|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#121
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 27-05-2022 الساعة 11:25 PM. |
#122
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 27-05-2022 الساعة 11:26 PM. |
#123
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 27-05-2022 الساعة 11:27 PM. |
#124
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 27-05-2022 الساعة 11:27 PM. |
#125
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الثالث الحلقة (125) صـ449 إلى صـ 460 فصل وبقي هنا تقسيم ملائم لما تقدم ، وهو أن منافع الرقاب ، وهى التي قلنا إنها تابعة لها على الجملة تنقسم ثلاثة أقسام . أحدها : ما كان في أصله بالقوة لم يبرز إلى الفعل لا حكما ولا وجودا كثمرة الشجر قبل الخروج ، وولد الحيوان قبل الحمل ، وخدمة العبد ، ووطء قبل حصول التهيئة ، وما أشبه ذلك ، فلا خلاف في هذا القسم أن المنافع هنا [ ص: 449 ] غير مستقلة في الحكم ; إذ لم تبرز إلى الوجود فضلا عن أن تستقل ، فلا قصد إليها هنا ألبتة وحكمها التبعية كما لو انفردت فيه الرقبة بالاعتبار . والثاني : ما ظهر فيه حكم الاستقلال وجودا وحكما ، أو حكما عاديا ، أو شرعيا كالثمرة بعد اليبس ، وولد الحيوان بعد استغنائه عن أمه ، ومال العبد بعد الانتزاع ، وما أشبه ذلك ، فلا خلاف أيضا أن حكم التبعية منقطع عنه ، وحكمه مع الأصل حكم غير المتلازمين إذا اجتمعا قصدا لا بد من اعتبار كل واحد منهما على القصد الأول مطلقا . والثالث : ما فيه الشائبتان فمباينة الأصل فيه ظاهرة ، لكن على غير الاستقلال ، فلا هو منتظم في سلك الأول ولا في الثاني ، وهو ضربان : الأول : ما كان هذا المعنى فيه محسوسا كالثمرة الظاهرة قبل مزايلة الأصل والعبد ذي المال الحاضر تحت ملكه ، وولد الحيوان قبل الاستغناء عن أمه ، ونحو ذلك . والآخر ما كان في حكم المحسوس كمنافع العروض والحيوان والعقار وأشباه ذلك مما حصلت فيه التهيئة للتصرفات الفعلية كاللبس والركوب والوطء والخدمة والاستصناع والازدراع والسكنى ، وأشباه ذلك فكل واحد من الضربين قد اجتمع مع صاحبه من وجه وانفرد عنه من وجه ولكن الحكم فيهما واحد . [ ص: 450 ] فالطرفان يتجاذبان في كل مسألة من هذا القسم ولكن لما ثبتت التبعية على الجملة ارتفع توارد الطلبين عنه وصار المعتبر ما يتعلق بجهة المتبوع كما مر بيانه ، ومن جهة أخرى لما برز التابع وصار مما يقصد تعلق الغرض في المعاوضة عليه ، أو في غير ذلك من وجوه المقاصد التابعة على الجملة . ولا ينازع في هذا أيضا ; إذ لا يصح أن تكون الشجرة المثمرة في قيمتها لو لم تكن مثمرة ، وكذلك العبد دون مال لا تكون قيمته كقيمته مع المال ولا العبد الكاتب كالعبد غير الكاتب فصار هذا القسم من هذه الجهة محل نظر واجتهاد بسبب تجاذب الطرفين فيه . [ ص: 451 ] وأيضا فليس تجاذب الطرفين فيه على حد واحد ، بل يقوى الميل إلى أحد الطرفين في حال ولا يقوى في حال أخرى ، وأنت تعلم أن الثمرة حين أبرزوها وقبل الإبار ليست في القصد ولا في الحكم كما بعد الإبار ، وقبل بدو الصلاح ولا هي قبل بدو الصلاح كما بعد بدو الصلاح ، وقبل اليبس فإنها قبل الإبار للمشتري . فإذا أبرت ، فهي عند أكثر العلماء للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فتكون له عند الأكثر . فإذا بدا صلاحها ، فقد قربت من الاستقلال ، وبعدت من التبعية فجاز بيعها بانفرادها ولكن من اعتبر الاستقلال قال : هي مبيعة على حكم الجذ كما لو يبست على رءوس الشجر ، فلا جائحة فيها ، ومن اعتبر عدم الاستقلال ، وأبقى حكم التبعية قال : حكمها على التبعية لما بقي من مقاصد الأصل فيها ، ووضع فيها الجوائح اعتبارا بأنها لما افتقرت إلى الأصل كانت كالمضمونة إليه التابعة له فكأنها على ملك صاحب الأصل ، وحين تعين وجه الانتفاع بها على المعتاد صارت كالمستقلة فكانت الجائحة اليسيرة مغتفرة فيها ; لأن اليسير في الكثير كالتبع . [ ص: 452 ] ومن هنا اختلفوا في السقي بعد بدو الصلاح هل هو على البائع أم على المبتاع ؟ فإذا انتهى الطيب في الثمرة ولم يبق لها ما تضطر إلى الأصل فيه ، وإنما بقي ما يحتاج إليه فيه على جهة التكملة من بقاء النضارة وحفظ المائية اختلف هل بقي فيها حكم الجائحة أم لا بناء على أنها استقلت بنفسها ، وخرجت عن تبعية الأصل مطلقا أم لا . فإذا انقطعت المائية والنضارة اتفق الجميع على حكم الاستقلال فانقطعت التبعية ، وعلى نحو من هذا التقرير يجري الحكم في كل ما يدخل تحت هذه الترجمة . فصل وعلى هذا الأصل تتركب فوائد . منها أن كل شيء بينه وبين الآخر تبعية جار في الحكم مجرى التابع والمتبوع المتفق عليه ما لم يعارضه أصل آخر كمسألة الإجارة [ ص: 453 ] على الإمامة مع الأذان ، أو خدمة المسجد ، ومسألة اكتراء الدار تكون فيها الشجرة ، أو مساقاة الشجر يكون بينها البياض اليسير ، ومسألة الصرف والبيع إذا كان أحدهما يسيرا ، وما أشبه ذلك من المسائل التي تتلازم في الحس ، أو في القصد ، أو في المعنى ، ويكون بينها قلة ، وكثرة ، فإن للقليل مع [ ص: 454 ] الكثير حكم التبعية ثبت ذلك في كثير من مسائل الشريعة ، وإن لم يكن بينهما تلازم في الوجود ولكن العادة جارية بأن القليل إذا انضم إلى الكثير في حكم الملغى قصدا فكان كالملغى حكما . ومنها أن كل تابع قصد فهل تكون زيادة الثمن لأجله مقصودة على الجملة لا على التفصيل أم هي مقصودة على الجملة والتفصيل ؟ والحق الذي تقتضيه التبعية أن يكون القصد جمليا لا تفصيليا ; إذ لو كان تفصيليا لصار إلى حكم الاستقلال فكان النهي واردا عليه فامتنع ، وكذلك يكون إذا فرض هذا القصد ، فإن كان جمليا صح بحكم التبعية ، وإذا ثبت حكم التبعية فله جهتان . جهة زيادة الثمن لأجله وجهة عدم القصد إلى التفصيل فيه . فإذا فات ذلك التابع فهل يرجع بقيمته أم لا يختلف في ذلك ولأجله اختلفوا في مسائل داخلة تحت هذا الضابط كالعبد إذا رد بعيب وقد كان أتلف ماله فهل يرجع على البائع بالثمن كله أم لا ، وكذلك ثمرة الشجرة وصوف الغنم ، وأشباه ذلك . [ ص: 455 ] ومنها قاعدة الخراج بالضمان فالخراج تابع للأصل . فإذا كان الملك حاصلا فيه شرعا فمنافعه تابعة سواء طرأ بعد ذلك استحقاق أو لا ، فإن طرأ الاستحقاق بعد ذلك كان كانتقال الملك على الاستئناف ، وتأمل مسائل الرجوع بالغلات في الاستحقاق ، أو عدم الرجوع تجدها جارية على هذا الأصل . ومنها في تضمين الصناع ما كان تابعا للشيء المستصنع فيه هل يضمنه الصانع كجفن السيف ، ومنديل الثوب وطبق الخبز ، ونسخة الكتاب المستنسخ ، ووعاء القمح ، ونحو ذلك بناء على أنه تابع كما يضمن نفس المستصنع أم لا ، فلا يضمن لأنه وديعة عند الصانع . [ ص: 456 ] ومنها في الصرف ما كان من حلية السيف والمصحف ونحوهما تابعا وغير تابع ، ومسائل هذا الباب كثيرة . فصل ومن الفوائد في ذلك أن كل ما لا منفعة فيه من المعقود عليه في [ ص: 457 ] المعاوضات لا يصح العقد عليه ، وما فيه منفعة ، أو منافع لا يخلو من ثلاثة أقسام . أحدها : أن يكون جميعها حراما أن ينتفع به ، فلا إشكال في أنه جار مجرى ما لا منفعة فيه ألبتة . والثاني : أن يكون جميعها حلالا ، فلا إشكال في صحة العقد به وعليه . وهذان القسمان وإن تصورا في الذهن بعيد أن يوجدا في الخارج ; إذ ما من عين موجودة يمكن الانتفاع بها والتصرف فيها إلا وفيها جهة مصلحة وجهة مفسدة . وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في كتاب المقاصد ، فلا بد من هذا الاعتبار ، وهو ظاهر بالاستقراء فيرجع القسمان إذا إلى القسم الثالث ، وهو أن يكون بعض المنافع حلالا ، وبعضها حراما فهاهنا معظم نظر المسألة ، وهو أولا ضربان : أحدهما : أن يكون أحد الجانبين هو المقصود بالأصالة عرفا والجانب الآخر تابع غير مقصود بالعادة إلا أن يقصد على الخصوص ، وعلى خلاف العادة ، فلا إشكال في أن الحكم لما هو مقصود بالأصالة والعرف والآخر لا حكم له ; لأنا لو اعتبرنا الجانب التابع لم يصح لنا تملك عين من الأعيان ولا عقد عليه لأجل منافعه ; لأن فيه منافع محرمة ، وهو من الأدلة على سقوط [ ص: 458 ] الطلب في جهة التابع . وقد تقدم بيان هذا المعنى في المسألة السابقة ، وأن جهة التبعية يلغى فيها ما تعلق بها من الطلب فكذلك هاهنا اللهم إلا أن يكون للعاقد قصد إلى المحرم على الخصوص ، فإن هذا يحتمل وجهين . الأول : اعتبار القصد الأصيل ، وإلغاء التابع ، وإن كان مقصودا فيرجع إلى الضرب الأول . والآخر : اعتبار القصد الطارئ ; إذ صار بطريانه سابقا ، أو كالسابق ، وما سواه كالتابع فيكون الحكم له . ومثاله في أصالة المنافع المحللة شراء الأمة بقصد إسلامها للبغاء كسبا به ، وشراء الغلام للفجور به ، وشراء العنب ليعصر خمرا والسلاح لقطع الطريق ، وبعض الأشياء للتدليس بها ، وفي أصالة [ ص: 459 ] المنافع المحرمة شراء الكلب للصيد والضرع والزرع على رأي من منع ذلك ، وشراء السرقين لتدمين المزارع ، وشراء الخمر للتخليل ، وشراء شحم الميتة لتطلى به السفن ، أو يستصبح به الناس ، وما أشبه ذلك . والمنضبط هو الأول والشواهد عليه أكثر ; لأن اعتبار ما يقصد بالأصالة ، [ ص: 460 ] والعادة هو الذي جاء في الشريعة القصد إليه بالتحريم والتحليل ، فإن شراء الأمة للانتفاع بها في التسري إن كانت من علي الرقيق ، أو الخدمة إن كانت من الوخش ، وشراء الخمر للشرب والميتة والدم والخنزير للأكل هو الغالب المعتاد عند العرب الذين نزل القرآن عليهم ، ولذلك حذف متعلق التحريم والتحليل في نحو حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء : 24 ] فوجه التحليل والتحريم على أنفس الأعيان ; لأن المقصود مفهوم ، وكذلك قال : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ البقرة : 188 ] . إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ النساء : 10 ] ، وأشباهه . وإن كان ذلك محرما في غير الأكل ; لأن أول المقاصد وأعظمها هو الأكل ، وما سوى ذلك مما يقصد بالتبع ، وما لا يقصد في نفسه عادة إلا بالتبعية لا حكم له ، وقد ورد تحريم الميتة وأخواتها ، وقيل للنبي عليه الصلاة والسلام في شحم الميتة : إنه تطلى به السفن ، ويستصبح به الناس فأورد ما دل على منع البيع ، ولم يعذرهم بحاجتهم إليه في بعض الأوقات ; لأن المقصود هو الأكل محرم ، وقال : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ، وأكلوا أثمانها .
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 27-05-2022 الساعة 11:37 PM. |
#126
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الثالث الحلقة (126) صـ461 إلى صـ 470 [ ص: 461 ] وقال في الخمر : إن الذي حرم شربها حرم بيعها ، و إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه لأجل أن المقصود من المحرم في العادة هو الذي توجه إليه التحريم ، وما سواه تبع لا حكم له . ولأجل ذلك أجازوا نكاح الرجل ليبر يمينه إذا حلف أن يتزوج على امرأته ، ولم يكن قصده البقاء ; لأن هذا من توابع النكاح التي ليست بمقصودة في أصل النكاح ، ولا تعتبر في أنفسها ، وإنما تعتبر من حيث هي توابع ، ولو كانت التوابع مقصودة شرعا حتى يتوجه عليها مقتضاها من الطلب لم يجز كثير من العقود للجهالة بتلك المنافع المقصودة ، بل لم يجز النكاح ; لأن الرجل إذا [ ص: 462 ] نكح لزمه القيام على زوجته بالإنفاق ، وسائر ما تحتاج إليه زيادة إلى بذل الصداق ، وذلك كله كالعوض من الانتفاع بالبضع ، وهذا ثمن مجهول فالمنافع التابعة للرقبة المعقود عليها ، أو للمنافع التي هي سابقة في المقاصد العادية هي المعتبرة ، وما سواها مما هو تبع لا ينبني عليه حكم إلا أن يقصد قصدا فيكون فيه نظر . والظاهر أن لا حكم له في ظاهر الشرع لعموم ما تقدم من الأدلة ، ولخصوص الحديث في سؤالهم عن شحم الميتة ، وأنه مما يقصد لطلاء السفن وللاستصباح ، وكلا الأمرين مما يصح الانتفاع بالشحم فيه على الجملة ، ولكن هذا القصد الخاص لا يعارض القصد العام . فإن صار التابع غالبا في القصد ، وسابقا في عرف بعض الأزمنة حتى [ ص: 463 ] يعود ما كان بالأصالة كالمعدوم المطرح فحينئذ ينقلب الحكم ، وما أظن هذا يتفق هكذا بإطلاق ، ولكن إن فرض اتفاقه انقلب الحكم ، والقاعدة مع ذلك ثابتة كما وضعت في الشرع ، وإن لم يتفق ، ولكن القصد إلى التابع كثير فالأصل اعتبار ما يقصد مثله عرفا والمسألة مختلف فيها على الجملة اعتبارا بالاحتمالين ، وقاعدة الذرائع أيضا مبنية على سبق القصد إلى الممنوع ، وكثرة ذلك في ضم العقدين ، ومن لا يراها بنى على أصل القصد في انفكاك العقدين [ ص: 464 ] عرفا ، وأن القصد الأصلي خلاف ذلك . والضرب الثاني : أن لا يكون أحد الجانبين تبعا في القصد العادي ، بل كل واحد منهما مما يسبق القصد إليه عادة بالأصالة كالحلي والأواني المحرمة إذا فرضنا العين والصياغة مقصودتين معا عرفا ، أو يسبق كل واحد منهما على الانفراد عرفا فهذا بمقتضى القاعدة المتقدمة لا يمكن القضاء فيه باجتماع الأمر والنهي ; لأن متعلقيهما متلازمان ، فلا بد من انفراد أحدهما ، واطراح الآخر حكما . أما على اعتبار التبعية كما مر فيسقط الطلب المتوجه إلى التابع . وأما على عدم اعتبارها فيصير التابع عفوا ، ويبقى التعيين فهو محل اجتهاد ، وموضع إشكال ، ويقل وقوع مثل هذا في الشريعة ، وإذا فرض وقوعه فكل أحد ، وما أداه إليه اجتهاده . وقد قال المازري في نحو هذا القسم في البيوع : ينبغي أن يلحق بالممنوع ; لأن كون المنفعة المحرمة مقصودة يقتضي أن لها حصة من الثمن ، [ ص: 465 ] والعقد واحد على شيء واحد لا سبيل إلى تبعيضه والمعاوضة على المحرم منه ممنوعة فمنع الكل لاستحالة التمييز ، وإن سائر المنافع المباحة يصير ثمنها مجهولا لو قدر انفراده بالعقد هذا ما قال ، وهو متوجه . وأيضا فقاعدة الذرائع تقوى ها هنا إذا قد ثبت القصد إلى الممنوع . وأيضا فقاعدة معارضة درء المفاسد لجلب المصالح جارية هنا ; لأن درء المفاسد مقدم ، ولأن قاعدة التعاون هنا تقضي بأن المعاملة على مثل هذا تعاون على الإثم والعدوان ، ولذلك يمنع باتفاق شراء العنب للخمر قصدا ، [ ص: 466 ] وشراء السلاح لقطع الطريق ، وشراء الغلام للفجور ، وأشباه ذلك ، وإن كان ذلك القصد تبعيا فهذا أولى أن يكون متفقا على الحكم بالمنع فيه لكنه من باب سد الذرائع ، وإنما وقع النظر الخلافي في هذا الباب بالنسبة إلى مقطع الحكم ، وكون المعاوضة فاسدة ، أو غير فاسدة . وقد تقدم لذلك بسط في كتاب المقاصد . [ ص: 467 ] المسألة التاسعة ورود الأمر والنهي على شيئين كل واحد منهما ليس بتابع للآخر ، ولا هما متلازمان في الوجود ، ولا في العرف الجاري إلا أن المكلف ذهب قصده إلى جمعهما معا في عمل واحد ، وفي غرض واحد كجمع الحلال والحرام في صفقة واحدة ، ولنصطلح في هذا المكان على وضع الأمر في موضع الإباحة لأن الحكم فيهما واحد ; لأن الأمر قد يكون للإباحة كقوله تعالى : فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله [ الجمعة : 10 ] . وإنما قصد هنا الاختصار بهذا الاصطلاح والمعنى في المساق مفهوم فمعلوم أن كل واحد منهما غير تابع في القصد بالفرض ، ولا يمكن حملهما على حكم الانفراد ; لأن القصد يأباه والمقاصد معتبرة في التصرفات ، [ ص: 468 ] ولأن الاستقراء من الشرع عرف أن للاجتماع تأثيرا في أحكام لا تكون حالة الانفراد . ويستوي في ذلك الاجتماع بين مأمور ، ومنهي مع الاجتماع بين مأمورين ، أو منهيين ، فقد نهى - عليه الصلاة والسلام - عن بيع وسلف ، وكل واحد منهما لو انفرد لجاز . ونهى الله تعالى عن الجمع بين الأختين في النكاح مع جواز العقد على كل واحدة بانفرادها ، وفي الحديث النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها ، والمرأة وخالتها ، وقال إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ، وهو داخل بالمعنى في مسألتنا من حيث كان للجمع حكم ليس للانفراد فكان الاجتماع مؤثرا ، وهو [ ص: 469 ] دليل ، وكان تأثيره في قطع الأرحام ، وهو رفع الاجتماع ، وهو دليل أيضا على تأثير الاجتماع . وفي الحديث النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم حتى يضم إليه ما قبله ، أو ما بعده . وكذلك نهى عن تقدم شهر رمضان بيوم ، أو يومين ، وعن صيام يوم الفطر لمثل ذلك أيضا . [ ص: 470 ] ونهى عن جمع المفترق ، وتفريق المجتمع خشية الصدقة ، وذلك يقتضي أن للاجتماع تأثيرا ليس للانفراد واقتضاؤه أن للانفراد حكما ليس للاجتماع يبين أن للاجتماع حكما ليس للانفراد ، ولو في سلب الانفراد . ونهى عن الخليطين في الأشربة ; لأن لاجتماعهما تأثيرا في تعجيل صفة الإسكار .
__________________
|
#127
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الثالث الحلقة (127) صـ471 إلى صـ 480 [ ص: 471 ] وعن التفرقة بين الأم وولدها ، وهو في الصحيح . [ ص: 472 ] وعن التفرقة بين الأخوين ، وهو حديث حسن ، وهو كثير في الشريعة . [ ص: 473 ] وأيضا فإذا أخذ الدليل في الاجتماع أعم من هذا تكاثرت الأدلة على اعتباره في الجملة كالأمر بالاجتماع والنهي عن التفرقة لما في الاجتماع من المعاني التي ليست في الانفراد كالتعاون والتظاهر ، وإظهار أبهة الإسلام وشعائره ، وإخماد كلمة الكفر ، ولذلك شرعت الجماعات والجمعات والأعياد ، وشرعت المواصلات بين ذوي الأرحام خصوصا ، وبين سائر أهل الإسلام عموما . وقد مدح الاجتماع ، وذم الافتراق ، وأمر بإصلاح ذات البين ، وذم ضدها ، وما يؤدي إليها إلى غير ذلك مما في هذا المعنى . وأيضا فالاعتبار النظري يقضي أن للاجتماع أمرا زائدا لا يوجد مع الافتراق هذا وجه تأثير الاجتماع . وللافتراق أيضا تأثير من جهة أخرى فإنها إذا كان للاجتماع معان لا تكون في الافتراق فللافتراق أيضا معان لا تزيلها حالة الاجتماع فالنهي عن [ ص: 474 ] البيع والسلف مجتمعين قضى بأن لافتراقهما معنى هو موجود حالة الاجتماع ، وهو الانتفاع بكل واحد منهما ; إذ لم يبطل ذلك المعنى بالاجتماع ، ولكنهما نشأ بينهما معنى زائد لأجله وقع النهي وزيادة المعنى في الاجتماع لا يلزم أن يعدم معاني الانفراد بالكلية ، ومثله الجمع بين الأختين ، وما في معناه مما ذكر من الأدلة . وأيضا فإن كان للاجتماع معان لا تكون في الانفراد فللانفراد في الاجتماع خواص لا تبطل به ، فإن لكل واحد من المجتمعين معاني لو بطلت لبطلت معاني الاجتماع بمنزلة الأعضاء مع الإنسان ، فإن مجموعها هو الإنسان ، ولكن لو فرض اجتماعها من وجه واحد ، أو على تحصيل معنى واحد لبطل الإنسان ، بل الرأس يفيد ما لا تفيده اليد واليد تفيد ما لا تفيده الرجل ، وهكذا الأعضاء المتشابهة كالعظام والعصب والعروق ، وغيرها . فإذا ثبت هذا فافهم مثله في سائر الاجتماعات . [ ص: 475 ] فالأمر بالاجتماع والنهي عن الفرقة غير مبطل لفوائد الأفراد حالة الاجتماع فمن حيث حصلت الفائدة بالاجتماع ، فهي حاصلة من جهة الافتراق أيضا حالة الاجتماع . وأيضا فمن حيث كان الاجتماع في شيئين يصح استقلال كل واحد منهما بحكم يصح أن يعتبرا من ذلك الوجه أيضا فيتعارضان في مثل مسألتنا حتى ينظر فيها فليس اعتبار الاجتماع وحده بأولى من اعتبار الانفراد ، ولكل وجه تتجاذبه أنظار المجتهدين . وإذا كان كذلك فحين امتزج الأمران في المقصد صارا في الحكم كالمتلازمين في الوجود اللذين حكمهما حكم الشيء الواحد ، فلا يمكن اجتماع الأمر والنهي معا فيهما كما تقدم في المتلازمين ، ولا بد من حكم شرعي يتوجه عليهما بالأمر ، أو بالنهي ، أو لا ، فإن من العلماء من يجرى عليهما حكم الانفكاك والاستقلال اعتبارا بالعرف الوجودي والاستعمال إذا كان الشأن في كل واحد منهما الانفراد عن صاحبه والخلاف موجود بين العلماء في مسألة [ ص: 476 ] الصفقة تجمع بين حرام وحلال ، ووجه كل قول منهما قد ظهر . ولا يقال : إن الذي يساعد عليه الدليل هو الأول ، فإنه إذا ثبت تأثير الاجتماع ، وأن له حكما لا يكون حالة الانفراد ، فقد صار كل واحد من الأمرين بالنسبة إلى المجموع كالتابع مع المتبوع ، فإنه صار جزءا من الجملة ، وبعض الجملة تابع للجملة ، ومن الدليل على ذلك ما مر في كتاب الأحكام من كون الشيء مباحا بالجزء مطلوبا بالكل ، أو مندوبا بالجزء واجبا بالكل ، وسائر الأقسام التي يختلف فيها حكم الجزء مع الكل ، وعند ذلك لا يتصور أن يرد الأمر والنهي معا . فإذا نظرنا إلى الجملة وجدنا محل النهي موجودا في الجملة فتوجه النهي لما تعلق به من ذلك ، ووجه ما تقدم في تعليل المازري ، وما ذكر معه . لأنا نقول : إن صار كل واحد من الجزئين كالتابع مع المتبوع فليس جزء الحرام بأن يكون متبوعا أولى من أن يكون تابعا ، وما ذكر في كتاب الأحكام لا ينكر ، وله معارض ، وهو اعتبار الأفراد كما مر . وأما توجيه المازري فاعتباره مختلف فيه ، وليس من الأمر المتفق عليه في مذهب مالك ، ولا غيره فهو مما يمكن أن يذهب إليه مجتهد ، ويمكن أن لا . [ ص: 477 ] المسألة العاشرة الأمران يتواردان على شيئين كل واحد منهما غير تابع لصاحبه إذا ذهب قصد المكلف إلى جمعها معا في عمل واحد ، وفي غرض واحد ، فقد تقدم أن للجمع تأثيرا ، وأن في الجمع معنى ليس في الانفراد كما أن معنى الانفراد لا يبطل بالاجتماع . ولكن لا يخلو أن يكون كل منهما منافي الأحكام لأحكام أخر أو لا ، فإن كان كذلك رجع في الحكم إلى اجتماع الأمر والنهي على الشيئين يجتمعان قصدا ، وذلك مقتضى المسألة قبلها ، ومعنى ذلك أن الشيء إذا كان له أحكام شرعية تقترن به ، فهي منوطة به على مقتضى المصالح الموضوعة في ذلك الشيء ، وكذلك كل عمل من أعمال المكلفين كان ذلك العمل عادة ، أو عبادة ، فإن اقترن عملان ، وكانت أحكام كل واحد منهما تنافي أحكام الآخر فمن حيث صارا كالشيء الواحد في القصد الاجتماعي اجتمعت الأحكام المتنافية التي وضعت للمصالح فتنافت وجوه المصالح ، وتدافعت ، وإذا تنافت [ ص: 478 ] لم تبق مصالح على ما كانت عليه حالة الانفراد فاستقرت الحال على وجه استقرارها في اجتماع المأمور به مع المنهي عنه فاستويا في تنافي الأحكام ; لأن النهي يعتمد المفاسد والأمر يعتمد المصالح واجتماعهما يؤدي إلى الامتناع كما مر فامتنع ما كان مثله . وأصل هذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والسلف ; لأن باب البيع يقتضي المغابنة والمكايسة ، وباب السلف يقتضي المكارمة والسماح والإحسان ، فإذا اجتمعا داخل السلف المعنى الذي في البيع فخرج السلف عن أصله ; إذ كان مستثنى من بيع الفضة بالفضة ، أو الذهب بالذهب نسيئة فرجع إلى أصله المستثنى منه من حيث كان ما استثنى منه ، وهو الصرف أصله المغابنة والمكايسة ، والمكايسة فيه وطلب الربح ممنوعة . فإذا رجع السلف إلى أصله بمقارنة البيع امتنع من جهتين . إحداهما : الأجل الذي في السلف . والأخرى : طلب الربح الذي تقتضيه المكايسة أنه لم يضم إلى البيع إلا وقد داخله في قصد الاجتماع ذلك المعنى . وعلى هذا يجري المعنى في إشراك المكلف في العبادة غيرها مما هو مأمور به إما وجوبا ، أو ندبا ، أو إباحة إذا لم يكن أحدهما تبعا للآخر ، [ ص: 479 ] وكانت أحكامهما متنافية مثل الأكل والشرب والذبح والكلام المنافي في الصلاة وجمع نية الفرض والنفل في الصلاة والعبادة لأداء الفرض والندب معا وجمع فرضين معا في فعل واحد كظهرين ، أو عصرين ، أو ظهر وعصر ، أو صوم رمضان أداء وقضاء معا إلى أشباه ذلك . [ ص: 480 ] ولأجل هذا منع مالك من جمع عقود بعضها إلى بعض ، وإن كان في بعضها خلاف فالجواز ينبني على الشهادة بعدم المنافاة بين الأحكام اعتبارا بمعنى الانفراد حالة الاجتماع فمنع من اجتماع الصرف والبيع والنكاح والبيع والقراض والبيع والمساقاة والبيع والشركة والبيع والجعل والبيع والإجارة في الاجتماع مع هذه الأشياء كالبيع ، ومنع من اجتماع الجزاف والمكيل واختلف العلماء في اجتماع الإجارة والبيع . وهذا كله لأجل اجتماع الأحكام المختلفة في العقد الواحد فالصرف مبني على غاية التضييق حتى شرط فيه التماثل الحقيقي في الجنس والتقابض الذي لا تردد فيه ، ولا تأخير ، ولا بقاء علقة ، وليس البيع كذلك . والنكاح مبني على المكارمة والمسامحة ، وعدم المشاحة ، ولذلك سمى الله الصداق نحلة ، وهي العطية لا في مقابلة عوض ، وأجيز فيه نكاح التفويض .
__________________
|
#128
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الثالث الحلقة (128) صـ481 إلى صـ 490 بخلاف البيع والقراض والمساقاة مبنيان على التوسعة ; إذ هما مستثنيان من أصل [ ص: 481 ] ممنوع ، وهو الإجارة المجهولة فصارا كالرخصة . بخلاف البيع ، فإنه مبني على رفع الجهالة في الثمن والمثمون والأجل ، وغير ذلك فأحكامه تنافي أحكامهما . والشركة مبناها على المعروف والتعاون على إقامة المعاش للجانبين بالنسبة إلى كل واحد من الشريكين والبيع يضاد ذلك والجعل مبني على الجهالة بالعمل ، وعلى أن العامل بالخيار والبيع يأبى هذين واعتبار الكيل في المكيل قصد إلى غاية الممكن في العلم بالمكيل والجزاف مبني على المسامحة في العلم بالمبلغ للاجتزاء فيه بالتخمين الذي لا يوصل إلى علم . والإجارة عقد على منافع لم توجد فهو على أصل الجهالة ، وإنما جازت لحاجة التعاون كالشركة والبيع ليس كذلك . وقد اختلفوا أيضا في عقد على بت في سلعة ، وخيار في أخرى والمنع بناء على تضاد البت والخيار . وكما اختلفوا في جمع العاديين في عمل واحد بناء على الشهادة بتضاد الأحكام فيهما ، أو عدم تضادها كذلك اختلفوا أيضا في جمع العبادي مع العادي كالتجارة في الحج ، أو الجهاد ، وكقصد التبرد مع الوضوء ، وقصد [ ص: 482 ] الحمية مع الصوم ، وفي بعض العبادتين كالغسل بنية الجنابة والجمعة . وقد مر هنا ، وفي كتاب المقاصد بيان هذا المعنى في الكلام على المقاصد الأصلية مع المقاصد التابعة ، وبالله التوفيق . وإن كانا غير متنافي الأحكام ، فلا بد أيضا من اعتبار قصد الاجتماع . وقد تقدم الدليل عليه قبل ، فلا يخلو أن يحدث الاجتماع حكما يقتضي النهي ، أو لا . فإن أحدث ذلك صارت الجملة منهيا عنها واتحدت جهة الطلب ، فإن الاجتماع ألغى الطلب المتعلق بالأجزاء وصارت الجملة شيئا واحدا يتعلق به ، إما الأمر ، وإما النهي ، فيتعلق به الأمر إن اقتضى المصلحة ، ويتعلق به النهي إذا اقتضى مفسدة فالفرض هنا أنه اقتضى مفسدة ، فلا بد أن يتعلق به النهي كالجمع بين الأختين ، وبين المرأة وعمتها ، أو خالتها ، والجمع بين صوم أطراف رمضان مع ما قبله ، وما بعده والخليطين في الأشربة ، وجمع الرجلين في البيع سلعتيهما على رأي من رآه في مذهب مالك ، فإن الجمع يقتضي عدم [ ص: 483 ] اعتبار الإفراد بالقصد الأول فيؤدي ذلك إلى الجهالة في الثمن بالنسبة إلى كل واحد من البائعين ، وإن كانت الجملة معلومة فامتنع لحدوث هذه المفسدة المنهي عنها . وأما المجيز فيمكن أن يكون اعتبر أمرا آخر ، وهو أن صاحبي السلعتين لما قصدا إلى جمع سلعتيهما في البيع صار ذلك معنى الشركة فيهما فكأنهما قصدا الشركة أولا ، ثم بيعهما والاشتراك في الثمن ، وإذا كانا في حكم الشريكين فلم يقصدا إلى مقدار ثمن كل واحدة من السلعتين ; لأن كل واحدة كجزء السلعة الواحدة فهو قصد تابع لقصد الجملة ، فلا أثر له ، ثم الثمن يفض على رءوس المالين إذا أرادا القسمة ، ولا امتناع في ذلك ; إذ لا جهالة فيه فلم يكن في الاجتماع حدوث فساد . وإذا لم يكن فيه شيء مما يقتضي النهي فالأمر متوجه ; إذ ليس إلا أمر ، أو نهي على الاصطلاح المنبه عليه . [ ص: 484 ] المسألة الحادية عشرة الأمران يتواردان على الشيء الواحد باعتبارين إذا كان أحدهما راجعا إلى الجملة والآخر راجعا إلى بعض تفاصيلها ، أو إلى بعض أوصافها ، أو إلى بعض جزئياتها فاجتماعهما جائز حسبما ثبت في الأصول . والذي يذكر هنا أن أحدهما تابع والآخر متبوع ، وهو الأمر الراجع إلى الجملة ، وما سواه تابع ; لأن ما يرجع إلى التفاصيل ، أو الأوصاف ، أو الجزئيات كالتكملة للجملة والتتمة لها ، وما كان هذا شأنه فطلبه إنما هو من تلك الجهة لا مطلقا ، وهذا معنى كونه تابعا . وأيضا فإن هذا الطلب لا يستقل بنفسه بحيث يتصور وقوع مقتضاه دون مقتضى الأمر بالجملة ، بل إن فرض فقد الأمر بالجملة لم يمكن إيقاع التفاصيل ; لأن التفاصيل لا تتصور إلا في مفصل والأوصاف لا تتصور إلا في موصوف والجزئي لا يتصور إلا من حيث الكلي ، وإذا كان كذلك فطلبه إنما هو على جهة التبعية لطلب الجملة . ولذلك أمثلة كالصلاة بالنسبة إلى طلب الطهارة الحدثية والخبثية ، وأخذ الزينة والخشوع والذكر والقراءة والدعاء واستقبال القبلة ، وأشباه [ ص: 485 ] ذلك ، ومثل الزكاة مع انتقاء أطيب الكسب فيها وإخراجها في وقتها ، وتنويع المخرج ، ومقداره ، وكذلك الصيام مع تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، وترك الرفث ، وعدم التغرير ، وكالحج مع مطلوباته التي هي له كالتفاصيل والجزئيات والأوصاف التكميليات ، وكذلك القصاص مع العدل واعتبار الكفاءة والبيع مع توفية المكيال والميزان ، وحسن القضاء والاقتضاء والنصيحة ، وأشباه ذلك فهذه الأمور مبنية في الطلب على طلب ما رجعت [ ص: 486 ] إليه وانبنت عليه ، فلا يمكن أن تفرض إلا وهي مستندة إلى الأمور المطلوبة الجمل ، وكذلك سائر التوابع مع المتبوعات . بخلاف الأمر والنهي إذا تواردا على التابع والمتبوع كالشجرة المثمرة قبل الطيب ، فإن النهي لم يرد على بيع الثمرة إلا على حكم الاستقلال فلو فرضنا عدم الاستقلال فيها فذلك راجع إلى صيرورة الثمرة كالجزء التابع للشجرة ، وذلك يستلزم قصد الاجتماع في الجملة ، وهو معنى القصد إلى العقد عليهما معا فارتفع النهي بإطلاق على ما تقدم ، وحصل من ذلك اتحاد [ ص: 487 ] الأمر ; إذ ذاك بمعنى توارد الأمرين على الجملة الواحدة باعتبارها في نفسها واعتبار تفاصيلها وجزئياتها ، وأوصافها . وعلى هذا الترتيب جرت الضروريات مع الحاجيات والتحسينيات ، فإن التوسعة ورفع الحرج يقتضي شيئا يمكن فيه التضييق والحرج ، وهو الضروريات بلا شك والتحسينات مكملات ومتممات ، فلا بد أن تستلزم أمورا تكون مكملات لها ; لأن التحسين والتكميل والتوسيع لا بد له من موضوع إذا فقد فيه ذلك عد غير حسن ولا كامل ولا موسع ، بل قبيحا مثلا ، أو ناقصا ، أو ضيقا ، أو حرجا ، فلا بد من رجوعها إلى أمر آخر مطلوب فالمطلوب أن يكون تحسينا وتوسيعا ، تابع في الطلب للمحسن والموسع ، وهو معنى ما تقدم من طلب التبعية وطلب المتبوعية ، وإذا ثبت هذا تصور في الموضع قسم آخر ، وهى . [ ص: 488 ] المسألة الثانية عشرة فنقول : الأمر والنهي إذا تواردا على شيء واحد وأحدهما راجع إلى الجملة والآخر راجع إلى بعض أوصافها ، أو جزئياتها ، أو نحو ذلك ، فقد مر في المسألة قبلها ما يبين جواز اجتماعهما وله صورتان إحداهما أن يرجع الأمر إلى الجملة والنهي إلى أوصافها ، وهذا كثير كالصلاة بحضرة الطعام والصلاة مع مدافعة الأخبثين والصلاة في الأوقات المكروهة وصيام أيام العيد والبيع المقترن بالغرر والجهالة والإسراف في القتل ، ومجاوزة الحد في العدل فيه والغش والخديعة في البيوع ، ونحوها إلى ما كان من هذا القبيل . والثانية : أن يرجع النهي إلى الجملة والأمر إلى أوصافها وله أمثلة كالتستر بالمعصية في قوله - عليه الصلاة والسلام - : من ابتلي منكم من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله . [ ص: 489 ] وإتباع السيئة الحسنة لقوله تعالى : ثم يتوبون من قريب [ النساء : 17 ] . وروى : من مشى منكم إلى طمع فليمش رويدا . [ ص: 490 ] وأشباه ذلك . فأما الأول ، فقد تكلم عليه الأصوليون ، فلا معنى لإعادته هنا . وأما الثاني : فيؤخذ الحكم فيه من معنى كلامهم في الأول فإليك النظر في التفريع والله أعلم . وينجر هنا الكلام إلى معنى آخر ، وهي .
__________________
|
#129
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الثالث الحلقة (129) صـ491 إلى صـ 500 [ ص: 491 ] المسألة الثالثة عشرة وذلك تفاوت الطلب فيما كان متبوعا مع التابع له ، وأن الطلب المتوجه للجملة أعلى رتبة ، وآكد في الاعتبار من الطلب المتوجه إلى التفاصيل ، أو الأوصاف ، أو خصوص الجزئيات والدليل على ذلك ما تقدم من أن المتبوع بالقصد الأول ، وأن التابع مقصود بالقصد الثاني ، وما قصد بالقصد الأول آكد في الشرع والعقل مما يقصد الثاني ولأجل ذلك يلغى جانب التابع في جنب المتبوع ، فلا يعتبر التابع إذا كان اعتباره يعود على المتبوع بالإخلال ، أو يصير منه كالجزء ، أو كالصفة ، أو التكملة . وبالجملة فهذا المعنى مبسوط فيما تقدم ، وكله دليل على قوة المتبوع في الاعتبار وضعف التابع فالأمر المتعلق بالمتبوع آكد في الاعتبار من الأمر المتعلق بالتابع . [ ص: 492 ] وبهذا الترتيب يعلم أن الأوامر في الشريعة لا تجري في التأكيد مجرى واحدا ، وأنها لا تدخل تحت قصد واحد ، فإن الأوامر المتعلقة بالأمور الضرورية ليست كالأوامر المتعلقة بالأمور الحاجية ولا التحسينية ولا الأمور المكملة للضروريات كالضروريات أنفسها ، بل بينهما تفاوت معلوم ، بل الأمور الضرورية ليست في الطلب على وزان واحد كالطلب المتعلق بأصل الدين ليس في التأكيد كالنفس ولا النفس كالعقل إلى سائر أصناف الضروريات . والحاجيات كذلك فليس الطلب بالنسبة إلى التمتعات المباحة التي لا معارض لها كالطلب بالنسبة إلى ما له معارض كالتمتع باللذات المباحة مع استعمال القرض والسلم والمساقاة ، وأشباه ذلك ولا أيضا طلب هذه كطلب الرخص التي يلزم في تركها حرج على الجملة ولا طلب هذه كطلب ما يلزم في تركه تكليف ما لا يطاق ، وكذلك التحسينيات حرفا بحرف . فإطلاق القول في الشريعة بأن الأمر للوجوب ، أو للندب ، أو للإباحة [ ص: 493 ] أو مشترك ، أو لغير ذلك مما يعد في تقرير الخلاف في المسألة إلى هذا المعنى يرجع الأمر فيه فإنهم يقولون إنه للوجوب ما لم يدل دليل على خلاف ذلك فكان المعنى يرجع إلى اتباع الدليل في كل أمر ، وإذا كان كذلك [ ص: 494 ] رجع إلى ما ذكر ، لكن إطلاق القول فيما لم يظهر دليله صعب ، وأقرب المذاهب في المسألة مذهب الواقفية وليس في كلام العرب ما يرشد إلى اعتبار جهة من تلك الجهات دون صاحبتها . فالضابط في ذلك أن ينظر في كل أمر : هل هو مطلوب طلب الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات ، فإذا كان من قسم الضروريات مثلا نظر هل هو مطلوب فيها بالقصد الأول أم بالقصد الثاني ، فإن كان مطلوبا بالقصد الأول فهو في أعلى المراتب في ذلك النوع ، وإن كان من المطلوب بالقصد الثاني نظر هل يصح إقامة أصل الضروري في الوجود بدونه حتى يطلق على العمل اسم ذلك الضروري أم لا ، فإن لم يصح فذلك المطلوب قائم مقام الركن والجزء المقام لأصل الضروري ، وإن صح أن يطلق عليه الاسم بدونه فذلك المطلوب ليس بركن ولكنه مكمل ، ومتمم ، إما من الحاجيات ، وإما من التحسينيات فينظر في مراتبه على الترتيب المذكور ، أو نحوه بحسب ما يؤدي إليه الاستقراء في الشرع في كل جزء منها . [ ص: 495 ] المسألة الرابعة عشرة الأمر بالشيء على القصد الأول ليس أمر بالتوابع ، بل التوابع إذا كانت مأمورا بها مفتقرة إلى استئناف أمر آخر والدليل على ذلك ما تقدم من أن الأمر بالمطلقات لا يستلزم الأمر بالمقيدات فالتوابع هنا راجعة إلى تأدية المتبوعات على وجه مخصوص والأمر إنما تعلق بها مطلقا لا مقيدا فيكفي فيها إيقاع مقتضى الألفاظ المطلقة ، فلا يستلزم إيقاعها على وجه مخصوص دون وجه ولا على صفة دون صفة ، فلا بد من تعيين وجه ، أو صفة على الخصوص واللفظ لا يشعر به على الخصوص فهو مفتقر إلى تجديد أمر يقتضي الخصوص ، وهو المطلوب . فصل وينبني على هذا أن المكلف مفتقر في أداء مقتضى المطلقات على وجه واحد دون غيره إلى دليل فإنا إذا فرضناه مأمورا بإيقاع عمل من العبادات مثلا من غير تعيين وجه مخصوص فالمشروع فيه على هذا الفرض لا يكون مخصوصا بوجه ولا بصفة ، بل أن يقع على حسب ما تقع الأعمال الاتفاقية الداخلة تحت الإطلاق فالمأمور بالعتق مثلا أمر بالإعتاق مطلقا من غير تقييد [ ص: 496 ] مثلا بكونه ذكرا دون أنثى ولا أسود دون أبيض ولا كاتبا دون صانع ولا ما أشبه ذلك . فإذا التزم هو في الإعتاق نوعا من هذه الأنواع دون غيره احتاج في هذا الالتزام إلى دليل ، وإلا كان التزامه غير مشروع ، وكذلك إذا التزم في صلاة الظهر مثلا أن يقرأ بالسورة الفلانية دون غيرها دائما ، أو أن يتطهر من ماء البئر دون ماء الساقية ، أو غير ذلك من الالتزامات التي هي توابع لمقتضى الأمر في المتبوعات ، فلا بد من طلب دليل على ذلك ، وإلا لم يصح في التشريع ، وهو عرضة لأن يكر على المتبوع بالإبطال . وبيانه أن الأمر إذا تعلق بالمأمور المتبوع من حيث الإطلاق ولم يرد عليه أمر آخر يقتضي بعض الصفات ، أو الكيفيات التوابع ، فقد عرفنا من قصد الشارع أن المشروع عمل مطلق لا يختص في مدلول اللفظ بوجه دون وجه ولا وصف دون وصف فالمخصص له بوجه دون وجه ، أو وصف دون وصف لم يوقعه على مقتضى الإطلاق فافتقر إلى دليل يدل على ذلك التقييد ، أو صار مخالفا لمقصود الشارع . [ ص: 497 ] وقد سئل مالك عن القراءة في المسجد فقال : لم يكن بالأمر القديم ، وإنما هو شيء أحدث ، قال : ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها والقرآن حسن ، وقال أيضا أترى الناس اليوم أرغب في الخير ممن مضى ؟ قال ابن رشد : يريد أن التزام القراءة في المسجد بإثر صلاة من الصلوات ، أو على وجه ما مخصوص حتى يصير ذلك كأنه سنة مثل ما يفعل بجامع قرطبة أثر صلاة الصبح فرأى ذلك بدعة . قال : وأما القراءة على غير هذا الوجه ، فلا بأس بها في المسجد ولا وجه لكراهيتها والذي أشار إليه مالك هو الذي صرح به في موضع آخر ، فإنه قال في القوم يجتمعون جميعا فيقرءون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية فكره ذلك ، وأنكر أن يكون من عمل الناس . وسئل مالك عن الجلوس في المسجد يوم عرفة بعد العصر للدعاء فكرهه ، فقيل له : فالرجل يكون في مجلسه فيجتمع الناس إليه ، ويكبرون . [ ص: 498 ] قال : ينصرف ولو أقام في منزله كان خيرا له . قال ابن رشد : كره هذا ، وإن كان الدعاء حسنا ، وأفضله يوم عرفة ; لأن الاجتماع لذلك بدعة . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : أفضل الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ، وكره مالك في سجود القرآن أن يقصد القارئ مواضع السجود فقط ليسجد فيها ، وكره في المدونة أن يجلس الرجل لمن سمعه يقرأ السجدة لا يريد بذلك تعلما ، [ ص: 499 ] وأنكر على من يقرأ في المساجد ، ويجتمع عليه ورأى أن يقام وفيها : ومن قعد إليه فعلم أنه يريد قراءة سجدة قام عنه ولم يجلس معه . وقال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : إن أول من أحدث الاعتماد في الصلاة حتى لا يحرك رجليه رجل قد عرف وسمى إلا أني لا أحب أن أذكره ، وكان مساء يعني يساء الثناء عليه . قال ابن رشد : جائز عند مالك أن يروح الرجل قدميه في الصلاة وإنما كره أن يقرنهما حتى لا يعتمد على إحداهما دون الأخرى ; لأن ذلك ليس من حدود الصلاة ; إذ لم يأت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف والصحابة المرضيين الكرام ، وهو من محدثات الأمور . وعن مالك نحو هذا في القيام للدعاء ، وفي الدعاء عند ختم القرآن ، [ ص: 500 ] وفي الاجتماع للدعاء عند الانصراف من الصلاة والتثويب للصلاة والزيادة في الذبح على التسمية المعلومة والقراءة في الطواف دائما والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب ، وأشباه ذلك مما هو كثير في الناس ، يكون الأمر واردا على الإطلاق فيقيد بتقييدات تلتزم من غير دليل دل على ذلك ، وعليه أكثر البدع المحدثات . وفي الحديث : لا يجعلن أحدكم للشيطان حظا من صلاته يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه .
__________________
|
#130
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الثالث الحلقة (130) صـ501 إلى صـ 510 [ ص: 501 ] وعن ابن عمر وغيره أنه سئل عن الالتفات في الصلاة يمينا وشمالا فقال : بل نلتفت هكذا ، وهكذا ، ونفعل ما يفعل الناس . كأنه كره التزام عدم الالتفات ورآه من الأمور التي لم يرد التزامها . [ ص: 502 ] وقال عمر : واعجبا لك يا ابن العاص لئن كنت تجد ثيابا أفكل الناس يجد ثيابا والله لو فعلت لكانت سنة ، بل أغسل ما رأيت ، وأنضح ما لم أر . هذا فيما لم يظهر الدوام فيه فكيف مع الالتزام ؟ والأحاديث في هذا والأخبار كثيرة ، جميعها يدل على أن التزام الخصوصات في الأوامر المطلقة مفتقر إلى دليل ، وإلا كان قولا بالرأي واستنانا بغير مشروع ، وهذه الفائدة انبنت على هذه المسألة مع مسألة أن الأمر بالمطلق لا يستلزم الأمر بالمقيد . [ ص: 503 ] المسألة الخامسة عشرة المطلوب الفعل بالكل هو المطلوب بالقصد الأول ، وقد يصير مطلوب الترك بالقصد الثاني : كما أن المطلوب الترك بالكل هو المطلوب الترك بالقصد الأول . وقد يصير مطلوب الفعل بالقصد الثاني وكل واحد منهما لا يخرج عن أصله من القصد الأول . أما الأول فيتبين من أوجه : أحدها : أنه قد يؤخذ من حيث قصد الشارع فيه ، وهذا هو الأصل فيتناول على الوجه المشروع ، وينتفع به كذلك ولا ينسى حق الله فيه لا في [ ص: 504 ] سوابقه ولا في لواحقه ولا في قرائنه . فإذا أخذ على ذلك الوزان كان مباحا بالجزء مطلوبا بالكل ، فإن المباحات إنما وضعها الشارع للانتفاع بها على وفق المصالح على الإطلاق بحيث لا تقدح في دنيا ولا في دين ، وهو الاقتصاد فيها ، ومن هذه الجهة جعلت نعما ، وعدت مننا ، وسميت خيرا وفضلا . فإذا خرج المكلف بها عن ذلك الحد إلى أن تكون ضررا عليه في الدنيا ، أو في الدين كانت من هذه الجهة مذمومة ; لأنها صدت عن مراعاة وجوه الحقوق السابقة واللاحقة والمقارنة ، أو عن بعضها فدخلت المفاسد بدلا عن المصالح في الدنيا ، وفي الدين ، وإنما سبب ذلك تحمل المكلف منها ما لا يحتمله ، فإنه إذا كان يكتفي منها بوجه ما ، أو بنوع ما ، أو بقدر ما ، وكانت مصالحه تجرى على ذلك ، ثم زاد على نفسه منها فوق ما يطيقه تدبيره ، وقوته البدنية والقلبية كان مسرفا وضعفت قوته عن حمل الجميع فوقع الاختلال وظهر الفساد كالرجل يكفيه لغذائه مثلا رغيف ، وكسبه المستقيم إنما يحمل ذلك المقدار ; لأن تهيئته لا تقوى على غيره فزاد على الرغيف مثله فذلك إسراف منه في جهة اكتسابه أولا من حيث كان يتكلف كلفة ما يكفيه مع التقوى فصار يتكلف كلفة اثنين ، وهو مما لا يسعه ذلك إلا مع المخالفة ، وفي جهة تناوله ، فإنه يحمل نفسه من الغذاء فوق ما تقوى عليه الطباع فصار ذلك شاقا عليه وربما ضاق نفسه واشتد كربه ، وشغله عن التفرغ للعبادة المطلوب فيها الحضور مع الله تعالى ، [ ص: 505 ] وفي جهة عاقبته ، فإن أصل كل داء البردة ، وهذا قد عمل على وفق الداء فيوشك أن يقع به . [ ص: 506 ] وهكذا حكم سائر أحواله الظاهرة والباطنة في حين الإسراف فهو في الحقيقة الجالب على نفسه المفسدة لا نفس الشيء المتناول من حيث هو غذاء تقوم به الحياة . فإذا تأملت الحالة وجدت المذموم تصرف المكلف في النعم لا أنفس النعم إلا أنها لما كانت آلة للحالة المذمومة ذمت من تلك الجهة ، وهو القصد الثاني ; لأنه مبني على قصد المكلف المذموم ، وإلا فالرب تعالى قد تعرف إلى عبده بنعمه وامتن بها قبل النظر في فعل المكلف فيها على الإطلاق ، وهذا دليل على أنها محمودة بالقصد الأول على الإطلاق ، وإنما ذمت حين صدت من صدت عن سبيل الله ، وهو ظاهر لمن تأمله . والثاني : أن جهة الامتنان لا تزول أصلا . وقد يزول الإسراف رأسا ، وما هو دائم لا يزول على حال هو الظاهر في القصد الأول . بخلاف ما قد يزول ، فإن المكلف إذا أخذ المباح كما حد له لم يكن فيه من وجوه الذم [ ص: 507 ] شيء ، وإذا أخذه من داعي هواه ولم يراع ما حد له صار مذموما في الوجه الذي اتبع فيه هواه ، وغير مذموم في الوجه الآخر . وأيضا فإن وجه الذم قد تضمن النعمة واندرجت تحته ، لكن غطى عليها هواه ، ومثاله أنه إذا تناول مباحا على غير الجهة المشروعة فقد حصل له في ضمنه جريان مصالحه على الجملة ، وإن كانت مشوبة فبمتبوع هواه والأصل هو النعمة ، لكن هواه أكسبها بعض أوصاف الفساد ولم يهدم أصل المصلحة ، وإلا فلو انهدم أصل المصلحة لانعدم أصل المباح ; لأن البناء إنما كان عليه فلم يزل أصل المباح ، وإن كان مغمورا تحت أوصاف الاكتساب والاستعمال المذموم فهذا أيضا مما يدل على أن كون المباح مذموما ، ومطلوب الترك إنما هو بالقصد الثاني ، لا بالقصد الأول . والثالث : أن الشريعة مصرحة بهذا المعنى كقوله تعالى : أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون [ النحل : 72 ] ، [ ص: 508 ] وقوله : قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا [ يونس : 59 ] وقوله : إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون [ غافر : 61 ] ، وقوله : وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا [ النحل : 14 ] إلى قوله : ولعلكم تشكرون [ القصص : 73 ] فهذه الآيات وأشباهها تدل على أن ما بث في الأرض من النعم والمنافع على أصل ما بث إلا أن المكلف لما وضع له فيها اختيار به يناط التكليف داخلتها من تلك الجهة الشوائب لا من جهة ما وضعت له أولا فإنها من الوضع الأول خالصة . فإذا جرت في التكليف بحسب المشروع فذلك هو الشكر ، وهو جريها على ما وضعت أولا ، وإن جرت على غير ذلك فهو الكفران ، ومن ثم انجرت المفاسد ، وأحاطت بالمكلف وكل بقضاء الله وقدره والله خلقكم وما تعملون [ الصافات : 96 ] . وفي الحديث : إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا فقيل : أيأتي الخير بالشر ؟ فقال : لا يأتي الخير إلا بالخير ، وإن مما [ ص: 509 ] ينبت الربيع ما يقتل حبطا ، أو يلم الحديث . وأيضا فباب سد الذرائع من هذا القبيل ، فإنه راجع إلى طلب ترك ما ثبت طلب فعله لعارض يعرض ، وهو أصل متفق عليه في الجملة ، وإن اختلف العلماء في تفاصيله فليس الخلاف في بعض الفروع مما يبطل دعوى الإجماع في الجملة لأنهم اتفقوا على مثل قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا [ البقرة : 104 ] . وقوله : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله [ الأنعام : 108 ] . وشبه ذلك والشواهد فيه كثيرة . وهكذا الحكم في المطلوب طلب الندب قد يصير بالقصد الثاني مطلوب الترك حسبما تناولته أدلة التعمق والتشديد والنهي عن الوصال ، [ ص: 510 ] وسرد الصيام والتبتل . وقد تقدم من ذلك كثير . ومثله المطلوب طلب الوجوب عزيمة قد يصير بالقصد الثاني مطلوب الترك إذا كان مقتضى العزيمة فيه مشوشا ، وعائدا على الواجب بالنقصان كقوله : ليس من البر الصيام في السفر ، وأشباه ذلك . فالحاصل أن المطلوب بالقصد الأول على الإطلاق قد يصير مطلوب الترك بالقصد الثاني ، وهو المطلوب . فإن قيل : هذا معارض بما يدل على خلافه ، وأن المدح والذم راجع إلى ما بث في الأرض ، وعلى ما وضع فيها من المنافع على سواء ، فإن الله عز وجل قال : وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ هود : 7 ] .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |