|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1271
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الذاريات الحلقة (1271) صــ 381 الى صــ 390 * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) : النوافل. وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: هما الركعتان بعد المغرب، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، ولولا ما ذكرت من إجماعها عليه، لرأيت أن القول في ذلك ما قاله ابن زيد، لأن الله جلّ ثناؤه لم يخصص بذلك صلاة دون صلاة، بل عمّ أدبار الصلوات كلها، فقال: وأدبار السجود، ولم تقم بأنه معنيّ به: دبر صلاة دون صلاة، حجة يجب التسليم لها من خبر ولا عقل. واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) فقرأته عامة قرّاء الحجاز والكوفة، سوى عاصم والكسائي (وإدْبارِ السُّجُودِ) بكسر الألف، على أنه مصدر أدبر يُدبر إدبارا. وقرأه عاصم والكسائي وأبو عمرو (وأدْبارَ) بفتح الألف على مذهب جمع دبر وأدبار. والصواب عندي الفتح على جمع دبر. القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: واستمع يا محمد صيحة يوم القيامة، يوم ينادي بها منادينا من موضع قريب. وذُكر أنه ينادي بها من صخرة بيت المقدس. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن سعيد بن بشر، عن قتادة، عن كعب، قال: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) قال مَلك قائم على صخرة بيت المقدس ينادي: أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة; إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. حدثنا بشر; قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد; عن قتادة (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) قال: كنا نحدّث أنه ينادي من بيت المقدس من الصخرة، وهي أوسط الأرض. وحُدّثنا أن كعبا قال: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) قال: بلغني أنه ينادي من الصخرة التي في بيت المقدس. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) قال: هي الصيحة. حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثني بعض أصحابنا، عن الأغرّ، عن مسلم بن حيان، عن ابن بُريدة، عن أبيه بُريدة، قال: مَلك قائم على صخرة بيت المقدس، واضع أصبعيه في أذُنيه ينادي، قال: قلتُ: بماذا ينادي؟ قال: يقول يا أيها الناس هلموا إلى الحساب; قال: فيقبلون كما قال الله (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) . وقوله (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ) يقول تعالى ذكره: يوم يسمع الخلائق صيحة البعث من القبور بالحق، يعني بالأمر بالإجابة لله إلى موقف الحساب. وقوله (ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) يقول تعالى ذكره. يوم خروج أهل القبور من قبورهم. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) } يقول تعالى ذكره: إنا نحن نُحيي الموتى ونميت الأحياء، وإلينا مصير جميعهم يوم القيامة (تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا) يقول جلّ ثناؤه وإلينا مصيرهم يوم تشقَّق الأرض، فاليوم من صلة مصير. وقوله (تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ) يقول: تصدّع الأرض عنهم. وقوله (سِرَاعًا) ونُصبت سراعا على الحال من الهاء والميم فى قوله عنهم. والمعنى: يوم تشقَّق الأرض عنهم فيخرجون منها سراعا، فاكتفى بدلالة قوله (يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ) على ذلك من ذكره. قوله (ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) يقول: جمعهم ذلك جمع في موقف الحساب، علينا يسير سهل. القول في تأويل قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) } يقول تعالى ذكره: نحن يا محمد أعلم بما يقول هؤلاء المشركون بالله من فريتهم على الله، وتكذيبهم بآياته، وإنكارهم قُدرة الله على البعث بعد الموت. (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) يقول: وما أنت عليهم بمسلط. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم. قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) قال: لا تتجبر عليهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) فإن الله عزّ وجلّ كره الجبرية، ونهى عنها، وقدّم فيها. وقال الفرّاء: وضع الجبار في موضع السلطان من الجبرية; وقال: أنشدني المفضل: وَيَوْمَ الحَزْنِ إذْ حَشَدَتْ مَعَدّ ... وكانَ النَّاسُ إلا نَحْنُ دِينا عَصَيْنا عَزْمَةَ الجَبَّارِ حَتَّى ... صَبَحْنا الجَوْفَ ألْفا مُعْلَمِينا (1) ويروى: "الجوف" وقال: أراد بالجبار: المنذر لولايته. قال: وقيل: إن معنى قوله (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) لم تُبعث لتجْبُرَهم على الإسلام، إنما بعثت مذكِّرا، فذكِّر. وقال: العرب لا تقول فعال من أفعلت، لا يقولون: هذا خراج، يريدون: مُخْرِج، ولا يقولون: دخَال، يريدون: مُدْخِل، إنما يقولون: فعال، من فعلت; ويقولون: خراج، من (1) البيتان من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 310) رواهما عن المفضل، ولم أجدهما في المفضليات. والبيت الأول قد سبق استشهاد المؤلف به عند قوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام" (2: 211) من هذه الطبعة. والشاهد هنا في البيت الثاني في كلمة "الجبار" يريد به الملك المسلط. وقال الفراء: وقوله "وما أنت عليهم بجبار" : يقول: لست عليهم بمسلط. جعل الجبار في موضع السلطان من الجبرية. قال: أنشدني المفضل: "ويوم الحزن ... البيتين" . قال: وقال الكلبي بإسناده: "لست عليهم بجبار" يقول: لم تبعث لتجبرهم على الإسلام والهدى إنما بعثت مذكرًا فذكر، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم. والعرب لا تقول فعال من أفعلت، لا يقولون هذا إخراج ولا دخال، يريدون مدخل ولا مخرج من أدخلت وأخرجت؛ إنما يقولون دخال من دخلت وفعال من فعلت وقد قالت العرب: دراك من أدركت، وهو شاذ. فإن حملت الجبار على هذا المعنى فهو وجه. وقد سمعت بعض العرب يقول جبره على الأمر، يريد أجبره. فالجبار: من هذه اللغة صحيح، يراد به: يقهرهم ويجبرهم. خرجت; ودخال: من دخلت; وقتَّال، من قتلت. قال: وقد قالت العرب في حرف واحد: درّاك، من أدركت، وهو شاذّ. قال: فإن قلت الجبار على هذا المعنى، فهو وجه. قال: وقد سمعت بعض العرب يقول: جبره على الأمر، يريد: أجبره، فالجبار من هذه اللغة صحيح، يراد به: يقهرهم ويجبرهم. وقوله (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) يقول تعالى ذكره: فذكر يا محمد بهذا القرآن الذي أنزلته إليه من يخاف الوعيد الذي أوعدته من عصاني وخالف أمري. حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوديّ، قال: ثنا حكام الرازي، عن أيوب، عن عمرو الملائي، عن ابن عباس، قال: قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا؟ فنزلت (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) . حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، قال: قالوا: يا رسول الله، لو ذكَّرتنا، فذكر مثله. آخر تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) } يقول تعالى ذكره (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) يقول: والرياح التي تذرو التراب ذروا، يقال: ذرت الريح التراب وأذرت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا هنَّاد بن السَّريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عُرعرة، قال: قام رجل إلى عليّ رضي الله عنه، فقال: ما الذاريات ذروا، فقال: هي الريح. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سِماك، قال: سمعت خالد بن عرعرة، قال: سمعت عليا رضي الله عنه وقد خرج إلى الرحبة، وعليه بُرْدان، فقالوا: لو أن رجلا سأل وسمع القوم، قال: فقام ابن الكواء، فقال: ما الذاريات ذَرْوا؟ فقال: هي الرياح. حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد الهلالي ومحمد بن بشار، قالا ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا موسى بن يعقوب الزمعي، قال: ثنا أبو الحويرث، عن محمد بن جُبَير بن مطعم، أخبره، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يخطب الناس، فقام عبد الله بن الكوّاء، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) قال: هي الرياح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، قال: سُئل عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، عن الذاريات ذَرْوا، فقال: الريح. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطُّفيل، عن علي (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) قال: الريح. قال مهران: حُدِّثنا عن سماك، عن خالد بن عرعرة، قال: سألت عليا رضي الله عنه عن (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) فقال: الريح. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بَزّة، قال: سمعت أبا الطفيل، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: لا يسألوني عن كتاب ناطق، ولا سنة ماضية، إلا حدّثتكم، فسأله ابن الكوّاء عن الذاريات، فقال: هي الرياح. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا طلق، عن زائدة، عن عاصم، عن عليّ بن ربيعة، قال: سأل ابن الكوّاء عليا رضي الله عنه، فقال: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) قال: هي الريح. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا جرير، عن عبد الله بن رفيع، عن أبي الطفيل، قال: قال ابن الكوّاء لعلي رضي الله عنه: ما الذاريات ذَرْوا؟ قال: الريح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يحيى بن أيوب، عن أبي صخرة، عن أبي معاوية البجليّ، عن أبي الصهباء البكريّ، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قال وهو على المنبر: لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته، فقام ابن الكوّاء، وأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغٌ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ما الذاريات ذروا؟ قال عليّ: الرياح. ![]()
__________________
|
#1272
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الذاريات الحلقة (1272) صــ 391 الى صــ 400 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أن رجلا سأل عليا عن الذاريات، فقال: هي الرياح. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل، قال سأل ابن الكوّاء عليا، فقال: ما الذاريات ذروا؟ قال: الرياح. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) قال: كان ابن عباس يقول: هي الرياح. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَالذَّارِيَاتِ) قال: الرياح. وقوله (فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا) يقول: فالسحاب التي تحمل وقرها من الماء. وقوله (فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا) يقول: فالسفن التي تجري في البحار سهلا يسيرا (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) يقول: فالملائكة التي تقسم أمر الله في خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، قال: قام رجل إلى عليّ رضي الله عنه فقال: ما الجاريات يسرا؟ قال: هي السفن; قال: فما الحاملات وقرا؟ قال: هي السحاب; قال: فما المقسمات أمرا؟ قال: هي الملائكة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت خالد بن عرعرة، قال: سمعت عليا رضي الله عنه وقيل له: ما الحاملات وقرًا؟ قال: هي السحاب; قال: فما الجاريات يُسرًا؟ قال: هي السفن; قال: فما المقسِّمات أمرًا؟ قال: هي الملائكة. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن عليّ بنحوه. حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد الله الهلالي ومحمد بن بشار، قالا ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا موسى الزمعي، قال: ثني أبو الحُوَيرث، عن محمد بن جُبير بن مطعم أخبره، قال: سمعت عليا يخطب الناس، فقام عبد الله بن الكوّاء فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى (فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا) قال: هي السحاب (فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا) قال: هي السفن (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) قال: الملائكة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزّة، قال: سمعت أبا الطفيل، قال: سمعت عليا رضي الله عنه فذكر نحوه. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل، قال: قال ابن الكوّاء لعليّ، فذكر نحوه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطُّفيل، قال: شهدت عليا رضي الله عنه، وقام إليه ابن الكوّاء، فذكر نحوه. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا طَلْق بن غنام، عن زائدة، عن عاصم، عن عليّ بن ربيعة، قال: سأل ابن الكوّاء عليا، فذكر نحوه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يحيى بن أيوب، عن أبي صخر، عن أبي معاوية البجليّ، عن أبي الصهباء البكريّ، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، نحوه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أن رجلا سأل عليا، فذكر نحوه. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن عليّ مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، قال: سُئل فذكر مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا) قال: السحاب، قوله (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) قال: الملائكة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا) قال: السحاب تحمل المطر، (فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا) قال: السفن (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) قال: الملائكة ينزلها بأمره على من يشاء. قوله (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ) يقول تعالى ذكره: إن الذي توعدون أيها الناس من قيام الساعة، وبعث الموتى من قبورهم لصادق، يقول: لكائن حقّ يقين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ) والمعنى: لصدق، فوضع الاسم مكان المصدر (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) يقول: وإن الحساب والثواب والعقاب لواجب، والله مجاز عباده بأعمالهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) قال: الحساب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) وذلك يوم القيامة، يوم يُدان الناس فيه بأعمالهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) قال: يوم يدين الله العباد بأعمالهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) قال: لكائن. القول في تأويل قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) } يقول تعالى ذكره: والسماء ذات الخَلْق الحسن. وعنى بقوله (ذَاتِ الْحُبُكِ) : ذات الطرائق، وتكسير كل شيء: حُبُكُه، وهو جمع حِباك وحَبيكة; يقال لتكسير الشعرة الجعدة: حُبك; وللرملة إذا مرّت بها الريح الساكنة، والماء القائم، والدرع من الحديد لها: حُبُك; ومنه قول الراجز: كأنَّمَا جَلَّلَهَا الحَوَّاكُ ... طِنْفِسَةً فِي وَشْيِها حِباكُ أذْهَبها الخُفُوقُ والدّرَاكُ (1) *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه. * ذكر من قال ذلك: حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عَبَثْر، قال: ثنا حصين، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: ذات الخَلْق الحسن. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: حُسنها واستواؤها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: حبكها: حسنها واستواؤها. قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن عمر بن سعيد بن مسروق أخي سفيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبير (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: ذات الزينة. (1) الراجز يصف ظهر أتان من حمر الوحش بأن فيه وشيا ورقما وخطوطا وطرائق، فكأن حائكا. وهو الذي ينسج الثياب ألبسها طنفسة موشاة فيها خطوط مستقيمة ذات ألوان. ومعنى البيت الثالث: أن الخطوط في ظهرها تلوح كأنها مذهبة عند تحركها ومتابعتها السير. والشاهد في هذه الأبيات قوله "حباك" والحباك: الخط في الرمل أو في الثوب أو في الشعر، وجمعه حبك بضمتين. ومثله الحبيكة، وجمعها حبائك. واستشهد المؤلف بهذه الأبيات الثلاثة من مشطور الرجز، عند قوله تعالى: "والسماء ذات الحبك" وهي طرائق الضوء ترى في السماء في غياب القمر، وهي ما تسمى المجرة. أو هي الأفلاك تدور فيها الكواكب. والبيت الثالث جاء في الأصل محرفًا هكذا: * أذهبها الحقوق الدين الداك * وقد بحثنا عنه كثيرًا، فلم نجده، ثم أصلحناه على ما ترى. والخفوق: الحركة والاضطراب. والدراك: السير المتتابع. حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن عوف، عن الحسن، قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: حبكت بالخلق الحسن، حبكت بالنجوم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: حبكت بالخلق الحسن، حبكت بالنجوم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان بن الهيثم، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: ذات الخلق الحسن، حبكت بالنجوم. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عمران بن حُدَير، قال: سُئل عكرِمة، عن قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: ذات الخلْق الحسن، ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب قال: ما أحسن ما حبكه. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من أصحاب النبيَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "إنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ الكَذَّاب المُضِلَّ، وَإنَّ رأسَهُ مِنْ وَرَائِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ" يعني بالحبك: الجعودة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: استواؤها: حسنها. قال: ثنا مهران، عن عليّ بن جعفر، عن الربيع بن أنس (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: ذات الخَلْق الحسن. قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة، قال: حُبُكها نجومها. وكان ابن عباس يقول (الْحُبُكِ) ذات الخَلْق الحسن. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) : أي ذات الخَلْق الحسن. وكان الحسن يقول: حبكها: نجومها. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور; عن معمر; عن قتادة (ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: ذات الخَلْق الحسن. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: المتقن البنيان. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) يقول: ذات الزينة، ويقال أيضا. حبكها مثل حبك الرمل، ومثل حبك الدرع، ومثل حبك الماء إذا ضربته الريح، فنسجته طرائق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: الشدة حُبِكَتْ شُدَّت. وقرأ قول الله تبارك وتعالى (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) . حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: ذات الخَلْق الحسن; ويقال: ذات الزينة. وقيل: عنى بذلك السماء السابعة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي وأبو داود، قالا ثنا عمران القطان، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن عمرو البكاليّ، عن عبد الله بن عمرو (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال: السماء السابعة. حدثني القاسم بن بشير بن معروف، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا عمران القطان، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان، عن عمرو البكاليّ، هكذا قال القاسم، عن عبد الله بن عمرو نحوه. وقوله (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) يقول: إنكم أيها الناس لفي قول مختلف في هذا القرآن، فمن مصدّق به ومكذّب. كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) قال: مصدق بهذا القرآن ومكذّب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) قال: يتخرّصون يقولون: هذا سحر، ويقولون: هذا أساطير، فبأي قولهم يؤخذ، قتل الخرَّاصون هذا الرجل، لا بدّ له من أن يكون فيه أحد هؤلاء، فما لكم لا تأخذون أحد هؤلاء، وقد رميتموه بأقاويل شتى، فبأيّ هذا القول تأخذون، فهو قول مختلف. قال: فذكر أنه تخرّص منهم ليس لهم بذلك علم قالوا: فما منع هذا القرآن أن ينزل باللسان الذي نزلت به الكتب من قبلك، فقال الله: أعجميّ وعربيّ؟ لو جعلنا هذا القرآن أعجميا لقلتم نحن عرب وهذا القرآن أعجميّ، فكيف يجتمعان. وقوله (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) يقول: يصرف عن الإيمان بهذا القرآن من صرف، ويدفع عنه من يُدْفع، فيُحْرَمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) قال ابن عمرو في حديثه: يوفي، أو يُؤْفَن، أو كلمة تشبهها. وقال الحارث: يُؤْفَن، بغير شك. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) قال: يُصرف عنه من صُرف. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) فالمأفوك عنه اليوم، يعني كتابَ الله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) قال: يُؤْفَك عنه المشركون. القول في تأويل قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) } يقول تعالى ذكره: لُعِن المتكهنون الذين يتخرّصون الكذب والباطل فيتظننونه. واختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بقوله (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) فقال بعضهم: عُنِي به المرتابون. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) يقول: لعن المُرتابون. وقال آخرون في ذلك بالذي قلنا فيه. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) قال: الكهنة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) قال: الذين يتخرّصون الكذب كقوله في عبس (قُتِلَ الإنْسَانُ) ، وقد حدثني كل واحد منهما بالإسناد الذي ذكرت عنه، عن مجاهد، قوله (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) قال: الذين يقولون: لا نُبْعَث ولا يُوقِنون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) : أهل الظنون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) قال: القوم الذين كانوا يتخرّصون الكذب على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قالت طائفة: إنما هو ساحر، والذي جاء به سحر. وقالت طائفة: إنما هو شاعر، والذي جاء به شعر; وقالت طائفه: إنما هو كاهن، والذي جاء به كهانة; وقالت طائفة (أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا) يتخرّصون على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. وقوله (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) يقول تعالى ذكره: الذين هم في غمرة الضلالة وغَلَبتها عليهم متمادون، وعن الحقّ الذي بعث الله به محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ساهون، قد لَهُوا عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) يقول: في ضلالتهم يتمادَون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) قال: في غفلة لاهون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) يقول: في غمرة وشُبهة. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (غَمْرَةٍ سَاهُونَ) قال: في غفلة. ![]()
__________________
|
#1273
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الذاريات الحلقة (1273) صــ 401 الى صــ 410 حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) قال: ساهون عما أتاهم، وعما نزل عليهم، وعما أمرهم الله تبارك وتعالى، وقرأ قول الله جلّ ثناؤه (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا) ... الآية، وقال: ألا ترى الشيء إذا أخذته ثم غمرته في الماء. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) : قلبه في كِنانة. وقوله (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) يقول تعالى ذكره: يسأل هؤلاء الخرّاصون الذين وصف صفتهم متى يوم المجازاة والحساب، ويوم يُدينُ الله العباد بأعمالهم. كما حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) قال: الذين كانوا يجحدون أنهم يُدانون، أو يُبعثون. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد، قوله (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) قال: يقولون: متى يوم الدين، أو يكون يوم الدين. وقوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يقول تعالى ذكره: يوم هم على نار جهنم يفتنون. واختلف أهل التأويل في معنى قوله (يُفْتَنُونَ) في هذا الموضع، فقال بعضهم. عني به أنهم يعذّبون بالإحراق بالنار. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يقول: يعذّبون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) قال: فتنتهم أنهم سألوا عن يوم الدين وهم موقوفون على النار (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) فقالوا حين وقفوا: (يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) ، وقال الله تبارك وتعالى (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله (يُفْتَنُونَ) قال: كما يفتن الذهب في النار. حدثني يعقوب، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرِمة، في قوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) قال: يعذّبون في النار يحرقون فيها، ألم تر أن الذهب إذا ألقي في النار قيل فتن. حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن حصين، عن عكرِمة (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) قال: يعذّبون. حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يقول: يُنْضَجون بالنار. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن عكرمة (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) قال: يحرقون. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يقول: يحرقون. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) قال: يطبخون، كما يفتن الذهب بالنار. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) قال: يحرقون بالنار. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) قال: يحرقون. وقال آخرون: بل عنى بذلك أنهم يكذبون. * ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يقول: يطبخون، ويقال أيضا (يُفْتَنُونَ) يكذّبون كل هذا يقال. واختلف أهل العربية في وجه نصب اليوم في قوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) فقال بعض نحويي البصرة: نصبت على الوقت والمعنى في (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) : أي متى يوم الدين، فقيل لهم: في (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) ، لأن ذلك اليوم يوم طويل فيه الحساب، وفيه فتنتهم على النار. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما نصبت (يَوْمِهِمْ) لأنك أضفته إلى شيئين، وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم له فعل، وارتفعا نصب اليوم، وإن كان في موضع خفض أو رفع إذا أضيف إلى فَعَلَ أو يَفْعَلُ أو إذا كان كذلك، (1) ورفعه في موضع الرفع، (1) كذا في معاني القرآن للفراء. وفي الأصل: وإذا قال. وقال آخر منهم: إنها نصب (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) لأنه إضافة غير محضة فنصب، والتأويل رفع، ولو رفع لجاز لأنك تقول: متى يومك؟ فتقول: يوم الخميس، ويوم الجمعة، والرفع الوجه، لأنه اسم قابل اسما فهذا الوجه. وأولى القولين بالصواب في تأويل قوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) قول من قال: يعذّبون بالإحراق، لأن الفتنة أصلها الاختبار، وإنما يقال: فتنت الذهب بالنار: إذا طبختها بها لتعرف جودتها، فكذلك قوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يحرقون بها كما يحرق الذهب بها، وأما النصب في اليوم فلأنها إضافة غير محضة على ما وصفنا من قول قائل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) } يعني تعالى ذكره بقوله (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) يقال لهم: ذوقوا فتنتكم وترك يقال لهم لدلالة الكلام عليها. ويعني بقوله (فِتْنَتَكُمْ) : عذابكم وحريقكم. واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم بالذي قلنا فيه. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: تنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، (1) كذا في معاني القرآن. وفي الأصل: يقول: لو قيل. عن مجاهد، قوله (فِتْنَتَكُمْ) قال: حريقكم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) : ذوقوا عذابكم (هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) يقول: يوم يعذّبون، فيقول: ذوقوا عذابكم. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) يقول: حريقكم. حدثنا ابن حُميد، قال: تنا مهران، عن سفيان (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) يقول: احتراقكم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) قال: ذوقوا عذابكم. وقال آخرون: عني بذلك: ذوقوا تعذيبكم أو كذبكم. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) يقول: تكذيبكم. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) يقول: حريقكم، ويقال: كذبكم. وقوله (هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذا العذاب الذي توفونه اليوم، هو العذاب الذي كنتم به تستعجلون في الدنيا. وقوله (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بطاعته، واجتناب معاصيه في الدنيا في بساتين وعيون ماء في الآخرة. وقوله (آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ) يقول تعالى ذكره: عاملين ما أمرهم به ربهم مؤدّين فرائضه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي عمر، عن مسلم البطين، عن ابن عباس، في قوله (آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ) قال: الفرائض. وقوله (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) يقول: إنهم كانوا قبل أن يفرض عليهم الفرائض محسنين، يقول: كانوا لله قبل ذلك مطيعين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي عمر، عن مسلم البطين، عن ابن عباس (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) قال: قبل الفرائض محسنين يعملون. القول في تأويل قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال بعضهم: معناه كانوا قليلا من الليل لا يهجعون، وقالوا: "ما" بمعنى الجحد. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عديّ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: يتيقظون يصلون ما بين هاتين الصلاتين، ما بين المغرب والعشاء. حدثني زريق بن الشحب، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، بنحوه. حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا أبو داود، قال: ثنا بكير بن أبي السمط، عن قتادة، عن محمد بن عليّ، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة. قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن مطرف، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: قلّ ليلة أتت عليهم إلا صلوا فيها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال مطرف بن عبد الله في قوله: (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قل ليلة تأتي عليهم لا يصلون فيها لله. إما من أوّلها، وإما من وسطها. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال لم يكن يمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئا. قال: ثنا ابن يمان، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: كانوا يصيبون فيها حظا. حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ، قال: ثنا حفص بن عاصم، عن أبي العالية، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: لا ينامون بين المغرب والعشاء. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام ومهران، عن أبي جعفر، عن الربيع (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كانوا يصيبون من الليل حظا. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن مطرّف، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: قلّ ليلة أتت عليهم هجعوها كلها. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كان لهم قليل من الليل ما يهجعون، كانوا يصلونه. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: سمعت ابن أبي نجيح، يقول في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كانوا قليلا ما ينامون ليلة حتى الصباح. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: قليل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: كانوا قليلا من الليل يهجعون، ووجهوا "ما" - التي في قوله (مَا يَهْجَعُونَ) إلى أنها صلة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: قال الحسن: كابدوا قيام الليل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: لا ينامون منه إلا قليلا. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن بعض أصحابنا، عن الحسن، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: لا ينامون من الليل إلا أقله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عوف، عن سعيد بن أبي الحسن، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: قلَّ ليلة أتت عليهم هجوعا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الأحنف بن قيس، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كانوا لا ينامون إلا قليلا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا الحكم بن عطية، عن قتادة، قال: قال الأحنف بن قَيس، وقرأ هذه الآية (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: لست من أهل هذه الآية. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: قيام الليل. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن، قال: نشطوا فمدّوا إلى السحر. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: مدّوا في الصلاة ونشطوا، حتى كان الاستغفار بسحر. قال: ثنا مهران، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن قال: كانوا لا ينامون من الليل إلا قليلا. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كان الحسن والزهري يقولان: كانوا كثيرا من الليل ما يصلون. وقد يجوز أن تكون "ما" . على هذا التأويل في موضع رفع، ويكون تأويل الكلام: كانوا قليلا من الليل هجوعهم; وأما من جعل "ما" صلة، فإنه لا موضع لها; ويكون تأويل الكلام على مذهبه كانوا يهجعون قليل الليل، وإذا كانت "ما" صلة كان القليل منصوبا بيهجعون. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: ما ينامون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: كانوا يصلون العتمة، وعلى هذا التأويل (مَا) في معنى الجحد. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: قال رجل من أهل مكة: سماه قتادة، قال: صلاة العتمة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: كان هؤلاء المحسنون قبل أن تفرض عليهم الفرائض قليلا من الناس، وقالوا الكلام بعد قوله (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) كانوا قليلا مستأنف بقوله (مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) فالواجب أن تكون "ما" على هذا التأويل بمعنى الجحد. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) يقول: إن المحسنين كانوا قليلا ثم ابتدئ فقيل (مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) كما قال (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ثم قال: (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الزبير، عن الضحاك بن مزاحم (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كانوا من الناس قليلا. ![]()
__________________
|
#1274
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الذاريات الحلقة (1274) صــ 411 الى صــ 420 حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن الزبير بن عديّ، عن الضحاك بن مزاحم، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كانوا قليلا من الناس من يفعل ذلك. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الزبير بن عديّ، عن الضحاك بن مزاحم (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كانوا قليلا من الناس إذ ذاك. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال الله (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) ... إلى (مُحْسِنِينَ) كانوا قليلا يقول: المحسنون كانوا قليلا هذه مفصولة، ثم استأنف فقال (مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) . وأما قوله (يَهْجَعُونَ) فإنه يعني: ينامون، والهجوع: النوم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) يقول: ينامون. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: ينامون. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الهجوع: النوم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال: كانوا قليلا ما ينامون من الليل، قال: ذاك الهجع. قال: والعرب تقول: إذا سافرت اهجع بنا قليلا. قال: وقال رجل من بني تميم لأبي: يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا، ذكر الله تبارك وتعالى قوما فقال: (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) ونحن والله قليلا من الليل ما نقوم; قال: فقال أبي طُوبى لمن رقد إذا نعس; وألقى الله إذا استيقظ. وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قول من قال: كانوا قليلا من الليل هجوعهم، لأن الله تبارك وتعالى وصفهم بذلك مدحا لهم، وأثنى عليهم به، فوصفهم بكثرة العمل، وسهر الليل، ومكابدته فيما يقربهم منه ويرضيه عنهم أولى وأشبه من وصفهم من قلة العمل، وكثرة النوم، مع أن الذي اخترنا في ذلك هو أغلب المعاني على ظاهر التنزيل. وقوله (وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وبالأسحار يصلون. * ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) يقول: يقومون فيصلون، يقول: كانوا يقومون وينامون، كما قال الله لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ) فهذا نوم، وهذا قيام (وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) كذلك يقومون ثلثا ونصفا وثلثين: يقول: ينامون ويقومون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمر، قوله (وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قال: يصلون. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قال: يصلون. وقال آخرون: بل عني بذلك أنهم أخروا الاستغفار من ذنوبهم إلى السحر. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: مدّوا في الصلاة ونَشطوا، حتى كان الاستغفار بسحر. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قال: هم المؤمنون، قال: وبلغنا أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يعقوب حين سألوه أن يستغفر لهم (يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا - قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) قال: قال بعض أهل العلم: إنه أخَّر الاستغفار إلى السحر. قال: وذكر بعض أهل العلم أن الساعة التي تفتح فيها أبواب الجنة: السحر. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: السحر: هو السدس الأخير من الليل. وقوله (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) يقول تعالى ذكره: وفي أموال هؤلاء المحسنين الذين وصف صفتهم حقٌّ لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم. وبنحو الذي قلنا في معنى السائل، قال أهل التأويل، وهم في معنى المحروم مختلفون، فمن قائل: هو المحارَف الذي ليس له في الإسلام سهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس سألته عن السائل والمحروم، قال: السائل: الذي يسأل الناس، والمحروم: الذي ليس له في الإسلام سهم وهو محارَف. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس، قوله (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: المحروم: المحارف. حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، قال: السائل: السائل. والمحروم: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم. حدثنا سهل بن موسى، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، قال: المحروم: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم. حدثنا حُميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس في هذه الآية (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: السائل: الذي يسأل، والمحروم: المحارَف. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدّث عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، بنحوه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول: الله تبارك وتعالى: المحروم، قال: المحارف. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَالمَحْرُومِ) : هو الرجل المحارف الذي لا يكون له مال إلا ذهب، قضى الله له ذلك. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، قال: سألت ابن عباس عن قوله (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: السائل: الذي يسأل، والمحروم: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم. حدثني محمد بن عمرو المقدمي، قال: ثنا قريش بن أنس، عن سليمان، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: المحروم: المحارَف. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، قال في المحروم: هو المحارف الذي ليس له أحد يعطف عليه، أو يعطيه شيئا. حدثني ابن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال ثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي قلابة، قال: جاء سيل باليمامة، فذهب بمال رجل، فقال رجل من أصحاب النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: هذا المحروم. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: المحروم: المحارف. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: المحروم: المحارف. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن الوليد بن العيزار عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس أنه قال: المحروم: هو المحارف. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جُبير، عن المحروم، فلم يقل فيه شيئا، فقال عطاء: هو المحدود المحارف. ومن قائل: هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا. * ذكر من قال ذلك: حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشجّ، عن سعيد بن المسيب، أنه سُئل عن المحروم فقال: المحارف. (1) حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) هذان فقيرا أهل الإسلام، سائل يسأل في كفِّه، وفقير معتفِّف، ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: السائل: الذي يسأل، والمحروم: المتعفف الذي لا يسأل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: قال معمر، وحدثني الزهريّ، أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "لَيْسَ المِسْكينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمرةُ والتَّمْرَتان والأكْلَة والأكْلَتانِ، قالوا فمن المسكين يا رسول الله؟ قال: الَّذِي لا يَجِدُ غِنًى، وَلا يُعْلَمُ بِحاجَتِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَذلكَ المَحْرُومُ" . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: السائل الذي يسأل بكفه، والمحروم: المتعفف، ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم. وقائل: هو الذي لا سهم له في الغنيمة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد، إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعث سرية، فغنموا، فجاء قوم يشهدون الغنيمة، فنزلت هذه الآية: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ (1) هذا الأثر يناسب القول الأول، فلعله مؤخر من تقديم. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) . حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن سفيان، عن قيس بن مسلم الجدلي، عن الحسن بن محمد، قال: بعثت سرية فغنموا، ثم جاء قوم من بعدهم، قال: فنزلت (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) . حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أن أناسا قدموا على عليّ رضي الله عنه الكوفة بعد وقعة الجمل، فقال: اقسموا لهم، قال: هذا المحروم. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد أن قوما في زمان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أصابوا غنيمة، فجاء قوم بعد، فنزلت (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) . حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن إبراهيم، قال: المحروم: الذي لا فيء له في الإسلام، وهو محارف من الناس. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قوله (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: المحروم: الذي لا يجري عليه شيء من الفيء، وهو محارف من الناس. وقائل: هو الذي لا ينمى له مال. * ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، قال: سألت عكرِمة، عن السائل والمحروم؟ قال: السائل: الذي يسألك، والمحروم: الذي لا ينمى له مال. وقائل: هو الذي قد ذهب ثمره وزرعه. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: المحروم: المصاب ثمره وزرعه، وقرأ (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) . . حتى بلغ (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) وقال أصحاب الجنة: (إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) . حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، قال: قال زيد بن أسلم في قول الله (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال ليس ذلك بالزكاة، ولكن ذلك مما ينفقون من أموالهم بعد إخراج الزكاة، والمحروم: الذي يُصاب زرعه أو ثمره أو نسل ماشيته، فيكون له حقّ على من لم يصبه ذلك من المسلمين، كما قال لأصحاب الجنة حين أهلك جنتهم قالوا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) وقال أيضًا: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) . وكان الشعبي يقول في ذلك ما حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، قال: قال الشعبيّ: أعياني أن أعلم ما المحروم. والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ، كما قال جلّ ثناؤه (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) . القول في تأويل قوله تعالى: {وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) } يقول تعالى ذكره: وفي الأرض عبر وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) قال: يقول: معتبر لمن اعتبر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) إذا سار في أرض الله رأى عبرا وآيات عظاما. وقوله (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وفي سبيل الخلاء والبول في أنفسكم عِبرة لكم، ودليل لكم على ربكم، أفلا تبصرون إلى ذلك منكم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاريّ، قال: ثنا أبو أُسامة، عن ابن جُرَيح، عن ابن المرتفع، قال: سمعت ابن الزُّبير يقول: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) قال: سبيل الغائط والبول. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جُريج، عن محمد بن المرتفع، عن عبد الله بن الزُّبير (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) قال: سبيل الخلاء والبول. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفي تسوية الله تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالة لكم على أن خلقتم لعبادته. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) قال: وفينا آيات كثيرة، هذا السمع والبصر واللسان والقلب، لا يدري أحد ما هو أسود أو أحمر، وهذا الكلام الذي يتلجلج به، وهذا القلب أيّ شيء هو، إنما هو مضغة في جوفه، يجعل الله فيه العقل، أفيدري أحد ما ذاك العقل، وما صفته، وكيف هو. والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: وفي أنفسكم أيضا أيها الناس آيات وعِبر تدلُّكم على وحدانية صانعكم، وأنه لا إله لكم سواه، إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم (أَفَلا تُبْصِرُونَ) يقول: أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه، فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم. وقوله (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ) يقول تعالى ذكره: وفي السماء: المطر والثلج اللذان بهما تخرج الأرض رزقكم، وقوتكم من الطعام والثمار وغير ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا النضر، قال: ثنا جُوَيبر، عن الضحاك، في قوله (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ) قال: المطر. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) قال: الثلج، وكلّ عين ذائبة من الثلج لا تنقص. حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان، عن عبد الكريم، عن الحسن، قال: في السحاب فيه والله رزقكم، ولكنكم تحرمونه بخطاياكم وأعمالكم. قال أخبرنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، قال: أحسبه أو غيره "أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم سمع رجلا ومطروا، يقول: ومطرنا ببعض عثانين الأسد، فقال كَذَبْتَ، بَلْ هُوَ رِزقُ اللهِ" . حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) قال: رزقكم المطر. قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ) قال: رزقكم المطر. ![]()
__________________
|
#1275
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الذاريات الحلقة (1275) صــ 421 الى صــ 430 وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن عند الله الذي في السماء رزقكم، وممن تأوّله كذلك واصل الأحدب. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا هارون بن المُغيرة من أهل الرأي، عن سفيان الثوري، قال: قرأ واصل الأحدب هذه الآية (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) فقال: ألا إن رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض، فدخل خرِبة فمكث ثلاثا لا يصيب شيئا، فلما كان اليوم الثالث إذا هو بدوخلَّة رطب، وكان له أخ أحسن نية منه، فدخل معه، فصارتا دوخلَّتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرّق الموت بينهما. واختلف أهل التأويل في تأويل، قوله (وَمَا تُوعَدُونَ) فقال بعضهم: معنى ذلك: وما توعدون من خير، أو شرّ. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد (وَمَا تُوعَدُونَ) قال: وما توعدون من خير أو شرّ. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) يقول: الجنة في السماء، وما توعدون من خير أو شرّ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما توعدون من الجنة والنار. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا النضر، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، في قوله (وَمَا تُوعَدُونَ) قال: الجنة والنار. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، (وَمَا تُوعَدُونَ) من الجنة. وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي، القول الذي قاله مجاهد، لأن الله عمّ الخبر بقوله (وَمَا تُوعَدُونَ) عن كلّ ما وعدنا من خير أو شرّ، ولم يخصص بذلك بعضا دون بعض، فهو على عمومه كما عمه الله جلّ ثناؤه. القول في تأويل قوله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) } يقول تعالى ذكره مقسما لخلقه بنفسه: فوربّ السماء والأرض، إن الذي قلت لكم أيها الناس: إن في السماء رزقكم وما توعدون لحقّ، كما حقّ أنكم تنطقون. وقد حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، في قوله (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) قال: بلغني أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم بنفسه فلم يصدّقوه" وقال الفرّاء: للجمع بين "ما" و "إنّ" في هذا الموضع وجهان: أحدهما: أن يكون ذلك نظير جمع العرب بين الشيئين من الأسماء والأدوات، كقول الشاعر في الأسماء: مِنَ النَّفَرِ اللائِي الَّذِينَ إذَا هُمُ ... يَهابُ اللِّئامُ حَلْقَةَ الباب قَعْقَعُوا (1) (1) هذا البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 311) على أن العرب قد تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات إذا اختلف لفظهما، مثل اللائي والذين، فإنهما بمعنى واحد، وأحدهما يجزئ عن الآخر، كما في قوله تعالى "إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" فقد جمع بين "ما" و "أن" . وقد نقل المؤلف بقية كلام الفراء في توجيه ذلك الجمع بين اللفظين. واستشهد به النحويون على مثل ما استشهد به الفراء. وانظر تفصيل الكلام على البيت في خزانة الأدب الكبرى للبغدادي (2: 529 - 534) وقد نسب البيت لأبي الربيس الثعلبي. وروايته كما في شعره (في الخزانة 532) : من النفر البيض الذين إذا انتموا ... وهاب الرجال حلقة الباب فعقعوا يمدح عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو صاحب الناقة التي سرقها أبو الربيس ومدح صاحبها وروى الجاحظ في البيان والتبيين أن الأبيات التي منها بيت الشاهد قالها شاعر يمدح بها أسيلم بن الأحنف الأسدي، قال: وكان ذا بيان وأدب وعقل وجاه، وهو الذي يقول فيه الشاعر ... الأبيات. وقال الزبير بن بكار في أنساب قريش: إن أبا الربيس عباد بن طهفة الثعلبي قال لعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ... الأبيات وفيها البيت: من النفر الشم الذين إذا ابتدوا ... وهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا فجمع بين اللائي والذين، وأحدهما مجزئ من الآخر; وكقول الآخر في الأدوات: ما إنْ رأيْتُ وَلا سَمِعْتُ بِهِ ... كالْيَوْمِ طالِيَ أيْنُقٍ جُرْبِ (1) فجمع بين "ما" وبين "إن" ، وهما جحدان يجزئ أحدهما من الآخر. وأما الآخر: فهو لو أن ذلك أفرد بما، لكان خبرا عن أنه حقّ لا كذب، وليس ذلك المعنيّ به. وإنما أُريد به: أنه لحقّ كما حقّ أن الآدميّ ناطق. ألا يرى أن قولك: أحق منطقك، معناه: أحقّ هو أم كذب، وأن قولك أحق أنك تنطق معناه للاستثبات لا لغيره، فأدخلت "أن" ليفرّق بها بين المعنيين، قال: فهذا أعجب الوجهين إليّ. واختلفت القرّاء في قراءة قوله (مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة (مِثْلَ مَا) نصبا بمعنى: إنه لحقّ حقا يقينا كأنهم وجهوها إلى مذهب المصدر. وقد يجوز أن يكون نصبها من أجل أن العرب تنصبها إذا رفعت بها الاسم، فتقول: مثل من عبد الله، وعبد الله مثلك، وأنت مثلُه، ومثلَهُ رفعا (1) هذا البيت من كلام دريد بن الصمة فارس جشم، وكان جاء إلى عمرو بن الشريد السلمي يخطب إليه ابنته الخنساء، وكانت تهنأ بالقطران إبلا لأبيها، فلما رآها قال أبياتًا يصفها، ومنها: أخُناس قَدْ هامَ الفُؤَاد بكُمْ ... وأصَابَهُ تَبْلٌ مِنَ الْحبّ فلما أخبرها أبوها بما جاء له فارس جشم، رغبت عنه، لكبر سنه، ورغبت في بني أعمامها. انظر القصة في ترجمة الخنساء في الأغاني لأبي الفرج) والشاهد في هذا البيت كما قال الفراء في معاني القرآن: إن العرب قد تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات. إذا اختلف لفظهما، مثل جمع الشاعر بين "ما" و "إن" في هذا البيت، للتوكيد. وكما في قوله تعالى: "إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" . فما مصدريه، وكذلك إن حرف يؤول ما بعده مصدر، وكان في أحدهما غنية عن الآخر. ونصبا. وقد يجوز أن يكون نصبها على مذهب المصدر، إنه لحقّ كنطقكم. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة، وبعض أهل البصرة رفعا "مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ" على وحه النعت للحقّ. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، يخبره أنه محلّ بمن تمادى في غيه، وأصرّ على كفره، فلم يتب منه من كفار قومه، ما أحلّ بمن قبلهم من الأمم الخالية، ومذكرا قومه من قريش بإخباره إياهم أخبارهم وقصصهم، وما فعل بهم، هل أتاك يا محمد حديث ضيف إبراهيم خليل الرحمن المكرمين. يعني بقوله (الْمُكْرَمِينَ) أن إبراهيم عليه السلام وسارة خدماهم بأنفسهما. وقيل: إنما قيل (الْمُكْرَمِينَ) كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) قال: أكرمهم إبراهيم، وأمر أهله لهم بالعجل حينئذ. وقوله (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) يقول: حين دخل ضيف إبراهيم عليه، فقالوا له سلاما: أي أسلموا إسلاما، قال سلام. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة، قال (سَلامٌ) بالألف بمعنى قال: إبراهيم لهم سلام عليكم. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (سِلْمٌ) بغير ألف، بمعنى، قال: أنتم سلم. وقوله (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) يقول: قوم لا نعرفكم، ورفع "قوم منكرون" بإضمار أنتم. وقوله (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ) يقول: عدل إلى أهله ورجع. وكان الفرّاء يقول: الروغ وإن كان على هذا المعنى فإنه لا ينطق به حتى يكون صاحبه مخفيا ذهابه أو مجيئه، وقال: ألا ترى أنك تقول قد راغ أهل مكة وأنت تريد رجعوا أو صدروا، فلو أخفى راجع رجوعه حسنت فيه راغ ويروغ. وقوله (فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) يقول: فجاء ضيفَه بعجل سمين قد أنضجه شيًا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) قال: كان عامة مال نبيّ الله إبراهيم عليه السلام البقر. القول في تأويل قوله تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) } وقوله (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) ؟ وفي الكلام متروك استغني بدلالة الظاهر عليه منه وهو فقرّبه إليهم، فأمسكوا عن أكله، فقال: ألا تأكلون؟ فأوجس منهم، يقول: فأوجس في نفسه إبراهيم من ضيفه خيفة وأضمرها (قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) يعني: بإسحاق، وقال: عليم بمعنى عالم إذا كبر، وذكر الفراء أن بعض المشيخة كان يقول: إذا كان للعلم منتظرًا قيل: إنه لعالم عن قليل وغاية، وفي السيد سائد، والكريم كارم. قال: والذي قال حسن. قال: وهذا أيضا كلام عربيّ حسن قد قاله الله في عليم وحكيم وميت. ورُوي عن مجاهد في قوله (بِغُلامٍ عَلِيمٍ) ما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (بِغُلامٍ عَلِيمٍ) قال: إسماعيل. وإنما قلت: عنى به إسحاق، لأن البشارة كانت بالولد من سارّة، وإسماعيل لهاجَر لا لسارّة. قوله (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) يعنى: سارّة، وليس ذلك إقبال نقلة من موضع إلى موضع، ولا تحوّل من مكان إلى مكان، وإنما هو كقول القائل: أقبل يشتمني، بمعنى: أخذ في شتمي. وقوله (فِي صَرَّةٍ) يعني: قي صيحة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فِي صَرَّةٍ) يقول: في صيحة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا) يعني بالصرّة: الصيحة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فِي صَرَّةٍ) قال: صيحة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) : أي أقبلت في رنة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (صَرَّةٍ) قال: أقبلت ترنَ. (1) حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن العلاء بن عبد الكريم اليامي، عن ابن سابَط، قوله (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) قال: في صيحة. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) قال: الصرّة: الصيحة. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله (فِي صَرَّةٍ) يعني: صيحة. وقد قال بعضهم: إنَّ تلك الصيحة أوَّه مقصورة الألف. وقوله (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا) اختلف أهل التأويل في معنى صكها، والموضع الذي ضربته من وجهها، فقال بعضهم: معنى صكها: وجهها: لَطْمِها إياه. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا) يقول: لَطَمت. وقال آخرون: بل ضربت بيدها جبهتها تعجبا. * ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما بَشَّر جبريل سارةَ بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ضربت جبهتها عجبا، فذلك قوله (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا) . (1) الرنة: الصيحة الحزينة. ورنت ترن رنينًا، وأرانت: صاحت. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا) قال: جبهتها. حدثني ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن العلاء بن عبد الكريم الياميّ، عن ابن سابط، قوله (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا) قال: قالت هكذا; وضرب سفيان بيده على جبهته. قال: ثنا مهران; عن سفيان (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا) وضعت يدها على جبهتها تعجبا، والصكّ عند العرب: هو الضرب. وقد قيل: إن صكها وجهها، أن جمعت أصابعها، فضربت بها جبهتها (وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) يقول: وقالت: أتلد، وحذفت أتلد لدلالة الكلام عليه، وبضمير أتلد رفعت عجوز عقيم، وعني بالعقيم: التي لا تلد. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سليمان، أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن مشاش، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (عَجُوزٌ عَقِيمٌ) قال: لا تلد. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا رجل من أهل خراسان من الأزد، يكني أبا ساسان، قال: سألت الضحاك، عن قوله (عَقِيمٌ) قال: التي ليس لها ولد. القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) } القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) } يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ضيف إبراهيم لزوجته إذ قالت لهم، وقد بشروها بغلام عليم: أتلد عجوز عقيم (قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ) يقول: هكذا قال ربك: أي كما أخبرناك وقلنا لك (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) والهاء في قوله: (إِنَّهُ) من ذكر الرب، هو الحكيم في تدبيره خلقه، العليم بمصالحهم، وبما كان، وبما هو كائن. وقوله (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) يقول: قال إبراهيم لضيفه: فما شأنكم أيها المرسلون (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) قد أجرموا لكفرهم بالله. القول في تأويل قوله تعالى: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) } (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ) يقول: لنمطر عليهم من السماء حجارة من طين (مُسَوَّمَةً) يعني: معلمة. كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) قال: المسومة: الحجارة المختومة، يكون الحجر أبيض فيه نقطة سوداء، أو يكون الحجر أسود فيه نقطة بيضاء، فذلك تسويمها عند ربك يا إبراهيم للمسرفين، يعني للمتعدّين حدود الله، الكافرين به من قوم لوط (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يقول تعالى ذكره: فأخرجنا من كان في قرية سدوم، قرية قوم لوط من أهل الإيمان بالله وهم لوط وابنتاه، وكنى عن القرية بقوله (مَنْ كَانَ فِيهَا) ولم يجر لها ذلك قبل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ (37) } يقول تعالى ذكره: فما وجدنا في تلك القرية التي أخرجنا منها من كان فيها من المؤمنين غير بيت من المسلمين، وهو بيت لوط. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قال: لو كان فيها أكثر من ذلك لأنجاهم الله، ليعلموا أن الإيمان عند الله محفوظ لا ضيعة على أهله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قال: هؤلاء قوم لوط لم يجدوا فيها غير لوط. حدثني ابن عوف، قال: ثنا المعتمر، قال: ثنا صفوان، قال: ثنا أبو المثنى ومسلم أبو الحيل الأشجعيّ قال الله: (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لوطا وابنتيه، قال: فحلّ بهم العذاب، قال الله: (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ) وقوله: (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ) يقول: وتركنا في هذه القرية التي أخرجنا من كان فيها من المؤمنين آية، وقال جلّ ثناؤه: (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً) والمعنى: وتركناها آية لأنها التي ائتفكت بأهلها، فهي الآية، وذلك كقول القائل: ترى في هذا الشيء عبرة وآية; ومعناها: هذا الشيء آية وعبرة، كما قال جلّ ثناؤه (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) . وهم كانوا الآيات وفعلهم، ويعني بالآية: العظة والعبرة، للذين يخافون عذاب الله الأليم في الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) } يقول تعالى ذكره: وفي موسى بن عمران إذ أرسلناه إلى فرعون بحجة تبين لمن رآها أنها حجة لموسى على حقيقة ما يقول ويدعو إليه. ![]()
__________________
|
#1276
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الذاريات الحلقة (1276) صــ 431 الى صــ 440 كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) يقول: بعذر مبين. وقوله (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) يقول: فأدبر فرعون كما أرسلنا إليه موسى بقومه من جنده وأصحابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) يقول لقومه، أو بقومه، أنا أشكّ. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) قال: بعضده وأصحابه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) غلب عدوّ الله على قومه. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله تبارك وتعالى (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) قال: بجموعه التي معه، وقرأ (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) قال: إلى قوة من الناس إلى ركن أجاهدكم به; قال: وفرعون وجنوده ومن معه ركنه; قال: وما كان مع لوط مؤمن واحد; قال: وعرض عليهم أن يُنكحهم بناته رجاء أن يكون له منهم عضد يعينه، أو يدفع عنه، وقرأ (هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) قال: يريد النكاح، فأبوا عليه، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) . أصل الركن: الجانب والناحية التي يعتمد عليها ويقوى بها. وقوله (وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) يقول: وقال لموسى: هو ساحر يسحر عيون الناس، أو مجنون، به جنة. وكان معمر بن المثنى يقول: "أو" في هذا الموضع بمعنى الواو التي للموالاة، لأنهم قد قالوهما جميعا له، وأنشد في ذلك بيت جرير الخطفي: أثَعْلَبَة الفَوَارِس أوْ رِيَاحا ... عَدَلَتْ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشابا (1) القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) } يقول تعالى ذكره: فأخذنا فرعون وجنوده بالغضب منا والأسف (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) يقول فألقيناهم في البحر، فغرقناهم فيه (وَهُوَ مُلِيمٌ) يقول: وفرعون مليم، والمليم: هو الذي قد أتى مَا يُلام عليه من الفعل. وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) : أي مليم في نعمة الله. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) قال: مليم في عباد الله. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله (فأخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُ) . القول في تأويل قوله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) } (1) البيت لجرير بن الخطفي. من قصيدة له يهجو بها الراعي النميري (ديوانه طبعة الصاوي 66) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 227 - 1) عند قوله تعالى: (وقالوا ساحر أو مجنون) : أو هاهنا في موضع الواو التي للموالاة (العطف) لأنه قد قالوهما جميعا له قال جرير: "أثعلبة ... البيت" طهية كسمية: حي من تميم نسبوا إلى أمهم. والخشاب: بنو رزام بن مالك، وربيعة وكعب بن مالك، وحنظلة. يقول تعالى ذكره (وَفِي عَادٍ) أيضا، وما فعلنا بهم لهم آية وعبرة (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) يعني بالريح العقيم: التي لا تلقح الشجر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: الريح العقيم: الريح الشديدة التي لا تُلْقح شيئا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: لا تلقح الشجر، ولا تثير السحاب. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، هذا الريح العقيم، قال: ليس فيها رحمة ولا نبات، ولا تلقح نباتا. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سليمان أبو داود، قال: أخبرنا شعبة، عن شاس، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: لا تلقح. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا شيخ من أهل خراسان من الأزد، ويكنى أبا ساسان، قال: سألت الضحاك بن مزاحم، عن قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: الريح التي ليس فيها بركة ولا تلقح الشجر. حدثنا محمد بن عبد الله الهلاليّ، قال: ثنا أبو عليّ الحنفيّ، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) الجنوب. حدثنا أحمد بن الفرج، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن يقول: العقيم: يعني: الجنوب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) إن من الريح عقيما وعذابا حين ترسل لا تلقح شيئا، ومن الريح رحمة يثير الله تبارك وتعالى بها السحاب، وينزل بها الغيث. وذُكر لنا أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: "نُصِرْتُ بالصبَا وأُهْلكَتْ عادٌ بالدَّبُور" . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس، بمثله. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: الريح التي لا تنبت. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) : التي لا تلقح شيئا. حدثني ابن حمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) : التي لا تنبت شيئا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: إن الله تبارك وتعالى يُرسل الريح بُشرا بين يدي رحمته، فيحيي به الأصل والشجر، وهذه لا تلقح ولا تحيى، هي عقيم ليس فيها من الخير شيء، إنما هي عذاب لا تلقح شيئا، وهذه تلقح، وقرأ (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) . وقوله: (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) والرميم في كلام العرب: ما يبس من نبات الأرض وديس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) قال: كالشيء الهالك. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (كَالرَّمِيمِ) قال: كالشيء الهالك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (كَالرَّمِيمِ) : رميم الشجر. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) قال: كرميم الشجر. القول في تأويل قوله تعالى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) } يقول تعالى ذكره: وفي ثمود أيضا لهم عبرة ومتعظ، إذ قال لهم ربهم، يقول: فتكبروا عن أمر ربهم وعلوا استكبارا عن طاعة الله. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَعَتَوْا) قال: علوا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) قال: العاتي: العاصي التارك لأمر الله. وقوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) يقول تعالى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب فجأة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) وهم ينتظرون، وذلك أن ثمود وعدت العذاب قبل نزوله بهم بثلاثة أيام وجعل لنزوله عليهم علامات في تلك الثلاثة، فظهرت العلامات التي جعلت لهم الدالة على نزولها في تلك الأيام، فأصبحوا في اليوم الرابع موقنين بأن العذاب بهم نازل، ينتظرون حلوله بهم. وقرأت قراء الأمصار خلا الكسائي (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) بالألف. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ ذلك (فأَخَذَتْهُمُ الصَّعْقَةُ) بغير ألف. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ، عن عمرو بن ميمون الأودي، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ (فأَخَذَتْهُمُ الصَّعْقَةُ) ، وكذلك قرأ الكسائيّ: وبالألف نقرأ الصاعقة لإجماع الحجة من القرّاء عليها. القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) } يقول تعالى ذكره: فما استطاعوا من دفاع لما نزل بهم من عذاب الله، ولا قدروا على نهوض به. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ) يقول: ما استطاع القوم نهوضا لعقوبة الله تبارك وتعالى. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ) قال: من نهوض. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى قوله (فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ) : فما قاموا بها، قال: لو كانت فما استطاعوا من إقامة، لكان صوابا، وطرح الألف منها كقوله (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا) . وقوله (وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ) يقول: وما كانوا قادرين على أن يستقيدوا ممن أحل بهم العقوبة التي حلت بهم. وكان قتادة يقول في تأويل ذلك: ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ) قال: ما كانت عندهم من قوة يمتنعون بها من الله عزّ وجلّ. وقوله (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَقَوْمَ نُوحٍ) نصبا. ولنصب ذلك وجوه: أحدها: أن يكون القوم عطفا على الهاء والميم في قوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) إذ كان كلّ عذاب مهلك تسميه العرب صاعقة، فيكون معنى الكلام حينئذ: فأخذتهم الصاعقة وأخذت قوم نوح من قبل. والثاني: أن يكون منصوبا بمعنى الكلام، إذ كان فيما مضى من أخبار الأمم قبل دلالة على المراد من الكلام، وأن معناه: أهلكنا هذه الأمم، وأهلكنا قوم نوح من قبل. والثالث: أن يضمر له فعلا ناصبًا، فيكون معنى الكلام: واذكر لهم قوم نوح، كما قال (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) ونحو ذلك، بمعنى أخبرهم واذكر لهم. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة (وَقَوْمِ نُوحٍ) بخفض القوم على معنى: وفي قوم نوح عطفا بالقوم على موسى في قوله (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ) . والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وتأويل ذلك في قراءة من قرأه خفضا وفي قوم نوح لهم أيضا عبرة، إذ أهلكناهم من قبل ثمود لما كذّبوا رسولنا نوحا (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) يقول: إنهم كانوا مخالفين أمر الله، خارجين عن طاعته. القول في تأويل قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) } يقول تعالى ذكره: والسماء رفعناها سقفا بقوة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) يقول: بقوة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (بِأَيْدٍ) قال: بقوة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) : أي بقوّة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور أنه قال في هذه الآية (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) قال: بقوة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) قال: بقوة. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) قال: بقوة. وقوله (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) يقول: لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه. ومنه قوله (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) [البقرة: 236] يراد به القويّ. وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) قال: أوسعها جلّ جلاله. وقوله (وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا) يقول تعالى ذكره: والأرض جعلناها فراشا للخلق (فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) يقول: فنعم الماهدون لهم نحن. القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) } يقول تعالى ذكره: وخلقنا من كل شيء خلقنا زوجين، وترك (خَلَقْنا) الأولى استغناء بدلالة الكلام عليها. واختلف في معنى (خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) فقال بعضهم: عنى به: ومن كلّ شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة والهدى والضلالة، ونحو ذلك. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال مجاهد، في قوله (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال: الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجنّ. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاريُّ، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال: الشمس والقمر. وقال آخرون: عنى بالزوجين: الذكر والأنثى. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال: ذكرًا وأنثى، ذاك الزوجان، وقرأ (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) . قال: امرأته. وأولى القولين في ذلك قول مجاهد، وهو أن الله تبارك وتعالى، خلق لكلّ ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه، فكلّ واحد منهما زوج للآخر، ولذلك قيل: خلقنا زوجين. وإنما نبه جلّ ثناؤه بذلك من قوله على قُدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء، وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه، إذ كلّ ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين، ولا تصلح للتبريد، وكالثلج الذي شأنه التبريد، ولا يصلح للتسخين، فلا يجوز أن يوصف بالكمال، وإنما كمال المدح للقادر على فعل كلّ ما شاء فعله من الأشياء المختلفة والمتفقة. وقوله (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يقول: لتذكروا وتعتبروا بذلك، فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه، وابتداع زوجين من كلّ شيء لا ما لا يقدر على ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) } يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ) يقول: إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه، وأخوّفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم الذي قصّ عليكم قصصهم، والذي هو مذيقهم في الآخرة. وقوله (مُبِينٌ) يقول: يبين لكم نذارته. وقوله (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) يقول جل ثناؤه: ولا تجعلوا أيها الناس مع معبودكم الذي خلقكم معبودًا آخر سواه، فإنه لا معبود تصلح له العبادة غيره (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) يقول: إني لكم أيها الناس نذير من عقابه على عبادتكم إلها غيره، مبين قد أبان لكم النذارة. القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) } يقول تعالى ذكره: كما كذبت قريش نبيها محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقالت: هو شاعر، أو ساحر أو مجنون، كذلك فعلت الأمم المكذّبة رسلها، الذين أحلّ الله بهم نقمته، كقوم نوح وعاد وثمود، وفرعون وقومه، ما أتى هؤلاء القوم الذين ذكرناهم من قبلهم، يعني من قبل قريش قوم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من رسول إلا قالوا: ساحر أو مجنون، كما قالت قريش لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. ![]()
__________________
|
#1277
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الطور الحلقة (1277) صــ 441 الى صــ 450 وقوله (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) يقول تعالى ذكره: أأوصى هؤلاء المكذّبين من قريش محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على ما جاءهم به من الحق أوائلهم وآباؤهم الماضون من قبلهم، بتكذيب محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقبلوا ذلك عنهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) قال: أوصى أولاهم أخراهم بالتكذيب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أَتَوَاصَوْا بِهِ) : أي كان الأوّل قد أوصى الآخر بالتكذيب. وقوله (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) يقول تعالى ذكره: ما أوصى هؤلاء المشركون آخرهم بذلك، ولكنهم قوم متعدّون طغاة عن أمر ربهم، لا يأتمرون لأمره، ولا ينتهون عما نهاهم عنه. القول في تأويل قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فتولّ يا محمد عن هؤلاء المشركين بالله من قريش، يقول: فأعرض عنهم حتى يأتيك فيهم أمر الله، يقال: ولى فلان عن فلان: إذا أعرض عنه وتركه، كما قال حصين بن ضمضم: أمَّا بَنُو عبس فإنَّ هَجِينَهُمْ ... وَلَّى فَوَارِسهُ وَأفْلَتَ أَعْوَرا (1) والأعور في هذا الوضع: الذي عور فلم تقض حاجته، ولم يصب ما طلب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) قال: فأعرض عنهم. وقوله (فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) يقول جلّ ثناؤه: فما أنت يا محمد بملوم، لا يلومك ربك على تفريط كان منك في الإنذار، فقد أنذرت، وبلغت ما أرسلت به. (1) البيت لحصين بن ضمضم. قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 227 ب) قال عند قوله تعالى: (فتول عنهم) أي أعرض عنهم واتركهم. قال حصين بن ضمضم: "أما بنو عبس ... البيت" . والأعور: الذي عور فلم يقض حاجته، ولم يصب ما طلب، وليس هو من عور العين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) قال: محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد. في قوله (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) قال: قد بلغت ما أرسلناك به، فلست بملوم، قال: وكيف يلومه، وقد أدّى ما أمر به. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) ذُكر لنا أنها لما نزلت هذه الآية، اشتدّ على أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ورأوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) . حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن مجاهد، قال: خرج عليّ معتجرًا ببرد، مشتملا بخميصة، فقال لما نزلت (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) أحزننا ذلك وقلنا: أمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يتولى عنا حتى نزل (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) . وقوله (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) يقول: وعظ يا محمد من أرسلت إليه، فإن العظة تنفع أهل الإيمان بالله. كما حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) قال: وعظهم. القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) فقال بعضهم: معنى ذلك: وما خلقت السُّعداء من الجنّ والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم لمعصيتي. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن زيد بن أسلم (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) قال: ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جُرَيج، عن زيد بن أسلم بنحوه. حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن جُرَيج، عن زيد بن أسلم، بمثله. حدثنا حُمَيد بن الربيع الخراز، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا ابن جُرَيج، عن زيد بن أسلم، في قوله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) قال: جَبَلَهم على الشقاء والسعادة. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) قال: من خلق للعبادة. وقال آخرون: بل معنى ذلك. وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليذعنوا لي بالعبودة. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) : إلا ليقروا بالعبودة طوعا وكَرها. وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرنا عن ابن عباس، وهو: ما خلقت الجنّ والإنس إلا لعبادتنا، والتذلل لأمرنا. فإن قال قائل: فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره؟ قيل: إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم، لأن قضاءه جار عليهم، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم، وإنما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه. وقوله (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) يقول تعالى ذكره: ما أريد ممن خلقت من الجنّ والإنس من رزق يرزقونه خلقي (وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) يقول: وما أريد منهم من قوت أن يقوتوهم، ومن طعام أن يطعموهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) قال: يطعمون أنفسهم. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59) } يقول تعالى ذكره: إن الله هو الرزّاق خلقه، المتكفل بأقواتهم، ذو القوّة المتين. اختلفت القرّاء في قراءة قوله (المَتِين) ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا يحيى بن وثاب والأعمش: (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) رفعا، بمعنى: ذو القوّة الشديد، فجعلوا المتين من نعت ذي، ووجهوه إلى وصف الله به. وقرأه يحيى والأعمش (المَتِين) خفضا، فجعلاه من نعت القوّة، وإنما استجاز خفض ذلك من قرأه بالخفض، ويصيره من نعت القوّة، والقوّة مؤنثة، والمتين في لفظ مذكر، لأنه ذهب بالقوّة من قوي الحبل (1) والشيء المبرم: الفتل، فكأنه قال على هذا المذهب: ذو الحبل القوي. وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده: لكُلّ دَهْرٍ قَدْ لَبِسْتُ أثْؤُبَا ... مِنْ رَبْطَةٍ واليُمْنَةَ المُعصَّبا (2) فجعل المعصب نعت اليمنة، وهي مؤنثة في اللفظ، لأن اليمنة ضرب وصنف من الثياب، فذهب بها إليه. والصواب من القراءة في ذلك عندنا (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) رفعا على أنه من صفة الله جلّ ثناؤه، لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأنه لو كان من نعت القوّة لكان التأنيث به أولى، وإن كان للتذكير وجه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (1) الذي في الفراء لأنه ذهب بالقوة إلى الحبل الخ. (2) البيت في (اللسان: ثوب) ونسبه إلى معروف بن عبد الرحمن. قال: والثوب: اللباس واحد الأثواب والثياب، والجمع: أثوب. وبعض العرب يهمزه، فيقول: أثؤب، لاستثقال الضمة على الواو، والهمزة أقوى على احتمالها منها. قال معروف ابن عبد الرحمن: لِكُل دَهْر قَدْ لَبِسْتُ أثْؤُبَا ... حتى اكْتَسَى الرأسُ قنِاعا أشْيَبا * أمْلَحَ لا لَذًّا وَلا مُحَبَّبَا * ولم يذكر البيت الثاني من شاهد المؤلف * من ريطة واليمنة المعصبة * وفي اللسان: الريطة الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ولم تكن لفتين أو هي كل ثواب لين دقيق، قال الأزهري ولا تكون الريطة إلا بيضاء. واليمنية بضم الياء وسكون الميم واليمنية بالتحريك: ضرب من برود اليمن قال: "واليمنة المعصبا" . والبيت من شواهد الفراء في (معاني القرآن الورقة 313) قال عند قوله تعالى: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) قال: قرأ يحيى بن وثاب "المتين" بالخفض، جعله من نعت القوة، وإن كانت أنثى في اللفظ، فإنه ذهب إلى الحبل، وإلى الشيء المفتول. أنشدني بعض العرب: "لكل دهر" ... البيتين. فجعل المعصب نعتا لليمنة، وهي مؤنثة في اللفظ، لأن اليمنة ضرب وصنف من الثياب الوشي، فذهب إليه. وقرأ الناس: "المتين" رافع، من صفة الله. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) يقول: الشديد. وقوله (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) يقول تعالى ذكره: فإن للذين أشركوا بالله من قريش وغيرهم ذنوبا، وهي الدلو العظيمة، وهو السجل أيضا إذا مُلئت أو قاربت الملء، وإنما أريد بالذنوب في هذا الموضع: الحظّ والنصيب; ومنه قول علقمة بن عبدة: وفي كُلّ قَوْمٍ قَدْ خَبَطْتَ بنعمَة ... فَحُقَّ لِشَأس مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ (1) أي نصيب، وأصله ما ذكرت; ومنه قول الراجز: لَنَا ذَنُوبٌ ولَكُمْ ذَنُوبُ ... فإن أبَيَتُمْ فَلَنَا الْقَلِيبُ (2) ومعنى الكلام: فإن للذين ظلموا من عذاب الله نصيبا وحظا نازلا بهم، مثل نصيب أصحابهم الذين مضوا من قبلهم من الأمم، على منهاجهم من العذاب، فلا يستعجلون به. (1) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 227) قال عند قوله تعالى (فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم) أي نصيبا. قال علقمة بن عبدة "وفي كل قوم قد خبطت بنائل" ... البيت. وهو من قصيدة مطولة يمدح بها الحارث بن أبي شمر الغساني، وكان أسر أخاه شأسا. فرحل يطلب فكه. وقيل مدح بها جبلة بن الأيهم أو عمرو بن الحارث الأعرج (انظر مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 418، 423) وقوله "كل قوم" يروى: كل يوم، وكل حي. وبنعمة: يروى: بنائل. وأصل الذنوب: الدلو. والمراد: حظ ونصيب. قال أبو عبيدة: وإنما أصلها من الدلو، والذنوب والسجل واحد، وهو مثل الدلو وأقل قليلا. (2) الذنوب: السجل، وهو أقل من الدلو. والمراد به هنا، النصيب والحظ والقليب: البئر. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 313) عند قوله تعالى (فإن للذين ظلموا ذنوبا) : الذنوب في كلام العرب: الدلو العظيمة، ولكن العرب تذهب بها إلى النصيب والحظ. وبذلك أتى التفسير: فإن الذين ظلموا حظا من العذاب، كما نزل بالذين من قبلهم. وقال الشاعر: "لنا ذنوب ..." البيتين. والذنوب تذكر وتؤنث. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا) يقول: دلوا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ) قال: يقول للذين ظلموا عذابا مثل عذاب أصحابهم فلا يستعجلون. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير (ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ) فلا يستعجلون: سجلا من العذاب. قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا شهاب بن سُريعة، عن الحسن، في قوله (ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ) قال: دلوا مثل دلو أصحابهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (ذَنُوبا) قال: سجلا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا) : سجلا من عذاب الله. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثني محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ) قال: عذابا مثل عذاب أصحابهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ) قال: يقول ذنوبا من العذاب، قال: يقول لهم سجل من عذاب الله، وقد فعل هذا بأصحابهم من قبلهم، فلهم عذاب مثل عذاب أصحابهم فلا يستعجلون. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ) قال: طَرَفا من العذاب. القول في تأويل قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) } يقول تعالى ذكره: فالوادي السائل في جهنم من قيح وصديد للذين كفروا بالله وجحدوا وحدانيته من يومهم الذي يوعدون فيه نزول عذاب الله إذا نزل بهم ماذا يلقون فيه من البلاء والجهد. آخر تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) } يعني تعالى ذكره بقوله: (والطور) : والجبل الذي يُدعى الطور. وقد بيَّنت معنى الطور بشواهده، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فيما مضى بما أغْنى عن إعادته في هذا الموضع وقد حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى: (والطور) قال الجبل بالسُّريانية. وقوله: (وكتاب مسطور) يقول: وكتاب مكتوب; ومنه قول رُؤْبة: إني وآياتٍ سُطِرْنَ سَطْرًا (1) (1) البيت من مشطور الرجز، وبعده بيت يكمله (اللسان: سطر) وهو قوله: * لقائل يا نصر نصر نصرا * ولم ينسبهما في اللسان. وقال العيني في فرائد القلائد، (شرح مختصر الشواهد) في شواهد عطف البيان: "عزاه سيبويه" إلى رؤبة. وقال الصاغاني: "وليس له" أ. هـ. قلت ومحل الشاهد قوله: "سطرن سطرا" أي خططن وكتبن. أقسم بالسطور التي خطت وكتبت. ولعله يريد سطور القرآن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ![]()
__________________
|
#1278
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الطور الحلقة (1278) صــ 451 الى صــ 460 * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) قال: صحف. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) والمسطور: المكتوب. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (مَسْطُورٍ) قال: مكتوب. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مَسْطُور) قال: مكتوب. وقوله: (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) يقول: في ورق منشور. وقوله: "في" من صلة مسطور، ومعنى الكلام: وكتاب سطر، وكُتب في ورق منشور. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) وهو الكتاب. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، (فِي رَقٍّ) قال: الرقّ: الصحيفة. وقوله: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) يقول: والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته وهو بيت فيما ذُكر في السماء بحيال الكعبة من الأرض، يدخله كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة، ثم لا يعودون فيه أبدا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، رجل من قومه قال: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: "رفِعَ إليَّ البَيْتُ المَعْمُورُ، فَقُلْتُ: يا جبريلُ ما هَذَا؟ قال: البَيْتُ المَعْمُورُ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إذَا خَرَجوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرَ ما عَلَيْهِمْ" . حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا شعبة، عن قتاده، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رجل من قومه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب، عن خالد بن عُرعُرة، أن رجلا قال لعليّ رضي الله عنه: ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء يقال له الضراح، وهو بحيال الكعبة، من فوقها حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة، ولا يعودون فيه أبدا. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد بن عرعرة، قال: سمعت عليا رضي الله عنه، وخرج إلى الرحبة، فقال له ابن الكوّاء أو غيره: ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء السادسة يقال له الضراح، يدخله كل يوم سبعون ألف مَلَك لا يعودون فيه أبدا. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن عاصم، عن عليّ بن ربيعة، قال: سأل ابن الكوّاء عليا، رضي الله عنه عن البيت المعمور، قال: مسجد في السماء يقال له الضراح، يدخله كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة، لا يرجعون فيه أبدا. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن عبيد المكتب، عن أبي الطفيل، قال: سأل ابن الكوّاء عليًا عن البيت المعمور، قال: بيت بحيال البيت العتيق في السماء يدخله كلّ يوم سبعون ألف مَلك على رسم راياتهم، يقال له الضراح، يدخله كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يرجعون فيه أبدا. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا بهرام، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، عن عليّ رضي الله عنه، قال: سأله رجل عن البيت المعمور، قال: بيت في السماء يقال له الضريح قصد البيت، يدخله كلّ يوم سبعون ألف مَلَك، ثم لا يعودون فيه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) قال: هو بيت حذاء العرش تعمره الملائكة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه. حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبُّويه، قال: ثنا عليّ بن الحسن، قال: ثنا حسين، قال: سُئل عكرمة وأنا جالس عنده عن البيت المعمور، قال: بيت في السماء بحيال الكعبة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) قال: بيت في السماء يقال له الضراح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (والبيت المعمور) ذكر لما أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه: "هَلْ تَدْرُونَ مَا البَيْتُ المَعْمُورُ" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنَّهُ مَسْجِدٌ في السَّماء تَحْتَهُ الكَعْبَة لَوْ خَرّ لَخَرّ عَلَيها، أَوْ عَلَيْه، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَك إذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخرَ مَا عَلَيهِمْ" . حدُثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) يزعمون أنه يروح إليه كلّ يوم سبعون ألف مَلك من قبيلة إبليس، يقال لهم الجنّ. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) قال: بيت الله الذي في السماء. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ بَيْتَ الله في السماء لَيَدخلُهُ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْ شَمْسُه سَبْعُونَ ألْفَ مَلَك، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ أبَدًا بَعْدَ ذَلِك" . حدثنا محمد بن مرزوق، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "البَيْتُ المَعْمُورُ في السَّماءِ السَّابِعَة يَدخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَك، ثُمَّ لا يَعُودُون إِلَيهِ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" . حدثنا محمد بن سِنان القَزّاز، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا سليمان عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمّا عَرَجَ بِي المَلَكُ إلَى السَّماء السَّابِعَة انْتَهَيْتُ إلَى بِنَاء فَقُلْتُ للْمَلَك: ما هَذَا؟ قال: هذا بِنَاء بَنَاه اللهُ للمَلائكَةِ يَدخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَك، يُقَدِّسُونَ اللهَ ويُسَبِّحُونَهُ، لا يَعُودُونَ فِيه" . وقوله: (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) يعني بالسقف في هذا الموضع: السماء، وجعلها سقفا، لأنها سماء للأرض، كسماء البيت الذي هو سقفه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، أن رجلا قال لعليّ رضي الله عنه: ما السقف المرفوع؟ قال: السماء. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك، عن خالد بن عُرْعرة، عن عليّ، قال: السقف المرفوع: السماء. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عُرْعرة، عن عليّ رضي الله عنه قال: سأله رجل عن السقف المرفوع، فقال: السماء. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد بن عُرْعرة، قال: سمعت عليًّا يقول: والسقف المرفوع: هو السماء، قال: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (السقف المرفوع) : قال: السماء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (والسقف المرفوع) سقف السماء. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) : سقف السماء. وقوله: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) اختلف أهل التأويل في معنى البحر المسجور، فقال بعضهم: الموقد. وتأويل ذلك: والبحر الموقد المحميّ. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عليّ رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم؟ فقال: البحر، فقال: ما أراه إلا صادقا، (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) مخففة. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حُميد، عن شمر بن عطية، في قوله: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال: بمنزلة التنُّور المسجور. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث. قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال: الموقد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال: الموقد، وقرأ قول الله تعالى: (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) قال: أوقدت. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإذا البحار مُلئت، وقال: المسجور: المملوء. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) الممتلئ. وقال آخرون: بل المسجور: الذي قد ذهب ماؤه. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال: سجره حين يذهب ماؤه ويفجر. وقال آخرون: المسجور: المحبوس. * ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) يقول: المحبوس. وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: والبحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض، وذلك أن الأغلب من معاني السجر: الإيقاد، كما يقال: سجرت التنور، بمعنى: أوقدت، أو الامتلاء على ما وصفت، كما قال لبيد: فتوسطا عُرْضَ السَّريِّ وصدعا ... مسجورةً متجاورًا قُلامُها (1) وكما قال النمر بن تولب العكلي: إذَا شاءَ طالَعَ مَسْجورةً ... تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ والسَّاسمّا سَقَتْها رَوَاعِدُ مِنْ صَيّفٍ ... وَإنْ مِنْ خَريفٍ فَلَنْ يَعدمَا (2) فإذا كان ذلك الأغلب من معاني السَّجْر، وكان البحر غير مُوقَد اليوم، وكان الله تعالى ذكره قد وصفه بأنه مسجور، فبطل عنه إحدى الصفتين، وهو الإيقاد صحّت الصفة الأخرى التي هي له اليوم، وهو الامتلاء، لأنه كلّ وقت ممتلئ. وقيل: إن هذا البحر المسجور الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالى بحر في السماء تحت العرش. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عن عليّ (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال: بحر في السماء تحت العرش.0 (1) البيت للبيد من معلقته المشهورة. وقد مر الاستشهاد به عند قوله تعالى في سورة مريم "قد جعل ربك تحتك سريا" (16: 71) فراجعه ثمة. (2) البيتان للنمر بن تولب العكلي، كما في خزانة الأدب الكبرى للبغدادي (4: 434 - 42) وهما من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 228 ب) عند قوله تعالى "والبحر المسجور" . والشاعر يصف وعلا. وقوله مسجورة: يريد عينا كثيرة الماء، أي مملوءة. والنبع: شجر يتخذ منه القسي. والساسم: قيل هو الآبنوس. وقيل شجر يشبهه، ومنابتهما أعالي الجبال. سقتها: أي العين. والرواعد: جمع راعدة، وهي السحابة الماطرة، وفيها صوت الرعد غالبا. والصيف بتشديد الياء المكسورة: المطر الذي يجيء في الصيف، والخريف الفصل بين الصيف والشتاء، يريد مطر الخريف. يريد الشاعر أن هذا الوعل يشرب من هذه العين المسجورة المملوءة إما من مطر الصيف وإما من مطر الخريف، فهو لن يعدم الماء على كل حال. والشاهد في قوله مسجورة: أي مملوءة. قال: ثنا مهران، قال: وسمعته أنا من إسماعيل، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال: بحر تحت العرش. ![]()
__________________
|
#1279
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الطور الحلقة (1279) صــ 461 الى صــ 470 حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال: بحر تحت العرش. وقوله: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) يا محمد، لكائن حالّ بالكافرين به يوم القيامة. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) وقع القسم ها هنا (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) وذلك يوم القيامة. وقوله: (مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) يقول: ما لذلك العذاب الواقع بالكافرين من دافع يدفعه عنهم، فينقذهم منه إذا وقع. القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) } يقول تعالى ذكره: إن عذاب ربك لواقع (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) فيوم من صلة واقع، ويعني بقوله: تمور: تدور وتكفأ. وكان معمر بن المثنى يُنشد بيت الأعشى: كأنَّ مشْيتَها مِنْ بَيْتِ جارَتها ... مَوْرُ السَّحابَة لا رَيْثٌ ولا عَجًلُ (1) فالمور على روايته: التكفي والترهيل في المشية، وأما غيره فإنه كان يرويه (1) هذا البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبعة القاهرة 55) وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 228 ب) والرواية فيه: مور السحابة في موضع "مر السحابة" في رواية الديوان. وقد أنشده شاهدًا على قوله تعالى: (يوم تمور السماء مورًا) أي تكفأ، وهو أن ترهيأ في مشيتها، أي ترهيأ كما ترهيأ النخلة العيدانة. وقال في (اللسان: رهأ) الرهيأة: الضعف والعجز والتواني، والمراة ترهيأ في مشيتها أي تكفأ كما ترهيأ النخلة العيدانة أ. هـ. مرّ السحابة. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا فيه. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) قال: يقول: تحريكا. حدثنا ابن المثنى وعمرو بن مالك، قالا حدثنا أبو معاوية الضرير، عن سفيان بن عُيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) قال: تدور السماء دورا. حدثنا الحسن بن عليّ الصدائي، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان بن عيينة قال: أخبروني عن معاوية الضرير، عني، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) قال: تدور دورا. حدثنا هارون بن حاتم المقري، قال: ثنا سفيان بن عيينة، قال: ثني أبو معاوية، عني، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) قال: تدور دورا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) مورها: تحريكها. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) يعني: استدارتها وتحريكها لأمر الله، وموج بعضها في بعض. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال الضحاك (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) قال: تموج بعضها في بعض، وتحريكها لأمر الله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) قال: هذا يوم القيامة، وأما المور: فلا علم لنا به. وقال آخرون: مورها: تشققها. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) قال: يوم تشقَّق السماء. وقوله: (وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) يقول: وتسير الجبال عن أماكنها من الأرض سيرا، فتصير هباء منبثا. القول في تأويل قوله تعالى: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) } يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من قيح وصديد في جهنم، يوم تمور السماء مورا، وذلك يوم القيامة للمكذّبين بوقوع عذاب الله للكافرين، يوم تمور السماء مورا. وكان بعض نحويّي البصرة يقول: أدخلت الفاء في قوله: (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ) لأنه في معنى إذا كان كذا وكذا، فأشبه المجازاة، لأن المجازاة يكون خبرها بالفاء. وقال بعض نحويّي الكوفة: الأوقات تكون كلها جزاء مع الاستقبال، فهذا من ذاك، لأنهم قد شبهوا "إن" وهي أصل الجزاء بحين، وقال: إن مع يوم إضمار فعل، وإن كان التأويل جزاء، لأن الإعراب يأخذ ظاهر الكلام، وإن كان المعنى جزاء. وقوله: (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) يقول: الذين هم في فتنة واختلاط في الدنيا يلعبون، غافلين عما هم صائرون إليه من عذاب الله في الآخرة. وقوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) يقول تعالى ذكره: فويل للمكذبين يوم يُدَعُّونَ. وقوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ) ترجمة عن قوله: (يَوْمَئِذٍ) وإبدال منه. وعنى بقوله: (يُدَعُّونَ) يدفعون بإرهاق وإزعاج، يقال منه: دعَعْت في قفاه: إذا دفعت فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) قال: يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) يقول: يدفعون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) قال: يدفعون فيها دفعا. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) يقول: يدفعون إلى نار جهنم دفعا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن أبن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ) قال: يدفعون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) قال: يزعجون إليها إزعاجا. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بنحوه. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) الدعّ: الدفع والإرهاق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) قال: يدفعون دفعا، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) قال: يدفعه، ويغلظ عليه. وقوله: (هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذه النار التي كنتم بها في الدنيا تكذّبون، فتجحدون أن تردوها، وتصلوها، أو يعاقبكم بها ربكم وترك ذكر يُقال لهم، اجتزاء بدلالة الكلام عليه. القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) } يقول تعالى ذكره مخبرا عما يقول لهؤلاء المكذبين الذين وصف صفتهم إذا وردوا جهنم يوم القيامة: أفسحر أيها القوم هذا الذي وردتموه الآن أم أنتم لا تعاينونه ولا تبصرونه؟ وقيل هذا لهم توبيخا لا استفهاما. وقوله: (اصْلَوْها) يقول: ذوقوا حرّ هذه النار التي كنتم بها تكذبون، وردوها فاصبروا على ألمها وشدتها، أو لا تصبروا على ذلك، سواء عليكم صبرتم أو لم تصبروا (إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول: ما تجزون إلا أعمالكم: أي لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا ربكم وكفركم. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) } يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في جنات: يقول في بساتين ونعيم فيها، وذلك في الآخرة. وقوله: (فَاكِهِينَ) يقول: عندهم فاكهة كثيرة، وذلك نظير قول العرب للرجل يكون عنده تمر كثير: رجل تامر، أو يكون عنده لبن كثير، فيقال: هو لابن، كما قال الحُطَيئة: أَغَرَرْتَني وَزَعمْتَ أنَّك ... لابنٌ في الصَّيف تامِرْ (1) وقوله: (بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ) يقول: عندهم فاكهة كثيرة بإعطاء الله إياهم ذلك (وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) يقول: ورفع عنهم ربهم عقابه الذي عذَّب به أهل الجحيم. القول في تأويل قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) } يقول تعالى ذكره: كلوا واشربوا، يقال لهؤلاء المتقين في الجنات: كلوا أيها القوم مما آتاكم ربكم، واشربوا من شرابها هنيئا، لا تخافون مما تأكلون وتشربون فيها أذى ولا غائلة بما كنتم تعملون في الدنيا لله من الأعمال. وقوله: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) قد جعلت صفوفا، وترك قوله: على نمارق، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه. (1) البيت للحطيئة (ديوانه 17) . واستشهد به المؤلف على أن معنى قوله تعالى (فاكهين بما آتاهم ربهم) أي عندهم فاكهة كثيرة، وهو مثل قوله الحطيئة "لابن" و "تامر" أي ذو لبن وذو تمر، أي عندك منهما في الصيف كثير. وقال السكري في شرح الديوان: يعني أنك غررتني، وزعمت أنك تطعمني التمر واللبن، فقنعت بهما، فلم تفعل أ. هـ. يمدح بغيضا ويهجو الزبرقان. وقد تقدم الاستشهاد بالبيت في الجزء (23: 19) وشرحناه بأوسع من شرحه هنا، فراجعه ثمة. وقوله: (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) يقول تعالى ذكره: وزوّجنا الذكور من هؤلاء المتقين أزواجا بحور عين من النساء، يقول الرجل: زوّج هذا الخلف الفرد أو النعل الفرد بهذا الفرد، بمعنى: اجعلهما زوجا. وقد بينَّا معنى الزوج فيما مضى بما أغنى عن إعادته ها هنا، والحُور: جمع حَوْراء، وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدة سواد الحدقة. وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في ذلك، وبيَّنت الصواب فيه عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع، والعين: جمع عَيْنَاء، وهي العظيمة العَيْن في حُسن وسعة. القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان، ألحقنا بهم ذرياتهم المؤمنين في الجنة، وإن كانوا لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم، تكرمة لآبائهم المؤمنين، وما ألتنا آباءهم المؤمنين من أجور أعمالهم من شيء. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، في هذه الآية: (والَّذين آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ) فقال: إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذريته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقرّ الله بهم عينه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرّية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقرَّ بهم عينه، ثم قرأ "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء" . حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عمرو بن مرّة الجملي، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذريَّة المؤمن معه في درجته، ثم ذكر نحوه، غير أنه قرأ (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) . حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا سفيان بن سعيد، عن سماعة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، نحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس، أنه قال في هذه الآية (والَّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ) قال: المؤمن ترفع له ذرّيته، فيلحقون به، وإن كانوا دونه في العمل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّيَّاتهم التي بلغت الإيمان بإيمانٍ، ألحقنا بهم ذرياتهم الصغار التي لم تبلغ الإيمان، وما ألتنا الآباء من عملهم من شيء. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (والَّذين آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) يقول: الذين أدرك ذريتهم الإيمان، فعملوا بطاعتي، ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة، وأولادهم الصغار نلحقهم بهم. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (والَّذين آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) يقول: من أدرك ذريته الإيمان، فعملوا بطاعتي ألحقتهم بآبائهم في الجنة، وأولادهم الصغار أيضا على ذلك. وقال آخرون نحو هذا القول، غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ) من ذكر الذرّية، والهاء والميم في قوله: ذرّيتهم الثانية من ذكر الذين. وقالوا: معنى الكلام: والذين آمنوا واتبعتهم ذرّيتهم الصغار، وما ألتنا الكبار من عملهم من شيء. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (والَّذين آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) قال: أدرك أبناؤهم الأعمال التي عملوا، فاتبعوهم عليها واتبعتهم ذرّياتهم التي لم يدركوا الأعمال، فقال الله جلّ ثناؤه (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء فننقصهم، فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم، الذين لم يبلغوا الأعمال ألحقتهم بالذين قد بلغوا الأعمال. وقال آخرون: بل معنى ذلك (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) فأدخلناهم الجنة بعمل آبائهم، وما ألتنا الآباء من عملهم من شيء. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود يحدّث عن عامر، أنه قال في هذه الآية (والَّذين آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ) فأدخل الله الذرّية بعمل الآباء الجنة، ولم ينقص الله الآباء من عملهم شيئا، قال: فهو قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) . حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن سعيد بن جبير أنه قال في قول الله: (أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ) قال: ألحق الله ذرياتهم بآبائهم، ولم ينقص الآباء من أعمالهم، فيردَّه على أبنائهم. وقال آخرون: إنما عنى بقوله: "أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ" : أعطيناهم من الثواب ما أعطينا الآباء. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سمعت إبراهيم في قوله: (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) قال: أعطوا مثل أجور آبائهم، ولم ينقص من أجورهم شيئًا. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) قال: أعطوا مثل أجورهم، ولم ينقص من أجورهم. قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ) يقول: أعطيناهم من الثواب ما أعطيناهم (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتاده، قوله: (والَّذين آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ) كذلك قالها يزيد (ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) قال: عملوا بطاعة الله فألحقهم الله بآبائهم. وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، القول الذي ذكرنا عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وهو: والذين آمنوا بالله ورسوله، وأتبعناهم ذرياتهم الذين أدركوا الإيمان بإيمان، وآمنوا بالله ورسوله، ألحقنا بالذين آمنوا ذريتهم الذين أدركوا الإيمان فآمنوا، في الجنة فجعلناهم معهم في درجاتهم، وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم تكرمة منا لآبائهم، وما ألتناهم من أجور عملهم شيئا. وإنما قلت: ذلك أولى التأويلات به، لأن ذلك الأغلب من معانيه، وإن كان للأقوال الأخر وجوه. ![]()
__________________
|
#1280
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الطور الحلقة (1280) صــ 471 الى صــ 480 واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) فقرأ ذلك عامه قرّاء المدينة (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) على التوحيد بإيمان (أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) على الجمع، وقرأته قراء الكوفة (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) كلتيهما بإفراد. وقرأ بعض قرّاء البصرة وهو أبو عمرو (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) . والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قراءة الأمصار، متقاربات المعاني، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الآباء، يعني بقوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) : وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا، فنأخذه منهم، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم، ولكنا وفَّيناهم أجور أعمالهم، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم، تفضلا منا عليهم. والألت في كلام العرب: النقص والبخس، وفيه لغة أخرى، ولم يقرأ بها أحد نعلمه، ومن الألت قول الشاعر: أبْلغْ بني ثُعَل عَنَّي مُغلغَلَةً ... جَهْدَ الرّسالة لا ألْتا ولا كَذبا (1) يعني: لا نُقصان ولا زيادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 313 - 314) قال: وقوله: "وما ألتناهم" الألت: النقص. وفيه لغة أخرى: "وما ألتناهم من عملهم من شيء" . وكذلك هي في قراءة عبد الله (ابن مسعود) وأبي بن كعب، قال الشاعر: "أبلغ بني ثعل ... البيت" . يقول: لا نقصان ولا زيادة. وقال الآخر (نسبه أبو عبيدة إلى رؤبة) : وليلة ذات ندى سريت ... ولم يلتني عن سراها ليت والليت هاهنا: لم يثنني عنها نقص بي، ولا عجز عنها. وفي (اللسان: ليت) : "ولاته عن وجهه يليته ويلوته لوتا: أي حبسه عن وجهه وصرفه. قال الراجز:" وليلة ذات ندى ... البيتين " أ. هـ. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن: "وما ألتناهم" : أي ما نقصناهم ولا حبسنا منه شيئا أ. هـ." * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار قال: ثنا مؤمل قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: ما نقصناهم. حدثني علي قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن ابن عباس قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: ما نقصناهم. وحدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا موسى بن بشر، قال: ثنا سفيان بن سعيد، عن سماعة عن (1) عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: وما نقصناهم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: ما نقصنا الآباء للأبناء. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما نقصنا الآباء للأبناء، (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) قال: وما نقصناهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: نقصناهم. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا. (1) في المطبوعة: عن سماعة بن عمر بن مرة. تحريف. قال ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، مثله. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) قال: وما ظلمناهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: وما ظلمناهم من عملهم من شيء. حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: وما ظلمناهم. وحُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) يقول: وما ظلمناهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ) قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء: لم ننتقصهم فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم لم يبلغوا الأعمال ألحقهم بالذين قد بلغوا الأعمال (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: لم يأخذ عمل الكبار فيجزيه الصغار، وأدخلهم برحمته، والكبار عملوا فدخلوا بأعمالهم. وقوله: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) يقول: كلّ نفس بما كسبت وعملت من خير وشرّ مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ (23) } يقول تعالى ذكره: وأمددنا هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله، واتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجنة، بفاكهة ولحم مما يشتهون من اللحمان. وقوله: (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا) يقول: يتعاطون فيها كأس الشراب، ويتداولونها بينهم، كما قال الأخطل: نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاح الشَّمول وقَدْ ... صَاحَ الدَّجاجُ وحَانَتْ وَقْعَةُ السَّاري (1) وقوله (لا لَغْوٌ فِيهَا) يقول: لا باطل في الجنة، والهاء في قوله "فيها" من ذكر الكأس، ويكون المعنى لما فيها الشراب بمعنى: أن أهلها لا لغو عندهم فيها ولا تأثيم، واللغو: الباطل. وقوله: (وَلا تَأْثِيمٌ) يقول: ولا فعل فيها يُؤْثم صاحبه. وقيل: عنى بالتأثيم: الكذب. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لا لَغْوٌ فِيهَا) يقول: لا باطل فيها. وقوله: (وَلا تَأْثِيمٌ) يقول: لا كذب. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لا لَغْوٌ فِيهَا) قال: لا يستبون (وَلا تَأْثِيمٌ) يقول: ولا يؤثمون. حدثنا بشر، قال ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لا (1) البيت للأخطل وهو من شواهد أبي عبيدة في معاني القرآن (الورقة 229) قال: "يتنازعون فيها كأسا" : يتعاطون أي يتداولون قال الأخطل: "نازعته ... البيت" أ. هـ. وفي (اللسان: نزع) : ومنازعة الكأس: معاطاتها؛ قال الله عز وجل (يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم) : أي يتعاطون. والأصل فيه: يتجاذبون، ويقال: نازعني فلان بنانه: أي صافحني. والمنازعة المصافحة؛ قال الراعي: ينُازِعْنَنا رَخْصَ البنانِ كأنَّمَا ... يُنَنازِعْننا هُدّابَ رَيْطٍ مُعَضّدٍ المنازعة: المجاذبة في الأعيان والمعاني أ. هـ. لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) : أي لا لغو فيها ولا باطل، إنما كان الباطل في الدنيا مع الشيطان. وحدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتاده، في قوله: (لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) قال: ليس فيها لغو ولا باطل، إنما كان اللغو والباطل في الدنيا. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة (لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) بالرفع والتنوين على وجه الخبر، على أنه ليس في الكأس لغو ولا تأثيم. وقرأه بعض قرّاء البصرة (لا لَغْوَ فيها وَلا تَأْثِيَمَ) نصبا غير منوّن على وجه التبرئة. والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كان الرفع والتنوين أعجب القراءتين إليّ لكثرة القراءة بها، وأنها أصحّ المعنيين. القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) } يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في الجنة غلمان لهم، كأنهم لؤلؤ في بياضه وصفائه مكنون، يعني: مصون في كنّ، فهو أنقى له، وأصفى لبياضه. وإنما عنى بذلك أن هؤلاء الغلمان يطوفون على هؤلاء المؤمنين في الجنة بكئوس الشراب التي وصف جل ثناؤه صفتها. وقد حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) ذُكر لنا أن رجلا قال: يا نبيّ الله هذا الخادم، فكيف المخدوم؟ قال: "والذي نفس محمد ييده، إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" . وحدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) قال: بلغني أنه قيل: يا رسول الله هذا الخادم مثل اللؤلؤ، فكيف المخدوم؟ قال: "والَّذي نَفْسِي بِيَدهِ إنَّ فَضْل ما بَيْنَهُمَا كفَضْل القَمَر لَيْلَة البَدر على النجوم" . وقوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) . . . الآية، يقول تعالى ذكره: وأقبل بعض هؤلاء المؤمنين في الجنة على بعض، يسأل بعضهم بعضا. وقد قيل: إن ذلك يكون منهم عند البعث من قبورهم. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) قال: إذا بعثوا في النفخة الثانية. القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) } يقول تعالى ذكره: قال بعضهم لبعض: إنا أيها القوم كنا في أهلنا في الدنيا مُشفقين خائفين من عذاب الله وجلين أن يعذبنا ربنا اليوم (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا) بفضله (وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) يعني: عذاب النار، يعني فنجَّانا من النار، وأدخلنا الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (عَذَابَ السَّمُومِ) قال: عذاب النار. وقوله: (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) يقول: إنا كنا في الدنيا من قبل يومنا هذا ندعوه: نعبده مخلصا له الدين، لا نشرك به شيئا (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) يعني: اللطيف بعباده. كما حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) يقول: اللطيف. وقوله: (الرَّحِيمِ) يقول: الرحيم بخلقه أن يعذّبهم بعد توبتهم. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) فقرأته عامة قراء المدينة "أَنَّهُ" بفتح الألف، بمعنى: إنا كنا من قبل ندعوه لأنه البرّ، أو بأنه هو البرّ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بالكسر على الابتداء. والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فذكر يا محمد من أرسلت إليه من قومك وغيرهم، وعظهم بنعم الله عندهم (فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) يقول فلست بنعمة الله عليك بكاهن تتكهن، ولا مجنون له رئيّ يخبر عنه قومه ما أخبره به، ولكنك رسول الله، والله لا يخذلك، ولكنه 478. وقوله: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) يقول جلّ ثناؤه: بل يقول المشركون يا محمد لك: هو شاعر نتربص به حوادث الدهر، يكفيناه بموت أو حادثة متلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه، فقال بعضهم فيه كالذي قلنا. وقال بعضهم: هو الموت. ذكر من قال: عنى بقوله: (رَيْبَ الْمَنُونِ) : حوادث الدهر: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: حوادث الدهر. حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد (رَيْبَ الْمَنُونِ) حوادث الدهر. ذكر من قال: عنى به الموت: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (رَيْبَ الْمَنُونِ) يقول: الموت. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: يتربصون به الموت. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: قال ذلك قائلون من الناس: تربصوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت يكفيكموه، كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: هو الموت، نتربص به الموت، كما مات شاعر بني فلان، وشاعر بني فلان. وحدثني سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثني أبي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، فأنزل الله في ذلك من قولهم: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) الموت، وقال الشاعر: تَرَبَّصْ بِها رَيْبَ المَنُونِ لَعَلَّهَا ... سَيَهْلِكُ عَنْها بَعْلها أو "تُسَرَّحُ" (1) وقال آخرون: معنى ذلك: ريب الدنيا، وقالوا: المنون: الموت. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان (رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: ريب الدنيا، والمنون: الموت. وقوله: (قُلْ تَرَبَّصُوا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك: إنك شاعر نتربص بك ريب المنون، تربصوا: أي انتظروا وتمهلوا فيّ ريب المنون، فإني معكم من المتربصين بكم، حتى يأتي أمر الله فيكم. (1) وضعنا كلمة "تسرح" في قافية البيت في مكان "شحيح" التي جاءت في الأصل خطأ، فاختل بها معنى البيت ووزنه. على أن رواية الشطر الثاني كله في اللسان: ربص. وفي تفسير الشوكاني (5: 96) وفي البحر المحيط لأبي حيان (8: 151) والقرطبي (17: 72) مختلفة عن رواية المؤلف. وهو: * تطلق يوما أو يموت حليلها * والسراح والتسريح: هو الطلاق، وفي التنزيل: "فسرحوهن سراحا جميلا" . ومعنى التربص: الانتظار. وتربص به: انتظر به خيرا أو شرا. وتربص به الشيء: كذلك. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 314) "نتربص به ريب المنون" : أوجاع الدهر، فيشغل عنكم، ويتفرق أصحابه؛ أو عمر آبائه، فإنا قد عرفنا أعمارهم أ. هـ. القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) } يقول تعالى ذكره: أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: هو شاعر، وأن ما جاء به شعر (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) يقول جلّ ثناؤه: ما تأمرهم بذلك أحلامهم وعقولهم (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) قد طغوا على ربهم، فتجاوزوا ما أذن لهم، وأمرهم به من الإيمان إلى الكفر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا) قال: كانوا يعّون في الجاهلية أهل الأحلام، فقال الله: أم تأمرهم أحلامهم بهذا أن يعبدوا أصناما بُكما صما، ويتركوا عبادة الله، فلم تنفعهم أحلامهم حين كانت لدنياهم، ولم تكن عقولهم في دينهم، لم تنفعهم أحلامهم، وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، يتأوَّل قوله (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) : بل تأمرهم. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) أيضا قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، في قوله (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) قال: بل هم قوم طاغون. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) قال: بل هم قوم طاغون. وقوله (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: تقوّل محمد هذا القرآن وتخلَّقه. وقوله (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) يقول جلّ ثناؤه: كذبوا فيما قالوا من ذلك، بل لا يؤمنون فيصدّقوا بالحقّ الذي جاءهم من عند ربهم. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 25 ( الأعضاء 0 والزوار 25) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |