|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#141
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثاني من سورة النور • الآية 21: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ أي لا تتَّبعوا طُرُق الشيطان ووساوسه، ﴿ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ ﴾ - أي الشيطان - ﴿ يَأْمُرُ ﴾ مَن يَتَّبعه ﴿ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾) أي يأمره بقبيح الأفعال ومُنكَراتها، (ومِن ذلك تزيينه للفِتَن والمعاصي، والظنون السيئة بالمؤمنين وحب إشاعة الفاحشة بينهم)، لِذا فأغلِقوا عليه كُلَّ بابٍ يأتِيكُم منه، واعتصموا بالله تعالى ليَحفظكم مِن شَرِّه، ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ وَرَحْمَتُهُ ﴾ بكم ﴿ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ﴾ أي ما طَهُرَ أحدٌ منكم مِن ذنبه أبدًا، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ ﴾ - بفضله - ﴿ يُزَكِّي ﴾ أي يُطَهِّر ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾ مِن عباده ويَعصمهم من الشيطان، ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لأقوالكم، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بنيّاتكم وأفعالكم (فلذلك يُزَكِّي سبحانه مَن عَلِمَ أنه يستحق هذه التزكية). • الآية 22: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ﴾ يعني: لا يَحلف أصحاب الزيادة منكم فى قوة الدين والسَّعَة في المال أن يَمنعوا النفقة عن الفقراء من أقربائهم﴿ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ بسبب ذنبٍ فعلوه، ﴿ وَلْيَعْفُوا ﴾ عن إساءتهم، ﴿ وَلْيَصْفَحُوا ﴾ أي: ولْيَتجاوزواعنهم ولا يُعاقبوهم (خاصةً أنهم قد تابوا وأُقِيمَ عليهم الحد)، ﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾؟ إذاً فتجاوزوا عنهم ليتجاوز الله عنكم ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، (وفي هذا حَثٌّ على العفو، والإعراض عن اللوم والتأنيب)، (واعلم أنّ الصفح أبلغ من العفو، لأن العفو هو عدم المؤاخذة على الخطأ ولكنْ مع بقاء أثره في النفس، أما الصفح فهو التجاوز عن الخطأ مع مَحْو أثره من النفس). ♦ واعلم أنّ هذه الآية نزلتْ في أبي بكر الصِدّيق رضي الله عنه، فقد كان يُنفق على "مِسطَح بن أثاثة" وهو ابن خالته، وكان رجلاً فقيراً من المهاجرين، فلمّا وقع "مِسطَح" في الإفك، غضب عليه أبو بكر وقال: (واللهِ لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال في عائشة)، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ﴾ إلى قوله: ﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾؟ فقال أبو بكر: (واللهِ إني أحب أن يَغفر اللهُ لي)، فعندئذٍ عفا عنه أبو بكر، وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن يمينه التي حلفها، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (كَفِّر عن يمينك ورُدّ الذي كنتَ تعطيه لمِسطَح). • الآية 23، والآية 24، والآية 25: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾: يعني إنّ الذين يَتّهمون بالزنى المؤمنات العفيفات الغافلات عن ذلك الأمر (أي اللاتي لم يَخطر بقلوبهنّ فِعل الفاحشة)، ولا عِلمَ لهنّ بما اتُّهِمنَ به، أولئك الكاذبون في اتّهامهم ﴿ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ أي مَطرودون من رحمة اللهِ في الدنيا والآخرة ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ في نارجهنم يوم القيامة ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ﴾ بما نَطَقَتْ، ﴿ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ﴾ تَنطق أيضاً لتَشهد﴿ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ أي يُعطيهم اللهُ جزاءهم كاملاً على أعمالهم بالعدل، ﴿ وَيَعْلَمُونَ ﴾ في ذلكالموقف العظيم ﴿ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ أي هو سبحانه الحق الواضح (يعني الإله الحق الذي تجب العبادة له وحده). ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾فيه دليلٌ على كُفر مَن سَبَّ زوجة من زوجات النبي صلىالله عليه وسلم أو اتّهمها بسوء، لأنّ اللهَ تعالى قد توَعّده بالطرد من رحمته. • الآية 26: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ﴾ يعني: كل خبيث من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مُناسب للخبيث ومُستحقٌ له، ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾ يعني: وكلطيِّب من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مُناسب للطيب ومُستحقٌ له، (فالأنبياء لا يُناسبهم إلا كل طيب من النساء - وخصوصاً سيِّدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين - فالذَمُّ في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر هو ذَمٌّ في النبي صلى الله عليه وسلم، إذ مُجَرد كَوْنها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها لا تكونُ إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح)، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ الطيبونوالطيبات ﴿ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾: أي مُبَرّؤون مما يَتّهمهم به الخبيثون، و﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ وهو الجنة، (واعلم أنّ الإمام مالك رحمه الله قد قال: (مَن سَبّ عائشة بالفاحشة فقد كَفَر، لأنّ عائشة بَرّأها اللهُ تعالى)). • الآية 27: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ﴾ أي حتى تستأذنوا في الدخول ﴿ وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ (وصيغة ذلك السلام من السُنّة:السلامُ عليكم أأدخل؟)، فإذا قيل له: (مَن؟)، فعليه أن يَذكر اسمه، ولا يقل: (أنا)، (واعلم أنّ من آداب الاستئذان أن يَطرق الباب طرقاً خفيفاً، وألاَّ يَقف أمام الباب وإنما يقف بجانبه). ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ أي الاستئذان ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ - لأنّ فيه الوقاية من الوقوع في الإثم - ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ أي لتتذكروا باستئذانكم أنكم مؤمنون، وأنّ الله تعالى هو الذي أمَركم بهذا الاستئذان، حتى لا يحصل لكم ما يَضُرّكم، وبذلك يزداد إيمانكم. • الآية 28: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا ﴾: يعني فإن لم تجدوا أحدًا في بيوت الآخرين ﴿ فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ أي حتى يُوجَد مَن يَأذن لكم، ﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا ﴾ - لأمرٍ اقتضى ذلك - ﴿ فَارْجِعُوا ﴾ وأنتم راضونَ غير ساخطين، لأنّ الرجوع في هذه الحالة ﴿ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ يعني أطهَرلنفوسكم (لأن الإنسان له أحوالٌ يَكره أن يَطَّلع عليها أحد)، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ وسيُجازي كل عاملٍ بعمله (إذاً فأطيعوه في تشريعه لكم بالاستئذان، حتى تَكملوا وتَسعدوا في الدنيا والآخرة). • الآية 29: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ أي لا حرجَ عليكم ولا إثم في ﴿ أَنْ تَدْخُلُوا ﴾ - بدون استئذان - ﴿ بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ أي ليست مُخَصّصة للسكن، وإنما ﴿ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ﴾ أي جُعِلَت ليَنتفع بها مَن يَحتاج إليها (كالبيوت المُعَدَّة لابن السبيلفي طُرُق المسافرين وغير ذلك من المرافق العامة، فهذه الأماكن فيها منافع وحاجة لمن يدخلها)، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ أي يَعلم سبحانه أحوالكم الظاهرة والخفية، فلذلك شَرَّعَ لكم ما تحتاجونه، وكذلك يَعلم سبحانه ما في أنفسكم فاحذروه، (وفي هذا تحذير لمن يدخل البيوت ولا يُراعي حُرمتها، كالتطلع إلى العورات وغير ذلك)، بل على الإنسان أن يَجلس في مكانٍ لا يَكشف فيه عورة البيت. • الآية 30: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها النبي - ﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ عمَّا لا يَحِلُّ لهم منالنساء والعورات، ﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ عمَّا حَرَّم الله من الزنى واللواط وكَشْفالعورات وغير ذلك، ﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ يعني أطهر لهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ (إذاً فلْيُراقبوه سبحانه فيما أمَرهم به ونَهاهم عنه، لأنهم سيَرجعون إليه بعد موتهم، وسيُجازيهم على أعمالهم). ♦ واعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُتبِع النظرةَ النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية) (انظر حديث رقم: 7953 في صحيح الجامع)، والمقصود بالنظرة الأولى هي نظرة الفجأة، لأنه ثَبَتَ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن نظرة الفجأة فقال: (اصرف بصرك) (انظر صحيح سنن أبي داوود ج:2/ 246). • الآية 31: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾ عمَّا لا يَحِلُّ لهنّ من العورات، ﴿ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ عمَّا حَرَّم الله، ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾: أي لا يُظهِرنَ زينتهنّ للرجال، ويَتجَنّبنَ التبرج (كوَضْع العِطر والكُحل وغير ذلك)، ويَجتهدنَ في إخفاء مواضع الزينة ﴿ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ يعني إلا الزينة التي لابد من ظهورها للضرورة (كالعَينين للنظر بهما، والكَفّين لتناول شيئ، والثياب الظاهرة التي لابد من ارتدائها (ما لم يكن فيها شيءٌ يؤدي إلى الفتنة بها))، ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ يعني: ولْيُلقِينَ بغطاء رؤوسهنّ على صدورهنّ (حتى يَستُرنَ العُنُق والصدر سِتراً كاملاً). ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾: أي لا يُظْهِرْنَ الزينة الخَفية إلا لأزواجهنّ (إذ يَرَونَ منهنّ ما لا يَرى غيرهم)، ﴿ أَوْ آَبَائِهِنَّ ﴾ يعني: ويُباح لآبائهنّ رؤية بعض الزينة (كالوجه والعُنُق واليدين والساعدين)، واعلم أنّ الأجداد أيضاً يدخلون في لفظ: (آَبَائِهِنَّ)، ﴿ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾: يعني وكذلك آباء أزواجهنّ (وكذلك أجدادهم)، ﴿ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ ﴾ (ويَدخل في ذلك أحفادهنّ)، ﴿ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾ أي أبناء أزواجهنّ (وكذلك أحفادهم)، ﴿ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ ﴾ ﴿ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ ﴾ ﴿ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ﴾ (وسواء كان الأخوة والأخوات الأشِقّاء، أو الذين من جهة الأب، أو الذين من جهة الأم)، ﴿ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ أي نساء أُمَّتِهن (والمقصود: النساء المُسلمات، أما النساء الكافرات فلا يَرَونَ منهنّ إلا الوجه والكفين، وأما غير ذلك فيكون إظهاره لهنّ للضرورة)، ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾ يعني أو العبيد المَملوكون لها مِلكاً تاماً - دونَ أن يكون لها شريكٌ فيه - فلِلمُسلمة أن تكشف وجهها لخادمها المملوك، ﴿ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ﴾ يعني: وكذلك الرجال الذين لا شهوةَ لهم في النساء (مِثل البُلْه - وهم فاقِدي العقل - الذين يَتبعون غيرهم للطعام والشراب فقط)، ﴿ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ﴾ يعني: وكذلك الأطفال الصغار الذين ليس لهم عِلم بأمور عورات النساء، ولم توجد فيهم الشهوة بعد. ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ﴾ أي لا يَضرب النساء عند سَيْرهنّ بأرجلهنّ ﴿ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾: أي ليُسْمِعْن الرجال صوت ما خَفِيَ من زينتهنّ كالخُلخال ونحوه (ومِن ذلك ما يُعرَف في عصرنا بـ (الكعب العالي)، ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي ارجعوا أيها المؤمنون إلى طاعة ربكم فيما أمَرَكم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات القبيحة ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ أي لتفوزوا بخيرَي الدنيا والآخرة. ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ فيه رَدٌّ على مَن يُكَفّر المسلمين بسبب ارتكابهم للذنوب، فإنّ اللهَ تعالى قد أمَرَ المؤمنين بالتوبة من الذنوب، ولم يَنزع عنهم لفظ الإيمان. • الآية 32: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾: أي زَوِّجوا مَن لا زوجَ له - من رجالكم ونسائكم - الأحرار، وأعِينوهم بالمال ليَعِفُّوا أنفسهم عن الحرام، ولا تُعَطِّلوا الزواجَ بطلب المهور الباهظة التي لا قدرةَ للرجال على تَحَمُّلها، فإنّ هذا لا يُرضي اللهَ تعالى، ﴿ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾: أي وكذلك زَوِّجوا الصالحين مِنعبيدكم وجَواريكم، ﴿ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ ﴾ يعني إن يَكُن الراغبون في الزواج للعِفّة فقراء، فلا تَرفضوهم بسبب فقرهم، فقد تَكَفّلَ اللهُ بغِناهم بعد تزويجهم بقوله: ﴿ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عَونهم - وذَكَرَ منهم - الناكح الذي يريد العفاف) (انظر حديث رقم: 3050 في صحيح الجامع)، ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ أي كثيرُ الخير، عظيمُ الفضل، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بحاجة المحتاجين. • الآية 33: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ﴾ يعني: والذين لا يَستطيعون الزواج - لعدم وجود مَن يَقبلهم بسبب فقرهم، أو لعدم وجود الزوجة المناسبة، أو غير ذلك مما يَمنعهم من الزواج - فعليهم أن يَعِفّوا أنفسهم عمَّا حَرَّمَ الله(وذلك بالصبر والصيام، وغض البصر، وبصرف الأفكار الرديئة التي تخطر بقلوبهم وغير ذلك) ﴿ حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بالمال اللازم للزواج، ﴿ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ يعني: والذين يريدون أن يَتحرروا - منالعبيد والجَواري - عن طريق مُكاتَبة أسيادهم (أي التعاقد معهم والاتّفاق على بعض المال)، بحيث يؤدونه إليهم مُقابل حريتهم: ﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾ أي: فعَلَى أسيادهم أنيُكاتبوهم على ذلك إنْ عَلِموا فيهم خيرًا (مِن رُشدٍ وقدرةٍ على الكسب والسداد، وصلاحٍ فيالدين)، ﴿ وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ ﴾ يعني: وعلى الأغنياء أن يُعينوهم بشيئٍ من الزكاةِ وغيرها لسداد هذا المال لأسيادهم، وكذلك على أسيادهم أن يَضَعوا عنهم شيئاً من شروط هذه المكاتبة، (واعلم أنه سبحانه قد رَغَّبَهم في إعطائهم بقوله: ﴿ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ ﴾ أي: فكما أنّ المال مالُ الله، إذاً فأحسِنوا لعباد الله، كما أحسن اللهُ إليكم). ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾: أي لا يَجوز لكم إكراه جَواريكم على الزنى طلبًا للمال (وكيف تفعلونَ ذلك وهُنّيُرِدْن العفة عن الحرام؟)، (واعلم أنه تعالى قال: ﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾ لأنه لا يُتصَوَّر إكراهها إلا بهذه الحال، وأما إذا لم تُرِدْ تَحَصُّناً فإنها تكون زانية، ويَجب على سيّدها مَنعها مِن ذلك)، ﴿ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ ﴾ على الزنى ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ ﴾ لهنّ ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهنّ (والإثمعلى مَن أكْرههنّ). • الآية 34: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ﴾ - أيها الناس - ﴿ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ﴾ أي آيات مُوَضِّحات للشرائع والأحكام والآداب ﴿ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ يعني: وَوَضَّحنا لكم قصصاًمن أخبار الأمم السابقة، مِمّا فيه عبرة لكم (كقصة يوسف وقصة مريم، وهما شَبيهتان بحادثة الإفك)، ﴿ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الذين يخافونَ عذاب الله تعالى، فيؤدوا أوامره ويَجتنبوا نواهيه، (واعلم أنّ الموعظة هي ما يَتَّعِظ به العبد فيَسلك به طريق النجاة). [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#142
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود الربع الثالث من سورة النور • الآية 35، والآية 36، والآية 37، والآية 38: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (يُخبِرُ تعالى أنه لولا نوره وهدايته لَمَا كان في الكون نورٌ ولا هداية، فهو سبحانه نور،وحجابه نور، وكتابه نور، وهدايته نور)، ﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾ - وهو الإيمان والقرآن في قلب المؤمن - ﴿ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ وهي العمود(أو القنديل)الذي يوضع فيه فتيلة المصباح (حتى يَجمع نور المصباح فلا يتفرق)،وهذا ﴿ الْمِصْبَاحُ ﴾ موضوعٌ ﴿ فِي زُجَاجَةٍ ﴾ (لأنها جسمٌ شفاف فتُظهِر الضوء)، وهذه ﴿ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا ﴾ - لصفائها - ﴿ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ أي كوكب مُضيء مُشرِق كالدُّر، ﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ يعني: والزيت الذي توقد به فتيلة المصباح قد أُحضِرَ من شجرةٍ مباركة (وهي شجرة الزيتون)، وموقع هذه الشجرة من البستان أنها: ﴿ لَا شَرْقِيَّةٍ ﴾ فقط (بحيث لا ترى الشمس إلا في الصباح)، ﴿ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾ فقط (بحيث لا ترى الشمس إلا في المساء)، بل هي في وسط البستان، حتى تصيبها الشمس في كامل النهار، فلذلك كان زيتها في غاية الجودة، ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا ﴾ من شدة صفائه ﴿ يُضِيءُ ﴾ أي يَشتعل من نفسه ﴿ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ (فإذا مَسَّتْه النار - لإشعال الفتيلة - أضاءَ إضاءةً بليغة). ♦ فهذا النور المجتمع في المصباح هو ﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ ﴾ أي نورٌ منإشراق الزيت على نور من إشعال النار، وقد اختلطت هذه الأنوار في الزجاجة التي في القنديل فصارت كأنوَر ما تكون، (فذلك مَثَل الهدى الذي يُضيء في قلب المؤمن، يكاد يَعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم: زاده هدىً على هدىً ونوراً على نور، وبرهاناً بعد برهان)، ﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾: أي يُوَفق اللهُ مَن يشاء لاتّباع كتابه (مِمّن عَلِمَ صِدقَ نيّته ورغبته في الإيمان)، ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ﴾ ليَفهموا ما يدعوهم إليه، ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (ومِن ذلك عِلمه بعباده وأحوال قلوبهم، ومَن يستحق الهداية منهم ومَن لا يَستحقها) (اللهم اهدنا ولا تُضِلّنا، وثبِّتنا على الحق حتى نَلقاك). ♦ وهذا النور الذي يَهدي اللهُ به عباده موجودٌ ﴿ فِي بُيُوتٍ ﴾ أي في مساجد ﴿ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ﴾: يعني أَمَرَ اللهُ أن يُرْفع شأنها وبناؤها، ﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ (بالأذان والإقامة والصلاة والتسبيح والدعاء وقراءة القرآن)، ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ﴾: أي يُصلِّيللهِ في هذه البيوت - في الصباح وفي المساء - ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ ﴾ أي لا تُشغِلهم ﴿ تِجَارَةٌ ﴾ أي شراء ﴿ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ (فألسنتهم وقلوبهم ذاكرةٌ غير غافلة) ﴿ وَ ﴾ لا تُشغِلهم دُنياهم عن ﴿ إِقَامِ الصَّلَاةِ ﴾ - في أوقاتها - بخشوعٍ وسكونٍ واطمئنان ﴿ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾ لمُستحقيها، ﴿ يَخَافُونَ يَوْمًا ﴾ وهو يوم القيامة، الذي ﴿ تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ ﴾ بين الرجاء في النجاةوالخوف من العذاب، ﴿ وَ ﴾ تتقلب فيه ﴿ الْأَبْصَارُ ﴾ فتنظر إلى أيّ مصيرٍ تكون؟ ♦ وقد فعل هؤلاء الصالحون ما فعلوه مِن الذِكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة - مُعْرِضين عن كل ما يُشغلهم عن عبادة ربهم - فتأهَّلوا بذلك للثواب العظيم ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ﴾: أي ليَجزيهم اللهُ على جميع أعمالهم بمِثل جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه في الدنيا، ﴿ وَيَزِيدَهُمْ ﴾ سبحانه ﴿ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بمضاعفة حسناتهم، ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ (أي بغير عدد ولا حَدّ)، بل يُعطيه مِنَ الأجر ما لا يَبلغه عمله، وذلك لِوَاسِع فضلِهِ سبحانه. • الآية 39: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ - بتوحيد ربهم - ﴿ أَعْمَالُهُمْ ﴾ التي ظنوها نافعة لهم (كصِلة الأرحام وفِداء الأسرى وغيرها) ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ﴾ وهو ما يُشاهَد كالماء على قاع الأرضالمستوية في الظهيرة، ﴿ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ ﴾ أي يَظنُّه العطشانُ ﴿ مَاءً ﴾ ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴾ (فكذلك الكافر: يظنأن أعماله تنفعه، فإذا كان يوم القيامة لم يجد لها ثوابًا) ﴿ وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ أي حاسبه على كل أعماله، وأعطاه جزاءه عليها كاملاً في جهنم، ﴿ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ فلا يَشغله سبحانه شيءٌ عن آخر، ولا يُتعِبُهُ إحصاءٌ ولا عدد (فما هي إلا لحظات ويكون الكافر في نار جهنم). • الآية 40: ﴿ أَوْ ﴾ مَثَلُ أعمالهم ﴿ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ﴾ أي في بحرٍ عميق ﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ﴾: أي يَعلوه موج، و﴿ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ﴾ آخر، و﴿ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ﴾ كثيف، ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ ﴿ إِذَا أَخْرَجَ ﴾ الناظر ﴿ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ من شدة الظلام (فكذلك الكافر: تراكمتْ عليه ظلمات الشرك والضلالوفساد الأعمال)، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا ﴾ - مِن كتابه وسُنّة نَبيِّه - ليَهتدي به ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ أي فماله مِن هادٍ يهديه من الضلال. • الآية 41: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾: يعني ألم تعلم - أيها النبي - ﴿ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (حتى الكافر فإنه - وإنْ لم يُسَبّح اللهَ بلسانه - فإنه يُسَبّحه بحاله، إذ يَشهد بفِطرته أنّ اللهَ سبحانه هو الخالق القادر)، ﴿ وَالطَّيْرُ ﴾ - بصفةٍ خاصة - تراها ﴿ صَافَّاتٍ ﴾ أي تَبسط أجنحتها في السماء لتُسَبِّح ربها (وهذه هي صفة تسبيح الطير)، ﴿ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾ أي: كل مخلوق قد أرشدهاللهُ كيف يُصَلّي له ويُسَبِّحه ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾، (فإذا امتنع المشركون عن توحيد الله وطاعته، فإنّ اللهَ تعالى غَنِيٌّ عن عبادتهم، إذ يُسَبِّح له الملكوت العُلوي والسُفلي). • الآية 42: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾: يعني وإليه سبحانه المَرجع يوم القيامة للحساب والجزاء. • الآية 43، والآية 44، والآية 45: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ﴾ أي يَسوقُ السحابَ إلى حيث يشاء ﴿ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾: أي يَجمع أجزاء السحاب بعدتفرقه ﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ﴾ أي يَجعله متراكمًا فوق بعض ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ ﴾ أي المطر ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾ أي مِن بين السحاب ليَحصل به الانتفاع، ﴿ وَيُنَزِّلُ ﴾ سبحانه ﴿ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾: أي يُنَزِّل من السحاب - الذي يشبهالجبال في عظمته - بَرَدًا (وهو حجارة بيضاء كالثلج) ﴿ فَيُصِيبُ بِهِ ﴾ أي بذلك البَرَد ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾ مِن عباده، ليُهلِك به زرعه (بسبب ذنوبه) ﴿ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ﴾ (بفضله ورحمته)، ﴿ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾: أي يكاد ضوء البرق في السحاب يَخطف أبصارالناظرينَ إليه مِن شدته. ♦ ثم وَضَّحَ سبحانه بعض دلائل قدرته، ليُبَيِّن لعباده أنه المُنفرد بالخلق والتدبير، وبأنه وحده المستحق للعبادة، فقال: ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ (وذلك بمَجيء أحدهما بعدالآخر، واختلافهما طُولا وقِصَرًا)، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾: يعني إنّ في ذلك لَدلالةً يَعتبر بها أصحاب البصائر على قدرة الله تعالى ووجوب توحيده، ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ﴾ أي مِن نُطفة (وهو ماء الذكَر) ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي ﴾ زحفًا ﴿ عَلَى بَطْنِهِ ﴾ (كالثعابين)، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ ﴾ (كالإنسان)، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ﴾ (كالبهائم)، ﴿ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ (إذْ بعض الحيوانات لها أكثر من أربع)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ أي قادرٌ على فِعل وإيجاد ما يريد، (ألاَ فاعبدوه وحده ولا تشركوا به). • الآية 46: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا ﴾ في هذا القرآن ﴿ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ﴾ أي علامات واضحات مُرشِدات إلى الحق، ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ أي يُوَفق من يشاء - مِمّن رَغِبَ في الهداية وطَلَبَها وسَلَكَ طُرُقها - إلى طريقٍ مستقيم، وهو الإسلام (اللهم اجعلنا مِن أهله فإنك قدير). • الآية 47: ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ أي يقول المنافقون - كَذِباً -: ﴿ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ﴾ ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّى ﴾ أي يُعرِض ﴿ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ﴾ بقلوبهم عن الإيمان بالله وآياته ورسوله ﴿ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ أي مِن بعد تصريحهم بالإيمان والطاعة ﴿ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾. • الآية 48، والآية 49، والآية 50: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ يعني: وإذا دُعوا - في خُصوماتهم - إلى ما في كتاب الله وإلى رسوله ﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾ ﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ أي يُعرضوا عن التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ يعني: وإن يكن الحق في جانبهم: ﴿ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾: أي يأتوا إلى النبي طائعينَمُنقادينَ لحُكمه (لعِلمهم أنه يقضي بالحق)،﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾: يعني هل سَبَبُ ذلك الإعراض ما في قلوبهم من مرض النفاق؟، ﴿ أَمِ ارْتَابُوا ﴾: يعني أم شَكُّوا في نُبُوّة محمد صلىالله عليه وسلم؟، ﴿ أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ﴾: يعني أم يخافونَ أن يكون حُكم اللهِ ورسوله غير عادل؟!، والجواب: (كلا إنهم لايخافون ذلك) ﴿ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ ﴾: يعني بل السبب أنهم هم الظالمون، لأنهم يَعلمون أنّ حُكم الرسول سيكون عادلاً، فلذلك يخافون أن يأخذ منهم ما ليس لهم فيه حقٌ، ويعطيه لخصومهم. • الآية 51: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ ﴾ يعني إلى كتاب الله ﴿ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾ في خُصوماتهم ﴿ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا ﴾ ما قيل لنا ﴿ وَأَطَعْنَا ﴾ مَن دَعانا إلىالتحاكم، وقَبِلنا حُكم رسولنا ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الفائزونَ بجنات النعيم. • الآية 52: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ في الأمر والنهي، ﴿ وَيَخْشَ اللَّهَ ﴾ أي يَخَافُ أن يُعاقبه اللهُ على ما مَضَى مِن عُمره في المعصية، ﴿ وَيَتَّقْهِ ﴾: أي يَحذر الوقوع في مَعصيته في المُستقبل: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ بالنجاة من النار ودخول الجنة. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#143
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود الربع الأخير من سورة النور • الآية 53: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ أي أقسَمَ المنافقون لك - أيها الرسول - بأغلظ الأيمانٍ بأنك ﴿ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ ﴾ بالخروج للجهاد معك ﴿ لَيَخْرُجُنَّ ﴾ ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ لَا تُقْسِمُوا ﴾ كَذِبًا، ﴿ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ﴾: أي فطاعتكم معروفة أنها باللسان فقط، ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ وسيُجازيكم على أعمالكم. • الآية 54: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - للناس: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني فإن تتولوا (والمعنى: فإن تُعرِضوا عن الطاعة وتَرفضوها): ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ ﴾: يعني فإنما على الرسول أن يَفعل ما أُمِرَ به مِن تبليغ الرسالة وبَيانها قولاً وعملاً، ﴿ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ﴾ أي: وعلى الجميع وجوب الانقياد والطاعة، والعمل بشرع اللهِ تعالى، ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ ﴾ صلى الله عليه وسلم ﴿ تَهْتَدُوا ﴾ إلى الحق، ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ أي البلاغ الواضح لرسالة ربه، وليس عليه هداية القلوب، لأنها بيد اللهِ وحده (إذاً فاطلبوها منه تعالى بصِدقٍ وتضرع). • الآية 55، والآية 56: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ بأنه سبحانه ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي سيُوَرِّثهم أرض المشركين ويَجعلهم خلفاء فيها بعد أن يَنصرهم عليهم ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾: يعني كما فعل ذلك مع مَن سَبَقوهم من المؤمنين، ﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾ يعني: وسيَجعل دينهم الذي ارتضاه لهم - وهو الإسلام - دينًا عزيزًا ذي مكانةٍ عالية (بأن يُظهِره على سائر الأديان، ويَحفظه من الزوال) ﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾: أي سوف يُبَدِّل سبحانه حالهم من الخوف إلى الأمن. ♦ واعلم أنّ هذه الآية قد نزلت بالمدينةِ والمسلمون خائفون، لا يَقدر أحدهم أن يَنام وسَيْفُهُ بعيدٌ عنه، وذلك بسبب شدة الخوف من الكافرين والمنافقين، حتى أنجز اللهُ لهم وَعْده، فنَصَرهم على أعدائهم واستخلفهم في أرضهم، وبَدَّلَهم بعد خوفهم أمناً، ولقد صَدَقَ النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لأصحابه - كما في صحيح البخاري -: (واللهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمر - أي الإسلام - حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حَضْرَمَوت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون). ♦ ثم وَضَّحَ سبحانه سبب نَصْره وتمكينه لهؤلاء المؤمنين فقال: ﴿ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ ﴿ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ أي بعد ذلك النصر والأمن والتمكين، وجَحَدَ نِعَم الله عليه ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ أي الخارجون عن طاعة الله تعالى. ♦ واعلم أنّ العبادة قد عرَّفها ابن تَيْمِيَة رحمه الله بأنها: (هي اسمٌ جامع لكل ما يُحبه اللهُ ويَرضاهُ من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة)، وعَرَّفها ابن القَيِّم رحمه الله بأنها: (هي كمال الحب مع كمال الذل). ♦ ثم وَضَّحَ لهم سبحانه أهم أركان هذه العبادة فقال: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ أي في أوقاتها (بخشوعٍ واطمئنان) ﴿ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ لمُستحقيها ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ أي ليَرحمكم الله تعالى في دُنياكم وآخرتكم فلا يُعَذبكم فيهما، (وفي هذا إشارة إلى أهمية السُنّة ووجوب اتّباعها وعدم التفريط فيها). • الآية 57: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ ﴾ أيها الرسول أنّ ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾ يعني إنهم لن يُعجزو اللهَ تعالى إذا حاولوا الهرب في الأرض، وإنه سبحانه قادرٌ على إهلاكهم في الدنيا قبل الآخرة (كما حدث ذلك في بدر) ﴿ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ﴾ أي: ومَرجعهم في الآخرة إلى النار ﴿ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾، (واعلم أنّ الآية تَحمل تصبيراً للنبي صلى الله عليه وسلم). • الآية 58: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ﴾ أي مُرُوا عبيدكم وجَواريكم والأطفال الأحرار الذين لم يَبلغوا سن الاحتلام أن يستأذنوا عند الدخول عليكم ﴿ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ﴾ وهي أوقات عوراتكم الثلاثة: ﴿ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ ﴾ لأنه وقت الخروج مِن ثياب النوم ولِبْس ثياب اليقظة، ﴿ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ ﴾ وهو وقت خلع الثياب في الظهيرة للاستراحة أو النوم، ﴿ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ﴾ لأنه وقت النوم، فهذه الأوقات هي ﴿ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ﴾ أي يَقِلّ فيها التَسَتُّر، و﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ﴾: يعني أمّا في غير هذه الأوقات فلا حرجَ عليهم ولا عليكم إذا دخلوا بغير إذن (لحاجتهم في الدخول عليكم)، لأنهم ﴿ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي يَدخلون ويَخرجون عليكم للخدمة، ﴿ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ أي: بعضكم لابد أن يدخل على بعض (فأنتم تدخلون عليهم لطلب حاجتكم، وهم يدخلون عليكم للخدمة)، فلذلك لا حرج عليكم في غير هذه الأوقات الثلاثة، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ ﴾ يعني: وكما بيَّن اللهُ لكم أحكام الاستئذان، فكذلك يُبَيِّن لكم الآيات المتضمنة للشرائع والأحكام والحُجَج والآداب، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بما يُصلِح خَلْقه، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تدبير أمورهم. • الآية 59: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ﴾ (وهو سن الاحتلام والتكليف بالأحكام الشرعية): ﴿ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ﴾ - إذا أرادوا الدخول عليكم - في كل الأوقات ﴿ كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ أي كما يَستأذن الكبار (لأنهم أصبحوا مُكَلَّفين مِثلهم)، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ ﴾ المتضمنة لأحكامه وشرائعه ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بما يَحتاجه خَلْقه، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تشريعاته لهم، (لِذا فعَلَى عباده أن يُطيعوه فيما يأمرهم به ويَنهاهم عنه). • الآية 60: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا ﴾ يعني: والعجائز من النساء اللاتي قَعَدنَ - أي يَئِسنَ - من الزواج والحمل والحيض لكِبَر سِنِّهِنّ (فلا يَرغبنَ في الرجال للزواج، وكذلك لا يَرغب فيهنّ الرجال) ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ ﴾: أي فليس على هؤلاء النساء إثم في ﴿ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾ أي يَتخَففنَ مِن بعض ثيابهنّ الظاهرة (كالعَباءة التي تكون فوق الثياب، والقناع الذي فوق الوجه، والخمار الذي فوق حجاب الرأس)، بشرط أن يَكُنّ ﴿ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ﴾: يعني غير مُظهِراتٍ للزينة (كالثياب الضيقة أو الشفافة، أو وَضْع الكُحل والعِطر وما يُعرَف بـ "أحمر الشفتين"، وغير ذلك مما هو زينة يَجب سِتره)، ﴿ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ﴾ يعني: ولُبْسهن لهذه الثياب - سِترًا وتعففًا - أمام غير المحارم: أحسن لهنّ. ♦ وقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ فيه تحذيرٌ لهؤلاء القواعد من التوسع في الرخصة التي أباحها اللهُ لهنّ، أو جَعْلها وسيلة لما لا يحُمَد عُقباه، فلَفْظ (السميع) لتذكيرهنّ بأنه سبحانه يَسمع ترقيق أصواتهنّ أمام الرجال، وكذلك يَسمع ما تحدثهنّ به أنفسهنّ من المقاصد والنوايا، ولَفْظ (العليم) لتذكيرهنّ بأنه سبحانه يَعلم أحوال وضعهنّ للثياب وتبرجهنّ وغير ذلك. • الآية 61: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾: أي ليس على أصحاب هذه الأعذار إثم ولا حرج في الأكل مِن بيوت المسلمين (لأنهم غير قادرين على التَكَسُّب)، وكذلك لا حرج عليهم في الأكل مع الأصِحَّاء، (وذلك لأن أصحاب الأعذار شعروا بالحرج من الأكل مع الأصِحَّاء، خوفاً من أن يكون الأصِحَّاء يَتَأذّون منهم فآلَمَهُم ذلك، فأنزل اللهُ هذه الآية ليَرفع الحرج عنهم)، ﴿ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ - أيها المؤمنون - حرجٌ في ﴿ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ ﴾ ﴿ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ ﴾: يعني أو أن تأكلوا من البيوت التي وُكِّلْتم بحِفظها في غياب أصحابها، ﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾: يعني أو أن تأكلوا من بيوت الأصدقاء، و﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾: أي لا حرج عليكم أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين (يعني: كل واحد بمفرده)، إذ كان بعضهم يَتحرج من الأكل بمفرده. ♦ واعلم أنه لا ينبغي أن يُفهم مِن كلمة: (مجتمعِين) أن يأكل النساء مع رجالٍ غير أزواجهنّ ومَحارمهنّ، فإنّ هذا لا يَجُوز، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾)، ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا ﴾ - مسكونة أو غير مسكونة - ﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي: فليُسَلِّم بعضكم على بعضٍ بتحية الإسلام، وهي: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، (أو: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (إذا لم يوجد فيها أحد). ♦ وقد كانت هذه التحية التي شرعها اللهُ لكم ﴿ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ لأنه هو الذي شَرَعها وأمَرَ بها، ﴿ مُبَارَكَةً ﴾ أي تعود بالنفع والخير على الجميع، ﴿ طَيِّبَةً ﴾ أي محبوبة للسامع، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ ﴾ والأحكام ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ أي لتعقلوا هذه الآيات وتعملوا بها. ♦ واعلم أنه قد ثَبَتَ في صحيح مُسلِم دعاء دخول المَنزل، وهو أن يقول المؤمن: "اللهم إني أسألك خير المَوْلَج - (أي: خير المَدخل) - وخير المَخرج، بسم الله وَلَجنا - (أي: دَخَلنا) - وبسم الله خَرَجنا وعلى الله ربنا توكلنا"، ثم يُسَلّم على أهله. • الآية 62: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ حقًا هم ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ ﴿ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾: يعني إذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على أمرٍ جَمَعَهم له في مصلحة المسلمين: ﴿ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾: أي لم يَنصرف أحدٌ منهم حتى يَستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ حقًا، ﴿ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ﴾ أي لأجل بعض حاجتهم ﴿ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ أي ائذَن لمن طلب الانصراف لعذر، ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ﴾ لأنّ عُذرهم قد يكون غير مُبيحٍ للاستئذان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لذنوب عباده التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم. • الآية 63: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ يعني: لا تقولوا - أيها المؤمنون - عند ندائكم لرسول الله: يا محمد، كما تنادونَ بعضكم، ولكن شرِّفوه، وقولوا: (يا رسول الله)، ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ ﴾ المنافقين ﴿ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ ﴾ ليَخرجوا من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذنه ﴿ لِوَاذًا ﴾ أي يَستر بعضهم بعضاً، ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ صلى الله عليه وسلم ﴿ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي تَنزل بهم مِحنة وشر أو أن يُضِلّ اللهُ قلوبهم فيَكفروا ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في الآخرة، (وفي هذا دليل على أنّ المتجرىء على الاستهانة بسُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم يُخشَى عليه مِن سُوء الخاتمة). • الآية 64: ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ - خَلقاً ومُلكاً وتصرُّفاً وتدبيراً - فهو سبحانه يتصرف كما يشاء، ويَحكم ما يريد (ومِن ذلك أمْرُهُ تعالى بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحذير من مخالفة أمْره)، ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ﴾: أي قد أحاط عِلْمه سبحانه بجميع ما أنتم عليه، ﴿ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ ﴾أي جميع الخلق يوم القيامة ﴿ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ﴾ ويُجازيهم على أعمالهم ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. ♦ واعلم أنّ كلمة: (قد) المذكورة في قوله تعالى: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ﴾، وفي قوله تعالى: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ ﴾ جاءت هنا للتأكيد والتقرير، إذ هي تأتي أحياناً للتقليل، وتأتي أحياناً للتكثير. * وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#144
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟ * الربع الأول من سورة الفرقان رامي حنفي محمود الآية 1، والآية 2: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ﴾: أي عَظُمَتْ بركات الله تعالى، وكَثُرَتْ خيراته، فهو الذي نَزَّلَ القرآن الفارق بين الحق والباطل ﴿ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ أي ليكون مُخَوِّفًا للإنس والجن من عذاب اللهِ ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ - لغِناهُ سبحانه عن ذلك - ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ أي أعطى كل مخلوق ما يُناسبه من الخَلق، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ﴾ أي أعطاهُ خَلْقه اللائق به على أحسن صُنعٍ ﴿ ثُمَّ هَدَى ﴾ يعني أرشَدَ كل مخلوق إلى الانتفاع بما خَلَقَه له. الآية 3: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا ﴾: أي اتّخذ المشركون معبوداتٍ باطلة لا تستطيع أن تخلق شيئاً (وإنْ صَغُر)، ﴿ وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ يعني: بل هي مصنوعةٌ مِن حجارة، فكيف إذاً يَعبدونها؟!، ﴿ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ (فكيف لها أن تَنفع عابِدِيها أو تَضُرّ مَن لم يَعبدها؟!)، ﴿ وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾: أي لا تستطيع هذه المعبودات أن تَسلب حياة المخلوقات، أو أن تُوجِدهم من العدم، أو أن تُطِيلَ أعمارهم حينَ يأتي أجَلهم، أو أن تبعثهم أحياءً من قبورهم. الآية 4: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ ﴾ أي ما هذا القرآن إلا كَذِبٌ اختلقه محمد ﴿ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ ﴾ ﴿ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ﴾ أي لقد ارتكبوا ظلمًا فظيعًا، وقالوا كذباً قبيحاً؛ فالقرآن لا يستطيع أن يقوله بَشَر (وهُم يَعلمونَ هذا لأنهم أبلغ البشر). الآية 5، والآية 6: ﴿ وَقَالُوا ﴾ عن القرآن: ﴿ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا ﴾ أي قصص الأولين المُسَطَّرة في كُتُبهم، وقد نَقَلَها محمدٌ منهم ﴿ فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾: أي فهي تُقْرَأ عليه صباحًا ومساءً، فرَدّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: يعني إنّ الذي أنزل القرآن هو اللهُ الذي أحاطَ عِلْمه بما في السماوات والأرض، ويَعلم ما يُسِرُّون وما يُعلنون، ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا ﴾ لمن تاب من الشِرك به وجحود رسالته، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بهم حيث لم يُعاجلهم بالعقوبة، (فلولا أنّ رحمته سبقتْ غضبه لأَهلَكَ مَن كَفَرَ به). ♦ ويُذَكِّرني قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ بقول البرُوفِيسُور "يوشيودي كوزان" (مُدير مَرصَد طُوكيُو): (إنَّ هذا القرآن يَصِفُ الكونَ مِن أعلى نقطةٍ في الوجود، فكل شيء أمامه مكشوف، إنَّ الذي قال هذا القرآنَ يرى كل شيء في هذا الكون، فليس هناك شيءٌ قد خَفِيَ عليه). من الآية 7 إلى الآية 9: ﴿ وَقَالُوا ﴾: ﴿ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ﴾ يعني: ما لهذا الذي يَزعم أنه رسول (يَقصدون محمدًا صلى الله عليه وسلم) يأكل الطعام مِثلنا ﴿ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ لطلب الرزق؟ ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ﴾ يعني: هَلاّ أرسَلَ اللهُ معه مَلَكًا ليَشهد على صِدقه، ﴿ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ ﴾ من السماء ﴿ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ ﴾ أي حديقة عظيمة ﴿ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾ لتكون دليلاً على اعتناء الله به؟، ﴿ وَقَالَ الظَّالِمُونَ ﴾ أي قال السادة لِمَتبُوعيهم: ﴿ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ﴾ أي: ما تَتَّبعونَ إلا رَجُلاً قد أصابه السِحرُ فأصبح مَخدوعاً به، فلا تتأثروا بكلامه ولا تلتفتوا إليه. ﴿ انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ ﴾: أي تَعَجَّبْ أيها الرسول مِن قولهم عنك بأنك ساحر، حتى يُلقوا الشُكوك حولك، باحثينَ بذلك عن طريقٍ يُخَلِّصهم مِن دعوة التوحيد، ولكنهم لن يستطيعوا، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَضَلُّوا ﴾ أي ضَلُّوا عن طريق الحق بسبب هذه الأقوال الكاذبة ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ﴾ أي: فلا يَجدونَ طريقاً يَرجعونَ به إلى الحق الذي تَرَكوه، أو يَتمكنوا به مِن صَرْف الناس عن دَعْوَتك (والذي أَوْقعهم في ذلك كِبْرهم وعِنادهم). من الآية 10 إلى الآية 14: ﴿ تَبَارَكَ ﴾ اللهُ العظيم ﴿ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ ﴾ الذي يَطلبونه منك، إذ لو شاء سبحانه لَجَعَلَ لك في الدنيا ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق كثيرة ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ ﴿ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ﴾ عظيمة، ولكنه سبحانه لم يَشأ ذلك في الدنيا، لأنها دارُ عمل، وليست دارُ جزاء وراحة ونعيم، والخير فيما يشاؤه سبحانه. ♦ وما كَذَّبوك لأنك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق ﴿ بَلْ كَذَّبُوا ﴾ - عِناداً - ﴿ بِالسَّاعَةِ ﴾ التي تقوم فيها القيامة، ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ﴾ أي نارًا حارة تُوقَد عليهم وتَغلي بهم، و﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ ﴾ هذه النار يوم القيامة ﴿ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾: ﴿ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ﴾ أي سمعوا صوت غليانها وغَيظها منهم، ﴿ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا ﴾: يعني إذا أُلقوا في مكانٍ شديد الضِيق من جهنم، ﴿ مُقَرَّنِينَ ﴾ يعني: وقد قُيِّدَت أيديهم بالسلاسل إلى أعناقهم: ﴿ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ﴾: أي دَعَوْا على أنفسهم بالهلاك للخَلاص من ذلك العذاب، فحينئذٍ يُقالُ لهم تيئيسًا وتحسيراً: ﴿ لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ﴾ أي لا تَدْعوا اليوم بالهلاك مرة واحدة، بل ادعوا مراتٍ كثيرة، فإنه لا خَلاصَ لكم. الآية 15، والآية 16: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ أَذَلِكَ ﴾ يعني أهذه النار التي وُصِفتْ لكم ﴿ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ ﴾ يعني أم جنة النعيم الدائم ﴿ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ أي التي وَعَدَ اللهُ بها الخائفين من عذابه، ﴿ كَانَتْ ﴾ الجنة ﴿ لَهُمْ جَزَاءً ﴾ على أعمالهم، ﴿ وَمَصِيرًا ﴾ يَرجعون إليه في الآخرة، ﴿ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ﴾ مِن كل ما تشتهيه أنفسهم مِمَّا لَذَّ وطابَ من المطاعم والمشارب والملابس والمراكب وغير ذلك مِمَّا لم يَخطر على قلب بَشَر، (وهذا هو مُنتهَى الإكرام، إذ كَون العبد يَجد كل ما يَشتهي، هو نعيمٌ ليس بعده نعيم)، ﴿ خَالِدِينَ ﴾ أي متاعهم فيها دائم، ﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ﴾ أي كان دخولهم الجنة وعدًا مسؤولاً على ربك - أيها الرسول - يسأله عليه عباده المتقون يوم القيامة قائلين: ﴿ رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾، والملائكة تقول: ﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ ﴾، فيُنجز اللهُ لهم وعده، والله لا يُخلف الميعاد. الآية 17: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ ﴾ أي اذكر أيها الرسول يوم يَحشر الله المشركين مع آلهتهم التي كانوا يَعبدونها ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ كالملائكة والأنبياء والأولياء والجن ﴿ فَيَقُولُ ﴾ اللهُ لهؤلاء - الذين عَبَدهم المشركون -: ﴿ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ ﴾ عن طريق الحق، وأمَرتموهم بعبادتكم؟، ﴿ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ﴾ يعني: أم هم الذين ضَلّوا طريق الحق فعبدوكم مِن عند أنفسهم؟ (واعلم أنّ هذا الاستفهام غرضه التقرير والشهادة على المشركين). الآية 18، والآية 19: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال المعبودون من دون الله: ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ أي تنزيهًا لك يا ربنا عَمَّا فعل هؤلاء، فـ ﴿ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ ﴾ أي لا يَصِحُّ أن نَتَّخِذ تابعينَ لنا نأمرهم بعبادتنا وترْك عبادتك ﴿ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ ﴾ بطول الأعمار وسعة الأرزاق، فانغمسوا في الشهوات والمَلَذّات ﴿ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ ﴾ أي حتى نَسوا ذِكْرك وعبادتك وما جاءتهم به رُسُلك، ﴿ وَكَانُوا ﴾ بذلك ﴿ قَوْمًا بُورًا ﴾ أي قومًا هالكينَ خاسرين، فحينئذٍ يُقال للمشركين: ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ ﴾: أي لقد كَذَّبكم الذين عبدتموهم في ادِّعائكم عليهم، ﴿ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا ﴾: أي فها أنتم الآن لا تستطيعون دَفْعًا للعذاب عن أنفسكم، ﴿ وَلَا نَصْرًا ﴾ أي: ولا تجدون مَن يَنصركم فيَمنع عنكم العذاب، ﴿ وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ ﴾ أيها الناس، بأن يُشرِك بربه - فيَعبد غيره ويَمُت على ذلك -: ﴿ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ﴾ أي نُعَذّبه عذابًا شديدًا في جهنم. الآية 20: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ ﴾ - أيها الرسول - أحدًا ﴿ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ﴾ مِثلك ﴿ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ إذاً فلا تهتم بقول المشركين لك: (ما لهذا الرسول يأكل الطعام)، فإنهم يَعرفون ذلك ولكنهم يُعاندون، ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ ﴾ - أيها الناس- ﴿ فِتْنَةً ﴾ أي ابتلاءً واختبارًا بالغِنى والفقر، والصحة والمرض وغير ذلك (فالفقير يقول: ما لي لا أكون كالغني؟، والمريض يقول: مالي لا أكون كالصحيح؟، وكذلك فإنّ الغني مُبتلَى بإعطاء الفقير، وهكذا). ﴿ أَتَصْبِرُونَ ﴾ يعني: هل تصبرون على هذه الابتلاءات، وتصبرون على القيام بما أوجبه الله عليكم أو لا تصبرون؟، (واعلم أنّ هذا الاستفهام غرضه الحث على الصبر والأمر به، فهو مِثل قوله تعالى - عندما حَرَّم الخمر والميسر -: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾؟ أي: انتهوا عمَّا حرّم الله)، ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ بمن يَسخَط أو يصبر، وبمن يَكفر أو يَشكر، فيَجزي الصابرين أجرهم بغير حساب، ويَجزي الساخطين بما يَستحقون من العذاب. ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ يَحمل تصبيراً للرسول صلى عليه وسلم والمؤمنين، مِن أجل ما يُلاقونه مِن عِناد المشركين وأذاهم. * وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#145
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟ * رامي حنفي محمود تفسير الربع الثاني من سورة الفرقان الآية 21: ﴿ وَقَالَ ﴾ المُكَذِّبون ﴿ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ﴾ أي الذين لا ينتظرون لقائنا في الآخرة (لأنهم لا يؤمنون بذلك): ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ ﴾ يعني: هَلاَّ أنزل اللهُ علينا الملائكة، لتُخْبِرنا بأنّ محمدًا صادق ﴿ أَوْ نَرَى رَبَّنَا ﴾ فيُخبرنا بصدق رسالته. ♦ ثم وَضّحَ سبحانه سبب جُرأتهم على هذا القول بقوله: ﴿ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ يعني إنهم أخفوا التكبر عن قبول الحق في أنفسهم المغرورة، فلذلك لجؤوا لتلك المَطالب على سبيل العِناد ﴿ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾ أي تجاوزوا الحدَّ في طغيانهم وكُفرهم. الآية 22: ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ ﴾ - عند الاحتضار، وفي القبر، وفي القيامة - ولكنْ ﴿ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ ﴾: أي لن تبشرهم الملائكة بالجنة، بل ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ لهم: ﴿ حِجْرًا مَحْجُورًا ﴾: أي حرامًا مُحَرمًا عليكم أن تدخلوا الجنة، (واعلم أنّ كلمة (مَحجورًا) هي صفة مؤكِّدة للمعنى). الآية 23: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ﴾ مِن أعمال الخير والبر - كَصِلة الرحم وإطعام الطعام وفَكّ الأَسرَى وغير ذلك - ﴿ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ (وهو الغبار الخفيف الذي يُرَى في ضوء الشمس)، وذلك لأن العمل لا ينفع في الآخرة إلا إذا توفرت في صاحبه هذه الشروط: (الإسلام، وإخلاص العمل لله وحده، واتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم). الآية 24: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم القيامة ﴿ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ﴾ من أهل النار ﴿ وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ أي أحسن منزلاً في الجنة، (فراحتهم تامة، ونعيمهم لا يُكَدَّر، وسعادتهم لا تَنقص). ♦ وهنا قد يقول قائل: كيف وَصَفَ اللهُ الجنة بأنها ﴿ أَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ أي مِن النار، ولا خيرَ أصلاً في النار حتى تُقارَن بالجنة؟ • والجواب: أنّ هذا من باب قول العرب: (الشقاء أحب إليك أم السعادة؟) وقد عُلِمَ أن السعادة أحَبُّ إليه. الآية 25: ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ﴾: أي اذكر أيها الرسول يوم القيامة، حينَ تتشقق السماء، ويَظهر من فتحاتها السحاب الأبيض الرقيق الذي يُشبه الضباب، ﴿ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ﴾ من السموات، حتى يُحيطوا بالخلائق في أرض المَحشر، ويأتي اللهُ تبارك وتعالى لفصل القضاء بين العباد، إتيانًا يليق بجلاله وكماله. الآية 26: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ﴾ يعني: المُلْك الحق في هذا اليوم يكونُ للرحمن وحده دونَ غيره، (إذ لم يَبقَ لملوك الأرض شيء من المُلك)، ﴿ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ أي صعبًا شديدًا (لِما فيه من العذاب والأهوال)، (ويُفهَم مِن ذلك أن هذا اليوم يكونُ على المؤمنين غيرَ عسير، بل يكونُ سهلًا خفيفًا عليهم). الآية 27، والآية 28، والآية 29: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ (نَدَمًا وحسرةً على ما قَدَّمَ في حق الله تعالى)، فـ ﴿ يَقُولُ ﴾: ﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ يعني: يا ليتني اتَّبعتُ الرسولَ محمدًا صلى الله عليه وسلم، واتّخذتُ الإسلام طريقًا إلى الجنة، ثم يَتحسَّر قائلاً: ﴿ يَا وَيْلَتَى ﴾ يعني: يا هَلاكِي (والمقصود أنه يَدعو على نفسه بالهلاك والموت، لمُشاهدته لعَظائم الأهوال وما يَنتظره من أصناف العذاب)، ويقول: يا ﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ ﴾ الكافر ﴿ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ أي صديقًا أتَّبعه وأُحِبُّه، فـ ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ ﴾ أي عن القرآن وما فيه من الهدى ﴿ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ من ربي، ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ أي يَخذله عند حاجته إليه (والمقصود أنه يُوَرِّطه ثم يتخلى عنه)، (وفي هذه الآيات تحذير من مصاحبة صديق السوء، فإنه يؤدي بصاحبه إلى النار). ♦ واعلم أنّ في هذه الآيات دليل على أنّ العِبرة في القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن الآية نزلتْ في "عُقبة بن أبي مُعَيْط" عندما أسلم، ثم لامَهُ صديقه المُشرِك "أُبَيّ بن خَلَف" على إسلامه، فأطاعه "عُقبة" وارتد عن الإسلام، فهو النادم المتحسر في الآية، ومع هذا فإن الله قال: ﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾، ولم يَذكر اسم "أُبَيّ بن خَلَف"، لتَبقى الآية على عمومها في كل زمان. الآية 30: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ ﴾ - شاكيًا لربه ما صَنَعَ قومه -: ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا ﴾ أي هَجَروا القرآن، وتركوا تدبُّره والعمل به وتبليغه، (وفي الآية تخويف عظيم لمن هَجَرَ القرآن ولم يَعمل به). الآية 31: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ يعني: وكما جعلنا لك - أيها الرسول - أعداءً مِن مُجرِمي قومك، فكذلك جعلنا لكل نبيٍّ عدوًّا مِن مُجرِمي قومه، فاصبر كما صَبَرَ هؤلاء الأنبياء ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا ﴾ إلى طريق الفوز والنجاة ﴿ وَنَصِيرًا ﴾ لك على أعدائك، (وفي هذا تصبير للنبي صلى الله عليه وسلم على ما يُلاقيه مِن أذى قومه). الآية 32: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ يعني: هَلَّا أُنزِلَ القرآن على محمد دُفعةً واحدة (كما نَزَلت التوراة والإنجيل)، فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ يعني كذلك أنزلناه آية بعد آية - بحسب الحوادث والأحوال - ﴿ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾: أي لنُقَوِّي به قلبك أيها الرسول، حتى تتحمل أعباء الرسالة، وتزداد به طمأنينةً أنت وأصحابك، (إذ كلما نَزَلَ قرآن: ازدادَ المؤمنون إيمانًا، فقلوبهم تحيا بالقرآن، كما تحيا الأرض بالمطر)، ﴿ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾: أي قرأناه عليك في تمَهُّل، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: أنّ اللهَ أنزله مُرَتَّلًا (أي شيئًا بعد شيء)، ليَتيَسَّر حِفظه وفَهمه والعمل به). الآية 33، والآية 34: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ﴾ أي: لا يأتيك المشركون بشُبهةٍ معينة أو اقتراح معين - كقولهم: (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟)، وقولهم: (لولا نُزِّلَ عليه القرآن جُملةً واحدة) - ﴿ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾: يعني إلا جئناك بالجواب الحق - الذي يَقطع حُجَّتهم - وبأحسن بيان له، (وهذا أحد أسباب نزول القرآن شيئًا بعد شيء، أنهم كلما شَكَّكوا في شيء، يَنزل القرآن بإبطال شُبهتهم، وإقامة الحُجة عليهم). ♦ أولئك المشركون هم ﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ ﴾ أي تَسحبهم الملائكة على وجوههم ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾، و﴿ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ أي: هُم شَرُّ الناسِ مَنزلةً ﴿ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ يعني: وهُم أبعد الناس عن طريق الحق. الآية 35، والآية 36: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ وهو التوراة ﴿ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا ﴾ أي جَعَلناهُ مُعِينًا له على تبليغ الرسالة، (والمقصود مِن أنّ هارون وزير أي يَشُدّ أَزْر موسى (يعني يُقوِّيه ويَتحمل معه أعباء الدعوة))، ﴿ فَقُلْنَا ﴾ لهما: ﴿ اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾ (وهُم فرعون وقومه) الذين كذَّبوا بأدلة توحيد الله تعالى التي جاءهم بها يوسف عليه السلام، (كما قال تعالى - حِكايةً عن مؤمن آل فرعون -: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ﴾، فذَهَب موسى وهارون إليهم فكذَّبوهما أيضًا ﴿ فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا ﴾ أي تدميرًا عظيمًا، حيثُ أغرقناهم جميعًا في البحر. الآية 37: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ ﴾ أي لَمَّا كذبوا نوحًا عليه السلام؛ (لأن مَن كَذَّبَ رسولاً فقد كَذّبَ الرسُل جميعًا، إذ دعوتهم واحدة وهي التوحيد)، فحينئذٍ ﴿ أَغْرَقْنَاهُمْ ﴾ بالطوفان ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً ﴾ أي عِبرة عظيمة على إهلاك المشركين وإنجاء المُوَحِّدين، ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ ﴾ أي أعَدَّ اللهُ للمشركينَ الظالمين ﴿ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ في جهنم. الآية 38: ﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ ﴾ أهلكناهم عندما كذَّبوا رُسُلهم ﴿ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ ﴾ (وهُم أصحاب البئر الذين قتلوا نَبِيَّهم وألقوه في البئر فأهلكناهم)، ﴿ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ﴾ يعني: وأهلكنا أممًا كثيرة - بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب البئر - لا يَعلمهم إلا الله. الآية 39: ﴿ وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ﴾ يعني: وكل الأمم قد وضَّحنا لهم الأدلة والبراهين، ومع ذلك لم يؤمنوا، ﴿ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ﴾: أي أهلكناهم بالعذاب إهلاكًا عظيمًا. الآية 40: ﴿ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ﴾: أي لقد كان مُشرِكو "مكة" يَمُرُّون في أسفارهم على قرية قوم لوط التي أُهلِكَت بالحجارة من السماء، ﴿ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا ﴾؟! (بلى لقد رأوها)، ﴿ بَلْ ﴾ مَنَعهم من الاعتبار بها أنهم ﴿ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ﴾ أي كانوا لا يَنتظرون مَعادًا يوم القيامة يُجازون فيه على أعمالهم، فلذلك لم تنفعهم المواعظ ولم تؤثر فيهم العِبَر. الآية 41، والآية 42: ﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا ﴾ يعني: إذا رآك هؤلاء المشركون - أيها الرسول - استهزؤوا بك قائلين: ﴿ أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴾ يعني: أهذا الذي يَزعم أن الله بعثه رسولًا إلينا؟ ﴿ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا ﴾ أي لقد قارَبَ أن يَصرفنا عن عبادة أصنامنا بقوة حُجَّته وبيانه ﴿ لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ يعني: لولا أننا ثَبَتْنا على عبادتها، ﴿ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ في الآخرة: ﴿ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ يعني مَن أضَلُّ دينًا؟ أهُم أم محمد صلى الله عليه وسلم؟ الآية 43، والآية 44: ﴿ أَرَأَيْتَ ﴾ أيها الرسول ﴿ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ أي جَعَل طاعته لهواه كطاعة المؤمن لله ﴿ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ حتى تردَّه إلى الإيمان؟! ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ ﴾ القرآنَ سَماعَ تدبُّر ﴿ أَوْ يَعْقِلُونَ ﴾ أي يَتفكرونَ فيه ليَهتدوا؟! ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾ أي: ما هم إلا كالبهائم في عدم الانتفاع بما يسمعونه ﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ يعني: بل هم أضَلُّ طريقًا منها؛ (لأن الأنعام تعرف طريق مَرعاها وتستجيب لنداء راعيها، أما هم فقد جَهلوا ربهم الحق، ولم يستجيبوا لنداء رسوله). الآية 45، والآية 46: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ ﴾ يعني ألم تَرَ إلى صَنِيعِ ربك ﴿ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ﴾ أي مَدَّهُ في الكون (منذ طلوع الفجر إلى شروق الشمس)؟ ﴿ وَلَوْ شَاءَ ﴾ سبحانه ﴿ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ﴾ أي ثابتًا مستقرًّا لا تزيله الشمس، ولكنه جعل أحواله متغيرة (لتُعرَف به ساعات النهار وأوقات الصلوات، وغير ذلك من مصالح العباد)، ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾ أي جعلنا الشمس علامة على وجوده (إذ لولا الشمس: ما عُرِفَ الظل)، ﴿ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴾ أي أزَلنا الظل شيئًا فشيئًا بضوء الشمس (إذ كلما ازداد ارتفاع الشمس:ازداد نقصان الظل، حتى يَنتهي ويَحِل مَحَلَّه الظلام)، (وهذا من الأدلة على قدرة الله تعالى وحِكمته، وعنايته بمصالح خلقه، وأنه وحده الذي يَستحق أن يَعبدوه). ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا ﴾ فيه تشبيهٌ للظل بثوبٍ بَسَطَه صاحبه ثم طَواهُ، فسبحان الخَلاَّق القدير. الآية 47: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾ أي ساترًا يَستركم بظلامه (كما تَستركم الثياب)، ﴿ وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ﴾ أي جعل سبحانه النوم راحةً لأبدانكم ﴿ وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ أي جعل النهار لتنتشروا في الأرض، وتسعوا في طلب رزقكم. ♦ واعلم أنّ المقصود بوصف النهار بالنشور (وهو البَعث) - أنَّ الله جعل النهارَ حياةً بعد وفاة النوم (إذ النوم بالليل كالموت، والانتشار بالنهار كالبعث)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا استيقظ مِن نومه: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور". الآية 48، والآية 49: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ ﴾ (التي تحمل السحاب)، لتكونَ ﴿ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ أي لتُبَشِّر الناس بالمطر (رحمةً منه سبحانه)، ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾، (والماء الطهور هو الماء الطاهر الذي يَتطهر به الناس من النجاسات)، وقد أنزلناهُ ﴿ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ﴾: أي لنُخرج به النبات في مكانٍ يابس ميت، ﴿ وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ أي: ولِنُسْقي بذلك الماء كثيرًا مِمّن خَلَقنا من الحيوانات والناس، (ففي إنزال اللهِ للماء، وفي هداية خَلقه لتناوله، وفي إحياء الأرض المَيتة به، دليلٌ على استحقاق الله وحده للعبادة، وأنه القادرُ على بَعث الخلائق بعد موتهم). الآية 50: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ﴾ أي أنزلنا المطر على أرضٍ دونَ أخرى ﴿ لِيَذَّكَّرُوا ﴾ أي ليَتذكر الذين أنزلنا عليهم المطر نعمة الله عليهم فيشكروه، وليَتذكر الذين مُنِعوا المطر مَعصيتهم، فيُسارعوا بالتوبة إلى ربهم، ليَرحمهم ويَسقيهم، ﴿ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ أي فلم يَقبل أكثر الناس إلا الجحود بنعمنا عليهم، كقولهم: (مُطِرْنا بفضل كوكب كذا وكذا). الآية 51، والآية 52: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا ﴾ (يَدعوهم إلى توحيد ربهم ويُنذرهم عذابه)، ولكننا جعلناك - أيها الرسول - مَبعوثًا إلى جميع أهل الأرض، وأَمَرناك أن تُبلغهم هذا القرآن،﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ ﴾ في ترْك شيءٍ مِمّا أرسلناك به، بل ابذل كل جهدك فيتبليغ الرسالة ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾ أي بهذا القرآن وما فيه من الحُجَج والأدلة ﴿ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأن ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#146
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة الفرقان • الآية 53: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ أي خَلَطَ البحرين (يعني جَعَلهما يجريان معًا في مكانٍ واحد)، فـ ﴿ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ أي عذبٌ سائغٌ شُربه، ﴿ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ أي شديد الملوحة لا يُشرَب، ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا ﴾ أي حاجزًا يَمنع كل واحدٍ منهما من إفساد الآخر (رغم أنهما مختلطان)، ﴿ وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾: أي: وحرامًا مُحَرَّمًا أن يَصلأحدهما إلى الآخر. • الآية 54، والآية 55: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ ﴾ أي خَلَقَ مِن مَنِيِّ الرجل: ﴿ بَشَرًا ﴾ (ذكورًا وإناثًا) ﴿ فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾ أي: فنَشَأ مِن هذا البَشَرقَرابة النَسَب وقَرابة المُصاهَرة (بالزواج)، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: أنه سبحانه أنشأ من هذه النُطفة: ذَكَرًا وأنثى، فالذكَر يُنسَب إليه الأبناء، والأنثى يُصهَر إليها (أي يُتزوَّج منها لتُنجِب الأبناء)، ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ على خَلق ما يشاء، (واعلم أن أصهار الرجل هم أقارب زوجته). ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ يعني: ورغم هذه الأدلة على قدرة الله وإنعامه على خلقه، فإن الكفار يَعبدون من دون اللهِ ﴿ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ إنْ عَبَدوه، ﴿ وَلَا يَضُرُّهُمْ ﴾ إنْ تَرَكوا عبادته، ﴿ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ﴾ أي مُعِينًا للشيطان على معصية الرحمن. • الآية 56، والآية 57: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ إِلَّا مُبَشِّرًا ﴾ للمؤمنين بالجنة ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ للكافرينمن النار، أما هداية القلوب فهي إلى الله وحده، (إذ يَهدي سبحانه مَن طَلَبَ الهداية بصِدق، وسَعَى في تحصيل أسبابها)، (ولا يُضِلُّ سبحانه إلا مَن رَغِبَ في الضلال، وسَعَى إليه وأحَبَّه)، ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لمُشرِكي قومك: ﴿ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾: أي لا أطلب منكم أجرًا على تبليغرسالة ربي ﴿ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ يعني: لكنْ مَن أراد أن يَسلك طريق الحق ويُنفق في سبيل ربه، فإنما هو خيرٌلنفسه. • الآية 58، والآية 59: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ ﴾ أي صاحب الحياة الكاملة (التي تليق بجلاله) ﴿ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ (وكُلُّ حَيٍّ غيره مَسبوقٌ بالعدم ويَلحقه الفَناء)، (واعلم أن التوكل هو الاعتماد على اللهِ تعالى - مع الأخذ بالأسباب - ولكنْ مع تعلق القلببمُسَبّب الأسباب (فالجَوارحُ تعمل والقلوبُتتوكل)، ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾ أي أكثِر مِن قول: (سبحان اللهِ وبحمده)، (وهي تعادل في المعنى: (سبحان الله والحمد لله)، (فأمّا كلمة (سبحان الله): فمَعناها أنك تَنفي عن اللهِ تعالى كل ما لا يَليقُ به، وأمَّا معنى (الحمد لله): أنك تشكرُ اللهَ تعالى على نِعَمه، وتُثنِي على جلاله وكماله)، ﴿ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ أي كفى باللهِ خبيرًا بذنوب خلقه، إذ لا يَخفى عليهشيءٌ منها، وسوف يُحاسبهم عليها ويُجازيهم بها، (وفي هذا تصبيرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم على تكذيب قومه وعِنادهم). ♦ وهو سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ أي عَلا وارتفع على العرش (استواءً يليق بجلالهوعظمته)، وهو سبحانه ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ الذي وَسِعَت رحمته كل شيء، ﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾: أي اسأل أيها النبي بذلك خبيرًا (يَقصد سبحانه بذلك نفسه الكريمة)، أي اسأل ربك عن نفسه، فهو سبحانه الخبير الذي يَعلم صفات نفسه. • الآية 60: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ﴾ - ولا تسجدوا لغيره من المخلوقات - ﴿ قَالُوا ﴾ - مُنكِرينَ مُتجاهلين -: ﴿ وَمَا الرَّحْمَنُ ﴾ يعني ما نعرف الرحمن، ﴿ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾ يعني أتريد أن تفرض علينا طاعتك؟ ﴿ وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾: أي زادهم ذلك الأمر بالسجود بُعْدًا عنالإيمان ونُفورًا منه. • الآية 61: ﴿ تَبَارَكَ ﴾ أي عَظُمَتْ قدرة الرحمن، وكَثُرَ خيره وفَضْله، فهو ﴿ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ﴾؛ أي: مَنازل تسير فيها الكواكب والنجوم،ليُستَدَلّ بها على الطرُقات والأوقات، وغير ذلك مِن مَصالح العباد ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا ﴾ أي شمسًا مضيئة ﴿ وَقَمَرًا مُنِيرًا ﴾. • الآية 62: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ﴾ أي جَعَلهما مُتعاقبَيْن، يَخْلُف أحدهما الآخر ﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ ﴾؛ أي: يَعتبر بما في ذلك من الآيات، فيُؤمن بالخالق المدبِّر الذي يَستحق العبادة وحده، (ومِن ذلك أيضاً أنّ مَن نَسِيَ عملًا بالنهار يعمله حين يَذكره بالليل، ومَن نَسِيَ عملًا بالليل يعمله حين يَذكره بالنهار)، ﴿ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ للهِ تعالى علىنعمه (بالاجتهاد في طاعته ليلًا ونهارًا). • الآية 63: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ﴾ أي عباده الصالحون، (وقد نَسَبَهم سبحانه إلى نفسه لتشريفهم)، كقوله تعالى: (بيت الله، وناقة الله)، ثم وَضَّحَ صفاتهم بأنهم ﴿ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ أي يَمشون على الأرض بتواضعٍ ووقار، ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ ﴾ بكلامٍ يؤذيهم: ﴿ قَالُوا سَلَامًا ﴾: أي خاطَبوهم خطابًا يَسْلَمون به منالإثم، ومِن مقابلة الجاهل بجهله، (فلم يَرُدُّوا السيئة بالسيئة، ولكنهم رَدُّوا عليهم بأحسن الكلمات ثم فارَقوهم). • الآية 64: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ أي يَقضون ليلهم بين السجود والقيام، وهُم مُحِبّونَ لربهم (الذي يراهم وهُم قائمونَ له)، ذليلونَ له سبحانه (مِن كثرة نعمه عليهم وكثرة ذنوبهم)، راجونَ رحمته، خائفونَ من عذابه). • الآية 65، والآية 66: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ﴾ ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ يعني إنّ عذابها لا يُفارق صاحبه، ﴿ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ يعني إنّ جهنم شَرٌّ مُستقَرًّا وإقامة. • الآية 67: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ﴾ أي لم يَتجاوزوا الحد في العطاء ﴿ وَلَمْ يَقْتُرُوا ﴾: أي لم يُضَيِّقوا فيالنفقة، (﴿ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ أي كان إنفاقهم وَسَطًا بين التبذير والتضييق. • الآية 68، والآية 69، والآية 70: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ﴾ (بل يُخلِصون عبادتهم لله وحده، ويَدعونه في قضاء حوائجهم)، ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ قَتْلها ﴿ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ يعني إلا بالحق الشرعي (كالقِصاص، ورَجْمالزاني المتزوج، وقتل المُرتَد)، واعلم أن تنفيذهذا القِصاص يكون عن طريق وَلِيِّ الأمر (وهو حاكِمُ البلد)، ﴿ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ (بل يَحفظون فروجهم - إلا على أزواجهم أو مامَلَكَتْ أيمانهم - ويَسُدون كل الأبواب التي تقربهم من الفاحشة)، ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾ يعني: ومَن يَفعل شيئًا من هذه الكبائر ﴿ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ أي يَلْقَ في الآخرة عقابَ إثمه، إذ ﴿ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ أي ذليلًا حقيرًا (واعلم أنّ الوعيدبالخلود يكونُ لمن أشرك بالله تعالى) ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ ﴾ مِن هذه الذنوبتوبةً نصوحًا ﴿ وَآَمَنَ ﴾ أنّ اللهَ كان يراه وهو يفعل المعصية، فحينئذٍ يَنكسر قلبه، ويَذِل لربه، ويَستحيي أن يراه مرة أخرى على معصية، ﴿ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ أي داوَمَ على فِعل الأعمال الصالحة بعد توبته، ﴿ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ أي يمحو اللهسيئاتهم ويجعل مكانها حسنات (بسبب توبتهم وندمهم، وكثرة استغفارهم على ما مضى من ذنوبهم)، (فإن مِن علامات التوبة النصوح: أن تَكره الذنب كما أحببته، وأن تستغفر منه إذا ذكرته)، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ لمن تاب إليه، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد أن فعلوا أكبر المعاصي. • الآية 71، والآية 72: ﴿ وَمَنْ تَابَ ﴾ عمَّا ارتكبه من الشرك والذنوب، وندم على ما فعل، وعزم عزمًا صادقًا على عدم العودة إلى الذنوب، ورَدَّ الحقوق لأصحابها ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ بعد التوبة: ﴿ فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ يعني فإنه بذلك يَرجع إلى ربه رجوعًاصحيحًا، فيَقبل توبته ويَغفر ذنوبه. ♦ ثم يُكمِل سبحانه صفات عباد الرحمن قائلاً: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ أي لا يَشهدون بالكذب، ولا يحضرون مجالسه ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ ﴾: يعني إذا مَرُّوا بأهل الباطل مِنغير قصد: ﴿ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ أي مُعرضينَ عنهم، مُنكرينَ لِمَا هم عليه، مُمتنعينَ عن سماع ما لا خيرَ فيه من الأقوال والأفعال أو المشاركة فيه. • الآية 73: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾: يعني إذا وُعِظُوا بآيات القرآن وأدلة وحدانية الله تعالى: ﴿ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾، يعني لم يَسجدوا على الأرض بدون وَعْي أو تدبر، (كما يفعل الكفار الذين يسجدون لاصنامهم)، بل إنهم يَسمعون الآية، ويَفهمون ما تدعو إليه، فحينئذٍ تتفتَّحلها بصائرهم، ويتأثرون بها، فيَخِرُّوا لله ساجدينَ مُطيعين. • الآية 74: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا ﴾ أي اجعل لنا ﴿ مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ أي ماتَفرح به أعيننا، ويكون فيه أُنسنا وسرورنا، ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ أي اجعلنا من الذين يتقون عذابك (بطاعتك واجتناب معصيتك)، واجعلنا قدوةً لهم في الأعمال الصالحة والكلام الطيب. • الآية 75، والآية 76: ﴿ أُولَئِكَ ﴾ أي المتصفون بهذه الصفات السابقة ﴿ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا ﴾ أي يُثابُون أعلى منازل الجنة(بسبب صَبْرهم على طاعة ربهم) ﴿ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا ﴾ أي في الجنة ﴿ تَحِيَّةً ﴾ من الملائكة ﴿ وَسَلَامًا ﴾ أي حياةً طيبة سالمة مِنَ المُنَغِّصات، ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا ﴾ يَستقرون فيه ﴿ وَمُقَامًا ﴾ يُقيمون به، إذ سعادتها لا تَنقص، ونعيمها لا يُفسِده شيء (كالمَوت والتعب والهَم والحَزَن). • الآية 77: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للمشركين: ﴿ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ﴾ أي لا يُبالي سبحانه بكم ﴿ لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾ إياه (إذ كانوا يَدعون اللهَ في الشدة، ويُشرِكونَ به في الرخاء)، ﴿ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾ بالتوحيد والنبوة والبعث ﴿ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴾ أي: فسوف يكونُ تكذيبكم مُوجِبًا لعذابٍ يَلزمكم، ويُهلككم في الدنيا والآخرة. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#147
|
||||
|
||||
![]() نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأول من سورة الشعراء • الآية 1: ﴿ طسم ﴾ سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (طا سين ميم). • الآية 2: ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾: يعني هذه هي آيات القرآن المُوَضِّح لكل شيء. • الآية 3: ﴿ لَعَلَّكَ ﴾ - أيها الرسول - مِن شدة حِرصك على هداية قومك ﴿ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ﴾ أي مُهْلِك نفسك ﴿ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني لأنهم لم يُصَدِّقوا بك ولم يعملوا بهَدْيك، فلا تفعل ذلك، فإنه ليس عليك هدايتهم، وإنما عليك البلاغ وقد بَلَّغتهم. • الآية 4: ﴿ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً ﴾ أي مُعجزة تُرغِمهم على الإيمان (كناقة صالح عليه السلام) ﴿ فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾، أي فحينئذٍ ستصير أعناقهم خاضعة ذليلة لهذه المعجزة، لا يستطيعونَ إنكارها، ولكننا لم نشأ ذلك، لأن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب اختيارًا. • الآية 5: ﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ يعني: ما مِن شيءٍ يَنزل من القرآن ﴿ مُحْدَثٍ ﴾ أي جديد النزول، مُجَدِّدًا لهم التذكير والموعظة: ﴿ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴾، (واعلم أنّ المقصود مِن وَصْف القرآن بأنه (مُحدَث) أي حديث النزول على النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان يَنزل آية بعد آية، وسورة بعد سورة، بحسب الحوادث والأحوال). • الآية 6: ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا ﴾ بالقرآن واستهزؤوا به ﴿ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾: يعني فسوف يَتبين لهم أنَّ ما استهزؤوا به هو الحق والصدق. ♦ فلمّا استهزأ مُشركو قريش بالوعيد: أنزل الله بهم العذاب الذي استهزؤوا به، وأوَّل عذاب نزل بهم: (هزيمتهم يوم بدر وقَتْل زعمائهم، ثم القحط سبع سنين)، ومَن مات منهم على الشرك: فسوف يُعَذَّب في نار جهنم خالدًا فيها أبدًا، ويُقال لهم وهم يُعَذَّبون: (ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تستهزئون). • الآية 7، والآية 8، والآية 9: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾: يعني ألم ينظروا إلى الأرض التي أنبتنا فيها من كل نوع من أنواع النبات الحَسَن المنظر، النافع للناس، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي في إخراج النبات من الأرض المَيّتة ﴿ لَآَيَةً ﴾ واضحة على قدرة الله تعالى على البعث بعد الموت، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قومك أيها الرسول مؤمنين ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يَمنعه مانع مِمَّا أراد، القادر على الانتقام من المُكَذّبين ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين، (إذًا فاصبر على الدعوة إليه، وتوكل عليه سبحانه، فإنه ناصرك ومُذِلّ أعدائك، وإن العاقبة لك وللمؤمنين). • الآية 10، والآية 11: ﴿ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى ﴾: أي اذكر أيها الرسول حين نادَى اللهُ تعالى موسى ﴿ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ وهُم ﴿ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ﴾ الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك، وظلموا بني إسرائيل باضطهادهم وتعذيبهم، ﴿ أَلَا يَتَّقُونَ ﴾: يعني ألا يخافون عذاب اللهِ فيَتركوا ما هم عليه من الكفر والضلال؟! • الآية 12، والآية 13، والآية 14: ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ ﴿ وَيَضِيقُ صَدْرِي ﴾ أي يَملؤه الغمُّ بسبب تكذيبهم لي، ﴿ وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي ﴾ بفصيح الكلام، (وقد قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: كانَ في لسانه عُقدة - يعني صعوبة في النُطق - تمنعه من كثير من الكلام)، ﴿ فَأَرْسِلْ ﴾ جبريل بالوحي ﴿ إِلَى هَارُونَ ﴾) ليُعِينني على تبليغ الرسالة، ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ ﴾ في قتْل رجل منهم ﴿ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾. • الآية 15، والآية 16، والآية 17: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ لموسى: ﴿ كَلَّا ﴾ يعني إنهم لن يقتلوك، وقد أجَبتُ طلبك في هارون ليكون رسولًا معك ﴿ فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا ﴾ أي بالمعجزات الدالة على صِدقكما، ﴿ إِنَّا مَعَكُمْ ﴾ بالعلم والحفظ والنصرة ﴿ مُسْتَمِعُونَ ﴾ أي أسمع ما تقولانه لفرعون وما يقوله لكما، ﴿ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا ﴾ له: ﴿ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾: يعني إنا مُرسَلان إليك وإلى قومك من رب العالمين (لتؤمنوا به وتُوحِّدوه)، وقد أمَرَكَ ﴿ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ أي أطلِق سَراحهم ليذهبوا معنا إلى حيث أمَرَنا اللهُ تعالى (إلى أرض أبيهم إبراهيم) ليعبدوا اللهَ فيها. ♦ ولَعَلّ الله تعالى قال: ﴿ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ولم يقل: (إنا رسولا رب العالمين) (رغم أن موسى وهارون اثنان)، لأن كلمة رسول تأتي أحيانًا بمعنى رسالة، فيكون المعنى: (إنا ذو رسالةٍ من رب العالمين)، أو لأن كلمة "رسول" هنا أُريدَ بها الجَمْع، وهذا وارد في لغة العرب، كقول إبراهيم عليه السلام عن الأصنام: ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾، واللهُ أعلم. • الآية 18، والآية 19: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون لموسى - مُمتَنًّا عليه -: ﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا ﴾: يعني ألم نُرَبِّك في منازلنا صغيرًا، ﴿ وَلَبِثْتَ فِينَا ﴾ أي مكثتَ في رعايتنا ﴿ مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴾؟ ﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ ﴾: أي ارتكبت جنايتك التي فعلتها بقتلك رجلاً من قومي ﴿ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ أي من الجاحدين لنعمتي عليك؟ • الآية 20، والآية 21، والآية 22: ﴿ قَالَ ﴾ موسى مُجيبًا فرعون: ﴿ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾: أي فعلتُ ذلك القتل مِن غير قصدٍ، وقبل أن يُعَلِّمني ربي ويَبعثني إليكم رسولاً، (وفي هذا دليل على جواز إطلاق لفظ الضلال على الجهل، كما قال تعالى: ﴿ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴾، وقال لهم موسى: ﴿ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ﴾: أي خرجتُ مِن بينكم فارًّا إلى "مَدْيَن"، لمَّا خِفتُ أن تقتلوني بما فعلتُ مِن غير عَمْد، ﴿ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا ﴾ وهي النُبُوّة والعلم ﴿ وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾) ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ يعني: وهل تعتبر تلك التربية نعمةً مِنك عليَّ، وقد جعلتَ بني إسرائيل عبيدًا عندك تستعملهم كما تشاء؟! (والغرض من هذا الاستفهام هو الاستنكار)، حيث بَيَّنَ له موسى أنّ تعبيد بني إسرائيل وذبْح أبنائهم هو السبب الحقيقي في حصوله عليه وتربيته عنده، لأنّ خوف أمه عليه من الذبح هو الذي جعلها تُلقي به في نهر النيل، فكأنه في الحقيقة مَنَّ عليه بتعبيد قومه وذبْح أبنائهم. ♦ ومِن المُفَسِّرين مَن قال: "إنّ هذا اعترافٌ من موسى لفرعون بنعمة التربية، حيث استعبد غيره ولم يَستعبده هو"، واللهُ أعلم. • الآية 23، والآية 24: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ لموسى: ﴿ وَمَا ﴾ هو ﴿ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ الذي تزعم أنك رسوله؟، فـ ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: هو ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ يعني إن كنتم موقنينَ بأنّ كل مخلوق لا بد له من خالق (وهو أمْرٌ لا تنكره العقول). • الآية 25، والآية 26: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون ﴿ لِمَنْ حَوْلَهُ ﴾ مِن أشراف قومه: ﴿ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴾: يعني ألا تسمعون مقالة موسى العجيبة بوجود رب غيري؟ فـ ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلقكم وخلق آباءكم الأولين، فكيف تعبدون مخلوقًا مثلكم، وله آباء قد ماتوا كآبائكم؟! • الآية 27، والآية 28: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون للملأ: ﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ (وَاعلم أنّ وَصْف فرعون لموسى بأنه "رسول" هو على سبيل الاستهزاء، واعلم أيضًا أنه جَعَلَ رسالته إليهم؛ لأنه يظن أنه أكبر مِن أن يُرسَل إليه رسول). ♦ فلم يَلتفت موسى إلى استهزائه، واستمر في دعوتهم إلى التوحيد، فـ ﴿ قَالَ ﴾: ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ (واعلم أنه قد خَصّ مَشرق الشمس ومَغربها، لأن فرعون لا يجرؤ أن يَدَّعي التحكم في ذلك، كما قال إبراهيم للنمرود: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ﴾ - فهذا يَستوجب الإيمان بالله وحده - ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ يعني إن كنتم من أهل العقل والتدبر. • الآية 29، والآية 30: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون مُهَدِّدًا موسى: ﴿ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ﴾ يعني أتجعلني من المسجونين، حتى ولو جئتك ببرهان قاطع يدل على صِدقي؟ • الآية 31: ﴿ قَالَ ﴾ له فرعون: ﴿ فَأْتِ بِهِ ﴾ أي بهذا البرهان ﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾. • الآية 32، والآية 33: ﴿ فَأَلْقَى ﴾ موسى ﴿ عَصَاهُ ﴾ ﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾ أي فتحولتْ ثعبانًا حقيقيًّا (وليس تمويهًا كما يفعل السَحَرة)، ﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ ﴾ أي جذب يده من جيبه ﴿ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ يعني فإذا هي بيضاء كاللبن مِن غير بَرَص، فإذا رَدَّها إلى جيبه عادت سمراء كَسائر جسده. • الآية 34، والآية 35: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون ﴿ لِلْمَلَإِ ﴾ وهُم أشراف قومه الذين يقفونَ ﴿ حَوْلَهُ ﴾: ﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ أي واسعُ العلم بالسحرِ، ماهرٌ به، و﴿ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ﴾ (وقد قال فرعون هذا لتحريض الملأ ضد موسى، فزعم أن موسى عليه السلام يريد الاستيلاء على الحُكم والبلاد، ويَطرد أهلها منها بواسطة السحر)، ثم قال لهم فرعون يستشيرهم: ﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُون ﴾ يعني: فَبِماذا تُشيرون عليَّ أيها السادة في أمْر موسى؟ (ولَعَلّ فرعون قال للملأ لفظ: (تأمروني) - مع أنه زعيمهم ورئيسهم - بسبب انهزامه معنويًّا بعدما رأى وضوح آية موسى عليه السلام). • الآية 36، والآية 37: ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ﴾ يعني أخِّر أمْر موسى وهارون، ولا تَعْجَل عليهما قبل اتخاذ ما يَلزم من الاحتياطات، ﴿ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾: أي أرسِلْ في مدائن مصر وأقاليمها جنودًا لـ ﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾ أي ليَجمعوا لك كل ساحر واسع العلم بالسحر، لِيُناظروا موسى. • الآية 38، والآية 39، والآية 40: ﴿ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ ﴾ أي جَمَعهم جنود فرعون ﴿ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ يعني إنهم حُدِّدوا لهم وقتًا معلومًا لمناظرة موسى (وهو وقت الضحى، في اليوم الذي يتفرغون فيه من أشغالهم، ويجتمعون ويتزيَّنون)، ﴿ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ﴾ يعني إنهم شَجَّعوا الناس على الاجتماع لحضور المناظرة، قائلينَ لهم: ﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ يعني إننا نأمل أن يكون الانتصار للسحَرة، فنَثبُت على ديننا. • الآية 41: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ ﴾ يوم المُناظرة: ﴿ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ ﴾: ﴿ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا ﴾ يعني هل ستعطينا مالاً ﴿ إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾؟ • الآية 42: ﴿ قَالَ ﴾ لهم فرعون: ﴿ نَعَمْ ﴾ لكم ما طلبتم ﴿ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ أي من المُقرَّبين مِنّي في المنصب والجاه إن غَلَبْتُم موسى. • الآية 43: ﴿ قَالَ لَهُمْ مُوسَى ﴾ مُرِيدًا إبطال سِحرهم: ﴿ أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ ﴾: يعني ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر. • الآية 44: ﴿ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ ﴾ (فَخُيِّل للناس أنها حَيَّات تَسعى)، ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي قال السحَرة: ﴿ بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ ﴾ يعني: أقسموا بعزة فرعون قائلين: ﴿ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ﴾. • الآية 45: ﴿ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ﴾ حَيّةٌ عظيمة ﴿ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ أي تبتلع الحبال والعِصِيّ التي ألقاها السحَرة مِن أجل أن يُوهِموا الناس أنها حق وهي باطل. • الآية 46، والآية 47، والآية 48: ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾ للهِ جَلَّ وعَلا، عندما علموا أنّ هذا ليس من تمويه السحَرة، و﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ (ولَعَلّهم قالوا هذه الجُملة حالَ سجودهم، إعلامًا منهم أنهم ما سجدوا لفرعون كما كانَ يفعل المصريون وَقْتَها، وإنّما سجدوا للهِ رب العالمين الذي لا يستحق العبادة غيره). ♦ ويجوز أن يكون تقديم موسى على هارون في هذه الآية من حكاية قول السحَرة، فيكون قد صدر منهم قولان، قدّموا في أحدهما اسم هارون - كما جاء في سورة "طه" - اعتبارًا بكِبَر سنِّ هارون عن موسى، وقدَّموا اسم موسى في القول الآخر اعتبارًا بفضله على هارون بالرسالة وتكليم الله تعالى له مِن غير واسطة. • الآية 49: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون مُهَدِّدًا السحَرة - ليَدفع عن نفسه شر الهزيمة -: ﴿ آَمَنْتُمْ لَهُ ﴾ يعني هل صدَّقتم موسى وأقررتم له برسالته ﴿ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ ﴾ بذلك؟ ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ﴾ يعني إنّ موسى لَعَظيمُكم ﴿ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ فلذلك اتَّبعتموه، واتفقتم معه على الهزيمة قبل الخروج إلى ساحة المُناظرة، (وقد أراد فرعون بهذا الكلام: التمويه على الناس حتى لا يتَّبعوا السحَرة ويؤمنوا كإيمانهم). ♦ وقال فرعون للسحَرة: ﴿ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ ما يَنزل بكم من العقاب: ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ﴾ أي بِقَطْع اليد اليُمنَى مع الرجل اليُسرى، أو اليد اليُسرى مع الرجل اليُمنى ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ بربط أجسادكم على جذوع النخل وأترككم مُعَلَّقينَ لتكونوا عِبرةً لغيركم. • الآية 50، والآية 51: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال السحَرة لفرعون: ﴿ لَا ضَيْرَ ﴾ أي لا ضرر علينا فيما يصيبنا من عقاب الدنيا، فـ ﴿ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴾: أي راجعون إلى ربنا فيعطينا النعيم المقيم، وسنصبر اليوم على عذابك لِننجو من عذاب اللهِ يوم القيامة، ﴿ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا ﴾ - من الشِرك والسِحر وغير ذلك - مِن أجل ﴿ أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ مِن قومنا.
__________________
|
#148
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود الربع الثاني من سورة الشعراء • الآية 52: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ﴾؛ أي: سِرْ ليلاً بمن آمَنَ معك من بني إسرائيل، فاخرجوا من أرض مصر، ﴿ إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴾؛ أي: سوف يَتبعكم فرعون وجنوده ليقتلوكم، فاخرجوا قبل أن يُدركوكم. • الآية 53، والآية 54، والآية 55، والآية 56: ﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾؛ أي: أرسل جنوده ليجمعوا له الرجال من مُدُن مملكته، وذلك حين بَلَغَه مَسير بني إسرائيل. ♦ وكان الجنود يقولون للناس - ليُحَرِّضوهم على بني إسرائيل -:﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ ﴾ الذين فرُّوا مع موسى ﴿ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴾؛ أي: طائفة حقيرة قليلة العدد،﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ﴾ حيث خالَفوا ديننا، وخرجوا بغير إذننا، ﴿ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾؛ أي: مُتيقظونَ مُستعدونَ لهم. • الآية 57، والآية 58، والآية 59: ﴿ فَأَخْرَجْنَاهُمْ ﴾ بقدرتنا وإرادتنا ﴿ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾؛ والمقصود بها: أرض "مصر" التي كانت مليئة بالبساتين وعيون الماء، ﴿ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾؛ أي: وبخزائن المالوالمنازل الجميلة،﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي كذلك كان إخراجنا لهم على تلك الصورة، ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾؛ أي: أورثنا بني إسرائيل نعمًا مُماثِلة للتي كانت لفرعون وقومه؛ لأنّ بني إسرائيل لم يرجعوا إلى مصر بعد خروجهم منها، ولأنّ الله قال في سورة أخرى: ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ﴾، وقد قيل: إن المقصود بالوراثة هنا: هو ما استعاره نساء بني إسرائيل مِن حُلِيِّ قوم فرعون عند خروجهم من مصر، واللهُ أعلم. • الآية 60، والآية 61، والآية 62: ﴿ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ﴾؛ أي: لَحِقَ فرعون وجنوده موسى ومَن معه وقت شروق الشمس، ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ﴾؛ أي: رأى كل واحد من الفريقين الآخر: ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾؛ أي: سيُدْرِكنا فرعون وجنودهويقتلوننا، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم موسى - بثبات -: ﴿ كَلَّا ﴾؛ أي: لن يُدركوكم، فـ ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي ﴾ - بحفظه ونصره وعِلمه - ﴿ سَيَهْدِينِ ﴾؛ أي: سيهديني لِمَا فيه نجاتي ونجاتكم. • الآية 63: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ﴾ - فضربه موسى - ﴿ فَانْفَلَقَ ﴾ البحر، ﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾؛ أي: كانت كل قطعة مفصولة من البحر كالجبلالعظيم، وأصبح هناك طريقٌ يابسٌ في وسط البحر. • الآية 64، والآية 65، والآية 66: ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ ﴾؛ أي: قرَّبْنا هناك فرعون وقومه حتى دخلوا البحر، ﴿ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ حيثُ استمر البحر على انفلاقه حتى عبروا إلى البر، ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ﴾؛ أي: أغرقنا فرعون ومَن معهبإطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه. • الآية 67، والآية 68: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الذي حدث ﴿ لَآَيَةً ﴾؛ أي: عِبرة عجيبة تدل على قدرة الله تعالى، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾؛ يعني: وما صار أكثر الذين سمعوا هذاالخبر مؤمنين بك أيها الرسول ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ فَبِعِزّته أَهْلَكَ الكافرين المُكَذّبين، وبرحمته نَجَّىموسى ومَن معه أجمعين. • الآية 69، والآية 70، والآية 71: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ﴾؛ أي: خبر إبراهيم عليه السلام وهو يدعو قومه إلى التوحيد وترْك الشرك ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ﴾؛ يعني: ما هذا الذي تعبدونه؟ وقد أراد بهذا السؤال أن يَسمع منهم جوابهم حتى يَرُدّ عليه، فيكون ذلك أدعَى للفَهم وقبول الحق، وهو أسلوب حكيم في الدعوة والتعليم: الابتداء بالسؤال، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ نَعْبُدُ أَصْنَامًا ﴾ مِن حجارة ﴿ فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾؛ أي: نظل مُقيمين على عبادتها. • الآية 72، والآية 73: ﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم عليه السلام - مُنَبِّهًا لهم على فساد باطلهم -: ﴿ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴾؛ يعني: هل يَسمعون دعاءكم حين تدعونهم؟، ﴿ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ ﴾ إذا عبدتموهم، ﴿ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾؛ يعني:أو يُصيبونكم بضرر إذا تركتم عبادتهم؟ • الآية 74:﴿ قَالُوا بَلْ ﴾؛ أي: لا يكون منهم شيءٌ من ذلك، ولكننا ﴿ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ فقلَّدناهم. • من الآية 75 إلى الآية 89: ﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾ من الأصنام التي لا تسمع ولاتنفع ولا تضر ﴿ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ﴾ الذين قلدتموهم في عبادتهم؟ ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ﴾؛ يعني: فإنّ ما تعبدونهم من دون اللهِ هُمأعداءٌ لي، ﴿ إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾؛ يعني: لكنّي أعبد رب العالمين وحده، إذ هو﴿ الَّذِي خَلَقَنِي ﴾ فيأحسن صورة ﴿ فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾؛ أي: يُرشدني إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾؛ أي: هو الذي يُنعِم عليَّ بالطعاموالشراب ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ ﴿ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ﴾ في الدنيا بقبض روحي ﴿ ثُمَّ يُحْيِينِ ﴾ يوم القيامة، ولا يَقدر على ذلك أحدٌ غيره،﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾؛ يعني: أرجو أن يتجاوز عن ذنبي يوم الجزاء. ♦ وقال إبراهيم داعيًا ربه: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا ﴾؛ أي: امنحني العلم والفَهم في الدين ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ لأعمل عَمَلهم في الدنيا، وأكون معهم في الجنة ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ ﴾؛ أي: اجعل لي ثناءً حسنًا وذِكرًا جميلًا في الذين يأتون مِن بعدي إلى يوم القيامة، ﴿ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ﴾ الذين يَرثونها بالإيمان والتقوى بعد فضلك عليهم ورحمتك بهم، ﴿ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ﴾، وقد كان هذا الدعاء قبل أنيَعرف إبراهيم أنّ والده سوف يموت على الشِرك، فلمَّا تبيَّنَ له أنه عدوٌ للهِ تبرَّأَ منه، كما جاء في سورة التوبة، ﴿ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾؛أي: لا تُذِلّني ولا تفضحني يوم يَخرج الناس من قبورهم للحساب والجزاء ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾؛ أي: سَلِمَ من الشِرك والنفاق،والكِبر والرياء، والحسد والغل، وسائر أمراض القلوب. • الآية 90: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾؛ أي: قُرِّبتْ الجنة للذين اجتنبوا الشِرك والمعاصي، وأقبلوا على طاعة ربهم. • الآية 91، والآية 92، والآية 93:﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ﴾؛ أي: أُظهِرتْ النار للذين ضَلُّوا عن الهدى، وتجرَّؤوا على مَحارم ربهموكذَّبوا رُسُله، ﴿ وَقِيلَ لَهُمْ ﴾ - توبيخًا -: ﴿ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾؛ يعني: أين آلهتكم التي كنتم تعبدونها﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ وتزعمون أنهاتشفع لكم عند ربكم؟ ﴿ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ ﴾ بدفع العذاب عنكم ﴿ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ بدفع العذابعن أنفسهم؟ لا شيءَ من ذلك. • الآية 94، والآية 95: ﴿ فَكُبْكِبُوا فِيهَا ﴾؛ أي: جُمِعوا وألقُوا في جهنم ﴿ هُمْ وَالْغَاوُونَ ﴾؛ يعني: هُم والذين أضَلُّوهم من الإنس ﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴾؛ يعني: وأعوان إبليس الذين زيَّنوا لهمالشر. • من الآية 96 إلى الآية 102: ﴿ قَالُوا ﴾ - مُعترفين بخطئهم - ﴿ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴾؛ يعني: وهُم يتجادلون ويتنازعون في جهنم مع مَن عَبَدوهم: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾؛ يعني: إننا كنافي الدنيا في ضلالٍ واضح ﴿ إِذْ نُسَوِّيكُمْ ﴾؛ أي: نُساويكم في عبادتنا ﴿ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ المستحق وحده للعبادة،﴿ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ﴾ الذين دَعَونا إلى عبادةغير الله فاتّبعناهم، ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ﴾؛ يعني: فلا أحدَ يَشفع لنا اليوم عند ربنا ﴿ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾؛ أي: صديق مُخلِص، يُهِمُّه أمْرنا ليُخلِّصنا من العذاب، ﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ يعني: فيا ليت لنا رجعة إلى الدنيا، فنَصير من المؤمنينَ الناجين. • الآية 103، والآية 104:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾؛ أي: في خبر إبراهيم السابق، وفي دخول المشركين جهنم وحِرمانهم من الشفاعة ﴿ لَآَيَةً ﴾؛ أي: عِبرة لِمن يَعتبر ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾؛ يعني: وما كان أكثر الذين سمعوا هذاالخبر مؤمنين بك أيها الرسول، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ القادر على الانتقام من المُكَذّبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين، واعلم أنّ هذه الجملة قد أعادَ اللهُ ذِكرها في هذه السورة بسبب عناد المشركين وإصرارهم على الشرك، وتكذيبهم بالنُبُوّة والبعث. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#149
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثالث من سورة الشعراء • من الآية 105 إلى الآية 111: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ يعني إنهم كَذَّبوا نوحاً عليه السلام، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل؛ لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ ﴾: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ رسالة ربي (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي) ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ أي احذروا عقاب الله تعالى واقبلوا نصيحتي، فـ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ يعني: كيف نُصَدِّقك وقد اتَّبعك أسافل الناس؟ (وقد قالوا ذلك عندما رأوا أنّ أتْباعه من الفقراء وأصحاب المِهَن الحِرَفيّة البسيطة). • من الآية 112 إلى الآية 116: ﴿ قَالَ ﴾ لهم نوح: ﴿ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾: يعني إنني لستُ مُكلَّفًا بمعرفة أعمالهم، إنما كُلِّفتُ أن أدعوهم إلى الإيمان ﴿ والعبرة عند الله تعالى بالإيمان، وليست بالنَسَب والجاه والحِرَف والصنائع ﴾، ﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ ﴾ أي: ما حسابهم - وجزاؤهم على أعمالهم - ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّي ﴾ المُطَّلِع على النيات والسرائر ﴿ لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾ يعني: لو كنتم تشعرون بذلك ما قلتم هذا الكلام، ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: يعني: وليس لي أن أطرد المؤمنين مِن حَولي - كما اقترحتم عليّ - بحُجَّة أنهم فقراء ضعفاء، حتى أُرضِيكم فتَقبلوا الاستماعَ مِنِّي، ﴿ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ يعني: ما أنا إلا نذيرٌ لكممِن عذاب اللهِ تعالى، ﴿ مُبِينٌ ﴾ أي أُوَضِّح لكم ما أُرْسِلتُ به إليكم، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له - مائلينَ عن الحوار إلى التهديد -: ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ ﴾ عن دَعْوتك لنا ﴿ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ﴾ أي المقتولين رَميًا بالحجارة. • الآية 117، والآية 118، والآية 119، والآية 120: ﴿ قَالَ ﴾ نوحٌ داعياً ربه - بعد أن سَمِعَ تهديدهم -: ﴿ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ﴾ أي أصَرّوا على تكذيبي ﴿ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا ﴾: أي احكم بيني وبينهم حُكمًا تُهلِك به مَن جَحَدَ توحيدك وكذَّب رسولك ﴿ وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ مِمّا تُعَذّب به الكافرين، ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ أي في السفينة المملوءة بأنواع المخلوقات التي حَمَلها، ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ﴾ - أي بعد إنجاء نوح ومَن معه - أغرقنا ﴿ الْبَاقِينَ ﴾ وهُم الذين لم يؤمنوا مِن قومه وردُّوا عليه النصيحة. • الآية 121، والآية 122: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾: أي في خبر نوح عليه السلام، وما كانَ من إنجاء المؤمنين وإهلاك المُكَذّبين ﴿ لَآَيَةً ﴾ أي عبرةً عظيمة لمَن بَعدهم ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم نوح مؤمنين، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ في انتقامه مِمّن كَفَرَ به وخالف أمْره، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. • من الآية 123 إلى الآية 135: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي: كذَّبت قبيلة عاد رسولهم هودًا عليه السلام، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل ﴿ لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ولأنّ كل رسول كان يأمر قومه بتصديق جميع الرُسُل ﴾، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ ﴾: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي) ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ﴾ يعني أتبنون بكل مكانٍ مرتفع من الأرض ﴿ آَيَةً ﴾ أي بناءً عاليًا (هو آية في الفنّ المعماري)، فتُشرِفون منه، و﴿ تَعْبَثُونَ ﴾ أي تَسخرون مِنَ المارة (مع عِلمكم أنّ ذلك عبثٌ لا يعود عليكم بفائدة؟!)﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾: أي تتخذون قصورًا عالية وحصونًا مَنيعة، كأنكم ستُخَلّدون في الدنيا ولا تموتون، ﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ ﴾ بأحد من الخلق قتلاً أو ضربًا: ﴿ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ أي فعلتم ذلك قاهرينَ ظالمين﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾: أي خافوا عقاب الله تعالى واقبلوا نصيحتي، ﴿ وَاتَّقُوا ﴾ اللهَ ﴿ الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ ﴾: أي الذي أعطاكم نعماً كثيرة لا تَخفى عليكم، فقد﴿ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ﴾ أي أعطاكم الأنعام (من الإبل والبقر والغنم)، وأعطاكم الأولاد، ﴿ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾: أي أعطاكم البساتين المُثمِرة، وفجَّرَ لكم الماء من العيون الجارية، ﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ﴾ - إن أصررتم على ما أنتم عليه من التكذيب والظلم وكُفْر النِّعم - ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾. • الآية 136، والآية 137، والآية 138: ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ﴾ فلن نؤمن لك، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: ما هذا الذي نحن عليه إلا دين الأولين وعاداتهم، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ على ما نفعل. • الآية 139، والآية 140: ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ أي استمَرُّوا على تكذيبه ﴿ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ بريح باردة شديدة، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الإهلاك ﴿ لَآَيَةً ﴾ أي عِبرة عظيمة لمن بعدهم، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم عاد مؤمنين (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ القادر على الانتقام من المُكَذّبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. • من الآية 141 إلى الآية 152: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي كذَّبت قبيلة ثمود أخاهم صالحًا في رسالته ودَعْوته، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل؛ لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ ﴾: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي)، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ ﴾: يعني أيَترككم ربكم فيما أنتم فيه من النعيم، آمنينَ من العذاب والهلاك؟!، (وهذا الاستفهام إنكاري يَحُثهم على شُكر ربهم على ما هم فيه من النعم)، فإنكم تعيشونَ ﴿ فِي جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق مُثمِرة ﴿ وَعُيُونٍ ﴾ جارية ﴿ وَزُرُوعٍ ﴾ كثيرة ﴿ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾: أي نخلٍ ثَمَرها ناضج لَيّن، ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ﴾ لتسكنوها ﴿ فَارِهِينَ ﴾ أي ماهرينَ بنَحتها، متكبرينَ على الناس بقوتكم وصناعتكم، إذاً ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾: أي خافوا عقوبة الله تعالى واقبلوا نصيحتي﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ الذين يُسرفون على أنفسهم بالمعاصي، وهم ﴿ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ أي جمعوا بين الفساد وترْك الإصلاح. • الآية 153، والآية 154: ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴾ أي الذين سُحِروا سِحْرًا كثيرًا، حتى غَلَبَ السِحر على عقولهم، ﴿ مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ فكيف تتميز علينا بالرسالة؟، ﴿ فَأْتِ بِآَيَةٍ ﴾ تدل على صِدق رسالتك ﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾. • الآية 155، والآية 156: ﴿ قَالَ ﴾ لهم صالح - بعد أن أتاهم بناقةٍ أخرجها اللهُ له من الصخرة -: ﴿ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ ﴾ أي لها نصيب من الماء في يوم مُعَيَّن ﴿ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ أي: ولكم نصيبٌ منه في يومٍ آخر، (فليس لكم أن تشربوا في يومها ولا هي تشرب في يومكم)، ﴿ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ ﴾ كضَرْبٍ أو قتل أو نحو ذلك ﴿ فَيَأْخُذَكُمْ ﴾ أي يُهلككم ﴿ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾. • الآية 157، والآية 158، والآية 159: ﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ أي ذبحوا الناقة ﴿ فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ ﴾ على ما فعلوا ﴿ لَمَّا أيقنوا بالعذاب ﴾ فلم يَنفعهم ندمهم، ﴿ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ أي نزل بهم عذاب الله الذي توَعَّدهم به صالح عليه السلام فأهلكهم، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الإهلاك ﴿ لَآَيَةً ﴾ أي عبرة لمن اعتبر بهذا المصير، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم صالح مؤمنين، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ المنتقم من أعدائه المُكَذّبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. • من الآية 160 إلى الآية 166: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾: يعني إنهم كَذَّبوا لوطاً عليه السلام، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل؛ لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ ﴾: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي)، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾: يعني أتنكحون الذكور مِن بني آدم؟!، ﴿ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾ أي: تتركون ما خلق الله لاستمتاعكم وتناسلكم مِن أزواجكم؟!، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ ﴾ - بهذه المعصية - ﴿ عَادُونَ ﴾ أي متجاوزونَ الحلال إلى الحرام. • الآية 167، والآية 168، والآية 169: ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ ﴾ عَمّا تنهانا عنه من إتيان الذكور: ﴿ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ﴾ أي المطرودين من بلادنا، فـ﴿ قَالَ ﴾ لهم لوط: ﴿ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ ﴾ الذي تعملونه ﴿ مِنَ الْقَالِينَ ﴾أي من الكارهين له كرهاً شديدًا، ثم دعا لوطٌ ربه عندما يئس من استجابة قومه قائلاً: ﴿ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ﴾: يعني أنقِذني وأنقِذ أهلي مما يعمله قومي مِن هذه المعصية القبيحة، ومِن عقوبتك التي ستصيبهم. • الآية 170، والآية 171، والآية 172، والآية 173: ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ المستجيبين لدعوته ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾ ﴿ إِلَّا عَجُوزًا ﴾ (وهي امرأته)، إذ لم تشاركهم في الإيمان، فأصبحتْ ﴿ فِي الْغَابِرِينَ ﴾ أي مع الباقين في العذاب والهلاك، ﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ ﴾: أي نزل بهم أشدُّ أنواع الهلاك والتدمير (وذلك بقلب بلادهم سافلها على عالِيها)، ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ﴾ أي حجارة من السماء كالمطر فأهلكتهم، ﴿ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ أي: قَبُحَ مَطَر مَن أنذرهم رسولهم فلم يستجيبوا له. • الآية 174، والآية 175: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ العقاب الذي نزل بقوم لوط ﴿ لَآَيَةً ﴾ أي عبرة وموعظة يَتَّعظ بها المُكَذّبون، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم لوط مؤمنين، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب الذي يَقهر المُكَذّبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#150
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة الشعراء • من الآية 176 إلى الآية 184: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي: كذَّب أصحابُ المدينةِ المُلتفَّةِ الشجر رسولهم شعيبًا في رسالته، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل; لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ﴾: ﴿أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي)، ﴿إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ ﴾ أي أتِمُّوا الكيل للناس، ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ﴾ الذين يُنْقِصون الناسَ حقوقهم، ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾ أي زِنوا بالميزان العادل﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ أي لا تُنقِصوا الناسَ حقوقهم فتظلموهم، ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ أي لا تسعوا في الأرض بأنواع الفساد (كالشِرك والمعاصي وأكْلُكُم أموال الناس بالباطل)، ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ﴾: أي احذروا عقوبة الله الذي خلقكم وخلق الأمم الماضية. ♦ ولَعَلّ الله تعالى قال: (قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ)، ولم يقل: (قَالَ لَهُمْ أخوهم شُعَيْبٌ) كما في باقي القصص السابقة، لأنه لم يكن أخاً لأصحاب الأيكة في النَسَب، فلمّا ذَكَرَ سبحانه قوم "مَدْيَن" في سورةٍ أخرى، قال ![]() • الآية 185، والآية 186، والآية 187، والآية 188: ﴿قَالُوا ﴾ لشعيب: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴾ الذين أصابهم السِحر إصابة شديدة فذهب بعقولهم، ﴿وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ فكيف تتميز علينا بالرسالة؟، ﴿وَإِنْ نَظُنُّكَ ﴾ يعني: وإننا نظن أنك ﴿لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾ أي ادع اللهَ أن يُسقط علينا قِطَعَ عذابٍ من السماء لتُهلِكنا بها﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾، فـ ﴿قَالَ ﴾ لهم شعيب: ﴿رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ مِنَ الشرك والمعاصي، وهو أعلم بما تستحقونه من العذاب. • الآية 189: ﴿فَكَذَّبُوهُ ﴾ أي استمَرُّوا على تكذيبه، ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾ يعني: فأصابهم العذاب في يومٍ شديد الحر، حينَ صاروا يبَحثون عن ملجأ يَستظلون به، فأظَلّتهم سحابةً، وَجَدوا لها بردًا ونسيمًا، فلمَّا اجتمعوا تحتها، التهبتْ عليهم نارًا فأحرقتهم جميعًا، ﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾. • الآية 190، والآية 191: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الإهلاك ﴿لَآَيَةً ﴾ أي عبرة عظيمة لمن بعدهم، ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم شعيب مؤمنين، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ القادر على الانتقام من المُكَذّبين، ﴿الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. • من الآية 192 إلى الآية 196: ﴿وَإِنَّهُ ﴾ أي هذا القرآن الذي ذُكِرَتْ فيه هذه القصص السابقة ﴿لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي تنزيلٌ مِن خالق الخلق، ومالك الأمر كله، وقد ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ وهو جبريل عليه السلامالذي نَزَلَ بالقرآن ﴿عَلَى قَلْبِكَ ﴾ أيها الرسول (والمقصود أنه تَلاه عليك حتى وَعَاهُ قلبك حِفظًا وفَهمًا) ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ أي لتكون مِن رُسُل الله (الذين يُخَوِّفون قومهم عذابَ ربهم)، فأنذِر الإنس والجن أجمعين بهذا القرآن، الذي نزل ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ أي بلُغة عربية واضحة المعنى، وفي غاية الفصاحة والبلاغة والبيان، ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: وإنَّ هذا القرآن لَمذكورٌ ومُبَشَّر به في كتب الأنبياء السابقين. • الآية 197: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً ﴾ - تَدُلُّهم على أنك رسول الله، وأن القرآن حق - هو ﴿أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ وأن يُقِرُّوا بصِحّته (كعبد الله بن سَلام والنجاشي وغيرهما)؟! • الآية 198، والآية 199: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ﴾ يعني: ولو نَزَّلنا هذا القرآن على أحد الأعاجم (الذين لا يتكلمون بالعربية) ﴿فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ﴾ أي: فقرأه هذا الأعجمي على كفار قريش قراءة عربية صحيحة، حتى يكون ذلك آية لهم: ﴿مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ أي لَكَفروا به أيضًا كِبراً وعِنادا، وتحَجّجوا بأيّ عُذرٍ ليَكفروا به. • الآية 200، والآية 201، والآية 202، والآية 203: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ يعني: وكما أدْخَلنا الجحود في قلوب الأمم السابقة (عقوبةً لهم على ظُلمهم وإجرامهم)، فكذلك نَفعل بمُشرِكي قومك بسبب عنادهم وتكذيبهم، إذ هم ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ أي لا يُصَدِّقون بالقرآن - رغم وضوح حُجَّته وقوة بَيانه - وسيَظلون على كُفرهم ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ (وحينئذٍ لن يَنفعم الإيمان)، ﴿فَيَأْتِيَهُمْ ﴾ هذا العذاب ﴿بَغْتَةً ﴾ أي فجأةً ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ أي لا يعلمون به حتى يفاجئهم ﴿فَيَقُولُوا ﴾ عندئذٍ - وهم نادمونَ على ما فاتهم من الإيمان -: ﴿هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ ﴾ يعني: هل نحن مُمْهَلون حتى نتوب مِن شِركنا، ونستدرك ما فاتنا؟ • الآية 204: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾؟! يعني: هل غَرَّ هؤلاء إمهال الله لهم، فاستعجلوا نزول العذاب عليهم؟! • الآية 205، والآية 206، والآية 207: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ﴾ بأنْ أطَلنا أعمارهم، ووَسَّعنا في أرزاقهم، فعاشوا سنين طويلة يتمتعون بالدنيا ﴿ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ من العذاب، فهل يَنفعهم ذلك التمتع؟ ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ أي لن يَدفع عنهم ذلك شيئاً من عذاب الله تعالى. • الآية 208، والآية 209: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ ﴾ - قبل مُشرِكي مكة - ﴿إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ ﴾ يعني إلا بعد أن أرسلنا إليهم رُسُلاً يُنذرونهم، ليكون ذلك الإنذار ﴿ذِكْرَى ﴾ (إذ يُذَكِّرهم الرُسُل ويُرشدونهم إلى ما فيه نجاتهم) ﴿وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ (لأننا قد أرسلنا إليهم الرُسُل، ولكنهم عانَدوا واستكبروا واتّبعوا شهواتهم فاستحقوا العذاب). • الآية 210، والآية 211، والآية 212: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ﴾ أي: ما تَنَزَّلَتْ الشياطين بالقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ ﴾: أي لا يَصِحّ منهم (لأنهم يدعون إلى الضلالة وفِعل المنكرات، والقرآن يدعو إلى الهدى وفِعل الصالحات)، ﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ أي لا يستطيعونَ أن يَنزلوا بالقرآن أصلاً، والسبب في ذلك: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ أي محجوبون عن استماع القرآن قبل أن يَنزل من السماء، مَرجومونَ بالشهب. • من الآية 213 إلى الآية 220: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ﴾: أي لا تعبد مع الله معبودًا آخر ﴿فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ ﴿وَأَنْذِرْ ﴾ أيها الرسول ﴿عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ أي حَذِّر الأقرب فالأقرب مِن قومك مِن عذابنا ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أيتواضَعْ للمؤمنين وكُن رحيماً معهم، ﴿فَإِنْ عَصَوْكَ ﴾ يعني: فإن لم يَتّبعك مَن دَعَوتهم إلى التوحيد، ﴿فَقُلْ ﴾ لهم: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ من الشِرك والمعاصي ﴿وَتَوَكَّلْ ﴾ أي اعتمد في كل أمورك ﴿عَلَى الْعَزِيزِ ﴾ الذي لا يَمنعه شيءٌ مِن فِعل ما يريد، ﴿الرَّحِيمِ ﴾ الذي لا يَخذل أولياءه المتقين، ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ للصلاة في جوف الليل، ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ يعني: ويرى سبحانه تقلُّبك مع الساجدين في صلاتهم، ﴿إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿هُوَ السَّمِيعُ ﴾ لتلاوتك وذِكرك، ﴿الْعَلِيمُ ﴾ بنِيّتك وعملك. • الآية 221، والآية 222، والآية 223: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ﴾؟ إنها ﴿تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾: أي تَتَنزل على كل كذَّابٍ كثيرِ الآثام من السَحَرة المجرمين، (وأما محمد صلى الله عليه وسلم فهو أبعد الناس عن الكذب والإثم، فلم يُجَرِّب عليه المشركون كَذِباً قط، ولم يروا منه ذنباً واحداً). ♦ وهؤلاء الشياطين ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ ﴾ أي يَختلسون السمع من كلام الملائكة فيُلقونه إلى الساحر (وهذا قبل أن يُمنَع بينهم وبين استراق السمع بالشهب الحارقة)، (واعلم أنّ الشيطان قد يُلْقي إلى الساحر بعضَ ما سَمِعَه قبل أن يَحرقه الشهاب)، ﴿وَأَكْثَرُهُمْ ﴾ أي الشياطين ﴿كَاذِبُونَ ﴾ إذ يَصْدُق أحدهم في كلمة، ثم يزيد فيها أكثر مِن مائة كذبة (كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم). • الآية 224، والآية 225، والآية 226، والآية 227: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ أي يقوم شِعرهم على الكذب والباطل، ويوافقهم الضالونَ مِن أمثالهم، (فهل الذين اتّبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ضالون؟! انظروا إليهم واسألوا عنهم، فإنهم أهدى الناس، وأبَرّهم فِعلاً، وأصدقهم حديثاً، فلو كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم شاعراً لكانَ أتْباعه من الضالين، فبهذا بَطُلَ اتهامكم الكاذب، فأنتم تعلمون أنه الصادق الأُمِّي، الذي لم يقل الشعر ولم يتعلمه طوال حياته). ﴿أَلَمْ تَرَ ﴾ أيها النبي ﴿أَنَّهُمْ ﴾ أي الشعراء ﴿فِي كُلِّ وَادٍ ﴾ - من أودية الكلام وفنونه - ﴿يَهِيمُونَ ﴾ أي يذهبون كالهائم على وجهه (الذي لا يعرف أين يذهب)، فيخوضون في كل فن مِن فنون الكذب والباطل، وتمزيق الأعراض، والطعن في الأنساب، وتجريح النساء العفائف، والمبالغة في مدح أهل الباطل، والسخرية من أهل الحق، ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ أي يزعمون أنهم فعلوا كذا وهُم لم يفعلوه. ♦ ثم استثنى اللهُ منهم الشعراء المؤمنين بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ فقالوا الشِعر في توحيد الله تعالى والثناء عليه، والدفاع عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وتكلموا بالحكمة والمواعظ الحسنة، ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ أي انتصروا للإسلام وأهله بعد أن طَعَنَ فيهم الشعراء الكافرون، فرَدُّوا عليهم بشِعرهم انتصارا ً للحق (كحَسَّان بن ثابت رضي الله عنه وغيره)، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ أي ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي، وظلموا رسول الله باتهامه كذباً بالسِحر والشِعر، فسيَعلم هؤلاء الظالمون ﴿أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ يعنيأيّ مَرجع يرجعون إليه بعد الموت؟ إنَّه جهنم وبئس المصير. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |