|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: إن مكة حرَّمها الله يوم خلق السماوات والأرض عن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي العدوي رضي الله عنه أنه قال لعمرو بن سعيد بن العاص وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أن أُحدثك قولًا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، فسمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به، أنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن مكة حرَّمها الله يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يؤذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحُرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب". فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا بدم، ولا فارًّا بخربة. الخربة: بالخاء المعجمة والراء المهملة، قيل: الجناية، وقيل: البلية، وقيل: التهمة وأصلها في سرقة الإبل، قال الشاعر: والخارب اللص يحب الخارب ♦ قوله: (أنه قال لعمرو بن سعيد بن العاص) هو المعروف بالأشدق. ♦ قال الحافظ: (عمرو ليست له صحبة، ولا كان من التابعين بإحسان، وعند أحمد لما بعث عمرو بن سعيد إلى مكة، بعَثه لغزو ابن الزبير، أتاه أبو شريح، فكلَّمه وأخبره بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى نادي قومه، فجلس فيه فقمت إليه، فجلست معه فحدث قومه، قال: قلت له: يا هذا، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة، فلما كان الغد من يوم الفتح، عدت خزاعة على رجل من هذين، فقتلوه وهو مشرك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبًا، فذكر الحديث. ♦ قال الحافظ: وعمرو بن سعيد كان أميرًا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية، قال: وقد ذكر الطبري القصة عن مشايخه، فقالوا: كان قدوم عمرو بن سعيد واليًا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين، وقيل: قدمها في رمضان منها، وهي السنة التي ولي فيها يزيد الخلافة، فامتنع ابن الزبير من بيعته، وأقام بمكة، فجهَّز إليه عمرو بن سعيد جيشًا، وأمَّر عليهم عمرو بن الزبير، وكان معاديًا لأخيه عبدالله، وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شُرطته، ثم أرسله إليَّ لقتال أخيه، فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد، فنهاه فامتنع، وجاء أبو شريح، فذكر القصة، فلما نزل الجيش ذا طوى، خرج إليهم جماعة من أهل مكة، فهزموهم، وأسر عمرو بن الزبير فسجَنه أخوه بسجن عارم، وكان عمرو بن الزبير قد ضرب جماعة من أهل المدينة ممن اتهم بالميل إلى أخيه، فأقادهم عبدالله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب. ♦ قوله: (وهو يبعث البعوث)؛ أي: الجيش المجهز للقتال... ♦ قوله: (أن أُحدثك قولًا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح)؛ أي: ثاني يوم الفتح. ♦ قوله: (فسمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به). ♦ قال الحافظ: فيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه، فقوله: سمعته؛ أي: حملتُه عنه بغير واسطة، وذكر الأذنين للتأكيد، وقوله: "ووعاه قلبي": تحقيق لفَهمه وتثبُّته، وقوله: "وأبصرته عيناي": زيادة في تحقيق ذلك، وأن سماعه منه ليس اعتمادًا على الصوت فقط، بل مع المشاهدة، وقوله: حين تكلم به؛ أي: بالقول المذكور، ويؤخَذ من قوله ووعاه قلبي أن العقل محلُّه القلب، قوله: إنه حمد الله هو بيان لقوله: (تكلَّم)، ويؤخذ منه استحبابُ الثناء بين يدي تعليم العلم، وتبيين الأحكام والخطبة في الأمور المهمة). ♦ قوله: (إن مكة حرَّمها الله يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمها الناس). ♦ قال الحافظ: أي: حكم بتحريمها وقضاه، وظاهره أن حكم الله تعالى في مكة ألا يقاتل أهلها، ويؤمَّن مَن استجار بها، ولا يتعرَّض له، وهو أحد الأقوال المفسرين في قوله تعالى: ï´؟ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ï´¾ [آل عمران: 97]، وقوله: ï´؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا ï´¾ [العنكبوت: 67]. قال: والمراد بقوله: ولم يُحرمها الناس؛ أي: إن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل فيه للعقل، أو المراد أنها من مُحرمات الله، فيجب امتثال ذلك، وليس من محرمات الناس؛ يعني: في الجاهلية كما حرَّموا أشياءَ من عند أنفسهم، فلا يُسوغ الاجتهاد في تركه. ♦ قوله: (فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرة). ♦ قال الحافظ: فيه تنبيهٌ على الامتثال؛ لأن مَن آمن بالله لزِمته طاعته، ومَن آمن باليوم الآخر، لزِمه امتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه خوفَ الحساب عليه، واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة[1]. ♦ قوله: (ولا يعضد بها شجرة)؛ أي: لا يقطع؛ قال ابن الجوزي: أصحاب الحديث يقولون يعضد بضم الضاد، وقال لنا ابن الخشاب: هو بكسرها. ♦ قال القرطبي: خصَّ الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما يُنبته الله تعالى من غير صنع آدمي، فأما ما ينبت بمعالجة آدمي، فاختلف فيه، والجمهور على الجواز[2]. ♦ قوله: (فإن أحد ترخَّص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حُرمتها اليوم كحرمتها بالأمس). وعند أحمد فإن ترخَّص مترخصٌ، فقال: أُحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله أحلها لي ولم يُحلها للناس. ♦ قال الحافظ: قوله: "ساعة من نهار": تقدم في العلم أن مقدارها ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر، ولفظ الحديث عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: لما فتحت مكة قال: كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر، فأذن لهم حتى صلى العصر، ثم قال: كفوا السلاح، فلقِي رجلٌ من خزاعة رجلًا من بني بكر من غد والمزدلفة، فقتَله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام خطيبًا، فقال: ورأيته مسندًا ظهره إلى الكعبة، فذكر الحديث، ويستفاد منه أن قتل مَن أذِن النبي صلى الله عليه وسلم في قتْلهم كابن خطل، وقع في الوقت الذي أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم فيه القتال[3]. ♦ قوله: (فليبلغ الشاهد الغائب). ♦ قال ابن جرير: فيه دليلٌ على جواز قَبول خبر الواحد؛ لأنه معلومٌ أن كل مَن شهِد الخطبة قد لزِمه الإبلاغ، وأنه لم يأمرْهم بإبلاغ الغائب عنهم، إلا وهو لازمٌ له فرضُ العمل بما أبلغه كالذي لزِم السامع سواء، وإلا لم يكُن للأمر بالتبليغ فائدة. قوله: فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلمُ بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا بدم ولا فارًّا بخربة، قال الحافظ: أي: لا يُجيره ولا يعصمه. ♦ قوله: (ولا فارًّا)؛ أي: هاربًا بدم. ♦ قال الحافظ: والمراد: مَن وجَب عليه حدُّ القتل، فهرب إلى مكة مستجيرًا بالحرم، وهي مسألة خلاف بين العلماء، وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساقَ الدليل، وفي تخصيصه العموم بلا مستند. قال: وذكر الخربة وكذا الذم بعد ذكر العصيان من الخاص بعد العام، وقال: وقد وهم من عد كلام عمرو بن سعيد هذا حديثًا، واحتج بما تضمَّنه كلامه؛ قال ابن حزم: لا كرامة للطيم الشيطان يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغرب ابن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور، ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره: قال أبو شريح: فقلت لعمرو قد كنت شاهدًا وكنت غائبًا، وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد بلغتك، فهذا يشعر بأنه لم يوافقه، وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوة الشوكة. ♦ قوله: (الخربة بالخاء المعجمة والراء المهملة). ♦ قال ابن بطال: الخُربة بالضم: الفساد، وبالفتح السرقة: وقد تشدق عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق، لكن أراد به الباطل، فإن الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة، فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص، إلا أن ابن الزبير لم يرتكبْ أمرًا يجب عليه فيه شيءٌ من ذلك، كان عمرو يرى وجوب طاعة يزيد الذي استنابه، وكان يزيد أمر ابن الزبير أن يبايع له بالخلافة، ويحضُر إليه في جامعه؛ يعني مغلولًا، فامتنع ابن الزبير وعاذ بالحرم، فكان يقال له بذلك: عائد الله، وكان عمرو يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد، ولهذا صدر كلامه بقوله: إن الحرم لا يعيذ عاصيًا، ثم ذكر بقية ما ذكر استطرادًا، فهذه شبهة عمرو وهي واهية، قال: وفي حديث أبي شريح من الفوائد غير ما تقدَّم جواز إخبار المرء عن نفسه بما يقتضي ثقته وضبطه لما سمعه، ونحو ذلك، وإنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلُطف وتدريج، والاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد، ووقوع التأكيد في الكلام البليغ، وجواز المجادلة في الأمور الدينية، وجواز النسخ، وأن مسائل الاجتهاد لا يكون فيها مجتهد حجة على مجتهد، وفيه الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره، لمن لا يستطيع بدًّا من ذلك، وتمسك به من قال: إن مكة فتحت عَنوة، قال: وفي الحديث شرف موقع وتقديم الحمد والثناء على القول المقصود؛ وإثبات خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، واستواء المسلمين معه في الحكم، إلا ما ثبت تخصيصه به ووقوع النسخ، وفضل أبي شريح لأتباعه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه، وغير ذلك[4]؛ انتهى والله أعلم. [1] فتح الباري: (4/ 43). [2] فتح الباري: (4/ 43). [3] فتح الباري: (4/ 44). [4] فتح الباري: (1/ 199).
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك قول عمر بن الخطاب في الحجر الأسود: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع" عن عمر - رضي الله عنه - أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، وقال: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبَّلتك". ♦ قوله: (جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله)، وفي رواية: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للركن: "أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك"؛ فاستَلمه. وفي حديث ابن عمر: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبِّله"، ولابن المنذر عن نافع: رأيت ابن عمر استلم الحجر وقبَّل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. ♦ قال الحافظ: (ويستفاد منه الجمع بين الاستلام والتقبيل، بخلاف الركن اليماني، فيستلمه فقط والاستلام: المسح باليد والتقبيل بالفم، وروى الشافعي من وجه آخر عن ابن عمر قال: استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه طويلًا؛ الحديث، واختص الحجر الأسود بذلك لاجتماع الفضيلتين له)[1]؛ انتهى. وعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر، فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبِله وهلِّل وكبِّر"؛ رواه أحمد. ♦ قوله: (أني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبَّلتك). ♦ قال الطبري: إنما قال ذلك عمر؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب التعظيم لهذه الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته، كما كان الجاهلية تعتقده في الأوثان؛ انتهى. وعن ابن عباس مرفوعًا: إن لهذا الحجر لسانًا وشفتين، يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق؛ رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصحَّحه ابن حبان والحاكم. ♦ قال الحافظ: وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحُسن الاتباع فيما لا يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال أن في الحجر الأسود خاصية ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنن بالقول والفعل، وأن الإمام إذا خشي على أحد مِن فعله فساد اعتقادٍ أن يبادر إلى بيان الأمر، ويوضِّح ذلك. قال شيخنا في شرح الترمذي: فيه كراهة تقبيل ما لم يورد الشرع بتقبيله. وأما قول الشافعي: ومهما قبَّل من البيت فحسن، فلم يرد به الاستحباب؛ لأن المباح من جملة الحسن عند الأصوليين[2]؛ انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (3/ 475). [2] فتح الباري: (3/ 462).
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: خمس من الدواب كلهن فواسق عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب كلهن فواسق، يُقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة والكلب العقور". ولمسلم: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم". ♦ قوله: (خمس من الدواب كلهنَّ فواسق يقتلن في الحرم)، وفي حديث ابن عمر: "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح"، وفي رواية عن عمر قالت حفصة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن"؛ الحديث. ♦ قال الحافظ: وأخرجه مسلم عن شيبان عن أبي عوانة، فزاد فيه أشياء، ولفظه: سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ فقال: حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفارة والعقرب والحداة والغراب والحية، قال: وفي الصلاة أيضًا، فلم يقل في أوله خمسًا، وزاد الحية، وزاد في آخره ذكر الصلاة؛ لينبه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال، قال: وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان، وزاد السبع العادي، فصارت سبعًا، وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة، فتصير بهذا الاعتبار تسعًا، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور[1]. ♦ قوله: (من الدواب)، جمع دابة، وهي ما يدب على الأرض من طير وغيره. قال تعالى: ï´؟ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ï´¾ [هود: 6]. ♦ قال الحافظ: (قال النووي وغيره: تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغة الخروج ومنه، فسقت الرطبة: إذا خرَجت عن قشرها، وقوله تعالى: ï´؟ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ï´¾ [الكهف: 50]؛ أي: خرج وسُمِّي الرجل فاسقًا لخروجه عن طاعة ربه، فهو خروج مخصوص. قال: وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق، فقيل: لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله، وقيل لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، ومن ثم اختلف أهل الفتوى، فمن قال بالأول ألحق بالخمس كل ما جاز قتلُه للحلال في الحرم وفي الحل، ومن قال بالثاني أُلحق ما لا يؤكل إلا ما نهى عن قتله، وهذا قد يجامع الأول، ومن قال بالثالث يخص الإلحاق بما يحصل منه الإفساد، ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجه قيل له: لِمَ قيل للفارة فويسقة، فقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت، فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك، لكون فعلها يثبه فعل الفساق وهو يرجح القول الأخير، والله أعلم)[2]. ♦ قوله: (يقتلن في الحرم)، وفي حديث ابن عمر: خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح. ♦ قال الحافظ: (وعرف بذلك أنْ لا إثم في قتلها على المحرم ولا في الحرم، ويؤخذ من جواز ذلك للحلال وفي الحل من باب الأولى، وقد وقع ذكر الحل صريحًا عند مسلم من طريق معمر عن الزهري عن عروة بلفظ: "يقتلن في الحل والحرم"، ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع، فهو بالجواز أولى. ♦ قوله: (الغراب) في رواية عند مسلم: الأبقع، وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض. ♦ قال الحافظ: قال ابن قدامة: يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل، وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب، ويقال له: غراب الزرع، ويقال له: الزاغ، وأفتوا بجواز أكده، فبقي ما عداه من الغربان ملتحق بالأبقع، ومنها الغداف على الصحيح في الروضة بخلاف تصحيح الرافعي، وسمى ابن قدامة الغداف غراب البين، والمعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع، قيل: سُمي غراب البين؛ لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها، ولم يرجع إلى نوح. وقال صاحب الهداية: المراد بالغراب في الحديث الغلاف والأبقع؛ لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا. ومن أنواع الغربان الأعصم، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياضٌ، أو حُمرة، وله ذكر في قصة حفر عبدالمطلب لزمزم وحُكمه حكم الأبقع، ومنها العقيق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل: سُمي بذلك؛ لأنه يعق فراخه، فيتركها بلا طعم، وبهذا يظهر أنه نوع من الغربان، قال وحُكمه حُكم الأبقع على الصحيح، وقيل: حُكم غراب الزرع، وقال أحمد: إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به)[3]. ♦ قوله: (والحدأ) بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد، وفي رواية: الحديَّا بضم أوله وتشديد التحتانية. ♦ قال الحافظ: (ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران، ويقال: إنها لا تختطف إلا من جهة اليمين. ♦ قوله: (والعقرب). ♦ قال الحافظ: وقد تقدم اختلاف الرواة في ذكر الحية بدلها في حديث الباب ومن جمعهما، والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبَّه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار، وبين حكمهما معًا حيث جمع، قال ابن المنذر: لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب، وقال نافع: لَمَّا قيل له: فالحية؟ قال: لا يختلف فيها، وفي رواية: ومن يشك فيها. ♦ قوله: (والفأرة). ♦ قال الحافظ: لم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم، إلا ما حكي عن إبراهيم النخعي؛ فإنه قال: فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه ابن المنذر، وقال: هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم، وروى البيهقي بإسناد صحيح عن حماد بن زيد قال: لما ذكروا له هذا القول ما كان بالكوفة، أفحش ردًّا للآثار من إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها، ولا أحسن اتباعًا لها من الشعبي لكثرة ما سمع. وقال: والفأر أنواع منها الجرذ بالجيم بوزن عمر، والخُلْد بضم المعجمة وسكون اللام، وفأرة الإبل، وفأرة المسك، وفأرة الغيط، وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء)[4]. ♦ قوله: (والكلب العقور)، قال مالك في الموطأ: كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم؛ مثل: الأسد والنمر والفهد والذئب، هو العقور. ♦ قال الحافظ: (وهو قول الجمهور، وقال بعض العلماء: أنواع الأذى مختلفة، وكأنه نبَّه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع، ونحوه من ذوات السموم؛ كالحية والزنبور، وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن عرس، وبالغراب والحدأة على ما يشاركها في الأذى بالاختطاف كالصقر، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر كالأسد والفهد)[5]؛ انتهى. قال في القاموس: ابن عرس دويبة أشتر أصلم أسك. تتمة: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الوزع فويسق"، ولم أسمعه أمر بقتله؛ رواه البخاري. ♦ قال الحافظ: (وقضية تسميته إياه فويسقًا أن يكون قتله مباحًا، وكونها لم تسمعه لا يدل على منع ذلك، فقد سمعه غيرها، انتهى. ♦ ونقل ابن عبدالبر: الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم، وروي ابن أبي شيبة أن عطاء سئل عن قتل الوزغ في الحرم، فقال: إذا آذاك فلا بأس بقتله)[6]؛ والله أعلم. ♦ قال في الاختيارات: (والقمل والبعوض والقرد إن قرصه قتَله عقابًا، وإلا فلا يقتله، ولا يجوز قتل النحل وهو يأخذ عسله، وإن لم يندفع ضرره إلا بقتله جاز[7]؛ انتهى والله أعلم. [1] فتح الباري: (4/ 35). [2] فتح الباري: (4/ 37). [3] فتح الباري: (4/ 38). [4] فتح الباري: (4/ 38). [5] فتح الباري: (4/ 40). [6] فتح الباري: (4/ 41). [7] الاختيارات الفقهية: (1/ 466).
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: دخل مكة من كداء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من كداء، من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى. ♦ قوله: (دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي بالبطحاء)، وفي حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء أعلى مكة، قال هشام: وكان عروة: يدخل على كلتيهما من كداء وكدا، وأكثر ما يدفع من كدا، وكانت أقربهما إلى منزله. ♦ قال الحافظ: (كداء بفتح الكاف والمد، قال أبو عبيد: لا يصرف وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلى مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها: الحجون، قال: وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبدالملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي، ثم سهل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع، ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة، وكل عقبة في جبل أو طريق عال فيه تسمى ثنية، قال: وكدا بضم الكاف مقصور، وهي عند باب شبيكة بقُرب شعب الساميين من ناحية قعيقعان، وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع إلى أن قال قوله، وكانت أقربهما إلي منزلةً فيه اعتذار هشام لأبيه؛ لكونه روى الحديث، وخالفه لأنه رأى أن ذلك ليس بحتم لازم، وكان ربما فعله وكثيرًا ما يفعل غيره بقصد التيسير؛ انتهى. واختلف في المعنى الذي لأجله خالف صلى الله عليه وسلم بين طريقيه، فقيل: الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلو عند الدخول لِما فيه من تعظيم المكان، وعكسه الإشارة إلى فراقه، وقيل: ليشهد له الطريقان، وقيل: لأنه صلى الله عليه وسلم خرج منها مختفيًا في الهجرة، فأراد أن يدخلها جاهرًا عاليًا، وقيل: لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلًا للبيت. ♦ قال الحافظ: ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح، فاستمر على ذلك والسبب في ذلك قول أبي سفيان بن حرب للعباس: لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء، فقلت: ما هذا؟ قال: شيء طلع بقلبي، وإن الله لا يطلع الخيل هناك أبدًا، قال العباس: فذكرت أبا سفيان بذلك. وللبيهقي من حديث ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "كيف قال حسان؟". فأنشده: عدمت بنيتي إن لم تَروها *** تثير النقع مطلعها كداء فتبسم وقال: "ادخلوها من حيث قال حسان")[1]؛ انتهى. وفي "السيرة" لابن إسحاق: عدِمنا خليلنا إن لم تَروها *** تثير النفعَ موعدها كداء ♦ قال الحافظ: (تنبيه: حكي الحميدي عن أبي العباس العذري أن بمكة موضعا ثالثًا يقال له: كدي وهو بالضم والتصغير، يخرج منه إلى جهة اليمن، قال المحب الطبري: حقَّقه العذري عن أهل المعرفة بمكة قال: وقد بني عليها باب مكة الذي يدخل منه أهل اليمن)[2]؛ انتهى والله أعلم. [1] فتح الباري: (3/ 438). [2] فتح الباري: (3/ 438).
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: دخل رسول الله البيت وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم الباب، فلما فتحوا الباب كنت أول داخل، فلقيت بلالًا، فسألته: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، بين العمودين اليمانيين. قوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت)، في رواية: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتى أناخ في المسجد، وفي رواية: عند البيت وقال لعثمان: ائتنا بالمفتاح، ففتح له الباب، فدخل، ولمسلم: ثم دعا عثمان بن طلحة، فقال: "ائتني بالمفتاح"، فذهب إلى أمِّه، فأبت أن تعطيَه، فقال: والله لتعطينيه أو ليخرجنَّ هذا السيف من صلبي، قال: فأعطته إياه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه إليه ففتح الباب. ♦ قال الحافظ: (وعثمان المذكور هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبدالعزى بن عبدالدار بن قصي بن كلاب، ويقال له: الحجبي، ولآل بيته: الحجبة لحجبهم الكعبة، ويعرفون الآن بالشيبيين، نسبةً إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده، وله أيضًا صحبة ورواية)[1]. ♦ قوله: (فأغلقوا عليهم الباب)، وعند أبي عوانة من داخل قوله: فلما فتحو الباب، في رواية: فلبث فيه ساعة ثم خرجوا. ♦ قوله: (فلما فتحوا الباب كنت أول داخل)، في رواية: ثم خرج فابتدر الناس الدخول فسبقتهم، وفي رواية: فرقيت الدرجة فدخلت البيت. ♦ قوله: (فلقيت بلالًا)، في رواية: فأقبلت والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج، وأجد بلالًا قائمًا بين البابين، فسألت بلالًا، فقلت: أصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: نعم، ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين. ♦ قوله: (بين العمودين اليمانيين)، في رواية: جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره، وفي رواية: بين ذينك العمودين المقدمين، وكان البيت على ستة أعمدة سطرين، صلى بين العمودين من السطر المقدم، وجعل باب البيت خلف ظهره، وفي رواية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل الوجه حين يدخل، ويجعل الباب قبل الظهر، يمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاث أذرع فيصلي، يتوخى المكان الذي أخبره بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وليس على أحد بأس أن يصلي في أي نواحي البيت شاء. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أحبُّ أن أدخل البيت أُصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأدخلني الحجر، فقال لي: "صلي في الحجر إذا أردتِ دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استنصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت"؛ رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصحَّحه الترمذي. ♦ واستدل البخاري بحديث ابن عمر على جواز الصلاة بين السواري في غير الجماعة. ♦ قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق. وفي الحديث استحباب دخول الكعبة والصلاة فيها، وليس ذلك بواجب. ♦ قال البخاري: وكان ابن عمر يحج كثيرًا ولا يدخل البيت. ♦ وقال النووي: لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل في يوم الفتح لا في حجة الوداع[2]. ♦ قال الحافظ: (وفي هذا الحديث من الفوائد رواية الصاحب عن الصاحب، وسؤال المفضول مع وجود الأفضل، والاكتفاء به، قال: وفيه اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة، وفيه السؤال عن العلم والحرص فيما، وفضيلة ابن عمر؛ لشدة حرصه على تتبُّع آثار النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليعمل بها، وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة، ويحضره مَن هو دونه، فيطلع على ما لم يطلع عليه؛ لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومَن ذُكِر معه، لم يشاركوهم في ذلك، وفيه أن السترة إنما تشرع حيث يُخشَى المرور، فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين، ولم يُصلِّ إلى أحدهما، والذي يظهر أنه ترك ذلك للقرب من الجدار، ويستفاد منه أن قول العلماء تحية المسجد الحرام الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة؛ لكونه صلى الله عليه وسلم جاء فأناخ عند البيت، فدخله فصلى فيه ركعتين، فكانت تلك الصلاة إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل، أو هو تحية المسجد العام، والله أعلم، وفيه استحباب دخول الكعبة ومحل استحبابه، ما لم يؤذ أحدًا بدخوله، وفيه استحباب الصلاة في الكعبة، وهو ظاهر في النفل، ويلتحق به الفرض؛ إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال للمقيم، وهو قول الجمهور، وعن ابن عباس: لا تصح الصلاة داخلها مطلقًا، وعلله بأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها، وقد ورد الأمر باستقبالها، فيُحمل على استقبال جميعها، وقال به بعض المالكية والظاهرية والطبري، وقال المازري: المشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة، وعن ابن عبدالحكم الإجزاء، وصحَّحه ابن عبدالبر وابن العربي، وعن ابن حبيب يعيد أبدًا، وعن أصبغ إن كان متعمدًا، وأطلق الترمذي عن مالك جواز النوافل، وقيَّده بعض أصحابه بغير الرواتب، وما تُشرَع فيه الجماعة، وفي شرح العمدة لابن دقيق العيد: كرِه مالك الفرض أو منعَه، فكأنه أشار إلى اختلاف النقل عنه في ذلك، ويلتحق بهذه المسألة الصلاة في الحجر)[3]؛ انتهى، والله أعلم. ♦ وقال في "الشرح الكبير" لابن قدامة[4]: مسألة: ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها، وقال الشافعي وأبو حنيفة: تصح؛ لأنه مسجد، ولأنه محل لصلاة النفل، فكان محلًّا للفرض كخارجها، ولنا قوله تعالى: ï´؟ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ï´¾ [البقرة: 144]، والمصلي فيها أو على سطحها غير مستقبل لجِهتها، فأما النافلة فمبناها على التخفيف والمسامحة بدليل صحتها قاعدًا، وإلى غير القبلة في السفر على الراحلة؛ انتهى والله أعلم. [1] فتح الباري: (3/ 464). [2] يطلع فتح الباري: (3/ 469). [3] فتح الباري: (3/ 467). [4] الشرح الكبير: (1 /482).
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - داخل الكعبة عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم الباب، فلما فتحوا الباب كنت أول داخل، فلقيت بلالًا فسألته: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، بين العمودين اليمانيين. ♦ قوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت)، في رواية: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتى أناخ في المسجد، وفي رواية: عند البيت وقال لعثمان: ائتنا بالمفتاح، ففتح له الباب، فدخل، ولمسلم: ثم دعا عثمان بن طلحة، فقال: "ائتني بالمفتاح"، فذهب إلى أمه، فأبت أن تعطيه، فقال: والله لتعطينيه أو ليخرجنَّ هذا السيف مِن صلبي، قال: فأعطته إياه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه إليه ففتح الباب. ♦ قال الحافظ: (وعثمان المذكور هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبدالعزى بن عبدالدار بن قصي بن كلاب، ويقال له: الحجبي، ولآل بيته: الحجبة؛ لحجبهم الكعبة، ويعرفون الآن بالشيبيين، نسبةً إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده، وله أيضًا صحبة ورواية)[1]. ♦ قوله: (فأغلقوا عليهم الباب)، وعند أبي عوانة من داخل قوله: فلما فتحو الباب، في رواية: فلبث فيه ساعة ثم خرجوا. ♦ قوله: (فلما فتحوا الباب كنت أول داخل)، في رواية: ثم خرج فابتدر الناس الدخول فسبقتهم، وفي رواية: فرقيت الدرجة فدخلت البيت. ♦ قوله: (فلقيت بلالًا)، في رواية: فأقبلت والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج، وأجد بلالًا قائمًا بين البابين، فسألت بلالًا، فقلت: أصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: نعم، ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين. ♦ قوله: (بين العمودين اليمانيين)، في رواية: جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره، وفي رواية: بين ذينك العمودين المقدمين، وكان البيت على ستة أعمدة سطرين، صلى بين العمودين من السطر المقدم، وجعل باب البيت خلف ظهره، وفي رواية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل الوجه حين يدخل، ويجعل الباب قبل الظهر، يمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قِبَل وجْهه قريبٌ من ثلاث أذرع فيصلي، يتوخى المكان الذي أخبره بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وليس على أحد بأس أن يصلي في أي نواحي البيت شاء. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أحب أن أدخل البيت أُصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر، فقال لي: "صلِّي في الحجر إذا أردتِ دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استنصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت"؛ رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي. ♦ واستدل البخاري بحديث ابن عمر على جواز الصلاة بين السواري في غير الجماعة. ♦ قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك ومحل الكراهة عند عدم الضيق. وفي الحديث استحباب دخول الكعبة والصلاة فيها، وليس ذلك بواجبٍ. ♦ قال البخاري: وكان ابن عمر يحج كثيرًا ولا يدخل البيت. ♦ وقال النووي: لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل في يوم الفتح لا في حجة الوداع[2]. ♦ قال الحافظ: (وفي هذا الحديث من الفوائد رواية الصاحب عن الصاحب، وسؤال المفضول مع وجود الأفضل، والاكتفاء به، قال: وفيه اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة، وفيه السؤال عن العلم والحرص فيه، وفضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبُّع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها، وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة، ويحضره من هو دونه، فيطلع على ما لم يطلع عليه؛ لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومَن ذُكِر معه، لم يشاركوهم في ذلك، وفيه أن السترة إنما تُشرَع حيث يخشى المرور، فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين، ولم يصل إلى أحدهما، والذي يظهر أنه ترك ذلك للقرب من الجدار، ويستفاد منه أن قول العلماء تحية المسجد الحرام الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة؛ لكونه صلى الله عليه وسلم جاء فأناخ عند البيت، فدخله فصلى فيه ركعتين، فكانت تلك الصلاة إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل، أو هو تحية المسجد العام، والله أعلم، وفيه استحباب دخول الكعبة، ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحدًا بدخوله، وفيه استحباب الصلاة في الكعبة، وهو ظاهر في النفل، ويلتحق به الفرض؛ إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال للمقيم، وهو قول الجمهور، وعن ابن عباس: لا تصح الصلاة داخلها مطلقًا، وعلَّله بأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها، وقد ورد الأمر باستقبالها، فيحمل على استقبال جميعها، وقال به بعض المالكية والظاهرية والطبري، وقال المازري: المشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة، وعن ابن عبدالحكم الإجزاء، وصححه ابن عبدالبر وابن العربي، وعن ابن حبيب يعيد أبدًا، وعن أصبغ إن كان متعمدًا، وأطلق الترمذي عن مالك جواز النوافل، وقيَّده بعض أصحابه بغير الرواتب، وما تشرع فيه الجماعة، وفي شرح العمدة لابن دقيق العيد كرِه مالك الفرض أو منعه، فكأنه أشار إلى اختلاف النقل عنه في ذلك، ويلتحق بهذه المسألة الصلاة في الحجر)[3]؛ انتهى، والله أعلم. * وقال في "الشرح الكبير" لابن قدامة[4]: مسألة: ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها، وقال الشافعي وأبو حنيفة: تصح؛ لأنه مسجد، ولأنه محل لصلاة النفل، فكان محلًّا للفرض كخارجها، ولنا قوله تعالى: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]، والمصلي فيها أو على سطحها غير مستقبل لجهتها، فأما النافلة فمبناها على التخفيف والمسامحة بدليل صحتها قاعدًا، وإلى غير القبلة في السفر على الراحلة؛ انتهى: والله أعلم. [1] فتح الباري: (3/ 464). [2] يطلع فتح الباري: (3/ 469). [3] فتح الباري: (3/ 467). [4] الشرح الكبير: (1 /482).
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود، أول ما يطوف يَخُبُّ ثلاثة أشواط. ♦ قال البخاري: باب كيف كان بدء الرَّمَل[1]، وذكر الحديثين. ♦ قال الحافظ: (أي ابتداء مشروعيته وهو بفتح الراء والميم هو الإسراع، وقال ابن دريد: هو شبيه بالهرولة، وأصله أن يحرك الماشي منكبيه في مشيه)[2]. ♦ قوله: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة)؛ أي: في عمرة القضاء. ♦ قوله: (فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حُمى يثرب)، وفي رواية: قد وهنتهم حمى يثرب؛ أي: أضعفتهم. ♦ قال الحافظ: (ويثرب اسم المدينة النبوية في الجاهلية، ونُهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك، وإنما ذكر ابن عباس ذلك حكايةً لكلام المشركين. ♦ قوله: (فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين). الأشواط: جمع شوط، وهو الجري مرة إلى الغاية، والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة. ♦ قوله: (وأن يمشوا ما بين الركنين)؛ أي: اليمانيين، وعند أبي داود: وكانوا إذا تواروا عن قريش بين الركنين مشوا، وإذا طلعوا عليهم رملوا، وللبخاري: فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم لعامه الذي استأمن، قال: ارملوا؛ ليرى المشركون قوتهم، والمشركون مِن قِبَلِ قعيقعان. ♦ قال الحافظ: وهو يشرف على الركنين الشاميين، ومن كان به لا يرى من بين الركنين اليمانيين، ولمسلم: فقال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحُمى وهنتهم، لهؤلاء أجلد من كذا... ♦ قوله: (ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم)، الذي في البخاري: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم؛ أي: الرفق بهم والإشفاق عليهم. ♦ قال الحافظ: لم يمنعه من أمرهم بالرمل في جميع الطوفان إلا الرفق بهم)[3]. ♦ وقال البخاري: باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا، ثم ذكر حديث ابن عمر: "يخب ثلاثة أشواط"، في رواية: "يخب ثلاثة أطراف من السبع"، وفي رواية: كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول يخب ثلاثة أطراف ويمشي أربعة، وأنه كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة، وفي رواية: كان إذا طاف في الحج أو العمرة أوَّل ما يقدم، سعى ثلاثة أطراف ومشى أربعة، ثم سجد سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة[4]. وقوله: يخب؛ أي: يُسرع في مشيه. قوله: من السَّبع بفتح أوله؛ أي: السبع طوفات، وظاهره أن الرمل يستوعب الكوفة، فهو مغاير لحديث ابن عباس الذي قبله؛ لأنه صريح في عدم الاستيعاب. ♦ قال الحافظ: (اقتصروا عند مراءاة المشركين على الإسراع إذا مروا من جهة الركنين الشاميين؛ لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية، فإذا مروا بين الركنين العمانيين مشوا على هيئتهم كما هو بيِّن في حديث ابن عباس، ولما رملوا في حجة العدل أسرعوا في جميع كل طرفة، فكانت سنة مستقلة؛ انتهى. وفي حديث ابن عمر: فما لنا وللرمل، إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نحب أن نتركه. وعند الحاكم من حديث أبي سعيد: رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَجته وعمره كلها وأبو بكر وعمر والخلفاء، وزاد أبو داود في حديث عمر: فيم الرمل والكشف عن المناكب؛ الحديث، والمرادُ به: الاضطباعُ. ♦ قال الحافظ: أن عمر كان همَّ بترك الرمل في الطواف؛ لأنه عرف سببه وقد انقضى، فهمَّ أن يتركه لفقْد سببه، ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن تكون له حكمة ما اطَّلع عليها، فرأى أن الاتِّباع أولى من طريق المعنى، وأيضًا أن فاعل ذلك إذا فعله تذكَّر السبب الباعث على ذلك، فيتذكر نعمة الله على إعزاز الإسلام وأهله)[5]. ♦ قال الموفق: (ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمدًا، أو طواف القدوم إن كان مفردًا أو قارنًا، ويطوف سبعًا يرمل في الثلاثة الأولى منها، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى، ولا يثب وثبًا، ويمشي أربعًا)[6]؛ انتهى. ♦ قال الحافظ: (لا يشرع تداركُ الرمل، فلو تركه في الثلاث لم يقْضه في الأربع؛ لأن هيئتها السكينة فلا تغير، ويختص بالرجال فلا رمل على النساء، ويختص بطواف يعقبه سعي على المشهور، ولا فرق في استحبابه بين ماش وراكب، ولا دم بتركه عند الجمهور، وقال الطبري: قد ثبت أن الشارع رمل ولا مشرك يومئذ بمكة؛ يعني في حجة الوداع، فعلم أنه من مناسك الحج، إلا أن تاركه ليس تاركًا لعمل، بل لهيئة مخصوصة، فكان كرفع الصوت بالتلبية، فمن لَبَّى خافضًا صوته، لم يكن تاركًا للتلبية، بل لصفتها، ولا شيء عليه)[7]. [1] صحيح البخاري: (2 /184). [2] فتح الباري: (3/ 463). [3] فتح الباري: (7/ 509). [4] صحيح البخاري: (2 /185). [5] فتح الباري: (3 /472). [6] الشرح الكبير لابن قدامة: (3 /382). [7] فتح الباري: (3 /472).
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حَجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حَجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن. ♦ قال البخاري: باب إدخال البعير في المسجد للعلة، وقال ابن عباس: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير، ثم ذكر حديث أم سلمة قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، قال: "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة"، فطفتُ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور[1]. ♦ قال الحافظ: (قوله: باب إدخال البعير في المسجد للعلة؛ أي: للحاجة)[2]. ♦ وقال البخاري أيضًا: باب استلام الركن بالمحجن[3]، وذكر حديث ابن عباس. ♦ قال الحافظ: المحجن هو عصا محنية الرأس. ♦ قوله (يستلم الركن بمحجن)؛ زاد مسلم: ويقبل المحجن، وله من حديث ابن عمر أنه استلم الحجر بيده ثم قبَّله ورفع ذلك، ولسعيد بن منصور من طريق عطاء، قال: رأيتُ أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابرًا إذا استلموا الحجر، قبَّلوا أيديهم، قيل: وابن عباس، قال: وابن عباس أحسبه قال كثيرًا. ♦ قال الحافظ: (وبهذا قال الجمهور أن السنة أن يستلم الركن ويقبِّل يده، فإن لم يستطع أن يستلمه بيده، استلمه بشيء في يده، وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك)[4]. ♦ قال البخاري: باب التكبير عند الركن[5]. وذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظه طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى الركن أشار إليه بشيء كان عنده وكبَّر. ♦ قال الحافظ: (والمراد بالشيء المحجن، وفيه استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طرفة)[6]. ♦ وقال البخاري: باب المريض يطوف راكبًا[7]، وأورد فيه حديث ابن عباس، وحديث أم سلمة. ♦ قال الحافظ: (حمل المصنف سبب طوافه صلى الله عليه وسلم راكبًا على أنه كان عن شكوى، وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس أيضًا بلفظ: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته، ووقع في حديث جابر عند مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبًا ليراه الناس وليسألوه، فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين، وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبًا لغير عذر، وكلام الفقهاء يقتضي الجواز، إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيهًا، والذي يترجح المنع؛ لأن طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة، كان قبل أن يحوط المسجد، ووقع في حديث أم سلمة: طوفي من وراء الناس، وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف، وإذا حوط المسجد امتنع داخله؛ إذ لا يؤمن التلويث كما في السعي، وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار، وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبًا، فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه، ولذلك عدَّه بعض مَن جمَع خصائصه فيها. ♦ قال الحافظ: على حديث أم سلمة، وفيه جواز الطواف للراكب إذا كان لعذرٍ، وإنما أمرها أن تطوف من وراء الناس؛ ليكون أستر لها، ولا تقطع صفوفهم أيضًا، ولا يتأذون بدابتها، ويلتحق بالراكب المحمول إذا كان له عذرٌ، وهل يجزئ هذا الطواف عن الحامل والمحمول فيه بحث)[8]؛ انتهى. ♦ قال الموفق: (وأما الطواف، فإنه إن أمكنه المشي مشى، وإلا طيف به محمولًا أو راكبًا، فإن أبا بكر طاف بابن الزبير في خرقة، ولأن الطواف بالكبير محمولًا لعذر يجوز، فالصغير أولى، ولا فرق بين أن يكون الحامل له حلالًا أو حرامًا ممن أسقط الفرض عن نفسه، أو لم يسقطه؛ لأن الطواف للمحمول لا للحامل، ولذلك صحَّ أن يطوف راكبًا على بعير، وتعتبر النية في الطائف به، فإن لم ينو الطواف عن الصبي لم يُجزئه؛ لأنه لما لم تعتبر النية من الصبي، اعتبرت من غيره كما في الإحرام، فإن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي، احتمل وقوعه عن نفسه، كالحج إذا نوى به عن نفسه وغيره، واحتمل أن يقع عن الصبي، كما لو طاف بكبير ونوى كل واحد منهما عن نفسه، لكون المحمول أولى، واحتمل أن يلغو لعدم التعيين، لكون الطواف لا يقع عن غير معين)[9]؛ انتهى. ♦ قال ابن مفلح: (ويجزئ الطواف راكبًا لعذر، نقله الجماعة وعنه: ولغيره، اختاره أبو بكر وابن حامد، وعنه: مع دم، وكذا المحمول مع نيَّته، وصحة أخذ الحامل منه الأجرة يدل على أنه قصده به؛ لأنه لا يصح أخذها عما يفعله عن نفسه، وذكره القاضي وغيره ويأتي في الحلق: لا يشارطه عليه؛ لأنه نُسك، وقيل: مع نيَّتهما يُجزئ عنهما، وقيل: عكسه، وكذا السعي راكبًا، نص عليه، وذكره الخرقي والقاضي وغيرهما، وذكر الشيخ: يجزئ)[10]؛ انتهى، والله أعلم. [1] صحيح البخاري: (1/ 125). [2] فتح الباري: (1/ 557). [3] صحيح البخاري: (2/ 185). [4] فتح الباري: (3/ 473). [5] صحيح البخاري: (1/ 186). [6] فتح الباري: (3/ 476). [7] صحيح البخاري: (3/ 190). [8] فتح الباري: (3/ 490). [9] المغني: (6/ 332). [10] الفروع: (6/ 109).
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك استلام الركنين اليمانيين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين. ♦ قال البخاري: باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، وقال محمد بن بكر: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء أنه قال: "ومن يتقي شيئًا من البيت؟"، وكان معاوية يستلم الأركان، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لا يستلم هذان الركنان، فقال: ليس شيء من البيت مهجورًا، وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يستلمهن كلهنَّ. حدثنا أبو الوليد، حدثنا ليث، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبدالله عن أبيه رضي الله عنهما قال: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين[1]. ♦ قال الحافظ: (قوله: باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين؛ أي: دون الركنين الشاميين)[2]. قوله: وكان معاوية يستلم الأركان. قال الحافظ: (وصله أحمد والترمذي والحاكم من طريق عبدالله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل، قال: كنت مع ابن عباس ومعاوية، فكان معاوية لا يمر بركن إلا استلمه، فقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الحجر واليماني، فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا، إلى أن قال: وروي الشافعي من طريق محمد بن كعب القرظي أن ابن عباس كان يمسح الركن اليماني والحجر، وكان ابن الزبير يمسح الأركان كلها، ويقول: ليس شيء من البيت مهجورًا، فيقول ابن عباس: ï´؟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ï´¾ [الأحزاب: 21]، ولفظ رواية مجاهد المذكورة عن ابن عباس أنه طاف مع معاوية، فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا، فقال له ابن عباس: ï´؟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ï´¾ [الأحزاب: 21]، فقال معاوية: صدقت، قال الداودي: ظن معاوية أنهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول، وليس كذلك لما في حديث عائشة، والجمهور على ما دل عليه حديث ابن عمر. ♦ قوله: (لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين). ♦ قال ابن عمر: إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الشاميين؛ لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم. ♦ قال الأزرقي: إن ابن الزبير لما فرغ من بناء البيت، وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم، خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف بالبيت، واستلم الأركان الأربعة، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير إذا طاف الطائف استلم الأركان جميعها حتى قتل ابن الزبير. ♦ قال الحافظ: وأجاب الشافعي عن قول من قال: ليس شيء من البيت مهجورًا بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به، ولكنا نتبع السنة فعلًا أو تركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما، لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به، ويؤخذ منه حفظ المراتب وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، وتنزيل كل أحد منزلته. فائدة: في البيت أربعة أركان، الأول له فضيلتان كون الحجر الأسود فيه، وكونه على قواعد إبراهيم، وللثاني الثانية فقط، وليس للآخرين شيء منهما، فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط، ولا يقبل الآخران ولا يستلمان هذا على رأي الجمهور)[3]؛ انتهى. تتمة: ♦ قال البخاري: باب طواف النساء مع الرجال، وقال لي عمرو بن علي: حدثنا أبو عاصم: قال ابن جريج: أخبرنا قال: أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهنَّ وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب، أو قبل، قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطنَّ الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجرةً من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنكِ، وأَبَتْ، وكنَّ يخرجنَ متنكرات بالليل، فيَطُفْنَ مع الرجال، ولكنهنَّ كنَّ إذا دخلنَ البيت، قُمن حتى يدخلنَ، وأخرج الرجال وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثَبير، قلت: وما حجابها، قال: هي في قبة تركية لها غشاء وما بيننا وبينها غير ذلك، ورأيت عليها درعًا موردًا[4]، وبالله التوفيق. [1] صحيح البخاري: (2 /186). [2] فتح الباري: (3 /473). [3] فتح الباري: (3/ 474). [4] صحيح البخاري: (2 /187).
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك التمتع في الحج عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي، قال: سألت ابن عباس عن المتعة، فأمرني بها، وسألته عن الهدي، فقال: فيه جزور أو بقرة أو شاة، أو شرك في دم، قال: وكأن أناسًا كرِهوها، فنمتُ فرأيتُ في المنام كأن إنسانًا ينادي: حج مبرور ومتعة متقبلة، فأتيت ابن عباس فحدثته، فقال: الله أكبر، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. التمتع: هو الاعتماد في أشهر الحج، ثم التحلل من تلك العمرة، والإهلال بالحج في تلك السنة؛ قال الله تعالى: ï´؟ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ï´¾ [البقرة: 196]. ♦ قال ابن عبدالبر: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى: ï´؟ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ï´¾ أنه الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، قال: ومن التمتع القران؛ لأنه تمتع بسقوط سفر للنسك الآخر من بلده، ومن التمتع أيضًا فسخ الحج إلا العمرة؛ انتهي. ♦ قوله: (عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي). ♦ قال البخاري: باب التمتع والإقران والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي. حدثنا آدم، حدثنا شعبة، أخبرنا أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي قال: تمتعت فنهاني ناس، فسألت ابن عباس فأمرني، فرأيت في المنام كأن رجلًا يقول لي: حج مبرور وعمرة متقبلة، فأخبرت ابن عباس فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أقم عندي فأجْعل لك سهمًا من مالي، قال شعبة: فقلت: لِمَ؟ فقال: للرؤيا التي رأيت[1]. ♦ قوله: (سألت ابن عباس عن المتعة، فأمرني بها)، وفي رواية: تمتَّعت فنهاني ناس، فسألت ابن عباس رضي الله عنهما، فأمرني بها. ♦ قال الحافظ: وكان ذلك في زمن ابن الزبير، وكان ينهى عن المتعة؛ كما رواه مسلم من حديث أبي الزبير عنه وعن جابر، ونقل ابن أبي حاتم عن ابن الزبير أنه كان لا يرى التمتع إلا للمحصر، ووافَقه علقمة وإبراهيم، وقال الجمهور: لا اختصاص بذلك للحصر[2]. قوله: فأمرني بها؛ أي: أن أستمر على عمرتي. ♦ قوله: (وسألته عن الهدي) أي: المذكور في قوله تعالى: ï´؟ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ï´¾ [البقرة: 196]. ♦ قوله: (فيه جزور)؛ أي: في المتعة؛ يعني: يجب على مَن تمتَّع دم، والجزور البعير ذكرًا كان أو أنثى. ♦ قوله: (أو بقرة أو شاة أو شرك في دم)؛ أي: مشاركة في الجزور والبقرة. ♦ قال الحافظ: (وهذا موافق لما رواه مسلم عن جابر، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُهلين بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة، وبهذا قال الشافعي والجمهور، سواء كان الهدي تطوعًا أو واجبًا، وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك، أو كان بعضهم يريد التقرب وبعضهم يريد اللحم، وأجمعوا على أن الشاة لا يصح الاشتراك فيها)[3]. ♦ قوله: (وكأن أناسًا كرهوها، فنمت فرأيتُ في المنام كأن إنسانًا ينادي: حج مبرور ومتعة متقبلة)، وفي رواية: "كأن رجلًا يقول لي: حج مبرور وعمرة متقبلة"، وفي رواية: عمرة متقبلة وحج مبرور، والحج المبرور هو الذي لا يخالطه شيءٌ من الإثم. ولأحمد من حديث جابر قالوا: يا رسول الله، ما برُّ الحج؟ قال: "إطعام الطعام وإفشاء السلام". ♦ قوله: (فأتيت ابن عباس فحدَّثته، فقال: الله أكبر، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم). ♦ قال الحافظ: (ويؤخذ منه إكرامُ من أخبر المرء بما يسرُّه، وفرَحُ العالم بموافقته الحق، والاستئناس بالرؤيا لموافقةِ الدليل الشرعي، وعرضُ الرؤيا على العالم، والتكبيرُ عند المسرة، والعملُ بالأدلة الظاهرة، والتنبيهُ على اختلاف أهل العلم؛ ليعمل بالراجح منه الموافق للدليل)[4]. وبالله التوفيق. [1] صحيح البخاري: (2 /174). [2] فتح الباري: (3 /430). [3] فتح الباري: (3/ 534). [4] فتح الباري: (3/ 431).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |