في ظلال آية . . . متجدد - الصفحة 12 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أصحاب الأخدود... عبر ودروس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 7 )           »          العُمَران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          إني أحبك أيها الفاروق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 1382 )           »          المنهج التربوي وثقافة المجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          بين الرأي والحديث.. لماذا وكيف تمذهب المسلمون ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ثمرة بر الوالدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          المتنبئ الكذاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الحجاج في القرآن .. إبراهيم عليه السلام أنموذجا ً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أنواع الغدد ووظائفها: كل ما عليك معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #111  
قديم 27-08-2008, 12:19 PM
الصورة الرمزية لنا الله
لنا الله لنا الله غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
مكان الإقامة: Cairo
الجنس :
المشاركات: 398
الدولة : Egypt
افتراضي

العفو والمسامحة


قال الله تعالى: {خُذِ العفوَ وأمرْ بالعُرفِ وأَعْرِضْ عن الجاهلين(199) وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ من الشيطانِ نَزْغٌ فاستعذ بالله إنَّهُ سميعٌ عليم(200)}سورة الأعراف(7)



وقال أيضاً: {ولا تستوي الحسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادفعْ بالَّتي هي أحسنُ فإذا الَّذي بينَك وبينَه عداوةٌ كأنَّه وليٌّ حميم(34) وما يُلَقَّاها إلاَّ الَّذين صبروا وما يُلَقَّاها إلاَّ ذو حظٍّ عظيم(35) وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ من الشَّيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله إنَّه هو السميعُ العليم(36)}سورة فصلت(41)



ومضات:

ـ أيُّها المسلم خذ نفحة طيِّبة من كلِّ خُلق كريم، وتحلَّى بالمسامحة وعامل الناس باللين والحلم والرفق، ولتكن آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر في كلِّ أحوالك، كن طبيباً معالجاً لمشاكل الناس وهمومهم ناشراً بلسم شفائهم، ولا تكن قاضياً جائراً تدينهم على الشُّبُهات، وابتعد عن طريق المغرضين المخرِّبين، العابثين بالقيم العليا وفضائل الأخلاق.

ـ إن قوَّة إيمانك تتجلَّى في قدرتك على أن تقتل العداوة الَّتي يزرعها الشيطان في قلب أعدائك، فتحوِّلهم إلى أحباب مسالمين متعاونين معك بمودَّة وصدق.

ـ ينال المؤمن القِيَمَ الأخلاقية الرفيعة والصفات الإيمانية الكريمة بالصبر الدؤوب، والمجاهدة المستمرة، وبتوفيق الله وعنايته.

ـ إن الشيطان يتربَّص بالإنسان الدوائر، ويقعد له مقاعد السوء، فهو مخلوق لا يملك سوى طاقة الشرِّ الَّتي تتأجَّج في صدره، وهي طاقة ضعيفة سُرعان ما تضمحلُّ وتتلاشى بمجرَّد التجاء المؤمن إلى الحقِّ، واستجارته بالله عزَّ وجل؛ الَّذي يحميه من وساوس هذا الشيطان اللعين.



في رحاب الآيات:

لئن كان الله عزَّ وجل قد حكم على آدم وذريَّته بالهبوط من الجنَّة إلى الأرض، فإنه قد شرَّع لهم من الشرائع ما يرفعهم من الأرض إلى الجنان إذا ما التزموا بها!. فالدِّين يعني الرقي الأخلاقي والسلوكي والاجتماعي، وهذا كافٍ ليأخذ بيد الإنسان من مسارب الجهل وسراديب الضياع، ويصعد به إلى مرتقيات الروح، ومسالك الضياء. وهو بمجموع تعاليمه ينضوي تحت لواء شعبتين كبيرتين هما: الإيمان بوحدانية الله، والتحلِّي بمكارم الأخلاق.

والآية الكريمة تتناول الجانب الثاني الَّذي يرتبط بعلاقات الناس بعضهم مع بعض، وهي ذات مدٍّ روحي كمدِّ البحر يتدافع في عمق النفس بسرعة خاطفة، ولا ينحسر عنها إلا وقد طهَّرها وزكّاها. وأوَّل هذه المكارم الخلقية التسامح مع الناس، والعفو عن أخطائهم، واليسر في معاملتهم بعيداً عن التشدُّد، وخاصَّة في مجال الدعوة إلى الله، حيث ينبغي أن تكون دعوتهم مبنية على اللين والحوار البنَّاء، فالنفوس ليست كلُّها على مستوى واحد من الكمال، وإذا تعامل الداعي مع الناس على أنهم متساوون في الرقيِّ الأخلاقي شقَّ ذلك عليهم، واتسعت الهوَّة بينه وبينهم؛ لذلك فإن من واجبه أن يصرف النظر عن هَفَوات من يدعوهم، ما لم يكن فيها مخالفة صريحة لتعاليم الدِّين، وعليه أن يخفِّف عنهم الأعباء ضمن حدود الشرع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.


ومن الواضح أن الآية تحثُّ على العمل الصالح، لأن خيره يعود على من يقوم به، وعلى من يرتبط به برابطة ما من الروابط الاجتماعية، فهو يترك أثراً إيجابياً في نفسيهما معاً، وينعكس راحةً وأمناً وطمأنينة، بينما يترك العمل السيء ردود فعل من الغضب، وتوتُّر الأعصاب في نفس من يصدر عنه ونفس من يرتبط به، وقد يحدث بسبب ردود الأفعال هذه مشاكل ومضاعفات يكون لها أسوأ النتائج.

وهنا يأتي دور الإيمان، وهو المصلح النفسي والاجتماعي لنفوس الناس وطبائعهم، فالتربية الإيمانية تحثُّك على مقابلة الإساءة بالإحسان، وهذا لا يتحقَّق إلا بإرادة قوية، وأعصاب فولاذية، ولسان رطب بذِكر الله، وقلب عامر بمحبَّته وخشيته، وفوق ذلك كلِّه فلابدَّ من الصبر الجميل والمصابرة الواعية. وكثيراً ما تقلِب هذه الإيجابية عداوة المسيء إلى صداقةٍ ومودَّةٍ، تعودان به إلى طريق الصواب، قال عمر رضي الله عنه : (ما عاقبتَ من عصى الله فيك بمثل أن تُطيع الله فيه)، وروى الطبراني عن جابر رضي الله عنه : «أنه لما نزلت هذه الآية {خُذِ العفو..} سأل النبيُ صلى الله عليه وسلم جبريلَ عنها فقال: لا أعلم حتى أسأل، ثم رجع فقال: إن ربَّك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك».

ولا يقدر على تنفيذ هذه الوصية إلا الصابرون على تحمُّل الشدائد، وتجرُّع المكاره، وكظم الغيظ، وترك الانتقام، فإن ذلك ممَّا يشقُّ على النفوس، ويصعب احتماله في الأغلب من الوقائع، والأشمل من الحالات.

قال أنس رضي الله عنه : (الرجل يشتمه أخوه فيقول: إن كنتَ صادقاً غفر الله لي، وإن كنتَ كاذباً غفر الله لك)، وهذه السماحة تحتاج إلى إنسان نبيل يعطف ويسمح مع قدرته على الإساءة والرَّد، حتى لا يُصوَّر الإحسان في نفس المسيء ضعفاً، فَيَبطُلَ أثرُ الحسنة.

إن هذه الدرجة، درجة دفع السيئة بالحسنة، وهذا التوازن الَّذي يعرف متى تكون السماحة مع القدرة، ومتى يكون الدفع بالحسنى،
درجة عالية لا يُلَقَّاها أيُّ إنسان، وإنما ينالها ذوو النصيب الوافر من الأخلاق وحسن التربية، فإن وسوس لك الشيطان ليحملك على مجازاة المسيء فاستعذ بالله من كيده وشرِّه، واعتصم به من نزغاته، فالاستعاذة بالله وقاية تحميك من لظى نار الغضب الَّتي يُسعِّرها، ودرع يقيك من سهام الشرور الَّتي يُصوِّبها.

ولا يخفى أن خالق القلب البشري يعرف مداخله وقنواته، ويعرف طاقته واستعداده، ومن أين يدخل الشيطان إليه، لذا فهو قادر على أن يحفظ قلب المؤمن من نزغاته إن هو استعاذ به، قال صلى الله عليه وسلم : «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضَّأ» (رواه أبو داود).

وبعد هذه الدعوة إلى هذا المستوى المثالي في الأخلاق والفضائل نرى الآية الكريمة تحثُّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلك سمة بارزة من سمات المجتمع المؤمن، حضَّ عليها الشارع الحكيم في الكثير من آيات القرآن الكريم، لأن صلاح المجتمع يتوقَّف عليها، وبها يتحقَّق التكافل الاجتماعي في أحسن صوره. وممَّا لاشكَّ فيه أن إصلاح الفرد هو الخطوة الأولى في إصلاح المجتمع، لأن الإنسان خليَّة في جسد المجتمع البشري، إذا فسدت أضرت به وآلمته، وإذا صلحت حملت له الأمل بالصحَّة والعافية.
ولا يكفي أن يصلح الإنسان نفسه، لأنه مسؤول أيضاً عن إصلاح أسرته الصغيرة، وكذلك عن الأسرة الإنسانية الَّتي يعيش بين ظهرانيها، لذلك ربط الله تعالى صلاح الأمَّة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: {كنتم خيرَ أُمَّةٍ أُخرجتْ للنَّاس تأمرونَ بالمعروفِ وتَنْهَوْنَ عن المنكر..} (3 آل عمران آية 110). وأوَّل شروط الأمر بالمعروف أن يكون الداعي إليه هو القدوة الصالحة، والأداة المنفِّذة له، فلا خير في دعوة لا تصدر عن القلب، ولا تصدِّقها الجوارح، بل تبقى مبتورة لا تتجاوز أسماع من تُلقى إليهم، وقد ندَّد الله بأمثال هؤلاء الدعاة فقال: {أتامُرونَ النَّاسَ بالبِرِّ وتَنْسَوْنَ أنفسَكُم وأنتم تَتْلونَ الكتابَ أفلا تعقلون} (2 البقرة آية 44).

ولابدَّ من أن يواجه الداعي إلى الله العقبات الشاقَّة، وأن يلتقي نماذج مختلفة من البشر، ففيهم من يستمع القول فيتَّبع أحسنه، وفيهم من يستمع القول فلا يتجاوز شحمتي أذنيه، وفيهم زكي القلب حسن الاستماع بعيد الأفق، وفيهم الجاهل محدود العقل ضيِّق الأفق، فإذا ما اصطدمت مصالحهم الشخصية مع تعاليم الداعية وحاربوه، فعليه أن يحلم، وأن يحاورهم الحوار البنَّاء بالحكمة والموعظة الحسنة، قال ابن عباس رضي الله عنه : (ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك)، فإذا استنفد الداعي وسائله العقلانية ولم ينجح، فليكفف وليصمت، ولعلَّ الصمت يكون أبلغ من الكلام، وأقدر على ترويض نفوسهم وتطويعها للحقِّ بدلاً من استثارتهم للفحش في الردِّ والعناد.

فالشيطان في مثل هذه المواقف نشط فرح، يسعى ليَنفُذَ بسهامه المسمومة إلى عقل الإنسان المصلح ليربكه، وإلى حماسه ليثبِّطه، وإلى غضبه ليؤجِّجه، فما على الداعية إلا أن يستعيذ بالله، وأن يقوِّي روابط صلته القلبية الروحية بالحضرة الإلهية، ليبقي على توازنه، ويوطِّد العزم من جديد على مواصلة مسيرة الإصلاح والبناء والعمل المنتج.
__________________

قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي
وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ
قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ
وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي
وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي:
هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي
رد مع اقتباس
  #112  
قديم 29-08-2008, 07:38 AM
الصورة الرمزية لنا الله
لنا الله لنا الله غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
مكان الإقامة: Cairo
الجنس :
المشاركات: 398
الدولة : Egypt
افتراضي

مفهـوم الجـهــاد


قال الله تعالى: {والَّذين جاهَدوا فينا لنَهديَنَّهُمْ سُبُلَنا وإنَّ الله لَمَع المحسنين(69)}سورة العنكبوت(29)



وقال أيضاً: {وجاهِدوا في الله حقَّ جهادِهِ هو اجتبَاكم وما جَعلَ عليكم في الدِّينِ من حرج.. (78)}سورة الحج(22)



وقال أيضاً: {فلا تُطِعِ الكافرينَ وجاهِدْهُم به جهاداً كبيراً(52)}سورة الفرقان(25



ومضات:

ـ جهاد النفس والهوى يزرع الخشية في القلوب والتَّقوى في النفوس، ويحرِّك الفكر لما هو أرقى؛ فيوصل إلى سبل السعادة والنجاح، والصَّادق الملتزم بهذه المسيرة محسن يحظى بعطاء الله وقُربهِ عزَّ وجل.

ـ الجهاد الحقيقي هو مجاهدة المؤمن نفسه وأهواءه، فإن تمكَّن من الانتصار عليها، كان ذلك النصر أساساً ومقدِّمة لانتصاره على الطغيان والطغاة المعتدين عند المواجهة معهم.

ـ بعد تهذيب النفس، وجَعْلِهَا مطمئنة بالله عزَّ وجل، يبدأ الجهاد بالقرآن؛ في تعلُّمه وسبر أغواره، واستخلاص تعاليمه الربَّانية المسعدة للبشرية، ومن ثمَّ عرضها على الغافلين عنه، أو الجاحدين به، ليأخذوا بها، وتكون الدواء الشافي لأمراضهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية.


في رحاب الآيات:

لا يكاد الناس يسمعون كلمة الجهاد حتَّى تتبادر إلى أذهانهم صور القتال والحرب واستعمال العنف، حتَّى إن الرأي العام العالمي لا يدري عن الجهاد في الإسلام إلا أشباه هذه المعاني، الَّتي تُدخل الرُّعب والفزع إلى القلوب، دون إدراك لمعناه الحقيقي الشامل.

إن الجهاد في الإسلام هو بذل الجهد الممكن والطاقة في سبيل أمر من الأمور؛ وهو بهذا المعنى يشمل ثلاثة أنواع من الجهاد: مجاهدة المعتدي، ويكون بالنفس والمال وبكلِّ ما يملك المسلم من طاقة، وهو فرض كفاية، إذا قام به المُؤَهَّلون له، أجزأ عن الآخرين وعن أهل الأعذار الَّذين لا يستطيعون أن يجاهدوا. وهناك جهاد آخر هو جهاد النفس والهوى وهو الأعظم، وهذا الجهاد فرض عَيْن على كلِّ مسلم، وقد عُدَّ جهاداً أعظم، لأنه جهاد مستمرٌّ دائم مادامت الحياة، أخرج البيهقي وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: «قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم غزاة فقال: قدمتم خير مقدم، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قيل: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه».

والنوع الثالث والأهم، هو الجهاد بالقرآن الكريم، وهو الجهاد الكبير {..وجاهدْهُم به جهاداً كبيراً}، إنه جهاد الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومقارعة الجهلاء بالحجج والبراهين المستنبطة من حنايا القرآن، في سبيل إنارة عقولهم، وفتح مغاليق قلوبهم، عسى أن يهديهم ربُّهم صراطاً مستقيماً، فيؤمنوا بالله ربّاً وبالقرآن إماماً، وبجميع الأنبياء والمرسلين هداة وأدلاَّء.

وعلى هذا فشتَّى أنواع سعي المؤمن في سبيل الوصول إلى المستوى الأفضل يكون جهاداً إذا قصد به وجه الله، وسواء أكان في تهذيب نفسه وسلوكه، أم في حياته المعاشية، أم في علاقاته مع مجتمعه، ومن ثمَّ مع الأسرة الدولية. والجهاد يبدأ من مقارعة النفس والهوى وفق الأساليب التربوية الربَّانية، وتتوسَّع دائرته لتشمل الدعوة في سبيل الله، الَّتي تتحقَّق بها سعادة العالم بأسره، كثمرة من ثمار الجهد المشترك، الَّذي بذله ويبذله المؤمنون في سبيل توحيد القلوب، وتشابك الأيدي وتعاونها، وتنوير العقول وتلاقحها، والرقي بالمجتمع نحو الخير والنجاح، وإنقاذ الإنسان من الفقر والجهل والمرض والتخلُّف، وكذلك لتخليصه مما عشَّشَ في ذهنه من خرافات فاسدة، وأباطيل ضالَّة انحرفت به عن جادَّة الصواب.

لقد كانت الحروب الَّتي خاضتها الأمم عبر أعصر التاريخ، وسيلة يفتعلها المستكبرون لاستعمار الشعوب، واستنزاف خيراتها وامتصاص دمائها، ودفعها للتخلُّف والجهل. وإذا كان المسلمون قد خاضوا الحروب، فقد خاضوها مجاهدين في سبيل الله، ولم يخوضوها ليستعمروا الشعوب ولا ليقهروها ويستنزفوا خيراتها، وإنما يشهد التاريخ على أنهم حرَّروها من قبضة المستبدِّين، ومن ربقة الفقر والجهل، حتَّى تخرَّج منها أعظم علماء الأرض في زمانهم، وازدهرت الحضارة لدى تلك الشعوب حتَّى أصبحوا قادة الدنيا ومعلِّميها. وعندما جاهدوا ضد الغزاة، فإنما جاهدوا انتصاراً للحقِّ على الباطل، وللعلم ضد الجهل، وللحرِّية ضد الاستعباد، وللكرامة ضد الذلِّ، وللعدل ضد الظلم، وفي سبيل نشر جميع القيم العليا والدفاع عنها، والَّتي ما كانت لتتحقَّق إلا بتحرير الناس من كلِّ أنواع العبودية المذلَّة، ليدخلوا في عزِّ عبادة الله الواحد القهَّار.

وكلُّ نشاط للمؤمن، يعدل أجرَ الجهاد، متى توجَّه القلب به إلى الله، حتَّى الحاجات اليومية من نوم وطعام وشراب، تتحوَّل إلى عبادات متى ذَكَرَ الله ونَوى أن يتقوَّى بها على طاعته وعبادته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» (أخرجه أحمد والطبراني والقضاعي عن فضالة بن عبيد مرفوعاً)، وروي عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ الآية ثم قال: (إن الرجل ليجاهد في الله تعالى وما ضرب بسيف).

وبعد كلِّ هذا نستطيع الخروج بنتيجة مُفادُها أن الجهاد في الإسلام ليس مجرد لقاء بين عدوَّين يريد كلٌّ منهما الغدر بالآخر والوقيعة به لكسب المعركة لصالحه؛ بل هو صراع بين الخير والشرِّ، بين الفضيلة والرذيلة، بين الهداية والضلالة، بين العلم والجاهلية.

لقد أتى رسول الله محمَّد صلى الله عليه وسلم إلى هذه الدنيا بهذه الهدية الربَّانية، فمن قَبِلها طائعاً مختاراً عن قناعة فيها ورضاً بمحتواها فقد رشد، ومن رفضها استكباراً واعتزازاً بالإثم والجاهلية، ومنع إيصال هديَّة الله إلى عباده الَّذين يريدونها، فقد وجب على أمناء هذه الهديَّة، إزاحة هذا المنع، الَّذي يحول دون وصول الهديَّة المقدَّسة إلى عباد الله.

إن هذا الكلام كان حقيقة ماثلة للعيان عبر تاريخ الإسلام الحافل بمآثر الرقي والتهذيب، الَّذي حمله المسلمون لإخوتهم في الإنسانية، والتاريخ خير شاهد على أن المسلمين ما قاتلوا يوماً من الأيام لانتزاع لقمة العيش من أفواه غيرهم، كما فعل المستعمرون المستكبرون في شعوب الأرض، إنما خرجوا محرِّرين لإخوانهم من الظلم الَّذي كانوا يرزحون تحت وطأته، وهادين إيَّاهم إلى موارد الخير الَّتي وردوها، فسعدوا بعد شقاء، واغتنوا بعد فقر، وتعلَّموا بعد جهل، واهتدوا بعد ضلال، وتوحَّدوا بعد فرقة، وتآخوا بعد عداوة، إنه الإسلام دين الحياة الآمنة المطمئنَّة على هذه الأرض، ومن ورائها حياة أبدية في نعيم يجلُّ عن الوصف.
__________________

قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي
وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ
قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ
وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي
وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي:
هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي
رد مع اقتباس
  #113  
قديم 30-08-2008, 06:19 AM
الصورة الرمزية لنا الله
لنا الله لنا الله غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
مكان الإقامة: Cairo
الجنس :
المشاركات: 398
الدولة : Egypt
افتراضي

التَّخلُّف عن الجهاد


قال سبحانه وتعالى في محكم تنزيله

{يا أيُّها الَّذين آمَنوا مالكم إذا قيل لكُم انفروا في سبيل الله اثَّاقلتُم إلى الأرضِ أَرَضِيتم بالحياة الدُّنيا من الآخرة فما متاعُ الحياةِ الدُّنيا في الآخرة إلا قَليلٌ (38) إلا تنفِروا يُعذِّبكم عذاباً أَليماً وَيَستبدِلْ قوماً غيركُم ولا تضرُّوه شيئاً والله على كِلِّ شيءٍ قديرٌ (39)}



{فَرحَ المُخلَّفون ِبمقْعدهِمْ خِلاف رسولِ الله وكَرِهوا أَن يُجاهِدوا بأموالهِم وأَنفُسِهمْ في سبيلِ الله وقالوا لا تَنفِروا في الحرِّ قُلْ نارُ جهنَّمَ أَشدُّ حرّاً لو كانوا يَفْقَهونَ(81)}



{ما كانَ لأَهلِ المدينة ومن حَولَهُم من الأَعْرابِ أن يَتخلَّفوا عن رسولِ الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بِأنَّهم لا يُصِيبُهُم ظمأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمصةٌ في سبيلِ الله ولا يَطَؤُون مَوطئاً يَغيظُ الكُفَّارَ ولا ينَالُون من عَدُوٍّ نيلاً إلا كُتبَ لَهُم به عملٌ صالحٌ إنَّ الله لا يُضيعُ أَجْرَ المُحسِنين (120)}



{لقد تَابَ الله على النبيِّ والمهاجِرِينَ والأَنصارِ الَّذين اتَّبَعوهُ في ساعةِ العُسرَةِ مِن بعدِ ما كادَ يَزيغُ قلوبُ فريقٍ منهمْ ثمَّ تابَ عليهِم إنَّه بِهِم رؤوفٌ رَّحِيمٌ (117)وعلى الثَّلاثة الَّذين خُلِّفوا حتَّى إذا ضاقَتْ عليهِمُ الأرضُ بما رَحُبَتْ وضاقَتْ عليهِمْ أَنْفُسُهُمْ وظنُّوا أن لا مَلْجأَ مِنَ الله إلا إليه ثمَّ تاب عليهِم لِيتُوبوا إن الله هو التَّوَّابُ الرحيمُ(118)}



{وَما كانَ المؤمِنونَ لِيَنفِروا كافَّةً فلولا نفرَ من كلِّ فِرقَةٍ مِنهُم طائفةٌ ليتفقَّهوا في الدِّين وَلِيُنذِروا قومَهُمْ إذا رَجَعوا إِليهم لعلَّهم يَحْذَرون (122)}



{إِنَّما السَّبيلُ على الَّذين يَسْتَئذنِونَكَ وهمْ أغنياءُ رَضُوا بِأَن يكونُوا مع الخَوالِفِ وَطَبَعَ الله على قُلوبِهِمْ فَهمْ لا يَعْلمُونَ(93)}



ومضات:


ـ ما كان للذين آمنوا أن يتخلَّفوا عن المساهمة في الجهاد الكبير، والجهاد الأكبر، والجهاد الأصغر؛ في سبيل تحويل مجتمعهم من مجتمع الذلِّ والجهل والتخلُّف، إلى مجتمع القوَّة والكرامة والعلم والتقدُّم، وأن تكون لهم الريادة على سائر أمم الأرض، في نشر الأخلاق الفاضلة، واستنفاد طاقاتهم العقلية كافَّة في تقصِّي جميع العلوم الكونية، للاستفادة ممَّا خلقه الله لنا في إعمار القلب والعقل والجسد، بشكل متوازن سليم، وهذا هو سبيل الله.

ـ إن مغريات الجسد من التراخي والكسل، والاستمتاع باللذائذ وترف العيش، عوامل مثبِّطة للهمم، تثقل المؤمن عن الانطلاق البنَّاء، وتحجبه عن المتع الروحية وعن منابع السعادة الحقيقية، الَّتي هي زاده الوفير في الرحلة المتكاملة في الحياة الدنيا ومنها إلى الدار الآخرة.

ـ عذاب الله وفق نواميسه هو ذلٌّ وهوان، وسيطرة العدو على عقولنا وتخديرها، وتسلُّطه على منابع ثرواتنا، وما كانت لأمَّة متخاذلة أن يكون لها الخلافة الربَّانية على هذه الأرض، وما كان بمعجز لله أن يستبدلها بأمَّة بنَّاءة متطوِّرة مضحِّية، فهمت عن الله مراده وسعت في تحقيق هذا المراد.

ـ إن في الجهاد إحساناً للمؤمنين أنفسهم حيث يصونون مجتمعهم مهاباً عزيزاً، وإحسان لأعداء الإسلام بحيث تتاح فرصة عرض مبادئ هذا الدِّين عليهم في محاولة لنقلهم من أخلاق الجهل المدمِّر إلى آفاق العلم المثمر، ومن فقر الروح إلى غنى النفس، ومن الضعف البهيمي إلى قوَّة الإيمان، ومن التشتت العاطفي إلى التماسك العائلي والاجتماعي. أمَّا في حال إِعراضهم وتعدِّيهم فإنَّ علينا أن نشتِّت شملهم ونأخذ منهم كلَّ مأخذ، حتَّى يرتدعوا ويؤوبوا إلى جادَّة الحقِّ والصواب.

ـ ما كان للمؤمنين أن يتخلُّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع المهام الَّتي يباشرها بنفسه، ولا أن يحبُّوا أنفسهم أكثر من حبِّهم لرسول الله. وإن لهم في أنواع الآلام الَّتي يعانونها نتيجة العطش والتعب والجوع وفي اقتحامهم لأوكار العدو، والنيل من هيبته والإغاظة له في أسره أو قتله، لهم في كلِّ ذلك رفيع المقام، والعزَّة والكرامة، والثواب من الربِّ الكريم، حيث تصان لهم أعمالهم مجداً في هذه الحياة، ومقاماً محموداً في الدار الآخرة.

ـ كانت عقوبة الصحابة الثلاثة الَّذين تخلَّفوا عن رسول الله ـ دون عذر أو نفاق ـ مقاطعة المجتمع لهم، فلا كلام معهم ولا تعامل، ومُنعت نساؤهم عنهم، وحبسوا في دائرة أنفسهم، وهذا هو العزل المدني والاجتماعي الَّذي طُبِّق عليهم بطريقة احترقت بها قلوبهم لوعة وأسى على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابتعاد المؤمنين عنهم، حتَّى أَرمدت عيونهم من كثرة البكاء وهول المصاب النفسي الَّذي ألمَّ بهم.

ـ النفير المستمرُّ لطوائف من المسلمين في طلب العلم بمختلف صنوفه، وتعليمهم لباقي أفراد الأمَّة واجب حتمي، وعلى الأغنياء بشكل خاص أن يدعموا هذا السبيل تحت طائلة تغليف قلوبهم بالقسوة والنفاق، وإغراقهم في مستنقعات الجهل والتخلُّف.

في رحاب الآيات:

نزلت هذه الآيات الكريمة بمناسبة غزوة تبوك، حين تجمَّعت قوى الروم متحالفة مع بعض القبائل من العرب المتنصرة، بغية الهجوم على المدينة المنوَّرة لاستئصال جذور الإسلام والقضاء عليه. وحين بلغ الخبر رسول اللهصلى الله عليه وسلم لم يتوانَ لحظة واحدة عن الدعوة للنفير العام، قال تعالى: {انفِروا خِفافاً وثِقالاً وجاهِدوا بِأَموالِكُم وأَنفُسِكم في سبيل الله ذلِكُم خيٌر لكُم إن كُنتُم تَعلَمون} (9 سورة التوبة آية 41).

كان الوقت حينها وحرارة الصيف اللاهبة تلفح الوجوه، والناس تستعدُّ لقطف ثمار النخيل، وقد حان أوانها وطاب مذاقها. وكان تقبُّل المسلمين لهذا النفير متفاوتاً حسب درجة إيمانهم:

1ـ فمنهم من بذل الغالي والرخيص فقال تعالى في حقِّهم: {لكنِ الرسولُ والَّذينَ آمنوا معـهُ جـاهَدوا بأموالِهِـم وأَنفُسِـهم وأولئِـكَ لَهُمُ الخيراتُ وأوُلئِـكَ هُمُ المُفلِحونَ } (9التوبة آية 88).

2ـ ومنهم من أقعدهم المرض والعجز وقلَّة ذات اليد، فجاؤوا يعتذرون لرسول اللهصلى الله عليه وسلم ، فقبل الله اعتذارهم بقوله: {ليسَ على الضُّعفاءِ ولا على المرضى ولا على الَّذين لا يَجِدُون ما يُنفِقون حَرَجٌ إذا نَصَحوا لله ورسـولهِ مـا على المحُسـنينَ من سـبيلٍ والله غفورٌ رحيمٌ} (9 التوبة آية 91).

3ـ ومنهم من لم يجدوا ما يبذلونه من المال وتقدَّموا مستجيبين للنداء مع استطاعتهم لبذل الجهد العضلي، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذر عن عدم قبول تطوُّعهم لعدم وجود وسائط النقل الكافية لحملهم، قال تعالى: {ولا على الَّذين إذا ما أتوكَ لِتحمِلهمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحمِلُكُم عليهِ تَولَّوا وأعيُنُهم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ حَزَناً ألاَّ يَجِدوا ما يُنفِقون} (9 التوبة آية 92).

4ـ ومنهم أغنياء، غلَّف حبُّ الدنيا شغاف قلوبهم، فآثروا الانغلاق ضمن أصداف المادَّة والمتع البهيمية وجاءوا يعتذرون، فقال تعالى بحقِّهم: {وإذا أُنزِلَتْ سُورةٌ أَن آمنوا بالله وجاهِدوا معَ رسولِهِ استئَذنَكَ أُولُوا الطَّولِ مِنْهم وقالوا ذَرْنا نكُن مع القاعدين رَضُوا بأن يكونوا مع الخوالِفِ وطُبِعَ على قُلوبِهم فهمْ لايَفقهونَ} (9 التوبة آية 86 ـ87).

إن التثاقل تغلغل في أنفس مريضة أدمنت المطامع والمصالح، وتراخت بداعي الدعة والراحة والاستقرار، وانشدَّت إلى ترابية الأرض الفانية، متخاذلة عن جهاد عدو يخافونه ويرهبون بطشه وقد بعدت مسافته.

ولو عمرت قلوبهم بمحبَّة الله ورسـوله صلى الله عليه وسلم ، لانطلقت من قيد أسـر الغرائز والشهوات، وارتفعت عن تثاقل اللحم والدم، فتغلَّب عنصر الشوق المشبوب بالإيمان على عنصر القيود المادِّية الَّتي تثقل الأنفس المتخومة. ولو أنهم أنفقوا وجاهدوا لتمكَّنوا من حماية الثروة القومية من اندثار يعادل مئات الأضعاف من قيمة ما كان يمكن أن ينفقوه في سبيل التعبئة العامَّة.

5ـ ومنهم منافقين من الأعراب ومن أهل المدينة، كذبوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واختلقوا الأعذار الواهية، مردوا على النفاق وحـاولوا تثبيط عـزائم الآخرين، فقال تعالى عنهم: {إنَّما يَسْتأذِنُكَ الَّذين لا يُؤمنونَ بالله واليومِ الآخرِ وَارتابـتْ قُلوبُهـمْ فهُـمْ في رَيبهِم يتردَّدون} (9 التوبة آية 45).

هؤلاء المنافقين جهدوا في تفكيك البنية التحتية للمجتمع الإسلامي، وفي تفريقهم للصفوف المؤمنة، ومحاولة الإساءة لشخصيَّة النبيِّ الكريم محمَّد صلى الله عليه وسلم ، لتبهيت صورته المشرقة فقال تعالى عنهم: {وَمنهُمُ الَّذين يُؤْذون النَّبِيَّ ويقولُونَ هوَ أُذنٌ قُلْ أُذُنُ خَيرٍ لكُم يُؤْمِنُ بالله وَيؤْمِنُ للمُؤمنيَن وَرَحمةٌ لِلَّذين آمنوا والَّذين يُؤذُونَ رسولَ الله لهم عذابٌ أليمٌ} (9 التوبة آية 61).

نعم هذا الرسول الكريم أذن خير يستمع إلى الوحي ثمَّ يبلِّـغُه لكم وفيه خيركم وصلاحكم وأذن خير يستمع إليكم في أدب فلا يجابهكم بنفاقكم ولا يرميكم بخداعكم، ويؤمن للمؤمنين فيطمئن إليهم ويثق بهم لأنه يعلم صدق الإيمان الَّذي يعصمهم من الكذب والرياء، ورحمة للذين آمنوا يأخذ بيدهم إلى الخير والفلاح بينما يستغرق المنافقون في الكذب كما وصفهم تعالى بقوله: {يَحلِفون بالله لِيُرضوكُمْ والله ورسولُهُ أَحَقُّ أَن يُـرضُوهُ إن كـانوا مُؤمِنينَ} (9 التوبة آية 62).

وهكذا تخلَّف المنافقون وفرحوا، سروراً وشماتة، فلا إنفاق ولا تعب ولا قتال، تهرَّبوا من كلِّ ذلك فجاءت عدالة السماء لتنزل حكمها العادل فيهم بقوله تعالى: {فَليَضْحَكوا قليلاً وَليَبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون * فإن رجَعَكَ الله إلى طائِفةٍ مِنهم فاستئذَنُوك للخُروجِ فَقُل لن تَخرُجوا معي أبداً ولن تقاُتلوا معيَ عَدوّاً إنَّكم رَضيتمُ بالقعودِ أَوَّل مَرَّةٍ فاقُعُدوا مع الخالِفين * ولا تُصَلِّ على أَحد منهم ماتَ أبداً ولا تَقُمْ على قَبرِه إنَّهُم كَفَروا بالله ورسولهِ وماتوا وهم فاسقون * ولاتُعجِبْكَ أَموالُهُم وأَولادُهُم إنما يُرِيدُ الله أَنْ يُعَذِّبَهُم بها في الدنيا وتَزهَقَ أَنفُسهُم وهُم كافِرونَ } (9 التوبة آية 82ـ85).

حكمٌ إلهي بمنتهى الشدَّة، إنه حرمان من شرف الخدمة العسكرية، فلا تكريم لهم في حياتهم أو عند مماتهم، وتحويل للنعمة الزائلة الَّتي انخدعوا بها إلى جحيم دنيوي، فالأولاد ينقلبون إلى أعداء يذيقون آباءهم مرَّ الغضب والعقوق، والمال يذوب ويندثر، والموت الكريب يحيق بهم، وقد زهقت أنفسهم من وبال الأمراض والهموم، فلا استغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبورهم ولا دعاء لهم والملائكة تسائلهم.

روى أبو داود والحاكم والبزار عن عثمان رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل وفي الآخرة لهم ما هو أدهى وأمر»، قال تعالى: {بل السَّاعةُ مَوعدُهُم والسَّاعةُ أدهى وأَمرُّ * أن المُجرِمينَ في ضلالٍ وسُعُرٍ * وهمَ يُسحَبونَ في النَّارِ على وُجُوهِهِم ذُوقوا مَسَّ سَقَرَ } (54 القمر آية 46ـ48)

6ـ ومنهم ثلاثة من المؤمنين: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، لم يكن لهم أي عذر في تخلُّفهم سوى الكسل والاسترواح في ظلال المدينة، كما قال كعب: (والله ماكان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلَّفت عنك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم : «أمَّا هذا فقد صدق فقم حتَّى يقضي الله فيك»). (أخرجه البخاري ومسلم).

وقضى الله تعالى فيهم أمره، وأصدر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حكم الله فيهم، فنهى الناس عن كلامهم، أو التعامل معهم، أو ردَّ السَّلام عليهم، وأصدر عليه الصَّلاة والسَّلام أمراً بعد أربعين ليلة من الحكم الأوَّل إلى زوجاتهم بأن يعتزلن أزواجهن، والاكتفاء بخدمتهم دون مقاربتهم.

وكان سجناً انفرادياً لكلٍّ منهم داخل قفص جسده، وكانت زنزانة غير منظورة لكلٍّ منهم، وكانت عقوبتهم حكماً فريداً من نوعه، اشترك الشعب كلُّه في تنفيذه. إنها سابقة لم يكن لها مثيل في تاريخ البشرية على الاطلاق، امتثل فيها المحكومون للحكم الإلهي بملء إرادتهـم، وقابلوه بالاستغفار والتوبة، والإنابة بصدق وخشوع، وبالتضرُّع والدعاء الممزوجين بدموع مدرارة سخية ملتهبة، تنبعث من قلوب احترقت من خشية الله، وتنهمل من عيون التهبت بنار إلهية غسلت الركام الناشئ عن تخلُّفهم، حتَّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنُّوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، نزلت بشائر التوبة الإلهية واستبشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وبشَّر صحابته الكرام، وكان احتفالاً غريباً من نوعه، قام فيه منفِّذو الحكم بتهنئة المحكومين، مهلِّلين مكبِّرين، فرحين مستبشرين.

إنها توبة إلهية شملت الثلاثة الَّذين تَخَلَّفوا، كما شملت قبلهم جميع من شاركوا في غزوة تبوك، وخاصَّة من راودتهم أنفسهم بعض الظنون والشكوك والهموم، وقد هدَّهم تعب المسير، حتَّى تورَّمت أقدامهم وتقيَّحت، حيث كان العشرة منهم يتناوبون الركب على دابَّة واحدة، وأضناهم قلَّة الزاد والماء، حتَّى أن الرجلين كانا يشقَّان التمرة بينهما، وحتَّى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده.

وهكذا بهذه الرسالة السماوية الكريمة، وبأمثال هؤلاء الصحابة العظام، وبالرعاية الكريمة الصادقة المخلصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ظهرت خير أمَّة أُخرجت للناس، سبقت أعمالُها أقوالَها، وشعَّ صدق إيمانها نوراً ربَّانيّاً أضاء ظلمات القلوب العاثِرة، فاهتدت وهدت إلى صراط ربِّ العالمين.
__________________

قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي
وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ
قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ
وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي
وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي:
هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي
رد مع اقتباس
  #114  
قديم 31-08-2008, 06:08 PM
الصورة الرمزية لنا الله
لنا الله لنا الله غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
مكان الإقامة: Cairo
الجنس :
المشاركات: 398
الدولة : Egypt
افتراضي

الشهيد والشهادة



سورة آل عمران(3)

قال الله تعالى: {ولا تَحسَبَنَّ الَّذين قُتِلوا في سَبيلِ الله أمواتاً بل أحياءٌ عِند ربِّهم يُرزَقونَ(169) فَرِحينَ بما آتاهُمُ الله من فَضلِهِ ويَستَبشِرونَ بالَّذين لم يَلحَقوا بهم من خَلفِهِم ألاَّ خوفٌ عليهم ولا هُمْ يَحزنونَ(170) يَستَبشِرونَ بِنِعمةٍ من الله وفضلٍ وأنَّ الله لا يُضيعُ أجرَ المؤمِنينَ(171)}

سورة البقرة(2)

وقال أيضاً: {ولا تَقولوا لِمَنْ يُقتلُ في سبيلِ الله أمواتٌ بل أَحياءٌ ولكن لا تَشعُرونَ(154)}




ومضات:

ـ الحياة الحقيقية هي اتحاد الروح والجسد في سبيل تحقيق هدف واحد، هو إعلاء كلمة الله في الأرض، بتمثُّل الإيمان في النفس، ونشره في ربوع الأرض بين الناس، وإقامة البناء الأخلاقي والإعمار. وقد يتعرَّض الجسد من أجل ذلك كلِّه للموت، إلا أن الموت هنا، في حدِّ ذاته، بداية لحياة مِلؤُها السعادة والحبور في ظلِّ عرش الله ورعايته.

ـ الفرح الحقيقي هو الَّذي لا حزن بعده، وهو الغاية المنشودة الَّتي يطلبها المؤمن من ربٍّ كريم.

ـ قافلة الشهداء تتابع مسيرتها حين يقدِّم المؤمنون أرواحهم رخيصة في سبيل الله، بكلِّ ثبات واطمئنان دون وجل ولا تردُّد، وتكون البشرى الحقيقية عندما يُغْمِضُ الشهيد عينيه، وقلبُهُ مغمور باليقين؛ بأنه سينال ما وعده الله تعالى من حسن الجزاء لقاء صدقه واستشهاده، فيجد ذلك كلَّه حقيقةً ماثلةً للعيان، جِنانٌ وربٌ كريم.


في رحاب الآيات:

يا له من موكبٍ جميل تتنزَّل فيه كوكبةٌ من ملائكة الرحمن لتحمل روح الشهيد وتَزفَّها إلى أعالي جنان الخلد، ورائحة دمائه الزكية تفوح بالمسك الأذفر! ولا عجب في أن يُستقْبَل بهذه الحفاوة والتكريم، وهو الَّذي قدَّم أغلى ما يملك لأعزِّ مالك، ألا وهو ربُّ العرش العظيم.

لقد نزلت هذه الآيات الكريمة على المؤمنين؛ لتخبرهم عن منزلة شهدائهم عند الله، فيزدادوا في الجهاد حباً، وإلى لقاء ربِّهم شـوقاً، وبمصداقية حياتهم بعد موتهم يقيناً. وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لمَّا أصيب إخوانكم بأُحُد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خُضْر، تَرِد أنهار الجنَّة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظلِّ العرش، فلمَّا وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مَقِيلهم قالوا: ياليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله، أنا أبلغهم عنكم، فأنزل هذه الآية: {ولا تحسَبَنَّ الَّذين قُتِلوا في سبيلِ الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربِّهم يُرزَقون}».

فإن كان الشهداء في هذه المنزلة العظيمة؛ حيث يتبوَّؤُون مقعد صدق عند مليك مقتدر، ويُرزَقون مثلما يُرزق الأحياء، ويتنعمون بألوان النعيم والسرور، فإن ذلك يؤكد أن الشهادة ليست بخاتمة المطاف، وليست حاجزاً بين ما قبلها وما بعدها، بل هي استمرار للحياة الأولى، وانتقال مرحلي منها للارتقاء في معارج النعيم في الجنان الَّتي أعدَّها الله للشهداء الأبرار، الَّذين يتجاوزون عالم البرزخ، وتنطلق أرواحهم لتحيا حياة جديدة يصبح فيها الغيب مُشاهَداً مرئياً؛ فيرون ألواناً من النعيم الَّذي لا يُوصف، ويُرزقون كما يُرزق الأحياء، فكأنهم لم يموتوا. إلا أن هذه الدرجة لا يُلَقَّاها إلا المخلصون من الشهداء، والمبتغون في تضحيتهم وجه الله، وهذا ما أشار إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: «مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (متفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ).

وهكذا نجد أنَّ الإسلام قد أعطى ظاهرتَيْ، الموت والحياة، مفهوماً عميقاً وجميلاً ذاخراً بالمعاني السامية، الَّتي تُفْرِحُ قلب المؤمن وتجعل من حياته وموته رحلة متكاملة، طالما أنهما في سبيل الله، تحقيقاً لإرادته في نشر السَّلام والاطمئنان في ربوع العالم كلِّه.

إنها النظرة الجديدة للموت، وهي ذات آثار جليلة على مشاعر المؤمنين، حيث حثَّتهم على زيادة الطاعة والجد في الجهاد، والرغبة في نيل منازل الشهداء وإصابة فضلهم، وترك التمسُّك بالحياة الدنيوية الزائلة، للفوز بحياة أبدية لا يكدِّرها خوف من مكروه، ولا حزن ولا هموم، وهذا ما يسلِّط الأضواء على أحد شهداء الصحابة، عندما تَلقَّى بصدره طعنةً برمحٍ نفذ إلى ظهره فقال: فُزْتُ وَرَبِّ الكعبة.

فهذه النُّقلة من الحياة الدنيا إلى الآخرة أدعى إلى الغبطة، لأنها رحلة إلى جوار الله تعالى، وتعديل لمفهوم الموت وللمشاعر المصاحبة له في نفوس المجاهدين أنفسهم، وتوسيع لأفق الحياة ومشاعرها وصورها بحيث تتجاوز نطاق العاجلة ومظاهرها الزائلة، وتستقرُّ في مجال فسيح لا تعترضه الحواجز، الَّتي تقوم في أذهاننا، عن هذه النقلة من حياة إلى حياة. وقد أثمر هذا المفهوم الجديد الَّذي غرسته هذه الآية ومثيلاتها في قلوب المسلمين؛ فتسارعت خطاهم في التسابق على طلب الشهادة في سبيل الله، دفاعاً عن الحقِّ، وردّاً لكيد المعتدين، ونصرةً للمظلومين.
__________________

قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي
وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ
قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ
وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي
وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي:
هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي
رد مع اقتباس
  #115  
قديم 02-09-2008, 01:02 AM
الصورة الرمزية لنا الله
لنا الله لنا الله غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
مكان الإقامة: Cairo
الجنس :
المشاركات: 398
الدولة : Egypt
افتراضي

الـمــوت




قال الله تعالى: {وما كان لنفسٍ أن تَموتَ إلاَّ بإذنِ الله كِتاباً مؤَجَّلاً ومن يُرِدْ ثَوابَ الدُّنيا نؤتِهِ منها ومن يُرِدْ ثَوابَ الآخرةِ نؤتِهِ منها وسَنَجزي الشَّاكرينَ(145)}آل عمران(3)



وقال أيضاً: {حتَّى إذا جاءَ أحدَهُمُ الموتُ قال ربِّ ارجعونِِ(99) لعلِّي أَعملُ صالحاً فيما تركْتُ كلاَّ إنَّها كلمةٌ هو قائِلُها ومِن ورائِهِم برزخٌ إلى يومِ يُبْعَثون(100)}سورة المؤمنون(23)



وقال أيضاً: {وأنفِقُوا ممَّا رزقْناكُم من قبلِ أن يأتيَ أحدَكُم الموتُ فيقولَ ربِّ لولا أخَّرْتني إلى أَجَلٍ قريبٍ فأصَّدَّقَ وأكن من الصَّالحين(10) ولن يُؤخِّرَ الله نفْساً إذا جاء أَجَلُها والله خبيرٌ بما تعملون(11)}سورة المنافقون(




ومضات:

ـ الحياة الأرضية معبر إلى حياة الخلود، وكلُّ مَنْ على هذه الأرض فان، والمهمُّ هو الاستفادة من رحلة العمر هذه، في تهيئة أرواحنا للحياة الأبدية، حيث حصاد زرعنا ونتاج أعمالنا، دون الالتفات إلى بريق الدنيا الكاذب وزخارفها الخدَّاعة.

ـ الله تعالى غنيٌّ عن العالمين، ومن يكفر به وبآلائه فإنه لا يضرُّه ولا ينقص من ملكه شيئاً، وأمَّا من آمن به حقَّ الإيمان وشكره على أنعمه فإنه سيُجزل عطاءه ويُحسن مثواه.

ـ الوقت سلاح ذو حدين، إن أحسنَّا استعماله ذلَّلنا الصعاب ووصلنا إلى الغاية المرجوَّة، وإذا أسأنا اسـتعماله خسـرنا وندمنـا، وإن عجلة الزمن لا يمكن أن تعود إلى الوراء، وما كان لندم ـ مهما اشتدَّ على ما فوَّتنا أو ضيَّعنا من عمرنا ـ أن يعيد دورة الزمن لنأخذ فرصتنا من جديد.

ـ إن التجارب اليومية كثيرة وهي تمرُّ بنا وبسوانا، وعند كلِّ تقصير أو إهمال نبديه، تفوتنا فرص عديدة في الحياة قد نعجز عن استدراكها، وهكذا هو قانون الله تعالى، حيث أعطى الإنسان كلَّ الفرص للاستفادة منها في إعمار قلبه وعقله ومحيطه المسؤول عنه، فمن ضيَّعها فقد فاتته هذه الفرص، وليس أمامه سوى الندم والويل والثبور وفظائع الأمور.


في رحاب الآيات:

الموتُ هو النهاية الَّتي ينتهي إليها كلُّ حيٍّ على هذه الأرض، فلكلِّ نفس موعد مؤجَّل إلى وقت لا يعلمه إلا الله تعالى، ولن تموت نفس حتَّى تستوفي أجلها، وبذلك تستقرُّ حقيقة الأجل في النفس، فلا تنشغل بالتفكير فيه عن أداء واجباتها، والوفاء بالتزاماتها، وتكاليفها الإيمانية.

فليس المهم إذاً موعد الموت، بل أن نكون جاهزين في كلِّ لحظة لهذا الرحيل، وذلك بأن نكون مستغفرين من ذنوبنا، تائبين منيبين إلى الله، مؤدِّين ما علينا من حقوق لعباده، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم : «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحَّتك لمرضك ومن حياتك لموتك» (رواه البخاري). فالإنسان الموفَّق هو الَّذي يصحو من سُبات الجهل، ويبتعد عن طريق الشرور والآثام في الوقت المناسب، وقبل أن يمضي قطار العمر، بحيث يبادر وما زال أمامه متَّسع من الوقت لترميم ما أفسد، ولتعويض ما فاته من الطاعات والعمل الصالح. فما الفائدة من أن يصحو المرء من سكرة ذنوبه ومعاصيه، ليقع في سكرة الموت، ويجد نفسه وقد أضاع ماله وشبابه وصحَّته وعمره.

إن المرء ليتمنَّى عندما تنتابه صحوة الموت، وينكشف له الغطاء عن عالم الآخرة، أن يُعطى ولو ساعة من حياة، ليَهَبَ كلَّ ما يملك من مال في سبيل الله، أو أن يعيد كلَّ ما اغتصبه من حقوق لأهلها، ولكنَّه موعد مع القدر الإلهي لا يستقدم لحظة ولا يستأخر: {وَلِكُلِّ أُمَّةٌ أَجَلٌ فإذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَسْتأخِرونَ ساعةً ولا يَسْتَقْدِمون} (7 الأعراف آية 34). وماذا بوسع المُحْـتَضر أن يفعل فيما إذا طلب تأخير موته عن موعده المحدد ولو لساعات أو لأيام؛ بعد أن بدأت ظواهر عالم الغيب تتكشَّف له؟ وهل يكفيه أن يسجد طيلة مدة التمديد، صائماً مسبِّحاً لله ومستغفراً؟ وهل يكفيه إذا أُعطي مهلة تأخير التنفيذ، أن ينفق جميع ما يمكنه أن ينفقه في سبيل الله، كفَّارةً لذنوبه واستدراكاً لما تأخر عن إنفاقه؟.

ذلك المال الَّذي ضيَّع عمره بحثاً عنه، وتهالُكاً على جمعه، هل هو مستعدٌّ الآن أن ينفقه في لحظة واحدة في سبيل إرضاء الله؛ بعد أن تحقَّق من وجود الحساب واليوم الآخر؟ وهل هو مستعدٌّ أن يعيد كلَّ مال حرام اغتصبه إلى أصحابه؟؟. أما وإن الروح لن تعود إلى الجسد في الحياة الدنيا بعد أن حان أجلها، وأنَّ الموت حقٌّ، والحساب حقٌّ، واليوم الآخر حقٌّ، فلماذا لا ننفق ما فرضه علينا الشارع الحكيم، أثناء حياتنا وبهدوء ورويَّة، وعلى أفضل وجه يرضاه الله، من أجل مصلحة المجتمع وتحقيق توازنه وسلامة بنيته الأخلاقية؟.

إن من أهمِّ المعوِّقات عن مثل هذا الإنفاق هو تعلُّقنا بالمزيد من الكسب وتجميع الثروات، ورغبتنا بإشباع شهواتنا بالمزيد من المتع الحسيَّة، مما يغلِّف قلوبنا بأستار كثيفة تبعدنا عن حضرة الله، وعن تذكُّر تعاليمه الَّتي ما فُرضت علينا إلا لأجل سعادتنا في الدارين.

لذلك فإن الله جلَّ وعلا يردُّ على هذا السائل المتمني الرجوع إلى الدنيا كي يعمل صالحاً بقوله: كلا، وهو حرف ردع وزجر، أي لا نجيبه إلى طلبه ولا نقبل منه، فسؤاله الرجوع ليعمل صالحاً هو قول لا عمل معه، ولو رُدَّ لما عمل صالحاً، ولكان كاذباً في مقالته كما قال تعالى: {..ولو رُدُّوا لعادوا لما نُهوا عنه وإنَّهم لكاذبون} (6 الأنعام آية 28).

فعودة الناس إلى الحياة الدنيا بعد الموت أمر مستحيل، فَمِنْ أمامهم حاجز يحول بينهم وبين هذه العودة وهو عالم البرزخ، قال مجاهد: (البرزخ الحاجز بين الدنيا والآخرة) وقال محمد بن كعب: (البرزخ ما بين الدنيا والآخرة، ليسوا مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون، ولا مع أهل الآخرة يُجازون بأعمالهم).

وقد حذَّر الله تعالى عباده من هذه اللحظة العصيبة، لحظة الموت، وما وراءها من حياة البرزخ، وما بعدها من الحساب والعقاب، وجاء هذا التحذير على ألسنة الأنبياء وفي الكتب السماوية المقدَّسة، وحضَّ عباده على أن يلهجوا بذكره آناء الليل وأطراف النهار، وأن يؤدُّوا ما فُرِضَ عليهم من العبادات، فلا يشغلهم عن ذلك زخرف الحياة الدنيا من مال ونسب وولد وجاه وسلطان، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. وكذلك أمرهم أن ينفقوا أموالهم في أعمال البرِّ ووجوه الخير، وألا يؤخِّروا ذلك حتَّى يفجأهم الموت فيندموا حيث لا ينفع الندم، ويتمنَّوا أن يطيل الله أعمارهم ليعوِّضوا بعض ما فاتهم، ولكن أنَّى لهم ذلك، ولكلِّ نفس أجل محدود لا تتعدَّاه، والله خبير بأعمالهم، وهو مجزيهم عليها، إن خيراً فخير وإن شراً فشر؟.

فمن جعل الدنيا همَّه فقد يصيبه حظٌ منها ويخسر نصيبه في الآخرة، لأن حيازة الإنسان على الدنيا ليس بموضع غبطة لأنها مبذولة للبَرِّ والفاجر على السواء، أمَّا من أراد الآخرة وجعلها همَّه فإنه يُوفَّى أجره كاملاً، ولا يُنْقصه ما قد يحصل عليه في الدنيا، وسيجزي الله الشاكرين الَّذين يدركون نعم الله ويؤدُّون حقَّها من الشكر.

هذه هي ميزات الإسلام الحنيف، فما طلب من المؤمنين أن يكونوا مادِّيين يتكالبون على جمع حطام الدنيا، ولا أن يكونوا روحانيين يجرِّدون أنفسهم من لذَّات الحياة، ويدلُّ على ذلك قـوله تعـالى: {قـلْ من حـرَّمَ زينَـةَ الله الَّـتي أخـرَجَ لـعبـادِهِ والطَّيِّبـاتِ من الرِّزق..} (7 الأعراف آية 32). ومِنْ أكثر ما يقرِّب العبد من ربِّه، ويجعله يفوز برضوانه، رحمته بالبائسين من عباده، وبذل المال في الوجوه الَّتي فيها سعادة الأمَّة، وإعلاء شأنها، ونشر الدعوة. جاء في الحديث الشريف: «لأن يتصدَّق المرء في حياته بدرهم خير من أن يتصدَّق بمائة عند موته» (أخرجه أبو داود وابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال رجل يارسول الله! أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال صلى الله عليه وسلم : أن تتصدَّق وأنت شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تُمْهِل حتَّى إذا بلغت الحلقوم قلتَ: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان» (رواه البخاري). ومن أَلْهَتْهُ الدنيا وشغلته عن حقوق الله والعباد، فقد باء بغضب من ربِّه، وخسرت تجارته، إذ باع خالداً باقياً، واشترى به فانياً زائلاً، فكيف يرضى عاقل بمثل هذه التجارة الخاسرة؟.
__________________

قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي
وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ
قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ
وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي
وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي:
هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي
رد مع اقتباس
  #116  
قديم 02-09-2008, 05:34 PM
الصورة الرمزية غربة روح
غربة روح غربة روح غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
مكان الإقامة: في دموع مقلتي
الجنس :
المشاركات: 986
افتراضي

بارك الله فيك أخي
وجزاك الفردوس الأعلى
__________________
رد مع اقتباس
  #117  
قديم 02-09-2008, 07:39 PM
الصورة الرمزية رباب راجية الجنة
رباب راجية الجنة رباب راجية الجنة غير متصل
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
مكان الإقامة: جزائر العزة والكرامة
الجنس :
المشاركات: 723
الدولة : Algeria
افتراضي

في ميزان حسناتك بإذن الله أخي الكريم....مشكور.
__________________



يكفينا فخراأننا جزائريون
رد مع اقتباس
  #118  
قديم 03-09-2008, 01:15 AM
الصورة الرمزية لنا الله
لنا الله لنا الله غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
مكان الإقامة: Cairo
الجنس :
المشاركات: 398
الدولة : Egypt
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهراء البتول مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك أخي


وجزاك الفردوس الأعلى

جزاكم الله خيرا أختي الكريمة لمروركم

نفعنا الله وإياكم بالقرآن وأهله
__________________

قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي
وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ
قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ
وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي
وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي:
هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي
رد مع اقتباس
  #119  
قديم 03-09-2008, 01:18 AM
الصورة الرمزية لنا الله
لنا الله لنا الله غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
مكان الإقامة: Cairo
الجنس :
المشاركات: 398
الدولة : Egypt
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رباب راجية الجنة مشاهدة المشاركة
في ميزان حسناتك بإذن الله أخي الكريم....مشكور.

جزاكم الله خيرا أختي الكريمة لمروركم
نفعنا الله وإياكم بالقرآن وأهله
__________________

قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي
وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ
قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ
وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي
وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي:
هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي
رد مع اقتباس
  #120  
قديم 03-09-2008, 01:18 AM
الصورة الرمزية لنا الله
لنا الله لنا الله غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
مكان الإقامة: Cairo
الجنس :
المشاركات: 398
الدولة : Egypt
افتراضي

الحساب والجزاء


قال الله تعالى: {ليس بأمانيِّكُم ولا أمانيِّ أهلِ الكتابِ من يعملْ سُوءاً يُجزَ بهِ ولا يجدْ لهُ من دونِ الله وليّاً ولا نصيراً(123) ومن يعملْ من الصَّالحاتِ من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئِكَ يدْخلُونَ الجنَّة ولا يُظلَمونَ نقيراً(124)} سورة النساء(4)


ومضات:

ـ إن استحقاق الثواب أو العقاب ليس موكولاً إلى الأماني، بل يرجع إلى أصل ثابت، وسنَّة لا تتبدَّل، وقانون لا يحابي، قانون يستوي أمامه جميع النَّاس من جميع الشرائع، فصاحب السوء مجزي بالسوء، وصاحب الحسنة مكافأ بالحسنة، وصاحب القرار في ذلك هو ربُّ العالمين وحده ولا أحد سواه.

ـ الإيمان الحقيقي المقرون بالعمل الصالح ـ المثمر علماً وأخلاقاً ـ هو معيار النجاح والتوفيق في سائر الشرائع السماوية، وهو يسري على الأجناس البشرية كافَّة، في الأزمنة والأمكنة كافَّة، دون تفريق بين ذكر وأنثى.


في رحاب الآيات:


قال النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: «ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلِّي، ولكنَّ الإيمان ما وقر في القلب وصدَّقه العمل» (رواه ابن النجار والديلمي في مسند الفردوس عن أنس رضي الله عنه ).
فالعقيدة والعمل هما ركنا الإيمان، عقيدة التَّوحيد والعبودية الخالصة لله تعالى، والعمل بمقتضى شريعة الله. ولكنَّ بعض النَّاس ممَّن التبست عليهم الأمور، اغترُّوا بمغفرة الله وحلمه وسعة رحمته، وحصروها في أنفسهم، وادَّعَوا انغلاق باب الرجاء والرحمة عن غيرهم من أتباع الرسالات السماوية. وإنَّ هذا الوهم ليس وقفاً على فردٍ دون آخر، ولا على أصحاب ملَّة دون أخرى، إذ ربما وقع فيه المسلمون غروراً بانتمائهم إلى الإسلام، وبأن هذا الانتماء سوف ينجيهم من عذاب الله، وكذلك أهل الكتاب من الَّذين غرَّتهم الأماني فقالوا: {وقالوا لن تَمَسَّنا النَّارُ إلاَّ أيَّاماً معدودةً قُلْ أتَّخذتُم عند الله عهداً فلن يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ أمْ تقولون على الله ما لا تعلمون * بلى من كسبَ سيِّئةً وأحاطتْ به خطيئَتُهُ فأولئك أصحابُ النَّارِ هم فيها خالدون * والَّذين آمنوا وعملوا الصَّالحاتِ أولئك أصحابُ الجنَّة هم فيها خالدون} (2 البقرة آية 80ـ82).

والأديان أصلاً لم تشرَّع للتفاخر والتباهي، ولا تحصل الفائدة بالانتساب إليها دون العمل بمضمونها، وليس هناك شريعة تعلو على شريعة في نظر الله، لأن الشرائع نزلت من مشرِّع واحد، وليس هناك أتباع شريعة يتجاوزون القوانين الإلهية دون أن تطالهم عدالة السماء، فلن يُعذر مسلمٌ سَرَق، ولن يُستثنى مسيحيٌ أو يهوديٌ قتل، فالكلُّ أمام الله مسيء وسيحاسَبُ على قدر إساءته بغضِّ النظر عن انتمائه الديني.

ولقد شقَّ على المسلمين قول الله لهم: {من يعملْ سُوءاً يُجزَ به} لأنهم كانوا يعرفون طبيعة النفس البشرية، ويعرفون أنها لابُدَّ أن تعمل سوءاً، مهما صلحت ومهما عملت من حسنات، فلم يخدعوا أنفسهم عن حقيقتها، وارتعشت قلوبهم كالَّذي يواجه العاقبة فعلاً ويلامسها، ولبثوا حين نزلت لاينفعهم طعام ولا شراب حتَّى أنزل الله قوله: {ومن يعملْ سُوءاً أو يَظْلِمْ نفْسهُ ثمَّ يستغفِرِ الله يجدِ الله غفوراً رحيماً} (4 النساء آية 110). روي أنه لـمَّا نزل قوله تعالى: {من يعملْ سُوءاً يُجز به} راع ذلك أبا بكر رضي الله عنه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم من ينجو مع هذا يارسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : «أما تحزن، أما تمرض، أما يصيبك البلاء؟ قال بلى يارسول الله، قال: هو ذاك» (رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي بكر رضي الله عنه ).

ونطالع الوجه المقابل لهذا الوعيد فنراه وعداً مبشِّراً، مسفراً، يومض بريق الأمل في صدورٍ آمنت بربِّها وأسلمت قلبها له، واتجهت بأبصارها وبصائرها نحوه، فتغلغل نوره في حناياها، وطهَّرها وزكَّاها، فلم يلتبس عليها الحقُّ بالباطل، وترفَّعت عن تلبية شهوات الجسد، الَّتي تلقي بصاحبها في دوَّامة من الجوع الروحي لا شبع له، ومتاهة من الظمأ لا ريَّ يطفئها، أولئك الَّذين أحرقوا شهواتهم في أتون الإرادة الصلبة، والاستقامة الصادقة فلن تمسَّهم النَّار، بل إن مصيرهم إن شاء الله إلى الجنَّة والرضا من الله عزَّ وجل.

وتراعي الآية الدقَّة في تقرير الحُكْمِ، وفي ترتيب الثواب والعقاب، فالذكر والأنثى في نظر الشريعة سواء، وهما أمام محكمة الله سواء، ولا يُنقص الله من ثواب أحدهما شيئاً. وتُوَجِّهُ الآية الكريمة الأنظار والقلوب إلى الله، وإلى لزوم تفويض الأمر إليه، والتوكُّل عليه، مع العمل الصالح الَّذي أمر بهالله ورسوله. وقد عبَّرت الآية عن توجُّه القلب بإسلام الوجه، لأن الوجه مرآة القلب، على صفحته تنعكس طهارة الروح، ونقاوة الضمير، وصفاء السريرة.
__________________

قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي
وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ
قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ
وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي
وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي:
هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 129.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 123.70 كيلو بايت... تم توفير 5.99 كيلو بايت...بمعدل (4.62%)]