تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 159 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4987 - عددالزوار : 2106705 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4566 - عددالزوار : 1384104 )           »          إيران عدو تاريخي للعرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 173 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 1000 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 11611 )           »          إيقاظ الأفئدة بذكر النار الموقدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 191 )           »          علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 179 )           »          علة حديث: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 186 )           »          الأنفصال العاطفي بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 202 )           »          مقاومة السمنة في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 190 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-08-2022, 04:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الذاريات - (1)
الحلقة (799)

سورة الذاريات
مكية
وآياتها ستون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 159الى صــــ 164)

هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين (24) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون (25) فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين (26) فقربه إليهم قال ألا تأكلون (27) فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم (28) فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم (29) قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم (30)

شرح الكلمات:
هل أتاك حديث: أي قد أتاك يا نبينا حديث أي كلام.
ضيف إبراهيم المكرمين: أي جبريل وميكائيل وإسرافيل أكرمهم إبراهيم الخليل.
وقالوا سلاما: أي نسلم عليك سلاما.
قال سلام قوم منكرون: أي عليكم سلام أنتم قوم منكرون أي غير معروفين.
فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين: أي عدل ومال إلى أهله فجاء بعجل سمين حنيذ.
فقال ألا تأكلون: أي فأمسكوا عن الأكل فقال لهم ألا تأكلون.
فأوجس منهم خيفة: أي فأضمر في نفسه خوفا منهم.
بغلام عليم: أي بولد يكون ذا علم كبير غزير.
فأقبلت امرأته في صرة: أي في رنة وصيحة.
فصكت وجهها: أي لطمت وجهها أي ضربت بأصابعها جبينها متعجبة.
وقالت عجوز عقيم: أي كبيرة السن وعقيم لم يولد لها قط.
قالوا كذلك قال ربك: أي قالت الملائكة لها كالذي قلنا لك قال ربك.
إنه هو الحكيم العليم: أي إنه هو الحكيم في تدبيره وتصريف شؤون عباده. العليم بما يصلح للعبد وما لا يصلح فليفوض الأمر إليه.
معنى الآيات:
قوله تعالى {هل أتاك حديث1 ضيف إبراهيم المكرمين} 2 هذا الحديث يشتمل على موجز قصة قد ذكرت في سورة هود والحجر والمقصود منه تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إن مثل هذا القصص لا يتم لأمي لا يقرأ ولا يكتب إلا من طريق الوحي كما أنه يحمل في نهايته التهديد بالوعيد لمشركي قريش المصرين على الكفر والتكذيب والإجرام الكبير إذ في نهاية القصة يسأل إبراهيم الملائكة قائلا فما خطبكم أيها المرسلون فيجيبون قائلين إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين أي لتدميرهم وإهلاكهم من أجل إجرامهم، وقريش في هذا الوقت مجرمة مستحقة للعذاب كما استحقه إخوان لوط. فقوله تعالى في خطاب رسوله هل أتاك حديث ضيف إبراهيم الخليل وهم ملائكة في صورة رجال من بينهم3 جبريل وميكائيل وإسرافيل إذ دخلوا عليه أي على إبراهيم وهو في منزله فسلموا عليه4 فرد السلام ثم قال أنتم قوم منكرون أي لا نعرفكم بمعنى أنكم غرباء لستم من أهل هذا البلد فلذا سارع في إكرامهم فراغ إلى أهله أي عدل ومال إلى أهله فعمد إلى عجل سمين من أبقاره وكان ماله يومئذ البقر فشواه بعد ذبحه وسلخه وتنظيفه. فقربه إليهم وكأنهم أمسكوا عن تناوله فعرض عليهم الأكل عرضا بقوله ألا تأكلون فقالوا إنا لا نأكل طعاما إلا بحقه. فقال إذا كلوه بحقه، فقالوا وما حقه؟ قال أن تذكروا اسم الله في أوله وتحمدوا الله في آخره أي تقولون بسم الله في البدء والحمد لله في الختم فالتفت جبريل إلى ميكائيل وقال له حق للرجل أن يتخذه ربه خليلا ولما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة أي خوفا أي شعر بالخوف في نفسه منهم لعدم أكلهم لأن العادة البشرية وهي مستمرة إلى اليوم إذا أراد المرء بأخيه سوءا لا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام، ولا يأكل طعامه هذا حكم غالبي وليس عاما. قالوا لا تخف وبشروه بغلام وأعلموه أنهم مرسلون من ربه إلى قوم لوط لإهلاكهم من أجل إجرامهم وبشروه بغلام يولد له ويكبر ويولد له فالأول إسحق والثاني يعقوب كما جاء في سورة هود فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحق يعقوب وقوله {فأقبلت امرأته في صرة} 5 أخذت في رنة لما سمعت البشرى فصكت أي لطمت وجهها بأصابع يدها متعجبة وهي تقول أألد وأنا عجوز6 وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب إذ كان عمرها تجاوز التسعين وعمر إبراهيم تجاوز المئة وكانت عقيما لا تلد قط فلذا قالت عجوز7 عقيم كيف ألد يا للعجب؟ فأجابها الملائكة قائلين كذلك أي هكذا قال ربك فاقبلي البشرى واحمديه واشكريه. إنه تعالى هو الحكيم في تصرفاته في شؤون عباده العليم بما يصلح لهم وما لا يصلح فليفوض الأمر إليه ولا يعترض عليه.

هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية.
2- فضيلة إبراهيم أبي الأنبياء وإمام الموحدين.
3- وجوب إكرام الضيف.
4- الخوف الفطري عند وجود أسبابه لا يقدح في العقيدة ولا يعد شركا.

__________

1 هذا الكلام مستأنف ابتدائي سيق لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتقرير نبوته وإنذار قومه المكذبين المصرين على الشرك والظلم، ولفظ الضيف، يطلق على الواحد فأكثر وافتتاح الكلام بهل للتفخيم للحدث الذي يخبر عنه والتهويل من شأنه.
2 قال فيهم المكرمين: لخدمة إبراهيم إياهم وإكرامه لهم بتقديم العجل الحنيذ، وقيل هم مكرمون من قبل الله تعالى.
3 قيل إنهم كانوا تسعا وسما منهم غير الثلاثة رفائيل عليه السلام.
4 في الآية مشروعية السلام إلقاء وردا إلا أن الإلقاء سنة والرد واجب لآية النساء: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} .
5 الصرة: الصيحة والضجة، والصرة، الجماعة، والصرة: الشدة من كرب وغيره قال الشاعر:
فألحقه بالهاديات ودونه
جواحرها في صرة لم تزين
الهاديات: أوائل بقر الوحش وجواحرها: متخلفاتها ولم تزيل لم تنفرق الشاهد في الصرة هنا فإنها بمعنى الضجة والجماعة والشدة. وهو يمدح فرسه الذي ألحقه بأوائل بقر الوحش الذي يصيد.
6 نص آية هود: {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب} .
7 أي: كيف ألد وأنا عجوز عقيم ف (عجوز) خبر، و (عقيم) بدل منه والمبتدأ محذوف أي: أنا والعجوز يشترك فيه المذكر والمؤنث يقال رجل عجوز وامرأة عجوز فهو فعول بمعنى فاعل مشتق من العجز والعقيم كذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث وهو فعيل بمعنى مفعول مأخوذ من عقمها الله: إذا خلقها لم تحمل بجنين، وكانت سارة لم تحمل قط.

************************

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-08-2022, 04:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

الجزء السابع والعشرون
قال فما خطبكم أيها المرسلون (31) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين (32) لنرسل عليهم حجارة من طين (33) مسومة عند ربك للمسرفين (34) فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين (35) فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين (36) وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم (37)

شرح الكلمات:
قال فما خطبكم أيها المرسلون: أي ما شأنكم أيها المرسلون.
إلى قوم مجرمين: أي إلى قوم كافرين فاعلين لأكبر الجرائم وهي إتيان الفاحشة.
حجارة من طين: أي مطبوخ بالنار.
مسومة: أي معلمة على كل حجر اسم من يرمى به.
للمسرفين: أي المبالغين في الكفر والعصيان كإتيان الذكران.
غير بيت من المسلمين: وهو بيت لوط وابنتيه ومن معهم من المؤمنين.
وتركنا فيها آية: أي بعد إهلاكهم: تركنا فيها علامة على إهلاكهم وهي ماء أسود منتن.
للذين يخافون العذاب الأليم: أي عذاب الآخرة فلا يفعلون فعلهم الشنيع.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة إبراهيم مع ضيفه من الملائكة إنه لاحظ بعد أن عرف أنهم سادات الملائكة أن مهمتهم لم تكن مقصورة على بشارته فقط بل هي أعظم فلذا سألهم قائلا: فما1 خطبكم أيها المرسلون؟ فأجابوه قائلين: إنا أرسلنا أي أرسلنا ربنا عز وجل إلى قوم مجرمين2 أي على أنفسهم بالكفر، وفعل الفاحشة، والعلة من إرسالنا إليهم هي لنرسل عليهم حجارة من طين3 مطبوخ بالنار، وتلك الحجارة مسومة أي معلمة عن ربك للمسرفين أي قد كتب على كل حجر اسم من يرمى به، وذلك في السماء قبل أن تنزل إلى الأرض.
وقوله تعالى: {فأخرجنا} أي من تلك القرية وهي سدوم من كان فيها من4 المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وهو بيت لوط عليه السلام وما به سوى لوط وابنتيه ومن الجائز أن يكون معهم بعض المؤمنين إذ قيل كانوا ثلاثة عشر نسمة وقوله تعالى: {وتركنا فيها آية5} أي علامة على إهلاكهم وهي ماء أسود منتن كالبحيرة وتعرف الآن بالبحر الميت. وقوله {للذين يخافون العذاب الأليم} وهم المؤمنون الذين يخافون عذاب الآخرة حتى لا يفعلوا فعل قوم لوط من الكفر وإيتان الفاحشة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- جواز تشكل الملائكة بصورة رجال من البشر.
2- التنديد بالإجرام وفاعليه.
3- جواز الإهلاك بالعذاب الخاص الذي لم يعرف له نظير.
4- تقرير حقيقة علمية وهي أن كل مؤمن صادق الإيمان مسلم, وليس كل مسلم مؤمنا حتى يحسن إسلامه بانبنائه على أركان الإيمان الستة.6
__________

1 الفاء: هي الفاء الفصيحة إذ أفصحت أي: دلت على كلام محذوف تقديره: لما كنتم مرسلين من قبل الله تعالى فما خطبكم أي ما شأنكم وما مهمتكم العظيمة التي جئتم لها؟.
2 هم أهل سدوم وعمورية.
3 (من طين) فيه احتراس من أن تكون من البرد الذي ينزل مع المطر من السماء, وجائز أن تكون من بركان قذفته الأرض فارتفع بقوة الضغط فسقط عليهم فدمرهم بأمر الله تعالى وتدبيره فيهم.
4 قوله: (من المؤمنين) : إشارة إلى أن سبب نجاتهم هو إيمانهم وفي قوله: (من المسلمين) كذلك أي: سبب النجاة الإسلام كما هو التنويه بشأن كل من الإيمان والإسلام إذ الدعوة النبوية تدور عليهما.
5 الضمير) فيها) عائد إلى القرية التي أصبحت خربة تدل على قدرة الله تعالى ونقمته من أعدائه.
6 هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله, واليوم الآخر, والقدر خيره وشره, كما في آية البقرة, (ليس البر) وفي حديث جبريل عند مسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-08-2022, 04:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الذاريات - (2)
الحلقة (800)

سورة الذاريات
مكية
وآياتها ستون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 165الى صــــ 170)

وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين (38) فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون (39) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم (40) وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم (41) ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم (42) وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين (43) فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون (44) فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين (45) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين (46)
شرح الكلمات:
وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون: أي فكذبه وكفر, فأغرقناه ومن معه آية كآية سدوم.
بسلطان مبين: أي بحجة ظاهرة قوية وهي اليد والعصا.
فتولى بركنه: أي أعرض عن الإيمان مع رجال قومه.
وقال ساحر أو مجنون: أي وقال فرعون في شأن موسى ساحر أو مجنون.
فنبذناهم في اليم: أي طرحناهم في البحر فغرقوا أجمعين.
وهو مليم: أي آت بما يلام عليه إذ هو الذي عرض جيشا كاملا للهلاك زيادة على ادعائه الربوبية وتكذيبه لموسى وهرون وهما رسولان.
وفي عاد: أي وفي إهلاك عاد آية أي علامة على قدرتنا وتدبيرنا.
الريح العقيم: أي التي لا خير فيها لأنها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر وهي الدبور, لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "نصرت بالصبا" وهي الريح الشرقية "وأهلكت عاد بالدبور" وهي الريح الغربية بالحجاز.
ما تذر من شيء أتت عليه: من نفس أو مال.
إلا جعلته كالرميم: أي البالي المتفتت.
وفي ثمود: أي وفي إهلاك ثمود آية دالة على قدرة الله وكرهه تعالى للكفر والإجرام.
إذ قيل لهم: أي بعد عقر الناقة تمتعوا إلى انقضاء آجالكم بعد ثلاثة أيام.
فأخذتهم الصاعقة: أي بعد ثلاثة أيام من عقر الناقة.
فما استطاعوا من قيام: أي ما قدروا على النهوض عند نزول العذب بهم.
وقوم نوح من قبل: أي وفي إهلاك قوم نوح بالطوفان آية وأعظم آية.
قوله تعالى {وفي موسى} 1 الآية إنه تعالى لما ذكر إهلاك قوم لوط وجعل في ذلك آية دالة على قدرته وعلامة تدل العاقل على نقمه تعالى ممن كفر به وعصاه ذكر هنا في هذه الآيات التسع من هذا السياق أربع آيات
أخرى، يهتدي بها أهل الإيمان الذين يخافون يوم الحساب فقال عز من قائل: وفي موسى بن عمران نبي بني إسرائيل إذ أرسلناه إلى فرعون ملك القبط بمصر {بسلطان مبين} أي بحجة قوية ظاهرة قوة السلطان وظهوره وهي العصا2 فلم يستجب لدعوة الحق فتولى بركنه أي 3بجنده الذي يركن إليه ويعتمد عليه، وقال في موسى رسول الله إليه: هو ساحر أو 4مجنون فانتقمنا منه بعد الإصرار على الكفر والظلم فنبذناهم أي طرحناهم في اليم البحر فهلكوا بالغرق. في هذا الصنيع الذي صنعناه بفرعون لما كذب آية من أظهر الآيات. وقوله تعالى: {وفي عاد5} حيث أرسلنا إليهم
أخاهم هودا فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} التي لا تحمل مطرا ولا تلقح شجرا6 ما تذر من شيء أتت عليه أي مرت به من أنفس أو أموال إلا جعلته كالرميم7 البالي المتفتت في هذه الإهلاك آية من أعظم الآيات الدالة على قدرة الله الموجبة لربوبيته وعبادته والمستلزمة لقدرته تعالى على البعث والجزاء يوم القيامة.
وقوله تعالى {وفي ثمود8} إذ أرسلنا إليهم أخاهم صالحا فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك الشرك فكذبوه وطالبوه بآية تدل على صدقه فأعطاهم الله الناقة آية فعقروها استخفافا منهم وتكذيبا {إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين} أي إلى إنقضاء الأجل الذي حدد لهلاكهم. فبدل أن يؤمنوا ويسلموا
فيعبدوا الله ويوحدوه عتوا عن أمر ربهم وترفعوا متكبرين {فأخذتهم الصاعقة} صاعقة العذاب وهم ينظرون بأعينهم الموت يتخطفهم {فما استطاعوا من قيام} من مجالسهم وهم جائمون على الركب {وما كانوا منتصرين} في إهلاك ثمود أصحاب الحجر آية للذين يخافون العذاب الأليم فلا يفعلوا فعلهم حتى لا يهلكوا هلاكهم.
وقوله تعالى: {وقوم نوح7 من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين} أي وفي إرسالنا نوحا إلى قومه وتكذيبهم إياه وإصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب ثم إهلاكنا لهم بالطوفان وانجائنا المؤمنين آية من أعظم الآيات الدالة على وجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته للعالمين، والمستلزمة لقدرته على البعث والجزاء الذي يصر الملاحدة على إنكاره ليواصلوا فسقهم وفجورهم بلا تأنيب ضمير ولا حياء ولا خوف أو وجل.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير كل من التوحيد والنبوة والبعث لما في الآيات من دلائل على ذلك.
2- قوة الله تعالى فوق كل قوة إذ كل قوة في الأرض هو الذي خلقها ووهبها.
3- اتهام المبطلين لأهل الحق دفعا للحق وعدم قبول له يكاد يكون سنة بشرية في كل زمان ومكان.
4- من عوامل الهلاك العتو عن أمر الله أي عدم الإذعان لقبوله، والفسق عن طاعته وطاعة رسله.
__________

(وفي موسى) أي: وتركنا أيضا في قصة موسى آية، والعطف على قوله: {وفي الأرض آيات للموقنين} .
2 وجائز أن يكون غير العصا من الآيات التسع.
3 وجائز أن يكون بقوته كما قال عنترة:
فما أوهى مراس الحرب ركني
ولكن ما تقادم من زماني
أراد بركنه: قوته، وركن الشيء: جانبه الأقوى.
(أو) بمعنى الواو أي: قال مرة في موسى ساحر وقال مرة أخرى مجنون وشاهده قول الشاعر:
أثعلبة الفوارس أو رياحا
عدلت بهم طهية والخشايا
أي: ورياحا فأو بمعنى الواو العاطفة لا غير وطهية كسمية: حي من تميم والخشاب: بطون من تميم أيضا.
(وفي عاد) أي: وتركنا في عاد آية كالتي في موسى.
6 ولا خير فيها ولا بركة ولا منفعة البتة مأخوذة من: امرأة عقيم لا تحمل ولا تلد، وهي الدبور لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور} .
(الرميم) الشيء الهاك البالي. قال مجاهد، ومنه قول الشاعر:
تركتني حين كف الدهر من بصري
وإذ بقيت كعظم الرمة البالي
مأخوذ من رم العظم: إذا بلى يقال: رم العظم يرم بالكسر رمة فهو رميم.
(وفي ثمود) أي: وتركنا في ثمود آية للموقنين دالة على قدرة الله وعلمه وحكمته وهي موجبات ألوهيته.
7 قرأ حمزة والكسائي (وقوم) بالكسر أي: وفي قوم نوح آية، وقرأ الجمهور بالنصب أي: وأهلكنا قوم نوح من قبل عاد وثمود ومدين.

**********************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-08-2022, 04:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون (47) والأرض فرشناها فنعم الماهدون (48) ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون (49) ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين (50) ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين (51)
شرح الكلمات:
والسماء بنيناها بأيد: أي وبنينا السماء بقوة ظاهرة في رفع السماء وإحكام البناء.
وإنا لموسعون: أي لقادرون على البناء والتوسعة.
والأرض فرشناها: أي مهدناها فجعلناها كالمهاد أي الفراش الذي يوضع على المهد.
فنعم الماهدون: أي نحن أثنى الله تعالى على نفسه بفعله الخيري الحسن الكبير.
ومن كل شيء خلقنا زوجين: أي وخلقنا من كل شيء صنفين أي ذكرا وأنثى، خيرا وشرا، علوا وسفلا.
لعلكم تذكرون: أي تذكرون أن خالق الأزواج كلها هو إله فرد فلا يعبد معه غيره.
ففروا إلى الله: أي إلى التوبة بطاعته وعدم معصيته.
إني لكم منه نذير مبين: أي إني وأنا رسول الله إليكم منه تعالى نذير مبين بين النذارة أي أخوفكم عذابه.
ولا تجعلوا مع الله إلها آخر: أي لا تعبدوا مع الله إلها أي معبودا آخر إذ لا معبود بحق إلا هو.
إني لكم منه نذير مبين: إني لكم منه تعالى نذير بين النذارة أخوفكم عذابه إن عبدتم معه غيره.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في عرض مظاهر القدرة الإلهية الموجبة له تعالى الربوبية لكل شيء والألوهية على عباده. فقال تعالى: {والسماء1 بنيناها بأيد وإنا لموسعون} فهذا أكبر مظهر من مظاهر القدرة الإلهية إنه بناء السماء وإحكام ذلك البناء وارتفاعه وما تعلق به من كواكب ونجوم وشمس وقمر تم هذا الخلق بقوة الله التي لا توازيها قوة. وقوله {وإنا لموسعون} أي لقادرون على توسعته أكثر مما هو عليه، وذلك لسعة قدرتنا.
ومظهر ثان هو في قوله: {والأرض2 فرشناها فنعم الماهدون} والأرض فرشها بساطا ومهدها مهادا فنعم الماهدون نحن نعم الماهد الله تعالى لها إذ غيره لا يقدر على ذلك ولا يتأتى له، وثالث مظاهر القدرة في قوله: {ومن كل شيء3 خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} فهذا لفظ عام يعم سائر المخلوقات وأنها كلها أزواج وليس فيها فرد قط.
والذوات كالصفات فالسماء يقابلها الأرض، والحر يقابله البرد، والذكر يقابله الأنثى، والبر يقابله البحر، والخير يقابله الشر، والمعروف يقابله المنكر، فهي أزواج بمعنى أصناف كما أن سائر الحيوانات هي أزواج من ذكر وأنثى. وقوله {لعلكم تذكرون} أي خلقنا من كل شيء زوجين رجاء أن تذكروا فتعلموا أن خالق هذه الأزواج هو الله الفرد الصمد الواحد الأحد لا إله غيره ولا رب سواه فتعبدوه وحده ولا تشركوا به سواه من سائر خلقه.
وقوله تعالى {ففروا إلى4 الله إني لكم منه نذير مبين} أي بعد أن تبين لكم أيها الناس أنه لا إله غير الله ففروا إليه تعالى أي بالإيمان به وبطاعته وبفعل فرائضه وترك نواهيه اهربوا إلى الله يا عباد الله بالإسلام إليه والانقياد لطاعته إني لكم منه تعالى نذير من عقاب شديد، ونذارتي بينة لا شك فيها وأنصح لكم أن لا تجعلوا مع الله إلها آخر أي معبودا غيره تعالى تعبدونه إن الشرك به يحبط أعمالكم ويحرم عليكم الجنة فلا تدخلوها أبدا واعلموا أني لكم منه عز وجل نذير مبين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد والبعث بمظاهر القدرة الإلهية التي لا يعجزها شيء ومظاهر العلم والحكمة المتجلية في كل شيء.
2- ظاهرة الزوجية في الكون في الذرة انبهر لها العقل الإنساني وهي مما سبق إليه القرآن الكريم وقرره في غير موضع منه: سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون. فدل هذا قطعا على أن القرآن وحي الله وأن من أوحى به إليه وهو محمد بن عبد الله لن يكون إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- التحذير من الشرك فإنه ذنب عظيم لا يغفر إلا بالتوبة الصحيحة النصوح.
__________

1 هذا عرض آخر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته الدالة على قدرته على البعث الآخر (والسماء) : منصوب على الاشتغال، والأيد جمع يد وكثر إطلاقه على القوة نحو: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) أي: القوة، والموسع: القادر على توسعة ما يريد توسعته من رزق وغيره.
2 نصب الأرض على الاشتغال، والفرش: البسط يقال: فرش البساط: إذا نشره وقوله: (فنعم الماهدون) أثنى تعالى على نفسه بهذه المنة على خلقه وهي: بسط الأرض وتمهيدها للحياة عليها وفي هذا تعليم للعباد أن يحمدوا الله ويشكروه: فله الحمد تعالى وله المنة.
3 في خلق الله تعالى للذكر والأنثى والتناسل منهما دليل ظاهر على البعث الذي ينكره الكافرون فمن فكر في إيجاد الحياة من جماد النطفة سهل عليه الإيمان بالحياة الثانية بعد انتهاء هذه ولذا عقب على ذلك بجملة (لعلكم تذكرون) وهي جملة تعليلية.
4 الفاء للتفريع إنه بعد أن بين للمشركين ضلالهم وخطأهم في الشرك والكفر وإنكار البعث بما ساق من الأدلة وأبرز عن البراهين القطعية قال لرسوله: قل لهم أيها الناس ففروا إلى الله أي: اهربوا إليه لينجيكم من الخسران فإنه ليس لكم إلا هو فآمنوا به واعبدوه ووحدوه وعلل ذلك بقوله لهم {إني لكم منه نذير مبين} .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-08-2022, 08:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الطور - (1)
الحلقة (801)

سورة الطور
مكية
وآياتها تسع وأربعون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 171الى صــــ 175)

كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون (52) أتواصوا به بل هم قوم طاغون (53) فتول عنهم فما أنت بملوم (54) وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (55) وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون (57) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (58) فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون (59) فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون (60)

شرح الكلمات:
كذلك ما أتى الذين من قبلهم: أي الأمر كذلك ما أتى الذين من قبل قومك يا محمد من رسول.
إلا قالوا ساحر أو مجنون: أي هو ساحر أو مجنون.
أتواصوا به بل هم قوم طاغون: أي أتواصت الأمم كل أمة توصي التي بعدها بقولهم للرسول هو ساحر أو مجنون, والجواب, لا أي لم يتواصوا بل هم قوم طاغون يجمعهم على قولهم هذا الطغيان.
فتول عنهم فما أنت بملوم: أي أعرض عنهم يا رسولنا فما أنت بملوم لأنك بلغتهم فأبرأت ذمتك.
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين: أي عظ بالقرآن يا رسولنا فإن الذكرى بمعنى التذكير ينفع المؤمنين أي من علم الله أنه يؤمن.
وما خلقت الجن والإنس: أي خلقتهم لأجل أن يعبدوني فمن عبدني أكرمته ومن ترك عبادتي أهنته.
ما أريد منهم من رزق: أي لا لي ولا لأنفسهم ولا لغيرهم.
وما أريد أم يطمعون: أي لا أريد منهم ما يريد أرباب العبيد من عبيدهم هذا يجمع المال وهذا يعد الطعام، والله هو الذي يرزقهم.
ذو القوة المتين: أي صاحب القوة المتين الشديد الذي لا يعجزه شيء.
ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم: أي نصيبا من العذاب مثل نصيب أصحابهم الذين ماتوا على الكفر.
فلا يستعجلون: أي فلا يطالبوني بالعذاب فإن له موعدا لا يخلفونه.
من يومهم الذي يوعدون: أي يوم القيامة.
معنى الآيات:
بعد عرض تلك الأدلة المقررة للتوحيد والبعث والمستلزمة للرسالة المحمدية والمشركون ما زالوا في إصرارهم على الكفر والتكذيب قال تعالى مسليا رسوله مخففا عنه ما يجده من إعراض وتكذيب: {كذلك} أي الأمر والشأن كذلك وهو أنه ما أتى الذين من قبلهم أي من قبل قومك للرسول إلا قالوا فيه هو ساحر1 أو مجنون كما قال قومك لك اليوم. ثم قال تعالى: {أتواصوا2 به} أي بهذا القول كل أمة توصي التي بعدها بأن تقول لرسولها: ساحر أو مجنون. بل هم قوم طاغون أي لم يتواصوا به وإنما جمعهم على هذا القول الطغيان الذي هو وصف عام لهم فإن الطاغي من شأنه أن ينكر ويكذب ويتهم بأبعد أنواع التهم والحامل له على ذلك طغيانه. وما دام الأمر هكذا فتول عنهم يا رسولنا أي أعرض عنهم ولا تلتفت إلى أقوالهم وأعمالهم فما أنت بملوم في هذا القول لأنك قد بلغت رسالتك وأديت أمانتك ولا يمنعك هذا التولي عنهم أن تذكر أي عظ بالقرآن بل عظ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين الذين علم الله تعالى أنه يؤمنون ممن هم غير مؤمنين الآن كما تنفع المؤمنين حاليا بزيادة إيمانهم وصبرهم على طاعة الله ربهم.
وقوله تعالى: {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون3} أي لم يخلقهما للهو ولا للعب ولا
لشيء وإنهما خلقهما ليعبدوه بالإذعان له والتسليم لأمره ونهيه. وقوله تعالى {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} أي إن شأني معهم ليس كشأن السادة مالكي العبيد الذين يتعبدونهم بالقيام بحاجاتهم. هذا يجمع المال وهذا يعد الطعام بل خلقتهم ليعبدوني أي يوحدوني في عبادتي، إذ عبادتهم لي مع عبادة غيري لا أقبلها منهم ولا أثيبهم عليها بل أعذبهم على الطاعة حيث عبدوا من لا يستحق العبادة من سائر المخلوقات.
قوله تعالى {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين4} قرر به غناه عن خلقه، وأعلم أنه ليس في حاجة إلى أحد وذلك لغناه المطلق، وقدرته التي لا يعجزها في الأرض ولا في السماء شيء. وقوله فإن للذين ظلموا5 ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم أي إذا عرفت حال من تقدم من قوم عاد وثمود وغيرهم فإن لهؤلاء المشركين ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم أي نصيبا من العذاب وعبر بالذنوب التي هي الدلو الملأى بالماء عن العذاب لأن العذاب يصب عليهم كما يصب الماء من الدلو ولأن الدلاء تأتى واحدا بعد واحد فكذلك. الهلاك يتم لأمة بعد أمة حتى يسقوا كلهم مر العذاب, وقوله {فلا يستعجلون} أي ما هناك حاجة بهم الى استعجال العذاب فإنه آت في إبانه ووقته المحدد له لا محالة. وقوله تعالى {فويل للذين كفروا} أي بالله ولقائه والنبي وما جاء به ويل لهم من يومهم الذي يوعدون أي العذاب الشديد لهم من يومهم الذي أوعدهم الله تعالى به وهو يوم القيامة والويل واد في جهنم يسيل بصديد أهل النار والعياذ بالله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان سنة بشرية وهي التكذيب والاتهام بالباطل وقلب الحقائق لكل من جاءهم يدعوهم إلى خلاف مألوفيهم وما اعتادوه من باطل وشر فيدفعون بالقول فإذا أعياهم ذلك دفعوا بالفعل وهي الحرب والقتال.
2- بيان أن طغيان النفس يتولد عنه كل شر والعياذ بالله.
3- مشروعية التذكير، وأنه ينتفع به من أراد الله إيمانه ممن لم يؤمن، ويزداد به إيمان المؤمنين الحاليين.
4- بيان علة خلق الإنس والجن وهي عبادة الله وحده.
5- بيان غنى الله تعالى عن خلقه، وعدم احتياجه إليهم بحال من الأحوال.
6- توعد الرب تبارك وتعالى الكافرين وأن نصيبهم من العذاب نازل بهم لا محالة.
__________

1 أو: بمعنى الواو إذ هم مرة يقولون ساحر ومرة يقولون مجنون وليس معنى ساحر أو مجنون أن يكون إما ساحرا أو مجنونا فتكون أو بأحد الشيئين.
2 الاستفهام للتعجب، و (بل) للإضراب الإبطالي، أي لم يتواصوا بهذا القول الفاسد، وإنما جمعهم الطغيان فقالوا ما قالوا ولم يتخلف قوم منهم في ذلك.
3 قوله: {وما خلقت ... } الخ فيه تعريض للمشركين والكافرين التاركين لعبادته تعالى، والإنس واحده إنسي، والاستثناء مفرغ من علل لم تذكر، والإرادة هنا؛ هي الإرادة الشرعية التكليفية ليست الإرادة الكونية التي لا تتخلف، ولذا فلا معنى لمن قال: المراد بالناس هنا المؤمنون فقط، أو هو على تقدير لآمرهم وأنهاهم أو أن المراد من العبادة: ظهور قدرة الله تعالى فيهم من الخلق والإحياء والإماتة.
4 الجملة تعليلية لما سبقها من قوله: {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} و (الرزاق) : كثير الإرزاق و (ذو القوة) : صاحبها ومن خصائص (ذو) أنها لا تضاف إلا إلى أمر مهم, (والمتين) : الكامل في قوته الذي لا يعارض ولا يدانى.
5 في قوله تعالى (ذنوبا) إشارة إلى مل حصل لصناديد قريش إذ بعد قتلهم ألقوا في قليب ببدر فكان ذلك مصداق قوله {فإن للذين كفروا ذنوبا} وهي الدلو الملأى فعجبا لهذا القرآن العظيم.

***********************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-08-2022, 08:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

سورة الطور
مكية
وآياتها تسع وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم

والطور (1) وكتاب مسطور (2) في رق منشور (3) والبيت المعمور (4) والسقف المرفوع (5) والبحر المسجور (6) إن عذاب ربك لواقع (7) ما له من دافع (8) يوم تمور السماء مورا (9) وتسير الجبال سيرا (10) فويل يومئذ للمكذبين (11) الذين هم في خوض يلعبون (12) يوم يدعون إلى نار جهنم دعا (13) هذه النار التي كنتم بها تكذبون (14) أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون (15) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون (16)

شرح الكلمات
والطور: أي والجبل الذي كلم الله عز وجل عليه موسى عليه السلام.
وكتاب مسطور: أي وقرآن مكتوب.
في رق منشور: أي في جلد رقيق أو ورق منشور.
والبيت المعمور: أي بالملائكة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون أبدا.
والسقف المرفوع: أي السماء التي هي كالسقف المرفوع للأرض.
والبحر المسجور: أي المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض.
يوم تمور السماء مورا: أي تتحرك وتدور.
في خوض يلعبون: أي في باطل يلعبون أي يتشاغلون بكفرهم.
يدعون إلى نار جهنم دعا: أي يدفعون بعنف دفعا.
أفسحر هذا: أي العذاب الذي ترون كما كنتم تقولون في القرآن.
أم أنتم لا تبصرون: أي أم عدمتم الأبصار فأنتم لا تبصرون.
اصلوها: أي اصطلوا بحرها.
فاصبروا أو لا تصبروا: أي صبركم وعدمه عليكم سواء.
معنى الآيات:
قوله تعالى {والطور1 وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور} هذه خمسة أشياء عظام أقسم الله تعالى بها, وبالتتبع لما يقسم الله تعالى به يرى أنه إذا أقسم بشيء إنما يقسم به إما لكونه مظهرا من مظاهر القدرة الإلهية, كالسماء مثلا, وإما لكونه معظما نحو لعمرك إذ هو إقسام بحياة النبي صلى الله عليه وسلم. وإما لكونه ذا فائدة للإنسان ونفع خاص به كالتين والزيتون وقوله تعالى {والطور} وهو جبل الطور الذي كلم تعالى عليه موسى وهو مكان مقدس, وقوله {وكتاب مسطور في رق منشور2} أي منشور في ورق أو جلد رقيق وهو التوراة أو القرآن والإقسام به لما فيه من حرمة وقدسية عند الله تعالى, والبيت المعمور3 وهو بيت في السماء تغشاه الملائكة كل يوم وتعمره بالعبادة وهو بحيال الكعبة بحيث لو وقع لوقع فوقها والسقف المرفوع وهو السماء وهي كالسقف للأرض وهي مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه ومثلها البحر المسجور4 أي المملوء بكميات المياه الهائلة فإنه مظهر من مظاهر القدرة والعلم والحكمة الإلهية هذا القسم الضخم جوابه أو المقسم عليه هو قوله إن عذاب ربك يا رسولنا لواقع ماله من دافع ليس له من5 دافع يدفعه أبدا, وإن له وقتا محددا يقع فيه, وعلامات تدل عليه وهي
قوله تعالى {يوم تمور السماء 6مورا} أي تتحرك بشدة وتدور وتسير الجبال سيرا فتكون كالهباء المنبث هنا وهناك فويل يومئذ للمكذبين والويل واد في جهنم مملوء بقيح وصديد أهل النار, والمكذبون هم الكافرون بالله وبما جاءت به رسله عنه من أركان الإيمان وقواعد الإسلام وقوله: {الذين هم في خوض يلعبون} أي في باطلهم وكفرهم يتشاغلون به عن الإيمان الحق والعمل الصالح المزكى للنفس المطهر لها. وقوله {يوم7 يدعون إلى نار جهنم دعا} أي يوم يدفعون بشدة وعنف إلى جهنم ويقال لهم توبيخا وتقريعا لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون.
أخبرونا: أفسحر8 هذا أي العذاب الذي أنتم فيه الآن تعذبون أم أنتم لا تبصرون فلا تعاينونه. ويقال لهم أيضا تبكيتا وتقريعا فاصبروا على عذاب النار أو لا تصبروا سواء عليكم أي صبركم وعدمه عليكم سواء. إنما 9تجزون ما كنتم تعلمون أي في الدنيا من الشرك والمعاصي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير البعث والجزاء.
2- لله تعالى أن يقسم بما يشاء من خلقه وليس للعبد أن يقسم بغير الله تعالى.
3- عرض سريع لأهوال القيامة وأحوال المكذبين فيها.
4- تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل.
__________

(الطور) : الجبل باللغة السريانية ونقل إلى العربية بهذا اللفظ بمعنى الجبل وأصبح علما بالغلبة على جبل طور سيناء الذي ناجى الله تعالى فيه نبيه موسى عليه السلام.
2 الرق: بفتح الراء, ما رق من الجلد ليكتب فيه, والمنشور: المبسوط وجائز أن يكون المراد به التوراة أو القرآن, إذ القرآن يقرؤه المؤمنون من المصاحف وتقرأه الملائكة من اللوح المحفوظ والرق بكسر الراء الملك.
3 جائز أن يكون المراد بالبيت المعمور الكعبة المشرفة بمكة المكرمة,
وجائز أن يكون بيتا في السماء كما في التفسير, ويقال له: الضراح بضم الضاد وفي الطبري: أن عليا سئل عن البيت المعمور فقال: بيت في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا.
4 جائز أن يكون المراد بالبحر: البحر الأحمر, (القلزم) الذي أغرق الله تعالى فيه فرعون وملأه. لمناسبة ذكر الطور, وجائز أن يكون المحيط ووصف بالمسجور وهو المملوء: حتى لا يدخل فيه الأنهار التي تملأ بالأمطار والأودية والسيول.
5 زيدت (من) في قوله تعالى (ما له من دافع) لتأكيد النفي.
6 المور: التحرك باضطراب, ومور السماء: اضطراب أجسامها من الكواكب, واختلال نظامها عند نهاية الحياة.
7 (يوم يدعون) بدل اشتمال من {يوم تمور السماء مورا} .
8 (أم) هي المنقطعة التي تقدر ببل والاستفهام, والاستفهام هنا للتهكم والتوبيخ والتقدير: بل أنتم لا تبصرون أي المرئيات.
9 (إنما تجزون) : جملة تعليلية وإن حرف توكيد وما الموصولة بها هي الكافة وإنما المركبة من إن المشددة وما: الكافة لها عن العمل أفادت التعليل.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10-08-2022, 08:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الطور - (2)
الحلقة (802)

سورة الطور
مكية
وآياتها تسع وأربعون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 175الى صــــ 179)

إن المتقين في جنات ونعيم (17) فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم (18) كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون (19) متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين (20)

شرح الكلمات:
إن المتقين: أي الذين اتقوا ربهم فعبدوه وحده بما شرع لهم فأدوا الفرائض واجتنبوا النواهي.
فاكهين: أي متلذذين بأكل الفواكه الكثيرة التي آتاهم ربهم.
ووقاهم عذاب الجحيم: أي وحفظهم من عذاب الجحيم عذاب النار.
على سرر مصفوفة: أي بعضها إلى جانب بعض.
وزوجناهم بحور عين: أي قرناهم بنساء عظام الأعين حسانها.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى حال أهل النار ذكر حال أهل الجنة وهذا أسلوب الترغيب والترهيب الذي أمتاز به القرآن الكريم فقال تعالى مخبرا عن حال أهل الجنة: {إن المتقين} أي الذين اتقوا في الدنيا الشرك والمعاصي {في جنات} أي بساتين ونعيم مقيم يحوي كل ما لذ وطاب مما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين. فاكهين1 بما آتاهم ربهم أي متلذذين بأكل الفواكه الكثيرة الموصوفة بقول الله تعالى: لا مقطوعة ولا ممنوعة. {ووقاهم عذاب الجحيم} أي حفظهم من عذاب النار. ويقال لهم: {كلوا واشربوا2 هنيئا بما كنتم تعملون} أي بسبب ما كنتم تعملونه من أعمال البر والإصلاح بعد الفرائض واجتناب الشرك والمعاصي. وقوله {متكئين} أي حال كونهم وهم في نعيمهم متكئين على سرر3 مصفوفة قد صف بعضها إلى جنب بعض. وقوله تعالى {وزوجناهم بحور عين} أي قرناهم بزوجات من الحور العين والحور جمع حوراء وهي التي يغلب بياض عينهم على سوادها والعين جمع عيناء وهي الواسعة العينين. جعلنا الله ممن يزوجون بهن إنه كريم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- فضل التقوى وكرامة أهلها.
2- بيان منة الله وفضله على أهل الإيمان والتقوى وهم أولياء الله تعالى.
3- مشروعية الدعاء بكلمة هنيئا لمن أكل أو شرب ائتساء بأهل الجنة.
4- الإيمان والأعمال الصالحة سبب في دخول الجنة وليست ثمنا لها لأن الجنة أغلى من عمل الإنسان، وإنما العمل الصالح يزكى النفس فيؤهل صاحبها لدخول الجنة فالباء في قوله {بما كنتم تعملون} سببية وليست للعوض كما في قولك بعتك الدار بألف مثلا.
__________

1 (فاكهين) : أي: ذوي فاكهة كثيرة، يقال: رجل فاكه: أي ذو فاكهة كما يقال: لابن وتامر أي: ذو لبن وتمر، قال الشاعر:
وغررتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر
وفعله فكه كفرح فهو فاكه وفكه، وقرأ الجمهور بالأول وقرأ أبو جعفر بالثاني، والفاكه: من طابت نفيه وسرت بما به من نعيم.
2 الهنيئ: مالا تنغيص فيه ولا نكد ولا كدر يقال لهم: ليهنأكم ما صرتم إليه (هنيئا) .
(سرر) جمع سرير، وفي الكلام حذف تقديره: متكئين على نمارق سرر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت، والسرير كما بين مكة وأيلة.

*******************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10-08-2022, 08:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين (21) وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون (22) يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم (23) ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون (24) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون (25) قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين (26) فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم (27) إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم (28)
شرح الكلمات:
والذين آمنوا: أي حق الإيمان المستلزم للإسلام والإحسان.
واتبعتهم ذريتهم بإيمان: أي كامل مستوف لشرائطه ومنها الإسلام.
ألحقنا بهم ذريتهم: أي وإن لم يعملوا عملهم بل قصروا في ذلك.
وما ألتناهم من عملهم من شيء: أي وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا.
كل امرئ بما كسب رهين: أي كل إنسان مرهون أي محبوس بكسبه الباطل.
يتنازعون فيها كاسا: أي يتعاطون بينهم فيها أي في الجنة كأسا من خمر.
لا لغو فيها ولا تأثيم: أي لا يقع لهم بسبب شربها لغو وهو كل كلام لا خير فيه ولا إثم.
ويطوف عليهم غلمان: أي ويدور بهم خدم لهم.
كأنهم لؤلؤ مكنون: أي مصون.
وأقبل بعضهم على بعض: أي يسأل بعضهم بعضا عما كانوا عليه في الدنيا وما وصلوا إليه في الآخرة.
قالوا إنا كنا قبل: أي قالوا مشيرين إلى علة سعادتهم إنا كنا قبل أي في الدنيا.
في أهلنا مشفقين: أي بين أهلنا وأولادنا مشفقين أي خائفين من عذاب الله تعالى.
فمن الله علينا: أي بالمغفرة.
ووقانا عذاب السموم: أي وحفظنا من عذاب النار التي يدخل حرها في مسام الجسم.
إنا كنا ندعوه: أي في الدنيا نعبده موحدين له.
إنه هو البر الرحيم: أي المحسن الصادق في وعده الرحيم العظيم الرحمة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر افضال الله تعالى وإنعامه على أوليائه في الجنة إذ قال تعالى: {والذين آمنوا} أي حق الإيمان الذي هو عقد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان واتبعتهم1 ذريتهم بإيمان كامل صحيح إلا أنهم لم يبلغوا من الأعمال الصالحة ما بلغه آباؤهم ألحقنا بهم ذريتهم لتقر بذلك أعينهم وتعظم مسرتهم وتكمل سعادتهم باجتماعهم مع ذريتهم. وقوله تعالى: {وما ألتناهم2 من عملهم من شيء} أي وما نقصنا الآباء من عملهم الصالح من شيء بل وفيناهموه كاملا غير منقوص ورفعنا إليهم ابناءهم بفضل منا ورحمة. وقوله تعالى: {كل امرئ بما كسب3 رهين} إخبار منه تعالى أن كل نفس عنده يوم القيامة مرتهنة بعملها تجزى به إلا أنه تعالى تفضل على أولئك الآباء فرفع إلى درجاتهم أبناءهم تفضلا وإحسانا. وقوله عز وجل: {وأمددناهم} أي الآباء والأبناء من سكان الجنة بفاكهة ولحم مما يشتهون من اللحمان. هذا طعامهم أما الشراب فإنهم 4يتنازعون أي يتعاطون في الجنة كأسا من خمر لا لغو فيها. أي لا تسبب هذايانا من الكلام إذ اللغو الكلام الذي لا فائدة منه. وقوله: {ولا تأثيم} 5 أي وليس في شربها إثم وقوله تعالى: {ويطوف عليهم غلمان} أي خدم لهم كأنهم في جمالهم وحسن منظرهم لؤلؤ مكنون في أصدافه.
وقوله تعالى: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} أي عما كان لهم في الدنيا، وما انتهوا إليه في الآخرة من هذا النعيم المقيم. وقالوا مشيرين إلى سبب نعيمهم في الآخرة إنا كنا أي في الدنيا في أهلنا مشفقين أي خائفين من عذب ربنا فترتب على ذلك أن من الله علينا بدخول الجنة ووقانا عذاب السموم الذي هو عذاب النار الذي ينفذ إلى المسام والعياذ بالله تعالى. إنا6 كنا من قبل أي في الدنيا قبل الآخرة ندعوه ونتضرع إليه أن يجيرنا من النار ويدخلنا الجنة إنه هو تعالى البر بأوليائه الرحيم بعباده المؤمنين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- وصف كامل لأهل الجنة وهو تقرير في نفس الوقت للبعث والجزاء بذكر ما يكون فيه.
2- فضل الإيمان وكرامة أهله عند الله بإلحاق الأبناء قليل العمل الصالح بآبائهم الكثيري العمل الصالح.
3- تقرير قاعدة أن المرء يوم القيامة يكون رهين كسبه لا يفكه إلا الله عز وجل فمن استطاع أن يفك رقبته فليفعل وذلك بالإيمان والإسلام والإحسان.
4- فضيلة الإشفاق في الدنيا من عذاب الآخرة.
5- فضل الدعاء والتضرع إلى الله تعالى.
__________

1 قرأ الجمهور {واتبعتهم} وقرأ أبو عمرو وحده {وأتبعناهم} وقرأ الجمهور (ذريتهم) بالإفراد، وقرأ ابن عامر بالجمع: {ذرياتهم} مفعول لأتبعناهم، وقرأ نافع {ذرياتهم} الأخيرة بالجمع وقرأ حفص بالإفراد {ذريتهم} كالأولى.
2 {وما ألتناهم} قرأ الجمهور بفتح اللام، وق {وقرأه ابن كثير بكسر اللام، والواو للحال، فالجملة حالية، والمعنى: أن الله تعالى ألحق بهم ذرياتهم في الدرجة من دون أن ينقص من حسناتهم شيئا.
3 الجملة معترضة بين جملة: {وما ألتناهم} وجملة {وأمددناهم} والجملة تقرير لعدالة الرب تعالى في الحكم بين عباده فيجزي كل نفس بما كسبت، وله أن يتفضل ويرفع من يشاء درجات.
4 أطلق التنازع على التداول والتعاطي والمعنى: أن بعضهم يصب للبعض ويناوله إيثارا له وكرامة.
5 اللغو: سقط الكلام وهذيانه الصادر عن الخلل في العقل. والتأثيم: ما يؤثم به فاعله من ضرب أو شتم أو تمزيق ثوب.
6 قرأ نافع بفتح همزة أنه على تقدير حرف جر لأنه للتعليل، وقرأ حفص بالكسر. والجملة تعليلية.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10-08-2022, 08:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الطور - (3)
الحلقة (803)

سورة الطور
مكية
وآياتها تسع وأربعون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 180الى صــــ 185)

فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون (29) أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون (30) قل تربصوا فإني معكم من المتربصين (31) أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون (32) أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون (33) فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين (34)
شرح الكلمات:
فذكر فما أنت بنعمة ربك: أي فذكر بالقرآن وعظ من أرسلت إليهم من قومك وغيرهم فلست بنعمت ربك عليك بالعقل وكمال الخلق والوحي إليك.
بكاهن ولا مجنون: أي بمتعاط للكهانة فتخبر عن الغيب بواسطة رئي من الجن ولا أنت بمجنون.
نتربص به ريب المنون: أي تنظر به حوادث الدهر من موت وغيره.
أم تأمرهم أحلامهم بهذا: أي أتأمرهم أحلامهم أي عقولهم بهذا وهو قولهم إنك كاهن ومجنون لم تأمرهم عقولهم به.
أم هم قوم طاغون: أي بل هم قوم طاغون متجاوزون لكل حد تقف عنده العقول.
أم يقولون تقوله؟ : أي أختلق القرآن وكذبه من تلقاء نفسه.
فليأتوا بحديث مثله: أي فليأتوا بقرآن مثله يختلقونه بأنفسهم.
إن كانوا صادقين: أي في أن محمدا صلى الله عليه وسلم اختلق القرآن.
معنى الآيات:
بعد ذلك العرض لأحوال أهل النار وأهل الجنة فلم يبق إلا التذكير يا رسولنا فذكر أي قومك ومن تصل إليهم كلمتك من سائر الناس بالقرآن وما يحمل من وعد ووعيد، وما يدعوا إليه من هدى وطريق مستقيم، فما أنت بنعمة ربك أي بما أولاك ربك من رجاحة العقل وكمال الخلق وكرم الفعال وشرف النبوة بكاهن تقول الغيب بواسطة رئي من الجن، ولا مجنون تخلط القول وتقول بما لا يفهم عنك ولا يعقل. وقوله تعالى: {أم يقولون شاعر 1نتربص به ريب المنون} 2 أي بل يقولون هو شاعر كالنابغة وزهير نتربص به حوادث الدهر حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء ولا ندخل معه في خصومة وجدل قد يغلبنا. وقوله تعالى قل تربصوا3 أي ما دمتم قد رأيتم التربص بي فتربصوا فإني معكم من المتربصين، وقوله تعالى: {أم تأمرهم أحلامهم بهذا} والاستفهام للنفي والتوبيخ والجواب لم تأمرهم عقولهم بهذا بل هم قوم طاغون أي إن طغيانهم هو الذي يأمرهم بما يقولون ويفعلون من الباطل والشر والفساد وقوله أم يقولون تقوله والجواب وإن قالوا تقوله فإن قولهم لم ينبع من عقولهم ولم يصدر من أحلامهم بل عن كفرهم وتكذيبهم بل لا يؤمنون، والدليل على صحة ذلك تحدي الله تعالى لهم بالإتيان بحديث مثله وعجزهم عن ذلك فلذا هم لا يعتقدون ولا يرون أن الرسول تقول القرآن من عنده، وإنما لما لم يؤمنوا به لابد أن يقولوا كلمة يدفعون بها عن أنفسهم فقالوا تقوله فقال تعالى {بل لا يؤمنون4 فليأتوا بحديث مثله} أي مثل القرآن {إن كانوا صادقين} في قولهم إن الرسول تقوله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- وجوب التذكير والوعظ والإرشاد على أهل العلم بالكتاب والسنة لأنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته.
2- ذم الكهانة بل حرمتها لأنها من أعمال الشياطين، والكاهن من يقول بالغيب.
3- ذم الطغيان فإنه منبع كل شر ومصدر كل فتنة وضلال.
4- حرمة الكذب مطلقا وعلى الله ورسوله وبخاصة لما ينشأ عنه من فساد الدين والدنيا.
__________

1 أم: هي المنقطعة المفسرة ببل والاستفهام قيل للإضراب الإنتقالي من قول إلى آخر والاستفهام إنكاري.
2 روى الطبراني عن قتادة: أنهم كانوا يقولون: تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان، (والمنون) من أسماء الموت، والريب: أحداث الدهر. والمعنى: ينتظرون به أحداث الدهر المفضية به إلى الموت.
3 أمر الله رسوله أن يقول لهم (تربصوا) بي ريب المنون فإني متربص بكم ما سيحدث لكم من أحداث تهلكون فيها وبهذا: معنى المفاصلة وإنهاء الجدال والمخاصمة.
4 (بل لا يؤمنون) أي: علة لقولهم (تقوله) . إذ هم يعرفون تمام المعرفة أنه ليس من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما مما يوحى إليه من الله تعالى وإنما قالوا: تقوله لعدم إيمانهم، ثم تحداهم الحق تعالى بقوله {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} في دعواهم أنه تقوله أي: فليتقولوا مثله!!

************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10-08-2022, 08:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون (36) أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون (37) أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين (38) أم له البنات ولكم البنون (39) أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون (40) أم عندهم الغيب فهم يكتبون (41) أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون (42) أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون (43)
شرح الكلمات
أم خلقوا من غير شيء؟ : أي من غير خالق خلقهم وهذا باطل.
أم هم الخالقون؟ : أي لأنفسهم وهذا محال إذ الشيء لا يسبق وجوده.
أم خلقوا السماوات والأرض؟ : أي لم يخلقوهما لأن العجز عن خلق أنفسهم دال على عجزهم عن خلق غيرهم.
بل لا يوقنون: أي أن الله خلقهم وخلق السماوات والأرض كما يقولون إذ لو كانوا موقنين لما عبدوا غير الله ولآمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم.
أم عنهم خزائن ربك: أي من الرزق والنبوة وغيرهما فيخصوا من شاءوا بذلك من الناس.
أم هم المسيطرون: أي المتسلطون الغالبون فيتصرفون كيف شاءوا.
أم لهم سلم يستمعون فيه: أي ألهم مرقى إلى السماء يرقون فيه فيسمعون كلام الملائكة فيأتون به ويعارضون الرسول في كلامه.
فليأتوا بسلطان مبين: أي بحجة بينة تدل على صدقه1 وليس لهم في ذلك كله شيء.
أم له البنات ولكم البنون؟ : أي أله تعالى البنات ولكم البنون إن أقوالكم كلها من هذا النوع لا واقع لها أبدا إنها افتراءات.
أم تسألهم أيها الرسول أجرا: أي على إبلاغ دعوتك.
فهم من مغرم مثقلون: أي فهم من فداحة الغرم مغتمون ومتعبون فكرهوا ما تقول لذلك.
أم عندهم الغيب فهم يكتبون: أي علم الغيب فهم يكتبون منه لينازعوك ويجادلوك به.
أم يريدون كيدا: أي مكرا وخديعة بك وبالدين.
فالذين كفروا هم المكيدون: أي فالكافرون هم المكيدون المغلوبون.
أم لهم إله غير الله: أي ألهم معبود غير الله والجواب: لا.
سبحان الله عما يشركون: أي تنزه الله عما يشركون به من أصنام وأوثان.
معنى الآيات:
بعد أن أمر تعالى رسوله بالتذكير وأنه أهل لذلك لما أفاض عليه من الكمالات وما وهبه من المؤهلات. أخذ تعالى يلقن رسوله الحجج فيذكر له باطلهم موبخا إياهم به ثم يدمغه بالحق في أسلوب قرآني عجيب لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى. ومنه قوله: {أم خلقوا1 من غير شيء} أي أخلقوا من غير خالق {أم هم2 الخالقون} والجواب لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم خلقوا أنفسهم إذ الأول باطل فما هناك شيء موجود وجد بغير موجد؟! والثاني محال، إن المخلوق لا يوجد قبل أن يخلق فيكف يخلقون أنفسهم وهم لم يخلقوا بعد؟! ويدل على جهلهم وعمي قلوبهم ما رواه البخاري عن جبير بن مطعم أنه ذكر أنه لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في شأن فداء الأسرى سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور قال فلما بلغ في القراءة عند هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} كاد قلبي يطير.
سمعها وهو مشرك فكانت سببا في إسلامه فلو فتح القوم قلوبهم للقرآن لأنارها وأسلموا في أقصر مدة. وقوله تعالى: {أم خلقوا السماوات3 والأرض} والجواب: لا، إذ العاجز عن خلق ذبابة فما دون عن خلق السماوات والأرض وما فيهما أعجز. وقوله تعالى {بل لا يوقنون} أن الله هو الذي خلقهم وخلق السماوات والأرض فقولهم عند سؤال من خلقهم: الله، وعن خلق السماوات والأرض: الله لم يكن عن يقين إذ لو كان عن يقين منهم لما عبدوا الأصنام ولما أنكروا البعث ولما كذبوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: {أم عندهم خزائن ربك} أي من الأرزاق والخيرات والفواضل والفضائل فيخصوا من شاءوا منها ويحرموا من شاءوا والجواب ليس لهم ذلك فلما إذا ينكرون على الله ما أتى رسوله من الكمال والإفضال؟ أم هم المسيطرون أي الغالبون القاهرون المتسلطون فيصرفون كيف شاءوا في الملك؟ والجواب: لا، إذا فلما هذا التحكم الفاسد. وقوله تعالى: {أم لهم سلم يستمعون4 فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين} أي ألهم مرقى
يرقون فيه إلى السماء فيستمعون إلى الملائكة فيسمعون منهم ما يمكنهم أن ينازعوا فيه رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم فليأت مستمعهم بحجة واضحة ظاهرة على دعواه ومن أين له ذلك وقد حجبت الشياطين والجن عن ذلك فكيف بغير الجن والشياطين.
وقوله: {أم له البنات ولكم البنون} أي لله تعالى البنات ولكم البنون إن جميع ما تقولونه من هذا النوع هو كذب ساقط بارد، وافتراء ممقوت ممجوج إن نسبتهم البنات لله كافية في رد كل ما يقولون ومبطلة لكل ما يدعون فإنهم كذبة مفترون لا يتورعون عن قول ما تحيله العقول، وتتنزه عنه الفهوم. وقوله: {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} أي أتسألهم يا رسولنا عما تبلغهم عنا أجرا فهم لذلك مغتمون ومتعبون فلا يستطيعون الإيمان بك ولا يقدرون على الأخذ عنك. وقوله: {أم عندهم الغيب فهم5 يكتبون} أي أعندهم علم الغيب فهم منهمكون في كتابته لينازعوك في ما عندك ويحاجوك بما عندهم، والجواب من أين لهم ذلك، وقوله: {أم يريدون كيدا} أي أيريدون بك وبدينك كيدا؛ ليقتلوك ويبطلوا دينك فالذين كفروا6 هم المكيدون ولست أنت ولا دينك. ولم يمض عن نزول هذه الآيات طويل زمن حتى هلك أولئك الكائدون ونصر الله رسوله وأعز دينه والحمد لله رب العالمين.
وقوله تعالى: {أم لهم إله غير الله} أي ألهم7 إله أي معبود غير الله يعبدونه والحال أنه لا إله إلا الله {فسبحان8 الله عما يشركون} أي تنزه الله وتقدس عما يشركونه به من أصنام وأوثان لا تسمع ولا تبصر فضلا عن أن تضر أو تنفع.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير التوحيد بذكر دلائله.
2- تقرير النبوة المحمدية.
3- تسفيه أحلام المشركين.
4- عدم مشروعية أخذ أجر على إبلاغ الدعوة.
5- لا يعلم الغيب إلا الله.
6- صدق القرآن في أخباره آية أنه وحي الله وكلامه صدقا وحقا إنه لم يمض إلا قليل من الوقت أي خمسة عشر عاما حتى ظهر مصداق قول الله تعالى فالذين كفروا هم المكيدون.
__________

1 هذا إضراب إنتقالي إلى إبطال نوع آخر من شبهتهم في إنكار البعث إذ السورة مكية، والغالب على هذه السورة معالجة عقيدة البعث الآخر والاستفهام المقدر بعد (أم) تقريري.
2 الاستفهام المقدر هنا إنكاري.
3 الاستفهام تقريري، ويل المقدرة قبل الاستفهام للانتقال وهكذا يورد. قولهم مقررا لهم ثم يكر عليه فيبطله في جميع هذه الجمل المبدوءة بـ أم المنقطعة.
4 السلم: المصعد، وجمعه سلالم قال الشاعر:
ومن هاب أسباب المنية يلقها
ولو رام أسباب السماء بسلم
وقال آخر:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا
يبنى له في السماوات السلاليم
أحجاء البلاد: أرجاؤها ونواحيها.
5 حاصل معنى هذا: أنهم لا قبل لهم بإنكار ما جحدوه من البعث والوعيد والنبوة ولا بإثبات ما أثبتوه من الشرك وما وصفوا به الرسول صلى الله عليه وسلم من صفات مستحيلة الوقوع.
6 لم يمض يسير زمن حتى هلك رؤساء الشرك في بدر مصداق قوله تعالى: {هم المكيدون} كقوله: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} .
7 الاستفهام إنكاري.
8 نزه تعالى نفسه أن يكون له شريك كما زعم المشركون وادعوا باطلا فأبطل بذلك كل دعاويهم في تأليه غيره تعالى من الأصنام والشياطين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 421.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 415.50 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]