|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1371
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإنسان الحلقة (1371) صــ 91 الى صــ100 حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أيّ الماءين سبق أشبه عليه أعمامه وأخواله. قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) قال: ألوان النطفة؛ نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة حمراء وخضراء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: بل هي العروق التي تكون في النطفة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، قال: ثنا المسعودي، عن عبد الله بن المخارق، عن أبيه، عن عبد الله، قال: أمشاجها: عروقها. حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا أُسامة بن زيد، عن أبيه، قال: هي العروق التي تكون في النطفة. وأشبه هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى ذلك (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) نطفة الرجل ونطفة المرأة، لأن الله وصف النطفة بأنها أمشاج، وهي إذا انتقلت فصارت علقة، فقد استحالت عن معنى النطفة فكيف تكون نطفة أمشاجا وهي علقة؟ وأما الذين قالوا: إن نطفة الرجل بيضاء وحمراء، فإن المعروف من نطفة الرجل أنها سحراء على لون واحد، وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة، وإذا كانت لونا واحدا لم تكن ألوانا مختلفة، وأحسب أن الذين قالوا: هي العروق التي في النطفة قصدوا هذا المعنى. وقد حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: إنما خلق الإنسان من الشيء القليل من النطفة. ألا ترى أن الولد إذا أسكت ترى له مثل الرّير؟ وإنما خلق ابن آدم من مثل ذلك من النطفة أمشاج نبتليه. وقوله: (نَبْتَلِيهِ) نختبره. وكان بعض أهل العربية يقول: المعنى: جعلناه سميعًا بصيرا لنبتليه، فهي مقدّمة معناها التأخير، إنما المعنى خلقناه وجعلناه سميعًا بصيرا لنبتليه، ولا وجه عندي لما قال يصحّ، وذلك أن الابتلاء إنما هو بصحة الآلات وسلامة العقل من الآفات، وإن عدم السمع والبصر، وأما إخباره إيانا أنه جعل لنا أسماعا وأبصارا في هذه الآية، فتذكير منه لنا بنعمه، وتنبيه على موضع الشكر؛ فأما الابتلاء فبالخلق مع صحة الفطرة، وسلامة العقل من الآفة، كما قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) . وقوله: (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) يقول تعالى ذكره: فجعلناه ذا سمع يسمع به، وذا بصر يبصر به، إنعاما من الله على عباده بذلك، ورأفة منه لهم، وحجة له عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالا وَسَعِيرًا (4) } . يعني جلّ ثناؤه بقوله: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) إنا بينا له طريق الجنة، وعرّفناه سبيله، إن شكر، أو كفر. وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت إما وإما في معنى الجزاء، وقد يجوز أن تكون إما وإما بمعنى واحد، كما قال: (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) فيكون قوله: (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) حالا من الهاء التي في هديناه، فيكون معنى الكلام إذا وُجه ذلك إلى هذا التأويل: إنا هديناه السبيل، إما شقيا وإما سعيدا، وكان بعض نحويِّي البصرة يقول ذلك كما قال: (إما العذاب وإما الساعة) كأنك لم تذكر إما، قال: وإن شئت ابتدأت ما بعدها فرفعته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) قال: الشقوة والسَّعادة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا) للنعم (وَإِمَّا كَفُورًا) لها. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ ... ) إلى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) قال: ننظر أيّ شيء يصنع، أيّ الطريقين يسلك، وأيّ الأمرين يأخذ، قال: وهذا الاختبار. وقوله: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلَ) يقول تعالى ذكره: إنا أعتدنا لمن كفر نعمتنا وخالف أمرنا سلاسل يُسْتَوْثَق بها منهم شدّا في الجحيم (وأغْلالا) يقول: وتشدّ بالأغلال فيها أيديهم إلى أعناقهم. وقوله: (وَسَعِيرًا) يقول: ونارا تُسْعر عليهم فتتوقد. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) } . القول في تأويل قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) } . يقول تعالى ذكره: إن الذين برّوا بطاعتهم ربهم في أداء فرائضه، واجتناب معاصيه، يشربون من كأس، وهو كل إناء كان فيه شراب (كَانَ مِزَاجُها) يقول: كان مزاج ما فيها من الشراب (كافُورًا) يعني: في طيب رائحتها كالكافور. وقد قيل: إن الكافور اسم لعين ماء في الجنة، فمن قال ذلك، جعل نصب العين على الردّ على الكافور، تبيانا عنه، ومن جعل الكافور صفة للشراب نصبها، أعني العين عن الحال، وجعل خبر كان قوله: (كافُورًا) ، وقد يجوز نصب العين من وجه ثالث، وهو نصبها بإعمال يشربون فيها فيكون معنى الكلام: إن الأبرار يشربون عينا يشرب بها عباد الله، من كأس كان مزاجها كافورا. وقد يجوز أيضا نصبها على المدح، فأما عامة أهل التأويل فإنهم قالوا: الكافور صفة للشراب على ما ذكرت. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (مِزَاجُهَا كَافُورًا) قال: تمزج. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) قال: قوم تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك. وقوله: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: كان مزاج الكأس التي يشرب بها هؤلاء الأبرار كالكافور في طيب رائحته من عين يشرب بها عباد الله الذين يدخلهم الجنة، والعين على هذا التأويل نصب على الحال من الهاء التي في (مزاجها) ويعني بقوله: (يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) يُرْوَى بها ويُنتقع. وقيل: يشرب بها ويشربها بمعنى واحد. وذكر الفرّاء أن بعضهم أنشده: شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَقَّعَتْ ... مَتى لُجَج خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ (1) وعني بقوله: "متى لجج" من، ومثله: إنه يتكلم بكلام حسن، ويتكلم كلاما حسنا. وقوله: (يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) يقول تعالى ذكره: يفجرون تلك العين التي يشربون بها كيف شاءوا وحيث شاءوا من منازلهم وقصورهم تفجيرا، ويعني بالتفجير: الإسالة والإجراء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) قال: يعدّلونها حيث شاءوا. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) قال: يقودونها حيث شاءوا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) (1) الحديث 141- إسناد هذا الخبر ضعيف، كما فصلنا القول فيه، في إسناد الخبر 137. وهذا الذي هنا نقله السيوطي في الدر المنثور 1: 8 مع باقيه الآتي برقم 148 بالإسناد نفسه. ونسبه السيوطي لابن جرير (وكتب فيه: ابن جريج، خطأ مطبعيا) ، وابن أبي حاتم. قال: مستقيد ماؤها لهم يفجرونها حيث شاءوا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) قال: يصرفونها حيث شاءوا. القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا (9) } . يقول تعالى ذكره: إن الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، برّوا بوفائهم لله بالنذور التي كانوا ينذرونها في طاعة الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قال: إذا نذروا في حق الله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قال: كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والزكاة، والحجّ والعمرة، وما افترض عليهم، فسماهم الله بذلك الأبرار، فقال: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قال: بطاعة الله، وبالصلاة، وبالحجّ، وبالعمرة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قال: في غير معصية، وفي الكلام محذوف اجتزئ بدلالة الكلام عليه منه، وهو كان ذلك. وذلك أن معنى الكلام: إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، كانوا يوفون بالنذر، فترك ذكر كانوا لدلالة الكلام عليها، والنذر: هو كلّ ما أوجبه الإنسان على نفسه من فعل؛ ومنه قول عنترة: الشَّاتِمَيْ عرْضِي وَلَمْ أشْتُمْهُما ... والنَّاذِرَيْن إذا لَمْ ألْقَهُما دَمي (1) وقوله: (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) يقول تعالى ذكره: ويخافون عقاب الله بتركهم الوفاء بما نذروا لله من برّ في يوم كان شرّه مستطيرا، ممتدّا طويلا فاشيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) استطار والله شرّ ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض، وأما رجل يقول عليه نذر أن لا يصل رحما، ولا يتصدّق، ولا يصنع خيرا، فإنه لا ينبغي أن يكفر عنه، ويأتي ذلك، ومنه قولهم: استطار الصدع في الزجاجة واستطال: إذا امتدّ، ولا يقال ذلك في الحائط؛ ومنه قول الأعشى: فَبانَتْ وَقد أثأرَتْ فِي الفُؤَا ... دِ صَدْعا عَلى نَأْيِها مُسْتَطيرا (2) يعني: ممتدّا فاشيا. وقوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا) يقول تعالى ذكره: كان هؤلاء الأبرار يطعمون الطعام على حبهم إياه، وشهوتهم له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) قال: وهم يشتهونه. (1) قوله "لا تمانع" ، أي لا اختلاف بينهم، يدعو بعضهم إلى دفع ما يقوله الآخر. وسيأتي مثله في ص: 126. (2) ديوانه: 165. المده: جمع ماده. ومده فلانًا يمدهه مدهًا: نعت هيئته وجماله وأثنى عليه ومدحه. و "استرجعن" : قلن "إنا لله وإنا إليه راجعون. يقلنها حسرة عليه كيف تنسك وهجر الدنيا، بعد الذي كان من شبابه وجماله وصبوته!" حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو العريان، قال: سألت سليمان بن قيس أبا مقاتل بن سليمان، عن قوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا) قال: على حبهم للطعام. وقوله: (مِسْكينًا) يعني جلّ ثناؤه بقوله مسكينا: ذوي الحاجة الذين قد أذلتهم الحاجة، (ويَتِيمًا) وهو الطفل الذي قد مات أبوه ولا شيء له (وأسِيرًا) : وهو الحربيّ من أهل دار الحرب يُؤخذ قهرا بالغلبة، أو من أهل القبلة يُؤخذ فيُحبس بحقّ، فأثنى الله على هؤلاء الأبرار بإطعامهم هؤلاء تقرّبا بذلك إلى الله وطلب رضاه، ورحمة منهم لهم. واختلف أهل العلم في الأسير الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: بما حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) قال: لقد أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وأسِيرًا) قال: كان أسراهم يومئذ المشرك، وأخوك المسلم أحقّ أن تطعمه. قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو أن عكرِمة قال في قوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) زعم أنه قال: كان الأسرى في ذلك الزمان المشرك. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا أشعث، عن الحسن (وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) قال: ما كان أسراهم إلا المشركين. وقال آخرون: عني بذلك: المسجون من أهل القبلة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الأسير: المسجون. حدثني أبو شيبة بن أبي شيبة، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثني أبي عن حجاج، قال: ثني عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبير في قوله الله: (مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) من أهل القبلة وغيرهم، فسألت عطاء، فقال مثل ذلك. حدثني علي بن سهل الرملي، قال: ثنا يحيى - يعني: ابن عيسى - عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وأسِيرًا) قال: الأسير،: هو المحبوس. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الأبرار بأنهم كانوا في الدنيا يطعمون الأسير، والأسير الذي قد وصفت صفته؛ واسم الأسير قد يشتمل على الفريقين، وقد عمّ الخبر عنهم أنهم يطعمونهم فالخبر على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له. وأما قول من قال: لم يكن لهم أسير يومئذ إلا أهل الشرك، فإن ذلك وإن كان كذلك، فلم يخصص بالخبر الموفون بالنذر يومئذ، وإنما هو خبر من الله عن كلّ من كانت هذه صفته يومئذ وبعده إلى يوم القيامة، وكذلك الأسير معنيّ به أسير المشركين والمسلمين يومئذ، وبعد ذلك إلى قيام الساعة. وقوله: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: يقولون: إنما نطعمكم إذا هم أطعموهم لوجه الله، يعنون طلب رضا الله، والقُربة إليه (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) يقولون للذين يطعمونهم ذلك الطعام: لا نريد منكم أيها الناس على إطعامناكم ثوابا ولا شكورا. وفي قوله: (وَلا شُكُورًا) وجهان من المعنى: أحدهما أن يكون جمع الشكر كما الفُلوس جمع فَلس، والكفور جمع كُفْر. والآخر: أن يكون مصدرًا واحدًا في معنى جمع، كما يقال: قعد قعودا، وخرج خروجا. وقد حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سالم، عن مجاهد (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) قال: أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب. حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، عن سالم، عن سعيد بن جُبير (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) قال: أما والله ما قالوه بألسنتهم، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب. القول في تأويل قوله تعالى: إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) . يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم أنهم يقولون لمن أطعموه من أهل الفاقة والحاجة: ما نطعمكم طعاما نطلب منكم عوضا على إطعامناكم جزاء ولا شكورا، ولكنا نطعمكم رجاء منا أن يؤمننا ربنا من عقوبته في يوم شديد هوله، عظيم أمره، تعبِس فيه الوجوه من شدّة مكارهه، ويطول بلاء أهله، ويشتدّ. والقمطرير: هو الشديد، يقال: هو يوم قمطرير، أو يوم قماطر، ويوم عصيب. وعصبصب، وقد اقمطرّ اليوم يقمطرّ اقمطرارا، وذلك أشدّ الأيام وأطوله في البلاء والشدّة؛ ومنه قول بعضهم: بني عَمّنا هَلْ تَذْكُرُونَ بَلاءَنا ... عليكُمْ إذا ما كانَ يَوْمٌ قُماطِيرُ (1) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة عن معناه، فقال بعضهم: هو أن يعبِس أحدهم، فيقبض بين عينيه حتى يسيل من بين عينيه مثل القطران. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا مصعب بن سلام التميمي، عن سعيد، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قوله: (عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) قال: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران. حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس (يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) قال: القمطرير: المُقَبِّض بين عينيه. (1) الخبران 142، 143- إسنادهما ضعيفان، من أجل "سفيان بن وكيع بن الجراح" ، شيخ الطبري فيهما، وسفيان هذا: ضعيف، كان أبوه إمامًا حجة، وكان هو رجلا صالحًا، ولكن وراقه أفسد عليه حديثه، وأدخل عليه ما ليس من روايته. ونصحه العلماء أن يدعه فلم يفعل، فمن أجل ذلك تركوه. قال ابن حبان في كتاب المجروحين، رقم 470 ص238- 239: "فمن أجل إصراره على ما قيل له استحق الترك" . وهذان الخبران، سيذكرهما الطبري في تفسير آية سورة الأعراف: 127 (9: 18 بولاق) ، وهناك شيء من التحريف في أحدهما. ونقل معناهما السيوطي في الدر المنثور 3: 107. والقراءة الصحيحة المعروفة: {ويذرك وآلهتك} . وأما هذه القراءة "وإلاهتك" ، فقد نقلها صاحب إتحاف البشر: 229 عن ابن محيصن والحسن. ونقلها ابن خالويه في كتاب القراءات الشاذة: 45 عن علي وابن مسعود وابن عباس. وذكرها أبو حيان في البحر 4: 367 عن هؤلاء الثلاثة "وأنس وجماعة غيرهم" . حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس، عن قوله: (قَمْطَرِيرًا) قال: يُقَبِّض ما بين العينين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس (يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) قال: يقبِّض ما بين العينين. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) قال: يوم يقبِّض فيه الرجل ما بين عينيه ووجهه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) عبست فيه الوجوه، وقبضت ما بين أعينها كراهية ذلك اليوم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (قَمْطَرِيرًا) قال: تُقبِّض فيه الجباه، وقوم يقولون: القمطرير: الشديد. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: المقبِّض ما بين العينين. قال: وثنا وكيع، عن عمر بن ذرّ، عن مجاهد، قال: هو المقبض ما بين عينيه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرِمة، قال: القمطرير: ما يخرج من جباههم مثل القطران، فيسيل على وجوهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (قَمْطَرِيرًا) قال: يُقبِّض الوجه بالبسور. وقال آخرون: العبوس: الضيق، والقمطرير: الطويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (عَبُوسًا) يقول: ضيقا. وقوله: (قَمْطَرِيرًا) يقول: طويلا. وقال آخرون: القمطرير: الشديد. ![]()
__________________
|
#1372
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإنسان الحلقة (1372) صــ 101 الى صــ110 * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في: (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) قال: العَبوس: الشرّ، والقَمْطَرير: الشديد. وقوله: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) يقول جل ثناؤه: فدفع الله عنهم ما كانوا في الدنيا يحذرون من شر اليوم العبوس القمطرير بما كانوا في الدنيا يعملون مما يرضي عنهم ربهم، لقَّاهم نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) قال: نَضْرة في الوجوه، وسرورا في القلوب. حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم. حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) قال: نعمة وسرورا. القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا (13) } . يقول تعالى ذكره: وأثابهم الله بما صبروا في الدنيا على طاعته، والعمل بما يرضيه عنهم جنة وحريرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) يقول: وجزاهم بما صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصيته ومحارمه، جنة وحريرا. وقوله: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) يقول: متكئين في الجنة على السُّرر في الحجال، وهي الأرائك واحدتها أريكة. وقد بيَّنا ذلك بشواهده، وما فيه من أقوال أهل التأويل فيما مضى بما أغنى عن إعادته، غير أنا نذكر في هذا الموضع من الرواية بعض ما لم نذكره إن شاء الله تعالى قبل. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) يعني: الحِجال. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) كنا نُحدَّث أنها الحجال فيها الأسرّة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) قال: السُّرُر في الحجال. ونصب (مُتَّكِئِينَ) فيها على الحال من الهاء والميم. وقوله (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا) يقول تعالى ذكره: لا يرَوْن فيها شمسا فيؤذيهم حرّها، ولا زمهريرا، وهو البرد الشديد، فيؤذيهم بردها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا زياد بن عبد الله الحساني، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الأعمش، عن مجاهد، قال: الزمهرير: البرد المفظع. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا) يعلم أن شدّة الحرّ تؤذي، وشدّة القرّ تؤذي، فوقاهم الله أذاهما. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن السُّدِّيّ، عن مرّة بن عبد الله قال في الزمهرير: إنه لون من العذاب، قال الله: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّها، فَقالَتْ: رَبّ، أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَنَفِّسْنِي، فأذِنَ لَهَا فِي كُلِّ عامٍ بِنَفَسَيْنِ؛ فأشَدَّ ما تَجِدُونَ مِنَ البَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ وأشَدَّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ" . القول في تأويل قوله تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) } . يعني تعالى ذكره بقوله: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا) وقَرُبت منهم ظلال أشجارها. ولنصب دانية أوجه: أحدها: العطف به على قوله: (مُتَّكِئِين فِيها) . والثاني: العطف به على موضع قوله: (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا) لأن موضعه نصب، وذلك أن معناه: متكئين فيها على الأرائك، غير رائين فيها شمسًا. والثالث: نصبه على المدح، كأنه قيل: متكئين فيها على الأرائك، ودانية بعد عليهم ظلالها، كما يقال: عند فلان جارية جميلة، وشابة بعد طرية، تضمر مع هذه الواو فعلا ناصبا للشابة، إذا أريد به المدح، ولم يُرَد به النَّسَق؛ وأُنِّثَتْ دانيةً لأن الظلال جمع. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بالتذكير: (وَدَانِيا عَلَيْهِمْ ظِلالُها) وإنما ذكر لأنه فعل متقدّم، وهي في قراءة فيما بلغني: (وَدَانٍ) رفع على الاستئناف. وقوله: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) يقول: وذُلِّل لهم اجتناء ثمر شجرها، كيف شاءوا قعودا وقياما ومتكئين. وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) قال: إذا قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلَّت حتى ينالها، وإن اضطجع تدلَّت حتى ينالها، فذلك تذليلها. حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) قال: لا يردُّ أيديَهم عنها بُعد ولا شوك. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) قال: الدانية: التي قد دنت عليهم ثمارها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) قال: يتناوله كيف شاء جالسا ومتكئا. وقوله: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ) يقول تعالى ذكره: ويُطاف على هؤلاء الأبرار بآنية من الأواني التي يشربون فيها شرابهم، هي من فضة كانت قواريرًا، فجعلها فضة، وهي في صفاء القوارير، فلها بياض الفضة وصفاء الزجاج. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ) يقول: آنية من فضة، وصفاؤها وتهيؤها كصفاء القوارير. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد (من فضة) ، قال: فيها رقة القوارير في صفاء الفضة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: صفاء القوارير وهي من فضة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) أي صفاء القوارير في بياض الفضة. وقوله: (وأكْوَابٍ) يقول: ويُطاف مع الأواني بجرار ضِخام فيها الشراب، وكلّ جرّة ضخمة لا عروة لها فهي كوب. كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وأكْوَابٍ) قال: ليس لها آذان. وقد حدثنا ابن حميد: قال: ثنا مهران، عن سفيان بهذا الحديث بهذا الإسناد عن مجاهد، فقال: الأكواب: الأقداح. وقوله: (كَانَتْ قَوَارِيرَ) يقول: كانت هذه الأواني والأكواب قواريرًا، فحوّلها الله فضة. وقيل: إنما قيل: ويطاف عليهم بآنية من فضة، ليدلّ بذلك على أن أرض الجنة فضة، لأن كل آنية تُتَّخذ، فإنما تُتَّخذ من تُرْبة الأرض التي فيها، فدلّ جلّ ثناؤه بوصفه الآنية متى يطاف بها على أهل الجنة أنها من فضة، ليعلم عباده أن تربة أرض الجنة فضة. واختلفت القرّاء في قراءة قوله "قوارير، وسلاسل" ، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة غير حمزة: سَلاسِلا وقواريرا (قَوَارِيرًا) بإثبات الألف والتنوين وكذلك هي في مصاحفهم، وكان حمزة يُسْقط الألِفات من ذلك كله، ولا يجري شيئا منه، وكان أبو عمرو يُثبت الألف في الأولى من قوارير، ولا يثبتها في الثانية، وكلّ ذلك عندنا صواب، غير أن الذي ذَكَرت عن أبي عمرو أعجبهما إليّ، وذلك أن الأوّل من القوارير رأس آية، والتوفيق بين ذلك وبين سائر رءوس آيات السورة أعجب إليّ إذ كان ذلك بإثبات الألفات في أكثرها. القول في تأويل قوله تعالى: {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا (18) } . يقول تعالى ذكره: (قَوَارِيرَا) في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض (1) . كما حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: قال الحسن، في قوله: (كَانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: صفاء القوارير في بياض الفضة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن كثير، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله الله (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: بياض الفضة في صفاء القوارير. حدثني يعقوب، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا ابن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: (كَانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: كان ترابها من فضة. وقوله: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: صفاء الزجاج في بياض الفضة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله: (قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: لو احتاج أهل الباطل (2) أن يعملوا إناء من فضة يرى ما فيه من خلفه، كما يرى ما في القوارير ما قدروا عليه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: هي من فضة، وصفاؤها: صفاء القوارير في بياض الفضة. (1) الخبر 144- الحسين بن داود: اسمه "الحسين" ولقبه "سنيد" ، بضم السين المهملة وفتح النون. واشتهر بهذا اللقب، وترجم به في التهذيب 4: 244- 245، وفي الجرح والتعديل 3 / 1 / 326. وحجاج: هو ابن محمد المصيصي، من شيوخ الإمام أحمد. وهذا الأثر عن مجاهد، سيرويه الطبري في تفسير آية الأعراف (9: 18 بولاق) - بإسناد آخر. (2) الحديث 145- هو حديث لا أصل له. وهو جزء من الحديث الموضوع الذي روى الطبري بعضه فيما مضى 140، بهذا الإسناد. وفصلنا القول فيه هناك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: على صفاء القوارير، وبياض الفضة. وقوله: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) يقول: قدّروا تلك الآنية التي يُطاف عليهم بها تقديرا على قَدْر رِيِّهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: قُدّرت لريّ القوم. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: قدر ريِّهم. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: لا تنقص ولا تفيض. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: لا تَترع فتُهراق، ولا ينقصون من مائها فتنقص فهي ملأى. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) لريِّهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قدرت على ريّ القوم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: قدّروها لريهم على قدر شربهم أهل الجنة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: ممتلئة لا تُهَراق، وليست بناقصة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: قدّروها على قدر الكفّ. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: قدرت للكفّ. واختلفت القرّاء في قراءة قوله (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: (قَدَّرُوها) بفتح القاف، بمعنى: قدّرها لهم السُّقاة الذين يطوفون بها عليهم. ورُوي عن الشعبيّ وغيره من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك بضم القاف، بمعنى: قُدّرت عليهم، فلا زيادة فيها ولا نقصان. والقراءة التي لا أستجير القراءة بغيرها فتح القاف، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وقوله: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) يقول تعالى ذكره: ويُسْقَى هؤلاء القوم الأبرار في الجنة كأسا، وهي كلّ إناء كان فيه شراب، فإذا كان فارغا من الخمر لم يقل له: كأس، وإنما يقال له: إناء، كما يقال للطبق الذي تهدى فيه الهدية: المِهْدَى مقصورا ما دامت عليه الهدية فإذا فرغ مما عليه كان طبقا أو خِوَانا، ولم يكن مِهْدًى (كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) يقول: كان مزاج شراب الكأس التي يُسقون منها زنجبيلا. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: يمزج لهم شرابهم بالزنجبيل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) قال: تمزج بالزنجبيل. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) قال: يأثُرُ لهم ما كانوا يشربون في الدنيا. زاد الحارث في حديثه: فَيُحَبِّبُهُ إليهم. وقال بعضهم: الزنجبيل: اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) رقيقة يشربها المقرّبون صِرْفا، وتمزج لسائل أهل الجنة. وقوله: (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) يقول تعالى ذكره: عينا في الجنة تسمى سلسبيلا. قيل: عُنِي بقوله سلسبيلا سلسة مُنقادا ماؤها. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) عينا سلسة مستقيدا ماؤها. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) قال: سلسة يصرفونها حيث شاءوا. وقال آخرون: عُني بذلك أنها شديدة الجِرْيَةِ. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) قال: حديدة الجِرْية. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: سلسة الجرية. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) حديدة الجِرْية. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. واختلف أهل العربية في معنى السلسبيل وفي إعرابه، فقال بعض نحويِّي البصرة، قال بعضهم: إن سلسبيل صفة للعين بالتسلسل. وقال بعضهم: إنما أراد عينا تسمى سلسبيلا أي: تسمى من طيبها السلسبيل أي: توصف للناس كما تقول: الأعوجّي والأرحبيّ والمهريّ من الإبل، وكما تنسب الخيل إذا وصفت إلى الخيل المعروفة المنسوبة كذلك تنسب العين إلى أنها تسمى، لأن القرآن نزل على كلام العرب، قال: وأنشدني يونس: صَفْرَاءُ مِنْ نَبْعٍ يُسَمَّى سَهْمُها ... مِنْ طُولِ ما صَرَعَ الصُّيُودَ الصَّيِّبُ (1) (1) قوله: "أن يقال" من تمام قوله في السطر الثالث "ولكن الواجب-" خبر لكن. فرفع الصَّيِّبُ لأنه لم يرد أن يسمى بالصَّيب، إنما الصَّيب من صفة الاسم والسهم، وقوله: "يسمى سهمها" أي يذكر سهمها. قال: وقال بعضهم: لا بل هو اسم العين، وهو معرفة، ولكنه لما كان رأس آية، وكان مفتوحا، زيدت فيه الألف، كما قال: (كَانت قَوارِيرا) . وقال بعض نحويِّي الكوفة: السلسبيل: نعت أراد به سلس في الحلق، فلذلك حَرِيّ أن تسمى بسلاستها. وقال آخر منهم: ذكروا أن السلسبيل اسم للعين، وذكروا أنه صفة للماء لسلسه وعذوبته؛ قال: ونرى أنه لو كان اسما للعين لكان ترك الإجراء فيه أكثر، ولم نر أحدا ترك إجراءها وهو جائز في العربية، لأن العرب تجري ما لا يجرى في الشعر، كما قال متمم بن نويرة: فَمَا وَجْدُ أظْآرٍ ثَلاثٍ رَوَائمٍ ... رأيْنَ مخَرًّا مِنْ حُوَارٍ ومَصْرَعا (1) فأجرى روائم، وهي مما لا يُجرَى. والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله: (تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) صفة للعين، وصفت بالسلاسة في الحلق، وفي حال الجري، وانقيادها لأهل الجنة يصرّفونها حيث شاءوا، كما قال مجاهد وقتادة؛ وإنما عني بقوله (تُسَمَّى) : توصف. (1) الأضداد لابن الأنباري: 163، والخزانة 4: 490، وقال: "لم أقف على تتمته وقائله، مع أنه مشهور، قلما خلا منه كتاب نحوي، والله أعلم" . وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لإجماع أهل التأويل على أن قوله: (سَلْسَبِيلا) صفة لا اسم. القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) } . يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء الأبرار ولدان، وهم الوصفاء، مخلَّدون. اختلف أهل التأويل في معنى: (مُخَلَّدُونَ) فقال بعضهم: معنى ذلك: أنهم لا يموتون. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ) أي: لا يموتون. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: عني بذلك (وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ) مُسَوّرون. وقال آخرون: بل عني به أنهم مقرّطون. وقيل: عني به أنهم دائم شبابهم، لا يتغيرون عن تلك السنّ. وذُكر عن العرب أنها تقول للرجل إذا كبر وثبت سواد شعره: إنه لمخلَّد؛ كذلك إذا كبر وثبت أضراسه وأسنانه قيل: إنه لمخلد، يراد به أنه ثابت الحال، وهذا تصحيح لما قال قتادة من أن معناه: لا يموتون، لأنهم إذا ثبتوا على حال واحدة فلم يتغيروا بهرم ولا شيب ولا موت، فهم مخلَّدون. وقيل: إن معنى قوله: (مُخَلَّدُوَن) مُسَوّرون بلغة حِمْير؛ وينشد لبعض شعرائهم: وَمُخَلَّدَاتٌ باللُّجَيْنِ كأنَّمَا ... أعْجازُهُنَّ أقاوِزُ الْكُثْبانِ (1) (1) لا تمانع: أي لا اختلاف بينهم، يدعو بعضهم إلى دفع ما يقوله الآخر. ![]()
__________________
|
#1373
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإنسان الحلقة (1373) صــ 111 الى صــ120 وقوله: (إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) يقول تعالى ذكره: إذا رأيت يا محمد هؤلاء الولدان مجتمعين أو مفترقين، تحسبهم في حُسنهم، ونقاء بياض وجوههم، وكثرتهم، لؤلؤًا مبدّدا، أو مجتَمِعا مصبوبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) قال: من كثرتهم وحُسْنِهِم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ) من حسنهم وكثرتهم (لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) وقال قتادة: عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو، قال: ما من أهل الجنة من أحد إلا ويسعى عليه ألف غلام، كلّ غلام على عملٍ ما عليه صاحبه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: (حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) قال: في كثرة اللؤلؤ وبياض اللؤلؤ. وقوله: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا نظرت ببصرك يا محمد، ورميت بطرفك فيما أعطيتُ هؤلاء الأبرار في الجنة من الكرامة. وعُني بقوله: (ثَمَّ) الجنة (رَأَيْتَ نَعِيمًا) ، وذلك أن أدناهم منزلة من ينظر في مُلكه فيما قيل في مسيرة ألفي عام، يُرى أقصاه، كما يرى أدناه. وقد اختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله لم يذكر مفعول رأيت الأول، فقال بعض نحويِّي البصرة: إنما فعل ذلك لأنه يريد رؤية لا تتعدى، كما تقول: ظننت في الدار، أخبر بمكان ظنه، فأخبر بمكان رؤيته. وقال بعض نحويِّي الكوفة: إنما فعل ذلك لأن معناه: وإذا رأيت ما ثم رأيت نعيما، قال: وصلح إضمار ما كما قيل: لقد تقطع بينكم، يريد: ما بينكم، قال: ويقال: إذا رأيت ثم يريد: إذا نظرت ثم، أي إذا رميت ببصرك هناك رأيت نعيما. وقوله: (وَمُلْكًا كَبِيرًا) يقول: ورأيت مع النعيم الذي ترى لهم ثَمَّ مُلْكا كبيرا. وقيل: إن ذلك الملك الكبير: تسليم الملائكة عليهم، واستئذانهم عليهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثني من سمع مجاهدا يقول: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) قال: تسليم الملائكة. قال: ثنا عبد الرحمن، قال: سمعت سفيان يقول في قوله: (مُلْكًا كَبِيرًا) قال: بلغنا أنه تسليم الملائكة. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا الأشجعيّ، في قوله: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) قال: فسَّرها سفيان قال: تستأذن الملائكة عليهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) قال استئذان الملائكة عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) } . يقول تعالى ذكره: فوقهم، يعني فوق هؤلاء الأبرار ثياب سُنْدُسٍ. وكان بعض أهل التأويل يتأوّل قوله: (عالِيَهُمْ) فوق حِجَالهم المثبتة عليهم (ثِيَابُ سُنْدُسٍ) وليس ذلك بالقول المدفوع، لأن ذلك إذا كان فوق حجالٍ هم فيها، فقد علاهم فهو عاليهم. وقد اختلف أهل القراءة في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة وبعض قرّاء مكة (عَالِيهُمْ) بتسكين الياء. وكان عاصم وأبو عمرو وابن كثير يقرءونه بفتح الياء، فمن فتحها جعل قوله (عالِيَهُمْ) اسما مرافعا للثياب، مثل قول القائل: ظاهرهم ثياب سندس. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: (ثِيَابُ سُنْدُسٍ) يعني: ثياب ديباج رقيق حسن، والسندس: هو ما رقّ من الديباج. وقوله: (خُضرٌ) اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفر القارئ وأبو عمرو برفع: (خُضْرٌ) على أنها نعت للثياب، وخفض (إستَبْرَقٍ) عطفا به على السندس، بمعنى: وثياب إستبرق. وقرأ ذلك عاصم وابن كثير (خُضْرٍ) خفضا (وإسْتَبْرَقٌ) رفعا، عطفا بالإستبرق على الثياب، بمعنى: عاليهم إستبرق، وتصييرا للخضر نعتا للسندس. وقرأ نافع ذلك: (خُضْرٌ) رفعا على أنها نعت للثياب (وإسْتَبْرَقٌ) رفعا عطفا به على الثياب. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (خُضْرٍ وإسْتَبْرَقٍ) خفضا كلاهما. وقرأ ذلك ابن محيصن بترك إجراء الإستبرق: (وإسْتَبْرَقَ) بالفتح بمعنى: وثياب إستبرق، وفَتَحَ ذلك أنه وجَّهه إلى أنه اسم أعجميّ. ولكلّ هذه القراءات التي ذكرناها وجه ومذهب غير الذي سبق ذكرنا عن ابن محيصن، فإنها بعيدة من معروف كلام العرب، وذلك أن الإستبرق نكرة، والعرب تجري الأسماء النكرة وإن كانت أعجمية، والإستبرق: هو ما غَلُظ من الديباج. وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في ذلك فيما مضى قبل فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: الإستبرق: الديباج الغليظ. وقوله: (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) يقول: وحلاهم ربهم أساور، وهي جمع أسورة من فضة. وقوله: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) يقول تعالى ذكره: وسقى هؤلاء الأبرار ربُّهُم شرابا طهورا، ومن طهره أنه لا يصير بولا نجسا، ولكنه يصير رشحا من أبدانهم كرشح المسك. كالذي حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم التيمي (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) قال: عرق يفيض من أعراضهم مثل ريح المسك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن منصور، عن إبراهيم التيمي، مثله. قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم التيمي، قال: إن الرجل من أهل الجنة يقسَمُ له شهوة مئة رجل من أهل الدنيا، وأكلهم وهمتهم، فإذا أكل سقي شرابا طهورا، فيصير رشحا يخرج من جلده أطيب ريحًا من المسك الأذفر، ثم تعود شهوته. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (شَرَابًا طَهُورًا) قال: ما ذكر الله من الأشربة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أبان، عن أبي قِلابة: إن أهل الجنة إذا أكلوا وشربوا ما شاءوا دَعَوا بالشراب الطهور فيشربونه، فتطهر بذلك بطونهم ويكون ما أكلوا وشربوا رَشْحا وريحَ مسك، فتضمر لذلك بطونهم. حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره "شكّ أبو جعفر الرازي" قال: صعد جبرائيل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به إلى السماء السابعة، فاستفتَح، فقيل له: من هذا؟ فقال: جبرائيل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أو قد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيءُ جاء، قال: فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس على كرسيّ عند باب الجنة، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شيء، فقام الذين في ألوانهم شيء، فدخلوا نهرًا فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خَلَص من ألوانهم شيء ثم دخلوا نهرًا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خَلَصت ألوانهم، فصارت مثل ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم، فقال: يا جبريل من هذا الأشمط، ومن هؤلاء البيض الوجوه، ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، وما هذه الأنهار التي اغتسلوا فيها، فجاءوا وقد صفت ألوانهم؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، أوّل من شَمِط على الأرض، وأما هؤلاء البيض الوجوه، فقوم لم يَلْبِسوا إيمانهم بظلم: وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا، فتاب الله عليهم. وأما الأنهار، فأوّلها رحمة الله، والثاني نعمة الله، والثالث سقاهم ربهم شرابا طهورا. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزيلا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) } . يقول تعالى ذكره: يقال لهؤلاء الأبرار حينئذ: إن هذا الذي أعطيناكم من الكرامة كان لكم ثوابا على ما كنتم في الدنيا تعملون من الصالحات (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) يقول: كان عملكم فيها مشكورا، حمدكم عليه ربكم، ورضيه لكم، فأثابكم بما أثابكم به من الكرامة عليه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) غفر لهم الذنب، وشكر لهم الحسن. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: تلا قتادة: (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) قال: لقد شَكر الله سعيا قليلا. وقوله: (إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزيلا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا نحن نزلنا عليك يا محمد هذا القرآن تنزيلا ابتلاء منا واختبارا (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) يقول: اصبر لما امتحنك به ربك من فرائضه، وتبليغ رسالاته، والقيام بما ألزمك القيام به في تنزيله الذي أوحاه إليك (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) يقول: ولا تطع في معصية الله من مشركي قومك آثما يريد بركوبه معاصيه، أو كفورا: يعنى جحودا لنعمه عنده، وآلائه قِبَلَه، فهو يكفر به، ويعبد غيره. وقيل: إن الذي عني بهذا القول أبو جهل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) قال: نزلت في عدوّ الله أبي جهل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه بلغه أن أبا جهل قال: لئن رأيت محمدًا يصلي لأطأنّ عنقه، فأنزل الله: (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) قال: الآثِم: المذنب الظالم والكفور، هذا كله واحد. وقيل: (أوْ كَفُورًا) والمعنى: ولا كفورًا. قال الفراء: "أو" هاهنا بمنزلة الواو، وفى الجحد والاستفهام والجزاء تكون بمعنى "لا" . فهذا من ذلك مع الجحد، ومنه قول الشاعر لا وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجِدَت وَلا ... وَجْدُ عَجُولٍ أضَلَّها رُبَعُ أوْ وَجْدُ شَيْخٍ أضَلَّ ناقَتَهُ ... يَوْمَ تَوَافَى الْحَجِيجُ فانْدَفَعُوا (1) أراد: ولا وجدُ شيخ، قال: وقد يكون في العربية: لا تطيعنّ منهم من أثم أو كفر، فيكون المعنى في أو قريبا من معنى الواو، كقولك للرجل: لأعطينك سألت أو سكتّ، معناه: لأعطينك على كلّ حال. القول في تأويل قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا (25) } . (1) الأثر 146- نقله ابن كثير في التفسير 1: 40 عن هذا الموضع. و "السري بن يحيى ابن السري التميمي الكوفي" ، شيخ الطبري، لم نجد له ترجمة إلا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2 / 1 / 285، وقال: "لم يقض لنا السماع منه، وكتب إلينا بشيء من حديثه، وكان صدوقًا" . و "العرزمي" المرويُّ عنه هذا الكلام هنا: ضعيف جدا، قال الإمام أحمد في المسند 6938: "لا يساوي حديثه شيئًا" . وهو "محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي" . وأما عمه "عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي" ، فإنه تابعي ثقة، ولكنه قديم، مات سنة 145، فلم يدركه "عثمان بن زفر" المتوفى سنة 218. و "العرزمي" بفتح العين المهملة وسكون الراء وبعدها زاي، نسبة إلى "عرزم" . ووقع هنا في الطبري وابن كثير "العرزمي" ، بتقديم الزاي على الراء، وهو تصحيف. القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا (26) إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا (27) } . يقول تعالى ذكره: (وَاذْكُرْ) يا محمد (اسْمَ رَبِّكَ) فادعه به بكرة في صلاة الصبح، وعشيا في صلاة الظهر والعصر (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) يقول: ومن الليل فاسجد له في صلاتك، فسبحه ليلا طويلا يعني: أكثر الليل، كما قال جلّ ثناؤه: (قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا) يعني: الصلاة والتسبيح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا) قال: بكرة: صلاة الصبح، وأصيلا صلاة الظهر الأصيل. وقوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا) قال: كان هذا أوّل شيء فريضة. وقرأ: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ) ، ثم قال: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ... ) إلى قوله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ... ) إلى آخر الآية، ثم قال: مُحِي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الناس، وجعله نافلة فقال: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) قال: فجعلها نافلة. وقوله: (إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ) يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المشركين بالله يحبون العاجلة، يعني، الدنيا، يقول: يحبون البقاء فيها وتعجبهم زينتها (وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا) يقول: ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة، وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ، وقد تأوّله بعضهم بمعنى: ويذرون أمامهم يوما ثقيلا وليس ذلك قولا مدفوعا، غير أن الذي قلناه أشبه بمعنى الكلمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا) قال: الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا (29) } . يقول تعالى ذكره: نَحْنُ خَلَقْنَا هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه (وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) : وشددنا خلقهم، من قولهم: قد أُسِر هذا الرجل فأُحسِن أسره، بمعنى: قد خلِقَ فأُحسِن خَلْقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبى، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) يقول: شددنا خلقهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) قال: خَلْقهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) : خَلْقهم. حدثنا بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: الأسْر: المفاصل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، سمعته - يعني: خلادا - يقول: سمعت أبا سعيد، وكان قرأ القرآن على أبي هريرة قال: ما قرأت القرآن إلا على أبي هريرة، هو أقرأني، وقال في هذه الآية (وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) قال: هي المفاصل. وقال آخرون: بل هو القوّة. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) قال: الأسر: القوّة. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه، وذلك أن الأسر، هو ما ذكرت عند العرب؛ ومنه قول الأخطل: مِنْ كلّ مُجْتَنَبٍ شَدِيدٍ أسْرُه ... سَلِسِ الْقِيادِ تَخالُهُ مُخْتالا (1) ومنه قول العامة: خذه بأسره: أي هو لك كله. وقوله: (وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا) يقول: وإذا نحن شئنا أهلكنا هؤلاء (1) الحديث 147- هذا إسناد ضعيف، بل إسنادان ضعيفان، كما فصلنا فيما مضى: 140، 145. وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم أمثالهم من الخلق، مخالفين لهم في العمل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا) قال: بني آدم الذين خالفوا طاعة الله، قال: وأمثالهم من بني آدم. قوله: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ) يقول: إن هذه السورة تذكرة لمن تذكر واتعظ واعتبر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ) قال: إن هذه السورة تذكرة. وقوله: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا) يقول: فمن شاء أيها الناس اتخذ إلى رضا ربه بالعمل بطاعته، والانتهاء إلى أمره ونهيه. القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) } . يقول تعالى ذكره: (وَما تَشاءُونَ) اتخاذ السبيل إلى ربكم أيها الناس (إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) ذلك لكم لأن الأمر إليه لا إليكم، وهو في قراءة عبد الله فيما ذُكر (وَما تَشاءُونَ إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ) . وقوله (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) فلن يعدو منكم أحد ما سبق له في علمه بتدبيركم. وقوله: (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ) يقول: يدخل ربكم من يشاء منكم في رحمته، فيتوب عليه حتى يموت تائبا من ضلالته، فيغفر له ذنوبه، ويُدخله جنته (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) يقول: الذين ظلموا أنفسهم، فماتوا على شركهم، أعدّ لهم في الآخرة عذابا مؤلما موجعا، وهو عذاب جهنم. ونصب قوله: (والظَّالمِينَ) لأن الواو ظرف لأعدّ، والمعنى: وأعد للظالمين عذابا أليما. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: (ولِلظَّالِمِينَ أعَدَّ لَهُمْ) بتكرير اللام، وفد تفعل العرب ذلك، وينشد لبعضهم: أقولُ لَهَا إذا سألَتْ طَلاقًا ... إلامَ تُسارِعينَ إلى فِرَاقي? (1) ولآخر: فأصْبَحْنَ لا يسأَلْنهُ عَنْ بِمَا بِهِ ... أصَعَّد فِي غاوِي الهَوَى أمْ تَصَوَّبا? (2) بتكرير الباء، وإنما الكلام لا يسألنه عما به. آخر تفسير سورة الإنسان. (1) جواب قوله "فإذ كان صحيحًا. . ." وما بينهما فصل. (2) الحديث 148- نقله ابن كثير في التفسير 1: 41 عن هذا الموضع، وقد مضى الكلام في هذا الإسناد، وبيان ضعفه: 137، 141. والذي في الدر المنثور 1: 8- 9 "على من أحب أن يضعف عليه العذاب" ، والظاهر أنه تصرف من ناسخ أو طابع. ![]()
__________________
|
#1374
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ المرسلات الحلقة (1374) صــ 121 الى صــ130 تفسير سورة والمرسلات بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) } . اختلف أهل التأويل في معنى قول الله: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا) فقال بعضهم: معنى ذلك: والرياح المرسلات يتبع بعضها بعضا، قالوا: والمرسَلات: هي الرياح. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا المحاربي، عن المسعودي، عن سَلَمة بن كهَيل، عن أبي العُبيدين أنه سأل ابن مسعود فقال: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا) قال: الريح. حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا المسعودي، عن سَلَمة بن كهيل، عن أبي العُبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود، فذكر نحوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن أبي العُبيدين، قال: سألت عبد الله بن مسعود، فذكر نحوه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا) يعني: الريح. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثني أبي، عن شعبة، عن إسماعيل السدي، عن أبي صالح صاحب الكلبي في قوله: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا) قال: هي الرياح. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا) قال: الريح. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سَلَمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العُبيدين، قال: سألت عبد الله عن (المُرْسَلاتِ عُرْفا) قال: الريح. ثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا) قال: هي الريح. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والملائكة التي تُرسَل بالعرف. * ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، قال: كان مسروق يقول في المرسلات: هي الملائكة. حدثنا إسرائيل بن أبي إسرائيل، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: ثنا شعبة، عن سليمان، قال: سمعت أبا الضحى، عن مسروق، عن عبد الله في قوله: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا) قال: الملائكة. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا جابر بن نوح ووكيع عن إسماعيل، عن أبي صالح في قوله: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا) قال: هي الرسل ترسل بالعُرف. حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، قال: سألت أبا صالح عن قوله: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا) قال: هي الرسل ترسل بالمعروف؛ قالوا: فتأويل الكلام: والملائكة التي أرسلت بأمر الله ونهيه، وذلك هو العرف. وقال بعضهم: عُني بقوله (عُرْفا) : متتابعا كعرف الفرس، كما قالت العرب: الناس إلى فلان عرف واحد، إذا توجهوا إليه فأكثروا. * ذكر من قال ذلك: حدثت عن داود بن الزبرقان، عن صالح بن بريدة، في قوله: (عُرْفا) قال: يتبع بعضها بعضا. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالمرسلات عرفا، وقد ترسل عُرْفا الملائكة، وترسل كذلك الرياح، ولا دلالة تدلّ على أن المعنيّ بذلك أحد الحِزْبين دون الآخر، وقد عمّ جلّ ثناؤه بإقسامه بكل ما كانت صفته ما وصف، فكلّ من كان صفته كذلك، فداخل في قسمه ذلك مَلَكا أو ريحا أو رسولا من بني آدم مرسلا. وقوله: (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) يقول جلّ ذكره: فالرياح العاصفات عصفا، يعني: الشديدات الهبوب السريعات الممرّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد، عن عُرْعرة أن رجلا قام إلى عليّ رضي الله عنه، فقال: ما العاصفات عصفا؟ قال: الريح. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا المحاربي، عن المسعودي، عن سَلَمة بن كهيل، عن أبي العُبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود، فقال: ما العاصفات عصفا؟ قال: الريح. حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا المسعودي، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العُبيدين، عن عبد الله، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العُبيدين قال: سألت عبد الله بن مسعود، فذكر مثله. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العُبيدين، قال: سألت عبد الله، فذكر مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) قال: الريح. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن أبي صالح (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) قال: هي الرياح. حدثنا عبد الحميد بن بَيَان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل قال: سألت أبا صالح عن قوله: (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) قال: هي الرياح. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثني أبي، عن شعبة، عن إسماعيل السدي عن أبي صالح صاحب الكلبي، في قوله: (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) قال: هي الرياح. حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا أبو معاوية الضرير وسعيد بن محمد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) قال: هي الريح. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله. قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن خالد بن عُرْعرة، عن عليّ رضي الله عنه (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) قال: الريح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) قال: الرياح. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقوله: (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عُني بالناشرات نَشْرًا: الريح. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا المحاربي، عن المسعودي، عن سَلَمة بن كهيل، عن أبي العُبيدين أنه سأل ابن مسعود عن (النَّاشِرَاتِ نَشْرًا) قال: الريح. حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا المسعودي، عن سَلَمة بن كهيل، عن أبي العُبيدين، عن ابن مسعود، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن أبي العُبيدين، قال: سألت عبد الله بن مسعود، فذكر مثله. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سَلَمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العُبيدين، قال: سألت عبد الله، فذكر مثله. قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) قال: الريح. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن إسماعيل السدي، عن أبي صالح صاحب الكلبي، في قوله: (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) قال: هي الرياح. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) قال: الرياح. وقال آخرون: هي المطر. * ذكر من قال ذلك: حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، قال: سألت أبا صالح، عن قوله: (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) قال المطر. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن أبي صالح (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) قال: هي المطر. قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله. وقال آخرون: بل هي الملائكة التي تنشرُ الكتب. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن هشام، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) قال: الملائكة تنشرُ الكتب. وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالناشرات نشرا، ولم يَخْصُص شيئا من ذلك دون شيء، فالريح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فذلك على كل ما كان ناشرا. وقوله: (فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا) اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: عُنِي: بذلك: الملائكة التي تفرق بين الحق والباطل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن أبي صالح (فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا) قال: الملائكة. قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن أبي صالح (فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا) قال: الملائكة. قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا) قال: الملائكة. وقال آخرون: بل عُنِي بذلك القرآن. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا) يعني القرآن ما فرق الله فيه بين الحقّ والباطل. والصواب من القول في ذلك أن يقال: أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالفارقات، وهي الفاصلات بين الحق والباطل، ولم يخصص بذلك منهنّ بعضا دون بعض، فذلك قَسَم بكلّ فارقة بين الحقّ والباطل، مَلَكا كان أو قرآنا، أو غير ذلك. وقوله: (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا) يقول: فالمبلِّغات وحي الله رسله، وهي الملائكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا) يعني: الملائكة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا) قال: هي الملائكة تلقي الذكر على الرسل وتبلغه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا) قال: الملائكة تلقي القرآن. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا) قال: الملائكة. وقوله: (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا) يقول تعالى ذكره: فالملقيات ذكرا إلى الرسل إعذارا من الله إلى خلقه، وإنذارا منه لهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا) قال: عذرًا من الله، ونُذْرا منه إلى خلقه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا) : عذرا لله على خلقه، ونذرًا للمؤمنين ينتفعون به، ويأخذون به. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا) يعني: الملائكة. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والشام وبعض المكيين وبعض الكوفيين: (عُذْرًا) بالتخفيف، أو نُذْرا بالتثقيل: وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض البصريين بتخفيفهما، وقرأه آخرون من أهل البصرة بتثقيلهما والتخفيف فيهما أعجب إليّ وإن لم أدفع صحة التثقيل لأنهما مصدران بمعنى الإعذار والإنذار. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) } . يقول تعالى ذكره: والمرسلات عرفا، إن الذي توعدون أيها الناس من الأمور لواقع، وهو كائن لا محالة، يعني بذلك يوم القيامة، وما ذكر الله أنه أعدّ لخلقه يومئذ من الثواب والعذاب. وقوله: (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) يقول: فإذا النجوم ذهب ضياؤها، فلم يكن لها نور ولا ضوء (وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ) يقول: وإذا السماء شقِّقت وصدّعت (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ) يقول: وإذا الجبال نسفت من أصلها، فكانت هباء منبثا (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) يقول تعالى ذكره: وإذا الرسل أجلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) يقول: جمعت. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (أُقِّتَتْ) قال: أُجِّلَتْ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) قال: أجلت. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع؛ وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، جميعا عن سفيان، عن منصور عن إبراهيم (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) قال: أُوعِدَت. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) قال: أُقتت ليوم القيامة، وقرأ: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ) قال: والأجل: الميقات، وقرأ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) ، وقرأ: (إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) قال: إلى يوم القيامة، قال: لهم أجل إلى ذلك اليوم حتى يبلغوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) قال: وعدت. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة غير أبي جعفر، وعامة قرّاء الكوفة: (أُقِّتَتْ) بالألف وتشديد القاف، وقرأه بعض قرّاء البصرة بالواو وتشديد القاف (وُقِّتَتْ) وقرأه أبو جعفر (وُقِتَتْ) بالواو وتخفيف القاف. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن كل ذلك قراءات معروفات ولغات مشهورات بمعنى واحد، فبأيتها قرأ القارئ فمصيب، وإنما هو فُعِّلَتْ من الوقت، غير أن من العرب من يستثقل ضمة الواو، كما يستثقل كسرة الياء في أوّل الحرف فيهمزها، فيقول: هذه أجوه حسان بالهمزة، وينشد بعضهم: يَحُل أحِيدَهُ ويُقالُ بَعْلٌ ... ومِثْلُ تَمَوُّلٍ مِنْهُ افْتِقارُ (1) (1) إشارة إلى ما مضى: 146، ووقع في الأصول هنا "العرزمي" أيضًا، بتقديم الزاي، وهو خطأ، كما بينا من قبل. وقوله: (لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) يقول تعالى ذكره مُعَجِّبًا عباده من هول ذلك اليوم وشدّته: لأيِّ يوم أجِّلت الرسل ووقِّتت، ما أعظمه وأهوله؛ ثم بين ذلك: وأيّ يوم هو؟ فقال: أجلت (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) يقول: ليوم يفصل الله فيه بين خلقه القضاء، فيأخذ للمظلوم من الظالم، ويجزي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ![]()
__________________
|
#1375
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ المرسلات الحلقة (1375) صــ 131 الى صــ140 * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ) يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار. وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأيّ شيء أدراك يا محمد ما يوم الفصل، معظما بذلك أمره، وشدّة هوله. كما حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ) تعظيما لذلك اليوم. وقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقول تعالى ذكره: الوادي الذي يسيل في جهنم من صديد أهلها للمكذّبين بيوم الفصل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ويل والله طويل. القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) } . يقول تعالى ذكره: ألم نهلك الأمم الماضين الذين كذّبوا رسلي، وجحدوا آياتي من قوم نوح وعاد وثمود، ثم نتبعهم الآخرين بعدهم، ممن سلك سبيلهم في الكفر بي وبرسولي، كقوم إبراهيم وقوم لوط، وأصحاب مدين، فنهلكهم كما أهلكنا الأوّلين قبلهم، (كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) يقول كما أهلكنا هؤلاء بكفرهم بي، وتكذيبهم برسلي، كذلك سنتي في أمثالهم من الأمم الكافرة، فنهلك المجرمين بإجرامهم إذا طغوا وبغوا (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بأخبار الله التي ذكرناها في هذه الآية، الجاحدين قُدرته على ما يشاء. القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) } . يقول تعالى ذكره: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ) أيها الناس (مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) يعني: من نطفة ضعيفة. كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) يعنى بالمهين: الضعيف. وقوله: (فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) يقول: فجعلنا الماء المَهِين في رحمٍ استقرّ فيها فتمكن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) قال: الرحم. وقوله: (إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) يقول: إلى وقت معلوم لخروجه من الرحم عند الله، (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة (فَقَدَّرْنا) بالتشديد. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بالتخفيف. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كنت أوثر التخفيف لقوله: (فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) ، إذ كانت العرب قد تجمع بين اللغتين، كما قال: (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) فجمع بين التشديد والتخفيف، كما قال الأعشى: وأنْكَرَتْنِي وما كانَ الَّذِي نَكِرَتْ ... مِنَ الْحَوَادِثِ إلا الشَّيْبَ والصَّلعَا (1) وقد يجوز أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحدا. فإنه محكيّ عن العرب، قُدِر عليه الموت، وقُدِّر - بالتخفيف والتشديد. وعني بقوله: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) ما حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن ابن المبارك غن جويبر، عن الضحاك (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) قال: فملكنا فنعم المالكون. وقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقول جلّ ثناؤه: ويل يومئذ للمكذّبين بأن الله خلقهم من ماء مهين. القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) } . يقول تعالى ذكره: منبها عباده على نعمه عليهم: (أَلَمْ نَجْعَلِ) أيها الناس (الأرضَ) لكم (كِفاتًا) يقول: وعاء، تقول: هذا كفت هذا وكفيته، إذا كان وعاءه. وإنما معنى الكلام: ألم نجعل الأرض كِفاتَ أحيائكم وأمواتكم، تكْفِت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمهم فيها وتجمعهم، وأمواتَكم في بطونها في القبور، فيُدفَنون فيها. (1) الأثر 149- نقله السيوطي في الدر المنثور 1: 9 ونسبه للطبري وحده. وعطاء الخراساني هو عطاء بن أبي مسلم، وهو ثقة، وضعفه بعض الأئمة. وهو كثير الرواية عن التابعين، وكثير الإرسال عن الصحابة، في سماعه منهم خلاف. وأما الراوي عنه "أبو الأزهر نصر بن عمرو اللخمي" ، فإني لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من المراجع، إلا قول الدولابي في الكنى والأسماء 1: 110: "أبو الأزهر الفلسطيني نصر بن عمرو اللخمي، روى عنه يحيى بن صالح الوحاظي" . وجائز أن يكون عُني بقوله: (كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) تكفت أذاهم في حال حياتهم، وجيفهم بعد مماتهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا) يقول: كِنًّا. حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا خالد، عن مسلم، عن زاذان أبي عمر، عن الربيع بن خثيم، عن عبد الله بن مسعود، أنه وجد قملة في ثوبه، فدفنها في المسجد ثم قال: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) . حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا مسلم الأعور، عن زاذان، عن ربيع بن خثيم، عن عبد الله، مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، قال: قال مجاهد في الذي يرى القملة في ثوبه وهو في المسجد، ولا أدري قال في صلاة أم لا إن شئت فألقها، وإن شئت فوارها (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) . حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن شريك، عن بيان، عن الشعبيّ (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) قال: بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا) قال: تكفت أذاهم (أحْياءً) تواريه (وأمْوَاتًا) يدفنون: تكفتهم. وقد حدثني به ابن حميد مرّة أخرى، فقال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا) قال: تكفت أذاهم وما يخرج منهم (أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) قال: تكفتهم في الأحياء والأموات. حدثني محمد بن عمرو، قال: تنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) قال: أحياء يكونون فيها، قال محمد بن عمرو: يغيبون فيها ما أرادوا، وقال الحارث: ويغيبون فيها ما أرادوا. وقوله: (أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) قال: يدفنون فيها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) يسكن فيها حيهم، ويدفن فيها ميتهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) قال: أحياء فوقها على ظهرها، وأمواتا يُقبرون فيها. واختلف أهل العربية في الذي نصب (أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) فقال بعض نحويي البصرة: نصب على الحال. وقال بعض نحويي الكوفة: بل نصب ذلك بوقوع الكفات عليه، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات، فإذا نوّنت نصبت كما يقرأ من يقرأ (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) وهذا القول أشبه عندي بالصواب. وقوله: (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ) يقول تعالى ذكره: وجعلنا في الأرض جبالا ثابتات فيها، باذخات شاهقات. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ) يعني الجبال. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ) يقول: جبالا مشرفات. وقوله: (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) يقول: وأسقيناكم ماء عذبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) يقول: عذبا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (مَاءً فُرَاتًا) قال: عذبا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) : أي ماء عذبا. حدثنا محمد بن سنان القزّاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرِمة، عن ابن عباس: (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) قال: من أربعة أنهار: سيحانَ، وجيحان، والنيلِ، والفراتِ، وكل ماء يشربه ابن آدم، فهو من هذه الأنهار، وهي تخرج من تحت صخرة من عند بيت المقدس، وأما سيحان فهو ببلخ، وأما جيحان فدجلة، وأما الفرات ففرات الكوفة، وأما النيل فهو بمصر. وقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقول: ويل يومئذ للمكذّبين بهذه النعم التي أنعمتها عليكم من خلقي الكافرين بها. القول في تأويل قوله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) } . يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بهذه النَّعم والحجج التي احتجّ بها عليهم يوم القيامة: (انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ) في الدنيا (تُكَذّبُونَ) من عذاب الله لأهل الكفر به (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) يعني تعالى ذكره: إلى ظلّ دخان ذي ثلاث شعب (لا ظَلِيلٍ) ، وذلك أنه يرتفع من وقودها الدخان فيما ذُكر، فإذا تصاعد تفرّق شعبا ثلاثا، فذلك قوله: (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) قال: دخان جهنم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) قال: هو كقوله: (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) قال: والسرادق: دخان النار، فأحاط بهم سرادقها، ثم تفرّق، فكان ثلاث شعب، فقال: انطلقوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب: شعبة هاهنا، وشعبة هاهنا، وشعبة هاهنا (لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ) . وقوله: (لا ظَلِيلٍ) يقول: لا هو يظلهم من حرّها (وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ) ولا يُكِنُّهم من لهبها. وقوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) يقول تعالى ذكره: إن جهنم ترمي بشرر كالقصر، فقرأ ذلك قرّاء الأمصار: (كالْقَصْرِ) بجزم الصاد. واختلف الذين قرءوا ذلك كذلك في معناه، فقال بعضهم: هو واحد القصور. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) يقول: كالقصر العظيم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قال: ذكر القصر (1) . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخر في قول الله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قال: كان القرظي يقول: إن على جهنم سورا فما خرج من وراء السور مما يرجع فيها في عظم القصر، ولون القار. وقال آخرون: بل هو الغليظ من الخشب، كأصول النخل وما أشبه ذلك. * ذكر من قال ذلك. حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سألت ابن عباس عن قوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قال: القصر: خشب كنا ندّخره للشتاء ثلاث أذرع، وفوق ذلك، ودون ذلك كنا نسميه القصر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قال: القصر: خشب كان يُقْطع في الجاهلية ذراعا وأقلّ أو أكثر، يُعْمَد به. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قال: كنا في الجاهلية نقصر ذراعين أو ثلاث أذرع، وفوق ذلك ودون ذلك نسميه القصر. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) فالقصر: الشجر المقطع، ويقال: القصر: النخل المقطوع. (1) لا يزال أهل الغباء في عصرنا يكتبونه، ويتبجحون بذكره في محاضراتهم وكتبهم، نقلا عن الذين يتتبعون ما سقط من الأقوال، وهم الأعاجم الذين يؤلفون فيما لا يحسنون باسم الاستشراق. ورد الطبري مفحم لمن كان له عن الجهل والخطأ رده تنهاه عن المكابرة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كالْقَصْرِ) قال: حزم الشجر، يعني الحزمة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس في هذه الآية (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قال: مثل قَصْر النخلة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) أصول الشجر، وأصول النخل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قال: كأصل الشجر. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) القصر: أصول الشجر العظام، كأنها أجواز الإبل الصفر وسط كل شيء جوزُه، وهي الأجواز. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: قرأها الحسن: (كالْقَصْرِ) وقال: هو الجزل من الخشب قال: واحدته: قصرة وقصر، مثله: جمرة وجمر، وتمرة وتمر. وذُكر عن ابن عباس أنه قرأ ذلك (كالْقَصَرِ) بتحريك الصاد. حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: أخبرني حسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس أنه قرأها (كالقَصَرِ) بفتح القاف والصاد. قال: وقال هارون: أخبرني أبو عمر أن ابن عباس قرأها: (كالقَصَرِ) وقال: قصر النخل، يعني الأعناق. وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وهو سكون الصاد، وأولى التأويلات به أنه القصر من القصور، وذلك لدلالة قوله: (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) على صحته، والعرب تشبه الإبل بالقصور المبنية، كما قال الأخطل في صفة ناقة: كأنها بُرْجُ رُوميٍّ يُشَيِّدُه ... لُزَّ بِجصّ وآجُرٍّ وأحْجارِ (1) وقيل: (بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) ولم يقل كالقصور، والشرر جمع، كما قيل: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) ولم يقل الأدبار، لأن الدبر بمعنى الأدبار، وفعل ذلك توفيقا بين رءوس الآيات ومقاطع الكلام، لأن العرب تفعل ذلك كذلك، وبلسانها نزل القرآن. وقيل: كالقصر، ومعنى الكلام: كعظم القصر، كما قيل: (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) ولم يقل: كعيون الذي يغشى عليه، لأن المراد في التشبيه الفعل لا العين. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، أنه سأل الأسود عن هذه الآية: (تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) فقال: مثل القصر. وقوله: (جِمَالَةٌ صُفْرٌ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: كأن الشرر الذي ترمي به جهنم كالقصر جِمالات سود: أي أينق سود؛ وقالوا: الصفر في هذا الموضع، بمعنى السود قالوا: وإنما قيل لها صفر وهِي سود، لأن ألوان الإبل سود تضرب إلى الصفرة، ولذلك قيل لها صُفْر، كما سميت الظباء أدما، لما يعلوها في بياضها من الظلمة. * ذكر من قال ذلك: حدثني أحمد بن عمرو البصري، قال: ثنا بدل بن المحبِّر، قال: ثنا عباد بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن الحسن (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) قال: الأينق السود. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) كالنوق السود الذي رأيتم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (جِمَالَةٌ صُفْرٌ) قال: نوق سود. (1) لم أجد قائل البيت. واستشهد به ابن سيده في المخصص 17: 152، وعلق على البيت محمد محمود التركزي الشنقيطي، وادعى أن البيت مصنوع، وأن "بعض الرجال الذين يحبون إيجاد الشواهد المعدومة لدعاويهم المجردة، صنعه ولفقه، وأن الوضع والصنعة ظاهران فيه ظهور شمس الضحى، وركاكته تنادي جهارًا بصحة وضعه وصنعته، والصواب وهو الحق المجمع عليه، أن الشاعر الجاهلي المشار إليه، هو الشنفرى الأزدي، وهذا البيت ليس في شعره" ، وأنه ملفق من قول الشنفرى: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي، والتَلهُّفُ ضَلَّةٌ ... بما ضَرَبَتْ كَفُّ الفَتَاةِ هَجِينَهَا والشنقيطي رحمه الله كان كثير الاستطالة، سريعًا إلى المباهاة بعلمه وروايته. والذي قاله من ادعاء الصنعة لا يقوم. وكفى بالبيت الذي يليه دليلا على فساد زعمه أن الدافع لصنعته: إيجاد الشواهد المعدومة، لدعاوى مجردة. وليس في البيت ركاكة ولا صنعة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران؛ وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، جميعا عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) قال: هي الإبل. قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) قال: كالنوق السود الذي رأيتم. وقال آخرون: بل عُني بذلك: قُلُوس السفن، شبَّه بها الشرر. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) فالجِمالات الصفر: قلوس السفن التي تجمع فتوثق بها السفن. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سعيد، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سألت ابن عباس عن قوله: (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) قال: قُلُوس سفن البحر يجمل بعضها على بعض، حتى تكون كأوساط الرجال. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعت ابن عباس سئل عن (جِمَالَةٌ صُفْرٌ) فقال: حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن بن عابس، قال: ثنا عبد الملك بن عبد الله، قال: ثنا هلال بن خباب، عن سعيد بن جُبير، في قوله: (جِمَالَةٌ صُفْرٌ) قال: قُلوس الجِسر. حدثني محمد بن حويرة بن محمد المنقري، قال: ثنا عبد الملك بن عبد الله القطان، قال: ثنا هلال بن خَبَّاب، عن سعيد بن جُبير، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) قال: الحبال. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن عبد الله، عن ابن عباس (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) قال: قلوس سفن البحر. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) قال: حبال الجسور. وقال آخرون: بل معنى ذلك: كأنه قطع النُّحاس. ![]()
__________________
|
#1376
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ النبأ الحلقة (1376) صــ 141 الى صــ150 * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) يقول: قطع النحاس. وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بالجمالات الصفر: الإبل السود، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وأن الجِمالات جمع جِمال، نظير رِجال ورِجالات، وبُيوت وبُيوتات. وقد اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين (جِمالاتٍ) بكسر الجيم والتاء على أنها جمع جِمال وقد يجوز أن يكون أريد بها جمع جِمالة، والجمالة جمع جَمَل كما الحجارة جمع حَجَر، والذِّكارة جمع ذَكَر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين (كأنه جمالات) بكسر الجيم على أنها جمع جمل جُمع على جمالة، كما ذكرت مِن جمع حجَر حِجارة. ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ (جُمالاتٌ) بالتاء وضمّ الجيم كأنه جمع جُمالة من الشيء المجمل. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال. ثنا حجاج، عن هارون، عن الحسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس. والصواب من القول في ذلك، أن لقارئ ذلك اختيارَ أيّ القراءتين شاء من كسر الجيم وقراءتها بالتاء، وكسر الجيم وقراءتها بالهاء التي تصير في الوصل تاء، لأنهما القراءتان المعروفتان في قرّاء الأمصار، فأما ضم الجيم فلا أستجيزه لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه. وقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقول تعالى ذكره: ويل يوم القيامة للمكذّبين هذا الوعيد الذي توعد الله به المكذّيين من عباده. القول في تأويل قوله تعالى: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) . يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بثواب الله وعقابه: (هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) أهل التكذيب بثواب الله وعقابه (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) مما اجترموا في الدنيا من الذنوب. فإن قال قائل: وكيف قيل: (هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) وقد علمت بخبر الله عنهم أنهم يقولون: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا) وأنهم يقولون: (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) في نظائر ذلك مما أخبر الله ورسوله عنهم أنهم يقولونه. قيل: إن ذلك في بعض الأحوال دون بعض. وقوله: (هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) يخبر عنهم أنهم لا ينطقون في بعض أحوال ذلك اليوم، لا أنهم لا ينطقون ذلك اليوم كله. فإن قال: فهل من بُرهان يعلم به حقيقة ذلك؟ قيل: نعم، وذلك إضافة يوم إلى قوله: (لا يَنْطِقُونَ) والعرب لا تُضيف اليوم إلى فعل يفعل، إلا إذا أرادت الساعة من اليوم والوقت منه، وذلك كقولهم: آتيك يومَ يقدمُ فلان، وأتيتك يوم زارك أخوك، فمعلوم أن معنى ذلك: أتيتك ساعة زارك، أو آتيك ساعة يقدُم، وأنه لم يكن إتيانه إياه اليوم كله، لأن ذلك لو كان أخذ اليوم كله لم يضف اليوم إلى فعل ويفعل، ولكن فعل ذلك إذ كان اليوم بمعنى إذ وإذا اللتين يطلبان الأفعال دون الأسماء. وقوله: (فَيَعْتَذِرُونَ) رفعا عطفا على قوله: (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) وإنما اختير ذلك على النصب وقبله جحد، لأنه رأس آية قرن بينه وبين سائر رءوس التي قبلها، ولو كان جاء نصبا كان جائزا، كما قال: (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) وكلّ ذلك جائز فيه، أعني الرفع والنصب، كما قيل: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) رفعا ونصبا. وقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذّبين بخبر الله عن هؤلاء القوم، وما هو فاعل بهم يوم القيامة. وقوله: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ) يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث يوم يبعثون: هذا يوم الفصل الذي يَفْصل الله فيه بالحقّ بين عباده (جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ) يقول: جمعناكم فيه لموعدكم الذي كنا نعدكم في الدنيا، الجمع فيه بينكم وبين سائر من كان قبلكم من الأمم الهالكة. فقد وفَّينا لكم بذلك (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) يقول: والله منجز لكم ما وعدكم في الدنيا من العقاب على تكذيبكم إياه بأنكم مبعوثون لهذا اليوم إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا. وقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقول: ويل يومئذ للمكذّبين بهذا الخبر. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) } . يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بأداء فرائضه في الدنيا، واجتناب معاصيه (فِي ظِلالٍ) ظليلة، وكِنّ كَنِين، لا يصيبهم أذى حرّ ولا قرّ، إذ كان الكافرون بالله في ظلّ ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب (وَعُيُونٍ) أنهار تجري خلال أشجار جناتهم (وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) يأكلون منها كلما اشتهوا لا يخافون ضرّها، ولا عاقبة مكروهها. وقوله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول تعالى ذكره: يقال لهم: كلوا أيها القوم من هذه الفواكه، واشربوا من هذه العيون كلما اشتهيتم هنيئا: يقول: لا تكدير عليكم، ولا تنغيص فيما تأكلونه وتشربون منه، ولكنه لكم دائم، لا يزول، ومريء لا يورثكم أذى في أبدانكم. وقوله: (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول جلّ ثناؤه: يقال لهم: هذا جزاء بما كنتم في الدنيا تعملون من طاعة الله، وتجتهدون فيما يقرّبكم منه. وقوله: (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يقول: إنا كما جزينا هؤلاء المتقين بما وصفنا من الجزاء على طاعتهم إيانا في الدنيا، كذلك نجزي ونثيب أهل الإحسان فى طاعتهم إيانا، وعبادتهم لنا في الدنيا على إحسانهم لا نضيع في الآخرة أجرهم. وقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقول: ويل للذين يكذّبون خبر الله عما أخبرهم به به من تكريمه هؤلاء المتقين بما أكرمهم به يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) } . يقول تعالى ذكره تهدّدا ووعيدا منه للمكذبين بالبعث: كلوا في بقية آجالكم، وتمتعوا ببقية أعماركم (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) مَسْنُونٌ بكم سنة من قبلكم من مجرمي الأمم الخالية التي متعت بأعمارها إلى بلوغ كتبها آجالها، ثم انتقم الله منها بكفرها، وتكذبيها رسلها. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فى قوله: (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) قال: عُني به أهل الكفر. وقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذيين الذين كذّبوا خبر الله الذي أخبرهم به عما هو فاعل بهم في هذه الآية. وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المجرمين المكذّبين بوعيد الله أهل التكذيب به: اركعوا؛ لا يركعون. واختلف أهل التأويل في الحين الذي يقال لهم فيه، فقال بعضهم: يقال ذلك في الآخرة حين يُدعون إلى السجود فلا يستطيعون. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) يقول: يُدْعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا. وقال آخرون: بل قيل ذلك لهم في الدنيا. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) عليكم بحسن الركوع، فإن الصلاة من الله بمكان. وقال قتادة عن ابن مسعود، أنه رأى رجلا يصلي ولا يركع، وآخر يجرّ إزاره، فضحك، قالوا: ما يُضحكك؟ قال: أضحكني رجلان، أما أحدهما فلا يقبل الله صلاته، وأما الآخر فلا ينظر الله إليه. وقيل: عُني بالركوع في هذا الموضع الصلاة. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) قال: صَلَّوا. وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين أنهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه، لا يأتمرون بأمره، ولا ينتهون عما نهاهم عنه. وقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقول: ويل للذين كذّبوا رسل الله، فردّوا عليهم ما بلغوا من أمر الله إياهم، ونهيه لهم. القول في تأويل قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) } . يقول تعالى ذكره: فبأي حديث بعد هذا القرآن، أي أنتم أيها القوم كذبتم به مع وضوح برهانه، وصحة دلائله، أنه حق من عند الله تؤمنون: يقول: تصدّقون. وإنما أعلمهم تعالى ذكره أنهم إن لم يصدّقوا بهذه الأخبار التي أخبرهم بها في هذا القرآن مع صحة حججه على حقيقته لم يمكنهم الإقرار بحقيقة شيء من الأخبار التي لم يشاهدوا المخبَر عنه، ولم يعاينوه، وأنهم إن صدّقوا بشيء مما غاب عنهم لدليل قام عليه لزمهم مثل ذلك في أخبار هذا القرآن، والله أعلم. آخر تفسير سورة والمرسلات تفسير سورة النبأ بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ (5) } . يقول تعالى ذكره: عن أي شيء يتساءل هؤلاء المشركون بالله ورسوله من قريش يا محمد، وقيل ذلك له صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشا جعلت فيما ذُكر عنها تختصم وتتجادل في الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقرار بنبوّته، والتصديق بما جاء به من عند الله، والإيمان بالبعث، فقال الله لنبيه: فيم يتساءل هؤلاء القوم ويختصمون، و "في" و "عن" في هذا الموضع بمعنى واحد. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع بن الجراح، عن مِسعر، عن محمد بن جحادة، عن الحسن، قال: لما بُعِث النبيّ صلى الله عليه وسلم جعلوا يتساءلون بينهم، فأنزل الله: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) يعني: الخبر العظيم. قال أبو جعفر، ثم أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الذي يتساءلونه، فقال: يتساءلون عن النبأ العظيم: يعني: عن الخبر العظيم. واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالنبأ العظيم، فقال بعضهم: أريد به القرآن. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال: القرآن. وقال آخرون: عني به البعث. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) وهو البعث بعد الموت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال: النبأ العظيم: البعث بعد الموت. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) قال: يوم القيامة؛ قال: قالوا هذا اليوم الذي تزعمون أنا نحيا فيه وآباؤنا، قال: فهم فيه مختلفون، لا يؤمنون به، فقال الله: بل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون: يوم القيامة لا يؤمنون به. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: عمّ يتحدّث به قريش في القرآن، ثم أجاب فصارت عمّ كأنها في معنى: لأيّ شيء يتساءلون عن القرآن، ثم أخبر فقال: (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) بين مصدق ومكذِّب، فذلك إخلافهم، وقوله: (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) يقول تعالى ذكره: الذي صاروا هم فيه مختلفون فريقين: فريق به مصدّق، وفريق به مكذّب. يقول تعالى ذكره: فتساؤلهم بينهم في النبأ الذي هذه صفته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة: عن النبإ (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) البعث بعد الموت، فصار الناس فيه فريقين: مصدّق ومكذّب، فأما الموت فقد أقرّوا به لمعاينتهم إياه، واختلفوا في البعث بعد الموت. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) صار الناس فيه رجلين: مصدّق، ومكذّب، فأما الموت فإنهم أقروا به كلهم لمعاينتهم إياه، واختلفوا في البعث بعد الموت. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) قال: مصدّق ومكذّب. وقوله: (كَلا) يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون الذين ينكرون بعث الله إياهم أحياء بعد مماتهم، وتوعدهم جل ثناؤه على هذا القول منهم، فقال: (سَيَعْلَمُونَ) يقول: سيعلم هؤلاء الكفار المنُكرون وعيد الله أعداءه، ما الله فاعل بهم يوم القيامة، ثم أكد الوعيد بتكرير آخر، فقال: ما الأمر كما يزعمون من أن الله غير محييهم بعد مماتهم، ولا معاقبهم على كفرهم به، سيعلمون أن القول غير ما قالوا إذا لقوا الله، وأفضوا إلى ما قدّموا من سيئ أعمالهم. وذُكر عن الضحاك بن مزاحم في ذلك ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك (كَلا سَيَعْلَمُونَ) الكفار (ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ) المؤمنون، وكذلك كان يقرأها. ![]()
__________________
|
#1377
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ النبأ الحلقة (1377) صــ 151 الى صــ160 القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) } . يقول تعالى ذكره معدّدا على هؤلاء المشركين نِعَمه وأياديه عندهم، وإحسانه إليهم، وكفرانهم ما أنعم به عليهم، ومتوعدهم بما أعدّ لهم عند ورودهم عليه من صنوف عقابه، وأليم عذابه، فقال لهم: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ) لكم (مِهادًا) تمتدونها وتفترشونها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا) :أي بساطا (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) يقول: والجبال للأرض أوتادا أن تميد بكم (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) ذُكرانا وإناثا، وطوالا وقصارا، أو ذوي دمامة وجمال، مثل قوله: (الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) يعني به: صيرناهم (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) يقول: وجعلنا نومكم لكم راحة ودَعة، تهدءون به وتسكنون، كأنكم أموات لا تشعرون، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح، والسبت والسبات: هو السكون، ولذلك سمي السبت سبتا، لأنه يوم راحة ودعة (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) يقول تعالى ذكره: وجعلنا الليل لكم غشاء يتغشاكم سواده، وتغطيكم ظلمته، كما يغطي الثوب لابسه لتسكنوا فيه عن التصرّف لما كنتم تتصرّفون له نهارا؛ ومنه قول الشاعر: فلمَّا لَبِسْن اللَّيْلَ أوْ حِينَ نَصَّبَتْ ... له مِنْ خَذا آذانِها وَهْوَ دَالِحُ (1) (1) في المخطوطة والمطبوعة: "الطهوي" مكان السعدي، وهو خطأ. ليس سلامة طهويا. يعني بقوله "لبسن الليل" : أدخلن في سواده فاستترن به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قتادة (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) قال: سكنا. وقوله: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) يقول: وجعلنا النهار لكم ضياء لتنتشروا فيه لمعاشكم، وتتصرّفوا فيه لمصالح دنياكم، وابتغاء فضل الله فيه، وجعل جلّ ثناؤه النهار إذ كان سببا لتصرّف عباده لطلب المعاش فيه معاشا، كما في قول الشاعر: وأخُو الهمومِ إذا الهُمُومُ تَحَضرَتْ ... جُنْحَ الظَّلامِ وِسادُهُ لا يَرْقُدُ (1) فجعل الوساد هو الذي لا يرقد، والمعنى لصاحب الوساد. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (النَّهَارَ مَعَاشًا) قال: يبتغون فيه من فضل الله. القول في تأويل قوله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) } . يقول تعالى ذكره: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ) : وسقفنا فوقكم، فجعل السقف بناء، إذ كانت العرب تسمي سقوف البيوت - وهي سماؤها - بناءً وكانت السماء للأرض سقفا، فخاطبهم بلسانهم إذ كان التنزيل بِلسانهم، وقال (سَبْعًا شِدَادًا) إذ كانت وثاقا محكمة الخلق، لا صدوع فيهنّ ولا فطور، ولا يبليهنّ مرّ الليالي والأيام. وقوله: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) يقول تعالى ذكره: وجعلنا سراجا، يعني بالسراج: الشمس وقوله: (وَهَّاجًا) يعني: وقادا مضيئا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (1) ديوانه: 19، وقد جاء في طبقات فحول الشعراء: 131 في نسب الشاعر: سلامة بن جندل بن عبد الرحمن "، وهذه رواية ابن سلام، وغيره يقول:" ابن عبد "، فإن صحت رواية ابن سلام، فهي دليل آخر قوي على فساد دعوى الشنقيطي." * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) يقول: مضيئا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) يقول: سراجا منيرا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (سِرَاجًا وَهَّاجًا) قال: يتلألأ. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (سِرَاجًا وَهَّاجًا) قال: الوهاح: المنير. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (سِرَاجًا وَهَّاجًا) قال: يتلألأ ضوءه. وقوله: (وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بالمعصرات، فقال بعضهم: عُنِي بها الرياح التي تعصر في هبوبها. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) فالمعصرات: الريح. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، أنه كان يقرأ (وأنزلْنا بالمُعْصِرَاتِ) يعني: الرياح. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) قال: الريح. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: هي في بعض القراءات (وَأنزلْنا بالمُعْصِرَات) : الرياح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) قال: المعصرات: الرياح، وقرأ قول الله: (الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ... ) إلى آخر الآية. وقال آخرون: بل هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولمَّا تمطر، كالمرأة المعصر التي قد دنا أوان حيضها ولم تحض. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) قال: المعصرات: السحاب. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) يقول: من السحاب. قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع: (الْمُعْصِرَاتِ) السحاب. وقال آخرون: بل هي السماء. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن يقول: (وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) قال: من السماء. حدثنا بشر. قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) قال: من السموات. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) قال: من السماء. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه أنزل من المعصرات - وهي التي قد تحلبت بالماء من السحاب - ماء. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب؛ لأن القول في ذلك على أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرت، والرياح لا ماء فيها فينزل منها، وإنما ينزل بها، وكان يصحّ أن تكون الرياح لو كانت القراءة (وَأنزلنا بالمُعْصِرَاتِ) فلما كانت القراءة (مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) علم أن المعنيّ بذلك ما وصفت. فإن ظنّ ظانّ أن الباء قد تعقب في مثل هذا الموضع من قيل ذلك، وإن كان كذلك، فالأغلب من معنى "من" غير ذلك، والتأويل على الأغلب من معنى الكلام. فإن قال: فإن السماء قد يجوز أن تكون مرادا بها. قيل: إن ذلك وإن كان كذلك، فإن الأغلب من نزول الغيث من السحاب دون غيره. وأما قوله: (مَاءً ثَجَّاجًا) يقول: ماء منصبا يتبع بعضه بعضا كثجّ دماء البدن، وذلك سفكها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (مَاءً ثَجَّاجًا) قال: منصبا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (مَاءً ثَجَّاجًا) ماء من السماء منصبا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (مَاءً ثَجَّاجًا) قال: منصبًّا. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: (مَاءً ثَجَّاجًا) قال: الثجاج: المنصبّ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع (مَاءً ثَجَّاجًا) قال: منصبا. قال: ثنا مهران، عن سفيان (مَاءً ثَجَّاجًا) قال: متتابعا. وقال بعضهم: عُنِي بالثجَّاج: الكثير. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب (مَاءً ثَجَّاجًا) قال: كثيرا، ولا يُعرف في كلام العرب من صفة الكثرة الثجّ، وإنما الثجّ: الصب المتتابع. ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أفْضَلُ الحَجِّ الْعَجُّ والثجّ" يعني بالثج: صبّ دماء الهدايا والبُدن بذبحها، يقال منه: ثججت دمه، فأنا أثجُّه ثجا، وقد ثجَّ الدم، فهو يثجّ ثجوجا. القول في تأويل قوله تعالى: لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) . يقول تعالى ذكره: لنخرج بالماء الذي ننزله من المعصرات إلى الأرض حبا، والحب كل ما تضمنه كمام الزرع التي تحصد، وهي جمع حبة، كما الشعير جمع شعيرة، وكما التمر جمع تمرة: وأما النبات فهو الكلأ الذي يُرْعى، من الحشيش والزروع. وقوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) يقول: ولنخرج بذلك الغيث جنات، وهي البساتين، وقال: (وَجَنَّاتٍ) والمعنى: وثمر جنات، فترك ذكر الثمر استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره. وقوله: (أَلْفَافًا) يعني: ملتفة مجتمعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: مجتمعة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) يقول: وجنات التفّ بعضها ببعض. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: ملتفة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: التفّ بعضها إلى بعض. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: التفّ بعضها إلى بعض. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: ملتفة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: هي الملتفة، بعضها فوق بعض. واختلف أهل العربية في واحد الألفاف، فكان بعض نحويي البصرة يقول: واحدها: لَفٌّ. وقال بعض نحويِّي الكوفة: واحدها: لف ولفيف، قال: وإن شئت كان الإلفاف جمعا واحده جمع أيضا، فتقول: جنة لفَّاء، وجنات لفّ، ثم يجمع اللَّفَّ ألفافا. وقال آخر منهم: لم نسمع شجرة لفة، ولكن واحدها لفاء، وجمعها لفّ، وجمع لفّ: ألفاف، فهو جمع الجمع. والصواب من القول في ذلك أن الألفاف جمع لفّ أو لفيف، وذلك أن أهل التأويل مجمعون على أن معناه: ملتفة، واللفاء، هي الغليظة، وليس الالتفاف من الغلظ في شيء، إلا أن يوجه إلى أنه غلظ الالتفاف، فيكون ذلك حينئذ وجها. وقوله: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) يقول تعالى ذكره: إن يوم يفصل الله فيه بين خلقه، فيأخذ فيه من بعضهم لبعض، كان ميقاتًا لما أنفذ الله لهؤلاء المكذّبين بالبعث، ولضربائهم من الخلق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) وهو يوم عظَّمه الله، يفصِل الله فيه بين الأوّلين والآخرين بأعمالهم. وقوله: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) تَرْجَم بيوم ينفخ عن يوم الفصل، فكأنه قيل: يوم الفصل كان أجلا لما وعدنا هؤلاء القوم، يوم ينفخ في الصور، وقد بيَّنت معنى الصور فيما مضى قبل، وذكرت اختلاف أهل التأويل فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، وهو قَرْن يُنْفَخ فيه عندنا. كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التيميّ، عن أسلم، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن عمرو، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "الصور: قرن" . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) والصُّور: الخَلق. وقوله: (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) يقول: فيجيئون زمرا زمرا، وجماعة جماعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أَفْوَاجًا) قال: زُمرًا زُمرًا. وإنما قيل: (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) لأن كلّ أمة أرسل الله إليها رسولا تأتي مع الذي أرسل إليها كما قال: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) وقوله: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا) يقول تعالى ذكره: وشققت السماء فصدّعت، فكانت طُرقا، وكانت من قبل شدادا لا فطور فيها ولا صدوع. وقيل: معنى ذلك: وفُتحت السماء فكانت قِطعا كقطع الخشب المشقَّقة لأبواب الدور والمساكن، قالوا: ومعنى الكلام: وفُتحت السماء فكانت قِطعا كالأبواب، فلما أسقطت الكاف صارت الأبواب الخبر، كما يقال في الكلام: كان عبد الله أسدا، يعني: كالأسد. وقوله: (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا) يقول: ونُسفت الجبال فاجتثت من أصولها، فصيرت هباء منبثا، لعين الناظر، كالسراب الذي يظنّ من يراه من بُعد ماء، وهو في الحقيقة هباء. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا (24) إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) } . يعني تعالى ذكره بقوله: إن جهنم كانت ذات رَصْد لأهلها الذين كانوا يكذّبون في الدنيا بها وبالمعاد إلى الله في الآخرة، ولغيرهم من المصدّقين بها. ومعنى الكلام: إن جهنم كانت ذات ارتقاب ترقب من يجتازها وترصُدهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المازني، قال: كان الحسن إذا تلا هذه الآية: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) قال: ألا إنّ على الباب الرّصَد، فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجئ بجواز احتبس. حدثنِي يعقوب، قال: ثنا إسماعيل بن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) قال: لا يدخل الجنة أحد حي يجتاز النار. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) يُعْلِمُنا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى يَقطَع النار. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) قال: عليها ثلاث قناطر. وقوله: (لِلطَّاغِينَ مَآبًا) يقول تعالى ذكره: إن جهنم للذين طَغَوا في الدنيا، فتجاوزوا حدود الله استكبارا على ربهم كانت منزلا ومرجعا يرجعون إليه، ومصيرا يصيرون إليه يسكنونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد. قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِلطَّاغِينَ مَآبًا) أي منزلا ومأوى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان (مآبًا) يقول: مرجعا ومنزلا. وقوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الطاغين في الدنيا لابثون في جهنم، فماكثون فيها أحقابا. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لابِثِينَ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (لابِثِينَ) بالألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة "لَبِثِينَ" بغير ألف، وأفصح القراءتين وأصحهما مخرجا في العربية قراءة من قرأ ذلك بالألف، وذلك أن العرب لا تكاد توقع الصفة إذا جاءت على فَعِل فتعملها في شيء، وتنصبه بها، لا يكادون أن يقولوا: هذا رجل بَخِل بماله، ولا عَسِر علينا، ولا هو خَصِم لنا؛ لأن فعل لا يأتي صفة إلا مدحا أو ذما، فلا يعمل المدح والذمّ في غيره، وإذا أرادوا إعمال ذلك في الاسم أو غيره جعلوه فاعلا فقالوا: هو باخل بماله، وهو طامع فيما عندنا، فلذلك قلت: إن (لابِثِينَ) أصح مخرجا في العربية وأفصح، ولم أُحِلّ قراءة من قرأ (لَبِثِينَ) وإن كان غيرها أفصح، لأن العرب ربما أعملت المدح في الأسماء، وقد يُنشد بيت لبيد: أوْ مِسْحَلٌ عَمِلٌ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ ... بِسَرَاتِهَا نَدَبٌ لَهُ وكُلُومُ (1) فأعمل عَمِلٌ في عِضادة، ولو كانت عاملا كانت أفصح، ويُنشد أيضا: . .. ... ... ... ... ... ... ... ... وبالفأس ضَرَّابٌ رُءُوسَ الكَرَانِفِ (2) ومنه قول عباس بن مرداس: أكَرَّ وأحْمَى لِلْحَقِيقَةِ مِنْهُمُ ... وأضْرَبَ مِنَّا بالسُّيُوفِ الْقَوَانِسا (3) (1) الذي عناه الطبري، هو أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه "مجاز القرآن" : 21، وقد نقل أكثر كلامه الآتي بنصه. (2) حماسة أبي تمام 3: 135، والمؤتلف والمختلف للآمدي: 62. (3) في المطبوعة: "أن معنى الله هو المعبود" . وأما الأحقاب فجمع حُقْب، والحِقَب: جمع حِقْبة، كما قال الشاعر: عِشْنا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حتى قيلَ لَن نَتَصَدَّعا (1) فهذه جمعها حِقَب، ومن الأحقاب التي جمعها حقب (2) قول الله: (أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) فهذا واحد الأحقاب. وقد اختلف أهل التأويل في مبلغ مدة الحُقْب، فقال بعضهم: مدة ثلاث مئة سنة. ![]()
__________________
|
#1378
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ النبأ الحلقة (1378) صــ 161 الى صــ170 * ذكر من قال ذلك: حدثنا عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا إسحاق بن سُويد، عن بشير بن كعب، في قوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) قال: بلغني أن الحُقب ثلاث مئة سنة، كلّ سنة ثلاث مئة وستون يوما، كل يوم ألف سنة. وقال آخرون: بل مدة الحُقْب الواحد: ثمانون سنة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: ثني عمار الدُّهْنيّ، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه لهلال الهَجرِيّ: ما تجدون الحُقْب في كتاب الله المنزل؟ قال: نجد ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهرا، كل شهر ثلاثون يوما، كل يوم ألف سنة. حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أنه قال: الحُقب: ثمانون سنة، والسنة: (1) هذا الاحتجاج من أجود ما قيل، ودقته تدل على حسن نظر أبي جعفر فيما يعرض له. وتفسيره كله شاهد على ذلك. رحمة الله عليه. (2) غيروه في المطبوعة: "لعباده" . ستون وثلاث مئة يوم، واليوم: ألف سنة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبى سنان، عن ابن عباس، قال: الحُقْب: ثمانون سنة. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش، عن سعيد، بن جُبير، في قوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) قال: الحقب: ثمانون سنة، السنة: ثلاث مئة وستون يوما، اليوم: سنة أو ألف سنة "الطبري يشكّ" . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) وهو ما لا انقطاع له، كلما مضى حُقْب جاء حُقْب بعده. وذُكر لنا أن الحُقْب ثمانون سنة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (أحْقابًا) قال: بلغنا أن الحقب ثمانون سنة من سني الآخرة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) لا يعلم عدّة هذه الأحقاب إلا الله، ولكن الحُقْب الواحد: ثمانون سنة، والسنة: ثلاث مئة وستون يوما، كل يوم من ذلك ألف سنة. وقال آخرون: الحُقْب الواحد: سبعون ألف سنة. * ذكر من قال ذلك: حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثني عمرو بن أبي سلمة، عن زهير، عن سالم، قال: سمعت الحسن يُسْأل عن قول الله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) قال: أما الأحقاب فليس لها عدّة إلا الخلود في النار؛ ولكن ذكروا أن الحُقْب الواحد سبعون ألف سنة، كلّ يوم من تلك الأيام السبعين ألفا كألف سنة مما تَعُدّون. حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآمُلِيّ، قال: ثنا أبو أُسامة، عن هشام، عن الحسن في قوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) قال: أما الأحقاب، فلا يَدرِي أحد ما هي، وأما الحُقْب الواحد: فسبعون ألف سنة، كلّ يوم كألف سنة. ورُوي عن خالد بن معدان في هذه الآية أنها في أهل القِبلة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عامر بن جَشْبٍ، عن خالد بن معدان في قوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) ، وقوله: (إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) إنهما في أهل التوحيد من أهل القبلة. فإن قال قائل: فما أنت قائل في هذا الحديث؟ قيل: الذي قاله قتادة عن الربيع بن أنس في ذلك أصحّ. فإن قال: فما للكفار عند الله عذاب إلا أحقابا، قيل: إن الربيع وقتادة قد قالا إن هذه الأحقاب لا انقضاء لها ولا انقطاع لها. وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك: لابثين فيها أحقابا في هذا النوع من العذاب هو أنهم: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) فإذا انقضت تلك الأحقاب، صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك، كما قال جلّ ثناؤه في كتابه: (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ) وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية. وقد رُوي عن مقاتل بن حيان في ذلك ما حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سَلَمة، قال: سألت أبا معاذ الخراساني، عن قول الله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) فأخبرنا عن مقاتل بن حَيان، قال: منسوخة، نسختها (فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا) ولا معنى لهذا القول؛ لأن قوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) خبر والأخبار لا يكون فيها نسخ، وإنما النسخ يكون في الأمر والنهي. وقوله: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا) يقول: لا يطعمون فيها بردا يبرد حرّ السعير عنهم، إلا الغساق، ولا شرابا يرويهم من شدّة العطش الذي بهم، إلا الحميم. وقد زعم بعض أهل العلم بكلام العرب أن البرد في هذا الموضع النوم، وأن معنى الكلام: لا يذوقون فيها نوما ولا شرابا، واستشهد لقيله ذلك بقول الكنديّ: بَرَدَتْ مَرَاشِفُها عَليَّ فَصَدَّني ... عَنْها وَعَنْ قُبُلاتِها البَرْدُ (1) يعني بالبرد: النُّعاس، والنوم إن كان يُبرِد غليلَ العطش، فقيل له من أجل ذلك (1) الأثر 150- نقله ابن كثير في التفسير 1: 41- 42 عن هذا الموضع. والسيوطي في الدر المنثور 1: 9، ونسبه للطبري وحده. و "عوف" الراويه عن الحسن: هو عوف بن أبي جميلة العبدي، المعروف بابن الأعرابي، وهو ثقة ثبت. البرد فليس هو باسمه المعروف، وتأويل كتاب الله على الأغلب من معروف كلام العرب، دون غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع (لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) فاستثنى من الشراب الحميم، ومن البَرْد: الغَسَّاق. وقوله: (إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) يقول تعالى ذكره: لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميمًا قد أغلي حتى انتهى حرّه، فهو كالمُهْل يَشْوِي الوجوه، ولا بردًا إلا غَسَّاقًا. اختلف أهل التأويل في معنى الغَسَّاق، فقال بعضهم: هو ما سال من صديد أهل جهنم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، ومحمد بن المثنى، قالا ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية بن سعد، في قوله: (حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) قال: هو الذي يَسيل من جلودهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا أبو عمرو، قال: زَعم عكرِمة أنه حدثهم في قوله: (وَغَسَّاقًا) قال: ما يخرج من أبصارهم من القيح والدم. حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان، عن منصور عن إبراهيم وأبي رَزِين (إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) قالا غُسالة أهل النار: لفظ ابن بشار؛ وأما ابن المثنى فقال في حديثه: ما يسيل من صديدهم. وحدثنا ابن بشار مرّة أخرى عن عبد الرحمن، فقال كما قال ابن المثنى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين (وَغَسَّاقًا) قال: ما يَسِيل من صديدهم. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور وأبي رزين، عن إبراهيم مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (غَسَّاقًا) كنا نحدَّث أن الغَسَّاق: ما يسيل من بين جلده ولحمه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، أنه قال: بلغني أنه ما يسيل من دموعهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (وَغَسَّاقًا) قال: ما يسيل من صديدهم من البرد، قاله سفيان، وقال غيره: الدموع. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) قال: الحميم: دموع أعينهم في النار، يجتمع في خنادق النار فَيُسْقَونه والغساق: الصديد الذي يخرج من جلودهم، ما تصهرهم النار في حياض يجتمع فيها فيسقونه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم (إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) قال: الغساق: ما يقطر من جلودهم، وما يسيل من نتنهم. وقال آخرون: الغساق: الزمهرير. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) يقول: الزمهرير. حدثنا أبو كُريب وأبو السائب وابن المثنى، قالوا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، في قوله: (إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) قال: الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده. قال: ثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد (إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) قال: الذي لا يستطيعونه من برده. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، الغساق: الذي لا يستطاع من برده. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر عن الربيع، قال: الغساق، الزمهرير. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع عن أبي العالية، قال: الغساق: الزمهرير. وقال آخرون: هو المنتن، وهو بالطَّخارية. * ذكر من قال ذلك: حُدثت عن المسيب بن شريك، عن صالح بن حيان، عن عبد الله بن بُرَيدة، قال: الغساق: بالطَّخارية: هو المُنْتِن. والغساق عندي: هو الفعال، من قولهم: غَسَقَت عين فلان: إذا سالت دموعها، وغَسَق الجرح: إذا سال صديده، ومنه قول الله (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) يعني بالغاسق: الليل إذا لَبِسَ الأشياء وغطاها، وإنما أريد بذلك هجومه على الأشياء، هجوم السيل السائل. فإذا كان الغسَّاق هو ما وصفت من الشيء السائل، فالواجب أن يقال: الذي وعد الله هؤلاء القوم، وأخبر أنهم يذوقونه في الآخرة من الشراب هو السائل من الزمهرير في جهنم، الجامع مع شدّة برده النتن. كما حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشر، قال: ثنا ابن المبارك، قال: ثنا رشدين بن سعد، قال: ثنا عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "لَوْ أنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ إلى الدُّنْيا لأنْتَن أهْلَ الدُّنْيا" . حُدثت عن محمد بن حرب، قال: ثنا ابن لَهِيعة، عن أبي قبيل، عن أبي مالك، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "أتدرون أيّ شيء الغسَّاق؟" قالوا: الله أعلم، قال: "هو القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب لأنتن أهل المشرق، ولو تهراق بالمشرق، لأنتن أهل المغرب" . فإن قال قائل: فإنك قد قلت: إن الغَساق: هو الزمهرير، والزمهرير، هو غاية البرد، فكيف يكون الزمهرير سائلا؟ قيل: إن البرد الذي لا يُستطاع ولا يُطاق يكون في صفة السائل من أجساد القوم من القيح والصديد. القول في تأويل قوله تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا (30) } . يقول تعالى ذكره: هذا العقاب الذي عُوقِب به هؤلاء الكفار في الآخرة فعلَه بهم ربهم جزاء، يعني: ثوابا لهم على أفعالهم وأقوالهم الرديئة التي كانوا يعملونها في الدنيا، وهو مصدر من قول القائل: وافق هذا العقاب هذا العلم وِفاقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ عن ابن عباس، قوله: (جَزَاءً وِفَاقًا) يقول: وافَق أعمالهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (جَزَاءً وِفَاقًا) وافق الجزاء أعمال القوم أعمال السوء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع (جَزَاءً وِفَاقًا) قال: بحسب أعمالهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع، في قوله: (جَزَاءً وِفَاقًا) قال: ثواب وافَق أعمالهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (جَزَاءً وِفَاقًا) قال: عملوا شرّا فجزوا شرّا، وعملوا حسنا فجزوا حسنا، ثم قرأ قول الله: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (جَزَاءً وِفَاقًا) قال: جزاء وافق أعمال القوم. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (جَزَاءً وِفَاقًا) قال: وافق الجزاء العمل. وقوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا) يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الكفار كانوا في الدنيا لا يخافون محاسبة الله إياهم في الآخرة على نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، وسوء شكرهم له على ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لا يَرْجُونَ حِسَابًا) قال: لا يبالون فيصدّقون بالغيب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة، قوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا) أي: لا يخافون حسابا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا) قال: لا يؤمنون بالبعث ولا بالحساب، وكيف يرجو الحساب من لا يوقن أنه يحيا، ولا يوقن بالبعث، وقرأ قول الله: (بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأوَّلُونَ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ... ) إلى قوله: (أساطِيرُ الأوَّلِينَ) . وقرأ (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ... ) إلى قوله: (جَدِيدٍ) فقال بعضهم لبعض: ماله (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) الرجل مجنون حين يخبرنا بهذا. وقوله: (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا) يقول تعالى ذكره: وكذّب هؤلاء الكفار بحُججِنا وأدلتنا تكذيبا. وقيل: (كِذَّابًا) ، ولم يقل تكذيبا تصديرا على فعله. وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: قيل ذلك لأن فعل منه على أربعة فأراد أن يجعله مثل باب أفعلت، ومصدر أفعلت إفعالا فقال: كذّابا، فجعله على عدد مصدره، قال: وعلى هذا القياس تقول: قاتل قتالا قال: وهو من كلام العرب. وقال بعض نحويِّي الكوفة: هذه لغة يمانية فصيحة، يقولون: كذّبت به كذّابا، وخَرَّقت القميص خِرَّاقا، وكلٌّ فَعَّلْت فمصدرها فِعَّال بلغتهم مشدّدة. قال: وقال لي أعرابي مرّة على المروة يستفتيني: ألحلق أحبّ إليك أم القِصَّار؟ قال: وأنشدني بعض بنِي كلاب: لَقَدْ طالَ ما ثَبَّطَتْنِي عَنْ صَحَابَتِي ... وَعَنْ حِوَجٍ قِضَّاؤُها مِنْ شِفائِيَا (1) وأجمعت القرّاء على تشديد الذال من الكِذّاب في هذا الموضع. وكان الكسائي (1) في المطبوعة: "ما يرى" ، والصواب من المخطوطة وابن كثير 1: 42. خاصة يخفِّف الثانية، وذلك في قوله: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا) ويقول: هو من قولهم: كاذبته كِذّابا ومكاذبة، ويشدّد هذه، ويقول قوله: (كذّبوا) يقيد الكذّاب بالمصدر. وقوله: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا) يقول تعالى ذكره: وكلّ شيء أحصيناه فكتبناه كتابا، كتبنا عدده ومبلغه وقدره، فلا يعزُب عنا علم شيء منه، ونصب كتابا، لأن في قوله: (أحصَيْناهُ) مصدر أثبتناه وكتبناه، كأنه قيل: وكلّ شيء كتبناه كتابا. وقوله: (فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا) يقول جلّ ثناؤه: يقال لهؤلاء الكفار في جهنم إذا شربوا الحميم والغَسَّاق: ذوقوا أيها القوم من عذاب الله الذي كنتم به في الدنيا تكذّبون، فلن نزيدكم إلا عذابًا على العذاب الذي أنتم فيه، لا تخفيفا منه، ولا ترفُّها. وقد حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب الأزدي، عن عبد الله بن عمرو، قال: لم تنزل على أهل النار آية أشد من هذه: (فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا) قال: فهم في مزيد من العذاب أبدا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا) ذُكر لنا أن عبد الله بن عمرو كان يقول: ما نزلت على أهل النار آية أشدّ منها (فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا) فهم في مزيد من الله أبدا. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا (35) } . يقول: إن للمتقين مَنجَى من النار إلى الجنة، ومخلصا منها لهم إليها، وظفرا بما طلبوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) قال: فازوا بأن نَجَوا من النار. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) إي والله مفازا من النار إلى الجنة، ومن عذاب الله إلى رحمته. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) قال: مفازا من النار إلى الجنة. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاومة، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) يقول: مُنْتَزَها (1) . وقوله: (حَدَائِقَ) والحدائق: ترجمة وبيان عن المفاز، وجاز أن يترجم عنه، لأن المفاز مصدر من قول القائل: فاز فلان بهذا الشيء، إذا طلبه فظفر به، فكأنه قيل: إن للمتقين ظفرا بما طلبوا من حدائق وأعناب، والحدائق: جمع حديقة، وهي البساتين من النخل والأعناب والأشجار المُحَوَّط عليها الحيطان المحدقة بها، لإحداق الحيطان بها تسمى الحديقة حديقة، فإن لم تكن الحيطان بها محدقة، لم يَقُل لها حديقة، وإحداقها بها: اشتمالها عليها. وقوله: (وأعْنابًا) يعني: وكرومَ أعناب، واستغنى بذكر الأعناب عن ذكر الكروم. وقوله: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) يقول: ونواهد في سنّ واحدة. وبنحو الذي قلنا قي ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَكَوَاعِبَ) يقول: ونواهد. وقوله: (أَتْرَابًا) يقول: مُسْتَوِيَات. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) يعني: النساء المستويات. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) قال: نواهد أترابا، يقول: لسن واحدة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، ثم وصف ما في الجنة (1) الحديث 151- هذا الإسناد سبق بيان ضعفه في 137. و "محمد بن العلاء" شيخ الطبري: هو "أبو كريب" نفسه في الإسناد السابق، مرة يسميه ومرة يكنيه. وهذا الحديث نقله ابن كثير في التفسير 1: 43، والسيوطي في الدر المنثور 1: 11، والشوكاني في تفسيره الذي سماه فتح القدير 1: 10، ونسبوه أيضًا لابن أبي حاتم في تفسيره. قال: (حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا) (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) يعني بذلك النساء أترابا لسنٍّ واحدة. حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: الكواعب: النواهد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) قال: الكواعب: التي قد نهدت وكَعَبَ ثديها، وقال: أترابا: مستويات، فلانة تربة فلانة، قال: الأتراب: اللِّدات. حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثنا يحيى بن سليمان، عن ابن جريج، عن مجاهد (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) لِدَّات. وقوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) يقول: وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء، وأصله من الدَّهْق: وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدّة وعنف، وكذلك الكأس الدهاق: متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ![]()
__________________
|
#1379
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ النبأ الحلقة (1379) صــ 171 الى صــ180 * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا مروان، قال: ثنا أبو يزيد يحيى بن ميسرة، عن مسلم بن نَسْطاس، قال: قال ابن عباس لغلامه: اسقني دهاقا، قال: فجاء بها الغلام ملأى، فقال ابن عباس: هذا الدِّهاق. حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا موسى بن عمير، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قوله: (كَأْسًا دِهَاقًا) قال: ملأى. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، أخبرني سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عباس يُسأل عن (كأْسًا دِهاقًا) قال: دراكا، قال يونس: قال ابن وهب: الذي يَتْبع بعضُه بعضا. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) يقول: ممتلئا. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا حميد الطويل، عن ثابت البُنَانيّ، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، في قوله: (كَأْسًا دِهَاقًا) قال: دمادم (1) . (1) الحديث 152- نقله ابن كثير 1: 43 بإسناد الطبري هذا، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1: 11 ونسبه للطبري والحاكم في تاريخ نيسابور والديلمي "بسند ضعيف" . وإسناده ضعيف حقًا، بل هو إسناد لا تقوم له قائمة، كما سنذكر: أما بقية بن الوليد، فالحق أنه ثقة، وإنما نعوا عليه التدليس، ولا موضع له هنا، فإنه صرح بالتحديث. ولكن عيسى بن إبراهيم، وهو القرشي الهاشمي، كل البلاء منه في هذا الحديث، وفي أحاديث من نحوه، رواها بهذا الإسناد. وقد قال فيه البخاري في الضعفاء: 27: "منكر الحديث" ، وكذلك النسائي: 22. وترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3 / 1 271 - 272، وروى عن أبيه قال: "متروك الحديث" ، وعن ابن معين: "ليس بشيء" ، وقال ابن حبان في الضعفاء، الورقة 163: "لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد" . وترجمته في الميزان ولسان الميزان فيها العجب. وشيخه "موسى بن أبي حبيب" مثله: ضعيف تالف، وقال الذهبي في الميزان: "ضعفه أبو حاتم، وخبره ساقط. وله عن الحكم بن عمير، رجل قيل: له صحبة. والذي أراه أنه لم يلقه. وموسى -مع ضعفه- فمتأخر عن لقي صحابي كبير" . فالبلاء من هذين أو من أحدهما. حتى لقد شك بعض الحفاظ في وجود الصحابي نفسه "الحكم بن عمير" ، من أجلهما! فترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1 / 2 / 125، قال: "الحكم بن عمير: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يذكر السماع ولا لقاء، أحاديث منكرة، من رواية ابن أخيه موسى بن أبي حبيب، وهو شيخ ضعيف الحديث، ويروي عن موسى بن أبي حبيب عيسى بن إبراهيم، وهو ذاهب الحديث، سمعت أبي يقول ذلك" . وحتى إن الذهبي أنكر صحبته وترجم له في الميزان، وأخطأ في النقل فيه عن أبي حاتم، ذكر أنه ضعف الحكم! وكلام أبي حاتم -كما ترى- غير ذلك. وتعقبه الحافظ في لسان الميزان 2: 337 وأثبت أنه صحابي، بما ذكره ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم والترمذي وغيرهم، وأن الدارقطني قال: "كان بدريًا" . وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات (ص 54) في طبقة الصحابة، وقال: "يقال إن له صحبة" . ونقل الحافظ هذا في اللسان عن ابن حبان، ولكن سها فزعم أنه ذكره "في ثقات التابعين" . وترجمه ابن عبد البر في الاستيعاب، رقم 476: باسم "الحكم بن عمرو الثمالي، وثمالة في الأزد، شهد بدرًا، ورويت عنه أحاديث مناكير من أحاديث أهل الشأم، لا تصح" . وتسمية أبيه باسم "عمرو" خطأ قديم في نسخ الاستيعاب، لأن ابن الأثير تبعه في أسد الغابة 1: 26، وأشار إلى الغلط فيه، ثم ترجمه على الصواب: "الحكم بن عمير الثمالي، من الأزد، وكان يسكن حمص" . وحقق الحافظ ترجمته في الإصابة 2: 30 تحقيقًا جيدًا. قال ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) قال: مَلأى. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن يونس، عن الحسن (وَكَأْسًا دِهَاقًا) قال: الملأى. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَكَأْسًا دِهَاقًا) قال: مَلأى. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، في قوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) قال: مُتْرَعة مَلأى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَكَأْسًا دِهَاقًا) قال: الدهاق: المَلأى المُتْرَعة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (كأْسًا دِهاقًا) قال: الدهاق: الممتلئة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (كأْسًا دِهاقًا) قال: الدِّهاق المملوءة. وقال آخرون: الدِّهاق: الصافية. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن يحيى الأزديّ وعباس بن محمد، قالا ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: ثنا عمر بن عطاء، عن عكرِمة، في قوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) قال: صافية. وقال آخرون: بل هي المتتابعة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال سعيد بن جُبير في قوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) دهاقًا: المتتابعة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) قال: المتتابع. حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا جرير، عن حصين، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) قال: الملأى المتتابعة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) قال: المتتابعة. وقوله: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا) يقول تعالى ذكره: لا يسمعون في الجنة لغوا، يعني باطلا من القول، ولا كذّابًا، يقول: ولا مكاذبة، أي لا يكذب بعضهم بعضا، وقرأت القرّاء في الأمصار بتشديد الذال على ما بيَّنت في قوله: (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا) سوى الكسائيّ فإنه خَفَّفها لما وصفت قبل، والتشديد أحبّ إليّ من التخفيف، وبالتشديد القراءة، ولا أرى قراءة ذلك بالتخفيف لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه، ومن التخفيف قول الأعشى: فَصَدَقْتُها وكَذبْتُها ... والمَرْءُ يَنْفَعُهُ كِذَابُهُ (1) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لَغْوًا وَلا كِذَّابًا) قال: باطلا وإثمًا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا) قال: وهي كذلك ليس فيها لغوٌ ولا كذَّاب. القول في تأويل قوله تعالى: جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) (1) الخبر 153- هذا الإسناد صحيح، وسواء صح أم ضعف، فلا قيمة له، إذ منتهاه إلى كعب الأحبار. وما كان كلام كعب حجة قط، في التفسير وغيره. و "الصدفي" : بفتح الصاد والدال المهملتين، نسبة إلى "الصدف" بفتح الصاد وكسر الدال، وهي قبيلة من حمير، نزلت مصر. و "السلولي" ، هو: عبد الله بن ضمرة السلولي، تابعي ثقة. وهذا الخبر -عن كعب- ذكره ابن كثير 1: 43 دون إسناد ولا نسبة. وذكر السيوطي 1: 11 ونسبه للطبري وابن أبي حاتم. يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) . يعني بقوله جلّ ثناؤه: (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً) أعطى الله هؤلاء المتقين ما وصف في هذه الآيات ثوابًا من ربك بأعمالهم، على طاعتهم إياه في الدنيا. وقوله: (عَطاءً) يقول: تفضلا من الله عليهم بذلك الجزاء، وذلك أنه جزاهم بالواحد عشرا في بعض وفي بعض بالواحد سبع مِئَةٍ، فهذه الزيادة وإن كانت جزاء، فعطاء من الله. وقوله: (حِسابًا) يقول: محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا) قال: عطاء منه حسابًا لما عملوا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا) : أي عطاء كثيرا، فجزاهم بالعمل اليسير الخير الجسيم، الذي لا انقطاع له. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن مَعْمر، عن قتادة، في قوله: (عَطَاءً حِسَابًا) قال: عطاء كثيرا، وقال مجاهد: عطاء من الله حسابًا بأعمالهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قول الله: (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا) فقرأ: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ... ) إلى (عَطَاءً حِسَابًا) قال: فهذه جزاء بأعمالهم عطاء الذي أعطاهم عملوا له واحدة، فجزاهم عشرا، وقرأ قول الله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) ، وقرأ قول الله: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) قال: يزيد من يشاء، كان هذا كله عطاء، ولم يكن أعمالا يحسبه لهم، فجزاهم به حتى كأنهم عملوا له، قال: ولم يعملوا إنما عملوا عشرا، فأعطاهم مئة، وعملوا مئة، فأعطاهم ألفا، هذا كله عطاء، والعمل الأوّل، ثم حَسَب ذلك حتى كأنهم عملوا فجزاهم كما جزاهم بالذي عملوا. وقوله: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ) يقول جلّ ثناؤه: جزاء من ربك ربّ السموات السبع والأرض وما بينهما من الخلق. واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة: (رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرَّحْمَنُ) بالرفع في كليهما. وقرأ ذلك بعض أهل البصرة وبعض الكوفيين: (رَبِّ) خفضًا: (الرَّحْمَنُ) رفعًا ولكلّ ذلك عندنا وجه صحيح، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب، غير أن الخفض في الربّ، لقربه من قوله: (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ) : أعجب إليّ، وأما (الرَّحْمَنُ) بالرفع فإنه أحسن لبعده من ذلك. وقوله: (الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) يقول تعالى ذكره: الرحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة، إلا من أذن له منهم وقال صوابًا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) قال: كلاما. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) أي كلاما. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) قال: لا يملكون أن يخاطبوا الله، والمخاطِب: المخاصم الذي يخاصم صاحبه. وقوله: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) اختلف أهل العلم في معنى الروح في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو مَلَك من أعظم الملائكة خَلْقًا. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن خلف العَسْقَلانيّ، قال: ثنا روّاد بن الجرّاح، عن أبي حمزة، عن الشعبيّ، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: الرُّوح: ملك في السماء الرابعة، هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة يسبح الله كلّ يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق الله من كلّ تسبيحة مَلَكا من الملائكة، يجيء يوم القيامة صفًّا وحده. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ) قال: هو ملك أعظم الملائكة خَلْقًا. وقال آخرون: هو جبريل عليه السلام. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) قال: جبريل عليه السلام. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) قال: الروح: جبريل عليه السلام. حدثنا محمد بن خَلَف العَسْقَلانيّ، قال: ثنا روّاد بن الجرّاح، عن أبي حمزة عن الشعبىّ (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) قال: الروح جبريل عليه السلام. وقال آخرون: خَلْق من خلق الله في صورة بني آدم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: (الرُّوحُ) خَلْق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مسلم، عن مجاهد، قال: (الرُّوحُ) : خلق لهم أيد وأرجل، وأراه قال: ورءوس يأكلون الطعام، ليسوا ملائكة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: يشبهون الناس وليسوا بالناس. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن مجاهد، قال: (الرُّوحُ) خلق كخلق آدم. حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، في قوله: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) قال: الروح خلق من خلق الله يضعفون على الملائكة أضعافًا، لهم أيد وأرجل. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن إسماعيل، عن أبي صالح مولى أم هانئ (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ) قال: الروح: خلق كالناس، وليسوا بالناس. وقال آخرون: هم بنو آدم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) قال: هم بنو آدم، وهو قول الحسن. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) قال: الروح بنو آدم. وقال قتادة: هذا مما كان يكتمه ابن عباس. وقال آخرون: قيل: ذلك أرواح بني آدم. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ) قال: يعني حين تقوم أرواح الناس مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن تردّ الأرواح إلى الأجساد. وقال آخرون: هو القرآن. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، كان أبي يقول: الروح: القرآن، وقرأ (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ) . والصواب من القول أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنّ خَلْقَه لا يملكون منه خطابا، يوم يقوم الرُّوح، والرُّوح خَلْق من خَلْقِه، وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذكرت، والله أعلم أيّ ذلك هو، ولا خبر بشيء من ذلك أنه المعنيّ به دون غيره يجب التسليم له، ولاحجة تدلّ عليه، وغير ضائر الجهل به. وقيل: إنه يقول: سِمَاطان. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا منصور بن عبد الرحمن، عن الشعبيّ، في قوله: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ) قال: هما سِمَاطان (1) لربّ العالمين يوم القيامة؛ سِماط من الروح، وسِماط من الملائكة. (1) الحديث 154 - إسناده صحيح. علي بن الحسن بن عبدويه أبو الحسن الخراز، شيخ الطبري: ثقة، مترجم في تاريخ بغداد 11: 374 - 375. و "الخراز" : ثبت في الطبري بالخاء والراء وآخره زاي. وفي تاريخ بغداد "الخزاز" بزاءين، ولم نستطع الترجيح بينهما. مسلم بن عبد الرحمن الجرمي: مترجم في لسان الميزان 6: 32 باسم "مسلم بن أبي مسلم" فلم يذكر اسم أبيه، وهو هو. ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد 13: 100، قال: "مسلم بن أبي مسلم الجرمي، وهو مسلم بن عبد الرحمن" ، وقال: "كان ثقة، نزل طرسوس، وبها كانت وفاته" . و "الجرمي" : رسمت في أصول الطبري ولسان الميزان "الحرمي" بدون نقط. ولكنهم لم ينصوا على ضبطه. وعادتهم في مثل هذا أن ينصوا على ضبط القليل والشاذ، وأن يدعوا الكثير الذي يأتي على الجادة في الضبط، والجادة في هذا الرسم "الجرمي" بالجيم، وبذلك رسم في تاريخ بغداد، فعن هذا أو ذاك رجحناه. و "محمد بن مصعب القرقساني" ، و "مبارك بن فضالة" : مختلف فيهما. وقد رجحنا توثيقهما في شرح المسند: الأول في 3048، والثاني في 521. و "الحسن" : هو البصري، وقد أثبتنا في شرح صحيح ابن حبان، في الحديث 132 أنه سمع من الأسود بن سريع. وقد ذكر السيوطي هذا الحديث في الدر المنثور 1: 12 عن تفسير الطبري. ورواه أحمد في المسند بمعناه مختصرًا 15650 (3: 435 حلبي) عن روح بن عبادة عن عوف بن أبي جميلة عن الحسن عن الأسود بن سريع، قال: "قلت: يا رسول الله، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي؟ قال: أما إن ربك يحب الحمد" . وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات أثبات. وذكره ابن كثير في التفسير 1: 43 عن المسند. وكذلك ذكره السيوطي، ونسبه أيضًا للنسائي والحاكم وغيرهما. ورواه أحمد أيضًا 15654، والبخاري في الأدب المفرد: 51، بنحوه، في قصة مطولة، من رواية عبد الرحمن بن أبي بكرة عن الأسود بن سريع. ومعناه ثابت صحيح، من حديث ابن مسعود، في المسند 4153: "لا أحد أغير من الله، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه" . ورواه أيضًا البخاري ومسلم وغيرهما. وقوله: (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ) قيل: إنهم يُؤْذَن لهم في الكلام حين يُؤْمَر بأهل النار إلى النار، وبأهل الجنة إلى الجنة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: ثنا أبو عمرو - الذي يقصّ في طيئ - عن عكرمة، وقرأ هذه الآية: (إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) قال: يُمرّ بأناس من أهل النار على ملائكة، فيقولون: أين تذهبون بهؤلاء؟ فيقال: إلى النار، فيقولون: بما كَسَبت أيديهم، وما ظلمهم الله، ويمرّ بأناس من أهل الجنة على ملائكة، فيقال: أين تذهبون بهؤلاء؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقولون: برحمة الله دخلتم الجنة، قال: فيُؤْذَن لهم في الكلام، أو نحو ذلك. وقال آخرون: (إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ) بالتوحيد (وَقَالَ صَوَابًا) في الدنيا، فوحَّد الله. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) يقول: إلا من أذن له الربّ بشهادة أن لا إله إلا الله، وهي منتهى الصواب. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَقَالَ صَوَابًا) قال: حقا في الدنيا وعمل به. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح في قوله: (إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) قال: لا إله إلا الله. قال أبو حفص: فحدثت به يحيى بن سعيد، فقال: أنا كتبته عن عبد الرحمن بن مهديّ، عن أبي معاوية. حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عمر العَدَنيّ، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرِمة في قوله: (إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) قال: لا إله إلا الله. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن خلقه أنهم لا يتكلمون يوم يقوم الروح والملائكة صفا، إلا من أذن له منهم في الكلام الرحمن، وقال صوابا، فالواجب أن يقال كما أخبر إذ لم يخبرنا في كتابه، ولا على لسان رسوله، أنه عَنَى بذلك نوعا من أنواع الصواب، والظاهر محتمل جميعه. القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40) } . يقول تعالى ذكره: (ذَلِك الْيَوْمُ) يعني: يوم القيامة، وهو يوم يقوم الروح والملائكة صفا (الْحَقُّ) يقول: إنه حقّ كائن لا شكّ فيه. وقوله: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) يقول: فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحقّ، والاستعداد له، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله (مآبًا) ، يعني: مرجعا، وهو مَفْعَلٌ من قولهم: آب فلان من سفره، كما قال عبيد: وكُل ذِي غَيْبَةٍ يَئُوب ... وغائِبُ المَوْتِ لا يَئُوبُ (1) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) قال: اتخذوا إلى الله مآبًا بطاعته، وما يقرّبهم إليه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) قال: سبيلا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (مآبًا) يقول: مرجعا منزلا. وقوله: (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا) يقول: إنا حذّرناكم أيها الناس عذابًا قد دنا منكم وقرُب، وذلك (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ) المؤمن (مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) من خير اكتسبه في الدنيا، أو شرّ سَلَفَهُ، فيرجو ثواب الله على صالح أعماله، ويخاف عقابه على سيئها. (1) انظر ما كتبناه آنفًا: 126 عن معنى "لا تمانع" . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) قال: المرء المؤمن يحذَر الصغيرة، ويخاف الكبيرة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن جحَّادة، عن الحسن (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) قال: المرء المؤمن. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن جحادة، عن الحسن، في قوله: (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) قال: المرء المؤمن. وقوله: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) يقول تعالى ذكره: ويقول الكافر يومئذ تمنيا لما يلقى من عذاب الله الذي أعدّه لأصحابه الكافرين به، يا ليتني كنت ترابًا كالبهائم التي جُعِلت ترابًا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ، قالا ثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عمرو، قال: "إذا كان يوم القيامة، مُدّ الأديم، وحُشِر الدوابّ والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدوابّ، يقتصّ للشاة الجمَّاء من الشاة القرناء نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بين الدوابّ، قال لها: كوني ترابا، قال: فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا" . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر؛ قال: وحدثني جعفر بن بُرْقَان، عن يزيد بن الأصمّ، عن أبي هريرة، قال: "إن الله يحشر الخلق كلهم، كل دابة وطائر وإنسان، يقول للبهائم والطير: كونوا ترابًا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا" . حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القُرظيِّ، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَقْضِي اللهُ بَينَ خَلْقِهِ الجِنِّ والإنْسِ والبَهائم، وإنَّه لَيَقِيدُ يَوْمَئِذٍ الجَمَّاءَ مِنَ القَرْناءِ، حتى إذَا لَمْ يَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ" لأخْرَى، قالَ اللهُ: كُونُوا تُرَابًا، فَعِنْدَ ذلكَ يَقُولُ الكافِرُ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا "." ![]()
__________________
|
#1380
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ النازعات الحلقة (1380) صــ 181 الى صــ190 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) وهو الهالك المفرط العاجز، وما يمنعه أن يقول ذلك وقد راج عليه عَوْرَاتُ عمله، وقد استَقبل الرحمن وهو عليه غضبان، فتمنى الموت يومئذ، ولم يكن في الدنيا شيء أكرهَ عنده من الموت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، قال: إذا قُضِيَ بين الناس، وأمر بأهل النار إلى النار قيل لمؤمني الجنّ ولسائر الأمم سوى ولد آدم: عُودُوا ترابًا، فإذا نظر الكفار إليهم قد عادوا ترابًا، قال الكافر: يا ليتني يا ليتني كنت ترابًا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) قال: إذا قيل للبهائم: كونوا ترابًا، قال الكافر: يا ليتني كنت ترابًا. آخر تفسير سورة عم يتساءلون. تفسير سورة النازعات بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) } . أقسم ربنا جلّ جلاله بالنازعات، واختلف أهل التأويل فيها، وما هي، وما تنزع؟ فقال بعضهم: هم الملائكة التي تنزع نفوس بني آدم، والمنزوع نفوس الآدميين. * ذكر من قال ذلك: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: ثنا النضر بن شُمَيل، قال: أخبرنا شعبة، عن سليمان، قال: سمعت أبا الضحى، عن مسروق، عن عبد الله (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) قال: الملائكة. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق أنه كان يقول في النازعات: هي الملائكة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يوسف بن يعقوب، قال: ثنا شعبة، عن السُّدِّي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في النازعات قال: حين تنزع نفسه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) قال: تنزع الأنفس. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) قال: نزعت أرواحهم، ثم غرقت، ثم قذف بها في النار. وقال آخرون: بل هو الموت ينزع النفوس. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) قال: الموت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق. حدثنا الفضل بن إسحاق، قال: ثنا أبو قُتَيبة، قال: ثنا أبو العوّام، أنه سمع الحسن في (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) قال: النجوم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) قال: النجوم. وقال آخرون: هي القسيّ تنزع بالسهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) قال: القسيّ. وقال آخرون: هي النفس حين تُنزع. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدّي (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) قال: النفس حين تَغرق في الصدر. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالنازعات غرقا، ولم يخصص نازعة دون نازعة، فكلّ نازعة غرقا، فداخلة في قسمه، ملكا كان أو موتا، أو نجما، أو قوسا، أو غير ذلك. والمعنى: والنازعات إغراقا كما يغرق النازع في القوس. وقوله: (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) اختلف أهل التأويل أيضا فيهنّ، وما هنّ، وما الذي ينشط، فقال بعضهم: هم الملائكة، تنشِط نفس المؤمن فتقبضُها، كما ينشط العقال من البعير إذا حُلّ عنه. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) قال: الملائكة. وكان الفرّاء يقول: الذي سمعت من العرب أن يقولوا: أنشطت، وكأنما أنشط من عقال، ورَبْطُها: نشطها، والرابط: الناشط؛ قال: وإذا رَبَطْتَ الحبل في يد البعير فقد نشطته تنشطه، وأنت ناشط، وإذا حللته فقد أنشطته. وقال آخرون: (النَّاشِطاتِ نَشْطا) هو الموت يَنْشِط نفسَ الإنسان. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) قال: الموت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يوسف بن يعقوب، قال: ثنا شعبة عن السديّ، عن ابن عباس (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) قال: حين تَنشِط نفسه. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدي (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) قال: نشطها حين تُنشط من القدمين. وقال آخرون: هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) قال: النجوم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) قال: هنّ النجوم. وقال آخرون: هي الأوهاق (1) . * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) قال: الأوهاق. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالناشطات نشطا، وهي التي تنشط من موضع إلى موضع، فتذهب إليه، ولم يخصص الله بذلك شيئا دون شيء، بل عم القسم بجميع الناشطات والملائكة تنشط من موضع إلى موضع، وكذلك الموت، وكذلك النجوم والأوهاق وبقر الوحش أيضا تَنْشُط، كما قال الطِّرِمَّاح: وَهَلْ بِحَلِيفِ الخَيْلِ مِمَّنْ عَهِدْتُه ... بِهِ غَيْرُ أُحْدانَ النَّوَاشِطِ رُوع (2) يعني بالنواشط: بقر الوحش، لأنها تنشط من بلدة إلى بلدة، كما قال رؤبة بن العجَّاج: تَنَشَّطَتْهُ كُلُّ مِغْلاةِ الْوَهْق (3) والهموم تنشط صاحبها، كما قال هِيمان بن قحافة: أمْسَتْ هُمُومِي تَنْشِطُ المَناشِطَا ... الشَّامَ بِي طَوْرًا وَطَوْرًا وَاسِطَا (4) فكل ناشط فداخل فيما أقسم به إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها بأن المعنيّ بالقسم من ذلك بعض دون بعض. وقوله: (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) يقول تعالى ذكره: واللواتي تسبح سبحا. (1) تكلم العلماء في نقض ما ذهب إليه أبو جعفر من أن "الحمد والشكر" بمعنى، وأن أحدهما يوضع موضع الآخر، وهو ما ذهب إليه المبرد أيضًا. انظر القرطبي 1: 116، وابن كثير 1: 42، وأخطأ النقل عن القرطبي، فظنه استدل لصحة قول الطبري، وهو وهم. والذي قاله الطبري أقوى حجة وأعرق عربية من الذين ناقضوه. وقوله "مصدر أشكر" ، وقوله "أن يصدر من الحمد" ، يعني به المفعول المطلق. وانظر ما مضى: 117، تعليق: 1. (2) في المطبوعة: "مبني على أن معناه" ، أدخلوا عليه التبديل. (3) سياق الكلام: "أن العرب من شأنها. . . حذف" وما بينهما فصل. (4) تأتي في تفسير آية سورة المؤمنون: 87 (18: 27 بولاق) .، ونسبهما لبعض بني عامر، وكذلك في معاني القرآن للفراء 1: 170 وهما في البيان والتبيين 3: 184 منسوبان للوزيري، ولم أعرفه، وفيها اختلاف في الرواية. الرمس: القبر المسوى عليه التراب. يقول: أصبح قبرا يزار أو يناح عليه. ورواه الجاحظ: "سأصير ميتًا" ، وهي لا شيء. والنواعج جمع ناعجة: وهي الإبل السراع، نعجت في سيرها، أي سارت في كل وجه من نشاطها. وفي البيان ومعاني الفراء "النواجع" ، وليست بشيء. واختلف أهل التأويل في التي أقسم بها جلّ ثناؤه من السابحات، فقال بعضهم: هي الموت تسبح في نفس ابن آدم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) قال: الموت، هكذا وجدته في كتابي (1) . وقد حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) قال: الملائكة، وهكذا وجدت هذا أيضا في كتابي، فإن يكن ما ذكرنا عن ابن حميد صحيحا، فإن مجاهدا كان يرى أن نزول الملائكة من السماء سبَّاحة، كما يقال للفرس الجواد: إنه لسابح إذا مرّ يُسرعُ. وقال آخرون: هي النجوم تَسْبَح في فلكها. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) قال: هِي النجوم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: هي السفن. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) قال: السفن. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالسابحات سبحا من خلقه، ولم يخصص من ذلك بعضا دون بعض، فذلك (2) كل سابح، لما وصفنا قبل في النازعات (3) . وقوله: (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) اختلف أهل التأويل فيها، فقال بعضهم: هي الملائكة. (1) رواية الجاحظ: "فقال السائلون: من المسجى" . وفي المعاني "السائرون" . (2) يأتي في تفسير آيات سورة البقرة: 7 / وسورة آل عمران: 49 / وسورة المائدة: 53 / وسورة الأنعام: 99 / وسورة الأنفال: 14 / وسورة يونس: 71 / وسورة الرحمن: 22. وهو بيت مستشهد به في كل كتاب. (3) في المطبوعة: "في تنزيل قول الله" . * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) قال: الملائكة. وقد حدثنا بهذا الحديث أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) قال: الموت. وقال آخرون: بل هي الخيل السابقة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) قال: الخيل. وقال آخرون: بل هي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) قال: هي النجوم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. والقول عندنا في هذه مثل القول في سائر الأحرف الماضية. وقوله: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) يقول: فالملائكة المدبرة ما أمرت به من أمر الله، وكذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) قال: هي الملائكة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) يقول تعالى ذكره: يوم ترجف الأرض والجبال للنفخة الأولى (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) تتبعها الأخرى بعدها، هي النفخة الثانية التي ردفت الأولى لبعث يوم القيامة. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) يقول: النفخة الأولى. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |