تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - الصفحة 15 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         العمل والعمال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          التعثر بعد النعمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وهجُ العقل من زيت عقول الرجال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خدعة: الحضور اللحظي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          فكرة التوقّف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          {أَشَدُّ حَرًّا} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          5 أخطاء تدمر طاقة الشباب قبل الثلاثين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4964 - عددالزوار : 2069532 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4540 - عددالزوار : 1339336 )           »          شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 269 - عددالزوار : 54282 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-12-2021, 04:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (139)

سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ (2)
صـ 246 إلى صـ 250

قوله تعالى : مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف الآية .

ضرب الله تعالى لأعمال الكفار مثلا في هذه الآية الكريمة برماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف ، أي شديد الريح ، فإن تلك الريح الشديدة العاصفة تطير ذلك الرماد ولم تبق له أثرا ، فكذلك أعمال الكفار كصلات الأرحام ، وقرى الضيف ، والتنفيس عن المكروب ، وبر الوالدين ، ونحو ذلك يبطلها الكفر ويذهبها ، كما تطير تلك الريح ذلك الرماد . وضرب أمثالا أخر في آيات أخر لأعمال الكفار بهذا المعنى ، كقوله : والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا [ 24 \ 39 ] ، وقوله : مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا [ ص: 246 ] أنفسهم فأهلكته الآية [ 3 \ 117 ] ، وقوله : ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين [ 2 \ 264 ] ، وقوله : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ 25 \ 23 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وبين في موضع آخر أن الحكمة في ضربه للأمثال أن يتفكر الناس فيها فيفهموا الشيء بنظرة ، وهو قوله : وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون [ 59 \ 21 ] ، ونظيره قوله : ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون [ 14 \ 25 ] ، وبين في موضع آخر أن الأمثال لا يعقلها إلا أهل العلم ، وهو قوله تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [ 29 \ 43 ] ، وبين في موضع آخر أن المثل المضروب يجعله الله سبب هداية لقوم فهموه ، وسبب ضلال لقوم لم يفهموا حكمته ، وهو قوله : فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين [ 2 \ 26 ] ، وبين في موضع آخر أنه تعالى لا يستحيي أن يضرب مثلا ما ولو كان المثل المضروب بعوضة فما فوقها ، قيل : فما هو أصغر منها ; لأنه يفوقها في الصغر ، وقيل : فما فوقها أي فما هو أكبر منها ، وهو قوله : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها [ 2 \ 26 ] ، ولذلك ضرب المثل بالعنكبوت في قوله : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون [ 29 \ 41 ] ، وضربه بالحمار في قوله : كمثل الحمار يحمل أسفارا الآية [ 62 \ 5 ] ، وضربه بالكلب في قوله : ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث [ 7 \ 176 ] ، إلى غير ذلك ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء .

هذه المحاجة التي ذكرها الله هنا عن الكفار بينها في مواضع أخر ، كقوله : وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد [ 40 \ 47 ، 48 ] ، كما تقدم إيضاحه .
[ ص: 247 ] قوله تعالى : وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم .

بين في هذه الآية أن الله وعدهم وعد الحق ، وأن الشيطان وعدهم فأخلفهم ما وعدهم ، وبين هذا المعنى في آيات كثيرة ، كقوله في وعد الله : وعد الله حقا [ 4 \ 122 ] ، وقوله : إن الله لا يخلف الميعاد [ 13 \ 31 ] ، وقوله في وعد الشيطان : يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا [ 4 \ 120 ] ، ونحو ذلك من الآيات قوله تعالى : تحيتهم فيها سلام [ 14 \ 23 ] .

بين في هذه الآية الكريمة أن تحية أهل الجنة في الجنة سلام ، وبين في مواضع أخر أن الملائكة تحييهم بذلك ، وأن بعضهم يحيي بعضا بذلك ، فقال في تحية الملائكة لهم : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم الآية [ 13 \ 23 ، 24 ] ، وقال : وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم الآية [ 39 \ 73 ] ، وقال : ويلقون فيها تحية وسلاما [ 25 \ 75 ] ، وقال في تحية بعضهم بعضا : دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام الآية [ 10 \ 10 ] ، كما تقدم إيضاحه .
قوله تعالى : قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار .

هذا تهديد منه تعالى لهم بأن مصيرهم إلى النار ، وذلك المتاع القليل في الدنيا لا يجدي من مصيره إلى النار وبين هذا المعنى في آيات كثيرة ، كقوله : قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار [ 39 \ 8 ] ، وقوله : نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ [ 31 \ 24 ] ، وقوله : متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون [ 10 \ 70 ] ، وقوله : لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم الآية [ 3 \ 196 ، 197 ] ، إلى ذلك من الآيات .
قوله تعالى : قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال .

أمر تعالى في هذه الآية الكريمة بالمبادرة إلى الطاعات ، كالصلوات والصدقات من قبل إتيان يوم القيامة الذي هو اليوم الذي لا بيع فيه ولا مخالة بين خليلين ، فينتفع أحدهما بخلة الآخر ، فلا يمكن أحدا أن تباع له نفسه فيفديها ، ولا خليل ينفع خليله يومئذ ، وبين هذا المعنى في آيات كثيرة ، كقوله : ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة الآية [ 2 \ 254 ] ، وقوله : فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا [ 57 \ 15 ] وقوله : [ ص: 248 ] واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا الآية [ 2 \ 48 ] ، ونحو ذلك من الآيات .

والخلال في هذه الآية ، قيل : جمع خلة كقلة وقلال ، والخلة : المصادقة ، وقيل : هو مصدر خاله على وزن فاعل مخالة وخلالا ، ومعلوم أن فاعل ينقاس مصدرها على المفاعلة والفعال ، وهذا هو الظاهر ، ومنه قول امرئ القيس :


صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ولست بمقلي الخلال ولا قال
أي : لست بمكروه المخالة .
قوله تعالى : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام الآية .

لم يبين هنا هل أجاب دعاء نبيه إبراهيم هذا ولكنه بين في مواضع أخر أنه أجابه في بعض ذريته دون بعض ، كقوله : ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين [ 37 \ 113 ] ، وقوله : وجعلها كلمة باقية في عقبه الآية [ 43 \ 28 ] .
قوله تعالى : فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم الآية .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم قال : إن من تبعه فإنه منه ، وأنه رد أمر من لم يتبعه إلى مشيئة الله تعالى ، إن شاء الله غفر له ; لأنه هو الغفور الرحيم ، وذكر نحو هذا عن عيسى ابن مريم في قوله : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ 5 \ 118 ] ، وذكر عن نوح وموسى التشديد في الدعاء على قومهما فقال عن نوح إنه قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إلى قوله : فاجرا كفارا [ 71 \ 26 ، 27 ] ، وقال عن موسى إنه قال : ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم [ 10 \ 88 ] والظاهر أن نوحا وموسى عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام ما دعوا ذلك الدعاء على قومهما إلا بعد أن علما من الله أنهم أشقياء في علم الله لا يؤمنون أبدا ، أما نوح فقد صرح الله تعالى له بذلك في قوله :

وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن [ 11 \ 36 ] ، وأما موسى فقد فهم ذلك من قول قومه له : مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين [ 7 \ 132 ] ، فإنهم قالوا هذا القول بعد مشاهدة تلك الآيات العظيمة المذكورة في الأعراف وغيرها .
قوله تعالى : فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات الآية .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام دعا لذريته الذين [ ص: 249 ] أسكنهم بمكة المكرمة أن يرزقهم الله من الثمرات ، وبين في " سورة البقرة " أن إبراهيم خص بهذا الدعاء المؤمنين منهم ، وأن الله أخبره أنه رازقهم جميعا مؤمنهم وكافرهم ، ثم يوم القيامة يعذب الكافر ، وذلك بقوله : وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا الآية [ 2 \ 126 ] قال بعض العلماء : سبب تخصيص إبراهيم المؤمنين في هذا الدعاء بالرزق ، أنه دعا لذريته أولا أن يجعلهم الله أئمة ، ولم يخصص بالمؤمنين فأخبره الله أن الظالمين من ذريته لا يستحقون ذلك ، قال تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [ 2 \ 124 ] ، فلما أراد أن يدعو لهم بالرزق خص المؤمنين بسبب ذلك ، فقال : وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ، فأخبره الله أن الرزق ليس كالإمامة فالله يرزق الكافر من الدنيا ولا يجعله إماما ; ولذا قال له في طلب الإمامة : لا ينال عهدي الظالمين ، ولما خص المؤمنين بطلب الرزق قال له : ومن كفر فأمتعه قليلا الآية [ 2 \ 126 ] .
قوله تعالى : ربنا اغفر لي ولوالدي الآية .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إبراهيم طلب المغفرة لوالديه ، وبين في آيات أخر أن طلبه الغفران لأبيه إنما كان قبل أن يعلم أنه عدو لله فلما علم ذلك تبرأ منه ، كقوله : وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه [ 9 \ 114 ] ونحو ذلك من الآيات .
قوله تعالى : إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يؤخر عقاب الكفار إلى يوم تشخص فيه الأبصار من شدة الخوف ، وأوضح ذلك في قوله تعالى : واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا الآية [ 21 \ 97 ] ، ومعنى شخوص الأبصار أنها تبقى منفتحة لا تغمض من الهول وشدة الخوف .
قوله تعالى : مهطعين .

الإهطاع في اللغة : الإسراع ، وقد بين تعالى في مواضع أخر أنهم يوم القيامة يأتون مهطعين ، أي : مسرعين إذا دعوا للحساب ، كقوله تعالى : يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي الآية [ 54 \ 7 ] ، وقوله : يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون [ 70 \ 43 ] ، وقوله : يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير [ 50 \ 44 ] إلى غير ذلك من الآيات .

[ ص: 250 ] ومن إطلاق الإهطاع في اللغة بمعنى الإسراع قول الشاعر :


بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع


أي مسرعين إليه .
قوله تعالى : وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن المجرمين وهم الكفار يوم القيامة يقرنون في الأصفاد ، وبين تعالى هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله : وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا [ 25 \ 13 ] ، ونحو ذلك من الآيات .

والأصفاد : هي الأغلال والقيود ، واحدها : صفد بالسكون ، وصفد بالتحريك ، ومنه قول عمرو بن كلثوم :


فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا
وقوله تعالى : والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد [ 38 \ 37 ، 38 ] .
قوله تعالى : وتغشى وجوههم النار .

بين في هذه الآية الكريمة أن النار يوم القيامة تغشى وجوه الكفار فتحرقها ، وأوضح ذلك في مواضع أخر ، كقوله : تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون [ 23 \ 104 ] ، وقوله : لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم الآية [ 21 \ 39 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : هذا بلاغ للناس .

بين في هذه الآية الكريمة أن هذا القرآن بلاغ لجميع الناس ، وأوضح هذا المعنى في قوله : وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ 6 \ 19 ] وبين أن من بلغه ولم يؤمن به فهو في النار كائنا من كان ، في قوله : ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه الآية [ 11 \ 17 ] .
قوله تعالى : وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب .

بين في هذه الآية الكريمة أن من حكم إنزال القرآن العظيم العلم بأنه تعالى إله واحد ، وأن من حكمه أن يتعظ أصحاب العقول ، وبين هذا في مواضع أخر فذكر الحكمة الأولى في أول سورة هود في قوله : كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله [ 11 \ 1 ، 2 ] كما تقدم إيضاحه ، وذكر الحكمة الثانية في قوله : كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [ 38 \ 29 ] [ ص: 251 ] وهم أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال ، واحد الألباب لب بالضم ، والعلم عند الله تعالى .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-12-2021, 04:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (141)

سُورَةُ الْحِجْرِ(2)
صـ 256 إلى صـ 260

قوله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي نزل القرآن العظيم ، وأنه حافظ له من أن يزاد فيه أو ينقص أو يتغير منه شيء أو يبدل ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله : وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [ 41 \ 41 - 42 ] وقوله : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه [ 75 \ 16 ] إلى قوله : ثم إن علينا بيانه [ 75 \ 19 ] وهذا هو الصحيح في معنى هذه الآية أن الضمير في قوله : وإنا له لحافظون [ 15 \ 9 ] [ ص: 256 ] راجع إلى الذكر الذي هو القرآن . وقيل الضمير راجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كقوله : والله يعصمك من الناس [ 5 \ 67 ] والأول هو الحق كما يتبادر من ظاهر السياق .
قوله تعالى : ولقد جعلنا في السماء بروجا .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه جعل في السماء بروجا ، وذكر هذا أيضا في مواضع أخر كقوله : تبارك الذي جعل في السماء بروجا [ 25 \ 61 ] وقوله تعالى : والسماء ذات البروج الآية [ 85 \ 1 ] ، والبروج : جمع برج .

واختلف العلماء في المراد بالبروج في الآيات المذكورة ، فقال بعضهم : البروج : الكواكب ، وممن روي عنه هذا القول مجاهد وقتادة . وعن أبي صالح : أنها الكواكب العظام ، وقيل : هي قصور في السماء عليها الحرس . وممن قال به عطية ، وقيل : هي منازل الشمس والقمر ، قاله ابن عباس . وأسماء هذه البروج : الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت .

قال مقيده - عفا الله عنه - : أطلق تعالى في ( ( سورة النساء ) ) البروج على القصور الحصينة في قوله : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة [ 4 \ 78 ] ومرجع الأقوال كلها إلى شيء واحد . لأن أصل البروج في اللغة الظهور ، ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها ، فالكواكب ظاهرة ، والقصور ظاهرة ، ومنازل القمر والشمس كالقصور ، بجامع أن الكل محل ينزل فيه ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وزيناها للناظرين . صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أنه زين السماء للناظرين ، وبين في مواضع أخر أنه زينها بالنجوم ، وأنها السماء الدنيا كقوله : ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح الآية [ 67 \ 5 ] ، وقوله : إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب [ 37 \ 6 ] .
قوله تعالى : وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين . صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أنه حفظ السماء من كل شيطان رجيم ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله : وحفظا من كل شيطان مارد [ 37 \ 7 ] وقوله : وجعلناها رجوما للشياطين [ 67 \ 5 ] وقوله : فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا [ 72 \ 9 ] وقوله : إنهم عن السمع لمعزولون [ 26 \ 212 ] وقوله : [ ص: 257 ] أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين [ 52 \ 38 ] إلى غير ذلك من الآيات .

والاستثناء في هذه الآية الكريمة في قوله : إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين [ 15 \ 18 ] . قال بعض العلماء : هو استثناء منقطع ، وجزم به الفخر الرازي ، أي لكن من استرق السمع أي الخطفة اليسيرة ، فإنه يتبعه شهاب فيحرقه كقوله تعالى : ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب [ 37 \ 8 - 10 ] وقيل : الاستثناء متصل ، أي حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئا من الوحي وغيره ، إلا من استرق السمع ، فإنا لم نحفظها من أن تسمع لخبر من أخبار السماء سوى الوحي ، فأما الوحي فلا تسمع منه شيئا ; لقوله تعالى : إنهم عن السمع لمعزولون [ 26 \ 212 ] قاله القرطبي ، ونظيره إلا من خطف الآية [ 37 \ 10 ] فإنه استثناء من الواو في قوله تعالى : لا يسمعون إلى الملإ الآية [ 37 \ 8 ] .
[ أصحاب الأقمار الصناعية
تنبيه

يؤخذ من هذه الآيات التي ذكرنا أن كل ما يتشدق به أصحاب الأقمار الصناعية ، من أنهم سيصلون إلى السماء ويبنون على القمر ، كله كذب وشقشقة لا طائل تحتها ، ومن اليقين الذي لا شك فيه أنهم سيقفون عند حدهم ، ويرجعون خاسئين أذلاء عاجزين ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير [ 67 \ 4 ] ووجه دلالة الآيات المذكورة على ذلك أن اللسان العربي الذي نزل به القرآن ، يطلق اسم الشيطان على كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب ، ومنه قوله تعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم الآية [ 2 \ 14 ] ، وقوله : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا [ 6 \ 112 ] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " الكلب الأسود شيطان " وقول جرير :
أيام يدعونني الشيطان من غزلي وكن يهوينني إذ كنت شيطانا
ولا شك أن أصحاب الأقمار الصناعية يدخلون في اسم الشياطين دخولا أوليا ; لعتوهم وتمردهم . وإذا علمت ذلك فاعلم أنه تعالى صرح بحفظ السماء من كل شيطان ، كائنا من كان في عدة آيات من كتابه كقوله هنا : وحفظناها من كل شيطان رجيم [ 15 \ 17 ] [ ص: 258 ] وقوله : وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم [ 41 \ 12 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وصرح بأن من أراد استراق السمع أتبعه شهاب راصد له في مواضع أخر كقوله : فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا [ 72 \ 9 ] وقوله : إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين [ 15 \ 18 ] وقوله : إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب [ 37 \ 9 ] وقال : إنهم عن السمع لمعزولون [ 26 \ 212 ] وقال : أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين [ 52 \ 38 ] وهو تعجيز دال على عجز البشر عن ذلك عجزا مطلقا ، وقال : أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب [ 38 \ 10 - 11 ] فقوله في هذه الآية الكريمة : فليرتقوا في الأسباب ، أي فليصعدوا في أسباب السماوات التي توصل إليها . وصيغة الأمر في قوله : فليرتقوا للتعجيز ، وإيرادها للتعجيز دليل على عجز البشر عن ذلك عجزا مطلقا . وقوله - جل وعلا - بعد ذلك التعجيز : جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب [ 38 \ 11 ] يفهم منه أنه لو تنطع جند من الأحزاب للارتقاء في أسباب السماء ، أنه يرجع مهزوما صاغرا داخرا ذليلا ، ومما يدل على أن الآية الكريمة يشار فيها إلى شيء ما كان يظنه الناس وقت نزولها إبهامه - جل وعلا - لذلك الجند بلفظة ( ما ) في قوله : جند ما [ 38 \ 11 ] وإشارته إلى مكان ذلك الجند أو مكان انهزامه إشارة البعيد في قوله : هنالك [ 38 \ 11 ] ولم يتقدم في الآية ما يظهر رجوع الإشارة إليه ، إلا الارتقاء في أسباب السماوات .

فالآية الكريمة يفهم منها ما ذكرنا ، ومعلوم أنها لم يفسرها بذلك أحد من العلماء ، بل عبارات المفسرين تدور على أن الجند المذكور الكفار الذين كذبوه - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - سوف يهزمهم ، وأن ذلك تحقق يوم بدر أو يوم فتح مكة ، ولكن كتاب الله لا تزال تظهر غرائبه وعجائبه متجددة على مر الليالي والأيام ، ففي كل حين تفهم منه أشياء لم تكن مفهومة من قبل ، ويدل لذلك حديث أبي جحيفة الثابت في الصحيح أنه لما سأل عليا - رضي الله عنه - هل خصهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء ؟ قال له علي - رضي الله عنه - : لا والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، إلا فهما يعطيه الله رجلا في كتاب الله ، وما في هذه الصحيفة . الحديث . فقوله - رضي الله عنه - : إلا فهما يعطيه الله رجلا في كتاب الله ، يدل على أن فهم كتاب الله [ ص: 259 ] تتجدد به العلوم والمعارف التي لم تكن عند عامة الناس ، ولا مانع من حمل الآية على ما حملها عليه المفسرون .

وما ذكرنا أيضا أنه يفهم منها لما تقرر عند العلماء من أن الآية إن كانت تحتمل معاني كلها صحيحة ، تعين حملها على الجميع ، كما حققه بأدلته الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرآن .

وصرح تعالى بأن القمر في السبع الطباق في قوله : ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا [ 71 \ 15 - 16 ] فعلم من الآيات أن القمر في السبع الطباق ، وأن الله حفظها من كل شيطان رجيم ، فلم يبق شك ولا لبس في أن الشياطين أصحاب الأقمار الصناعية سيرجعون داخرين صاغرين ، عاجزين عن الوصول إلى القمر والوصول إلى السماء ، ولم يبق لبس في أن السماء التي فيها القمر ليس يراد بها مطلق ما علاك ، وإن كان لفظ السماء قد يطلق لغة على كل ما علاك ، كسقف البيت ، ومنه قوله تعالى : فليمدد بسبب إلى السماء الآية [ 22 \ 15 ] . وقد قال الشاعر :
وقد يسمى سماء كل مرتفع وإنما الفضل حيث الشمس والقمر
لتصريحه تعالى بأن القمر في السبع الطباق . لأن الضمير في قوله : وجعل القمر فيهن [ 71 \ 16 ] راجع إلى السبع الطباق ، وإطلاق المجموع مرادا بعضه كثير في القرآن وفي كلام العرب .

ومن أصرح أدلته : قراءة حمزة والكسائي فإن قاتلوكم فاقتلوهم [ 2 \ 191 ] من القتل في الفعلين . لأن من قتل - بالبناء للمفعول - لا يمكن أن يؤمر بعد موته بأن يقتل قاتله ، ولكن المراد : فإن قتلوا بعضكم فليقتلهم بعضكم الآخر ، كما هو ظاهر . وقال أبو حيان في البحر المحيط في تفسير قوله تعالى وجعل القمر فيهن نورا [ 71 \ 16 ] . وصح كون السماوات ظرفا للقمر . لأنه لا يلزم من الظرف أن يملأه المظروف . تقول : زيد في المدينة ، وهو في جزء منها .

واعلم أن لفظ الآية صريح في أن نفس القمر في السبع الطباق . لأن لفظة جعل [ 71 \ 15 ] في الآية هي التي بمعنى صير ، وهي تنصب المبتدأ والخبر ، والمعبر عنه بالمبتدأ هو المعبر عنه بالخبر بعينه لا شيء آخر ، فقولك : جعلت الطين خزفا ، والحديد خاتما ، لا يخفى فيه أن الطين هو الخزف بعينه ، والحديد هو الخاتم ، وكذلك قوله : وجعل القمر فيهن نورا [ 71 \ 16 ] .

[ ص: 260 ] فالنور المجعول فيهن هو القمر بعينه ، فلا يفهم من الآية بحسب الوضع اللغوي احتمال خروج نفس القمر عن السبع الطباق ، وكون المجعول فيها مطلق نوره . لأنه لو أريد ذلك لقيل : وجعل نور القمر فيهن أما قوله : وجعل القمر فيهن نورا فهو صريح في أن النور المجعول فيهن هو عين القمر ، ولا يجوز صرف القرآن عن معناه المتبادر بلا دليل يجب الرجوع إليه ، ويوضح ذلك أنه تعالى صرح في سورة الفرقان بأن القمر في خصوص السماء ذات البروج بقوله : تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا [ 25 \ 61 ] وصرح في سورة الحجر بأن ذات البروج المنصوص على أن القمر فيها هي بعينها المحفوظة من كل شيطان رجيم بقوله : ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم [ 15 \ 16 ] وما يزعمه بعض الناس من أنه - جل وعلا - أشار إلى الاتصال بين أهل السماء والأرض في قوله : ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير [ 42 \ 29 ] يقال فيه : إن المراد جمعهم يوم القيامة في المحشر ، كما أطبق عليه المفسرون . ويدل له قوله تعالى : وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون [ 6 \ 38 ] .

ويوضح ذلك تسمية يوم القيامة يوم الجمع في قوله تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن الآية [ 64 \ 9 ] . وكثرة الآيات الدالة على أن جمع جميع الخلائق كائن يوم القيامة ، كقوله : ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود [ 11 \ 103 ] وقوله : قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم [ 56 \ 49 - 50 ] وقوله : الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه [ 4 \ 87 ] وقوله : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا [ 25 \ 25 ] وقوله وجاء ربك والملك صفا صفا [ 89 \ 22 ] وقوله وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [ 18 \ 47 ] .

ومع أن بعض العلماء قال : المراد ما بث من الدواب في الأرض فقط ، فيكون من إطلاق المجموع مرادا بعضه ، وهو كثير في القرآن وفي لسان العرب ، وبعضهم قال : المراد بدواب السماء الملائكة ، زاعما أن الدبيب يطلق على كل حركة .

قال مقيده - عفا الله عنه - : ظاهر الآية الكريمة أن الله بث في السماء دواب كما بث في [ ص: 261 ] الأرض دواب . ولا شك أن الله قادر على جمع أهل السماوات وأهل الأرض وعلى كل شيء ، ولكن الآيات القرآنية التي ذكرنا بينت أن المراد بجمعهم حشرهم جميعا يوم القيامة ، وقد أطبق على ذلك المفسرون ، ولو سلمنا تسليما جدليا أنها تدل على جمعهم في الدنيا ، فلا يلزم من ذلك بلوغ أهل الأرض إلى أهل السماء ، بل يجوز عقلا أن ينحدر من في السماء إلى من في الأرض ; لأن الهبوط أهون من الصعود وما يزعمه من لا علم عنده بكتاب الله تعالى من أن قوله - جل وعلا - : يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان [ 55 \ 33 ] يشير إلى الوصول إلى السماء بدعوى أن المراد بالسلطان في الآية هو هذا العلم الحادث الذي من نتائجه الصواريخ والأقمار الصناعية . وإذا فإن الآية قد تكون فيها الدلالة على أنهم ينفذون بذلك العلم من أقطار السماوات والأرض مردود من أوجه : الأول : أن معنى الآية الكريمة هو إعلام الله - جل وعلا - خلقه أنهم لا محيص لهم ولا مفر عن قضائه ونفوذ مشيئته فيهم ، وذلك عندما تحف بهم صفوف الملائكة يوم القيامة ، فكلما فروا إلى جهة وجدوا صفوف الملائكة أمامهم ، ويقال لهم في ذلك الوقت يامعشر الجن والإنس [ 55 \ 33 ] والسلطان : قيل الحجة والبينة ، وقيل الملك والسلطنة ، وكل ذلك معدوم عندهم يوم القيامة فلا نفوذ لهم كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا [ 89 \ 22 ] وقال : إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم [ 40 \ 32 - 33 ] .

الوجه الثاني : أن الجن أعطاهم الله القدرة على الطيران والنفوذ في أقطار السماوات والأرض ، وكانوا يسترقون السمع من السماء كما صرح به تعالى في قوله عنهم : وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع . الآية [ 72 \ 9 ] وإنما منعوا من ذلك حين بعث - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى : فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا [ 72 \ 9 ] فالجن كانوا قادرين على بلوغ السماء من غير حاجة إلى صاروخ ولا قمر صناعي ، فلو كان معنى الآية هو ما يزعمه أولئك الذين لا علم لهم بكتاب الله لم يقل - جل وعلا - يا معشر الجن ; لأنهم كانوا ينفذون إلى السماء قبل حدوث السلطان المزعوم .

الوجه الثالث : أن العلم المذكور الذي لا يجاوز صناعة يدوية أهون على الله - جل وعلا - من أن يطلق عليه اسم السلطان ; لأنه لا يجاوز أغراض هذه الحياة الدنيا ولا نظر فيه [ ص: 262 ] ألبتة لما بعد الموت . ولأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة .

وقد نص تعالى على كمال حقارتها عنده في قوله - جل وعلا - : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة إلى قوله للمتقين [ 43 \ 33 - 35 ] وعلم هؤلاء الكفار نفي الله عنه اسم العلم الحقيقي ، وأثبت له أنه علم ظاهر من الحياة الدنيا وذلك في قوله : وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون [ 30 \ 6 - 7 ] فحذق الكفار في الصناعات اليدوية كحذق بعض الحيوانات في صناعتها ، بإلهام الله لها ذلك ، فالنحل تبني بيت عسلها على صورة شكل مسدس ، يحار فيه حذاق المهندسين . ولما أرادوا أن يتعلموا منها كيفية ذلك البناء ، وجعلوها في أجباح زجاج لينظروا إلى كيفية بنائها ، أبت أن تعلمهم ، فطلت الزجاج بالعسل قبل البناء ، كيلا يروا كيفية بنائها ، كما أخبرتنا الثقة بذلك .

الوجه الرابع : أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن ذلك المعنى المزعوم كذبا هو معنى الآية ، فإن الله أتبع ذلك بقوله يرسل عليكما شواظ من نار الآية [ 55 \ 35 ] فهو يدل على ذلك التقدير على أنهم لو أرادوا النفوذ في أقطارها حرقهم ذلك الشواظ والنحاس ، والشواظ اللهب الخالص ، والنحاس الدخان ومنه قول النابغة :
يضيء كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا
وكذلك ما يزعمه بعض من لا علم له بمعنى كتاب الله من أن الله أشار إلى اتصال أهل السماوات وأهل الأرض بقوله تعالى : قال ربي يعلم القول في السماء والأرض [ 21 \ 4 ] بصيغة الأمر في لفظة قل على قراءة الجمهور ، وبصيغة الماضي قال ربي يعلم الآية . في قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ، فإن الآية الكريمة لا تدل على ذلك لا بدلالة المطابقة ولا التضمن ولا الالتزام ; لأن غاية ما تفيده الآية الكريمة أن الله - جل وعلا - أمر نبيه أن يقول إن ربه يعلم كل ما يقوله أهل السماء وأهل الأرض ، على قراءة الجمهور وعلى قراءة الأخوين وحفص ، فمعنى الآية أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر قائلا إن ربه - جل وعلا - يعلم كل ما يقال في السماء والأرض ، وهذا واضح لا إشكال فيه ، ولا شك أنه - جل وعلا - عالم بكل أسرار أهل السماء والأرض وعلانياتهم ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين .

وكذلك ما يزعمه من لا علم عنده بمعنى كتاب الله - جل وعلا - من أنه تعالى أشار [ ص: 263 ] إلى أن أهل الأرض سيصعدون إلى السماوات واحدة بعد أخرى بقوله : لتركبن طبقا عن طبق [ 84 \ 19 ] زاعما أن معنى الآية الكريمة لتركبن أيها الناس طبقا أي سماء عن طبق أي بعد سماء حتى تصعدوا فوق السماوات ، فهو أيضا جهل بكتاب الله وحمل له على غير ما يراد به .

اعلم أولا أن في هذا الحرف قراءتين سبعيتين مشهورتين ، إحداهما : لتركبن بفتح الباء وبها قرأ من السبعة ابن كثير وحمزة والكسائي ، وعلى هذه القراءة ففي فاعل لتركبن ثلاثة أوجه معروفة عند العلماء الأول وهو أشهرها أن الفاعل ضمير الخطاب الواقع على النبي - صلى الله عليه وسلم - أي : لتركبن أنت يا نبي الله طبقا عن طبق أي بعد طبق أي حالا بعد حال أي فتترقى في الدرجات درجة بعد درجة ، والطبق في لغة العرب الحال ومنه قول الأقرع بن حابس التميمي :
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره وساقني طبق منها إلى طبق


وقول الآخر :
كذلك المرء إن ينسأ له أجل يركب على طبق من بعده طبق
أي : حال بعد حال في البيتين ، وقال ابن مسعود والشعبي ومجاهد وابن عباس في إحدى الروايتين والكلبي وغيرهم لتركبن طبقا عن طبق [ 84 \ 19 ] أي لتصعدن يا محمد سماء بعد سماء ، وقد وقع ذلك ليلة الإسراء .

والثاني أن الفاعل ضمير السماء أي لتركبن هي أي السماء طبقا بعد طبق ، أي لتنتقلن السماء من حال إلى حال ، أي تصير تارة كالدهان وتارة كالمهل وتارة تتشقق بالغمام وتارة تطوى كطي السجل للكتب .

والثالث أن الفاعل ضمير يعود إلى الإنسان المذكور في قوله ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا [ 84 \ 6 ] أي لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال من صغر إلى كبر ومن صحة إلى سقم كالعكس ، ومن غنى إلى فقر كالعكس ، ومن موت إلى حياة كالعكس ، ومن هول من أهوال القيامة إلى آخر وهكذا ، والقراءة الثانية وبها قرأ من السبعة نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم ( لتركبن ) بضم الباء وهو خطاب عام للناس [ ص: 264 ] المذكورين في قوله : فأما من أوتي كتابه بيمينه إلى قوله وأما من أوتي كتابه وراء ظهره [ 84 \ 7 - 10 ] ومعنى الآية لتركبن أيها الناس حالا بعد حال ، فتنتقلون في دار الدنيا من طور إلى طور ، وفي الآخرة من هول إلى هول ، فإن قيل يجوز بحسب وضع اللغة العربية التي نزل بها القرآن على قراءة ضم الباء أن يكون المعنى لتركبن أيها الناس طبقا بعد طبق أي سماء بعد سماء حتى تصعدوا فوق السماء السابعة كما تقدم نظيره في قراءة فتح الباء خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان هذا جائزا في لغة القرآن فما المانع من حمل الآية عليه ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول : أن ظاهر القرآن يدل على أن المراد بالطبق الحال المنتقل إليها من موت ونحوه وهول القيامة ، بدليل قوله بعده مرتبا له عليه بالفاء فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون [ 84 \ 20 - 21 ] فهو قرينة ظاهرة على أن المراد إذا كانوا ينتقلون من حال إلى حال ، ومن هول إلى هول ، فما المانع لهم من أن يؤمنوا ويستعدوا لتلك الشدائد ، ويؤيده أن العرب تسمي الدواهي بنات طبق ، كما هو معروف في لغتهم .

الوجه الثاني : أن الصحابة - رضي الله عنهم - هم المخاطبون الأولون بهذا الخطاب ، وهم أولى الناس بالدخول فيه بحسب الوضع العربي ، ولم يركب أحد منهم سماء بعد سماء بإجماع المسلمين ، فدل ذلك على أن ذلك ليس معنى الآية ولو كان هو معناها لما خرج منه المخاطبون الأولون بلا قرينة على ذلك .

الوجه الثالث : هو ما قدمنا من الآيات القرآنية المصرحة بحفظ السماء وحراستها من كل شيطان رجيم كائنا من كان ، فبهذا يتضح أن الآية الكريمة ليس فيها دليل على صعود أصحاب الأقمار الصناعية فوق السبع الطباق . والواقع المستقبل سيكشف حقيقة تلك الأكاذيب والمزاعم الباطلة ، وكذلك ما يزعمه بعض من ليس له علم بمعنى كتاب الله - جل وعلا - من أن الله تعالى أشار إلى بلوغ أهل الأرض إلى السماوات بقوله : وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه الآية [ 45 \ 13 ] فقالوا : تسخيره - جل وعلا - ما في السماوات لأهل الأرض دليل على أنهم سيبلغون السماوات ، والآية الكريمة لا تدل على ذلك الذي زعموا أنها تدل عليه ; لأن القرآن بين في آيات كثيرة كيفية تسخير ما في السماء لأهل الأرض ، فبين أن تسخير الشمس والقمر لمنافعهم ، وانتشار الضوء عليهم ، ولكي يعلموا عدد السنين والحساب كما قال تعالى : وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار الآية [ 14 \ 33 ] [ ص: 265 ] ومنافع الشمس والقمر اللذين سخرهما الله لأهل الأرض لا يحصيها إلا الله كما هو معروف وقال تعالى : هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب [ 10 \ 5 ] ، وقال تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب [ 17 \ 12 ] إلى غير ذلك من الآيات المبينة لذلك التسخير لأهل الأرض . وكذلك سخر لأهل الأرض النجوم ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر كما قال تعالى : والنجوم مسخرات بأمره الآية [ 16 \ 12 ] وقال تعالى : وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الآية [ 6 \ 97 ] وقال : وعلامات وبالنجم هم يهتدون الآية [ 16 \ 16 ] إلى غير ذلك من الآيات . فهذا هو تسخير ما في السماء لأهل الأرض وخير ما يفسر به القرآن . ومما يوضح ما ذكرنا أن المخاطبين الأولين بقوله وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض الآية [ 45 \ 13 ] وهم الصحابة - رضي الله عنهم - لم يسخر لهم شيء مما في السماوات إلا هذا التسخير الذي ذكرنا ، الذي بينه القرآن العظيم في آيات كثيرة . فلو كان يراد به التسخير المزعوم عن طريق الصواريخ والأقمار الصناعية لدخل فيه المخاطبون الأولون كما هو ظاهر ، وكذلك قوله وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون [ 12 \ 105 ] ، فإن معنى مرورهم على ما في السماوات من الآيات نظرهم إليها كما بينه تعالى في آيات كثيرة كقوله : أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض الآية [ 7 \ 185 ] وقوله : قل انظروا ماذا في السماوات والأرض الآية [ 10 \ 101 ] وقوله : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق [ 41 \ 53 ] إلى غير ذلك من الآيات .

واعلم - وفقني الله وإياك - أن التلاعب بكتاب الله - جل وعلا - وتفسيره بغير معناه لمحاولة توفيقه مع آراء كفرة الإفرنج ، ليس فيه شيء ألبتة من مصلحة الدنيا ولا الآخرة ، وإنما فيه فساد الدارين ، ونحن إذ نمنع التلاعب بكتاب الله وتفسيره بغير معناه ، نحض جميع المسلمين على بذل الوسع في تعليم ما ينفعهم من هذه العلوم الدنيوية مع تمسكهم بدينهم ، كما قال تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [ 8 \ 60 ] كما سترى بسطه إن شاء الله في سورة بني إسرائيل .

فإن قيل . هذه الآيات التي استدللتم بها على حفظ السماء من الشياطين واردة في [ ص: 266 ] حفظها من استراق السمع ، وذلك إنما يكون من شياطين الجن ، فدل ذلك على اختصاص الآيات المذكورة بشياطين الجن ؟ فالجواب : أن الآيات المذكورة تشمل بدلالتها اللغوية شياطين الإنس من الكفار . قال في لسان العرب : والشيطان معروف ، وكل عات متمرد من الإنس والجن والدواب شيطان . وقال في القاموس : والشيطان معروف ، وكل عات متمرد من إنس أو جن أو دابة اه .

ولا شك أن من أشد الكفار تمردا وعتوا الذين يحاولون بلوغ السماء ، فدخولهم في اسم الشيطان لغة لا شك فيه ، وإذا كان لفظ الشيطان يعم كل متمرد عات فقوله تعالى : وحفظناها من كل شيطان رجيم [ 15 \ 17 ] صريح في حفظ السماء من كل متمرد عات كائنا من كان ، وحمل نصوص الوحي على مدلولاتها اللغوية واجب ، إلا لدليل يدل على تخصيصها أو صرفها عن ظاهرها المتبادر منها كما هو مقرر في الأصول . وحفظ السماء من الشياطين معناه حراستها منهم ، قال الجوهري في صحاحه : حفظت الشيء حفظا أي حرسته اه . وقال صاحب لسان العرب : وحفظت الشيء حفظا أي حرسته اه . وهذا معروف في كلام العرب ، فيكون مدلول هذه الآية بدلالة المطابقة وحفظناها من كل شيطان رجيم [ 15 \ 17 ] أي وحرسناها أي السماء من كل عات متمرد .

ولا مفهوم مخالفة لقوله رجيم [ 15 \ 17 ] وقوله مارد [ 37 \ 7 ] لأن مثل ذلك من الصفات الكاشفة فكل شيطان يوصف بأنه رجيم وبأنه مارد ، وإن كان بعضهم أقوى تمردا من بعض ، وما حرسه الله - جل وعلا - من كل عات متمرد ، لا شك أنه لا يصل إليه عات متمرد كائنا من كان ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير [ 67 \ 4 ] والعلم عند الله تعالى . اه


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-12-2021, 04:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (140)

سُورَةُ الْحِجْرِ(1)
صـ 251 إلى صـ 255

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْحِجْرِ

قوله تعالى : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .

ذكر في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا عرفوا حقيقة الأمر تمنوا أنهم كانوا في دار الدنيا مسلمين ، وندموا على كفرهم ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله : ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين [ 6 \ 27 ] وقوله : حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها [ 6 \ 31 ] ، وقوله : ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا [ 25 \ 27 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وأقوال العلماء في هذه الآية راجعة إلى شيء واحد ; لأن من يقول : إن الكافر إذا احتضر وعاين الحقيقة تمنى أنه كان مسلما ، ومن يقول : إنه إذا عاين النار ووقف عليها تمنى أنه كان مسلما ، ومن يقول : إنهم إذا عاينوا إخراج الموحدين من النار تمنوا أنهم كانوا مسلمين ، كل ذلك راجع إلى أن الكفار إذا عاينوا الحقيقة ندموا على الكفر وتمنوا أنهم كانوا مسلمين .

وقرأ نافع وعاصم ربما بتخفيف الباء ، وقرأ الباقون بتشديدها ، والتخفيف لغة أهل الحجاز ، والتثقيل لغة تميم وقيس وربيعة ، ومن الأول قول عدي بن الرعلاء الغساني :
ربما ضربة بسيف صقيل بين بصرى وطعنة نجلاء
والثاني : كثير جدا ، ومنه قول الآخر :


ألا ربما أهدت لك العين نظرة قصاراك منها أنها عنك لا تجدي
ورب في هذا الموضع قال بعض العلماء للتكثير ، أي : يود الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين . ونقل القرطبي هذا القول عن الكوفيين قال ومنه قول الشاعر :
ألا ربما أهدت لك العين . . . . . . . . .
البيت [ ص: 253 ] وقال بعض العلماء : هي هنا للتقليل ; لأنهم قالوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب . فإن قيل : ربما لا تدخل إلا على الماضي ، فما وجه دخولها على المضارع في هذا الموضع ؟ فالجواب : أن الله تعالى لما وعد بوقوع ذلك صار ذلك الوعد للجزم بتحقيق وقوعه ، كالواقع بالفعل ، ونظيره قوله تعالى أتى أمر الله الآية [ 16 \ 1 ] ونحوها من الآيات ، فعبر بالماضي تنزيلا لتحقيق الوقوع منزلة الوقوع بالفعل .
قوله تعالى : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون .

هدد الله تعالى الكفار في هذه الآية الكريمة بأمره نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتركهم يأكلون ويتمتعون ، فسوف يعلمون حقيقة ما يئول إليه الأمر من شدة تعذيبهم وإهانتهم . وهددهم هذا النوع من التهديد في مواضع أخر كقوله : قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار [ 14 ] وقوله كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون [ 77 \ 46 ] وقوله : قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار [ 39 \ 8 ] وقوله : فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون [ 43 \ 83 ] ، [ 70 \ 42 ] وقوله فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون [ 52 \ 45 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وقد تقرر في فن المعاني وفي مبحث الأمر عند الأصوليين أن من المعاني التي تأتي لها صيغة افعل التهديد ، كما في الآية المذكورة ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ذرهم يعني اتركهم ، وهذا الفعل لم يستعمل منه إلا الأمر والمضارع ، فماضيه ترك ، ومصدره الترك ، واسم الفاعل منه تارك ، واسم المفعول منه متروك . وقال بعض العلماء : هذه الآية منسوخة بآيات السيف ، والعلم عند الله تعالى . قال القرطبي : " والأمل الحرص على الدنيا والانكباب عليها ، والحب لها والإعراض عن الآخرة " وعن الحسن - رحمه الله - أنه قال : " ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل " وقد قدمنا علاج طول الأمل في سورة البقرة .
قوله تعالى وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون قد يقال في هذه الآية الكريمة : كيف يقرون بأنه أنزل إليه الذكر وينسبونه للجنون مع ذلك ؟ والجواب أن قولهم : ( ياأيها الذي نزل عليه الذكر ) يعنون في زعمه تهكما منهم به ، ويوضح هذا المعنى ورود مثله من الكفار متهكمين بالرسل - عليهم صلوات الله وسلامه - في مواضع أخر ، كقوله تعالى عن فرعون مع موسى قال : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون [ 26 \ 27 ] [ ص: 254 ] وقوله عن قوم شعيب إنك لأنت الحليم الرشيد . [ 11 \ 87
قوله تعالى لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين . لو ما في هذه الآية الكريمة للتحضيض ، وهو طلب الفعل طلبا حثيثا . ومعنى الآية : أن الكفار طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب تخصيص أن يأتيهم بالملائكة ليكون إتيان الملائكة معه دليلا على صدقه أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين طلب الكفار هذا في آيات أخر كقوله عن فرعون مع موسى : فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين [ 43 \ 53 ] وقوله : وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا [ 25 \ 21 ] ، وقوله : وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر الآية [ 6 \ 8 ] وقوله : لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا [ 25 \ 7 ] وقوله : أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [ 17 \ 92 ] إلى غير ذلك من الآيات .

واعلم أن لو تركب مع لا وما لمعنيين : الأول منهما التحضيض ، ومثاله في لو ما في هذه الآية الكريمة ، ومثاله في لولا قول جرير :
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا
يعني : فهلا تعدون الكمي المقنع ، المعنى الثاني هو امتناع شيء لوجود غيره ، وهو في لولا كثير جدا كقول عامر بن الأكوع - رضي الله عنه - :
تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
ومثاله في ( لو ما ) قول ابن مقبل :
لو ما الحياء ولو ما الدين عبتكما ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري
وأما هل فلم تركب إلا مع لا وحدها للتحضيض .

تنبيه

قد ترد أدوات التحضيض للتوبيخ والتنديم ، فتختص بالماضي أو ما في تأويله نحو فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس الآية [ 10 \ 98 ] وقوله : لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء الآية [ 24 \ 13 ] وقوله : فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة الآية [ 46 \ 28 ] ، وجعل بعضهم منه قول جرير : [ ص: 255 ] تعدون عقر النيب البيت المتقدم آنفا

قائلا : إن مراده توبيخهم على ترك عد الكمي المقنع في الماضي .
قوله تعالى : ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين .

بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه ما ينزل الملائكة إلا بالحق ، أي بالوحي ، وقيل بالعذاب ، وقال الزمخشري : " إلا تنزيلا متلبسا بالحكمة والمصلحة ، ولا حكمة في أن تأتيكم الملائكة عيانا ، تشاهدونهم ويشهدون لكم بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار " ، قال : " ومثل هذا قوله تعالى : وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق [ 15 \ 85 ] وبين تعالى في هذه الآية الكريمة أنهم لو نزلت عليهم الملائكة ، ما كانوا منظرين وذلك في قوله : وما كانوا إذا منظرين [ 15 \ 8 ] لأن التنوين في قوله ( إذا ) عوض عن جملة ، ففيه شرط وجزاء ، وتقرير المعنى : ولو نزلت عليهم الملائكة ما كانوا منظرين ، أي ممهلين بتأخير العذاب عنهم ، وقد بين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله : يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [ 25 \ 22 ] وقوله : ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون [ 6 \ 8 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقوله : ما ننزل الملائكة [ 15 \ 8 ] قرأه حفص وحمزة والكسائي : ( ننزل ) بنونين الأولى مضمومة والثانية مفتوحة مع كسر الزاي المشددة ، و ( الملائكة ) بالنصب مفعول به لننزل . وقرأ شعبة : ( تنزل ) بتاء مضمومة ونون مفتوحة مع تشديد الزاي مفتوحة بالبناء للمفعول ، و ( الملائكة ) بالرفع نائب فاعل تنزل . وقرأ الباقون ( تنزل ) بفتح التاء والنون والزاي المشددة ، أصله تتنزل فحذفت إحدى التاءين ، و ( الملائكة ) بالرفع فاعل تنزل كقوله : تنزل الملائكة والروح الآية [ 97 \ 4 ] .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-12-2021, 04:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (142)

سُورَةُ الْحِجْرِ(3)
صـ 261 إلى صـ 265

قال مقيده - عفا الله عنه - : ظاهر الآية الكريمة أن الله بث في السماء دواب كما بث في [ ص: 261 ] الأرض دواب . ولا شك أن الله قادر على جمع أهل السماوات وأهل الأرض وعلى كل شيء ، ولكن الآيات القرآنية التي ذكرنا بينت أن المراد بجمعهم حشرهم جميعا يوم القيامة ، وقد أطبق على ذلك المفسرون ، ولو سلمنا تسليما جدليا أنها تدل على جمعهم في الدنيا ، فلا يلزم من ذلك بلوغ أهل الأرض إلى أهل السماء ، بل يجوز عقلا أن ينحدر من في السماء إلى من في الأرض ; لأن الهبوط أهون من الصعود وما يزعمه من لا علم عنده بكتاب الله تعالى من أن قوله - جل وعلا - : يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان [ 55 \ 33 ] يشير إلى الوصول إلى السماء بدعوى أن المراد بالسلطان في الآية هو هذا العلم الحادث الذي من نتائجه الصواريخ والأقمار الصناعية . وإذا فإن الآية قد تكون فيها الدلالة على أنهم ينفذون بذلك العلم من أقطار السماوات والأرض مردود من أوجه : الأول : أن معنى الآية الكريمة هو إعلام الله - جل وعلا - خلقه أنهم لا محيص لهم ولا مفر عن قضائه ونفوذ مشيئته فيهم ، وذلك عندما تحف بهم صفوف الملائكة يوم القيامة ، فكلما فروا إلى جهة وجدوا صفوف الملائكة أمامهم ، ويقال لهم في ذلك الوقت يامعشر الجن والإنس [ 55 \ 33 ] والسلطان : قيل الحجة والبينة ، وقيل الملك والسلطنة ، وكل ذلك معدوم عندهم يوم القيامة فلا نفوذ لهم كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا [ 89 \ 22 ] وقال : إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم [ 40 \ 32 - 33 ] .

الوجه الثاني : أن الجن أعطاهم الله القدرة على الطيران والنفوذ في أقطار السماوات والأرض ، وكانوا يسترقون السمع من السماء كما صرح به تعالى في قوله عنهم : وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع . الآية [ 72 \ 9 ] وإنما منعوا من ذلك حين بعث - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى : فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا [ 72 \ 9 ] فالجن كانوا قادرين على بلوغ السماء من غير حاجة إلى صاروخ ولا قمر صناعي ، فلو كان معنى الآية هو ما يزعمه أولئك الذين لا علم لهم بكتاب الله لم يقل - جل وعلا - يا معشر الجن ; لأنهم كانوا ينفذون إلى السماء قبل حدوث السلطان المزعوم .

الوجه الثالث : أن العلم المذكور الذي لا يجاوز صناعة يدوية أهون على الله - جل وعلا - من أن يطلق عليه اسم السلطان ; لأنه لا يجاوز أغراض هذه الحياة الدنيا ولا نظر فيه [ ص: 262 ] ألبتة لما بعد الموت . ولأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة .

وقد نص تعالى على كمال حقارتها عنده في قوله - جل وعلا - : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة إلى قوله للمتقين [ 43 \ 33 - 35 ] وعلم هؤلاء الكفار نفي الله عنه اسم العلم الحقيقي ، وأثبت له أنه علم ظاهر من الحياة الدنيا وذلك في قوله : وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون [ 30 \ 6 - 7 ] فحذق الكفار في الصناعات اليدوية كحذق بعض الحيوانات في صناعتها ، بإلهام الله لها ذلك ، فالنحل تبني بيت عسلها على صورة شكل مسدس ، يحار فيه حذاق المهندسين . ولما أرادوا أن يتعلموا منها كيفية ذلك البناء ، وجعلوها في أجباح زجاج لينظروا إلى كيفية بنائها ، أبت أن تعلمهم ، فطلت الزجاج بالعسل قبل البناء ، كيلا يروا كيفية بنائها ، كما أخبرتنا الثقة بذلك .

الوجه الرابع : أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن ذلك المعنى المزعوم كذبا هو معنى الآية ، فإن الله أتبع ذلك بقوله يرسل عليكما شواظ من نار الآية [ 55 \ 35 ] فهو يدل على ذلك التقدير على أنهم لو أرادوا النفوذ في أقطارها حرقهم ذلك الشواظ والنحاس ، والشواظ اللهب الخالص ، والنحاس الدخان ومنه قول النابغة :
يضيء كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا
وكذلك ما يزعمه بعض من لا علم له بمعنى كتاب الله من أن الله أشار إلى اتصال أهل السماوات وأهل الأرض بقوله تعالى : قال ربي يعلم القول في السماء والأرض [ 21 \ 4 ] بصيغة الأمر في لفظة قل على قراءة الجمهور ، وبصيغة الماضي قال ربي يعلم الآية . في قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ، فإن الآية الكريمة لا تدل على ذلك لا بدلالة المطابقة ولا التضمن ولا الالتزام ; لأن غاية ما تفيده الآية الكريمة أن الله - جل وعلا - أمر نبيه أن يقول إن ربه يعلم كل ما يقوله أهل السماء وأهل الأرض ، على قراءة الجمهور وعلى قراءة الأخوين وحفص ، فمعنى الآية أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر قائلا إن ربه - جل وعلا - يعلم كل ما يقال في السماء والأرض ، وهذا واضح لا إشكال فيه ، ولا شك أنه - جل وعلا - عالم بكل أسرار أهل السماء والأرض وعلانياتهم ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين .

وكذلك ما يزعمه من لا علم عنده بمعنى كتاب الله - جل وعلا - من أنه تعالى أشار [ ص: 263 ] إلى أن أهل الأرض سيصعدون إلى السماوات واحدة بعد أخرى بقوله : لتركبن طبقا عن طبق [ 84 \ 19 ] زاعما أن معنى الآية الكريمة لتركبن أيها الناس طبقا أي سماء عن طبق أي بعد سماء حتى تصعدوا فوق السماوات ، فهو أيضا جهل بكتاب الله وحمل له على غير ما يراد به .

اعلم أولا أن في هذا الحرف قراءتين سبعيتين مشهورتين ، إحداهما : لتركبن بفتح الباء وبها قرأ من السبعة ابن كثير وحمزة والكسائي ، وعلى هذه القراءة ففي فاعل لتركبن ثلاثة أوجه معروفة عند العلماء الأول وهو أشهرها أن الفاعل ضمير الخطاب الواقع على النبي - صلى الله عليه وسلم - أي : لتركبن أنت يا نبي الله طبقا عن طبق أي بعد طبق أي حالا بعد حال أي فتترقى في الدرجات درجة بعد درجة ، والطبق في لغة العرب الحال ومنه قول الأقرع بن حابس التميمي :
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره وساقني طبق منها إلى طبق


وقول الآخر :
كذلك المرء إن ينسأ له أجل يركب على طبق من بعده طبق
أي : حال بعد حال في البيتين ، وقال ابن مسعود والشعبي ومجاهد وابن عباس في إحدى الروايتين والكلبي وغيرهم لتركبن طبقا عن طبق [ 84 \ 19 ] أي لتصعدن يا محمد سماء بعد سماء ، وقد وقع ذلك ليلة الإسراء .

والثاني أن الفاعل ضمير السماء أي لتركبن هي أي السماء طبقا بعد طبق ، أي لتنتقلن السماء من حال إلى حال ، أي تصير تارة كالدهان وتارة كالمهل وتارة تتشقق بالغمام وتارة تطوى كطي السجل للكتب .

والثالث أن الفاعل ضمير يعود إلى الإنسان المذكور في قوله ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا [ 84 \ 6 ] أي لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال من صغر إلى كبر ومن صحة إلى سقم كالعكس ، ومن غنى إلى فقر كالعكس ، ومن موت إلى حياة كالعكس ، ومن هول من أهوال القيامة إلى آخر وهكذا ، والقراءة الثانية وبها قرأ من السبعة نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم ( لتركبن ) بضم الباء وهو خطاب عام للناس [ ص: 264 ] المذكورين في قوله : فأما من أوتي كتابه بيمينه إلى قوله وأما من أوتي كتابه وراء ظهره [ 84 \ 7 - 10 ] ومعنى الآية لتركبن أيها الناس حالا بعد حال ، فتنتقلون في دار الدنيا من طور إلى طور ، وفي الآخرة من هول إلى هول ، فإن قيل يجوز بحسب وضع اللغة العربية التي نزل بها القرآن على قراءة ضم الباء أن يكون المعنى لتركبن أيها الناس طبقا بعد طبق أي سماء بعد سماء حتى تصعدوا فوق السماء السابعة كما تقدم نظيره في قراءة فتح الباء خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان هذا جائزا في لغة القرآن فما المانع من حمل الآية عليه ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول : أن ظاهر القرآن يدل على أن المراد بالطبق الحال المنتقل إليها من موت ونحوه وهول القيامة ، بدليل قوله بعده مرتبا له عليه بالفاء فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون [ 84 \ 20 - 21 ] فهو قرينة ظاهرة على أن المراد إذا كانوا ينتقلون من حال إلى حال ، ومن هول إلى هول ، فما المانع لهم من أن يؤمنوا ويستعدوا لتلك الشدائد ، ويؤيده أن العرب تسمي الدواهي بنات طبق ، كما هو معروف في لغتهم .

الوجه الثاني : أن الصحابة - رضي الله عنهم - هم المخاطبون الأولون بهذا الخطاب ، وهم أولى الناس بالدخول فيه بحسب الوضع العربي ، ولم يركب أحد منهم سماء بعد سماء بإجماع المسلمين ، فدل ذلك على أن ذلك ليس معنى الآية ولو كان هو معناها لما خرج منه المخاطبون الأولون بلا قرينة على ذلك .

الوجه الثالث : هو ما قدمنا من الآيات القرآنية المصرحة بحفظ السماء وحراستها من كل شيطان رجيم كائنا من كان ، فبهذا يتضح أن الآية الكريمة ليس فيها دليل على صعود أصحاب الأقمار الصناعية فوق السبع الطباق . والواقع المستقبل سيكشف حقيقة تلك الأكاذيب والمزاعم الباطلة ، وكذلك ما يزعمه بعض من ليس له علم بمعنى كتاب الله - جل وعلا - من أن الله تعالى أشار إلى بلوغ أهل الأرض إلى السماوات بقوله : وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه الآية [ 45 \ 13 ] فقالوا : تسخيره - جل وعلا - ما في السماوات لأهل الأرض دليل على أنهم سيبلغون السماوات ، والآية الكريمة لا تدل على ذلك الذي زعموا أنها تدل عليه ; لأن القرآن بين في آيات كثيرة كيفية تسخير ما في السماء لأهل الأرض ، فبين أن تسخير الشمس والقمر لمنافعهم ، وانتشار الضوء عليهم ، ولكي يعلموا عدد السنين والحساب كما قال تعالى : وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار الآية [ 14 \ 33 ] [ ص: 265 ] ومنافع الشمس والقمر اللذين سخرهما الله لأهل الأرض لا يحصيها إلا الله كما هو معروف وقال تعالى : هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب [ 10 \ 5 ] ، وقال تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب [ 17 \ 12 ] إلى غير ذلك من الآيات المبينة لذلك التسخير لأهل الأرض . وكذلك سخر لأهل الأرض النجوم ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر كما قال تعالى : والنجوم مسخرات بأمره الآية [ 16 \ 12 ] وقال تعالى : وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الآية [ 6 \ 97 ] وقال : وعلامات وبالنجم هم يهتدون الآية [ 16 \ 16 ] إلى غير ذلك من الآيات . فهذا هو تسخير ما في السماء لأهل الأرض وخير ما يفسر به القرآن . ومما يوضح ما ذكرنا أن المخاطبين الأولين بقوله وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض الآية [ 45 \ 13 ] وهم الصحابة - رضي الله عنهم - لم يسخر لهم شيء مما في السماوات إلا هذا التسخير الذي ذكرنا ، الذي بينه القرآن العظيم في آيات كثيرة . فلو كان يراد به التسخير المزعوم عن طريق الصواريخ والأقمار الصناعية لدخل فيه المخاطبون الأولون كما هو ظاهر ، وكذلك قوله وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون [ 12 \ 105 ] ، فإن معنى مرورهم على ما في السماوات من الآيات نظرهم إليها كما بينه تعالى في آيات كثيرة كقوله : أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض الآية [ 7 \ 185 ] وقوله : قل انظروا ماذا في السماوات والأرض الآية [ 10 \ 101 ] وقوله : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق [ 41 \ 53 ] إلى غير ذلك من الآيات .

واعلم - وفقني الله وإياك - أن التلاعب بكتاب الله - جل وعلا - وتفسيره بغير معناه لمحاولة توفيقه مع آراء كفرة الإفرنج ، ليس فيه شيء ألبتة من مصلحة الدنيا ولا الآخرة ، وإنما فيه فساد الدارين ، ونحن إذ نمنع التلاعب بكتاب الله وتفسيره بغير معناه ، نحض جميع المسلمين على بذل الوسع في تعليم ما ينفعهم من هذه العلوم الدنيوية مع تمسكهم بدينهم ، كما قال تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [ 8 \ 60 ] كما سترى بسطه إن شاء الله في سورة بني إسرائيل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-12-2021, 04:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (143)

سُورَةُ الْحِجْرِ(4)
صـ 266 إلى صـ 270


فإن قيل . هذه الآيات التي استدللتم بها على حفظ السماء من الشياطين واردة في [ ص: 266 ] حفظها من استراق السمع ، وذلك إنما يكون من شياطين الجن ، فدل ذلك على اختصاص الآيات المذكورة بشياطين الجن ؟ فالجواب : أن الآيات المذكورة تشمل بدلالتها اللغوية شياطين الإنس من الكفار . قال في لسان العرب : والشيطان معروف ، وكل عات متمرد من الإنس والجن والدواب شيطان . وقال في القاموس : والشيطان معروف ، وكل عات متمرد من إنس أو جن أو دابة اه .

ولا شك أن من أشد الكفار تمردا وعتوا الذين يحاولون بلوغ السماء ، فدخولهم في اسم الشيطان لغة لا شك فيه ، وإذا كان لفظ الشيطان يعم كل متمرد عات فقوله تعالى : وحفظناها من كل شيطان رجيم [ 15 \ 17 ] صريح في حفظ السماء من كل متمرد عات كائنا من كان ، وحمل نصوص الوحي على مدلولاتها اللغوية واجب ، إلا لدليل يدل على تخصيصها أو صرفها عن ظاهرها المتبادر منها كما هو مقرر في الأصول . وحفظ السماء من الشياطين معناه حراستها منهم ، قال الجوهري في صحاحه : حفظت الشيء حفظا أي حرسته اه . وقال صاحب لسان العرب : وحفظت الشيء حفظا أي حرسته اه . وهذا معروف في كلام العرب ، فيكون مدلول هذه الآية بدلالة المطابقة وحفظناها من كل شيطان رجيم [ 15 \ 17 ] أي وحرسناها أي السماء من كل عات متمرد .

ولا مفهوم مخالفة لقوله رجيم [ 15 \ 17 ] وقوله مارد [ 37 \ 7 ] لأن مثل ذلك من الصفات الكاشفة فكل شيطان يوصف بأنه رجيم وبأنه مارد ، وإن كان بعضهم أقوى تمردا من بعض ، وما حرسه الله - جل وعلا - من كل عات متمرد ، لا شك أنه لا يصل إليه عات متمرد كائنا من كان ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير [ 67 \ 4 ] والعلم عند الله تعالى . اه
قوله تعالى : وأرسلنا الرياح لواقح . اللواقح جمع لاقح ، وأصل اللاقح التي قبلت اللقاح فحملت الجنين ، ومنه قول ذي الرمة :
إذا قلت عاج أو تفتيت أبرقت بمثل الخوافي لاقحا أو تلقح
وأصل تلقح : تتلقح ، حذفت إحدى التاءين ، أي توهم أنها لاقح وليس كذلك ، ووصف الرياح بكونها لواقح ; لأنها حوامل تحمل المطر كما قال تعالى حتى إذا أقلت سحابا ثقالا [ 7 \ 57 ] [ ص: 267 ] أي حملت سحابا ثقالا ، فاللواقح من الإبل حوامل الأجنة ، واللواقح من الريح حوامل المطر ، فالجميع يأتي بخير ، ولذا كانت الناقة التي لا تلد يقال لها عقيم ، كما أن الريح التي لا خير فيها يقال لها عقيم كما قال تعالى : وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم الآية [ 51 \ 41 ] وقال بعض العلماء : اللواقح بمعنى الملاقح ، أي التي تلقح غيرها من السحاب والشجر ، وعلى هذا ففيه وجهان : أحدهما : أن المراد النسبة ، فقوله : لواقح ، أي ذوات لقاح كما يقال : سائف ورامح ، أي ذو سيف ورمح ومن هذا قول الشاعر : وغررتني وزعمت أنك لابن في الحي تامر أي ذو لبن وتمر ، وعلى هذا فمعنى لواقح أي ذوات لقاح ، لأنها تلقح السحاب والشجر .

الوجه الثاني : أن لواقح بمعنى ملاقح جمع ملقحة ، وملقح اسم فاعل ألقحت السحاب والشجر كما يلقح الفحل الأنثى ، وغاية ما في هذا القول إطلاق لواقح وإرادة ملاقح ، ونظيره قول ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد أو غيره :
ليبك يزيد ضارع لخصومة
ومختبط مما تطيح الطوائح


فإن الرواية تطيح بضم التاء من أطاح الرباعي ، والمناسب لذلك المطيحات لا الطوائح ، ولكن الشاعر أطلق الطوائح وأراد المطيحات ، كما قيل هنا بإطلاق اللواقح وإرادة الملاقح أي الملقحات باسم الفاعل ، ومعنى إلقاح الرياح السحاب والشجر ، أن الله يجعلها لهما كما يجعل الذكر للأنثى ، فكما أن الأنثى تحمل بسبب ضراب الفحل ، فكذلك السحاب يمتلئ ماء بسبب مري الرياح له ، والشجر ينفتق عن أكمامه وأوراقه بسبب إلقاح الريح له . قال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة وأرسلنا الرياح لواقح [ 15 \ 22 ] أي تلقح السحاب فتدر ماء ، وتلقح الشجر فتنفتح عن أوراقها وأكمامها ، وقال السيوطي في الدر المنثور : " وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في قوله وأرسلنا الرياح لواقح قال : يرسل الله الريح فتحمل الماء فتلقح به السحاب فيدر كما تدر اللقحة ثم يمطر " . وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : يرسل الله الريح ، فتحمل الماء من السحاب ، فتمري به السحاب ، فيدر كما تدر [ ص: 268 ] اللقحة . وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : وأرسلنا الرياح لواقح ، قال : تلقح الشجرة وتمري السحاب : وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رجاء - رضي الله عنه - قال قلت للحسن - رضي الله عنه - : وأرسلنا الرياح لواقح قال : لواقح للشجر ، قلت : أو السحاب ، قال : وللسحاب تمر به حتى يمطر . وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : وأرسلنا الرياح لواقح قال : تلقح الماء في السحاب . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : وأرسلنا الرياح لواقح قال : الريح يبعثها الله على السحاب ، فتلقحه فيمتلئ ماء . وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب ، وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه والديلمي في مسند الفردوس بسند ضعيف عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " ريح الجنوب من الجنة " وهي الريح اللواقح التي ذكر الله في كتابه وفيها منافع للناس ، والشمال من النار تخرج فتمر بالجنة ، فيصيبها نفخة منها فبردها هذا من ذلك . وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور ، والجنوب من الجنة ، وهي الريح اللواقح " .

هذا حاصل معنى كلام العلماء في الرياح اللواقح ، وقد قدمنا قول من قال : إن اللواقح هي حوامل المطر ، وأن ذلك القول يدل له قوله تعالى : حتى إذا أقلت سحابا ثقالا [ 7 \ 57 ] أي حملتها ، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها ، أن يكون للشيء أوصاف ، فيذكر بعضها في موضع ، فإنا نبين بقية تلك الأوصاف المذكورة في مواضع أخر ، ومثلنا لذلك بظل أهل الجنة فإنه تعالى وصفه في سورة النساء بأنه ظليل في قوله : وندخلهم ظلا ظليلا [ 4 \ 57 ] وقد وصفه بأوصاف أخر في مواضع أخر ، وقد بينا صفات ظل أهل الجنة المذكورة في غير ذلك الموضع كقوله : أكلها دائم وظلها [ 13 \ 35 ] وقوله : وظل ممدود [ 56 ] إلى غير ذلك من أوصافه ، وإذا علمت ذلك فاعلم أنه تعالى وصف الرياح في هذه الآية بكونها لواقح ، وقد بينا معنى ذلك آنفا ، ووصفها في مواضع أخر بأوصاف أخر ، من ذلك وصفه لها بأنها تبشر بالسحاب في قوله :ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات [ 30 \ 46 ] وقوله : وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته على قراءة من قرأها بالباء ، ومن ذلك وصفه لها بإثارة السحاب كقوله : الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا الآية [ 25 \ 48 ] [ ص: 269 ] وقال صاحب الدر المنثور : وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عبيد بن عمير قال " يبعث الله المثيرة فتقم الأرض قما ، ثم يبعث المبشرة فتثير السحاب ، فيجعله كسفا ، ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه ، فيجعله ركاما ، ثم يبعث اللواقح فتلقحه فيمطر "

وأخرج ابن المنذر بن عمير قال : " الأرواح أربعة : ريح تقم ، وريح تثير تجعله كسفا ، وريح تجعله ركاما ، وريح تمطر " اه .
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة المسألة الأولى : أخذ مالك - رحمه الله - من هذه الآية الكريمة أن لقاح القمح أن يحبب ويسنبل . قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك واللفظ لأشهب .

قال مالك : قال الله تعالى وأرسلنا الرياح لواقح [ 15 \ 22 ] فلقاح القمح عندي أن يحبب ويسنبل ، ولا أدري ما ييبس في أكمامه ولكن يحبب حتى يكون لو يبس لم يكن فسادا لا خير فيه ، ولقاح الشجر كلها أن تثمر ، ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت منها ما يثبت ، وليس ذلك بأن تورد . قال ابن العربي : إنما عول مالك في هذا التفسير على تشبيه لقاح الشجر بلقاح الحمل ، وأن الولد إذا عقد وخلق ونفخ فيه الروح كان بمنزلة تحبب الثمر وتسنبله ; لأنه سمي باسم تشترك فيه كل حاملة ، وعليه جاء الحديث : " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحب حتى يشتد " اه من القرطبي .

قال مقيده - عفا الله عنه - : استنباط الإمام مالك المذكور من هذه الآية ، لأن لقاح القمح أن يحبب ويسنبل ، واستدلال ابن العربي له بالحديث المذكور ليس بظاهر عندي كل الظهور .

المسألة الثانية : اعلم أن تلقيح الثمار هو إبارها ، وهو أن يؤخذ شيء من طلع ذكور النخل فيدخل بين ظهراني طلع الإناث ، ومعنى ذلك في سائر الثمار طلوع الثمار من التين وغيره ، حتى تكون الثمرة مرئية منظورا إليها . والمعتبر عند مالك وأصحابه فيما يذكر من الثمار التذكير ، وفيما لا يذكر أن يثبت من نواره ما يثبت ويسقط ما يسقط ، وحد ذلك في الزرع ظهوره من الأرض ، قاله مالك . وقد روي عنه أن إباره أن يحبب اه ، قاله القرطبي . وقال أيضا : لم يختلف العلماء أن الحائط إذا انشق طلع إناثه ، فأخر إباره ، وقد أبر غيره مما حاله مثل حاله ، أن حكمه حكم ما أبر ، فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر تبعا له ، كما أن [ ص: 270 ] الحائط إذا بدا صلاح بعضه كان سائر الحائط تبعا لذلك الصلاح في جواز بيعه اه . وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح .

المسألة الثالثة : إذا بيع حائط نخل بعد أن أبر فثمرته للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ، فإن اشترطها المبتاع فهي له ، والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - " من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع الذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع " متفق عليه من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - . فإن بيعت النخل قبل التأبير فالثمرة للمشتري ، واختلف في استثناء البائع لها ، فمشهور مذهب مالك أنها كالجنين لا يجوز للبائع اشتراطها ولا استثناؤها بناء على أن المستثنى مشترى ، خلافا لتصحيح اللخمي جواز استثناء البائع لها بناء على أن المستثنى مبقى ، وجواز استثنائها هو مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله تعالى .

قال مقيده - عفا الله عنه - : وهو أظهر عندي ; لأن كون المستثنى مبقى أظهر من كونه مشترى لأنه كان مملوكا للبائع ، ولم يزل على ملكه ; لأن البيع لم يتناوله لاستثنائه من جملة المبيع كما ترى . وهذا الذي ذكرنا في هذه المسألة هو الحق إن شاء الله تعالى ، فما أبر فهو للبائع إلا بشرط ، وما لم يؤبر فهو للمشتري إلا بشرط ، خلافا لابن أبي ليلى القائل : هي للمشتري في الحالين ; لأنها متصلة بالأصل اتصال خلقة فكانت تابعة له كالأغصان . وهذا الاستدلال فاسد الاعتبار ; لمخالفته لحديث ابن عمر المتفق عليه المذكور آنفا ، فقد صرح فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن البيع إن كان وقع بعد التأبير فالثمرة للبائع ، وخلافا للإمام أبي حنيفة والأوزاعي - رحمهما الله تعالى - في قولهما : إنها للبائع في الحالين . والحديث المذكور يرد عليهما ، بدليل خطابه أعني مفهوم مخالفته ; لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - " من ابتاع نخلا قد أبرت " الحديث . يفهم منه أنها إن كانت غير مؤبرة فليس الحكم كذلك ، وإلا كان قوله " قد أبرت " وقوله " بعد أن تؤبر " في بعض الروايات لغوا لا فائدة فيه ، فيتعين أن ذكر وصف التأبير ليحترز به عن غيره ، ومعلوم أن الإمام أبا حنيفة - رحمه الله - لا يقول بحجته مفهوم المخالفة ، فالجاري على أصوله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور نص على حكم الثمرة المؤبرة ، وسكت عن غير المؤبرة ، فلم يتعرض لها أصلا . وإن أبر بعض الثمرة التي بيعت أصولها ، وبعضها الآخر لم يؤبر ، فمذهب مالك أنه إن كان أحدهما أكثر فالأقل تابع له ، وإن استويا فلكل حكمه ، فالمؤبر للبائع وغيره للمشتري . ومذهب الإمام أحمد أن لكل واحد من المؤبر وغيره حكمه ، وأبو حنيفة لا فرق عنده بين المؤبر وغيره ، فالجميع عنده للبائع إلا إذا اشترطه المبتاع ، ومذهب الشافعي - رحمه الله - الصحيح من الخلاف ، أن ما لم يؤبر تبع للمؤبر [ ص: 271 ] فيبقى الجميع للبائع دفعا لضرر اختلاف الأيدي . واعلم أن استثناء بعض الثمرة دون بعض يجوز في قول جمهور العلماء ، وفاقا لأشهب من أصحاب مالك وخالف ابن القاسم فقال : لا يجوز استثناء بعض المؤبرة . وحجة الجمهور أن ما جاز استثناء جميعه جاز استثناء بعضه ، وحجة ابن القاسم أن النص إنما ورد في اشتراط الجميع .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-12-2021, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (144)

سُورَةُ الْحِجْرِ(5)
صـ 271 إلى صـ 275

واعلم أن أكثر العلماء على أن الثمرة المؤبرة التي هي للبائع إن لم يستثنها المشتري ، فإنها تبقى إلى وقت الانتفاع المعتاد بها ، ولا يكلفه المشتري بقطعها في الحال ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد . وخالف في ذلك أبو حنيفة قائلا : يلزم قطعها في الحال وتفريغ النخل منها ; لأنه مبيع مشغول بملك البائع ، فلزم نقله وتفريغه منه ، كما لو باع دارا فيها طعام أو قماش له . واحتج الجمهور بأن النقل والتفريغ للمبيع على حسب العرف والعادة ، كما لو باع دارا فيها طعام لم يجب نقله على حسب العادة في ذلك ، وهو أن ينقله نهارا شيئا بعد شيء ، ولا يلزمه النقل ليلا ، ولا جمع دواب البلد لنقله ، كذلك هاهنا يفرغ النخل من الثمرة في أوان وهو وقت الجذاذ ، قاله ابن قدامة في المغني .

المسألة الرابعة : لو اشتريت النخل وبقيت الثمرة للبائع ، فهل لمشتري الأصل أن يشتري الثمرة قبل بدو صلاحها ؟ أولا : اختلف العلماء في ذلك ، فمشهور مذهب مالك جواز ذلك ; لأن لها عنده حكم التبعية وإن أفردت بالعقد ، وعنه في رواية أخرى : لا يجوز ذلك . وللشافعية والحنابلة وجهان بالمنع والجواز . قال ابن قدامة في المغني : ونسب القرطبي للشافعي وأبي حنيفة والثوري وأهل الظاهر وفقهاء الحديث القول بمنع ذلك ثم قال : وهو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها .

المسألة الخامسة : إذا اشتريت الثمرة وحدها دون الأصل قبل بدو صلاحها فلها ثلاث حالات : الأولى : أن يبيعها بشرط التبقية إلى وقت الجذاذ ، وفي هذه الحالة لا يصح البيع إجماعا . الثانية : أن يبيعها بشرط قطعها في الحال ، وفي هذه الحالة يصح البيع إجماعا . الثالثة : أن يبيعها من غير شرط تبقية ولا قطع ، بل سكتا عن ذلك ، وعقدا البيع مطلقا دون شرط ، وفي هذه الحالة لا يصح البيع عند جمهور العلماء ، منهم : مالك والشافعي وأحمد - رحمهم الله تعالى - وأجاز أبو حنيفة - رحمه الله - البيع في هذه الحالة ، وأوجب قطع الثمرة حالا ، قال : لأن إطلاق العقد يقتضي القطع ، فهو كما لو اشترطه ، وحجة الجمهور إطلاق النصوص الواردة بذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما أخرجه الشيخان [ ص: 272 ] والإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، نهى البائع والمبتاع ، وفي لفظ : نهى عن بيع النخل حتى تزهو ، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة . رواه الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه . ومن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أنس - رضي الله عنه - قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى تزهي ، قيل وما زهوتها ؟ قال تحمار وتصفار " . ومن ذلك أيضا ما رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها " . ومن ذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العنب حتى يسود ، وعن بيع الحب حتى يشتد " .

فإطلاقات هذه النصوص ونحوها تدل على منع بيع الثمرة قبل بدو صلاحها في حالة الإطلاق وعدم الاشتراط كما تقدم .

وقرأ هذه الآية الكريمة جماهير القراء وأرسلنا الرياح بصيغة الجمع وقرأها حمزة وأرسلنا الريح بالإفراد ، والألف على قراءة حمزة للجنس ، ولذلك صح الجمع في قوله لواقح قال أبو حيان في البحر المحيط : ومن قرأ بإفراد الريح فعلى تأويل الجنس ، كما قالوا أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض اه والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه . بين تعالى في هذه الآية الكريمة عظيم منته بإنزال الماء من السماء ، وجعله إياه عذبا صالحا للسقيا ، وبين ذلك أيضا في مواضع أخر كقوله أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون [ 56 \ 68 - 70 ] وقوله : هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات [ 16 \ 10 - 11 ] وقوله وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا [ 25 \ 48 - 49 ] إلى غير ذلك من الآيات .

والتحقيق أن أسقى وسقى لغتان معناهما واحد كأسرى وسرى ، والدليل على ذلك [ ص: 273 ] القراءتان السبعيتان في قوله : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه [ 16 \ 66 ] فإنه قرأه بعض السبعة بضم النون من أسقى الرباعي ، وقرأه بعضهم بفتحها من سقى الثلاثي ، ويدل على ذلك أيضا قول لبيد :
سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال


قوله تعالى : وما أنتم له بخازنين .

فيه للعلماء وجهان من التفسير كلاهما يشهد له قرآن الأول : أن معنى وما أنتم له بخازنين [ 15 \ 22 ] أي ليست خزائنه عندكم بل نحن الخازنون له ، ننزله متى شئنا ، وهذا الوجه تدل عليه آيات كقوله وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم [ 15 \ 21 ] وقوله : ولله خزائن السماوات والأرض الآية [ 63 \ 7 ] ونحو ذلك من الآيات ، الوجه الثاني : أن معنى وما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم ، أي لا تقدرون على حفظه في الآبار والعيون والغدران ، بل نحن الحافظون له فيها ، ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة ، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون [ 23 \ 18 ] وقوله : قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين [ 67 ] وقوله : أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا [ 18 \ 41 ] وقوله : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض الآية [ 39 \ 21 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : وإنا لنحن نحي ونميت .

بين في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي يحيي ويميت ، وأوضح ذلك من آيات كثيرة كقوله : إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير [ 50 \ 43 ] وقوله تعالى : ربي الذي يحيي ويميت [ 2 \ 258 ] وقوله لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين [ 44 \ 8 ] وبين في مواضع أخر أنه أحياهم مرتين وأماتهم مرتين كقوله : قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين [ 40 \ 11 ] وقوله كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم الآية [ 2 \ 28 ] والإماتة الأولى هي كونهم نطفا وعلقا ومضغا ، والإماتة الثانية هي موتهم عند انقضاء آجالهم في الدنيا ، والإحياءة الأولى نفخ الروح فيهم وإخراجهم أحياء من بطون أمهاتهم ، والإحياءة الثانية بعثهم من قبورهم أحياء يوم القيامة ، وسيأتي له إن شاء الله تعالى زيادة إيضاح .
[ ص: 274 ] قوله تعالى : ونحن الوارثون .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه الوارث ، ولم يبين الشيء الذي يرثه ، وبين في مواضع أخر أنه يرث الأرض ومن عليها كقوله : إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون [ 19 \ 40 ] وقوله : ونرثه ما يقول ويأتينا فردا [ 19 \ 80 ] ومعنى ما يقول : أي نرثه الذي يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من المال والولد ، كما ذكره الله عنه في قوله : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا [ 19 \ 77 ] ومعنى كونه يرث الأرض ومن عليها أنه يبقى بعد فناء خلقه متصفا بصفات الكمال والجلال يفعل ما يشاء كيف يشاء .
قوله تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه خلق أبانا آدم من صلصال من حمأ مسنون ، والصلصال الطين اليابس الذي يصل أي يصوت من يبسه إذا ضربه شيء ما دام لم تمسه النار ، فإذا مسته النار فهو حينئذ فخار ، وأصل الصليل والصلصلة واحد ، والفرق بينهما أنك إذا توهمت في الصوت مدا فهو صليل ، وإذا توهمت فيه ترجيعا فهو صلصلة ، والحمأ : الطين الأسود المتغير ، والمسنون قيل : المصور من سنة الوجه وهي صورته ، ومنه قول ذي الرمة :
تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه لما سأله نافع بن الأزرق عن معنى المسنون وأجابه بأن معناه المصور قال له : وهل تعرف العرب ذلك ؟ فقال له ابن عباس : نعم ، أما سمعت قول حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - وهو يمدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
أغر كأن البدر سنة وجهه جلا الغيم عنه ضوءه فتبددا
وقيل المسنون المصبوب المفرغ أي أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها ، وقيل : المسنون المنتن ، وقال بعض العلماء : المسنون الأملس ، قال : ومنه قول عبد الرحمن بن حسان : ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمر مسنون أي أملس صقيل ، قاله ابن كثير ، وقال مجاهد : الصلصال هو المنتن ، وما قدمنا هو الحق بدليل قوله تعالى : خلق الإنسان من صلصال كالفخار [ 55 \ 14 ] إذا عرفت هذا فاعلم أن الله - جل وعلا - أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم ، فبين أنه [ ص: 275 ] أولا تراب بقوله : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب [ 3 \ 59 ] وقوله : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب [ 22 \ 5 ] وقوله : هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة الآية [ 40 \ 67 ] إلى غير ذلك من الآيات ، ثم أشار إلى أن ذلك التراب بل فصار طينا يعلق بالأيدي في مواضع أخر كقوله : إنا خلقناهم من طين لازب [ 37 \ 11 ] وقوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين [ 23 \ 12 ] وقوله : وبدأ خلق الإنسان من طين [ 32 \ 7 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وبين أن ذلك الطين أسود ، وأنه متغير بقوله هنا من حمإ مسنون وبين أيضا أنه يبس حتى صار صلصالا ، أي تسمع له صلصلة من يبسه بقوله : ولقد خلقنا الإنسان من صلصال الآية [ 15 \ 26 ] وقوله : خلق الإنسان من صلصال كالفخار الآية [ 55 \ 14 ] والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين . بين في هذه الآية الكريمة أن إبليس أبى أن يسجد لآدم ، وبين في مواضع أخر أنه تكبر عن امتثال أمر ربه ، كقوله في البقرة : إلا إبليس أبى واستكبر الآية [ 2 \ 34 ] وقوله في ص إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين [ 38 \ 74 ] وأشار إلى ذلك هنا بقوله : قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون [ 15 \ 33 ] . كما تقدمت الإشارة إليه .
قوله تعالى قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين . بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه سأل إبليس سؤال توبيخ وتقريع عن الموجب لامتناعه من السجود لآدم الذي أمره به ربه - جل وعلا - وبين أيضا في الأعراف وص أنه وبخه أيضا بهذا السؤال قال في الأعراف قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك [ 7 \ 12 ] وقال في ص : قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي الآية [ 38 \ 75 ] وناداه باسمه إبليس في الحجر وص ، ولم يناده به في الأعراف .
قوله تعالى : قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون .

هذا القول الذي ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة عن إبليس - لعنه الله - أنه لم يكن ليسجد لبشر مخلوق من الطين ، مقصوده به أنه خير من آدم ; لأن آدم خلق من الطين وهو خلق من النار ، كما يوضحه قوله تعالى : قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين [ 38 \ 76 ] .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-12-2021, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (145)

سُورَةُ الْحِجْرِ(6)
صـ 276 إلى صـ 280


قوله تعالى : قال فاخرج منها فإنك رجيم .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أمر إبليس بالخروج من الجنة ، مؤكدا أنه رجيم ، وبين في الأعراف أنه خروج هبوط ، وأنه يخرج متصفا بالصغار والذل والهوان بقوله : قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين [ 7 \ 13 ] .
قوله تعالى : وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين بين في هذه الآية الكريمة أن اللعنة على إبليس إلى يوم الدين ، وصرح في ص بأن لعنته - جل وعلا - على إبليس إلى يوم الدين بقوله : وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين [ 38 \ 78 ] وقد قدمنا في الفاتحة بيان يوم الدين .
قوله تعالى قال رب بما أغويتني الآية . قال بعض العلماء هذا قسم من إبليس بإغواء الله له على أنه يغوي بني آدم إلا عباد الله المخلصين ، ويدل له أنه أقسم بعزته تعالى على ذلك في قوله قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين الآية [ 38 \ 82 ] وقيل : الباء في قوله بما أغويتني [ 15 \ 39 ] سببية .
قوله تعالى : لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين .

ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن إبليس أخبر أنه سيبذل جهده في إضلال بني آدم حتى يضل أكثرهم ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله : لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين [ 7 \ 16 - 17 ] وقوله : وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا الآية [ 4 \ 118 ] وقوله : قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا [ 17 \ 62 ] وهذا قاله إبليس قبل أن يقع ظنا منه أنه يتمكن من إضلال أكثر بني آدم ، وقد بين تعالى أنه صدق ظنه هذا بقوله ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين [ 34 \ 20 ] وكل آية فيها ذكر إضلال إبليس لبني آدم بين فيها أن إبليس وجميع من تبعه كلهم في النار ، كما قال هنا وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب الآية [ 15 \ 43 - 44 ] ، وقال في الأعراف : قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين [ 7 \ 18 ] وقال في سورة بني إسرائيل : قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا [ 17 \ 63 ] وقال في ص : قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ 38 \ 84 - 85 ] .
[ ص: 277 ] قوله تعالى : إلا عبادك منهم المخلصين .

ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان لما أوعد بأنه سيضل أكثر بني آدم ، استثنى من ذلك عباد الله المخلصين ، معترفا بأنه لا قدرة له على إضلالهم ، ونظيره قوله في ص أيضا قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين [ 38 \ 82 - 83 ] وعباد الله المخلصون هم المرادون بالاستثناء في قوله في بني إسرائيل لأحتنكن ذريته إلا قليلا [ 17 \ 62 ] وقوله في سبأ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين [ 34 \ 20 ] وهم الذين احترز منهم بقوله ولا تجد أكثرهم شاكرين [ 7 \ 17 ] وبين تعالى في مواضع أخر أن الشيطان لا سلطان له على أولئك المخلصين كقوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان الآية [ 15 \ 42 ] وقوله : إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه [ 16 \ 99 - 100 ] وقوله وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك الآية [ 34 \ 21 ] . وقوله : وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي [ 14 \ 22 ] وقوله : المخلصين [ 15 \ 40 ] قرأه ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو بكسر اللام اسم فاعل ، وقرأه نافع والكوفيون بفتح اللام بصيغة اسم المفعول .
قوله تعالى : إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين .

بين في هذه الآية الكريمة أن المتقين يوم القيامة في جنات وعيون ، ويقال لهم يوم القيامة : ادخلوها بسلام آمنين وذكر في مواضع أخر صفات ثوابهم ، وربما بين بعض تقواهم التي نالوا بها هذا الثواب الجزيل كقوله في الذاريات : إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم [ 51 \ 15 - 19 ] وقوله في الدخان : إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم [ 44 \ 51 - 57 ] وقوله في الطور : إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين [ 52 \ 17 - 20 ] .

[ ص: 278 ] وقوله في القمر : إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر [ 54 \ 54 - 55 ] وقوله في المرسلات : إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون [ 77 \ 41 - 43 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن الشيء الذي له أوصاف متعددة في القرآن نبين أوصافه عند ذكر بعضها ، كما تقدم مثاله مرارا وكما هنا .

والمتقي اسم فاعل الاتقاء ، وأصل مادة الاتقاء ( و ق ي ) لفيف مفروق فاؤه واو وعينه قاف ولامه ياء ، فدخله تاء الافتعال فصارت وقي أو تقي ، فأبدلت الواو التي هي فاء الكلمة تاء للقاعدة المقررة في التصريف : أن كل واو هي فاء الكلمة إذا دخلت عليها تاء الافتعال يجب إبدالها - أعني الواو - تاء وإدغامها في تاء الافتعال نحو اتصل من الوصل واتزن من الوزن واتحد من الوحدة واتقى من الوقاية وعقد هذه القاعدة ابن مالك في الخلاصة بقوله :
ذو اللين فاتا في افتعال أبدلا وشذ في ذي الهمز نحو ائتكلا
والاتقاء في اللغة : اتخاذ الوقاية دون المكروه ، ومنه قول نابغة ذبيان :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
يعني استقبلتنا بيدها جاعلة إياها وقاية تقيها من أن ننظر إلى وجهها لأنها تستره بها ، وقول الآخر : فألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم والتقوى في اصطلاح الشرع : هي اتخاذ الوقاية دون عذاب الله وسخطه ، وهي مركبة من أمرين هما : امتثال أمر الله ، واجتناب نهيه .
قوله تعالى : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه نزع ما في صدور أهل الجنة من الغل ، في حال كونهم إخوانا ، وبين هذا المعنى في الأعراف ، وزاد أنهم تجري من تحتهم الأنهار في نعيم الجنة وذلك في قوله : ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا [ 7 \ 43 ] .
[ ص: 279 ] قوله تعالى : على سرر متقابلين .

بين في هذه الآية الكريمة أن المتقين الذين هم أهل الجنة يوم القيامة يكونون على سرر ، وأنهم متقابلون ينظر بعضهم إلى وجه بعض ، ووصف سررهم بصفات جميلة في غير هذا الموضع ، منها أنها منسوجة بقضبان الذهب وهي الموضوعة قال في الواقعة : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين [ 56 \ 13 - 16 ] وقيل : الموضونة المصفوفة كقوله : متكئين على سرر مصفوفة الآية [ 52 \ 20 ] ومنها أنها مرفوعة كقوله في الغاشية : فيها سرر مرفوعة الآية [ 88 \ 13 ] وقوله في الواقعة : وفرش مرفوعة [ 56 \ 34 ] ، وقوله : متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان [ 55 \ 76 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : لا يمسهم فيها نصب .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يمسهم فيها نصب وهو التعب والإعياء ، وقوله ( نصب ) نكرة في سياق النفي فتعم كل نصب ، فتدل الآية على سلامة أهل الجنة من جميع أنواع التعب والمشقة ، وأكد هذا المعنى في قوله تعالى : الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب [ 35 \ 35 ] لأن اللغوب هو التعب والإعياء أيضا ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " .
قوله تعالى : وما هم منها بمخرجين .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يخرجون منها ، وأكد نفي إخراجهم منها بالباء في قوله بمخرجين فهم دائمون في نعيمها أبدا بلا انقطاع . وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا [ 18 \ 107 - 108 ] وقوله : ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا [ 18 \ 2 - 3 ] وقوله : عطاء غير مجذوذ [ 11 \ 108 ] وقوله : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ 38 \ 54 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : ونبئهم عن ضيف إبراهيم .

بين في مواضع أخر أن ضيف إبراهيم المذكورين في هذه الآية أنهم ملائكة ، كقوله في هود : ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ [ 11 \ 69 ] كما تقدم وقوله : قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين [ 51 \ 31 - 32 ] [ ص: 280 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون .

لم يبين تعالى في هذه الآية الكريمة هل رد إبراهيم السلام على الملائكة أو لا ; لأنه لم يذكر هنا رده السلام عليهم ، وإنما قال عنه إنه قال لهم إنا منكم وجلون ، وبين في هود والذاريات أنه رد عليهم السلام بقوله في هود قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ [ الآية 69 ] وقوله في الذاريات : قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين [ 51 \ 25 - 26 ] وبين أن الوجل المذكور هنا هو الخوف ; لقوله في القصة بعينها في هود : وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف [ 51 \ 70 ] وقوله في الذاريات : فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف [ 11 \ 28 ] . وقد قدمنا أن من أنواع البيان في هذا الكتاب بيان اللفظ بمرادف له أشهر منه كما هنا ، لأن الخوف يرادف الوجل وهو أشهر منه ، وبين أن سبب خوفه هو عدم أكلهم بقوله : فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة [ 11 \ 70 ] .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 07-12-2021, 04:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (146)

سُورَةُ الْحِجْرِ(7)
صـ 281 إلى صـ 285



قوله تعالى : قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم .

ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أولئك الضيف الكرام الذين هم ملائكة بشروا إبراهيم بغلام موصوف بالعلم ، ونظير ذلك قوله تعالى أيضا في الذاريات : قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم [ 51 \ 28 ] وهذا الغلام بين تعالى أنه هو إسحاق كما يوضح ذلك قوله في الذاريات وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم [ 51 28 - 30 ] لأن كونها أقبلت في صرة أي صيحة وضجة ، وصكت وجهها أي لطمته قائلة إنها عجوز عقيم ، يدل على أن الولد المذكور هي أمه كما لا يخفى ، ويزيده إيضاحا تصريحه تعالى ببشارتها هي بأنها تلده مصرحا باسمه واسم ولده يعقوب ، وذلك في قوله تعالى في هود في القصة بعينها : وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت ياويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب [ 11 \ 71 - 72 ] وأما الغلام الذي بشر به إبراهيم الموصوف بالحلم المذكور في الصافات في قوله تعالى : وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك الآية [ 37 \ 99 - 102 ] فهو إسماعيل وسترى إن شاء [ ص: 281 ] الله تعالى في سورة الصافات دلالة الآيات القرآنية على أن الذبيح إسماعيل لا إسحاق على وجه قاطع للنزاع ، والغلام يطلق في لغة العرب على العبد وعلى الصغير الذي لم يبلغ وعلى الرجل البالغ ، ومن إطلاقه على البالغ قول علي - رضي الله عنه - يوم النهروان
: أنا الغلام القرشي المؤتمن أبو حسين فاعلمن والحسن
وقول صفوان بن المعطل السلمي لحسان - رضي الله عنهما - :
تلق ذباب السيف عني فإنني غلام إذا هوجيت لست بشاعر


وقول ليلى الأخيلية تمدح الحجاج بن يوسف :
إذا نزل الحجاج أرضا مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها


وربما قالوا للأنثى غلامة ، ومنه قول أوس بن غلفاء الهجيمي يصف فرسا :
ومركضة صريحي أبوها يهان لها الغلامة والغلام


قوله تعالى : قال أبشرتموني على أن مسني الكبر .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم قال : إنه وقت البشرى بإسحاق مسه الكبر . وصرح في هود بأن امرأته أيضا قالت إنه شيخ كبير في قوله عنها : وهذا بعلي شيخا [ 11 \ 72 ] كما صرح عنها هي أنها وقت البشرى عجوز كبيرة السن وذلك كقوله في هود : ياويلتى أألد وأنا عجوز الآية [ 11 \ 72 ] ، وقوله في الذاريات : فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم [ 51 \ 29 ] . وبين في موضع آخر عن نبيه إبراهيم أنه وقت هبة الله له ولده إسماعيل أنه كبير السن أيضا ، وذلك قوله تعالى : الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء [ 14 \ 39 ] .
قوله تعالى : فبم تبشرون .

الظاهر أن استفهام نبي الله إبراهيم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - للملائكة بقوله فبم تبشرون [ 15 \ 54 ] استفهام تعجب من كمال قدرة الله تعالى ، ويدل لذلك أنه تعالى ذكر أن ما وقع له وقع نظيره لامرأته حيث قالت أألد وأنا عجوز وقد بين تعالى أن ذلك الاستفهام لعجبها من ذلك الأمر الخارق للعادة في قوله : قالوا أتعجبين من أمر الله الآية [ 11 \ 73 ] ويدل له أيضا وقوع مثله من نبي الله زكريا - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - لأنه لما قال : رب هب لي من لدنك ذرية طيبة [ 3 \ 38 ] .

[ ص: 282 ] وقوله فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى [ 3 \ 39 ] عجب من كمال قدرة الله تعالى فقال : رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر الآية [ 3 \ 40 ] وقوله فبم تبشرون قرأه ابن عامر وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بفتح النون مخففة وهي نون الرفع ، وقرأه نافع بكسر النون مخففة وهي نون الوقاية مع حذف ياء المتكلم لدلالة الكسرة عليها ، وقرأه ابن كثير بالنون المكسورة المشددة مع المد ، فعلى قراءة ابن كثير لم يحذف نون الرفع ولا المفعول به ، بل نون الرفع مدغمة في نون الوقاية وياء المتكلم هي المفعول به ، وعلى قراءة الجمهور فنون الرفع ثابتة والمفعول به محذوف على حد قول ابن مالك .


وحذف فضلة أجز إن لم يضر كحذف ما سيق جوابا أو حصر


وعلى قراءة نافع فنون الرفع محذوفة لاستثقال اجتماعها مع نون الوقاية .

تنبيه

حذف نون الرفع له خمس حالات ثلاث منها يجب فيها حذفها ، وواحدة يجوز فيها حذفها وإثباتها ، وواحدة يقصر فيها حذفها على السماع ، أما الثلاث التي يجب فيها الحذف : فالأولى منها إذا دخل على الفعل عامل جزم ، والثانية إذا دخل عليه عامل نصب ، والثالثة إذا أكد الفعل بنون التوكيد الثقيلة نحو لتبلون ، وأما الحالة التي يجوز فيها الإثبات والحذف فهي ما إذا اجتمعت مع نون الرفع نون الوقاية ، لكون المفعول ياء المتكلم فيجوز الحذف والإثبات ، ومن الحذف قراءة نافع في هذه الآية فبم تبشرون بالكسر وكذلك قوله تعالى : قال أتحاجوني في الله [ 6 \ 80 ] . وقوله تعالى : ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم [ 16 \ 27 ] بكسر النون مع التخفيف في الجمع أيضا وقوله قل أفغير الله تأمروني أعبد الآية [ 39 \ 64 ] بالكسر مع التخفيف أيضا ، وكلها قرأها بعض القراء بالتشديد لإثبات نون الرفع وإدغامها في نون الوقاية ، وأما الحالة الخامسة المقصورة على السماع فهو حذفها لغير واحد من الأسباب الأربعة المذكورة ، كقول الراجز :
أبيت أسري وتبيت تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي
أما بقاء نون الرفع مع الجازم في قوله : [ ص: 283 ]
لولا فوارس من نعم وأسرتهم يوم الصليفاء لم يوفون بالجار


فهو نادر حملا للم على أختها لا النافية أو ما النافية ، وقيل هو لغة قوم كما صرح به في التسهيل ، وكذلك بقاء النون مع حرف النصب في قوله :
أن تقرآن على أسماء ويحكما مني السلام وألا تشعرا
أحدا فهو لغة قوم حملوا أن المصدرية على أختها ما المصدرية في عدم النصب بها ، كما أشار له في الخلاصة بقوله :
وبعضهم أهمل أن حملا على ما أختها حيث استحقت عملا


ولا ينافي كون استفهام إبراهيم للتعجب من كمال قدرة الله قول الملائكة له فيما ذكر الله عنهم : قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين بدليل قوله : قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون [ 15 \ 56 ] . لأنه دليل على أن استفهامه ليس استفهام منكر ولا قانط ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم قال للملائكة إنه لا يقنط من رحمة الله - جل وعلا - إلا الضالون عن طريق الحق وبين أن هذا المعنى قاله أيضا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم لبنيه في قوله : يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون [ 12 \ 87 ] قال أبو حيان في البحر المحيط في تفسير قوله تعالى : إنه لا ييئس من روح الله الآية . وروح الله رحمته وفرجه وتنفيسه .
قوله تعالى : قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط .

أشار في هذه الآية الكريمة إلى أن المراد بهؤلاء القوم المجرمين قوم لوط الذين أرسل إليهم فكذبوه ، ووجه إشارته تعالى لذلك استثناء لوط وأهله غير امرأته في قوله : إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته الآية [ 15 \ 59 - 60 ] وصرح بأنهم قوم لوط بقوله في هود في القصة بعينها : قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط الآية [ 11 \ 70 ] وصرح في الذاريات بأنهم أرسلوا إلى هؤلاء القوم المجرمين ليرسلوا عليهم حجارة من طين في قوله : قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين [ 51 \ 32 - 33 ] وصرح في العنكبوت أنهم قالوا إنهم مهلكوهم بسبب ظلمهم ، ومنزلون عليهم [ ص: 284 ] رجزا من السماء بسبب فسقهم وذلك في قوله تعالى : ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها الآية [ 29 \ 31 - 32 ] ، وقوله : وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون [ 29 \ 33 - 34 ] وقوله : إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين [ 15 \ 59 ] بين في هذه الآية الكريمة أنه استثنى آل لوط من ذلك العذاب النازل بقومه ، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كما تقدم في هود في قوله : قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك الآية [ 11 \ 81 ] وقوله في العنكبوت : وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك الآية [ 29 \ 33 ] وقوله فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين [ 7 \ 83 ] وقوله : فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين الآية [ 26 \ 170 - 171 ] وقوله : فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين [ 27 \ 57 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وما ذكر في هذه الآية الكريمة من استثناء امرأته من أهله الناجين في قوله : إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين أوضحه في هذه الآيات التي ذكرنا آنفا ونحوها من الآيات ، وبين في الذاريات أنه أنجى من كان في قوم لوط من المؤمنين ، وأنهم لم يكن فيهم من المسلمين إلا بيت واحد وهم آل لوط وذلك في قوله فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين [ 29 \ 35 - 36 ] .

تنبيه

في هذه الآية الكريمة دليل واضح لما حققه علماء الأصول من جواز الاستثناء من الاستثناء ; لأنه تعالى استثنى آل لوط من إهلاك المجرمين بقوله : إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين [ 15 \ 59 ] ثم استثنى من هذا الاستثناء امرأة لوط بقوله : إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين [ 15 \ 60 ] وبهذا تعلم أن قول ابن مالك في الخلاصة :
وحكمها في القصد حكم الأول
ليس صحيحا على إطلاقه . وأوضح مسألة تعدد الاستثناء بأقسامها صاحب مراقي [ ص: 285 ] السعود في مبحث المخصص المتصل بقوله :
وذا تعدد بعطف حصل بالاتفاق مسجلا للأول
إلا فكل للذي به اتصل وكلها مع التساوي قد بطل
إن كان غير الأول المستغرقا فالكل للمخرج منه حققا
وحيثما استغرق الاول فقط فألغ واعتبر بخلف في النمط





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-12-2021, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (147)

سُورَةُ الْحِجْرِ(8)
صـ 286 إلى صـ 290




قوله تعالى : فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن لوطا - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - لما جاءه الملائكة المرسلون لإهلاك قومه قال لهم : إنكم قوم منكرون . وصرح في مواضع أخر أنه حصلت له مساءة بمجيئهم ، وأنه ضاق ذرعا بذلك ، كقوله في هود : ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب [ 11 \ 77 ] وقوله في العنكبوت : ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا [ 29 \ 33 ] ، وذكر تعالى في الذاريات أن نبيه إبراهيم قال لهم أيضا : قوم منكرون ، كما ذكر عن لوط هنا وذلك في قوله : قال سلام قوم منكرون [ 51 \ 25 ] وقوله قوم منكرون قيل : معناه أنهم غير معروفين ، والنكرة ضد المعرفة ، وقيل : إنه رآهم في صفة شباب حسان الوجوه ، فخاف أن يفعل بهم قومه فاحشة اللواط فقال : إنكم قوم منكرون [ 15 \ 62 ] وقال الزمخشري في الكشاف : منكرون أي تنكركم نفسي وتفر منكم ، فأخاف أن تطرقوني بشر بدليل قوله : بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق الآية [ 15 \ 63 - 64 ] ويدل لهذا الوجه أنه بين في هود أن سبب إنكار إبراهيم لهم عدم أكلهم من لحم العجل الذي قدمه إليهم ، وذلك في قوله : فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة [ 11 \ 70 ] لأن من استضاف وامتنع من الأكل خيف منه الشر . وقوله تعالى في هذه الآيات : إنا لمنجوهم [ 15 \ 59 ] قرأه حمزة والكسائي بإسكان النون بعد الميم المضمومة مخففا اسم فاعل أنجى على وزن أفعل ، وقرأه غيرهما من القراء بفتح النون وتشديد الجيم اسم فاعل نجي على وزن فعل بالتضعيف ، والإنجاء والتنجية معناهما واحد وقوله : قدرنا إنها لمن الغابرين [ 15 \ 60 ] قرأه أبو بكر عن عاصم بتخفيف الدال ، وقرأه غيره بتشديدها وهما لغتان معناهما واحد ، وقوله : جاء آل لوط [ 15 \ 61 ] قرأه قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى وتحقيق الثانية مع [ ص: 286 ] القصر والمد ، وقرأه ورش بتحقيق الأولى وإبدال الثانية ألفا مع القصر والمد ، وعن ورش أيضا تحقيق الأولى وتسهيل الثانية مع القصر والتوسط والمد ، وقرأه قنبل مثل قراءة ورش إلا أنه ليس له مع التسهيل إلا القصر ، وقرأ الباقون بتحقيق الهمزتين وكل على أصله من المد ، وما ذكر من قراءة ورش وقنبل هو التحقيق عنهما وإن قيل غيره ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وجاء أهل المدينة يستبشرون .

سبب استبشار قوم لوط أنهم ظنوا الملائكة شبابا من بني آدم ، فحدثتهم أنفسهم بأن يفعلوا بهم فاحشة اللواط ، كما يشير لذلك قوله تعالى : إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون [ 15 \ 68 ] وقوله تعالى : ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم الآية [ 54 \ 37 ] وقوله : وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات [ 11 \ 78 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : إن في ذلك لآيات للمتوسمين .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن فيما أوقع من النكال بقوم لوط آيات للمتأملين في ذلك ، تحصل لهم بها الموعظة والاعتبار والخوف من معصية الله أن ينزل بهم مثل ذلك العذاب الذي أنزل بقوم لوط لما عصوه وكذبوا رسوله . وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله في العنكبوت : ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون [ 29 \ 35 ] وقوله في الذاريات : وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم [ 151 \ 37 ] وقوله هنا : إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ 15 \ 75 ] وقوله في الشعراء بعد ذكر قصة قوم لوط : إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين الآية [ 26 \ 174 ] ، كما صرح بمثل ذلك في إهلاك قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب في الشعراء وقوله : للمتوسمين أصل التوسم تفعل من الوسم ، وهو العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها . يقال : توسمت فيه الخير إذا رأيت ميسمه فيه ، أي علامته التي تدل عليه ، ومنه قول عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - في النبي - صلى الله عليه وسلم - :


إني توسمت فيك الخير أعرفه والله يعلم أني ثابت النظر


وقال الآخر :
توسمته لما رأيت مهابة عليه وقلت المرء من آل هاشم


هذا أصل التوسم ، وللعلماء فيه أقوال متقاربة يرجع معناها كلها إلى شيء واحد . [ ص: 287 ] فعن قتادة : للمتوسمين أي المعتبرين ، وعن مجاهد للمتوسمين أي المتفرسين ، وعن ابن عباس والضحاك للمتوسمين أي للناظرين ، وعن مالك عن بعض أهل المدينة للمتوسمين أي للمتأملين .

ولا يخفى أن الاعتبار والنظر والتفرس والتأمل معناها واحد ، وكذلك قول ابن زيد ومقاتل : للمتوسمين أي للمتفكرين ، وقول أبي عبيدة للمتوسمين أي للمتبصرين ، فمآل جميع الأقوال راجع إلى شيء واحد وهو أن ما وقع لقوم لوط فيه موعظة وعبرة لمن نظر في ذلك وتأمل فيه حق التأمل ، وإطلاق التوسم على التأمل والنظر والاعتبار مشهور في كلام العرب ومنه قول زهير : :
وفيهن ملهى للصديق ومنظر أنيق لعين الناظر المتوسم
أي المتأمل في ذلك الحسن ، وقول طريف بن تميم العنبري :
أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلي عريفهم يتوسم
أي ينظر ويتأمل . وقال صاحب الدر المنثور وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : لآيات للمتوسمين [ 15 \ 75 ] قال : للناظرين .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله : لآيات للمتوسمين : قال للمعتبرين . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : لآيات للمتوسمين قال : هم المتفرسون . وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد في قوله : إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال : هم المتفرسون . وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم معا في الطب وابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال : " للمتفرسين " . وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتقوا فراسة المؤمن ، فإن المؤمن ينظر بنور الله " . وأخرج ابن جرير عن ثوبان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " احذروا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وينطق بتوفيق الله " . وأخرج الحكيم الترمذي والبزار وابن السني وأبو نعيم عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم " . اهـ .
قوله تعالى : وإنها لبسبيل مقيم .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن ديار قوم [ ص: 288 ] لوط ، وآثار تدمير الله لها بسبيل مقيم أي بطريق ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد ، يمر بها أهل الحجاز في ذهابهم إلى الشام ، والمراد أن آثار تدمير الله لهم التي تشاهدون في أسفاركم فيها لكم عبرة ومزدجر يوجب عليكم الحذر من أن تفعلوا كفعلهم ، لئلا ينزل الله بكم مثل ما أنزل بهم ، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله : وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون [ 37 \ 137 - 138 ] وقوله : أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها [ 47 \ 10 ] . وقوله فيها وفي ديار أصحاب الأيكة : وإنهما لبإمام مبين [ 15 \ 79 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية أن أصحاب الأيكة كانوا ظالمين وأنه - جل وعلا - انتقم منهم بسبب ظلمهم ، وأوضح هذه القصة في مواضع أخر كقوله في الشعراء كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين [ 26 \ 176 - 190 ] فبين في هذه الآية أن ظلمهم هو تكذيب رسولهم وتطفيفهم في الكيل ، وبخسهم الناس أشياءهم ، وأن انتقامه منهم بعذاب يوم الظلة ، وبين أنه عذاب يوم عظيم ، والظلة سحابة أظلتهم فأضرمها الله عليهم نارا فأحرقتهم ، والعلم عند الله تعالى .

وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير " ليكة " . في " الشعراء " و " ص " بلام مفتوحة أول الكلمة وتاء مفتوحة آخرها من غير همز ولا تعريف على أنه اسم للقرية غير منصرف . وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي " الأيكة " بالتعريف والهمز وكسر التاء ، وقرأ كذلك جميع القراء في " ق " و " الحجر " . قال أبو عبيدة : ليكة والأيكة اسم مدينتهم كمكة وبكة ، والأيكة في لغة العرب الغيضة وهي جماعة الشجر ، والجمع الأيك ، وإنما سموا أصحاب الأيكة لأنهم كانوا أصحاب غياض [ ص: 289 ] ورياض ، ويروى أن شجرهم كان دوما وهو المقل ، ومن إطلاق الأيكة على الغيضة قول النابغة :
تجلو بقادمتي حمامة أيكة بردا أسف لثاته بالإثمد
وقال الجوهري في صحاحه : ومن قرأ أصحاب الأيكة فهي الغيضة ، ومن قرأ ليكة فهي اسم القرية ، ويقال : هما مثل بكة ومكة . وقال بعض العلماء : الأيكة الشجرة ، والأيك هو الشجر الملتف .
قوله تعالى : ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين .

الحجر : منازل ثمود بين الحجاز والشام عند وادي القرى . فمعنى الآية الكريمة : كذبت ثمود المرسلين ، وقد بين تعالى تكذيب ثمود لنبيه صالح - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - في مواضع أخر . كقوله : كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون الآيات [ 26 \ 141 ] وقوله : فكذبوه فعقروها [ 91 \ 14 ] وقوله : كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر [ 54 \ 23 - 24 ] وقوله : فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين [ 7 \ 77 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وإنما قال إنهم كذبوا المرسلين مع أن الذي كذبوه هو صالح وحده ، لأن دعوة جميع الرسل واحدة ، وهي تحقيق معنى " لا إله إلا الله " كما بينه تعالى بأدلة عمومية وخصوصية . قال معمما لجميعهم : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا الآية [ 21 \ 25 ] . وقال : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ 16 \ 36 ] وقال : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [ 43 \ 45 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وقال في تخصيص الرسل بأسمائهم : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 23 \ 23 ] وقال : وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 11 \ 50 ] وقال : وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 11 \ 84 ] إلى غير ذلك من الآيات .

فإذا حققت أن دعوة الرسل واحدة عرفت أن من كذب واحدا منهم فقد كذب جميعهم . ولذا صرح تعالى بأن من كفر ببعضهم فهو كافر حقا . قال : ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا [ 4 \ 150 - 151 ] ، [ ص: 390 ] وبين أنه لا تصح التفرقة بينهم بقوله : لا نفرق بين أحد منهم [ 2 \ 136 و 3 \ 84 ] ، وقوله : لا نفرق بين أحد من رسله [ 2 \ 285 ] ، ووعد الأجر على عدم التفرقة بينهم في قوله : والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم . الآية [ 4 \ 152 ] ، وقد بينا هذه المسألة في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-12-2021, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,187
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (148)

سُورَةُ الْحِجْرِ(9)
صـ 291 إلى صـ 295



تنبيه .

اعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بالحجر المذكور في هذه الآية في طريقه في غزوة تبوك ، فقد أخرج البخاري في صحيحه في غزوة تبوك ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر ، قال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم ، إلا أن تكونوا باكين " ، ثم قنع رأسه ، وأسرع السير حتى أجاز الوادي " ، هذا لفظ البخاري . وأخرج البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء أيضا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل الحجر في غزوة تبوك ، أمرهم ألا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها ، فقالوا : قد عجنا منها واستقينا ، فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ، ويهرقوا ذلك الماء " . ثم قال البخاري : ويروى عن سبرة بن معبد وأبي الشموس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإلقاء الطعام ، ثم قال : وقال أبو ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من اعتجن بمائه " .

ثم ساق بسنده ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه أخبره : أن الناس نزلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرض ثمود الحجر واستقوا من بئرها ، واعتجنوا به ، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يهرقوا ما استقوا من بيارهم ، وأن يعلفوا الإبل العجين ، وأمرهم أن يستسقوا من البئر التي تردها الناقة " .

ثم قال : تابعه أسامة ، عن نافع ، ثم ساق بسنده ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مر بالحجر قال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم " ، ثم تقنع بردائه وهو على الرحل .

ثم ساق أيضا بسنده ، عن سالم : أن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم " ، هذا كله لفظ البخاري في صحيحه . وقال ابن حجر في الفتح : أما حديث سبرة بن معبد فوصله أحمد [ ص: 291 ] والطبراني من طريق عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد ، عن أبيه ، عن جده سبرة - وهو بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة - الجهني ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين راح من الحجر : " من كان عجن منكم من هذا الماء عجينة أو حاس حيسا ; فليلقه " ، وليس لسبرة بن معبد في البخاري إلا هذا الموضع . وأما حديث أبي الشموس - وهو بمعجمة ثم مهملة - ، وهو بكري لا يعرف اسمه - فوصله البخاري في الأدب المفرد ، والطبراني وابن منده من طريق سليم بن مطير ، عن أبيه ، عنه ، قال : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . . . . . فذكر الحديث وفيه : فألقى ذو العجين عجينه ، وذو الحيس حيسه " . ورواه ابن أبي عاصم من هذا الوجه ، وزاد : " فقلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قد حست حيسة فألقمها راحلتي ؟ قال : نعم " .

وقال ابن حجر أيضا : قوله : وقال أبو ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " من اعتجن بمائه " وصله البزار من طريق عبد الله بن قدامة عنه : " أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، فآتوا على واد ، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - " إنكم بواد ملعون فأسرعوا " وقال : " من اعتجن عجينة ، أو طبخ قدرا ; فليكبها " . الحديث . قال : لا أعلمه إلا بهذا الإسناد . وأخرج البخاري في تفسير قوله تعالى : ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين [ 15 \ 80 ] ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحاب الحجر : " لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ; أن يصيبكم مثل ما أصابهم " وأخرج البخاري أيضا ، عن ابن عمر في كتاب الصلاة ، في باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ; لا يصيبكم ما أصابهم " . وبعض هذه الروايات التي ذكرناها عن البخاري أخرجه مسلم أيضا في صحيحه ، فقد اتفقا على النهي عن دخول ديارهم إلا في حال البكاء ، وعلى إسراعه - صلى الله عليه وسلم - حتى جاوز ديارهم . وفي هذه الروايات الصحيحة النهي عن الدخول إلى مواضع الخسف والعذاب إلا في حالة البكاء ، وفيها الإسراع بمجاوزتها ، وعدم الاستسقاء من مياهها ، وعدم أكل الطعام الذي عجن بها ، ومن هنا قال بعض العلماء : لا يجوز التطهر بمائها ، ولا تصح الصلاة فيها ; لأن ماءها لما لم يصلح للأكل والشرب ، علم أنه غير صالح للطهارة التي هي تقرب إلى الله تعالى .

قال البخاري في صحيحه : باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب : " ويذكر أن عليا - رضي الله عنه - كره الصلاة بخسف بابل . وقال ابن حجر في الفتح : هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة من [ ص: 292 ] طريق عبد الله بن أبي المحل - وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام - ، قال " كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل ، فلم يصل حتى أجازه - أي : تعداه - " ومن طريق أخرى ، عن علي ، قال : " ما كنت لأصلي بأرض خسف الله بها ثلاث مرار " . والظاهر أن قوله ثلاث مرار ليس متعلقا بالخسف ; لأنه ليس فيها إلا خسف واحد . وإنما أراد أن عليا قال ذلك ثلاثا . ورواه أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن علي ولفظه : " نهاني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - أن أصلي في أرض بابل ; فإنها ملعونة " في إسناده ضعف ، واللائق بتعليق المصنف ما تقدم ، والمراد بالخسف هنا ما ذكره الله تعالى في قوله : فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم الآية [ 16 \ 26 ] ، ذكر أهل التفسير والأخبار : أن المراد بذلك أن النمروذ بن كنعان بنى ببابل بنيانا عظيما ، يقال : إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع فخسف الله بهم . قال الخطابي : " لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل " انتهى . محل الغرض من فتح الباري .

وقول الخطابي يعارضه ما رأيته عن علي - رضي الله عنه - ، ولكنه يشهد له عموم الحديث الصحيح : " وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا " ، وحديث أبي داود المرفوع ، عن علي الذي أشار له ابن حجر : أن فيه ضعفا هو قوله : " حدثنا سليمان بن داود ، أخبرنا ابن وهب ، قال حدثني ابن لهيعة ، ويحيى بن أزهر ، عن عمار بن سعد المرادي ، عن أبي صالح الغفاري : أن عليا - رضي الله عنه - مر ببابل وهو يسير ، فجاءه المؤذن يؤذنه بصلاة العصر . فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة ، فلما فرغ منها قال : " إن حبيبي - صلى الله عليه وسلم - نهاني أن أصلي في المقبرة ، ونهاني أن أصلي في أرض بابل ; فإنها ملعونة " .

حدثنا أحمد بن صالح ، ثنا ابن وهب ، أخبرني يحيى بن أزهر ، وابن لهيعة ، عن الحجاج بن شداد ، عن أبي صالح الغفاري ، عن علي بمعنى سليمان بن داود ، قال : " فلما خرج - مكان فلما برز - اهـ .

وقد يظهر للناظر في إسنادي هذا الحديث أنه لا يقل عن درجة القبول ، ولكن فيه علة خفية نبه عليها ابن يونس ، أما كونه لا يقل عن درجة القبول ; فلأن طريقته الأولى أول طبقاتها : سليمان بن داود ولا خلاف في كونه ثقة ، وفي الثانية : أحمد بن صالح مكان سليمان المذكور ، وأحمد بن صالح ثقة حافظ . وكلام النسائي فيه غلط مردود عليه ، كما قال العراقي في ألفيته :


وربما رد كلام الجارح كالنسائي في أحمد بن صالح


وسبب غلطه في ذلك أن ابن معين كذب أحمد بن صالح الشموني . فظن النسائي أن [ ص: 293 ] مراد ابن معين أحمد بن صالح هذا الذي هو أبو جعفر بن الطبري المصري ، وليس كذلك كما جزم به ابن حبان .

والطبقة الثانية في كلا الإسنادين :

ابن وهب وهو : عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي ، مولاهم أبو محمد المصري ثقة حافظ عابد مشهور .

والطبقة الثالثة من الإسنادين : يحيى بن أزهر ، وعبد الله بن لهيعة ، ويحيى بن أزهر البصري مولى قريش صدوق ، وعبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه . والظاهر أن اعتضاد أحدهما بالآخر لا يقل عن درجة الحسن . ويؤيد ذلك أن راوي الحديث ابن وهب ومعلوم أن رواية ابن وهب ، وابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، أعدل من رواية غيرهما عنه .

والطبقة الرابعة في الإسناد الأول : عمار بن سعد المرادي . وفي الإسناد الثاني : الحجاج بن شداد ، وعمار بن سعد المرادي ، ثم السلهمي ، والحجاج بن شداد الصنعاني نزيل مصر ، كلاهما مقبول كما قاله ابن حجر في التقريب ، واعتضاد أحدهما بالآخر لا يقل عن درجة الحسن .

والطبقة الخامسة في كلا الإسنادين : أبو صالح الغفاري وهو سعيد بن عبد الرحمن ، وعداده في أهل مصر ، وهو ثقة .

والطبقة السادسة في كليهما : أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ، فالذي يظهر صلاحية الحديث للاحتجاج ، ولكنه فيه علة خفية ذكرها ابن يونس ، وهي : أن رواية أبي صالح الغفاري ، عن علي مرسلة ، كما ذكره ابن حجر في التقريب . وقال البيهقي في السنن الكبرى : " باب من كره الصلاة في موضع الخسف والعذاب ، " أنبأ أبو علي الروذباري ، أنبأ أبو بكر بن داسة ، ثنا أبو داود ، ثم ساق حديث أبي داود المذكور آنفا بلفظه في المتن والإسنادين . ثم قال : وروينا عن عبد الله بن أبي محل العمري ، قال : كنا مع علي بن أبي طالب ، فمر بنا على الخسف الذي ببابل فلم يصل حتى أجازه . وعن حجر الحضرمي ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : " ما كنت لأصلي بأرض خسف الله بها ثلاث مرات " . ثم قال البيهقي : وهذا النهي عن الصلاة فيها إن ثبت مرفوعا ليس لمعنى يرجع إلى الصلاة ; فلو صلى فيها لم يعد ، ثم ساق البيهقي بعض روايات حديث ابن عمر الذي قدمنا عن البخاري ومسلم ، ثم قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب الخروج من تلك المساكن ، وكره المقام فيها إلا باكيا ، فدخل في ذلك المقام للصلاة وغيرها . اهـ .

[ ص: 294 ] وهذا الذي ذكرنا هو حاصل ما جاء في الصلاة في مواضع الخسف والتطهر بمياهها ، فذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة بها صحيحة والتطهر بمائها مجزئ ، واستدلوا بعموم النصوص كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " وجعلت لي الأرض كلها مسجدا " الحديث . وكعموم الأدلة على رفع الحدث ، وحكم الخبث بالماء المطلق . وذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تجوز الصلاة فيها ، ولا تصح الطهارة بمائها ، واستدلوا بحديث علي المرفوع : أن حبيبه - صلى الله عليه وسلم - نهاه عن الصلاة في خسف بابل ; لأنها أرض ملعونة . قالوا : والنهي يقتضي الفساد ; لأن ما نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - ليس من أمرنا ، ومن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد كما ثبت في الحديث . واحتجوا لعدم الطهارة بمائها بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع من استعماله في الأكل والشرب وهما ليسا بقربة . فدل ذلك على منع الطهارة به من باب أولى .

قال مقيده - عفا الله عنه - : الذي يظهر لنا رجحانه ; أن من مر عليها ينبغي له أن يسرع في سيره حتى يخرج منه ، كفعله - صلى الله عليه وسلم - وفعل صهره ، وابن عمه ، وأبي سبطيه - رضي الله عنهم - جميعا ، وأنه لا يدخل إلا باكيا للحديث الصحيح . فلو نزل فيها وصلى فالظاهر صحة صلاته إذ لم يقم دليل صحيح بدلالة واضحة على بطلانها ، والحكم ببطلان العبادة يحتاج إلى نص قوي المتن والدلالة . والعلم عند الله تعالى .
مسائل لها تعلق بهذه الآية الكريمة .

قد علمت أن الحجر المذكور في هذه الآية في قوله : ولقد كذب أصحاب الحجر الآية [ 15 \ 80 ] : هو ديار ثمود ، وأنه ورد النهي عن الصلاة في مواضع الخسف ; فبهذه المناسبة نذكر الأماكن التي نهي عن الصلاة فيها ونبين ما صح فيه النهي وما لم يصح .

والمواضع التي ورد النهي عن الصلاة فيها تسعة عشر موضعا ستأتي كلها .

عن زيد بن جبيرة ، عن داود بن حصين ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نهى أن يصلى في سبعة مواطن : في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، وفي الحمام وفي أعطان الإبل ، وفوق ظهر بيت الله " . رواه عبد بن حميد في مسنده ، والترمذي ، وابن ماجه . وقال الترمذي في إسناده : ليس بذاك . وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث ، عن عبد الله بن عمر العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . والحديث ضعيف لا تقوم به حجة ; لأن الإسناد الأول فيه زيد بن جبيرة وهو متروك ، قال فيه ابن حجر في [ ص: 295 ] التقريب : متروك . وقال في تهذيب التهذيب : قال ابن معين : هو لا شيء . وقال البخاري : منكر الحديث . وقال في موضع آخر : متروك الحديث . وقال النسائي : ليس بثقة . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدا ، متروك الحديث لا يكتب حديثه . وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد . قلت : وقال الساجي : حدث عن داود بن الحصين بحديث منكر جدا ، يعني حديث النهي عن الصلاة في سبع مواطن . وقال الفسوي : ضعيف منكر الحديث . وقال الأزدي : متروك . وقال ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير ; فاستحق التنكب عن روايته . وقال الحاكم : روى عن أبيه وداود بن الحصين وغيرهما المناكير . وقال الدارقطني : ضعيف . قال ابن عبد البر : أجمعوا على أنه ضعيف اهـ كلام ابن حجر . وأحد إسنادي ابن ماجه فيه أبو صالح كاتب الليث ، وهو كثير الغلط ، وفيه ابن عمر العمري ضعفه بعض أهل العلم وأخرج له مسلم . وقال ابن أبي حاتم في العلل : هما جميعا - يعني الحديثين - واهيان . وصحح الحديث المذكور ابن السكن وإمام الحرمين .

اعلم أولا أن المواضع التي ورد النهي عن الصلاة فيها ، هي السبعة المذكورة ، والصلاة إلى المقبرة وإلى جدار مرحاض عليه نجاسة ، والكنيسة والبيعة ، وإلى التماثيل ، وفي دار العذاب ، وفي المكان المغصوب ، والصلاة إلى النائم ، والمتحدث ، وفي بطن الوادي ، وفي مسجد الضرار ، والصلاة إلى التنور ، فالمجموع تسعة عشر موضعا . وسنبين أدلة النهي عنها مفصلة - إن شاء الله تعالى - أما في مواضع الخسف والعذاب فقد تقدم حكم ذلك قريبا .

وأما الصلاة في المقبرة والصلاة إلى القبر : فكلاهما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عنه . أما الصلاة في المقابر : فقد وردت أحاديث صحيحة في النهي عنها ، منها ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن عائشة - رضي الله عنها - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في مرض موته : " لعن الله اليهود والنصارى ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، يحذر ما صنعوا ، ولولا ذلك أبرز قبره - صلى الله عليه وسلم - غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا . وفي الصحيحين أيضا نحوه عن أبي هريرة ، وقد ثبت في الصحيح أيضا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وفي بعض الروايات المتفق عليها : " لعن الله اليهود والنصارى " ، وفي بعض الروايات الصحيحة الاقتصار على اليهود . والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يلعن إلا على فعل حرام شديد الحرمة . وعن جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو [ ص: 296 ] يقول : " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ; فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا . ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . إلا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك " . أخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ ، رواه النسائي أيضا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 349.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 343.98 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]