تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 121 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تعريف بكتاب المدخل إلى علم السيرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام: النظائر في السير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          جوانب من عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الهوية في حالة صيرورة وتشكّل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          تأملات مرتحل مسلم .. السفر محطة للإثراء الثقافي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تأملات مرتحل مسلم .. الأسرة ومدرسة السفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          كيف تتقلب النفس البشرية بين رغبة المدح وخشية النقد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الزينة في القرآن الكريم والكشف عن مفهوم الجمال الحقيقي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تفنيد دعوى وجود رواة أعاجم رووا الحديث بالمعنى فأفسدوه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حين يلتقي الجهل بالتعصب: كيف يولد التطرف الفكري؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          30 طريقة لإحلال الهدوء في فصول المرحلة الثانوية الصاخبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-08-2022, 03:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المؤمنون - (2)
الحلقة (610)
تفسير سورة المؤمنون مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 509الى صــــ 513)

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } 17 { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } 18 { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } 19 { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } 20 { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } 21 { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }22


شرح الكلمات:

سبع طرائق: أي سبع سماوات كل سماء يقال لها طريقة لأن بعضها مطروق فوق بعض.

ماء بقدر: أي بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص.

من طور سيناء: جبل يقال له جبل طور سيناء.

تنبت بالدهن: أي تنبت بثمر فيه الدهن وهو الزيت.

وصبغ للآكلين: أي يغمس الآكل فيه اللقمة ويأكلها.

في الأنعام لعبرة: الأنعام الإِبل والبقر والغنم والعبرة فيها تحصل لمن تأمل خلقها ومنافعها.

مما في بطونها: أي من اللبن.

منافع كثيرة: كالوبر والصوف واللبن والركوب.

ومنها تأكلون: أي من لحومها.

تحملون: أي تركبون الإِبل في البر وتركبون السفن في البحر.

معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر نعمه 1تعالى على الإِنسان لعل هذا الإنسان يذكر فيشكر فقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ2 طَرَآئِقَ } أي سموات سماء فوق سماء أي طريقة فوق طريقة وطبقاً فوق طبق وقوله تعالى: { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } أي ولم نكن غافلين عن خلقنا وبذلك انتظم الكون والحياة، وإلا لخرب كل شيء وفسد وقوله تعالى: { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } هو ماء المطر أي بكميات على قدر الحاجة وقوله { فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ 3وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ } أي أوجدنا لكم به بساتين من نخيل وأعناب { لَّكُمْ فِيهَا } أي في تلك البساتين { فَوَاكِهُ4 كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي ومن تلك الفواكه تأكلون وذكر النخيل والعنب دون غيرهما لوجودهما بين العرب فهم يعرفونهما أكثر من غيرهما فالنخيل بالمدينة والعنب بالطائف.

وقوله: { وَشَجَرَةً5 تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } أي وأنبت لكم به شجرة الزيتون وهي { تَنبُتُ 6بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } فبزيتها يدهن ويؤتدم فتصبغ اللقمة به وتؤكل. وقوله: { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } فتأملوها في خلقها وحياتها ومنافعها تعبرون بها إلى الإِيمان والتوحيد والطاعة. وقوله: { نُّسْقِيكُمْ 7مِّمَّا فِي بُطُونِهَا } من ألبان تخرج من بين فرث ودم، وقوله: { وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ } كصوفها ووبرها ولبنها وأكل لحومها. وقوله: { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } وعلى بعضها كالإِبل تحملون في البر وعلى السفن في البحر، أفلا تشكرون لله هذه النعم فتذكروه وتشكروه أليست هذه النعم موجبة لشكر المنعم بها فيُعبد ويوحد في عبادته؟.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان قدرة الله تعالى وعظمته في خلق السماوات طرائق وعدم غفلته عن سائر خلقه فسار كل شيء لما خلق له فثبت الكون وانتظمت الحياة.

2- بيان إفضال الله تعالى في إنزال الماء بقدر وإسكانه في الأرض وعدم إذهابه مما يوجب الشكر لله تعالى على عباده.

3- بيان منافع الزيت8 حيث هو للدهن والائتدام والإِستصباح.

4- فضل الله على العباد في خلق الأنعام والسفن للانتفاع بالأنعام في جوانب كثيرة منها، وفي السفن للركوب عليها وحمل السلع والبضائع من إقليم إلى إقليم.

5- وجوب شكر الله تعالى على انعامه وذلك بالإِيمان به وعبادته وتوحيده فيها.
_____________________________
1 وفي ذكر أدلة التوحيد إذ تقدم الاستدلال على التوحيد بخلق الإنسان وهذا استدلال بخلق العدالة العلوية.
2 الطرائق: جمع طريقة، وهي اسم للطريق تذكر وتؤنث فهل المراد بها هنا طرق الملائكة أو طرق سير الكواكب وهو سمتها وما تجري فيه أو هي السبع السموات، ومعنى طرائق: أن بعضها فوق بعض من قولهم طارق بين ثوبين جعل أحدهما فوق الثاني، ويكون المعنى طباقا وهذا هو الراجح. والله أعلم.
3 {أسكناه في الأرض} منه ما هو ظاهر كماء الأودية، والأنهار، ومنه ما هو باطن، وهو المياه الجوفية، وإن الله تعالى على ذهابه من ظاهر الأرض كباطنها قدير، ويومها تهلك البشرية، وهذه الآية كقوله: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين} .
4 جمع فاكهة وهي: ما يؤكل تفكّهاً بآكله أي: تلذّذا بطعمه من غير قصد القوت، وما يؤكل لأجل الطعام يقال له: طعام ولا يقال له فاكهة.
5 وشجرة: معطوفة على جنات أي: وأخرجنا لكم به شجرة.
6 الباء في {بالدهن} للمصاحبة نحو: خرج زيد بسلامة أي: مصحوباً بسلامة.
7 قرىء {نسقيكم} بضم النون من أسقاه، وبفتحها من سقاه كذا.
8 في الآية إشارة إلى أن شجر الزيتون أول ما وجد على الأرض وُجد بطور سيناء ثم تناقله الناس من إقليم إلى آخر، فقوله {تخرج من طور سيناء} إعلام بأول منبت لها.

********************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-08-2022, 03:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } 23 { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } 24 { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } 25 { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ }26


شرح الكلمات:

اعبدوا الله: أي وحدوه بالعبادة إذ ليس لكم من إله غيره.

أفلا تتقون: أي أتعبدون معه غيره فغلا تخافون غضبه وعقابه.

الملأ: أي أعيان البلاد وكبراء القوم.

ما هذا إلا بشر مثلكم: أي ما نوح إلا بشر مثلكم فكيف تطيعونه بقبول ما يدعوكم إليه.

أن يتفضل عليكم: أي يسودكم ويصبح آمراً ناهياً بينكم.

ولو شاء الله لأنزل ملائكة: أي لو شاء الله إرسال رسول لأنزل ملائكة رسلا.

رجل به جنة: أي مصاب بمس من جنون.

فتربصوا به حتى حين: أي فلا تسمعوا له ولا تطيعوه وانتظروا به هلاكه أو شفاءه.

معنى الآيات:

هذا السياق بداية عدة قصص ذكرت على إثر قصة بدأ خلق الإِنسان الأول آدم عليه السلام فقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً } 1أي قبلك يا رسولنا فكذبوه. كما كذبك قومك وإليك قصته إذ قال يا قوم اعبدوا الله أي وحدوه في العبادة، ولا تعبدوا معه غيره { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ 2} أي إذ ليس لكم من إله غيره يستحق عبادتكم. وقوله: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي أتعبدون معه غيره أفلا تخافون غضبه عليكم ثم عقابه لكم؟.

فأجابه قومه المشركون بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } أي فرد عليه قوله أشرافهم وأهل الحل والعقد فيهم من أغنياء وأعيان ممن كفروا من قومه { مَا هَـٰذَا } أي نوح { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي يسود 3ويشرف فادعى أنه رسول الله إليكم { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } أي أن لا نعبد معه سواه { لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } تخبرنا بذلك { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } أي بالذي جاء به نوح ودعا إليه من ترك عبادة آلهتنا { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } أي لم يقل به أحد من أجدادنا السابقين { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } أي ما نوح إلا رجل به مس من جنون، وإلا لما قال هذا الذي يقول من تسفيهنا وتسفيه آبائنا { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ 4حَتَّىٰ حِينٍ } أي انتظروا به أجله حتى يموت، ولا تتركوا دينكم لأجله وهنا وبعد قرون طويلة بلغت ألف سنة إلا خمسين شكا نوح إلى ربه وطلب النصر منه فقال ما أخبر تعالى به عنه { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي5 بِمَا كَذَّبُونِ } أي أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي وانصرني عليهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- إثبات النبوة المحمدية بذكر أخبار الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الوحي.

2- تقرير التوحيد بذكر دعوة الرسل أقوامهم إليه.

3- بيان سنة من سنن البشر وهي أن دعوة الحق أول من يردها الكبراء من أهل الكفر.

4- بيان كيف يرد الظالمون دعوة الحق بإتهام الدعاة بما هم براء منه كالجنون وغيره من الاتهامات كالعمالة لفلان والتملق لفلان..
__________________________

1 فوائد سرد القصص كثيرة منها: تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر مما يلقى من قومه، ومنها: العظة والاعتبار بما جرى من أحداث، ومنها تقرير التوحيد وإثبات النبوة المحمدية واللام في: {ولقد أرسلنا} موطئة للقسم أي: وعزّتنا لقد أرسلنا نوحاً.
2 قرأ الجمهور بجرّ {إله} ورفع {غيره} وقرأ بعضهم: بجر {غيره} لأنه نعت لإله المجرور بحرف الجر الزائد ورفع {غيره} هو على المحل إذ محل {إله} الرفع وإنما منع منه حرف الجر الزائد.
3 قولهم: هذا ناتج عن نفسياتهم المتهالكة على حب الرئاسة والشر الموهوم.
4 التربص: التوقف على عمل يراد عمله، والتريث فيه لما قد يغني عنه.
5 {قال ربّ انصرني} هذه الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها واقعة جواباً لسؤال مقدّر تقديره: لما كذب قومه ماذا فعل؟ والجواب: دعا عليهم: {قال ربّ انصرني} .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-08-2022, 03:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المؤمنون - (3)
الحلقة (611)
تفسير سورة المؤمنون مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 513الى صــــ 518)

{ فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } 27 { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } 28 { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } 29 { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ }30


شرح الكلمات:

فأوحينا إليه أن اصنع: أي أعلمناه بطريق سريع خفي أي اصنع الفلك.

بأعيننا ووحيينا: أي بمرأى منا ومنظر، وبتعليمنا إياك صنعها.

وفار التنور: تنور الخباز فار منه الماء آية بداية الطوفان.

فاسلك فيها: أي أدخل في السفينة.

وأهلك: أولادك ونساءك.

ولا تخاطبني في الذين ظلموا: أي لا تكلمني في شأن الظالمين فإني حكمت بإغراقهم.

وقل رب: أي وادعني قائلاً يا رب أنزلني منزلاً مباركاً من الأرض.

إن في ذلك لآيات: أي لدلائل وعبر.

وإن كنا لمبتلين: أي لمختبرين.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر قصة نوح عليه السلام مع قومه فقد جاء في الآيات السابقة أن نوحاً عليه السلام دعا ربه مستنصراً إياه لينصره على قومه الذين كذبوه قائلاً:{ رَبِّ ٱنصُرْنِي 1بِمَا كَذَّبُونِ } [المؤمنون: 26] فاستجاب الله تعالى دعاءه فأوحى إليه أي أعلمه بطريق الوحي الخاص { أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } أي السفينة { بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } أي بمرأى منا ومنظر وبتعليمنا إياك وجعل له علامة على بداية هلاك القوم أن يفور التنور تنور طبخ الخبز بالماء وأمره إذا رأى تلك العلامة أن يدخل في السفينة من كل زوج أي ذكر وأنثى اثنين من سائر الحيوانات التي أمكنه ذلك منه وأن يركب فهيا أيضاً أهله من زوجة وولد إلا من قضى الله بهلاكه ونهاه أن يكلمه في شأن الظالمين لأنهم مغرقون قطعاً. هذا ما تضمنته الآية الأولى [27] { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } أي بإهلاك الظالمين المشركين { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا } أي في السفينة { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ 2ٱثْنَيْنِ 3وَأَهْلَكَ } أي أزواجك وأولادك { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ } أَي بإهلاكهم كامرأته، { وَلاَ تُخَاطِبْنِي 4 فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أي لا تسألني عنهم فإني مهلكهم.

وقوله تعالى: { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ5 أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ } أي إذا ركبت واستقررْت على متن السفينة أنت ومن معك من المؤمنين فاحمدنا فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين 6وادعنا ضارعاً إلينا قائلاً { رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً 7} أي من الأرض، وَأثْن علينا خيراً فقل { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ }8 وقوله تعالى: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ } أي المذكور من قصة نوح لدلائل على قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته ووجوب الإِيمان به وتوحيده في عبادته. وقوله: { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } أي مختبرين عبادنا بالخير والشر ليرى الكافر من المؤمن، والمطيع من العاصي ويتم الجزاء حسب ذلك إظهاراً للعدالة الإِلهية والرحمة الربانية.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- إثبات الوحي الإِلهي وتقرير النبوة المحمدية.

2- تقرير حادثة الطوفان المعروفة لدى المؤرخين.

3- بيان عاقبة الظلم وأنه هلاك الظالمين.

4- سنية قول بسم الله والحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون عند ركوب الدابة أو السفينة ونحوها كالسيارة والطيارة.

5- استحباب الدعاء وسؤال الله تعالى ما العبد في حاجة إليه من خير الدنيا.

6- بيان سر ذكر قصة نوح وهو ما فيها من العظات والعبر.
__________________________

1 الباء سببية في موضع الحال من النصر المأخوذ في فعل الدعاء، وجملة {أن اصنع} جملة مفسرة لجملة: {أوحينا} لأنّ الوحي فيه معنى القول دون حروفه، فأن تفسيرية قطعاً.
2 الزوج: اسم لكل شيء له شيء آخر متصل به بحيث يجعله شفعا في حالة ما، والمراد به هنا: أزواج الحيوانات لحفظ نوعها حتى لا تنقرض بالطوفان.
3 قرأ حفص {من كلٍّ} بتنوين كل، وقرأ نافع وغيره بلا تنوين أي: بإضافة اثنين إلى كل، وتنوين كل تنوين عوض أي: من كل ما أمرتك أن تحمله في السفينة.
4 أي: في شأنهم فإنهم قد قضى بإهلاكهم ولا رادٌ لقضائه تعالى.
5 استويت: أي علوت فوقها واستقررت فيها، وحرف الجر {على} مؤذن بالاستقرار والتمكن منه.
6 الظالمين: أي المشركين، لأن الظلم هو الشرك، والتنجية: الإنجاء من شرهم وأذاهم وشركهم وكفرهم.
7 المنزل بضم الميم: وفتح الزاي: مصدر الذي هو الإنزال، وبفتح الميم وكسر الزاي هو مكان النزول أي: أنزلني موضعاً مباركاً، والمنزل بفتح الميم والزاي معاً: مصدر نزل نزولا ومنزلاً.
8 في الآية تعليم للمؤمنين إذا ركبوا أو نزلوا أن يدعوا بهذا الدعاء بل حتى إذا دخلوا بيوتهم وسلموا فقد كان عليّ رضي الله عنه إذا دخل المسجد دعا بهذا الدعاء: {ربّ أنزلني..} الخ.

***********************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-08-2022, 03:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } 31 { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } 32 { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } 33 { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } 34 { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } 35 { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } 36 { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } 37 { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ }38

شرح الكلمات:

ثم أنشأنا من بعدهم قَرْناً آخرين: أي خلقنا من بعد قوم نوح الهالكين قوماً آخرين هم عاد قوم هود.

رسولاً منهم: هو هود عليه السلام.

أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره: أي قولوا لا إله إلا الله فاعبدوا الله وحده.

وأترفناهم: أي أنعمنا عليهم بالمال وسعة العيش.

أنكم مخرجون: أي أحياء من قبوركم بعد موتكم.

هيهات هيهات: أي بَعُدَ بُعْداً كبيراً وقوعُ ما يعدكم.

إن هي إلا حياتنا الدنيا: أي ما هي إلا حياتنا الدنيا وليس وراءها حياة أخرى.

إن هو إلا رجل: أي ما هو إلا رجلٌ افترى على الله كذباً أي كذب على الله تعالى.

معنى الآيات:

هذه بداية قصة هود عليه السلام بعد قصة نوح عليه السلام أيضاً فقال تعالى: { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ } أي خلقنا وأوجدنا من بعد قوم نوح الهالكين قوماً آخرين هم 1عاد قوم هود { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ 2رَسُولاً مِّنْهُمْ } هو هود عليه السلام بأن قال لهم: { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أي اعبدوا الله بطاعته وإفراده بالعبادة إذا لا يوجد لكم إله غير الله تصح عبادته إذ الخالق لكم الرازق الله وحده فغيره لا يستحق العبادة بحال من الأحوال وقوله: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } يحثهم على الخوف من الله ويأمرهم به قبل أن تنزل بهم عقوبته.

وقوله تعالى: { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وقال أعيان البلاد وأشرافها من قوم هود ممن كفروا بالله ورسوله وكذبوا بالبعث والجزاء في الدار الآخرة وقد أترفهم 3الله تعالى: بالمال وسعة الرزق فأسرفوا في الملاذ والشهوات: قالوا: وماذا قالوا؟: قالوا ما أخبرنا تعالى به عنهم بقوله: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } أي ما هذا الرسول إلا بشر مثلكم { يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ } من أنواع الطعام { وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } من ألوان الشراب4 أي فلا فرق بينكم وبينه فكيف ترضون بسيادته عليكم يأمركم وينهاكم. وقالوا: { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } أي خاسرون حياتكم ومكانتكم، وقالوا: { أَيَعِدُكُمْ 5أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً } أي فنيتم وصرتم تراباً { أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } أي أحياء من قبوركم. وقالوا: { هَيْهَاتَ6 هَيْهَاتَ } أي بَعُد بُعْداً كبيراً ما يعدكم به هود إنها ما { هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } أي { نَمُوتُ وَنَحْيَا } جيل 7يموت وجيل يحيا { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } وقالوا: { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ8 عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً } أي اختلق الكذب على الله وقال عنه أنه يبعثكم ويحاسبكم ويجزيكم بكسبكم. وقالوا { وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } هذه مقالتهم ذكرها تعالى عنهم وهي مصرحة بكفرهم وتكذيبهم وإلحادهم وما سيقوله هود عليه السلام سيأتي في الآيات بعد.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- بيان سنة الله تعالى في إرسال الرسل، وما تبتدىء به دعوتهم وهو لا إله إلا الله.

2- أهل الكفر لا يصدر عنهم إلا ما هو شر وباطل لفساد قلوبهم.

3- الترف يسبب كثيراً من المفاسد والشرور، ولهذا يجب أن يُحذَرْ بالاقتصاد.

4- تقرير عقيدة البعث والجزاء وإثباتها وهي ما ينكره الملاحدة هروباً من الاستقامة.

5- تُكأة عامة المشركين وهي كيف يكون الرسول رجلاَ من البشر، دفعاً للحق وعدم قبوله.
____________________________

1 وقيل هم قوم صالح بقرينة قوله تعالى: {فأخذتهم الصيحة} وهي التي أهلك الله تعالى بها ثمود قوم صالح إذ قال تعالى: {فأخذتهم الصيحة مصبحين} من سورة الحجر. ورشح هذا لأنّ فيها العبرة أكثر لوجود آثارهم في ديارهم شمال الحجاز إلاّ أن ذكر عاد بعد قوم نوح هو الوارد في كل قصص القرآن وبترجيح الزمان إذ عاد أوّل أمّة أهلكت بعد قوم نوح. والله أعلم.
2 قوله: {فيهم} بدل إليهم: لأن هوداً أو صالحاً كان المرسل من أهل البلاد وفرداً من أفرادهم فلا يحسن أن يقال: إلى إلاّ إذا كان خارجاً عنهم ليس من أفرادهم، وذلك كما في أهل سدوم، ونينوي والقبط فجاء التعبير بإلى نحو: {إلى فرعون وملئه} .
3 أي: وسعنا عليهم نعم الدنيا حتى بطروا، وصاروا يؤتون بالترفة وهي كالتحفة، يقال: أترفه المال: إذا أبطره وأفسده.
4 في قولهم: يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون. هذه الجملة وإن كانت تعليلا لبشرية الرسول فإنها دالة على أنهم حقاً مترفون منعّمون في ملاذ الأكل والشرب كأنّه لا هم لهم إلاّ ذاك، كما قيل: من أحب شيئاً أكثر من ذكره كما هي مجالس المترفين اليوم جل لأحاديثهم حول الأكل والشرب ونحوهما.
5 الاستفهام للتعجيب، والكلام انتقال من تكذيبهم بكونه رسولاً إليهم إلى التكذيب بما أرسل به من الدين الحق.
6 الجمهور من النّحاة واللغويين: أن هيهات اسم فعل ماضٍ بمعنى بَعُدَ وهي مبنية على الفتح والكسر أيضاً ولا تُقال إلاّ مكررة، قال الشاعر:
فهيهات هيهات العقيق وأهله
هيهات خلّ بالعقيق نواصله
7 إن قيل: كيف قالوا: نموت ونحيا وهم منكرون للبعث؟ قيل في الجواب: إما أن يكون مرادهم نكون نطفاً ميتة ثم نحيا، وإما أن يكون في الكلام تقديم وتأخير أي: نحيا فيها ونموت نحو {واسجدي واركعي} وإما بموت الآباء وحياة الأبناء.
8 الافتراء: الكذب الذي لا شبهة فيه للمخبر، وهو الاختلاق.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-08-2022, 03:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المؤمنون - (4)
الحلقة (612)
تفسير سورة المؤمنون مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 518الى صــــ 522)

{ قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } 39 { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } 40 { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } 41 { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ } 42 { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } 43 { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ }44


شرح الكلمات:

عما قليل: أي عن قليل من الزمن.

ليصبحن نادمين: ليصيرن نادمين على كفرهم وتكذيبهم.

فأخذتهم الصيحة: أي صيحة العذاب والهلاك.

فجعلناهم غثاء: كغثاء السيل وهو ما يجمعه الوادي من العيدان والنبات اليابس.

فبعداً: أي هلاكاً لهم.

ثم أنشأنا: أي أوجدنا من بعدهم أهل قرون آخرين كقوم صالح وإبراهيم ولوط وشعيب.

تترا: أي يتبع بعضها بعضاً الواحدة عقب الأخرى.

وجعلناهم أحاديث: أي أهلكناهم وتركناهم قصصاً تقص وأخباراً تتناقل.

معنى الآيات:

هذا ما قال هود1 عليه السلام بعد الذي ذكر تعالى من أقوال قومه الكافرين { قَالَ رَبِّ } أي يا رب { ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ2 } أي بسبب تكذيبهم لي وردهم دعوتي وإصرارهم على الكفر بك وعبادة غيرك فأجابه الرب تبارك وتعالى بقوله: { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } أي بعد قليل من الوقت وعزتنا وجلالنا ليصبحن نادمين أي ليصيرن نادمين على كفرهم بي وإشراكهم في عبادتي وتكذيبهم إياك ولم يمض إلا قليل زمن حتى أخذتهم الصيحة صيحة الهلاك ضمن ريح صرصر في أيام نحسات فإذا هم غثاء كغثاء السبيل لا حياة فيهم ولا فائدة ترجى منهم { فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أي هلاكاً للظالمين بالشرك والتكذيب والمعاصي وقوله تعالى: { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ 3} أي ثم أوجدنا بعد إهلاكنا عاداً أهل قرون آخرين كقوم صالح وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب. وقوله تعالى: { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } أي أن كل أمة حكمنا بهلاكها لا يمكنها أن تسبق أجلها أي وقتها المحدود لها فتتقدمه كما لا يمكنها أن تتأخر عنه بحال.

وقوله تعالى: { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا4 } أي يتبع بعضها بعضاً { كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً } أي في الهلاك فكلما كذبت أمة رسولها ورفضت التوبة إلى الله والإِنابة إليه أهلكها، وقوله تعالى { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ5 } أي لمن بعدهم يذكرون أحوالهم ويروون أخبارهم { فَبُعْداً } أي هلاكاً منا { لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } في هذا تهديد قوي لقريش المصرة على الشرك والتكذيب والعناد. وقد مضت فيهم سنة الله فأهلك المجرمين منها.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- استجابة الله دعوة المظلومين من عباده لا سيما إن كانوا عباداً صالحين.

2- الآجال للأفراد أو الأمم لا تتقدم ولا تتأخر سنة من سنن الله تعالى في خلقه.

3- تقرير حقيقة تاريخية علمية وهي أن الأمم السابقة كلها هلكت بتكذيبها وكفرها ولم ينج منها عند نزول العذاب بها إلا المؤمنون مع رسولهم.

4- كرامة هذه الأمة المحمدية أن الله تعالى لا يهلكها هلاكاً عاماً بل تبقى بقاء الحياة تقوم بها الحجة لله تعالى على الأمم والشعوب المعاصرة لها طيلة الحياة.
______________________________

1 دَرَج الجمهور من المفسرين على أن القصص المذكور هنا كما هو في سائر السور هو قصص هود عليه السلام، وذهب ابن جرير وبعضٌ آخر إلى أنه قصة صالح لقرينة {فأخذتهم الصيحة} وقال الجمهور: يمكن أن تكون الصيحة ضمن عواصف الريح العقيم التي أرسلها تعالى على عاد قوم هود فأخذتهم فهلكوا بها والرياح عصفت بهم فمزقت وشتتت شملهم وتركتهم كأعجاز نخل خاوية ثم تفتتوا وصاروا كالغثاء وهذا الجمع أحسن.
2 في الكلام حذف اقتضاه الإيجاز غير المخل وهو: فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم ثم أنشأنا.
3 من في قوله {من أمة} صلة زيدت لتقوية النفي وتوكيده، والأصل ما تسبق أمّة.
4 {تترى} على وزن فعلى كدعوى وسلوى، والألف فيه للتأنيث، وأصله وترى من الوتر، الذي هو الفرد أبدلت الواو تاء كما أبدلت في تراث من الورث، وتجاه من الوجه، ولا يقال: تترى إلاّ إذا كان هناك تعاقب وانقطاع، وقرىء منوناً تترىً، وهو منصوب على الحال في القراءتين معاً.
5 جمع أحدوثة وهو ما يتحدّث به كأعاجيب جمع أعجوبة، وعي ما يتعجب منه، ومثل هذا التعبير: أحاديث: لا يقال في الخير وإنما يقال في الشر لا غير لقوله تعالى: {فجعلناهم أحاديث ومزّقناهم كلّ ممزق} رقد يقال في الخير إذا كان مقيّداً بذكره نحو قول ابن دريد:
إنما المرء حديث بعده
فكن حديثاً حسناً لمن وعى

********************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-08-2022, 03:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } 45 { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } 46 { فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } 47 { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } 48 { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } 49 { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }50


شرح الكلمات:

بآياتنا وسلطان مبين: الآيات هي التسع الآيات وهي الحجة والسلطان المبين.

وكانوا قوماً عالين: أي علوا أهل تلك البلاد قهراً واستبداداً وتحكماً.

وقومهما لنا عابدون: أي مطيعون ذليلون نستخدمهم فيما نشاء وكيف نشاء.

ولقد آتينا موسى الكتاب: أي التوراة.

وجعلنا ابن مريم: أي عيسى حجة وبرهاناً على وجود الله وقدرته وعلمه ووجوب توحيده.

إلى ربوة ذات قرار ومعين: إلى مكان مرتفع ذي استقرار وفيه ماء جار عذب وفواكه وخضر.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر نبذ من قصص الأولين للعظة والاعتبار، ولإِقامة الحجة على مشركي قريش فقال تعالى: { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي بعد تلك الأمم الخالية أرسلنا موسى بن عمران وأخاه هارون بسلطان مبين أي بحجج وبراهين بينة دالة على صدق موسى وما يدعو إليه من عبادة الله وتوحيده فيها والخروج ببني إسرائيل إلى الأرض المباركة أرض الشام إلى فرعون ملك مصر يومئذ وملئه من أشراف قومه وعليتهم فاستكبروا عن قبول دعوة الحق وكانوا عالين على أهل تلك البلاد فاهرين لها مستبدين بها وقالوا رداً على دعوة موسى وهارون ما أخبر تعالى به في قوله: { فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } أي خاضعون مطيعون. هكذا أعلنوا متعجبين من دعوة موسى وهارون إلى الإِيمان برسالتهما فقالوا: أنؤمن لبشر من مثلنا أي كيف يكون هذا أنتبع رجلين مثلنا فنصبح نأتمر بأمرهما وننتهي بنهيهما وكيف يتم ذلك وقومهما يعنون بني إسرائيل لنا عابدون. أي خاضعون لنا ومطيعون لأمرنا ونهينا. قال تعالى: { فَكَذَّبُوهُمَا } ، فيما دعواهما إليه من الإِيمان والتوحيد وإرسال بني إسرائيل معهما إلى أرض الميعاد فترتب على تكذيبهم لرسولي الله موسى وهارون هلاكهم فكانوا من المهلكين حيث أغرقهم الله أجمعين، وقوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ1 ٱلْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } ، ويخبر تعالى أنه بعد إهلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل آتى موسى التوراة من أجل هداية بني إسرائيل عليها لأنها تحمل النور والهدى. هذه أيادي الله على خلقه وآياته فيهم فسبحانه من إله عزيز رحيم.

وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ2 وَأُمَّهُ } أي جعل عيسى ووالدته مريم { آيَةً } حيث خلق عيسى من غير أب فهي آية دالة على قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته وهذه موجبة الإِيمان به عبادته وتوحيده والتوكل عليه والإِنابة والتوبة إليه. وقوله تعالى: { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ 3ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ 4} أي أنزلنا مريم وولدها بعد اضطهاد اليهود لهما ربوة عالية صالحة للإِستقرار عليها بها فاكهة وماء عذب جار إكرام الله تعالى له ولوالدته فسبحان المنعم على عباده المكرم لأوليائه.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- تقرير نبوة كل من موسى وأخيه هارون عليهما السلام.

2- التنديد بالإِستكبار، وأنه علة مانعة من قبول الحق.

3- مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته في إرسال الرسل بالآيات وفي إهلاك المكذبين.

4- آية ولادة عيسى من غير أب مقررة قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، وبعث الناس من قبورهم للحساب والجزاء.
_______________________________

1 خصّ موسى بإيتائه الكتاب دون هارون لأنّ هارون يوم إعطاء موسى الكتاب {التوراة} كان مع قومه، وموسى كان وحده في الطور للمناجاة.
2 أدمج أمّه في الذكر لتسفيه اليهود في قولهم في مريم بهتاناً عظيماً.
3 الربوة: المكان المرتفع من الأرض، وهي مثلثة الراء تضم وتفتح وتكسر، وهي بفلسطين أو مدينة الرملة وهي من أرض فلسطين.
4 المعين: هو الماء الجاري على ظهر الأرض ظاهر للعيون.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03-08-2022, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المؤمنون - (5)
الحلقة (613)
تفسير سورة المؤمنون مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 522الى صــــ 526)

{ يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } 51 { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } 52 { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } 53 { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } 54 { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } 55 { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ }56


شرح الكلمات:

كلوا من الطيبات: أي من الحلال.

واعملوا صالحاًَ: أي بأداء الفرائض وكثير من النوافل.

وإن هذه أمتكم: أي ملتكم الإِسلامية.

فاتقون: أي بامتثال أمري واجتناب نهيي.

فتقطعوا أمرهم: أي اختلفوا في دينهم فأصبحوا طوائف هذه يهودية وتلك نصرانية.

في غمرتهم: أي في ضلالتهم.

نسارع لهم: أي نعجل.

بل لا يشعرون: أن ذلك استدراج منا لهم.

معنى الآيات:

بعد أن أكرم الله تعالى عيسى ووالدته بما أكرمهما به من إيوائهما إلى ربوة ذات قرار ومعين خاطب 1عيسى عبده ورسوله قائلاً: { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي الحلال فكان عيسى عليه السلام يأكل من غزل أمه إذا كانت تغزل الصوف بأجرة فكانا يأكلان من ذلك أكلا من الطيب كما أمرهما الله تعالى وقوله: { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } كلوا من الحلال واعملوا صالحاً بأداء الفرائض والإِكثار من النوافل، وقوله: { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } فيه وعد بأن الله تعالى سيثيبهم على ما يعلمون من الصالحات. وقوله: { وَإِنَّ2 هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } أعلمهم أن ملتهم وهي الدين الإِسلامي دين واحد فلا ينبغي الاختلاف فيه واعلمهم أيضاً أنه ربهم أي مالك أمرهم والحاكم عليهم فليبتغوه بفعل ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه، لينجوا من عذابه ويظفروا برحمته ودخول جنته.

وقوله تعالى: { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ3 } أي دينهم { زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي فرقوا دينهم فرقاً فذهبت كل فرقة بقطعة منه وقسموا الكتاب إلى كتب فهذه يهودية وهذه نصرانية واليهودية فرق والنصرانية فرق والإِنجيل أصبح أناجيل متعددة وصارت كل جماعة فرحة بما عندها مسرورة به لا ترى الحق إلاَّ فيه.. { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } وهنا أمر الله رسوله أن يتركهم في غمرة ضلالتهم إلى حين أن ينزل بهم ما قضى به الرب تعالى على أهل الاختلاف في دينه { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } إذ قال له في سورة الأنعام{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [الآية: 159] وفيه من التهديد ما فيه. وهذا الذي نعاه تعالى على تلك الأمم قد وقعت فيه أمة الإِسلام فاختلفوا في دينهم مذاهب وطرقاً عديدة، وياللأسف وقد حلت بهم المحن ونزل بهم البلاء نتيجة ذلك الخلاف. وقوله: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ4 بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } مع اختلافهم وانحرافهم مسارعة لهم منا في الخيرات 5لا بل ذلك استدراج لهم ليهلكوا ولكنهم لا يشعرون بذلك. لشدة غفلتهم واستيلاء غمرة الضلالة عليهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- وجوب الأكل من الحلال، ووجوب الشكر بالطاعة لله ورسوله.

2- الإِسلام دين البشرية جمعاء ولا يحل الاختلاف فيه بل يجب التمسك به وترك ما سواه.

3- حرمة الاختلاف في الدين وأنه سبب الكوارث والفتن والمحن.

4- إذا انحرفت الأمة عن دين الله، ثم رزقت المال وسعة العيش كان ذلك استدراجاً لها، ولم يكن إكراماً من الله لها دالاً على رضى ربها عنها بل ما هو إلا فتنة ليس غير.
_______________________________

1 اختلف في هذا الخطاب هل هو لعيسى عليه السلام نظراً لسياق الحديث أو هو لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو هو عام لكل الرسل، أي: ما من رسول إلاّ وأمره بما في هذا السياق، وأمّة كل رسول تابعة له، وما دامت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب في مثل هذا فلا داعي إلى الترجيح وعدمه ويشهد للعموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: "يا أيها الناس إن الله طيّب لا يقل إلاّ طيبا، وإن الله أمر المرسلين بما أمر به المؤمنين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" والشاهد في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بما أمر به المرسلين".
2 قرىء: {وانّ} بكسر إن على القطع أي: الابتداء وعلى تقدير قول أو قلنا لهم: {إن هذه} .. الخ وقرىء بفتحها، وهي قراءة الأكثرين على تقدير واعلموا {أن هذه أمتكم} .. الخ.
3 كأن هذه الآية تنظر إلى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا إن أهل الكتاب قبلكم افترقوا على اثنتين وسبعين ملّة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة" الحديث أخرجه أبو داود ورواه الترمذي وزاد: "قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي" وقوله: {ملة} فيه دليل على أن الاختلاف في الفروع غير مقصود وإنما المقصود هو ما كان في أصول الدين وقواعده.
4 {إنما} : ما: موصولة بمعنى الذي أي: أيحبسبون يا رسولنا إن الذي نعطيهم في الدنيا من مال وولد هو ثواب لهم على شركهم وكفرهم إنما هو استدراج وإملاء ليس إسراعاً في الخيرات واختلف في خبر إنّ فقيل: إنه محذوف وتقدير الكلام: إنما نسارع لهم به في الخيرات، والاستفهام في أيحسبون: إنكاري.
5 الخيرات: جمع خير وهو من الجموع النادرة مثل: سرادقات جمع سرداق.

****************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 03-08-2022, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



{ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } 57 { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } 58 { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } 59 { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } 60 { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } 61 { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }62

شرح الكلمات:

مشفقون: أي خائفون.

لا يشركون: أي بعبادته أحداً.

يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة: أي خائفون أن لا يقبل منهم ذلك.

أنهم إلى ربهم راجعون: أي لأنهم إلى ربهم راجعون فيحاسبهم ويسألهم ويجزيهم.

وهم لها سابقون: أي بإذن الله وفي علمه.

ولا نكلف نفساً إلاَّ وسعها: إلا طاقتها وما تقدر عليه.

ولدينا كتاب ينطق بالحق: وهو ما كتبه الكرام الكاتبون فإنه ناطق بالحق.

وهم لا يظلمون: أي بنقض حسنة من حسناتهم ولا بزيادة سيئة على سيآتهم.

معنى الآيات:

لما ذكر تعالى حال الذين فرقوا دينهم فذهبت كل فرقة منهم بكتاب ومذهب ولقب ونعى عليهم ذلك التفرق وأمر رسوله أن يتركهم في غمرة خلافاتهم ويدعهم إلى حين يلقون جزاءهم عاجلاً أو آجلاً: أثنى تبارك وتعالى على عباده المؤمنين من أهل الخشية، فقال وقوله الحق: { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } أي من عذابه خائفون من الوقوف بين يديه فهذه صفة لهم وآخرى { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } أي بحجج الله تعالى التي تضمنتها آياته يؤمنون أي يوقنون وثالثة: { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } أي في ذاته ولا صفاته ولا عباداته فيعبدونه بما شرع لهم موحدينه في ذلك ورابعة: { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ1 مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ2 رَاجِعُونَ }. أي يؤتون3 الزكاة وسائر الحقوق والواجبات وقلوبهم خائفة من ربهم أن يكونوا قد قصروا فيما أوجب عليهم وخائفة أن لا يقبل منهم عملهم، وذلك ناجم لهم من قوة إيمانهم برجوعهم إلى ربهم ووقوفهم بين يديه ومساءلته لهم: لم قدمت؟ لم أخرت؟ وقوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ 4فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } في هذا بشرى لهم إذ أخبر تعالى أنهم يسارعون في الخيرات، وأنهم سبق ذلك لهم في الأزل فهنيئاً لهم. وقوله تعالى: { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } فيه قبول عذر من بذل جهده في المسارعة في الخيرات ولم يلحق بغيره أعذره ربه فإنه لا خوف عليه ما دام قد بذلك جهده إذ هو تعالى { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي طاقتها وما يتسع له جهده.

وقوله: { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } فيه وعدٌ لأولئك المسارعين بالخيرات بأنَّ أعمالهم مكتوبة لهم في كتاب ينطق بالحق لا يخفى حسنة من حسناتهم ويستوفونها كاملة وفيه وعيد لأهل الشرك والمعاصي بأنَّ أعمالهم محصاة عليهم قد ضمها كتاب صادق وسوف يجزون بها وهم لا يظلمون فلا تكتب عليهم سيئة لم يعملوها قط ولا يجزون إلاَّ بما كانوا يكسبون.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- فضيلة الخشية والإِيمان والتوحيد والتواضع والمراقبة لله تعالى.

2- بشرى الله تعالى لأهل الإِيمان والتقوى.

3- تقرير قاعدة رفع الحرج في الدين.

4- تقرير كتابة أعمال العباد وإحصاء أعمالهم ومجازاتهم العادلة.
___________________________

1 روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الآية: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات".
2 أي: لأنهم: أو من أجل أنهم إلى ربهم راجعون. وفي هذه الآية إشارة إلى أن العبرة بما يختم به للعبد، وفي البخاري: "وإنما الأعمال بالخواتيم".
3 قرىء: {يأتون} من الإتيان، ولا يختلف المعنى إذ هم يأتون الأعمال الصالحة ويفعلونها، وقلوبهم خائفة. كما يعطون ما يعطون من الزكاة والنفقات وقلوبهم وجلة أو يعطون الملائكة أعمالهم التي يكتبونها وقلوبهم وجلة.
4 {يسارعون في الخيرات} أي: في الطاعات كي ينالوا بها أعلى الدرجات والغرفات ولم يقل يسارعون إلى الخيرات إذ هم في الخيرات لم يخرجوا من دائرتها أبداً فهم فيها يسارعون. في الآية إشارة إلى أن الصلاة في أول وقتها أفضل، وهكذا السبق في كل خير قبل الغير خير.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03-08-2022, 03:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المؤمنون - (6)
الحلقة (614)
تفسير سورة المؤمنون مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 526الى صــــ 531)

{ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } 63 { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } 64 { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } 65 { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } 66 { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } 67 { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } 68 { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } 69 { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }70


شرح الكلمات:

في غمرة من هذا: أي جهالة من القرآن وعمى.

ولهم أعمال من دون ذلك: أي من دون أعمال المؤمنين التي هي الخشية والإِيمان بالآيات والتوحيد والمراقبة.

هم لها عاملون: أي سيعملونها لتكون سبب نهايتهم حيث يأخذهم الله تعالى بها.

إذا هم يجأرون: أي يصرخون بأعلى أصواتهم ضاجينّ مستغيثين ممَّا حلَّ بهم من العذاب.

تنكصون: أي ترجعون على أعقابكم كراهة سماع القرآن.

مستكبرين به: أي بالحرم أي كانوا يقولون: لا يظهر علينا فيه أحد لأنّا أهل الحرم.

سامراً تهجرون: أي تسمرون بالحرم ليلاً هاجرين الحق وسماعه على قراءة فتح التاء وعلى قراءة ضمها تهجرون أي تقولوا الهجر من القول كالفحش والقبح.

رسولهم: أي محمداً صلى الله عليه وسلم.

به جنّة: أي مجنون.

معنى الآيات:

{ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } أي ليس الأمر كما يحسب هؤلاء المشركون أنّا نمدهم بالمال مسارعة منا لهم في الخيرات لرضانا عنهم لا بل إن قلوبهم في غمرة وعمى من القرآن { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ 1} أي دون عمل المؤمنين { هم لها عاملون } حتى تنتهي بمترفيهم إلى هلاكهم ودمارهم وقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } أي استمرت الأعمال الشركية الإِجرامية حتى أخذ الله تعالى مترفيهم في بدر بعذاب القتل والأسر { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ2 } يضجون بالصراخ مستغيثين، والله تعالى يقول لهم: { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } وذكر تعالى لهم ما كانوا عليه من التكذيب والاستكبار وقول الهجر موبخاً إياهم { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ 3} هروباً من سماعها حال كونكم { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي بالحرم زاعمين أنكم أهل الحرم، وأن أحداً لا يظهر عليكم فيه لأنكم أهله وقوله: { سَامِراً4 تَهْجُرُونَ } أي تسمرون بالليل تهجرون بذلك سماع الحق ودعوة الحق التي تُتلى بها عليكم آيات الله. وقد قرىء تُهجرون بضم التاء وكسر الجيم أي تقولون أثناء سمركم في الليل الهجر من القول كالكفر وقول الفحش وما لا خير فيه من الكلام، وكانوا كذلك.

وقوله تعالى: { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ5 ٱلْقَوْلَ } الذي يسمعونه من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيعرفوا أنه حق وخير وأنه فيه صلاحهم { أَمْ جَآءَهُمْ 6} من الدين والشرع { مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } فقد جاءت رسل ونزلت كتب وهم يعرفون ذلك. أم لم يعرفوا رسولهم محمداً صلى الله عليه وسلم فهم له منكرون إنهم يعرفونه بصدقه وطهارته وكماله منذ نشأته وصباه إلى يوم أن دعاهم إلى الله { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } أي جنون وأين الجنون من رجل ينطق بالحكمة ويعمل بها ويدعو إليها { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ 7لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } ، وهذا هو سرُّ إعراضهم واستكبارهم - إنه كراهيتهم للحق لطول ما ألفوا الباطل وعاشوا عليه، وهذه سنة البشر في كل زمان ومكان.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- غمرة الجهل والتعصب وعمى التقليد هي سبب إعراض الناس عن الحق ومعارضتهم له.

2- لا تنفع التوبة عند معاينة العذاب أو نزوله.

3- بيان الذنوب التي أخذ بها مترفو مكة ببدر وهي هروبهم من سماع القرآن ونكوصهم عند سماعه على أعقابهم حتى لا يسمعوه واستكبارهم بالحرم واعتزارهم به جهلاً وضلالا واجتماعهم في الليالي الطوال يسمرون على اللهو وقول الباطل هاجرين سماع القرآن وما يدعو إليه من هدى وخير.
_________________________________

1 عن ابن عباس رضي الله عنهما دون ذلك أي: دون الشرك من كبائر الذنوب هم عاملوها لا محالة إذ كتبت عليهم ليدخلوا بها النار، وما كان دون عمل المؤمنين قطعاً هو الشرك والمعاصي، فلا منافاة بين ما في التفسير وما روي عن ابن عباس.
2 الجؤار: كالخوار يقال: خار الثور يخأر: إذا صاح، وجأر الرجل بالدعاء: تضرع به، قال قتادة: يصرخون بالتوبة فلا تقبل منهم، وجأروا كذلك يوم أصابهم القحط والجدب فجاعوا حتى كادوا يهلكون بدعوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 {تنكصون} : ترجعون وراءكم، وأصله الرجوع إلى الوراء القهقري. قال الشاعر:
زعموا أنهم على سبل النجا
ةِ وإنما نكصوا على الأعقاب
4 سامراً معناه سمّاراً أي: جماعة تتحدّثون بالليل، والسمر مأخوذ من السّمر الذي هو ظل القمر، ومنه سمرة اللون وكانوا يتحدثون حول الكعبة في سمرة القمر فسمي التحدّث به، وقرى {سُمّاراً} جمع سامر. يقال: جاء من السامر يريد: من القوم الذين يسمرون، وفي الحديث: كراهة النوم قبل العشاء، والحديث أي السمر بعدها، وروي أن عمر رضي الله عنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء ويقول: أسمراً أول الليل ونوماً آخره؟!!
5 وقيل: القول: القرآن: وسمي قولاً لأنهم خوطبوا به، والاستفهام إنكاري يحمل التقريع والتأنيب.
6 {أم جاءهم} الخ.. أي: فأنكروه وأعرضوا عنه. وقيل: أم بمعنى بل الانتقالية بل جاءهم مالا عهد لآبائهم به فلذا أنكروه وتركوا التديُّن به، والفاء في: أفلم يدّبروا: للتفريع إذ هذا الكلام متفرع عما سبقه، والتدبر معناه إعمال النظر العقلي في دلالات الدلائل على ما نصبت له، وأصله النظر في دبر الأمر أي: فيما لا يظهر منه للمتأمل بادئ ذي بدء.
7 في قوله {بل أكثرهم} احتراس عرف في القرآن حتى لا ينقض ببعض الأفراد وهو من اعجاز القرآن وبالغ كماله في البلاغة والبيان.

*************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 03-08-2022, 03:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } 71 { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } 72 { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } 73 { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } 74 { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } 75 { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } 76 { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }77


شرح الكلمات:

لو اتبع الحق أهواءهم: أي ما يهوونه ويشتهونه.

أتيناهم بذكرهم: أي بالقرآن العظيم الذي فيه ذكرهم فيه يذكرون ويذكرون.

أم تسألهم خرجاً: أي مالاً مقابل إبلاغك لهم دعوة ربهم.

فخراج ربك خير: أي ما يرزقكه الله خير وهو خير الرازقين.

إلى صراط مستقيم: أي إلى الإِسلام.

عن الصراط لناكبون: أي عن الإِسلام أي متنكبونه جاعلوه على منكب أي جانب عادلون عنه.

للجوُّا في طغيانهم يعمهون: لتمادوا في طغيانهم مصرين عليه.

فما استكانوا: أي ما ذلوا ولا خضعوا.

إذا هم فيه مبلسون: أي آيسون قنطون.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد والإِيمان بالبعث والجزاء فقوله تعالى: { وَلَوِ ٱتَّبَعَ1 ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } هذا كلام مستأنف لبيان حقائق أخرى منها أن هؤلاء المشركين لو اتبع الحقُّ النازل من عند الله والذي يمثله القرآن أهواءهم أي ما يهوونه ويشتهونه فكان يوافقهم عليه لأدى ذلك إلى فساد الكون كله علويه 2وسفليه، وذلك لأنهم أهل باطل لا يرون إلا الباطل ويصبح سيرهم معاكساً للحق فيؤدي حتما إلى خراب الكون وقوله تعالى: { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } أي جئناهم بذكرهم الذي هو القرآن الكريم إذ به يذكرون وبه يُذكرون لأنه سبب شرفهم، وقوله: { فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } ، فهم لسوء حالهم وفساد قلوبهم معرضون عما به يذكرون ويذكرون3، وقوله تعالى: { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً } أي 4أجراً ومالاً { فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } أي ثواب ربِّك الذي يثيبك به خير وهو تعالى خير الرازقين وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسألهم عن التبليغ أجراً وقوله تعالى: { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي إلى الإِسلام طريق السعادة والكمال في الدنيا والآخرة، وقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ5 لَنَاكِبُونَ } أي علة تنكبّهم أي ابتعادهم عن الإِسلام هو عدم إيمانهم بالآخرة، وهو كذلك فالقلب الذي لا يعمره الإِيمان بلقاء الله والجزاء يوم القيامة صاحبه ضد كل خير ومعروف ولا يؤمل منه ذلك لعلة كفره بالآخرة.

وقوله تعالى: { وَلَوْ 6رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } يخبر تعالى أنه لو رحم أولئك المشركين المكذبين بالآخرة، وكشف ما بهم من ضر أصابهم من قحط وجدب وجوع ومرض لا يشكرون الله، بل يتمادون في عتوهم وضلالهم وظلمهم يعمهون حيارى يترددون، وقوله تعالى: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ 7} وهي سنوات الجدب والقحط بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وما أصابهم من قتل وجراحات وهزائم في بدر. وقوله: { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ 8لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } فما ذلوا لربهم وما دعوه ولا تضرعوا إليه بل بقوا على طغيانهم في ضلالهم ومرد هذا ظلمة النفوس الناتجة عن الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ } وهو معركة بدر وما أصاب المشركين من القتل { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ 9} أي آيسون من كل خير حزنون قنطون وذلك لظلمة نفوسهم بالشرك والمعاصي.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- خطر اتباع الهوى وما يفضي إليه من الهلاك والخسران.

2- الصراط المسقيم الموصل إلى السعادة والكمال هو الإِسلام لا غير.

3- التكذيب بيوم القيامة وما يتم فيه من حساب وجزاء هو الباعث على كل شر والمانع من كل خير.

4- من آثار ظلمة النفس نتيجة الكفر اليأس والقنوط والتمادي في الشر والفساد.
_________________________

1 اختلف في المراد بالحق فقيل: هو الله تعالى قاله مجاهد وغيره، وقيل معناه ولو اتبع صاحب الحق، وقيل: هو مجاز أي: لو وافق الحق أهواءهم فجعل موافقته إتباعاً، وما في التفسير أظهر، وقد استظهره ابن جرير الطبري.
2 وما في الكون العلوي من الملائكة، والسفلي من الجن والإنس، وإلى هذا الإشارة بِمَنْ في قوله: {ومن فيهن} .
3 الأولى يذكرون بفتح الياء، مبنى للفاعل، والثانية يذكرون بضم الياء مبنيٌ للمفعول.
4 قرىء خراجاً أيضاً والمعنى واحد، والمعنى: أتسألهم رزقاً فرزق ربك خير، وقيل: الخرج: الجعل والخراج: العطاء، والخرج: المصدر، والخراج: الاسم.
5 الصراط في اللغة: الطريق، يسمي الدين طريقاً لأنه طريق إلى الجنة والناكب: العادل عن الشيء المعرض عنه، وهو مشتق من المنكب وهو جانب الكتف.
6 {ولو رحمناهم} معطوف على جملة: {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} وما بينهما: اعتراض باستدلال عليهم وتنديم لهم وقطع لمعاذيرهم أي: أنهم ليسوا بحيث لو استجاب الله جؤارهم {دعاءهم} عند نزول العذاب بهم وكشفه عنهم لعادوا إلى ما كانوا فيه من الغمرة والشرك والأعمال السيئة. وهذا كقوله: {إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون} .
7 هذا استدلال على مضمون ما في قوله: {ولو رحمناهم} الخ، و {ال} في العذاب للعهد أي: بالعذاب المذكور آنفاً في قوله: {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} .
8 الاستكانة: مصدر بمعنى الخضوع، مشتقة من السكون، لأن الذي يخضع يقطع الحركة أمام من يخضع له.
9 الإبلاس: شدة اليأس من النجاة، وجائز أن يكون العذاب الذي أبلسهم عذاب القحط والمجاعة التي أصابتهم، وجائز أن يكون عذاب يوم القيامة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 395.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 389.38 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]