تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - الصفحة 17 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الاحتفال بمولد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- واجب على كل مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من الانكسار إلى الانتصار.. رحلة قلب داعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          تقرير المصير... حق فلسطيني آمنَت به الشعوب ورفضته الدبلوماسية الغربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تنشيط الردع النووي لمنع اندلاع الحرب العالمية الثالثة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          شيخوخة الأمم المتحدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مستقبل الحكومة السورية الجديدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من أعلام الكفاح البحري في الإسلام: خير الدين بربروس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          مشاريع الأجيال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          رسالة إلى ساعي البريد (من طفل سوداني لا يملك عنوانًا… إلى مجهول لا يَرُدّ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تشريع القسامة وأثره في حفظ الدماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #161  
قديم 14-12-2021, 01:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (159)

سُورَةُ النَّحْلِ(5)
صـ 346 إلى صـ 350




قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : اختلاف العلماء في هذه المسألة من الاختلاف في تحقيق مناط من نصوص الشرع ، وذلك أنه ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث [ ص: 346 ] عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فإذا اختلفت هذه الأصناف ; فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " ، فعلم أن اختلاف الصنفين مناط جواز التفاضل .

واتحادهما مناط منع التفاضل ، واختلاف العلماء في تحقيق هذا المناط ، فبعضهم يقول : اللحم جنس واحد يعبر عنه باسم واحد ، فمناط تحريم التفاضل موجود فيه . وبعضهم يقول : هي لحوم مختلفة الجنس ; لأنها من حيوانات مختلفة الجنس ; فمناط منع التفاضل غير موجود . والعلم عند الله تعالى .
المسألة الثالثة : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان الذي يجوز أكله من جنسه .

وهذا مذهب أكثر العلماء : منهم مالك ، والشافعي ، وأحمد . وقال أبو حنيفة - رحمه الله - : يجوز بيع اللحم بالحيوان ; لأن الحيوان غير ربوي ، فأشبه بيعه باللحم بيع اللحم بالأثمان .

واحتج الجمهور بما رواه مالك في الموطأ ، عن زيد بن أسلم ، عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع اللحم بالحيوان . وفي " الموطأ " أيضا ، عن مالك ، عن داود بن الحصين : أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : من ميسر أهل الجاهلية بيع الحيوان باللحم بالشاة والشاتين . وفي " الموطأ " أيضا ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن سعيد بن المسيب : أنه كان يقول : نهي عن بيع الحيوان باللحم . قال أبو الزناد : فقلت لسعيد بن المسيب : أرأيت رجلا اشترى شارفا بعشر شياه ؟ ، فقال سعيد : إن كان اشتراها لينحرها فلا خير في ذلك . قال أبو الزناد : وكل من أدركت من الناس ينهون عن بيع الحيوان باللحم . قال أبو الزناد : وكان ذلك يكتب في عهود العمال في زمان أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل ينهون عن ذلك . اهـ ، من الموطأ .

وقال ابن قدامة في المغني : لا يختلف المذهب أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه ، وهو مذهب مالك والشافعي ، وقول فقهاء المدينة السبعة . وحكي عن مالك : أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان معد لللحم ويجوز بغيره . وقال أبو حنيفة : يجوز مطلقا ; لأنه باع مال الربا بما لا ربا فيه ; فأشبه بيع اللحم بالدراهم ، أو بلحم من غير جنسه . ولنا ما روي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن بيع اللحم بالحيوان " ، رواه مالك في الموطأ ، عن زيد بن أسلم ، عن سعيد بن المسيب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال ابن عبد البر : هذا أحسن أسانيده . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنه نهى أن يباع حي بميت " ذكره الإمام أحمد . وروي عن ابن عباس : " أن جزورا نحرت فجاء رجل بعناق ، فقال أعطوني جزءا بهذه العناق - فقال أبو بكر : لا يصلح [ ص: 347 ] هذا ، قال الشافعي : لا أعلم مخالفا لأبي بكر في ذلك . وقال أبو الزناد : كل من أدركت ينهى عن بيع اللحم بالحيوان ; ولأن اللحم نوع فيه الربا بيع بأصله الذي فيه مثله فلم يجز ; كبيع السمسم بالشيرج اهـ .

وقال صاحب المهذب : ولا يجوز بيع حيوان يؤكل لحمه بلحمه ، لما روى سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يباع حي بميت " ، وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - : " أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر - رضي الله عنه - ، فجاء رجل بعناق فقال : أعطوني بها لحما فقال أبو بكر : لا يصلح هذا " ; ولأنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه مثله ; فلم يجز كبيع الشيرج بالسمسم ، اهـ .

وقال ابن السبكي في تكملته لشرح المهذب : حديث سعيد بن المسيب رواه أبو داود من طريق الزهري ، عن سعيد ، كما ذكره المصنف ، ورواه مالك في الموطأ ، والشافعي في المختصر والأم ، وأبو داود من طريق زيد بن أسلم ، عن سعيد بن المسيب : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع اللحم بالحيوان " ، هذا لفظ الشافعي عن مالك ، وأبي داود ، عن القعنبي ، عن مالك ، وكذلك هو في موطأ ابن وهب . ورأيت في موطأ القعنبي عن بيع الحيوان باللحم ، والمعنى واحد ، وكلا الحديثين - أعني : رواية الزهري وزيد بن أسلم - مرسل ، ولم يسنده واحد عن سعيد . وقد روي من طرق أخر ، منها عن الحسن ، عن سمرة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع الشاة باللحم " ، رواه الحاكم في المستدرك ، وقال : رواته عن آخرهم أئمة حفاظ ثقات . وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة ، وله شاهد مرسل في الموطأ ، هذا كلام الحاكم . ورواه البيهقي في سننه الكبير ، وقال : هذا إسناد صحيح . ومن أثبت سماع الحسن عن سمرة عده موصولا . ومن لم يثبته فهو مرسل جيد انضم إلى مرسل سعيد . ومنها عن سهل بن سعد قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع اللحم بالحيوان " ، رواه الدارقطني ، وقال : تفرد به يزيد بن مروان ، عن مالك بهذا الإسناد ولم يتابع عليه ، وصوابه في الموطأ عن ابن المسيب مرسلا . وذكره البيهقي في سننه الصغير ، وحكم بأن ذلك من غلط يزيد بن مروان ، ويزيد المذكور تكلم فيه يحيى بن معين . وقال ابن عدي : وليس هذا بذلك المعروف . ومنها عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نهى عن بيع الحيوان باللحم " ، قال عبد الحق : أخرجه البزار في مسنده من رواية ثابت بن زهير عن نافع ، وثابت رجل من أهل البصرة منكر الحديث لا يستقل به . ذكره أبو حاتم الرازي . انتهى محل الغرض من كلام صاحب تكملة المجموع .

[ ص: 348 ] قال مقيده - عفا الله عنه - : لا يخفى أن هذا الذي ذكرنا يثبت به منع بيع اللحم بالحيوان . أما على مذهب من يحتج بالمرسل : كمالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد ، فلا إشكال ، وأما على مذهب من لا يحتج بالمرسل : فمرسل سعيد بن المسيب حجة عند كثير ممن لا يحتج بالمرسل ، ولا سيما أنه اعتضد بحديث الحسن عن سمرة . فعلى قول من يصحح سماع الحسن عن سمرة ; فلا إشكال في ثبوت ذلك ; لأنه حينئذ حديث صحيح متصل وأما على قول من لا يثبت سماع الحسن عن سمرة - فأقل درجاته أنه مرسل صحيح ، اعتضد بمرسل صحيح . ومثل هذا يحتج به من يحتج بالمرسل ومن لا يحتج به ، وقد قدمنا في " سورة المائدة " ، كلام العلماء في سماع الحسن عن سمرة ، وقدمنا في " سورة الأنعام " أن مثل هذا المرسل يحتج به بلا خلاف عنه الأئمة الأربعة ، فظهر بهذه النصوص : أن بيع الحيوان باللحم من جنسه لا يجوز ; خلافا لأبي حنيفة . وأما إن كان من غير جنسه كبيع شاة بلحم حوت ، أو بيع طير بلحم إبل فهو جائز عند مالك ; لأن المزابنة تنتفي باختلاف الجنس ، وحمل معنى الحديث على هذا وإن كان ظاهره العموم . ومذهب الشافعي مع اختلاف الجنس فيه قولان : أحدهما : جواز بيع اللحم بالحيوان إذا اختلف جنسهما .

والثاني : المنع مطلقا لعموم الحديث . ومذهب أحمد في المسألة ذكره ابن قدامة في المغني بقوله : وأما بيع اللحم بحيوان من غير جنسه فظاهر كلام أحمد والخرقي : أنه لا يجوز ; فإن أحمد سئل عن بيع الشاة باللحم ، فقال : لا يصح ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - " ، نهى أن يباع حتى بميت " ، واختار القاضي جوازه ، وللشافعي فيه قولان . واحتج من منعه بعموم الأخبار ، وبأن اللحم كله جنس واحد ومن أجازه ، قال : مال الربا بيع بغير أصله ولا جنسه ، فجاز كما لو باعه بالأثمان . وإن باعه بحيوان غير مأكول اللحم جاز في ظاهر قول أصحابنا ، وهو قول عامة الفقهاء . انتهى كلام صاحب المغني .

قال مقيده - عفا الله عنه - : قد عرفت مما تقدم أن بعض العلماء قال : إن اللحم كله جنس واحد . وبعضهم قال : إن اللحوم أجناس . فعلى أن اللحم جنس واحد ; فمنع بيع الحيوان باللحم هو الظاهر . وعلى أن اللحوم أجناس مختلفة ; فبيع اللحم بحيوان من غير جنسه الظاهر فيه الجواز ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم " ، والعلم عند الله تعالى .

[ ص: 349 ] تنبيه .

اشترط المالكية في منع بيع الحيوان باللحم من جنسه : إلا يكون اللحم مطبوخا . فإن كان مطبوخا : جاز عندهم بيعه بالحيوان من جنسه ، وهو معنى قول خليل في مختصره . وفسد منهي عنه إلا بدليل كحيوان بلحم جنسه إن لم يطبخ . واحتجوا لذلك ; بأن الطبخ ينقل اللحم عن جنسه ; فيجوز التفاضل بينه وبين اللحم الذي لم يطبخ ; فبيعه بالحيوان من باب أولى . هكذا يقولون . والعلم عند الله تعالى .
المسألة الرابعة : اعلم أن ظاهر هذه الآية الكريمة يدل على أنه يجوز للرجل أن يلبس الثوب المكلل باللؤلؤ والمرجان ; لأن الله - جل وعلا - قال فيها في معرض الامتنان العام على خلقه عاطفا على الأكل : وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ 16 \ 14 ] ، وهذا الخطاب خطاب الذكور كما هو معروف . ونظير ذلك قوله تعالى في سورة فاطر : ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها [ 35 \ 12 ] ، وقال القرطبي في تفسيره : امتن الله سبحانه على الرجال والنساء امتنانا عاما بما يخرج من البحر ، فلا يحرم عليهم شيء منه ، وإنما حرم تعالى على الرجال الذهب والحرير . وقال صاحب الإنصاف : يجوز للرجل والمرأة التحلي بالجوهر ونحوه ، وهو الصحيح من المذهب . وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز للرجل أن يلبس الثوب المكلل باللؤلؤ مثلا ، ولا أعلم للتحريم مستندا إلا عموم الأحاديث الواردة بالزجر البالغ عن تشبه الرجال بالنساء ، كالعكس ! قال البخاري في صحيحه : " باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال " : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، قال : " لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " . فهذا الحديث نص صريح في أن تشبه الرجال بالنساء حرام ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يلعن أحدا إلا على ارتكاب حرام شديد الحرمة . ولا شك أن الرجل إذ لبس اللؤلؤ والمرجان فقد تشبه بالنساء . فإن قيل : يجب تقديم الآية على هذا الحديث ، وما جرى مجراه من الأحاديث من وجهين :

الأول : أن الآية نص متواتر ، والحديث المذكور خبر آحاد ، والمتواتر مقدم على الآحاد .

[ ص: 350 ] الثاني : أن الحديث عام في كل أنواع التشبه بالنساء ، والآية خاصة في إباحة الحلية المستخرجة من البحر ، والخاص مقدم على العام ؟ فالجواب : أنا لم نر من تعرض لهذا . والذي يظهر لنا - والله تعالى أعلم - : أن الآية الكريمة وإن كانت أقوى سندا وأخص ، في محل النزاع ; فإن الحديث أقوى دلالة على محل النزاع منها ; وقوة الدلالة في نص صالح للاحتجاج على محل النزاع أرجح من قوة السند ; لأن قوله : وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ 16 \ 14 ] ، يحتمل معناه احتمالا قويا : أن وجه الامتنان به أن نساءهم يتجملن لهم به ، فيكون تلذذهم وتمتعهم بذلك الجمال والزينة الناشئ عن تلك الحلية من نعم الله عليهم ، وإسناد اللباس إليهم لنفعهم به ، وتلذذهم بلبس أزواجهم له ، بخلاف الحديث فهو نص صريح غير محتمل في لعن من تشبه بالنساء ، ولا شك أن المتحلي باللؤلؤ مثلا متشبه بهن ; فالحديث يتناوله بلا شك . وقال ابن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث المذكور ، واستدل به على أنه يحرم على الرجال لبس الثوب المكلل باللؤلؤ ، وهو واضح ، لورود علامات التحريم وهو لعن من فعل ذلك : وأما قول الشافعي : ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ ، إلا لأنه من زي النساء ، فليس مخالفا لذلك ; لأن مراده أنه لم يرد في النهي عنه بخصوصه شيء .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #162  
قديم 14-12-2021, 01:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (160)

سُورَةُ النَّحْلِ(6)
صـ 351 إلى صـ 355




المسألة الخامسة : لا يخفى أن الفضة والذهب يمنع الشرب في آنيتهما مطلقا ، ولا يخفى أيضا أنه يجوز لبس الذهب والحرير للنساء ويمنع للرجال . وهذا مما لا خلاف فيه ; لكثرة النصوص الصحيحة المصرحة به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجماع المسلمين على ذلك ، ومن شذ فهو محجوج بالنصوص الصريحة وإجماع من يعتد به من المسلمين على ذلك . وسنذكر طرفا قليلا من النصوص الكثيرة الواردة في ذلك .

أما الشرب في آنيتهما : فقد أخرج الشيخان ، والإمام أحمد ، وأصحاب السنن ، عن حذيفة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ; فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " ، ولفظة : " ولا تأكلوا في صحافها " في صحيح مسلم : وعن أم سلمة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " ، متفق عليه . وفي رواية لمسلم : " إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب والفضة ، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " ، والأحاديث بمثل هذا كثيرة .

وأما لبس الحرير والديباج الذي هو نوع من الحرير : فعن حذيفة - رضي الله عنه - [ ص: 351 ] قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ; فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " ، أخرجه الشيخان وباقي الجماعة . وعن عمر - رضي الله عنه - سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تلبسوا الحرير ; فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " ، متفق عليه . وعن أنس - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة " ، متفق عليه أيضا . والأحاديث بمثل هذا كثيرة جدا .

وأما لبس الذهب : فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهاهم عن خاتم الذهب " ، قال البخاري في صحيحه : حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا أشعث بن سليم ، قال : سمعت معاوية بن سويد بن مقرن ، قال : سمعت البراء بن عازب - رضي الله عنهما - يقول : " نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبع : نهى عن خاتم الذهب - أو قال حلقة الذهب - ، وعن الحرير ، والإستبرق ، والديباج ، والميثرة الحمراء ، والقسي ، وآنية الفضة ، وأمرنا بسبع : بعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وتشميت العاطس ، ورد السلام ، وإجابة الداعي ، وإبرار المقسم ، ونصر المظلوم " ، ولفظ مسلم في صحيحه قريب منه ، إلا أن مسلما قدم السبع المأمور بها على السبع المنهي عنها . وقال في حديثه : " ونهانا عن خواتيم ، أو عن تختم بالذهب " ، وهذا الحديث المتفق عليه يدل على أن لبس الذهب لا يحل للرجال ; لأنه إذا منع الخاتم منه فغيره أولى ، وهو كالمعلوم من الدين بالضرورة ، والأحاديث فيه كثيرة .

وأما جواز لبس النساء للحرير : فله أدلة كثيرة ، منها : حديث علي - رضي الله عنه - : أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حلة سيراء ، فبعث بها إلي فلبستها فعرفت الغضب في وجهه ، فقال : " إني لم أبعث بها إليك لتلبسها ، إنما بعثت بها إليك لتشقها خمرا بين نسائك " ، متفق عليه . وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برد حلة سيراء . أخرجه البخاري والنسائي وأبو داود ، والأحاديث بمثل ذلك كثيرة . وإباحة الحرير للنساء كالمعلوم بالضرورة . ومخالفة عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - في ذلك لا أثر لها ; لأنه محجوج بالنصوص الصحيحة ، واتفاق عامة علماء المسلمين .

وأما جواز لبس الذهب للنساء : فقد وردت فيه أحاديث كثيرة . منها : ما رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والحاكم وصححاه ، والطبراني من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي ، وحرم على ذكورها " ، وفي هذا الحديث كلام ; لأن راويه عن أبي موسى وهو سعيد بن أبي هند ، قال [ ص: 352 ] بعض العلماء : لم يسمع من أبي موسى .

قال مقيده - عفا الله عنه - : ولو فرضنا أنه لم يسمع منه فالحديث حجة ; لأنه مرسل معتضد بأحاديث كثيرة ، منها ما هو حسن ، ومنها ما إسناده مقارب ، كما بينه الحافظ في التلخيص وبإجماع المسلمين ، وقد قال البيهقي - رحمه الله - في سننه الكبرى ، " باب سياق أخبار تدل على تحريم التحلي بالذهب " ، وساق أحاديث في ذلك ، ثم قال : " باب سياق أخبار تدل على إباحته للنساء " ، ثم ساق في ذلك أحاديث ، وذكر منها حديث سعيد بن أبي هند المذكور عن أبي موسى ، ثم قال : ورويناه من حديث علي بن أبي طالب ، وعقبة بن عامر ، وعبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر منها أيضا حديث عائشة قالت : قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - حلية من عند النجاشي أهداها له ، فيها خاتم من ذهب ، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعود معرضا عنه أو ببعض أصابعه ، ثم دعا أمامة بنت أبي العاص بنت ابنته زينب ، فقال : " تحلي هذا يا بنية " ، وذكر منها أيضا حديث بنت أسعد بن زرارة - رضي الله عنه - : أنها كانت هي وأختاها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن أباهن أوصى إليه بهن ، قالت : فكان - صلى الله عليه وسلم - يحلينا بالذهب واللؤلؤ . وفي رواية : " يحلينا رعاثا من ذهب ولؤلؤ " ، وفي رواية : " يحلينا التبر واللؤلؤ " ، ثم قال البيهقي : قال أبو عبيد : قال أبو عمرو : وواحد الرعاث رعثة ، ورعثة وهو القرط . ثم قال البيهقي : فهذه الأخبار وما ورد في معناها تدل على إباحة التحلي بالذهب للنساء ، واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة . وقد قال بعض أهل العلم : إن موافقة الإجماع لخبر الآحاد تصيره قطعيا لاعتضاده بالقطعي ، وهو الإجماع . وقد تقدم ذلك في " سورة التوبة " ، والله أعلم .

فتحصل أنه لا شك في تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال ، وإباحته للنساء .
المسألة السادسة : أما لبس الرجال خواتم الفضة فهو جائز بلا شك ، وأدلته معروفة في السنة ، ومن أوضحها خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضة المنقوش فيه : " محمد رسول الله " ، الذي كان يلبسه بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان . حتى سقط في بئر أريس كما هو ثابت في الصحيحين . أما لبس الرجال لغير الخاتم من الفضة ففيه خلاف بين العلماء ، وسنوضح هذه المسألة إن شاء الله .

اعلم أولا : أن الرجل إذا لبس من الفضة مثل ما يلبسه النساء من الحلي : كالخلخال ، والسوار ، والقرط ، والقلادة ، ونحو ذلك ، فهذا لا ينبغي أن يختلف في منعه ; لأنه تشبه [ ص: 353 ] بالنساء ، ومن تشبه بهن من الرجال فهو ملعون على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما مر آنفا . وكل من كان ملعونا على لسانه - صلى الله عليه وسلم - فهو ملعون في كتاب الله ، كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - ; لأن الله يقول : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] ، وأما غير ذلك كجعل الرجل الفضة في الثوب ، واستعمال الرجل شيئا محلى بأحد النقدين ; فجماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة على أن ذلك ممنوع ، مع الإجماع على جواز تختم الرجل بخاتم الفضة . والاختلاف في أشياء : كالمنطقة ، وآلة الحرب ونحوه ، والمصحف . والاتفاق على جعل الأنف من الذهب وربط الأسنان بالذهب والفضة . وسنذكر بعض النصوص من فروع المذاهب الأربعة في ذلك .

قال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره الذي قال في ترجمته مبينا لما به الفتوى ما نصه : وحرم استعمال ذكر محلى ولو منطقة وآلة حرب ; إلا السيف والأنف ، وربط سن مطلقا ، وخاتم فضة ; لا ما بعضه ذهب ولو قل ، وإناء نقد واقتناؤه وإن لامرأة . وفي المغشى ، والمموه ، والمضبب ، وذي الحلقة ، وإناء الجوهر ، قولان . وجاز للمرأة الملبوس مطلقا ولو نعلا لا كسرير . انتهى الغرض من كلام خليل مع اختلاف في بعض المسائل التي ذكرها عند المالكية . وقال صاحب تبيين الحقائق في مذهب الإمام أبي حنيفة ما نصه : ولا يتحلى الرجل بالذهب والفضة ، إلا بالخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة . اهـ .

وقال النووي في شرح المهذب في مذهب الشافعي : " فصل فيما يحل ويحرم من الحلي : " فالذهب أصله على التحريم في حق الرجال ، وعلى الإباحة للنساء - إلى أن قال : وأما الفضة فيجوز للرجل التختم بها ، وهل له ما سوى الخاتم من حلي الفضة : كالدملج ، والسوار ، والطوق ، والتاج ; فيه وجهان . قطع الجمهور بالتحريم . انتهى محل الغرض من كلام النووي . وقال ابن قدامة في المقنع في مذهب الإمام أحمد : ويباح للرجال من الفضة الخاتم ، وفي حلية المنطقة روايتان ، وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل . ومن الذهب قبيعة السيف . ويباح للنساء من الذهب والفضة كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر . انتهى محل الغرض من المقنع .

فقد ظهر من هذه النقول : أن الأئمة الأربعة في الجملة متفقون على منع استعمال المحلى بالذهب أو الفضة من ثوب أو آلة أو غير ذلك ، إلا في أشياء استثنوها على اختلاف بينهم في بعضها . وقال بعض العلماء : لا يمنع لبس شيء من الفضة . واستدل من قال بهذا بأمرين : أحدهما : أنها لم يثبت فيها تحريم . قال صاحب الإنصاف في شرح قول صاحب [ ص: 354 ] المقنع : وعلى قياسها الجوشن والخوذة إلخ ، ما نصه : وقال صاحب الفروع فيه : ولا أعرف على تحريم الفضة نصا عن أحمد . وكلام شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال ، إلا ما دل الشرع على تحريمه - انتهى . وقال الشيخ تقي الدين أيضا : لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام لم يكن لأحد أن يحرم منه ، إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه ، فإذا أباحت السنة خاتم الفضة دل على إباحة ما في معناه ، وما هو أولى منه بالإباحة ، وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه ، والتحريم يفتقر إلى دليل ، والأصل عدمه . ونصره صاحب الفروع ، ورد جميع ما استدل به الأصحاب . انتهى كلام صاحب الإنصاف .

الأمر الثاني : حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على ذلك . قال أبو داود في سننه : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن أسيد بن أبي أسيد البراد ، عن نافع بن عياش ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ، ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب ، ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ، ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها " هذا لفظ أبي داود .

قال مقيده - عفا الله عنه - : الذي يظهر لي - والله أعلم - أن هذا الحديث لا دليل فيه على إباحة لبس الفضة للرجال . ومن استدل بهذا الحديث على جواز لبس الرجال للفضة فقد غلط ; بل معنى الحديث : أن الذهب كان حراما على النساء ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى الرجال عن تحلية نسائهم بالذهب ، وقال لهم : " العبوا بالفضة " ، أي : حلوا نساءكم منها بما شئتم . ثم بعد ذلك نسخ تحريم الذهب على النساء . والدليل على هذا الذي ذكرنا أمور :

الأول : أن الحديث ليس في خطاب الرجال بما يلبسونه بأنفسهم ; بل بما يحلون به أحبابهم ، والمراد نساؤهم ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه : " من أحب أن يحلق حبيبه " ، " أن يطوق حبيبه " ، " أن يسور حبيبه " ، ولم يقل : من أحب أن يحلق نفسه ، ولا أن يطوق نفسه ، ولا أن يسور نفسه ; فدل ذلك دلالة واضحة لا لبس فيها على أن المراد بقوله : " فالعبوا بها " ، أي : حلوا بها أحبابكم كيف شئتم ; لارتباط آخر الكلام بأوله .

الأمر الثاني : أنه ليس من عادة الرجال أن يلبسوا حلق الذهب ، ولا أن يطوقوا بالذهب ، ولا يتسوروا به في الغالب ; فدل ذلك على أن المراد بذلك من شأنه لبس الحلقة [ ص: 355 ] والطوق والسوار من الذهب ، وهن النساء بلا شك .

الأمر الثالث : أن أبا داود - رحمه الله - قال بعد الحديث المذكور متصلا به : حدثنا مسدد ، ثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن ربعي بن خراش ، عن امرأته ، عن أخت لحذيفة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا معشر النساء ، أما لكن في الفضة ما تحلين به ، أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به " .

حدثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا أبان بن يزيد العطار ، ثنا يحيى أن محمد بن عمرو الأنصاري ، حدثه أن أسماء بنت يزيد حدثته : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت في عنقها مثله من النار يوم القيامة ، وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب جعل في أذنها مثله من النار يوم القيامة " .

فهذان الحديثان يدلان على أن المراد بالحديث الأول : منع الذهب للنساء ، وأن قوله : " فالعبوا بها " معناه : فحلوا نساءكم من الفضة بما شئتم كما هو صريح في الحديثين الأخيرين . وهذا واضح جدا كما ترى .

ويدل له أن الحافظ البيهقي - رحمه الله - ذكر الأحاديث الثلاثة المذكورة التي من جملتها : " وعليكم بالفضة فالعبوا بها " ، في سياق الأحاديث الدالة على تحريم الذهب على النساء أولا دون الفضة ، ثم بعد ذلك ذكر الأحاديث الدالة على النسخ ، ثم قال : واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة . والله أعلم انتهى .

ومن جملة تلك الأحاديث المذكورة ، حديث : " فالعبوا بها " ، وهو واضح جدا فيما ذكرنا . فإن قيل : قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور : " يحلق حبيبه " ، " أن يطوق حبيبه " ، " أن يسور حبيبه " ، يدل على أن المراد ذكر ; لأنه لو أراد الأنثى لقال : حبيبته بتاء الفرق بين الذكر والأنثى .

فالجواب : أن إطلاق الحبيب على الأنثى باعتبار إرادة الشخص الحبيب مستفيض في كلام العرب لا إشكال فيه ; ومنه قول حسان بن ثابت - رضي الله عنه - :
منع النوم بالعشاء الهموم وخيال إذا تغار النجوم من حبيب أصاب قلبك منه سقم
فهو داخل مكتوم


ومراده بالحبيب أنثى ; بدليل قوله بعده : [ ص: 356 ]
لم تفتها شمس النهار بشيء غير أن الشباب ليس يدوم


وقول كثير عزة :
لئن كان برد الماء هيمان صاديا إلي حبيبا إنها لحبيب


ومثل هذا كثير في كلام العرب ، فلا نطيل به الكلام .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #163  
قديم 06-01-2022, 02:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (161)

سُورَةُ النَّحْلِ(7)
صـ 356 إلى صـ 360



قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي من كتاب الله - جل وعلا - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - : أن لبس الفضة حرام على الرجال ، وأن من لبسها منهم في الدنيا لم يلبسها في الآخرة . وإيضاح ذلك أن البخاري قال في صحيحه في باب : " لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه " : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، قال : كان حذيفة بالمدائن فاستسقى فأتاه دهقان بماء في إناء من فضة ، فرماه به ، وقال : إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " ، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح : " الذهب ، والفضة ، والحرير : والديباج ; هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " ، يدخل في عمومه تحريم لبس الفضة ; لأن الثلاث المذكورات معها يحرم لبسها بلا خلاف . وما شمله عموم نص ظاهر من الكتاب والسنة لا يجوز تخصيصه إلا بنص صالح للتخصيص ; كما تقرر في علم الأصول .

فإن قيل : الحديث وارد في الشرب في إناء الفضة لا في لبس الفضة ؟ .

فالجواب : أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ، لا سيما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في الحديث ما لا يحتمل غير اللبس : كالحرير ، والديباج .

فإن قيل : جاء في بعض الروايات الصحيحة ما يفسر هذا ، ويبين أن المراد بالفضة الشرب في آنيتها لا لبسها ; قال البخاري في صحيحه " باب الشرب في آنية الذهب " ، حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى قال : كان حذيفة بالمدائن فاستسقى ، فأتاه دهقان بقدح فضة ، فرماه به ، فقال : إني لم أرمه ، إلا أني نهيته فلم ينته ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الحرير والديباج ، والشرب في آنية الذهب والفضة ، وقال : " هن لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " ، " باب آنية الفضة " ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، قال : خرجنا مع حذيفة وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تلبسوا الحرير والديباج ; فإنها لهم في الدنيا [ ص: 357 ] ولكم في الآخرة " ، انتهى .

فدل هذا التفصيل - الذي هو النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة ، والنهي عن لبس الحرير والديباج - : على أن ذلك هو المراد بما في الرواية الأولى ، وإذن فلا حجة في الحديث على منع لبس الفضة ; لأنه تعين بهاتين الروايتين أن المراد الشرب في آنيتها لا لبسها ; لأن الحديث حديث واحد .

فالجواب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن الرواية المتقدمة عامة بظاهرها في الشرب واللبس معا ، والروايات المقتصرة على الشرب في آنيتها دون اللبس ذاكرة بعض أفراد العام ، ساكتة عن بعضها . وقد تقرر في الأصول : " أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه " ، وهو الحق كما بيناه في غير هذا الموضع . وإليه أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما لا يخصص به العموم على الصحيح :


وذكر ما وافقه من مفرد ومذهب الراوي على المعتمد


الوجه الثاني : أن التفصيل المذكور لو كان هو مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان الذهب لا يحرم لبسه ، وإنما يحرم الشرب في آنيته فقط ، كما زعم مدعي ذلك التفصيل في الفضة ; لأن الروايات التي فيها التفصيل المذكور : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة " ، فظاهرها عدم الفرق بين الذهب والفضة . ولبس الذهب حرام إجماعا على الرجال .

الوجه الثالث : وهو أقواها ، ولا ينبغي لمن فهمه حق الفهم أن يعدل عنه ; لظهور وجهه ، هو : أن هذه الأربعة المذكورة في هذا الحديث ، التي هي : الذهب ، والفضة ، والحرير ، والديباج ، صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها للكفار في الدنيا ، وللمسلمين في الآخرة ، فدل ذلك على أن من استمتع بها من الدنيا لم يستمتع بها في الآخرة ، وقد صرح - جل وعلا - في كتابه العزيز بأن أهل الجنة يتمتعون بالذهب والفضة من جهتين :

إحداهما : الشراب في آنيتهما .

والثانية : التحلي بهما . وبين أن أهل الجنة يتنعمون بالحرير والديباج من جهة واحدة وهي لبسها ، وحكم الاتكاء عليهما داخل في حكم لبسهما . فتعين تحريم الذهب والفضة من الجهتين المذكورتين . وتحريم الحرير والديباج من الجهة الواحدة ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الروايات الصحيحة في الأربعة المذكورة : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في [ ص: 358 ] الآخرة " ; لأنه لو أبيح التمتع بالفضة في الدنيا والآخرة ; لكان ذلك معارضا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " ، وسنوضح ذلك - إن شاء الله تعالى - من كتاب الله - جل وعلا - .

اعلم أولا : أن الديباج هو المعبر عنه في كتاب الله بالسندس والإستبرق . فالسندس : رقيق الديباج . والإستبرق : غليظه .

فإذا علمت ذلك ; فاعلم أن الله - جل وعلا - بين تنعم أهل الجنة بلبس الذهب والديباج الذي هو السندس والإستبرق في " سورة الكهف " ، في قوله : أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق الآية [ 18 \ 31 ] ، فمن لبس الذهب والديباج في الدنيا منع من هذا التنعم بهما المذكور في " الكهف " .

ذكر - جل وعلا - تنعم أهل الجنة بلبس الحرير والذهب في " سورة الحج " ، في قوله : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد . [ 22 \ 23 - 24 ] .

وبين أيضا تنعمهم بلبس الذهب والحرير في " سورة فاطر " ، في قوله : جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . الآية [ 35 \ 33 ، 34 ] ، فمن لبس الذهب والحرير في الدنيا منع من هذا التنعم بهما المذكور في " سورة الحج وفاطر " .

وذكر - جل وعلا - تنعمهم بلبس الحرير في " سورة الإنسان " ، في قوله : وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا [ 76 \ 12 ] ، وفي " الدخان " بقوله إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق الآية [ 44 \ 51 - 53 ] ، فمن لبس الحرير في الدنيا منع من هذا التنعم به المذكور في " سورة الإنسان والدخان " .

وذكر - جل وعلا - تنعمهم بالاتكاء على الفرش التي بطائنها " من إستبرق " في " سورة الرحمن " ، بقوله : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق . الآية [ 55 \ 54 ] . فمن اتكأ على الديباج في الدنيا منع هذا التنعم المذكور في " سورة الرحمن " .

وذكر - جل وعلا - تنعم أهل الجنة بلبس الديباج ، الذي هو السندس والإستبرق ولبس [ ص: 359 ] الفضة في " سورة الإنسان " أيضا ، في قوله : عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا [ 76 \ 21 ] .

فمن لبس الديباج أو الفضة في الدنيا منع من التنعم بلبسهما المذكور في " سورة الإنسان " ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " ، فلو أبيح لبس الفضة في الدنيا مع قوله في نعيم أهل الجنة : وحلوا أساور من فضة [ 76 \ 21 ] ; لكان ذلك مناقضا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " .

وذكر تنعم أهل الجنة بالشرب في آنية الذهب في " سورة الزخرف " ، في قوله تعالى : يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب الآية [ 43 \ 71 ] ، فمن شرب في الدنيا في أواني الذهب منع من هذا التنعم بها المذكور في " الزخرف " .

وذكر - جل وعلا - تنعم أهل الجنة بالشرب في آنية الفضة في " سورة الإنسان " ، في قوله : ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا [ 76 \ 15 - 18 ] ، فمن شرب في آنية الفضة في الدنيا منع هذا التنعم بها المذكور في " سورة الإنسان " ، فقد ظهر بهذا المصنف دلالة القرآن والسنة الصحيحة على منع لبس الفضة . والعلم عند الله تعالى .
تببيه .

فإن قيل : عموم حديث حذيفة المذكور الذي استدللتم به ، وبيان القرآن أنه شامل للبس الفضة والشرب فيها ، وقلتم : إن كونه واردا في الشرب في آنية الفضة لا يجعله خاصا بذلك ; فما الدليل في ذلك على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؟

قال البخاري في صحيحه ، حدثنا مسدد ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ; فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، فأنزلت عليه : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) [ 11 \ 114 ] ، قال الرجل [ ص: 360 ] ألي هذه ؟ قال : " لمن عمل بها من أمتي " اهـ ، هذا لفظ البخاري في التفسير في " سورة هود " ، وفي رواية في الصحيح ، قال : " لجميع أمتي كلهم " اهـ . فهذا الذي أصاب القبلة من المرأة نزلت في خصوصه آية عامة اللفظ ، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ألي هذه ؟ ومعنى ذلك : هل النص خاص بي لأني سبب وروده ؟ أو هو على عموم لفظه ؟ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لجميع أمتي " معناه أن العبرة بعموم لفظ : " إن الحسنات يذهبن السيئات " ، لا بخصوص السبب ، والعلم عند الله تعالى ؟

وقوله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : " وترى الفلك " [ 16 \ 14 ] ، أي : السفن ، وقد دل القرآن على أن : " الفلك " يطلق على الواحد وعلى الجمع ، وأنه إن أطلق على الواحد ذكر ، وإن أطلق على الجمع أنث ، فأطلقه على المفرد مذكرا في قوله : " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " [ 36 \ 41 ، 42 ] ، وأطلقه على الجمع مؤنثا في قوله : والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس [ 2 \ 164 ] ، وقوله : مواخر [ 16 \ 14 ] ، جمع ماخرة ، وهو اسم فاعل ، مخرت السفينة تمخر - بالفتح - وتمخر - بالضم - مخرا ومخورا : جرت في البحر تشق الماء مع صوت . وقيل : استقبلت الريح في جريتها . والأظهر في قوله : ولتبتغوا من فضله [ 16 \ 14 ] ، أنه معطوف على قوله : لتأكلوا منه لحما طريا [ 16 \ 14 ] ، ولعل هنا للتعليل كما تقدم .

والشكر في الشرع : يطلق من العبد لربه ; كقوله هنا ولعلكم تشكرون [ 16 \ 14 ] ، وشكر العبد لربه : هو استعماله نعمه التي أنعم عليه بها في طاعته . وأما من يستعين بنعم الله على معصيته فليس من الشاكرين ; وإنما هو كنود كفور .

وشكر الرب لعبده المذكور في القرآن كقوله : فإن الله شاكر عليم [ 2 \ 158 ] ، وقوله إن ربنا لغفور شكور [ 35 \ 34 ] ، هو أن يثيب عبده الثواب الجزيل من العمل القليل . والعلم عند الله تعالى .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #164  
قديم 06-01-2022, 02:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (162)

سُورَةُ النَّحْلِ(8)
صـ 361 إلى صـ 365



قوله تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون ، ذكر - جل وعلا - في هاتين الآيتين أربع نعم من نعمه على خلقه ، مبينا لهم عظيم منته عليهم بها :

الأولى : إلقاؤه الجبال في الأرض لتثبت ولا تتحرك ، وكرر الامتنان بهذه النعمة في [ ص: 361 ] القرآن كقوله : ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا [ 78 \ 6 - 7 ] ، وقوله : وجعلنا في الأرض رواسي الآية [ 21 \ 31 ] ، وقوله : وجعلنا فيها رواسي شامخات [ 77 \ 27 ] ، وقوله - جل وعلا - : خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم الآية [ 31 \ 10 ] ، وقوله : والجبال أرساها [ 79 \ 32 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا .

ومعنى تميد : تميل وتضطرب .

وفي معنى قوله أن وجهان معروفان للعلماء : أحدهما : كراهة أن تميد بكم . والثاني : أن المعنى : لئلا تميد بكم ; وهما متقاربان .

الثانية : إجراؤه الأنهار في الأرض المذكور هنا في قوله : وأنهارا [ 16 \ 15 ] ، وكرر - تعالى - في القرآن الامتنان بتفجيره الماء في الأرض لخلقه : كقوله : وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر الآية [ 14 \ 32 - 33 ] ، وقوله : أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون [ 56 \ 68 - 70 ] ، وقوله : وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره الآية [ 36 \ 34 - 35 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

الثالثة : جعله في الأرض سبلا يسلكها الناس ، ويسيرون فيها من قطر إلى قطر في طلب حاجاتهم المذكور هنا في قوله : وسبلا ، وهو جمع سبيل بمعنى الطريق . وكرر الامتنان بذلك في القرآن ; كقوله : وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون [ 21 \ 31 ] ، وقوله : والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا [ 71 \ 19 ] ، وقوله : قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا [ 20 \ 52 ، 53 ] .

وقوله : هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها الآية [ 67 \ 15 ] ، وقوله : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون [ 43 \ 9 - 10 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

الرابعة : جعله العلامات لبني آدم ; ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر المذكور هنا في قوله : وعلامات وبالنجم هم يهتدون [ 16 \ 16 ] ، وقد ذكر الامتنان بنحو ذلك في [ ص: 362 ] القرآن في قوله : وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الآية [ 6 \ 97 ] .
قوله تعالى : أفمن يخلق كمن لا يخلق الآية ، تقدم بيان مثل هذه الآية في موضعين .
قوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن بني آدم لا يقدرون على إحصاء نعم الله لكثرتها عليهم ، وأتبع ذلك بقوله : إن الله لغفور رحيم [ 16 \ 18 ] ، فدل ذلك على تقصير بني آدم في شكر تلك النعم ، وأن الله يغفر لمن تاب منهم ، ويغفر لمن شاء أن يغفر له ذلك التقصير في شكر النعم . وبين هذا المفهوم المشار إليه هنا بقوله : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار [ 14 \ 34 ] .

بين في موضع آخر : أن كل النعم على بني آدم منه - جل وعلا - ، وذلك في قوله : وما بكم من نعمة فمن الله الآية [ 16 \ 53 ] .

وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن المفرد إذا كان اسم جنس وأضيف إلى معرفة ، أنه يعم كما تقرر في الأصول ; لأن : " نعمة الله " [ 16 \ 18 ] مفرد أضيف إلى معرفة فعم النعم . وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود عاطفا على صيغ العموم :

أو بإضافة إلى معرف إذا تحقق الخصوص قد نفي .
قوله تعالى : وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار إذا سئلوا عما أنزل الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا : لم ينزل عليه شيء . وإنما هذا الذي يتكلم به من أساطير الأولين ، نقله من كتبهم . والأساطير : جمع أسطورة أو إسطارة ، وهي الشيء المسطور في كتب الأقدمين من الأكاذيب والأباطيل . أصلها من سطر : إذا كتب . ومنه قوله تعالى : وكتاب مسطور [ 52 \ 2 ] ، وقال بعض العلماء : الأساطير : الترهات والأباطيل . وأوضح هذا المعنى في آيات أخر ; كقوله : وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [ 25 \ 5 ] ، وقوله : وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين [ 8 \ 31 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله : ماذا ، يحتمل أن تكون " ذا " موصولة و " ما " مبتدأ ، وجملة " أنزل " [ ص: 363 ] صلة الموصول ، والموصول وصلته خبر المبتدأ . ويحتمل أن يكون مجموعهما اسما واحدا في محل نصب ، على أنه مفعول " أنزل " ، كما أشار له في الخلاصة بقوله :


ومثل ماذا بعد ما استفهام أو من إذا لم تلغ في الكلام


وبين - جل وعلا - كذب الكفار في دعواهم : أن القرآن أساطير الأولين بقوله : قل أنزله الذي يعلم السر الآية [ 25 \ 6 ] ، وبقوله هنا : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة [ 16 \ 25 ] .
قوله تعالى : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن أولئك الكفار الذين يصرفون الناس عن القرآن بدعواهم أنه أساطير الأولين ، تحملوا أوزارهم - أي : ذنوبهم - كاملة ، وبعض أوزار أتباعهم الذين اتبعوهم في الضلال ; كما يدل عليه حرف التبعيض الذي هو " ومن " ، في قوله : ومن أوزار الذين يضلونهم الآية [ 16 \ 25 ] .

وقال القرطبي : " من " لبيان الجنس ; فهم يحملون مثل أوزار من أضلوهم كاملة .

وأوضح تعالى هذا المعنى في قوله : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون [ 39 \ 13 ] ، واللام في قوله " ليحملوا " تتعلق بمحذوف دل المقام عليه ، أي : قدرنا عليهم أن يقولوا في القرآن : أساطير الأولين ; ليحملوا أوزارهم .

تنبيه .

فإن قيل : ما وجه تحملهم بعض أوزار غيرهم المنصوص عليه بقوله : ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الآية [ 16 \ 25 ] ، وقوله : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم الآية [ 29 \ 13 ] ، مع أن الله يقول : ولا تزر وازرة وزر أخرى [ 35 \ 18 ] ، ويقول - جل وعلا - : ولا تكسب كل نفس إلا عليها [ 6 \ 164 ] ، ويقول تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون [ 2 \ 134 ، 2 - 141 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

[ ص: 364 ] فالجواب - والله تعالى أعلم - أن رؤساء الضلال وقادته تحملوا وزرين : أحدهما : وزر ضلالهم في أنفسهم .

والثاني : وزر إضلالهم غيرهم ; لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا . وإنما أخذ بعمل غيره ; لأنه هو الذي سنه وتسبب فيه ، فعوقب عليه من هذه الجهة ; لأنه من فعله ، فصار غير مناف لقوله ولا تزر وازرة الآية [ 35 \ 18 ] .

وقال مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : حدثني زهير بن حرب ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد ، وأبي الضحى ، عن عبد الرحمن بن هلال العبسي ، عن جرير بن عبد الله ، قال : جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الصوف ، فرأى سوء حالهم ، قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة ، فأبطؤوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه ، قال : ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصرة من ورق ، ثم جاء آخر ، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده ، كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء . ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده ، كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء " اه .

أخرج مسلم في صحيحه هذا الحديث ، عن جرير بن عبد الله من طرق متعددة . وأخرجه نحوه أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا " . ومن دعا إلى ضلالة ، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " اه .

قال مقيده عفا الله عنه : هذه النصوص الصحيحة تدل على رفع الإشكال بين الآيات ، كما تدل على أن جميع حسنات هذه الأمة في صحيفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فله مثل أجور جميعهم ; لأنه - صلوات الله عليه وسلامه - هو الذي سن لهم السنن الحسنة جميعها في الإسلام ، نرجو الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة ، وأن يصلي ويسلم عليه أتم صلاة وأزكى سلام .

وقوله في هذه الآية الكريمة : ( بغير علم ) [ 16 \ 25 ] ، يدل على أن الكافر غير معذور بعد إبلاغ الرسل المؤيد بالمعجزات ، الذي لا لبس معه في الحق ، ولو كان يظن أن [ ص: 365 ] كفره هدى ; لأنه ما منعه من معرفة الحق مع ظهوره إلا شدة التعصب للكفر ، كما قدمنا الآيات الدالة على ذلك في " الأعراف " ; كقوله : ( إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) [ 7 \ 30 ] ، وقوله : ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) [ 18 \ 103 - 104 ] ، وقوله : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) [ 39 \ 47 ] ، وحملهم أوزارهم هو اكتسابهم الإثم الذي هو سبب ترديهم في النار ، أعاذنا الله والمسلمين منها .

وقال بعض العلماء : معنى حملهم أوزارهم : أن الواحد منهم عند خروجه من قبره يوم القيامة يستقبله شيء كأقبح صورة ، وأنتنها ريحا ; فيقول : من أنت ؟ فيقول : أو ما تعرفني ! فيقول : لا ولله ، إلا أن الله قبح وجهك ! أنتن ريحك ! فيقول أنا عملك الخبيث ، كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه فطالما ركبتني في الدنيا ! هلم أركبك اليوم ; فيركب على ظهره اه .

وقوله ( ألا ساء ما يزرون ) [ 16 \ 25 ] ، ( ساء ) فعل جامد ; لإنشاء الذم بمعنى بئس ، و ( ما ) ، فيها الوجهان المشار إليهما بقوله في الخلاصة :


وما مميز وقيل فاعل في نحو نعم يقول الفاضل


وقوله ( يزرون ) ، أي : يحملون ، وقال قتادة : يعملون . اه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #165  
قديم 06-01-2022, 02:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (163)

سُورَةُ النَّحْلِ(9)
صـ 366 إلى صـ 370


قوله تعالى : قد مكر الذين من قبلهم .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار الذين كانوا قبل كفار مكة قد مكروا . وبين ذلك في مواضع أخر ; كقوله : وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا [ 13 \ 42 ] ، وقوله : وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال [ 14 \ 46 ] .

وبين بعض مكر كفار مكة ، بقوله : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك الآية [ 8 \ 30 ] .

وذكر بعض مكر اليهود بقوله : ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين [ 3 \ 54 ] .

وبين بعض مكر قوم صالح ، بقوله : ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين الآية [ 27 \ 50 ، 51 ] .

وذكر بعض مكر قوم نوح بقوله : ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن [ ص: 366 ] آلهتكم الآية [ 71 \ 22 - 23 ] .

وبين مكر رؤساء الكفار في قوله : بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله الآية [ 34 \ 33 ] ، والمكر : إظهار الطيب وإبطان الخبيث ، وهو الخديعة . وقد بين - جل وعلا - أن المكر السيئ لا يرجع ضرره إلا على فاعله ; وذلك في قوله : ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [ 35 \ 43 ] .
قوله تعالى : فأتى الله بنيانهم من القواعد ، أي : اجتثه من أصله واقتلعه من أساسه ; فأبطل عملهم وأسقط بنيانهم . وهذا الذي فعل بهؤلاء الكفار الذين هم نمروذ وقومه - كما قدمنا في " سورة الحجر " - فعل مثله أيضا بغيرهم من الكفار . فأبطل ما كانوا يفعلون ويدبرون ; كقوله : ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون [ 7 \ 137 ] ، وقوله : كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله [ 5 \ 64 ] ، وقوله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار [ 59 \ 2 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : ثم يوم القيامة يخزيهم ، أي : يفضحهم على رءوس الأشهاد ويهينهم بإظهار فضائحهم ، وما كانت تجنه ضمائرهم ، فيجعله علانية .

وبين هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله : أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور [ 100 \ 9 - 10 ] ، أي : أظهر علانية ما كانت تكنه الصدور ، وقوله : يوم تبلى السرائر [ 86 \ 9 ] .

وقد بين - جل وعلا - في موضع آخر : أن من أدخل النار فقد ناله هذا الخزي المذكور ، وذلك في قوله : ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته [ 3 \ 192 ] ، وقد قدمنا في سورة " هود " إيضاح معنى الخزي .
قوله تعالى : ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه يسأل المشركين يوم القيامة سؤال توبيخ ، فيقول لهم : أين المعبودات التي كنتم تخاصمون رسلي وأتباعهم بسببها ، قائلين : إنكم لا بد لكم أن تشركوها معي في عبادتي ؟

وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله : ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون [ 28 \ 62 ، 28 \ 74 ] ، وقوله : وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون [ ص: 367 ] من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون [ 26 \ 92 ، 93 ] ، وقوله : ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا الآية [ 40 \ 73 - 74 ] ، وقوله : حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا الآية [ 7 \ 37 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقرأ عامة القراء : شركائي [ 16 \ 27 ] ، بالهمزة وياء المتكلم ، ويروى عن ابن كثير من رواية البزي أنه قرأ " شركاي " ، بياء المتكلم دون همز ، ولم تثبت هذه القراءة .

وقرأ الجمهور : تشاقون [ 16 \ 27 ] ، بنون الرفع مفتوحة مع حذف المفعول .

وقرأ نافع : " تشاقون " بكسر النون الخفيفة التي هي نون الوقاية ، والمفعول به ياء المتكلم المدلول عليها بالكسرة مع حذف نون الرفع ; لجواز حذفها من غير ناصب ولا جازم إذا اجتمعت مع نون الوقاية ، كما تقدم تحريره في " سورة الحجر " ، في الكلام على قوله : فبم تبشروني [ 15 \ 54 ] .
قوله تعالى : فألقوا السلم ، أي : الاستسلام والخضوع . والمعنى : أظهروا كمال الطاعة والانقياد ، وتركوا ما كانوا عليه من الشقاق . وذلك عندما يعاينون الموت ، أو يوم القيامة . يعني : أنهم في الدنيا يشاقون الرسل ، أي : يخالفونهم ويعادونهم ، فإذا عاينوا الحقيقة ألقوا السلم ، أي : خضعوا واستسلموا وانقادوا حيث لا ينفعهم ذلك .

ومما يدل من القرآن على أن المراد بإلقاء السلم : الخضوع والاستسلام ، قوله : ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا [ 4 \ 94 ] ، على قراءة نافع وابن عامر وحمزة بلا ألف بعد اللام . بمعنى الانقياد والإذعان . وقوله : فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم الآية [ 4 \ 91 ] .

والقول بأن السلم في الآيتين الأخيرتين : الصلح والمهادنة لا ينافي ما ذكرنا ; لأن المصالح منقاد مذعن لما وافق عليه من ترك السوء . وقوله : وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 16 \ 78 ] ، فكله بمعنى الاستسلام والخضوع والانقياد . والانقياد عند معاينة الموت لا ينفع ، كما قدمنا ، وكما دلت عليه آيات كثيرة ; كقوله : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن الآية [ 4 \ 18 ] ، وقوله : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا الآية [ 40 \ 85 ] [ ص: 368 ] وقوله : آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين [ 10 \ 91 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ، يعني أن الذين تتوفاهم الملائكة في حال كونهم ظالمي أنفسهم إذا عاينوا الحقيقة ألقوا السلم ، وقالوا : " ما كنا نعمل من سوء " [ 16 \ 28 ] ، فقوله ما كنا نعمل من سوء ، معمول قول محذوف بلا خلاف .

والمعنى : أنهم ينكرون ما كانوا يعملون من السوء ، وهو الكفر وتكذيب الرسل والمعاصي . وقد بين الله كذبهم بقوله : بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون [ 16 \ 28 ] .

وبين في مواضع أخر : أنهم ينكرون ما كانوا عليه من الكفر والمعاصي كما ذكر هنا . وبين كذبهم في ذلك أيضا ; كقوله : ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 6 \ 23 - 24 ] ، وقوله : قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله [ 40 \ 74 ] ، وقوله : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون [ 58 \ 18 ] ، وقوله : ويقولون حجرا محجورا [ 25 \ 22 ] ، أي : حراما محرما أن تمسونا بسوء ; لأنا لم نفعل ما نستحق به ذلك ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله هنا : " بلى " [ 16 \ 28 ] ، تكذيب لهم في قولهم : ما كنا نعمل من سوء .

تنبيه .

لفظة : " بلى " لا تأتي في اللغة العربية إلا لأحد معنيين ، لا ثالث لهما :

الأول : أن تأتي لإبطال نفي سابق في الكلام ، فهي نقيضة " لا " ; لأن " لا " لنفي الإثبات ، و " بلى " ، لنفي النفي ; كقوله هنا : ما كنا نعمل من سوء [ 16 \ 28 ] ، فهذا النفي نفته لفظة " بلى " ، أي : كنتم تعملون السوء من الكفر والمعاصي ، وكقوله : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن [ 64 \ 7 ] ، وكقوله : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم [ 34 \ 3 ] ، وقوله : وقالوا لن يدخل الجنة [ ص: 369 ] إلا من كان هودا أو نصارى [ 2 \ 111 ] ، فإنه نفى هذا النفي بقوله - جل وعلا - : بلى من أسلم وجهه لله الآية [ 2 \ 112 ] ، ومثل هذا كثير في القرآن وفي كلام العرب .

الثاني : أن تكون جوابا لاستفهام مقترن بنفي خاصة ; كقوله : ألست بربكم قالوا بلى [ 7 \ 172 ] ، وقوله : أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى [ 36 \ 81 ] ، وقوله : أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى [ 40 \ 50 ] ، وهذا أيضا كثير في القرآن وفي كلام العرب . أما إذا كان الاستفهام غير مقترن بنفي فجوابه ب " ، نعم " لا بـ " ، بلى " ، وجواب الاستفهام المقترن بنفي و " نعم " مسموع غير قياسي ; كقوله :
أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك لنا تداني نعم وترى الهلال كما أراه
ويعلوها النهار كما علاني


فالمحل لـ " بلى " لا لـ " نعم " في هذا البيت .

فإن قيل : هذه الآيات تدل على أن الكفار يكتمون يوم القيامة ما كانوا عليه من الكفر والمعاصي ، كقوله عنهم : والله ربنا ما كنا مشركين [ 6 \ 23 ] ، وقوله : ما كنا نعمل من سوء [ 16 \ 28 ] ، ونحو ذلك . مع أن الله صرح بأنهم لا يكتمون حديثا في قوله : ولا يكتمون الله حديثا [ 4 \ 42 ] .

فالجواب : هو ما قدمنا من أنهم يقولون بألسنتهم : " والله ربنا ما كنا مشركين " ; فيختم الله على أفواههم ، وتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون ، فالكتم باعتبار النطق بالجحود وبالألسنة ، وعدم الكتم باعتبار شهادة أعضائهم عليهم . والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : فادخلوا أبواب جهنم الآية ، لم يبين هنا عدد أبوابها ، ولكنه بين ذلك في " سورة الحجر " في قوله - جل وعلا - : لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم [ 15 \ 44 ] ، أرجو الله أن يعيذنا وإخواننا المسلمين منها ومن جميع أبوابها ; إنه رحيم كريم .
قوله تعالى : وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن المتقين إذا سئلوا عما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا : أنزل عليه خيرا ; أي : رحمة وهدى وبركة لمن اتبعه وآمن به . ويفهم من صفة أهل هذا الجواب [ ص: 370 ] بكونهم متقين - أن غير المتقين يجيبون جوابا غير هذا . وقد صرح تعالى بهذا المفهوم في قوله عن غير المتقين وهم الكفار : وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين [ 156 \ 24 ] ، كما تقدم .
قوله تعالى : للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن من أحسن عمله في هذه الدار التي هي الدنيا كان له عند الله الجزاء الحسن في الآخرة . وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة الآية [ 10 \ 26 ] ، والحسنى : الجنة . والزيادة : النظر إلى وجه الله الكريم . وقوله : ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى [ 563 \ 31 ] ، وقوله : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان [ 55 \ 60 ] ، وقوله : من جاء بالحسنة فله خير منها [ 28 \ 84 ] ، وقوله في هذه الآية : حسنة ، أي : مجازاة حسنة بالجنة ونعيمها . والآيات في مثل ذلك كثيرة .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #166  
قديم 06-01-2022, 02:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (164)

سُورَةُ النَّحْلِ(10)
صـ 371 إلى صـ 375



قوله تعالى : ولدار الآخرة خير ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن دار الآخرة خير من دار الدنيا . وكرر هذا المعنى في مواضع كثيرة ، كقوله : وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير الآية [ 28 \ 80 ] ، وقوله : وما عند الله خير للأبرار ، وقوله : بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ، وقوله : وللآخرة خير لك من الأولى [ 932 \ 4 ] ، وقوله : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله الآية [ 3 \ 14 - 15 ] ، وقوله ، خير [ 16 \ 30 ] ، صيغة تفضيل ، حذفت همزتها ; لكثرة الاستعمال تخفيفا .

وإليه أشار ابن مالك في الكافية بقوله :


وغالبا أغناهم خير وشر عن قولهم أخير منه وأشر


وإنما قيل لتلك الدار : الدار الآخرة ; لأنها هي آخر المنازل ، فلا انتقال عنها البتة إلى دار أخرى .

والإنسان قبل الوصول إليها ينتقل من محل إلى محل . فأول ابتدائه من التراب ، ثم انتقل من أصل التراب إلى أصل النطفة ، ثم إلى العلقة ، ثم إلى المضغة ، ثم إلى العظام ، ثم [ ص: 371 ] كسا الله العظام لحما ، وأنشأها خلقا آخر ، وأخرجه للعالم في هذه الدار ، ثم ينتقل إلى القبر ، ثم إلى المحشر ، ثم يتفرقون : يومئذ يصدر الناس أشتاتا [ 99 \ 6 ] ، فسالك ذات اليمين إلى الجنة ، وسالك ذات الشمال إلى النار : ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون [ 30 \ 14 - 16 ] .

فإذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار - فعند ذلك تلقى عصا التسيار ، ويذبح الموت ، ويقال : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، ويبقى ذلك دائما لا انقطاع له ، ولا تحول عنه إلى محل آخر .

فهذا معنى وصفها بالآخرة ; كما أوضحه - جل وعلا - بقوله : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون [ 23 \ 12 - 16 ] .

تنبيه .

أضاف - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة الدار إلى الآخرة ، مع أن الدار هي الآخرة بدليل قوله : ولدار الآخرة الآية [ 16 \ 30 ] ، بتعريف الدار ونعتها بالآخرة في غير هذا الموضع . وعلى مقتضى قول ابن مالك في الخلاصة :
ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهما إذا ورد


فإن لفظ " الدار " يؤول بمسمى الآخرة . وقد بينا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في " سورة فاطر " ، في الكلام على قوله : " ومكر السيئ " [ 35 \ 43 ] : أن الذي يظهر لنا أن إضافة الشيء إلى نفسه بلفظين مختلفين - أسلوب من أساليب اللغة العربية ; لتنزيل التغاير في اللفظ منزلة التغاير في المعنى . وبينا كثرته في القرآن ، وفي كلام العرب . والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ولنعم دار المتقين ، مدح الله - جل وعلا - دار المتقين التي هي الجنة في هذه الآية الكريمة ; لأن " نعم " ، فعل جامد لإنشاء المدح . وكرر الثناء عليها في آيات كثيرة ; لأن فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . كما [ ص: 372 ] قال تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين الآية [ 32 \ 17 ] ، وقال : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [ 76 \ 20 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا .
قوله تعالى : جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن المتقين يدخلون يوم القيامة جنات عدن . والعدن في لغة العرب : الإقامة . فمعنى " جنات عدن " : جنات إقامة في النعيم ، لا يرحلون عنها ، ولا يتحولون .

وبين في آيات كثيرة : أنهم مقيمون في الجنة على الدوام ، كما أشار له هنا بلفظة " عدن " ، كقوله : لا يبغون عنها حولا [ 18 \ 108 ] ، وقوله : الذي أحلنا دار المقامة من فضله الآية [ 35 \ 35 ] ، والمقامة : الإقامة . وقد تقرر في التصريف : أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف فالمصدر الميمي منه ، واسم الزمان ، واسم المكان كلها بصيغة اسم المفعول . وقوله : إن المتقين في مقام أمين [ 44 \ 51 ] ، على قراءة نافع وابن عامر بضم الميم من الإقامة . وقوله : ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا [ 18 \ 2 - 3 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله في هذه الآية الكريمة : تجري من تحتها الأنهار [ 16 \ 31 ] .

بين أنواع تلك الأنهار في قوله : فيها أنهار من ماء غير آسن ، إلى قوله من عسل مصفى [ 47 \ 15 ] ، وقوله هنا : لهم فيها ما يشاءون [ 16 \ 31 ] ، أوضحه في مواضع أخر ; كقوله : لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد [ 50 \ 35 ] ، وقوله : وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون [ 43 \ 71 ] ، وقوله : لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ، وقوله : لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين [ 39 \ 34 ] ، وقوله : ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم [ 41 \ 31 - 32 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله في هذه الآية : كذلك يجزي الله المتقين [ 16 \ 31 ] .

يدل على أن تقوى الله هو السبب الذي به تنال الجنة .

وقد أوضح تعالى هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله : تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا [ 19 \ 63 ] ، وقوله : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ 3 \ 133 ] ، وقوله : إن المتقين في جنات وعيون [ ص: 373 ] [ 15 \ 45 ] ، وقوله : إن المتقين في جنات ونعيم [ 52 \ 17 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن المتقين الذين كانوا يمتثلون أوامر ربهم ، ويجتنبون نواهيه تتوفاهم الملائكة ; أي : يقبضون أرواحهم في حال كونهم طيبين ، أي : طاهرين من الشرك والمعاصي - على أصح التفسيرات - ويبشرونهم بالجنة ، ويسلمون عليهم .

وبين هذا المعنى أيضا في غير هذا الموضع ; كقوله : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون [ 41 \ 30 ] ، وقوله : وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين [ 39 \ 73 ] ، وقوله : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار [ 13 \ 23 - 24 ] ، والبشارة عند الموت ، وعند دخول الجنة من باب واحد ; لأنها بشارة بالخير بعد الانتقال إلى الآخرة . ويفهم من صفات هؤلاء الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، ويقولون لهم : سلام عليكم ادخلوا الجنة - أن الذين لم يتصفوا بالتقوى لم تتوفهم الملائكة على تلك الحال الكريمة ، ولم تسلم عليهم ، ولم تبشرهم .

وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر ; كقوله : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم الآية [ 16 \ 28 ] ، وقوله : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم ، إلى قوله وساءت مصيرا [ 4 \ 97 ] ، وقوله : ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم الآية [ 8 \ 50 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله : تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم [ 16 \ 28 ] ، وقوله : تتوفاهم الملائكة طيبين [ 16 \ 32 ] ، قرأهما عامة القراء غير حمزة : " تتوفاهم " بتاءين فوقيتين . وقرأ حمزة " يتوفاهم " بالياء في الموضعين .

تنبيه .

أسند هنا - جل وعلا - التوفي للملائكة في قوله : تتوفاهم الملائكة [ 16 \ 32 ] [ ص: 374 ] وأسنده في " السجدة " ، لملك الموت في قوله : قل يتوفاكم ملك الموت [ 32 \ 11 ] ، وأسنده في " الزمر " إلى نفسه - جل وعلا - في قوله : الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية [ 39 \ 42 ] ، وقد بينا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في سورة " السجدة " : أنه لا معارضة بين الآيات المذكورة ، فإسناده التوفي لنفسه ; لأنه لا يموت أحد إلا بمشيئته تعالى ، كما قال : وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا [ 3 \ 145 ] ، وأسنده لملك الموت ; لأنه هو المأمور بقبض الأرواح ، وأسنده إلى الملائكة ; لأن لملك الموت أعوانا من الملائكة ينزعون الروح من الجسد إلى الحلقوم فيأخذها ملك الموت ، كما قاله بعض العلماء . والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه بعث في كل أمة رسولا بعبادة الله وحده ، واجتناب عبادة ما سواه .

وهذا هو معنى " لا إله إلا الله " ; لأنها مركبة من نفي وإثبات ، فنفيها هو خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات ، وإثباتها هو إفراده - جل وعلا - بجميع أنواع العبادات بإخلاص ، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله - عليهم صلوات الله وسلامه - .

وأوضح هذا المعنى كثيرا في القرآن عن طريق العموم والخصوص . فمن النصوص الدالة عليه مع عمومها قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ 21 \ 25 ] ، وقوله : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [ 43 \ 45 ] ، ونحو ذلك من الآيات .

ومن النصوص الدالة عليه مع الخصوص في إفراد الأنبياء وأممهم قوله تعالى : لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 7 \ 59 ] ، وقوله تعالى : وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 7 \ 65 ] ، وقوله تعالى : وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 7 \ 73 ] ، وقوله : وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 7 \ 85 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

واعلم أن كل ما عبد من دون الله ، فهو طاغوت ، ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه ; كما بينه تعالى بقوله : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد [ ص: 375 ] استمسك بالعروة الوثقى [ 2 \ 265 ] ، وقوله : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ 12 \ 106 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الأمم التي بعث فيها الرسل بالتوحيد منهم سعيد ، ومنهم شقي . فالسعيد منهم : يهديه الله إلى اتباع ما جاءت به الرسل ، والشقي منهم : يسبق عليه الكتاب فيكذب الرسل ، ويكفر بما جاءوا به . فالدعوة إلى دين الحق عامة ، والتوفيق للهدى خاص ; كما قال تعالى : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ 10 \ 25 ] ، فقوله : فمنهم [ 16 \ 36 ] ، أي : من الأمم المذكورة في قوله : في كل أمة رسولا ، وقوله : من هدى الله ، أي : وفقه لاتباع ما جاءت به الرسل . والضمير المنصوب الذي هو رابط الصلة بالموصول محذوف ، أي : فمنهم من هداه الله . على حد قوله في الخلاصة :

والحذف عندهم كثير منجلي في عائد متصل إن انتصب بفعل أو وصف كمن نرجو يهب .

وقوله : ومنهم من حقت عليه الضلالة [ 16 \ 36 ] ، أي : وجبت عليه ولزمته ; لما سبق في علم الله من أنه يصير إلى الشقاوة . والمراد بالضلالة : الذهاب عن طريق الإسلام إلى الكفر .

وقد بين تعالى هذا المعنى في آيات أخر ; كقوله : هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن [ 64 \ 2 ] ، وقوله : فمنهم شقي وسعيد [ 11 \ 105 ] ، وقوله : فريق في الجنة وفريق في السعير [ 42 \ 78 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #167  
قديم 06-01-2022, 02:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (165)

سُورَةُ النَّحْلِ(11)
صـ 376 إلى صـ 380



قوله تعالى : إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية : أن حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على إسلام قومه لا يهدي من سبق في علم الله أنه شقي .

وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [ 28 \ 56 ] ، وقوله : ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم [ 5 \ 41 ] ، وقوله : من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون [ 7 \ 186 ] [ ص: 376 ] وقوله : ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء [ 6 \ 125 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقرأ هذا الحرف نافع ، وابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عمر : فإن الله لا يهدي من يضل [ 16 \ 37 ] ، بضم الياء وفتح الدال ; ومن " يهدي " مبنيا للمفعول . وقوله : من نائب الفاعل . والمعنى : أن من أضله الله لا يهدى ، أي : لا هادي له .

وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي بفتح الياء وكسر الدال ، من " يهدي " ، مبنيا للفاعل . وقوله : من ، مفعول به لـ يهدي ، والفاعل ضمير عائد إلى الله تعالى . والمعنى : أن من أضله الله لا يهديه الله . وهي على هذه القراءة فيمن سبقت لهم الشقاوة في علم الله ; لأن غيرهم قد يكون ضالا ثم يهديه الله كما هو معروف .

وقال بعض العلماء : لا يهدي من يضل ما دام في إضلاله له ; فإن رفع الله عنه الضلالة هذه فلا مانع من هداه . والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار حلفوا جهد أيمانهم - أي : اجتهدوا في الحلف - وغلظوا الأيمان على أن الله لا يبعث من يموت . وكذبهم الله - جل وعلا - في ذلك بقوله : بلى وعدا عليه حقا [ 16 \ 38 ] ، وكرر في آيات كثيرة هذا المعنى المذكور هنا من إنكارهم للبعث وتكذيبه لهم في ذلك ، كقوله : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن الآية [ 64 \ 7 ] ، وقوله : كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين [ 21 \ 104 ] ، وقوله : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ 36 \ 78 ، 79 ] ، وقوله : فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة [ 17 \ 51 ] ، والآيات بمثل هذا كثيرة جدا .

وقوله : بلى [ 16 \ 38 ] ، نفي لنفيهم البعث كما قدمنا . وقوله : وعدا ، مصدر مؤكد لما دلت عليه " بلى " ; لأن " ، بلى " تدل على نفي قولهم : لا يبعث الله من يموت . ونفي هذا النفي إثبات ، معناه : لتبعثن . وهذا البعث المدلول على إثباته بلفظة : " بلى " فيه معنى وعد الله بأنه سيكون . فقوله : وعدا [ 16 \ 38 ] مؤكد له .

وقوله : حقا مصدر أيضا ، أي : وعد الله بذلك وعدا ، وحقه حقا ، وهو [ ص: 377 ] مؤكد أيضا لما دلت " بلى " ، واللام في قوله : ليبين لهم الذي يختلفون فيه [ 16 \ 39 ] ، وفي قوله : وليعلم الذين كفروا الآية [ 16 \ 39 ] ، تتعلق بقوله : " بلى " ، أي : يبعثهم ليبين لهم . . إلخ . والضمير في قوله : لهم عائد إلى من يموت ; لأنه شامل للمؤمنين والكافرين .

وقال بعض العلماء : اللام في الموضعين تتعلق بقوله : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا الآية [ 16 \ 36 ] ، أي : بعثناه ليبين لهم . . إلخ ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه لا يتعاصى على قدرته شيء ، وإذ يقول للشيء : " كن " ، فيكون بلا تأخير . وذلك أن الكفار لما : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت [ 16 \ 38 ] ، ورد الله عليهم كذبهم بقوله : بلى وعدا عليه حقا ، بين أنه قادر على كل شيء ، وأنه كلما قال لشيء " كن " كان .

وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله في الرد على من قال : من يحيي العظام وهي رميم [ 36 \ 78 ] : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [ 36 \ 82 ] .

وبين أنه لا يحتاج أن يكرر قوله : " كن " ، بل إذا قال للشيء " كن " مرة واحدة ، كان في أسرع من لمح البصر ، في قوله : وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر [ 54 \ 50 ] ، ونظيره قوله : وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير [ 16 \ 77 ] ، وقال تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الآية [ 3 \ 59 ] ، وقال : خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [ 31 \ 28 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وعبر تعالى عن المراد قبل وقوعه باسم الشيء ; لأن تحقق وقوعه كالوقوع بالفعل ، فلا تنافي الآية إطلاق الشيء على خصوص الموجود دون المعدوم ; لأنه لما سبق في علم الله أنه يوجد ذلك الشيء ، وأنه يقول له كن فيكون كان تحقق وقوعه بمنزلة وقوعه ; أو لأنه أطلق عليه اسم الشيء باعتبار وجوده المتوقع ، كتسمية العصير خمرا في قوله : إني أراني أعصر خمرا [ 12 \ 36 ] ، نظرا إلى ما يؤول إليه في ثاني حال . وقرأ هذا الحرف ابن عامر والكسائي " فيكون " [ 16 \ 40 ] ، بفتح النون منصوبا بالعطف على قوله : أن نقول . وقيل : [ ص: 378 ] منصوب بأن المضمرة بعد الفاء في جواب الأمر . وقرأ الباقون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : فهو يكون . ولقد أجاد من قال :


إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له كن قولة فيكون


واللام في قوله : " لشيء " ، وقوله : " له " للتبليغ . قاله أبو حيان .
قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه لم يرسل قبله - صلى الله عليه وسلم - من الرسل إلا رجالا ، أي : لا ملائكة . وذلك أن الكفار استغربوا جدا بعث الله رسلا من البشر ، وقالوا : الله أعظم من أن يرسل بشرا يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ; فلو كان مرسلا أحدا حقا لأرسل ملائكة كما بينه تعالى في آيات كثيرة ، كقوله : أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس [ 10 \ 2 ] ، وقوله : بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم الآية [ 50 \ 2 ] ، وقوله : وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق [ 25 \ 7 ] ، وقوله : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] ، وقوله : ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله الآية [ 64 \ 6 ] ، وقوله ، أبشرا منا واحدا نتبعه . . . الآية [ 54 \ 24 ] ، وقوله : فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين [ 23 \ 24 ] ، وقوله : وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون [ 23 \ - 34 ] ، وقوله : قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا الآية [ 14 \ 10 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقد بين الله - جل وعلا - في آيات كثيرة : أن الله ما أرسل لبني آدم إلا رسلا من البشر ، وهم رجال يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، ويتزوجون ، ونحو ذلك من صفات البشر ; كقوله هنا : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون الآية [ 16 \ 43 ] ، وقوله : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ، وقوله : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق [ 25 \ 20 ] ، [ ص: 379 ] وقوله : وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين [ 21 \ 7 ، 8 ] ، وقوله : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية [ 13 \ 38 ] ، وقوله : قل ما كنت بدعا من الرسل . . . الآية [ 46 \ 9 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقرأ جمهور القراء هذا الحرف : " يوحى إليهم " بالياء المثناة التحتية ، وفتح الحاء مبنيا للمفعول . وقرأه حفص عن عاصم " نوحي إليهم " [ 16 \ 43 ] ، بالنون وكسر الحاء مبنيا للفاعل . وكذلك قوله في آخر سورة " يوسف " : " إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى " [ 12 \ 109 ] ، وأول " الأنبياء : " إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر . . " الآية [ 21 \ 7 ] . كل هذه المواضع قرأ فيها حفص وحده بالنون وكسر الحاء . . . والباقون بالياء التحتية وفتح الحاء أيضا . وأما الثانية : في " سورة الأنبياء " وهي قوله : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون الآية [ 21 \ 25 ] .

فقد قرأه بالنون وكسر الحاء حمزة والكسائي وحفص . والباقون بالياء التحتية وفتح الحاء أيضا . وحصر الرسل في الرجال في الآيات المذكورة لا ينافي أن من الملائكة رسلا ; كما قال تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس [ 22 \ 75 ] ، وقال : الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا الآية [ 35 \ 1 ] ; لأن الملائكة يرسلون إلى الرسل ، والرسل ترسل إلى الناس . والذي أنكره الكفار هو إرسال الرسل إلى الناس ، وهو الذي حصر الله فيه الرسل في الرجال من الناس ، فلا ينافي إرسال الملائكة للرسل بالوحي ، ولقبض الأرواح ، وتسخير الرياح والسحاب ، وكتب أعمال بني آدم ، وغير ذلك ; كما قال تعالى : فالمدبرات أمرا [ 79 \ 5 ] .

تنبيه .

يفهم من هذه الآيات أن الله لم يرسل امرأة قط ; لقوله : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا [ 16 \ 43 ] ، ويفهم من قوله : فاسألوا أهل الذكر [ 16 \ 43 ] أن من جهل الحكم : يجب عليه سؤال العلماء والعمل بما أفتوه به . والمراد بأهل الذكر في الآية : أهل الكتاب ، وهذه الأمة أيضا يصدق عليها أنها أهل الذكر ; لقوله : إنا نحن نزلنا الذكر . . . الآية [ 15 \ 9 ] ، إلا أن المراد في الآية أهل الكتاب . والباء في قوله : [ ص: 380 ] بالبينات والزبر [ 16 \ 44 ] ، قيل : تتعلق بـ " ما أرسلنا " داخلا تحت حكم الاستثناء مع " رجالا " ، أي : وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات ، كقولك : ما ضربت إلا زيدا بالسوط ; لأن أصله ضربت زيدا بالسوط . وقيل : تتعلق بقوله : " رجالا " صفة له ، أي : رجالا متلبسين بالبينات . وقيل : تتعلق بـ " أرسلنا " مضمرا دل عليه ما قبله . كأنه قيل : بم أرسلوا ؟ قيل : بالبينات . وقيل : تتعلق ب " نوحي " ، أي : نوحي إليهم بالبينات ; قاله صاحب الكشاف . والعلم عند الله تعالى .


قوله تعالى : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ، المراد بالذكر في هذه الآية : القرآن ; كقوله : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ 15 \ 9 ] .

وقد ذكر - جل وعلا - في هذه الآية حكمتين من حكم إنزال القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - :

إحداهما : أن يبين للناس ما نزل إليهم في هذا الكتاب من الأوامر والنواهي ، والوعد والوعيد ، ونحو ذلك . وقد بين هذه الحكمة في غير هذا الموضع أيضا ; كقوله : وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه [ 16 \ 64 ] ، وقوله إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس الآية [ 4 \ 105 ] .

الحكمة الثانية : هي التفكر في آياته والاتعاظ بها ; كما قال هنا : ولعلهم يتفكرون [ 16 \ 44 ] ، وقد بين هذه الحكمة في غير هذا الموضع أيضا ; كقوله : كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [ 38 \ 29 ] ، وقوله : أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ 4 \ 82 ] ، وقوله : أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [ 47 \ 24 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #168  
قديم 06-01-2022, 02:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (166)

سُورَةُ النَّحْلِ(12)
صـ 381 إلى صـ 385



قوله تعالى : أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون .

أنكر الله - جل وعلا - على الذين يعملون السيئات من الكفر والمعاصي ، ومع ذلك يأمنون عذاب الله ولا يخافون أخذه الأليم ، وبطشه الشديد ، وهو قادر على أن يخسف بهم الأرض ، ويهلكهم بأنواع العذاب . والخسف : بلع الأرض المخسوف به وقعودها به إلى أسفل ; كما فعل الله بقارون ، قال الله تعالى فيه : فخسفنا به وبداره الأرض الآية [ 28 \ 81 ] ، وبين هذا المعنى في مواضع كثيرة ; كقوله : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في [ ص: 381 ] السماء الآية [ 67 \ 16 ، 17 ] ، وقوله : أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا [ 17 \ 68 ] ، وقوله : أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [ 7 \ 99 ] ، وقد قدمنا طرفا من هذه في أول " سورة الأعراف " .

واختلف العلماء في إعراب : " السيئات " [ 16 \ 45 ] ، في هذه الآية الكريمة ; فقال بعض العلماء : نعت لمصدر محذوف ، أي : مكروا المكرات السيئات ، أي : القبيحات قبحا شديدا ; كما ذكر الله عنهم في قوله : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك الآية [ 8 \ 30 ] ، وقال بعض العلماء : مفعول به لـ " مكروا " على تضمين " مكروا " معنى فعلوا . وهذا أقرب أوجه الإعراب عندي . وقيل : مفعول به لـ " أمن " ، أي : أأمن الماكرون السيئات ، أي : العقوبات الشديدة التي تسوءهم عند نزولها بهم . ذكر الوجه الأول : الزمخشري ، والأخيرين ابن عطية . وذكر الجميع أبو حيان في " البحر المحيط " .

تنبيه .

كل ما جاء في القرآن من همزة استفهام بعدها واو العطف أو فاؤه ; كقوله : أفنضرب عنكم الذكر صفحا [ 43 \ 5 ] ، أفلم يروا إلى ما بين أيديهم [ 34 \ 9 ] ، أفلم تكن آياتي تتلى عليكم [ 45 \ 31 ] ، إلخ ، وفيه وجهان معروفان عند علماء العربية : أحدهما : أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة ما بعدها على محذوف دل المقام عليه ; كقولك مثلا : أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحا ؟ أعموا فلم يروا إلى ما بين أيديهم ؟ ألم تأتكم آياتي أفلم تكن تتلى عليكم ؟ وهكذا وإلى هذا الوجه أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله :


وحذف متبوع بدا هنا استبح وعطفك الفعل على الفعل يصح


ومحل الشاهد في الشطر الأول دون الثاني .

الوجه الثاني : أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة للجملة المصدرة بهمزة الاستفهام على ما قبلها ; إلا أن همزة الاستفهام تزحلقت عن محلها فتقدمت على الفاء والواو ; وهي متأخرة عنهما في المعنى ، وإنما تقدمت لفظا عن محلها معنى ; لأن الاستفهام له صدر الكلام .

[ ص: 382 ] فبهذا تعلم : أن في قوله تعالى في هذه الآية التي هي قوله : أفأمن الذين مكروا السيئات الآية [ 16 \ 45 ] ، الوجهين المذكورين ; فعلى الأول : فالمعنى أجهل الذين مكروا السيئات وعيد الله بالعقاب ؟ أفأمن الذين مكروا السيئات ، إلخ . وعلى الثاني فالمعنى فأأمن الذين مكروا السيئات ; فالفاء عاطفة للجملة المصدرة بالاستفهام ، والأول : هو الأظهر . والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : رحيم أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء الآية ، تقدم بيان هذه الآية وأمثالها من الآيات في " سورة الرعد " .
قوله تعالى : وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون . نهى الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة جميع البشر عن أن يعبدوا إلها آخر معه ، وأخبرهم أن المعبود المستحق لأن يعبد وحده واحد ، ثم أمرهم أن يرهبوه ، أي : يخافونه وحده ; لأنه هو الذي بيده الضر والنفع ، لا نافع ولا ضار سواه .

وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله : ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين [ 51 \ 50 - 51 ] ، وقوله : الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد [ 50 \ 26 ] ، وقوله : لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا [ 17 \ 22 ] ، وقوله : ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا [ 17 \ 39 ] .

وبين - جل وعلا - في مواضع أخر : استحالة تعدد الألهة عقلا ; كقوله : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ 21 \ 22 ] ، وقوله : وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون [ 23 \ 91 - 92 ] ، وقوله : قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [ 17 \ 42 ] ، والآيات بعبادته وحده كثيرة جدا ، فلا نطيل بها الكلام . وقدم المفعول في قوله : وإياي فارهبون ، للدلالة على الحصر . وقد تقرر في الأصول في مبحث " مفهوم المخالفة " ، وفي المعاني في مبحث القصر " : أن تقديم المعمول من صيغ الحصر . أي : خافون وحدي ولا تخافوا سواي . وهذا الحصر المشار إليه هنا بتقديم المعمول بينه - جل وعلا - في مواضع أخر ; كقوله : فلا تخشوا الناس واخشون الآية [ 5 \ 44 ] ، وقوله : الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله [ ص: 383 ] الآية [ 33 \ 39 ] ، وقوله : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله الآية [ 9 \ 18 ] ، وقوله : إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين [ 3 \ 175 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : وله الدين واصبا ، الدين هنا : الطاعة . ومنه سميت أوامر الله ونواهيه دينا ; كقوله : إن الدين عند الله الإسلام [ 3 \ 19 ] ، وقوله : ورضيت لكم الإسلام دينا [ 5 \ 3 ] ، وقوله : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [ 3 \ 85 ] .

والمراد بالدين في الآيات : طاعة الله بامتثال جميع الأوامر ، واجتناب جميع النواهي . ومن الدين بمعنى الطاعة : قول عمرو بن كلثوم في معلقته :


وأيام لنا غر كرام عصينا الملك فيها أن ندينا


أي : عصيناه وامتنعنا أن ندين له ، أي : نطيعه . وقوله واصبا [ 16 \ 52 ] ، أي : دائما ، أي : له - جل وعلا - : الطاعة والذل والخضوع دائما ; لأنه لا يضعف سلطانه ، ولا يعزل عن سلطانه ، ولا يموت ولا يغلب ، ولا يتغير له حال بخلاف ملوك الدنيا ; فإن الواحد منهم يكون مطاعا له السلطنة والحكم ، والناس يخافونه ويطمعون فيما عنده برهة من الزمن ، ثم يعزل أو يموت ، أو يذل بعد عز ، ويتضع بعد رفعة ; فيبقى لا طاعة له ولا يعبأ به أحد ، فسبحان من لم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل ، وكبره تكبيرا .

وهذا المعنى الذي أشار إليه مفهوم الآية بينه - جل وعلا - في مواضع أخر ; كقوله : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء [ 3 \ 26 ] ، وقوله تعالى : خافضة رافعة [ 56 \ 3 ] ; لأنها ترفع أقواما كانت منزلتهم منخفضة في الدنيا ، وتخفض أقواما كانوا ملوكا في الدنيا ، لهم المكانة الرفيعة ، وقوله : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ 40 \ 16 ] .

ونظير هذه الآية المذكورة قوله : ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب [ 37 \ 8 - 9 ] ، أي : دائم . وقيل : عذاب موجع مؤلم ، والعرب تطلق الوصب على المرض ، وتطلق الوصوب على الدوام . وروي عن ابن عباس : أنه لما سأله نافع بن الأزرق عن قوله تعالى : وله الدين واصبا [ 16 \ 52 ] ، قال له : الواصب : الدائم ، واستشهد له بقول أمية بن أبي الصلت الثقفي : [ ص: 384 ]
وله الدين واصبا وله الملك وحمد له على كل حال


ومنه قول الدؤلي :


لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوما بذم الدهر أجمع واصبا


وممن قال : بأن معنى الواصب في هذه الآية الدائم : ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وميمون بن مهران ، والسدي ، وقتادة ، والحسن ، والضحاك ، وغيرهم . وروي عن ابن عباس أيضا " واصبا " : أي : واجبا . وعن مجاهد أيضا : " واصبا " : أي : خالصا . وعلى قول مجاهد هذا ، فالخبر بمعنى الإنشاء ; أي : ارهبوا أن تشركوا بي شيئا ، وأخلصوا لي الطاعة - وعليه فالآية كقوله : أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون [ 3 \ 83 ] ، وقوله : ألا لله الدين الخالص [ 39 \ 3 ] ، وقوله : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين [ 98 \ 5 ] ، وقوله : " واصبا " [ 16 \ 52 ] ، حال عمل فيه الظرف .

وقوله تعالى : أفغير الله تتقون ، أنكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة على من يتقي غيره ; لأنه لا ينبغي أن يتقى إلا من بيده النفع كله والضر كله ; لأن غيره لا يستطيع أن ينفعك بشيء لم يرده الله لك ، ولا يستطيع أن يضرك بشيء لم يكتبه الله عليك .

وقد أشار تعالى هنا إلى أن إنكار اتقاء غير الله ; لأجل أن الله هو الذي يرجى منه النفع ، ويخشى منه الضر ، ولذلك أتبع قوله : أفغير الله تتقون [ 16 \ 52 ] ، بقوله : وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون [ 16 \ 53 ] ، ومعنى " تجأرون " : ترفعون أصواتكم بالدعاء والاستغاثة عند نزول الشدائد ; ومنه قول الأعشى أو النابغة يصف بقرة :


فطافت ثلاثا بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجأرا


وقول الأعشى :


يراوح من صلوات المليك طورا سجودا وطورا جؤارا


ومنه قوله تعالى : حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون [ 23 \ 64 - 65 ] ، وقد أشار إلى هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله : وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء [ ص: 385 ] قدير [ 6 \ 17 ] ، وقوله : وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده الآية [ 10 \ 107 ] ، وقوله : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده الآية [ 35 \ 2 ] ، وقوله : قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا الآية [ 9 \ 51 ] ، وقوله : قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته الآية [ 39 \ 38 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " . وفي حديث ابن عباس المشهور : " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام ، وجفت الصحف " .
قوله تعالى : ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ، بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أن بني آدم إذا مسهم الضر دعوا الله وحده مخلصين له الدين ; فإذا كشف عنهم الضر ، وأزال عنهم الشدة : إذا فريق منهم وهم الكفار يرجعون في أسرع وقت إلى ما كانوا عليه من الكفر والمعاصي . وقد كرر - جل وعلا - هذا المعنى في القرآن ; كقوله في " يونس " : حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين [ 10 \ 22 ] ، إلى قوله : إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق [ 10 \ 23 ] ، وقوله " في الإسراء " : وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا [ 17 \ 67 ] ، وقوله في آخر " العنكبوت " : فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون [ 29 \ 65 ] ، وقوله في " الأنعام " : قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون [ 6 \ 64 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقد قدمنا هذا في " سورة الأنعام " في الكلام على قوله تعالى : قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله [ 6 \ 40 ] .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #169  
قديم 06-01-2022, 02:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (167)

سُورَةُ النَّحْلِ(13)
صـ 386 إلى صـ 390


قوله تعالى : فتمتعوا فسوف تعلمون ، صيغة الأمر في قوله : فتمتعوا [ 16 \ 55 ] ، للتهديد . وقد تقرر في " فن المعاني ، في مبحث الإنشاء " وفي " فن الأصول ، في مبحث الأمر " : أن من المعاني التي تأتي لها صيغة إفعل التهديد ; كقوله هنا : فتمتعوا [ ص: 386 ] فسوف تعلمون ، وتشهد لهذا المعنى آيات أخر ; كقوله . قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار [ 39 \ 8 ] ، وقوله : قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار [ 14 \ 30 ] ، وقوله : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون [ 15 \ 3 ] ، وقوله : فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون [ 43 \ 83 ، 70 \ 42 ] ، وقوله : كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون [ 77 \ 46 ] ، وقوله : فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون [ 52 \ 45 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون ، في ضمير الفاعل في قوله : لما لا يعلمون [ 16 \ 56 ] ، وجهان :

أحدهما : أنه عائد إلى الكفار ، أي : ويجعل الكفار للأصنام التي لا يعلمون أن الله أمر بعبادتها ، ولا يعلمون أنها تنفع عابدها أو تضر عاصيها - نصيبا إلخ ; كقوله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير [ 22 \ 71 ] ، ونحو ذلك من الآيات .

وقال صاحب الكشاف : ومعنى كونهم لا يعلمونها :

أنهم يسمونها آلهة ، ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع ، وتشفع عند الله ; وليس كذلك وحقيقتها أنها جماد ، لا يضر ولا ينفع ; فهم إذا جاهلون بها .

الوجه الثاني : أن واو " يعلمون " [ 16 \ 56 ] ، واقعة على الأصنام ; فهي جماد لا يعلم شيئا ، أي : ويجعلون للأصنام الذين لا يعلمون شيئا لكونهم جمادا - نصيبا إلخ . وهذا الوجه كقوله : أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون [ 16 \ 21 ] ، وقوله : فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين [ 10 \ 29 ] ، وقوله : ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها الآية [ 7 \ 195 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وعلى هذا القول فالواو راجعة إلى " ما " من قوله " لما لا يعلمون " ، وعبر عنهم بـ " ما " التي هي لغير العاقل ; لأن تلك المعبودات التي جعلوا لها من رزق الله نصيبا جماد لا تعقل شيئا . وعبر بالواو في " لا يعلمون " على هذا القول لتنزيل الكفار لها منزلة العقلاء في زعمهم أنها تشفع ، وتضر وتنفع .

وإذا عرفت ذلك : فاعلم أن هذا المعنى المذكور في هذه الآية الكريمة بينه تعالى في [ ص: 387 ] غير هذا الموضع ; كقوله : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون [ 6 \ 136 ] ، وذلك أن الكفار كانوا إذا حرثوا حرثا ، أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله منها جزءا ، وللوثن جزءا ; فما جعلوا من نصيب الأوثان حفظوه ، وإن اختلط به شيء مما جعلوه لله ردوه إلى نصيب الأصنام ، وإن وقع شيء مما جعلوه لله في نصيب الأصنام تركوه فيه ، وقالوا : الله غني والصنم فقير . وقد أقسم - جل وعلا - : على أنه يسألهم يوم القيامة عن هذا الافتراء والكذب ، وهو زعمهم أن نصيبا مما خلق الله للأوثان التي لا تنفع ولا تضر في قوله : تالله لتسألن عما كنتم تفترون [ 16 \ 56 ] ، وهو سؤال توبيخ وتقريع .
قوله تعالى : ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ، قوله : ويجعلون ، أي : يعتقدون . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار يعتقدون أن لله بنات إناثا ، وذلك أن خزاعة وكنانة كانوا يقولون : الملائكة بنات الله ; كما بينه تعالى بقوله : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا الآية [ 43 \ 19 ] ، فزعموا لله الأولاد ، ومع ذلك زعموا له أخس الولدين وهو الأنثى ، فالإناث التي جعلوها لله يكرهونها لأنفسهم ويأنفون منها ; كما قال تعالى عنهم : وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا [ 16 \ 58 ] ، أي ; لأن شدة الحزن والكآبة تسود لون الوجه : وهو كظيم [ 16 \ 58 ] ، أي : ممتلئ حزنا وهو ساكت . وقيل : ممتلئ غيظا على امرأته التي ولدت له الأنثى : يتوارى من القوم من سوء ما بشر به [ 16 \ 59 ] ، أي : يختفي من أصحابه من أجل سوء ما بشر به لئلا يروا ما هو فيه من الحزن والكآبة ، أو لئلا يشمتوا به ويعيروه . ويحدث نفسه وينظر : أيمسكه ، أي : ما بشر به وهو الأنثى ، على هون [ 16 \ 59 ] ، أي : هوان وذل . أم يدسه [ 16 \ 59 ] ، في التراب : أي : يدفن المذكور الذي هو الأنثى حيا في التراب ، يعني : ما كانوا يفعلون بالبنات من الوأد وهو دفن البنت حية ، كما قال تعالى : وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت [ 81 \ 8 - 9 ] .

وأوضح - جل وعلا - هذه المعاني المذكورة في هذه الآيات في مواضع أخر ، فبين أن [ ص: 388 ] جعلهم الإناث لله ، أو الذكور لأنفسهم قسمة غير عادلة ، وأنها من أعظم الباطل .

وبين أنه لو كان متخذا ولدا - سبحانه وتعالى - عن ذلك ! ; لاصطفى أحسن النصيبين ، ووبخهم على أن جعلوا له أخس الولدين ، وبين كذبهم في ذلك ، وشدة عظم ما نسبوه إليه . كل هذا ذكره في مواضع متعددة ; كقوله : ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى [ 53 \ 21 ] ، وقوله : ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أاصطفى البنات على البنين ما لكم كيف [ 37 \ 151 - 154 ] ، وقوله : أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما [ 17 \ 40 ] ، وقوله : أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين [ 43 \ 16 ] ، وقوله : لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار [ 39 \ 4 ] ، وقوله : أم له البنات ولكم البنون [ 52 \ 39 ] ، وقال - جل وعلا - : ويجعلون لله ما يكرهون [ 16 \ 62 ] ، وقال : أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين [ 43 \ 18 ] ، وقال : وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم [ 43 \ 17 ] .

وبين شدة عظم هذا الافتراء ، بقوله : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا [ 19 \ 88 - 93 ] ، وقوله : إنكم لتقولون قولا عظيما [ 17 \ 40 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله في هذه الآية : ولهم ما يشتهون [ 16 \ 57 ] ، مبتدأ وخبر . وذكر الزمخشري والفراء وغيرهما : أنه يجوز أن تكون " ما " [ 16 \ 59 ] في محل نصب عطفا على " البنات " [ 16 \ 57 ] ، أي : ويجعلون لله البنات ، ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون . أورد إعرابه بالنصب الزجاج ، وقال : العرب تستعمل في مثل هذا ويجعلون لأنفسهم ; قاله القرطبي . وقال أبو حيان " في البحر المحيط " : قال الزمخشري : ويجوز في " ما " في " ما يشتهون " الرفع على الابتداء ، والنصب على أن يكون معطوفا على " البنات " ، أي : وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون من الذكور . انتهى . وهذا الذي أجازه من النصب تبع فيه الفراء والحوفي وقال أبو البقاء وقد حكاه : وفيه نظر . وذهل هؤلاء عن قاعدة في النحو [ ص: 389 ] وهي : أن الفعل الرافع لضمير الاسم المتصل لا يتعدى إلى ضميره المتصل المنصوب .

; فلا يجوز : زيد ضربه ، أي : زيدا . تريد ضرب نفسه ، إلا في باب ظن وأخواتها من الأفعال القلبية ، أو فقد وعدم ; فيجوز : زيد ظنه قائما ، وزيد فقده ، وزيد عدمه . والضمير المجرور بالحرف كالمنصوب المتصل ; فلا يجوز : زيد غضب عليه ، تريد غضب على نفسه . فعلى هذا الذي تقرر لا يجوز النصب ; إذ يكون التقدير : ويجعلون لهم ما يشتهون . فالواو ضمير مرفوع " ولهم " [ 16 \ 57 ] مجرور باللام . فهو نظير : زيد غضب عليه . اه . والبشارة تطلق في العربية على الخبر بما يسر ، وبما يسوء . ومن إطلاقها على الخبر بما يسوء قوله هنا : وإذا بشر أحدهم بالأنثى الآية [ 16 \ 58 ] ، ونظيره قوله تعالى : فبشرهم بعذاب أليم [ 53 \ 21 ] ، ونحو ذلك من الآيات .

وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : من بغضهم للبنات مشهور معروف في أشعارهم ; ولما خطبت إلى عقيل بن علفة المري ابنته الجرباء قال :


إني وإن سيق إلي المهر ألف وعبدان وذود عشر أحب أصهاري إلي القبر


ويروى لعبد الله بن طاهر قوله :


لكل أبي بنت يراعى شؤونها ثلاثة أصهار إذا حمد الصهر
فبعل يراعيها وخدر يكنها وقبر يواريها وخيرهم القبر


وهم يزعمون أن موجب رغبتهم في موتهن ، وشدة كراهيتهم لولادتهن : الخوف من العار ، وتزوج غير الأكفاء ، وأن تهان بناتهم بعد موتهم ; كما قال الشاعر في ابنة له تسمى مودة :


مودة تهوى عمر شيخ يسره لها الموت قبل الليل لو أنها تدري
يخاف عليها جفوة الناس بعده ولا ختن يرجى أود من القبر


قوله تعالى : ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دآبة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض ، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة ; لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة ، ورب السماوات والأرض لا يفوته شيء أراده . وذكر هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله في آخر سورة " فاطر " : ولو يؤاخذ [ ص: 390 ] الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دآبة الآية [ 35 \ 45 ] ، وقوله : وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب الآية [ 18 \ 58 ] ، وأشار بقوله : ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى [ 16 \ 61 ] ، إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمل . وبين ذلك في غير هذا الموضع ; كقوله : ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار [ 14 \ 42 ] ، وقوله : ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب [ 29 \ 53 ] .

وبين هنا : أن الإنسان إذا جاء أجله لا يستأخر عنه ، كما أنه لا يتقدم عن وقت أجله . وأوضح ذلك في مواضع أخر ; كقوله : إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر الآية [ 71 \ 4 ] ، وقوله : ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها الآية [ 63 \ 11 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

واعلم : أن قوله تعالى : ما ترك عليها من دابة [ 16 \ 61 ] ، فيه وجهان من العلماء :

واعلم أنه خاص بالكفار ; لأن الذنب ذنبهم ، والله يقول : ولا تزر وازرة وزر أخرى [ 6 \ 164 ] ، ومن قال هذا القول قال : " من دابة " [ 16 \ 61 ] ، أي : كافرة ، ويروى هذا عن ابن عباس . وقيل : المعنى أنه لو أهلك الأباء بكفرهم لم تكن الأبناء .

وجمهور العلماء ، منهم ابن مسعود ، وأبو الأحوص ، وأبو هريرة ، وقال الآخر :
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا والموت أكرم نزال على الحرم


وقد ولدت امرأة أعرابي أنثى ، فهجرها لشدة غيظه من ولادتها أنثى ، فقالت :


ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل بالبيت الذي يلينا
غضبان إلا نلد البنينا ليس لنا من أمرنا ما شينا
وإنما نأخذ ما أعطينا




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #170  
قديم 06-01-2022, 02:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,649
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (168)

سُورَةُ النَّحْلِ(14)
صـ 391 إلى صـ 395


تنبيه .

لفظة " جعل " تأتي في اللغة العربية لأربعة معان :

الأول : بمعنى اعتقد ; كقوله - تعالى - هنا : ويجعلون لله البنات [ 16 \ 57 ] ، قال [ ص: 391 ] في الخلاصة :
وجعل اللذ كاعتقد


الثاني : بمعنى صير كما تقدم في الحجر ; كقوله : وجعل القمر فيهن نورا [ 71 \ 16 ] ، قال في الخلاصة :


.... والتي كصيرا وأيضا بها انصب مبتدا وخبرا


الثالث : بمعنى خلق ; كقوله : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور [ 6 \ 1 ] ، أي : خلق الظلمات والنور .

الرابع : بمعنى شرع ; كقوله :


وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر


قال في الخلاصة :


كأنشأ السائق يحدو وطفق كذا جعلت وأخذت وعلق


وقوله في هذه الآية الكريمة : سبحانه [ 16 \ 57 ] ، أي : تنزيها له - جل وعلا - عما لا يليق بكماله وجلاله ، وهو ما ادعوا له من البنات سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا !

وغيرهم ، كما نقله عنهم ابن كثير وغيره على أن الآية عامة ; حتى إن ذنوب بني آدم لتهلك الجعل في حجره ، والحبارى في وكرها ، ونحو ذلك ; لولا أن الله حليم لا يعجل بالعقوبة ، ولا يؤاخذهم بظلمهم .

قال مقيده - عفا الله عنه - : وهذا القول هو الصحيح ; لما تقرر في الأصول من : أن النكرة في سياق النفي إذا زيدت قبلها لفظة " من " تكون نصا صريحا في العموم . وعليه فقوله : " من دابة " يشمل كل ما يطلق عليه اسم الدابة نصا .

وقال القرطبي في تفسيره : فإن قيل : فكيف يعم بالهلاك مع أن فيهم مؤمنا ليس بظالم ؟ قيل : يجعل هلاك الظالم انتقاما وجزاء ، وهلاك المؤمن معوضا بثواب الآخرة .

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ، ثم بعثوا على أعمالهم " ، اه محل الغرض منه بلفظه . والأحاديث بمثله كثيرة معروفة .

وإذا ثبت في الأحاديث الصحيحة : أن العذاب إذا نزل بقوم عم الصالح والطالح ، [ ص: 392 ] فلا إشكال في شمول الهلاك للحيوانات التي لا تعقل . وإذا أراد الله إهلاك قوم أمر نبيهم ومن آمن منهم أن يخرجوا عنهم ; لأن الهلاك إذا نزل عم .
تنبيه .

قوله : ما ترك عليها من دابة [ 16 \ 61 ] ، الضمير في " عليها " ، راجع إلى غير مذكور وهو الأرض ; لأن قوله : من دابة يدل عليه ; لأن من المعلوم : أن الدواب إنما تدب على الأرض . ونظيره قوله تعالى : ما ترك على ظهرها من دابة [ 35 \ 45 ] ، وقوله : حتى توارت بالحجاب [ 38 \ 32 ] ، أي : الشمس ولم يجر لها ذكر ، ورجوع الضمير إلى غير مذكور يدل عليه المقام كثير في كلام العرب ; ومنه قول حميد بن ثور :


وصهباء منها كالسفينة نضجت به الحمل حتى زاد شهرا عديدها


فقوله : " صهباء منها " ، أي : من الإبل ، وتدل له قرينة " كالسفينة " مع أن الإبل لم يجر لها ذكر ، ومنه أيضا قول حاتم الطائي :


أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر


فقوله : " حشرجت وضاق بها " يعني النفس ، ولم يجر لها ذكر ; كما تدل له قرينة " وضاق بها الصدر " ، ومنه أيضالبيد في معلقته :


حتى إذا ألقت يدا في كافر وأجن عورات الثغور ظلامها


فقوله : " ألقت " ، أي : الشمس ، ولم يجر لها ذكر ، ولكن يدل له قوله : وأجن عورات الثغور ظلامها .

لأن قوله : " ألقت يدا في كافر " ، أي : دخلت في الظلام . ومنه أيضا قول طرفة في معلقته :


على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ألا ليتني أفديك منها وأفتدي


فقوله : " أفديك منها " ، أي : الفلاة ، ولم يجر لها ذكر ، ولكن قرينة سياق الكلام تدل عليها .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : يؤاخذ الآية [ 16 \ 61 ] ، الظاهر أن المفاعلة فيه بمعنى الفعل المجرد ; فمعنى آخذ الناس يؤاخذهم : أخذهم بذنوبهم ; لأن المفاعلة [ ص: 393 ] تقتضي الطرفين . ومجيئها بمعنى المجرد مسموع نحو : سافر وعافى . وقوله : " يؤاخذ " [ 16 \ 61 ] ، إن قلنا : إن المضارع فيه بمعنى الماضي فلا إشكال . وإن قلنا : إنه بمعنى الاستقبال فهو على إيلاء لو المستقبل وهو قليل ; كقوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم [ 4 \ 9 ] ، وقول قيس بن الملوح :


ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ومن دون رمسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي وإن كنت رمة لصوت صدى ليلى يهش ويطرب


والجواب بحمله على المضي في الآية تكلف ظاهر ، ولا يمكن بتاتا في البيتين ، وأمثلته كثيرة في القرآن وفي كلام العرب . وقد أشار لذلك في الخلاصة بقوله :

لو حرف شرط في مضي ويقل إيلاؤها مستقبلا ، لكن قبل .
قوله تعالى : ويجعلون لله ما يكرهون ، أبهم - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة هذا الذي يجعلونه لله ويكرهونه ; لأنه عبر عنه بـ " ما " الموصولة ، وهي اسم مبهم ، وصلة الموصول لن تبين من وصف هذا المبهم إلا أنهم يكرهونه . ولكنه بين في مواضع أخر : أنه البنات والشركاء وجعل المال الذي خلق لغيره ، قال في البنات : ويجعلون لله البنات [ 16 \ 57 ] ، ثم بين كراهيتها لها في آيات كثيرة ، كقوله : وإذا بشر أحدهم بالأنثى الآية [ 16 \ 61 ] .

وقال في الشركاء : وجعلوا لله شركاء الآية [ 6 \ 100 ] ، ونحوها من الآيات . وبين كراهيتهم للشركاء في رزقهم بقوله : ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون [ 30 \ 28 ] ، أي : إذا كان الواحد منكم لا يرضى أن يكون عبده المملوك شريكا له مثل نفسه في جميع ما عنده ; فكيف تجعلون الأوثان شركاء لله في عبادته التي هي حقه على عباده ! وبين جعلهم بعض ما خلق الله من الرزق للأوثان في قوله : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ، إلى قوله : ساء ما يحكمون [ 16 \ 136 ] ، وقوله : ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم [ 16 \ 56 ] ، كما تقدم .
قوله تعالى : وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار يقولون بألسنتهم الكذب ; فيزعمون أن لهم الحسنى ، والحسنى تأنيث الأحسن ، قيل : المراد بها الذكور ; كما تقدم في قوله : ولهم ما يشتهون [ ص: 394 ] [ 16 \ 57 ] ، والحق الذي لا شك فيه : أن المراد بالحسنى : هو زعمهم أنه إن كانت الآخرة حقا فسيكون لهم فيها أحسن نصيب كما كان لهم في الدنيا . ويدل على صحة هذا القول الأخير دليلان :

أحدهما : كثرة الآيات القرآنية المبينة لهذا المعنى ; كقوله تعالى عن الكافر : ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى [ 41 \ 50 ] ، وقوله : ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا [ 18 \ 36 ] ، وقوله : وقال لأوتين مالا وولدا [ 19 \ 77 ] ، وقوله : وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين [ 34 \ 35 ] ، وقوله : أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات الآية [ 23 \ 55 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

والدليل الثاني : أن الله أتبع قوله : أن لهم الحسنى [ 16 \ 62 ] ، بقوله : لا جرم أن لهم النار الآية [ 16 \ 62 ] ، فدل ذلك دلالة واضحة على ما ذكرنا ، والعلم عند الله . والمصدر المنسبك من " أن " ، وصلتها في قوله : أن لهم الحسنى [ 16 \ 62 ] في محل نصب ، بدل من قوله الكذب ، ومعنى وصف ألسنتهم الكذب قولها للكذب صريحا لا خفاء به .

وقال الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب [ 16 \ 116 ] ، ما نصه : فإن قلت : ما معنى وصف ألسنتهم الكذب ؟ قلت : هو من فصيح الكلام وبليغه ، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه ; فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته ، وصورته بصورته . كقولهم : وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر . اه .
قوله تعالى : لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون ، في هذا الحرف قراءتان سبعيتان ، وقراءة ثالثة غير سبعية . قرأه عامة السبعة ما عدى نافعا : مفرطون ، بسكون الفاء وفتح الراء بصيغة اسم المفعول ; من أفرطه . وقرأ نافع بكسر الراء بصيغة اسم الفاعل ; من أفرط . والقراءة التي ليست بسبعية بفتح الفاء وكسر الراء المشددة بصيغة اسم الفاعل من فرط المضعف ، وتروى هذه القراءة عن أبي جعفر . وكل هذه القراءات لها مصداق في كتاب الله .

أما على قراءة الجمهور : مفرطون ، بصيغة المفعول فهو اسم مفعول أفرطه : إذا [ ص: 395 ] نسيه وتركه غير ملتفت إليه ; فقوله : مفرطون ، أي : متروكون منسيون في النار . ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا [ 7 \ 51 ] ، وقوله : فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد الآية [ 32 \ 14 ] ، وقوله : وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار الآية [ 45 \ 34 ] ، فالنسيان في هذه الآيات معناه : الترك في النار . أما النسيان بمعنى زوال العلم : فهو مستحيل على الله ; كما قال تعالى : وما كان ربك نسيا [ 19 \ 64 ] ، وقال : قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [ 20 \ 52 ] .

وممن قال بأن معنى : مفرطون ، منسيون متركون في النار : مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن الأعرابي ، وأبو عبيدة ، والفراء ، وغيرهم .

وقال بعض العلماء : معنى قوله : مفرطون ، على قراءة الجمهور : أي : مقدمون إلى النار معجلون ; من أفرطت فلانا وفرطته في طلب الماء ، إذا قدمته ، ومنه حديث : " أنا فرطكم على الحوض " ، أي : متقدمكم . ومنه قول القطامي : فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا كما تقدم فراط لرواد .

وقول الشنفرى :
هممت وهمت فابتدرنا وأسبلت وشمر مني فارط متمهل


أي : متقدم إلى الماء . وعلى قراءة نافع فهو اسم فاعل أفرط في الأمر : إذا أسرف فيه وجاوز الحد . ويشهد لهذه القراءة قوله : وأن المسرفين هم أصحاب النار [ 40 \ 43 ] ، ونحوها من الآيات . وعلى قراءة أبي جعفر ، فهو اسم فاعل ، فرط في الأمر : إذا ضيعه وقصر فيه ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله الآية [ 39 \ 56 ] ، فقد عرفت أوجه القراءات في الآية ، وما يشهد له القرآن منها .

وقوله : لا جرم ، أي : حقا أن لهم النار . وقال القرطبي في تفسيره : لا رد لكلامهم وتم الكلام ، أي : ليس كما تزعمون وجرم أن لهم النار حقا أن لهم النار ! وقال بعض العلماء : " لا " صلة ، و " جرم " بمعنى كسب ; أي : كسب لهم عملهم أن لهم النار .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 270.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 264.75 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]