم إيتاء الزكاة وفعل الركوع .

[ ص: 384 ] وفي المراد بالركوع ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه نفس الركوع على ما روى أبو صالح عن ابن عباس . وقيل: إن الآية نزلت وهم في الركوع . والثاني: أنه صلاة التطوع بالليل والنهار ، وإنما أفرد الركوع بالذكر تشريفا له ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: أنه الخضوع والخشوع ، وأنشدوا:


لا تذل الفقير علك أن تر كع يوما والدهر قد رفعه


ذكره الماوردي . فأما "حزب الله" فقال الحسن: هم جند الله . وقال أبو عبيدة: أنصار الله . ثم فيه قولان .

أحدهما: أنهم المهاجرون والأنصار ، قاله ابن عباس .

والثاني: الأنصار ، ذكره أبو سليمان .
[ ص: 385 ] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين

قوله تعالى: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا سبب نزولها: أن رفاعة بن زيد بن التابوت ، وسويد بن الحارث كانا قد أظهرا الإسلام ، ثم نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . فأما اتخاذهم الدين هزوا ولعبا ، فهو إظهارهم الإسلام ، وإخفاؤهم الكفر ، وتلاعبهم بالدين . والذين أوتوا الكتاب: اليهود والنصارى ، والكفار: عبدة الأوثان . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحمزة: "والكفار" بالنصب على معنى: لا تتخذوا الكفار أولياء . وقرأ أبو عمرو ، والكسائي: "والكفار" خفضا ، لقرب الكلام من العامل الجار ، وأمال أبو عمرو الألف . واتقوا الله أن تولوهم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #180  
قديم 16-04-2022, 01:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (180)
صــ386 إلى صــ 390

وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون


قوله تعالى: وإذا ناديتم إلى الصلاة في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نادى إلى الصلاة ، وقام المسلمون [ ص: 386 ] إليها ، قالت اليهود: قاموا لا قاموا ، صلوا لا صلوا ، على سبيل الاستهزاء والضحك ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السائب .

والثاني: أن الكفار لما سمعوا الأذان حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على ذلك ، وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية ، فإن كنت تدعي النبوة ، فقد خالفت في هذا الأذان الأنبياء قبلك ، فما أقبح هذا الصوت ، وأسمج هذا الأمر ، فنزلت هذه الآية ، ذكره بعض المفسرين . وقال السدي: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن محمدا رسول الله ، قال: حرق الكاذب ، فدخلت خادمه ذات ليلة بنار وهو نائم ، وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله .

والمناداة: هي الأذان ، واتخاذهم إياها هزوا: تضاحكهم وتغامزهم ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ما لهم في إجابة الصلاة ، وما عليهم في استهزائهم بها .
قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون

قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا سبب نزولها: أن نفرا من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ، فذكر جميع الأنبياء ، فلما ذكر عيسى ، جحدوا نبوته ، وقالوا: والله ما نعلم دينا شرا من دينكم ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، قاله ابن عباس . وقرأ الحسن ، والأعمش: "تنقمون" بفتح القاف . قال الزجاج : يقال: نقمت على الرجل أنقم ، ونقمت [ ص: 387 ] عليه أنقم ، والأول أجود . ومعنى "نقمت": بالغت في كراهة الشيء ، والمعنى: هل تكرهون منا إلا إيماننا ، وفسقكم ، لأنكم علمتم أننا على حق ، وأنكم فسقتم .
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل

قوله تعالى: هل أنبئكم بشر من ذلك قال المفسرون: سبب نزولها: قول اليهود للمؤمنين: والله ما علمنا أهل دين أقل حظا منكم في الدنيا والآخرة ، ولا دينا شرا من دينكم . وفي قوله: بشر من ذلك قولان .

أحدهما: بشر من المؤمنين ، قاله ابن عباس .

والثاني: بشر مما نقمتم من إيماننا ، قاله الزجاج . فأما "المثوبة": فهي الثواب . قال الزجاج : وموضع "من" في قوله: من لعنه الله إن شئت كان رفعا ، وإن شئت كان خفضا ، فمن خفض جعله بدلا من "شر" فيكون المعنى: أنبئكم بمن لعنه الله؟ ومن رفع فبإضمار "هو" كأن قائلا قال: من ذلك؟ فقيل: هو من لعنه الله . قال أبو صالح عن ابن عباس: من لعنه الله بالجزية ، وغضب عليه بعبادة العجل ، فهم شر مثوبة عند الله . وروي عن ابن عباس أن المسخين من أصحاب السبت: مسخ شبابهم قردة ، ومشايخهم خنازير . وقال غيره: القردة: أصحاب السبت ، والخنازير: كفار مائدة عيسى . وكان ابن قتيبة يقول: أنا أظن أن هذه القردة ، والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت . قال: واستدللت بقوله تعالى: وجعل منهم القردة والخنازير فدخول الألف واللام يدل على المعرفة ، وعلى أنها القردة التي تعاين ، ولو كان أراد شيئا انقرض ومضى ، لقال: وجعل [ ص: 388 ] منهم قردة وخنازير ، إلا أن يصح حديث أم حبيبة في "المسوخ" فيكون كما قال عليه السلام . قلت: أنا . وحديث أم حبيبة في "الصحيح" انفرد بإخراجه مسلم ، وهو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله ، القردة والخنازير هي مما مسخ؟ فقال النبي عليه السلام: "[إن الله] لم يمسخ قوما أو يهلك قوما ، فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة ، وإن القردة والخنازير قد كانت قبل ذلك" وقد ذكرنا في سورة (البقرة) عن ابن عباس زيادة بيان ذلك ، فلا يلتفت إلى ظن ابن قتيبة .

قوله تعالى: وعبد الطاغوت فيها عشرون قراءة . قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، ونافع ، والكسائي: "وعبد" بفتح العين والباء والدال ، ونصب تاء "الطاغوت" وفيها وجهان .

أحدهما: أن المعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت .

والثاني: أن المعنى: من لعنه الله وعبد الطاغوت . وقرأ حمزة: "وعبد الطاغوت" بفتح العين والدال ، وضم الباء ، وخفض تاء الطاغوت . قال ثعلب: ليس لها وجه إلا أن يجمع فعل على فعل . وقال الزجاج : وجهها أن الاسم بني على "فعل" كما تقول علم زيد ، ورجل حذر ، أي: مبالغ في الحذر . فالمعنى: جعل منهم خدمة الطاغوت ومن بلغ في طاعة الطاغوت الغاية . وقرأ ابن مسعود ، [ ص: 389 ] وأبي بن كعب: "وعبدوا" بفتح العين والباء ، ورفع الدال على الجمع "الطاغوت" بالنصب . وقرأ ابن عباس ، وابن أبي عبلة: "وعبد" بفتح العين والباء والدال ، إلا أنهما كسرا تاء "الطاغوت" . قال الفراء: أرادا "عبدة" فحذفا الهاء . وقرأ أنس بن مالك: "وعبيد" بفتح العين والدال وبياء بعد الباء وخفض تاء "الطاغوت" . وقرأ أيوب ، والأعمش: "وعبد" برفع العين ونصب الباء والدال مع تشديد الباء ، وكسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو هريرة ، وأبو رجاء ، وابن السميفع: "وعابد" بألف ، مكسورة الباء ، مفتوحة الدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو العالية ، ويحيى بن وثاب: "وعبد" برفع العين والباء ، وفتح الدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . قال الزجاج : هو جمع عبيد وعبد ، مثل رغيف ورغف ، وسرير وسرر ، والمعنى: وجعل منهم عبيد الطاغوت . وقرأ أبو عمران الجوني ، ومورق العجلي ، والنخعي: "وعبد" برفع العين وكسر الباء مخففة ، وفتح الدال مع ضم تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وعكرمة: "وعبد" بفتح العين والدال ، وتشديد الباء ، مع نصب تاء "الطاغوت" . وقرأ الحسن ، وأبو مجلز ، وأبو نهيك: "وعبد" بفتح العين والدال ، وسكون الباء خفيفة مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ قتادة ، وهذيل ابن شرحبيل: "وعبدة" بفتح العين والباء والدال وتاء في اللفظ منصوبة بعد الدال "الطواغيت" بألف وواو وياء بعد الغين على الجمع . وقرأ الضحاك ، وعمرو بن [ ص: 390 ] دينار: "وعبد" برفع العين وفتح الباء والدال ، مع تخفيف الباء ، وكسر تاء "الطاغوت" .

وقرأ سعيد بن جبير ، والشعبي: "وعبدة" مثل حمزة ، إلا أنهما رفعا تاء "الطاغوت" .

وقرأ يحيى بن يعمر ، والجحدري: "وعبد" بفتح العين ورفع الباء والدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو الأشهب العطاردي: "وعبد" برفع العين وتسكين الباء ونصب الدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو السماك: "وعبدة" بفتح العين والباء والدال وتاء في اللفظ بعد الدال مرفوعة ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ معاذ القارئ: "وعابد" مثل قراءة أبي هريرة ، إلا أنه ضم الدال . وقرأ أبو حيوة: "وعباد" بتشديد الباء وبألف بعدها مع رفع العين ، وفتح الدال . وقرأ ابن حذلم ، وعمرو بن فائد: "وعباد" مثل أبي حيوة ، إلا أن العين مفتوحة ، والدال مضمومة . وقد سبق ذكر "الطاغوت" في سورة (البقرة)

وفي المراد به هاهنا قولان . أحدهما: الأصنام . والثاني: الشيطان .

قوله تعالى: أولئك شر مكانا أي: هؤلاء الذين وصفناهم شر مكانا من المؤمنين ، ولا شر في مكان المؤمنين ، ولكن الكلام مبني على كلام الخصم ، حين قالوا للمؤمنين: لا نعرف شرا منكم ، فقيل: من كان بهذه الصفة فهو شر منهم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 334.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 328.42 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]