تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 119 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 194 - عددالزوار : 118964 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 202 - عددالزوار : 136806 )           »          الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 27295 )           »          وجوب نصرة الدين والسعي في نصرة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الصبر على الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حصر الواقع ! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حديث عجيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فمِنكَ وحدَك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          علة حديث: (من غسَّل واغتسل) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-07-2022, 11:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الحج - (1)
الحلقة (600)
تفسير سورة الحج مكية ومدنية
المجلد الثالث (صـــــــ 451الى صــــ 459)

{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) }


شرح الكلمات:

في ريب من البعث: الريب الشك مع اضطراب النفس وحيرتها، والبعث الحياة بعد الموت.

من نطفة: قطرة المنّي التي يفرزها الزوجان.

علقة: أي قطعة دم متجمد تتحول إليه النطفة في خلال أربعين يوماً.

مضغة: أي قطعة لحم قدر ما يمضغ المرء تتحول العلقة إليها بعد أربعين يوما.

وغير مخلقة: أي مصورة خلقاً تاماً، مخلقة وغير مخلقة هي السقط يسقط قبل تمام خلقه.

لنبين لكم: أي قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم بابتداء خلقكم كيف يكون.

ونقر في الأرحام ما نشاء: أي ونبقي في الرحم من نريد له الحياة والبقاء إلى نهاية مدة الحمل ثم نخرجه طفلاً سوياً.

لتبلغوا أشدكم: أي كمال أبدانكم وتمام عقولكم.

إلى أرذل العمر: أي سن الشيخوخة والهرم فيخرف.

لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً: أي فيصير كالطفل في معارفه إذ ينسى كل علم علمه.

هامدة: خامدة لا حراك لها ميتة.

اهتزت وربت: أي تحركت بالنبات وارتفعت تربتها وأنبتت.

زوج بهيج: أي من كل نوع من أنواع النباتات جميل المنظر حسنه.

ذلك بأن الله هو الحق: أي الإِله الحق الذي لا إله سواه، فعبادة الله حق وعبادة غير الله باطل.

وأن الساعة آتية: أي القيامة.

يبعث من في القبور: أي يحييهم ويخرجهم من قبورهم أحياء كما كانوا قبل موتهم.

معنى الآيات:

لما ذكر تعالى بعض أحوال القيامة وأهوالها، وكان الكفر بالبعث الآخر هو العائق عن الاستجابة للطاعة وفعل الخير نادى تعالى الناس مرة أخرى ليعرض عليهم أدلة البعث العقلية لعلهم يؤمنون فقال: { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ظ±لْبَعْثِ } أي في شك وحيرة وقلق نفسي من شأن بعث الناس أحياء من قبورهم بعد موتهم وفنائهم لأجل حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم التي عملوها في دار الدنيا فإليكم ما يزيل شككم ويقطع حيرتكم في هذه القضية العقدية وهو أن الله تعالى قد خلقكم من تراب1 أي خلق أصلكم وهو أبوكم آدم من تراب وبلا شك، ثم خلقكم أنتم من نطفة2 أي ماء الرجل وماء المرأة وبلا شك، ثم من 3علقة بعد تحول النطفة إليها ثم من مضغة4 بعد تحول العلقة إليها وهذا بلا شك أيضاً، ثم المضغة إن شاء الله تحويلها إلى طفل خلقها وجعلها طفلاً، وإن لم يشأ ذلك لم يخلقها وأسقطها من الرحم 5كما هو معروف ومشاهد، وفعل الله ذلك من أجل أن يبين لكم قدرته وعلمه وحسن تدبيره لترهبوه وتعظموه وتحبوه وتطيعوه وقوله: { وَنُقِرُّ فِي ظ±لأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىظ° أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً 6} أي ونقر تلك المضغة المخلقة في الرحم إلى أجل مسمى وهو ميعاد ولادة الولد وانتهاء حمله ونخرجكم طفلاً أي أطفالاً صغاراً لا علم لكم ولا حلم، ثم ننميكم ونربيكم بما تعلمون من سننا في ذلك { ثُمَّ لِتَبْلُغُوغ¤اْ أَشُدَّكُمْ } أي تمام نماء أبدانكم وعقولكم { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىظ° } قبل بلوغه أشده لأن الحكمة الإِلهية اقتضت وفاته ومنكم من يعيش ولا يموت حتى يرد إلى أرذل العمر فيهرم ويخرف ويصبح كالطفل لا يعلم بعد علمٍ كان له قبل هرمه شيئاً هذا دليل البعث وهو دليل عقلي منطقي وبرهان قوي على حياة الناس بعد موتهم إذ الذي خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة يوجب العقل قدرته على إحيائهم بعد موتهم، إذ ليست الإِعادة بأصعب من البداية.
ودليل عقلي آخر هو ما تضمنه قوله تعالى: { وَتَرَى ظ±لأَرْضَ } أيها الإِنسان { هَامِدَةً } خامدة ميتة لا حراك فيها ولا حياة فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء من السماء { ظ±هْتَزَّتْ } أي تحركت { وَرَبَتْ } أي ارتفعت وانتفخت تربتها وأخرجت من النباتات المختلفة الألوان والطعوم والروائح { مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } جميل المنظر حسنه، أليس وجود تربة صالحة كوجود رحم صالحة وماء المطر كماء الفحل وتخلق النطفة في الرحم كتخلق البذرة في التربة وخروج الزرع حياً نامياً كخروج الولد حياً نامياً وهكذا إلى حصاد الزرع وموت الإِنسان فهذان دليلان عقليان على صحة البعث الآخر وأنه كائن لا محالة وفوق ذلك كله إخبار الخالق وإعلامه خلقه بأنه سيعيدهم بعد موتهم فهل من العقل والمنطق أو الذوق أن نقول له لا فإنك لا تقدر على ذلك قولة كهذه قذرة عفنة لا يود أن يسمعها عقلاء الناس وأشرافهم. ولما ضرب تعالى هذين المثالين أو ساق هذين الدليلين على قدرته وعلمه وحكمته المقتضية لإِعادة الناس أحياء بعد الموت والفناء للحساب والجزاء قال وقوله الحق { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْحَقُّ 7} أي الرب الحق والإِله المعبود الحق، وما عداه فباطل { وَأَنَّهُ يُحْيِـي 8 ظ±لْمَوْتَىظ° وَأَنَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ظ±لسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ظ±للَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ظ±لْقُبُورِ } ومن شك فليراجع الدليلين السابقين في تدبر وتعقل فانه يسلم لله تعالى ما أخبر به عن نفسه في قوله ذلك { بِأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْحَقُّ } الخ.

هداية الآيات

من هداية الآيات


1- تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء على الأعمال يوم القيامة.

2- بيان تطور خلق الإِنسان ودلالته على قدرة الله وعلمه وحكمته.

3- الاستدلال على الغائب بالحاضر المحسوس وهذا من شأن العقلاء فإن المعادلات الحسابية والجبرية قائمة على مثل ذلك.

4- تقرير عقيدة التوحيد وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
_______________________________________

1 هذا دليل قاطع وهو دليل البداءة الأولى فمن قدر على البداءة قادر عقلاً على الإعادة وهي أهون عليه.
2 النطفة: المني، وسمي نطفة لقلّته.
3 العلقة: الدم الجامد، والعلق: الدم العبيطُ أي: الطري.
4 هذه الأطوار أربعة أشهر، قال ابن عباس: وفي العشر بعد الأربعة أشهر ينفخ فيه الروح، فذلك عدّة الوفاة منها أربعة أشهر وعشر، وفي الصحيح عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم ليُجُمَع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات.. رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
5 روى ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لسقط أقدّمه بين يدي أحبّ إليّ من ألف فارس أخلّفه ورائي".
6 أي: فخرج كل واحد منكم طفلا، ويطلق الطفل على الولد من يوم انفصاله إلى البلوغ وولد كل وحشية يقال له طفل ويوصف به مفرداً كالمصدر فيقال: جارية طفل وجاريتان طفل، وجوار طفل، وغلام طفل وغلامان طفل، ويجمع الطفل على أطفال، وأطفلت المرأة: صارت ذات طفل.
7 لما ذكر تعالى افتقار الموجودات إليه وتسخيرها على وفق اقتداره في قوله {يا أيها الناس} إلى قوله: {بهيج} قال ذلك إشارة إلى ما تقدم من أطوار خلق الإنسان وفنائه وإحياء الأرض بعد موتها وانشقاق النبات منها أي: ذلك حصل بسبب أنّ الله هو الإله الحق دون غيره.
8 ومن براهين ألوهيته الحقة دون من سواه أنه يحيى الموتى وأنه على كل ما يريده قدير وأنه موجد الدنيا والآخرة وسيفني هذه في ساعة آتية لا محالة، وسيبعث الناس من القبور للحياة الثانية فيخلدون فيها منهم شقي ومنهم سعيد.

***********************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-07-2022, 11:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)
}


شرح الكلمات:

يجادل في الله: أي في شأن الله تعالى فينسب إلى الله تعالى ما هو منه براء كالشريك والولد والعجز عن إحياء الموتى، وهذا المجادل هو أبو جهل.

بغير علم: أي بدون علم من الله ورسوله.

ولا كتاب منير: أي ولا كتاب من كتب الله ذي نور يكشف الحقائق ويقرر الحق ويبطل الباطل.

ثاني عطفه: أي لآوى عنقه تكبراً، لأن العطف الجانب من الإِنسان.

له في الدنيا خزي: وقد أذاقه الله تعالى يوم بدر إذ ذبح هناك واحتز رأسه.

بظلام للعبيد: أي بذي ظلم للعبيد فيعذبهم بغير ظلم منهم لأنفسهم.

يعبد الله على حرف: أي على شك في الإِسلام هل هو حق أو باطل وذلك لجهلهم به وأغلب هؤلاء أعراب البادية.

اطمأن به: أي سكنت نفسه إلى الإِسلام ورضي به.

وإن أصابته فتنة: أي ابتلاء بنقص مال أو مرض في جسم ونحوه.

إنقلب على وجهه: أي رجع عن الإِسلام إلى ما كان عليه من الكفر الجاهلي.

ما لا يضره ولا ينفعه: أي صنماً لا يضره إن لم يعبده، ولا ينفعه إن عَبَدَه.

لبئس المولى: أي قبح هذا الناصر من ناصر.

ولبئس العشير: أي المعاشر وهو الصاحب الملازم.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { ومِنَ ظ±لنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ظ±للَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } هذه شخصية ثانية معطوفة على الأولى التي تضمنها قوله تعالى:{ وَمِنَ ظ±لنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ظ±للَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } [الحج: 3] وهي شخصية النضر بن الحارث أحد رؤساء الفتنة في مكة، وهذِه الشخصية هي فرعون هذه الأمة عمرو بن هشام الملقب بأبي جهل يخبر تعالى عنه فيقول: { ومِنَ ظ±لنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ظ±للَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ1 مُّنِيرٍ } بل يجادل بالجهل وما أقبح جدال الجهل والجهَّال ويجادل في الله عز وجل يا للعجب أفيريد أن يثبت لله تعالى الولد والبنت والعجز والشركاء والشفعاء، ولا علم من وحي عنده، ولا من كتاب إلهي موحى به إلى أحد أنبيائه. وقوله تعالى: { ثَانِيَ عِطْفِهِ } وصف له في حال مشيه وهو يجر رداءه مصعراً خده مائلا إلى أحد جنبيه كبراً وغروراً، وجداله لا لطلب الهدى أو لمجرد حب الإِنتصار للنفس بل ليضل غيره عن سبيل الله تعالى الذي هو الإِسلام حتى لا يدخلوا فيه فيكملوا ويسعدوا عليه في الحياتين. وقوله تعالى: { لَهُ فِي ظ±لدُّنْيَا خِزْيٌ 2} أي ذل وهوان وقد ناله حيث قتل في بدر شر قتلة فقد احتز رأسه وفُصل عن جئته ونال منه الذين كان يسخر منهم ويعذبهم من ضعفة المؤمنين، وقوله تعالى: { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ عَذَابَ ظ±لْحَرِيقِ } وقد أذاقه ذلك بمجرد أن قتل فروحه في النار ويوم القيامة يدخلها بجسمه وروحه وقوله تعالى: { ذظ°لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } أي يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والهوان وعذاب الحريق بما قدمت يداك من الشرك والظلم والمعاصي، { وَأَنَّ ظ±للَّهَ لَيْسَ بِظَلَّظ°مٍ لِّلعَبِيدِ } ، وأنت منهم والله ما ظلمك بل ظلمت نفسك، والله متنزه عن الظلم لكمال قدرته وغناه وقوله تعالى: { وَمِنَ ظ±لنَّاسِ مَن 3 يَعْبُدُ ظ±للَّهَ عَلَىظ° حَرْفٍ4 } أي على شك هذه شخصية ثالثة عطفت على سابقتيها وهي شخصية بعض الاعراب كانوا يدخلون في الإِسلام لا عن علم واقتناع بل عن شك وطمع وهو معنى على حرف فإن أصابهم خير من مال وصحة وعافية اطمأنوا إلى الإِسلام وسكنت نفوسهم واستمروا عليه، وإن أصابتهم فتنة أي اختبار في نفس أو مال أو ولد انقلبوا على وجوههم أي ارتدوا عن الإِسلام ورجعوا عنه فخسروا بذلك الدنيا والآخرة فلا الدنيا حصلوا عليها ولا الآخرة فازوا فيها، قال تعالى: { ذظ°لِكَ هُوَ ظ±لْخُسْرَانُ ظ±لْمُبِينُ } أي البين الواضح إذ لو بقوا على الإِسلام لفازوا بالآخرة، ولأخلف الله عليهم ما فقدوه من مال أو نفس، وقوله تعالى { يَدْعُواْ 5مِن دُونِ ظ±للَّهِ } أي ذلك المنقلب على وجهه المرتد يدعوا { مَا لاَ يَضُرُّهُ } أي صنماً لا يضره لو ترك عبادته { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } إن عبده وقوله تعالى: { ذظ°لِكَ هُوَ ظ±لضَّلاَلُ ظ±لْبَعِيدُ } أي دعاء وعبادة ما لا يضر ولا ينفع ضلال عن الهدى والخير والنجاح والربح وبعيدٌ أيضاً قد لا يرجع صاحبه ولا يهتدي.
وقوله: { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } أي يدعو ذلك المرتد عن التوحيد إلى الشرك من ضره يوم القيامة أقرب من نفعه فقد يتبرأ منه ويحشر معه في جهنم ليكونا معاً وقوداً لها، قال تعالى: { لَبِئْسَ ظ±لْمَوْلَىظ° وَلَبِئْسَ6 ظ±لْعَشِيرُ } المعاشر والصاحب الملازم فذم تعالى وقبح ما كان المشركون يؤملون فيهم ويرجون شفاعتهم 7يوم القيامة، تنفيراً لهم من الشرك وعبادة غيره سبحانه وتعالى.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- قبح جدال الجاهل فيما ليس له به علم.

2- ذم الكبر والخيلاء وسواء من كافر أو من مؤمن.

3- عدم جدوى عِبَادةٍ صاحبُها شاك في نفعها غير مؤمن بوجوبها ومشروعيتها.

4- لا يصح دين مع الشك.

5- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين.
____________________________________

1 نير بيّن الحجة قويها، والمراد من الكتاب: كتب الشرائع مثل: التوراة والإنجيل من الكتب الأولى والقرآن آخرها نزولا.
2 في هذه الآية إخبار بغيب فكان كما أخبر تعالى فإن كلاًّ من أبي جهل والنضر بن الحارث قد أذلهما الله وأخذهما ببدر، فأبو جهل قتل وأخذ رأسه، والنضر قتل صبراً، والآية قطعاً نزلت بمكة فهي من معجزات القرآن الكريم.
3 هذه الآية نزلت بالمدينة النبوية فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء.
4 حرف كل شيء: طرفه وجانبه والآية تمثيل لحال المتردد في عمله.
5 أي: في الآخرة لأنه بعبادته دخل النار ولم ير منه نفعاً أصلا وإنما قال: (ضرّه أقرب من نفعه) ترفيعاً للكلام نحو: (إنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين) ومعنى الكلام: القسم والتأخير أي: يدعو والله من ضرّه أقرب من نفعه، والمدعو هو الوثن الذي عبده من دون الله تعالى.
6 هذه الجمل تحمل الذم والتقبيح للأصنام التي يدعوها المركون فإنها شر الموالي وشر العشير، لأن شأن الولي جلب النفع لمولاه وشأن العشير جلب الخير لعشيره فإذا كان العكس كانا شر الموالي والعشراء.
7 قال تعالى من سورة يونس: {ويعبدون من دون الله مالا ينفعهم ولا يضرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} ، {وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وهذا منهم على فرض إن بعثوا أحياء يوم القيامة أو يرجون شفاعتهم في الدنيا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-08-2022, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الحج - (2)
الحلقة (601)
تفسير سورة الحج مكية ومدنية
المجلد الثالث (صـــــــ 459الى صــــ 463)

{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } 14 { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } 15 { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } 16 { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }17


شرح الكلمات:

وعملوا الصالحات: أي الفرائض والنوافل وأفعال الخير.

يفعل ما يريد: من إكرام المطيع وإهانة العاصي وغير ذلك من رحمه المؤمن وعذاب الكافر.

أن لن ينصره الله: أي محمداً صلى الله عليه وسلم.

فليمدد بسبب: أي بحبل.

إلى السماء: اي سقف بينه وليختنق غيظاً.

هل يذهبن كيده: أي في عدم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يغيظه.

وكذلك أنزلناه: أي ومثل إنزالنا تلك الآيات السابقة أنزلنا القرآن.

هادوا: أي اليهود.

والصابئين: فرقة من النصارى.

والمجوس: عبدة النار والكواكب.

على كل شيء شهيد: أي عالم به حافظ له.

معنى الآيات:

بعدما ذكر تعالى جزاء الكافرين والمترددين بين الكفر والإِيمان أخبر أنه تعالى يدخل الذين آمنوا به وبرسوله ولقاء ربهم ووعده ووعيده وعملوا الصالحات وهي الفرائض التي افترضها الله عليهم والنوافل التي رغبهم فيها يدخلهم جزاء لهم على إيمانهم وصالح أعمالهم جنات تجري من تحتها الأنهار وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ1 } ومن ذلك تعذيبه من كفر به وعصاه ورحمة من آمن به وأطاعه وقوله تعالى: { مَن2 كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ } أي من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله ودينه وعباده المؤمنين فلذا هو يتردد ولم يؤمن ولم ينخرط في سلك المسلمين كبني أسد وغطفان فإنا نرشده إلى ما يذهب عنه غيظه حيث يسوءه نصر الله تعالى لرسوله وكتابه ودينه وعباده المؤمنين وهو أن يأتي بحبل وليربطه بخشبة في سقف بيته ويشده على عنقه ثم ليقطع 3الحبل، وينظر بعد هذه العملية الانتحارية هل كيده 4هذا يذهب عنه الذي يغيظه؟.

وقوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي ومثل ذلك الإِنزال للآيات التي تقدمت في بيان قدرة الله وعلمه في الخلق وإحياء الأرض وإعادة الحياة بعد الفناء أنزلنا القرآن آيات واضحات تحمل الهدى والخير لمن آمن بها وعمل بما فيها من شرائع وأحكام وقوله تعالى: { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } أي هدايته بأن يوفقه للنظر والتفكر فيعرف الحق فيطلبه ويأخذ به عقيدة وقولاً وعملاً.

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ 5} وهم المسلمون { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } وهم اليهود { وَٱلصَّابِئِينَ } وهم فرقة من النصارى يقرأون الزبور ويعبدون الكواكب { وَٱلنَّصَارَىٰ } وهم عبدة الصليب { وَٱلْمَجُوسَ } وهم عبدة النار 6والكواكب { وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } وهم عبدة الأوثان هؤلاء جميعا سيحكم الله 7بينهم يوم القيامة فيدخل المؤمنين الجنة ويدخل أهل تلك الملل الباطلة النار هذا هو الفصل الحق فالأديان ستة دين واحد للرحمن وخمسة للشيطان فأهل دين الرحمن يدخلهم في رحمته، وأهل دين الشيطان يدخلهم النار مع الشيطان وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي عالم بكل شيء لا يخفى عليه شيء وسيجزى كل عامل بما عمل، ولا يهلك على الله إلا هالك فقد أنزل كتابه وبعث رسوله ورغب ورهب وواعد وأوعد والناس يختارون ما قدر لهم أو عليهم وسبحان الله العظيم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- كل الأديان هي من وحي الشيطان وأهلها خاسرون إلا الإسلام فهو دين الله الحق وأهله هم الفائزون، أهله هم القائمون عليه عقيدة وعبادة وحكماً وقضاء.

2- إن الله ناصر دينه، ومكرم أهله، ومن غاظه ذلك ولم يرضه فليختنق.

3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

4- تقرير إرادة الله ومشيئته فهو تعالى يفعل ما يشاء ويهدي من يريد.
______________________________

1 هذه الجملة الكريمة هي تذييل لكلّ ما تقدم لقوله: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} ومتضمنة تعليلاً إجمالياً لاختلاف الناس في الخير والشر ولما يلقون من جزاء كذلك.
2 الظاهر أن هذا فريق ثالث غير الفريقين المتقدمين وهما: فريق من يجادل في الله بغير علم وفريق من يعبد الله على حرف وهذا الفريق الثالث قد يكون من اليهود والمنافقين وبعض المشركين الذين كانوا يغتاظون لانتصار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنهم لا يودّون ذلك ولا كانوا يرون انتصاره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كائنا فكلما رأوا نصراً له ازداد غمهم واشتد كربهم لأن انتصاره يحزنهم ويخيفهم.
3 قرأ الجمهور: {ليقطع} بسكون اللام لوجود ثم العاطفة وقرأ بعضٌ {ليقطع} بكسر اللام لأن ثم ليست كالفاء والواو العاطفتين لأنها مركبة من ثلاثة أحرف.
4 {هل يذهبن كيده ما يغيظ} الاستفهام إنكاري، وما: مصدرية أي: هل يذهبن كيده غيظه.
4 هذه الآية نزلت كالفذلكة لما سبق فقررت الصراع الدائر بين الحق والباطل وسمت المتصارعين بألقابهم وأعلمتهم أنّ الحكم فيهم مؤجل إلى يوم القيامة وسيكون عادلاً لعلم الله تعالى بهم وحفظه لأعمالهم.
5 لذا فهم يثبتون إلهين إلها للخير وإلها للشر وهم أهل فارس، وأقدم النحل المجوسية أسسها ملك فارسي قديم في التاريخ يدعى (كبومرث) .
6 هذا تفسير لقوله تعالى في الآية: {إن الله يفصل بينهم} إذ الفصل هو الحكم.

*****************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-08-2022, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }18

شرح الكلمات:

ألم تر: أي ألم تر بقلبك فتعلم.

يسجد له: أي يخضع ويذل له بوضع وجهه على الأرض بين يدي الرب تعالى.

من في السماوات: من الملائكة.

والدواب: من سائر الحيوانات التي تدب على الأرض.

حق عليه العذاب: وجب عليه العذاب فلا بد هو واقع به.

ومن يهن الله: أي يُشقِه في عذاب مهين.

فماله من مكرم: أي ليس له من مكرم أي مسعد ليسعده، وقد أشقاه الله.

معنى الآية الكريمة:

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم { أَلَمْ تَرَ }1 أيها الرسول بقلبك فتعلم { أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ2 لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من الملائكة { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } من الجن والدواب { وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } وهم المؤمنون المطيعون وكثير أي من الناس حق عليهم العذاب أي وجب لهم العذاب وثبت، فهو لا يسجد سجود عبادة وقربة لنا أما سجود الخضوع فظلالهم تسجد3 لنا بالصباح والمساء، وقوله تعالى: { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } أي ومن أراد الله إشقاءه وعذابه فما له من مكرم يكرمه بِرَفْع العذاب عنه وإسعاده في دار السعادة وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }فمن شاء أهانه ومن شاء أكرمه فالخلق خلقه وهو المتصرف فيهم مطلق التصرف فمن شاء أعزه، ومن شاء أذله فعلى عباده أن يرجعوا إليه بالتوبة سائلين رحمته مشفقين من عذابه فهذا أنجى لهم من عذابه وأقرب إلى رحمته.

هداية الآية الكريمة

من هداية الآية الكريمة:


1- تقرير ربوبية الله وألوهيته.

2- سجود المخلوقات بحسب ذواتها، وما أراد الله تعالى منها.

3- كل شيء خاضع لله إلا الإِنسان فأكثر أفراده عصاة له متمردون عليه وبذلك استوجبوا العذاب المهين.

4- التالي لهذه الآية والمستمع لتلاوته يسن لهم أن يسجدوا لله تعالى إذا بلغوا قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }.
______________________________________

1 قال القرطبي: هذه رؤية القلب أي: ألم تر بقلبك، وعقلك.
2 قد استعمل السجود في هذه الآية. في حقيقته ومجازه.
3 وكذلك خضوعهم لأحكام الله تعالى فيهم ومجاري أقداره عزّ وجلّ عليهم من صحة ومرض وغنىً وفقر وحياة وموت.
4 الجملة تعليلية لما سبق من أحكام لله تعالى بالإكرام والإهانة بحسب الطاعة والعصيان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-08-2022, 03:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الحج - (3)
الحلقة (602)
تفسير سورة الحج مكية ومدنية
المجلد الثالث (صـــــــ 463الى صــــ 467)

{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } 19 { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } 20 { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } 21 { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } 22 { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } 23 { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ }24


شرح الكلمات

خصمان: خصم مؤمن وخصم كافر كل واحد يريد أن يخصم صاحبه.

اختصموا في ربهم: أي في دينه.

قطعت لهم ثياب: أي فصلت لهم ثياب على قدر أجسامهم.

يصهر به ما في بطونهم: أي يذاب بالحميم وهو الماء الحار من شحوم وغيرها.

مقامع من حديد: جمع مقمعة وهي آلة من حديد كالمجن.

وذوقوا عذاب الحريق: أي يقال لهم توبيخاً وتقريعاً: ذوقوا عذاب النار.

ولؤلؤا: أي أساروا من لؤلؤ محلاة بالذهب.

إلى الطيب من القول: هو شهادة أن لا إله إلا الله.

إلى صراط الحميد: أي إلى الإِسلام إذ هو طريق الله الموصل إلى رضاه وجنته.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ 1} الخصم الأول المسلمون والثاني أهل الشرك والكفر { ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } أي في دينه تعالى كل خصم يدعي أنه على الدين الحق، وماتوا على ذلك وفصل الله تعالى بينهم يوم القيامة { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهم أهل الدين الباطل ادخلوا النار وفصلت2 لهم ثياب من نار { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } أي الماء الحار المنتهي في الحرارة، { يُصْهَرُ3 بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } من لحم وشحم، { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } يضربون بها و { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا } أي من النار بسبب ما ينالهم من غم عظيم { أُعِيدُواْ فِيهَا } أي تجبرهم الزبانية على العودة إليها ولم تمكنهم من الخروج منها، ويقولون لهم: { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي لا تخرجوا منها وذوقوا عذاب الحريق. فهذا جزاء الخصم الكافر، وأما الخصم المؤمن فهذا جزاؤه وهو في قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً 4} أي أساور 5من لؤلؤ محلاة بالذهب { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا } أي في الجنة { حَرِيرٌ6 } وقوله تعالى: { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } في الدنيا وهو لا إله إلا الله وسائر الأذكار والتسابيح وكل كلام طيب، { وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } وهذا الطريق الموصل إلى رضا ربهم وهو الإِسلام، وكل ذلك بتوفيق ربهم الذي آمنوا له وبرسوله وأطاعوه بفعل محابه وترك مساخطه.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- إثبات حقيقة هي أن المؤمن خصم الكافر والكافر خصم المؤمن في كل زمان ومكان حيث إنّ الآية نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث هذا الخصم المؤمن، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وهذا الخصم الكافر وذلك أنهم تقاتلوا يوم بدر بالمبارزة ونصر الله الخصم المؤمن على الكافر.

2- بيان جزاء كل من الكافرين والمؤمنين في الدار الآخرة.

3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الآخرة وما للناس فيها.

4- بيان الطيب من القول وهو كلمة التوحيد وذكر الله تعالى.

5- بيان صراط الحميد وهو الإِسلام جعلنا الله من أهله.
___________________________________

1 روى مسلم عن قبس بن عبادة رضي الله عنه قال: سمعت أبا ذرّ يقسم قسماً: "إن هذان خصمان اختصموا في ربهم} أنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر وهم: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، وعتبة وشيبة أبناء ربيعة والوليد ابن عتبة، وقال عليّ رضي الله عنه إني لأوّل من يجثو للخصومة بين يدي الله تعالى يوم القيامة. يريد قصته في المبارزة هذه، وعموم الآية يشمل الخصومة بين أهل الإسلام وأهل الكتاب، كما يشمل خصومة الجنة والنار لحديث مسلم "احتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلها الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه يدخلها الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها".
2 قطعت: فصلت أي: تقطّع لهم في الآخرة ثياب من نار، وذكر بلفظ الماضي لأنّ ما كان من أخبار الآخرة فالموعود منه كالواقع المحقق، كما قال تعالى {وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس..} أي: يقول الله وجائز أن يكون قد أعدّت لهم تلك الثياب ليلبسوها يوم القيامة وهذا أولى. وتلك الثياب من النحاس المذاب وهي السرابيل المذكورة ني سورة إبراهيم من قطران.
3 الصَّهر: إذابة الشحم والصهارة: ما ذاب منه.
4 نصب على تقدير: ويحلَّون لؤلؤاً.
5 قالت العلماء: ليس أحد من أهل الجنة إلاّ وفي يده ثلاثة أسورة. سوار من ذهب، وسوار من لؤلؤ وسوار من فضة.
6 روى أبو داود بإسناد صحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو" وصحّ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرمها في الآخرة".

*********************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-08-2022, 03:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }25


شرح الكلمات:

كفروا: جحدوا توحيد الله وكذَّبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم.

ويصدون عن سبيل الله: يمنعون الناس من الإِسلام، ويصرفونهم عنه.

والمسجد الحرام: مكة المكرمة والمسجد الحرام ضمنها1.

العاكف: المقيم بمكة للتعبد في المسجد الحرام.

والباد: الطارىء عن مكة النازح إليها.

بإلحاد بظلم: أي إلحاداً أي ميلاً عن الحق مُلتبساً بظلم لنفسه أو لغيره.

معنى الآية الكريمة:

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ 2عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذه الآية الكريمة تحمل تهديداً ووعيداً شديداً لكل من كفر بتوحيد الله وكذب رسوله وما جاء به من الهدى والدين الحق وصدَّ عن سبيل الله أي صرف الناس عن الدخول في الإِسلام، وعن دخول المسجد الحرام للطواف بالبيت والإِقامة بمكة للتعبد 3في المسجد الحرام والآية وإن تناولت المشركين الذين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دخول مكة عام الحديبية فإنها عامة فى كل من كفر وصدَّ إلى يوم القيامة وقوله تعالى: { ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } هو وصف للمسجد الحرام إذ جعله الله تعالى موضع تنسُّك لكل من أتاه وأقام به أو يأتيه للعبادة ثم يخرج منه، فالعاكف أي المقيم فيه كالبادي الطارىء القدوم إليه هم سواء في حق الإِقامة في مكة والمسجد الحرام للتعبد.

وقوله تعالى: { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } أي يرد بمعنى يعتزم الميل عن الحق فيه بظلم يرتكبه كالشرك وسائر الذنوب والمعاصي القاصرة على الفاعل أو المتعدية إلى غيره. وقوله تعالى: { نُّذِقْهُ مِنْ4 عَذَابٍ أَلِيمٍ } هذا جزاء من كفر وصد عن سبيل الله والمسجد الحرام ومن أراد فيه إلحاداً 5بظلم لنفسه6 أو لغيره.

هداية الآية الكريمة

من هداية الآية الكريمة:


1- التنديد بالكفر والصدَّ عن سبيل الله والمسجد الحرام والظلم فيه والوعيد الشديد لفاعل ذلك.

2- مكة بلد الله وحرمه من حق كل مسلم أن يقيم بها للتعبد والتنسك ما لم يظلم وينتهك حرمة الحرم بالذنوب والمعاصي، وخاصة الشرك والظلم والضلال.

3- عظيم شأن الحرم حيث يؤاخذ فيه على مجرد العزم على الفعل ولو لم يفعل.
_______________________________

1 هذا من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل وهو شائع لغة شائع تعبيرا.
2 أي: وهم يصدّون، وقيل الواو مزيدة أي: إن الذين كفروا يصدّون، وهذا ضعيف والصحيح أن خبر إن محذوف تقديره: خسروا وهلكوا ولا يصح أن يكون نذقه لأنه مجزوم.
3 كان في الصدر الأول أبواب دور مكة مفتوحة لكل من يريد النزول بها حاجاً أو معتمراً حتى سرق منزل أحدهم فاتخذ له باباً فأنكر عليه عمر ذلك فقال الرجل: إنما اتخذت الباب لأحفظ لهم متاعهم فتركه عمر فاتخذ الناس من يومئذ الأبواب.
قال مالك. دور مكة ليست كالمسجد بل لهم أن يمنعوا من النزول بها من شاءوا.
4 (نذقه) جواب مَن: الشرطية في قوله: {ومن يرد فيه بإلحاد} .
5 الباء: في بإلحاد: الاجماع على أنها صلة لتقوية الكلام لشيوع مثلها في كلام العرب والأصل: ومن يرد فيه إلحاداً قال الشاعر:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج
نضرب بالسيف ونرجوا بالفرج
6 لا يؤاخذ المؤمن بالنية السيئة في أي بلد كان إلاّ بمكة المكرمة لهذه الآية.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03-08-2022, 03:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الحج - (4)
الحلقة (603)
تفسير سورة الحج مكية ومدنية
المجلد الثالث (صـــــــ 467الى صــــ 473)

{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } 26 { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } 27 { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } 28 { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }29


شرح الكلمات

وإذ بوأنا لإِبراهيم: أي أذكر يا رسولنا إذ بوأنا: أي أنزلنا إبراهيم بمكة مبينين له مكان البيت.

أن لا تشرك بي1 شيئاً: أي ووصيناه بأن لا تشرك بي شيئاً من الشرك والشركاء.

وطهر بيتي: ونظف بيتي من أقذار الشرك وأنجاس المشركين.

وأذن في الناس بالحج: أعلن في الناس بأعلى صوتك.

رجالاً وعلى كل ضامر: مشاة وركباناً على ضوامر الإِبل.

فج عميق: طريق واسع بعيد الغور في قارات الأرض.

في أيام معلومات: هي أيام التشريق.

بهيمة الأنعام: أي الإِبل والبقر والغنم إذ لا يصح الهدى إلا منها.

البائس الفقير: أي الشديد الفقر.

ليقضوا تفثهم: أي ليزيلوا أوساخهم المترتبة على مدة الإِحرام.

وليوفوا نذورهم: أي بأن يذبحوا وينحروا ما نذروه لله من هدايا وضحايا.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ 2} أي اذكر يا رسولنا لقومك المنتسبين إلى إبراهيم باطلاً وزوراً حيث كان موحداً وهم مشركون اذكر لهم كيف بوأه ربُّه مكان البيت لِيَبْنِيه ويرفع بناءه وكيف عهد الله إليه ووصاه بأن يطهره من الأقذار الحسية كالنجاسات من دماء وأوساخ والمعنوية كالشرك والمعاصي وسائر الذنوب وذلك من أجل الطائفين به والقائمين في الصلاة والراكعين والساجدين فيه إذ الرُّكع جمع راكع والسجد جمع ساجد حتى لا يتأذوا بأي أذى معنوي أو حسيّ وهم حول بيت ربهم وفي بلده وحرمه، ليذكر قومك هذا وهم قد نصبوا حول البيت التماثيل والأصنام، ويحاربون كل من يقول لا إله إلا الله وقد صدوك وأصحابك عن المسجد الحرام ومنعوك من الطواف بالبيت العتيق، فأين يذهب بعقولهم عندما يدعون أنهم على دين إبراهيم وإسماعيل. هذا ما دل عليه قوله تعالى: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }.

وقوله تعالى { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ 1} أي وعهدنا إليه آمرين إياه أن يؤذن في الناس بأن ينادي معلنا معلماً: أيها الناس4 إن ربكم قد بنى لكم بيتاً فحجوه ففعل ذلك فأسمع الله صوته من شاء من عباده ممن كتب لهم أزلا أن يحُجوا وسهل طريقهم حجوا فعلاً ولله الحمد والمنة.

وقوله تعالى: { يَأْتُوكَ رِجَالاً } أي عليك النداء وعلينا البلاغ فنادِ { يَأْتُوكَ رِجَالاً } أي مشاة { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } من النوق المهازيل { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أي طريق بعيد في أغوار الأرض وأبعادها كالأندلس غرباً وأندونيسيا شرقاً. وقوله تعالى: { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } أي يأتوك ليشهدوا منافع لهم دينيَّة كمغفرة ذنوبهم واستجابة دعائهم والفوز برضا ربهم، وتعلم دينهم من علمائهم، ودينويّة كربح تجارة ببيع وشراء وعرض سلع وأنواع صناعات، وقوله تعالى: { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } شاكرين لله تعالى إنعامه عليهم وإفضاله وذلك في أيام الحج كلها من العشر الأول من ذي الحجة إلى نهاية أيام التشريق بالصلاة والذكر والدعاء، كما يذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام عند نحر الإِبل وذبح البقر والغنم بأن يقول الناحر أو الذابح بسم الله والله أكبر5 وقوله تعالى: { فَكُلُواْ مِنْهَا } أي من بهيمة الأنعام التي نحرتموها أو ذبحتموها 6تقرباً إلينا كهدى التمتع أو التطوع، { وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } وهو من اشتد به الفقر وقوله تعالى: { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } بإزالة الشعث والوسخ الذي لازمهم طيلة مدة الإِحرام.
وقوله: { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } أن من كان منهم قد نذر هدياً بذبحه في الحرم فليوف بذلك إذ هذا أوان الوفاء بما نذر أن ينحره أو يذبحه بالحرم. وقوله { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي وليطوفوا طواف الإِفاضة وهو ركن الحج ولا يصح إلا بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة صباح العيد عيد الأضحى.

هداية الآيات

من هداية الآيات


1- وجوب بناء البيت وإعلائه كلما سقط وتهدم ووجوب تطهيره من كل ما يؤذي الطائفين والعاكفين في المسجد الحرام من الشرك والمعاصي وسائر الذنوب ومن الأقذار كالأبوال والدماء ونحوها.

2- مشروعية فتح مكاتب للدعاية للحج.

3- جواز الاتجار أثناء إقامته في الحج.

4- وجوب شكر الله تعالى وذكره.

5- جواز الأكل من الهدي ومن ذبائح التطوع بل استحبابه.

6- وجوب الحلق أو التقصير بعد رمي حمة العقبة.

7- وجوب الوفاء بالنذور الشرعية7 أما النذور للأولياء فهي شرك ولا يجوز الوفاء بها.

8- تقرير طواف الإِفاضة8 وبيان زمنه وهو بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة.
_________________________

1 {أن} : الصحيح أنها تفسيرية والقول أو ما في معناه: مقدر فيها نحو وقلنا أو وصينا أو عهدنا.
2 يقال: بوأه كذا وبوأ له كذا فاللام مزيدة لتقوية الكلام كما يقال مكنته من كذا، ومكنت له كذا، ومعنى بوأنا لإبراهيم أي: أريناه أصله. وكان قد درس بطول العهد وأنزلناه فيه.
3 وقرىء: {وآذن} بمعنى: أعلم، {وأذّن} : قراءة الجمهور وهي أولى، والأذان: الإعلام.
4 روي عن ابن عباس وابن جير: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت، وقيل له: أذن في الناس بالحج قال له يا ربّ: وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ البلاغ فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار فحجوا فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك فمن أجاب يومئذ حجّ على قدر الإجابة إن أجاب مرّة فمرة وإن أجاب مرتين فمرتين وجرت التلبية على ذلك.
5 السنة في ذبح الأضحية أن تكون بعد صلاة العيد، ومن ذبح قبل ذلك أعاد لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم" ويستحب في ذبح الأضحية والهدي أن يقول بعد التسمية الواجبة: اللهم منك ولك.
6 المشهور وعليه الأكثر أنّ أيام النحر ثلاثة وهي: أيام التشريق الثلاثة بعد يوم العيد.
7 لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا وفاء لنذر في معصية الله، وقال ومن نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه.
8 أما طواف القدوم فواجب عند مالك وطواف الوداع سنة مؤكدة ويسقط بالعذر عند أكثر أهل العلم، لسقوطه عن الحائض إجماعاً، ومن أهل العلم من يرى طواف القدوم سنة ليس بواجب.

********************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 03-08-2022, 03:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } 30 { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } 31 { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } 32 { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }33

شرح الكلمات:

ذلك: أي الأمر هذا مثل قول المتكلم هذا أي ما ذكرت.. وكذا وكذا..

حرمات الله: جمع حرمة ما حرَّم الله إنتهاكه من قول أو فعل.

فهو خير له عند ربه: أي خير في الآخرة لمن يعظم حرمات الله فلا ينتهكها.

إلا ما يتلى عليكم: أي تحريمه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهلِ لغير الله به.

فاجتنبوا الرجس: أي اجتنبوا عبادة الأوثان.

واجتنبوا قول الزور: وهو الكذب وأعظم الكذب ما كان على الله تعالى 1والشرك وشهادة الزور.

حنفاء لله: موحدين له مائلين عن كل دين إلى الإِسلام.

خرَّ من السماء: أي سقط.

فتخطفه الطير: أي تأخذه بسرعة.

شعائر الله: أعلام دينه وهي هنا البُدْن بأن تختار الحسنة السمينة منها.

فإنها من تقوى القلوب: أي تعظيمها ناشىء من تقوى قلوبهم.

لكم فيها منافع: منها ركوبها والحمل عليها بما لا يضرها وشرب لبنها.

إلى أجل مسمى: أي وقت معين وهو نحرها بالحرم أيام التشريق.

ثم محلها إلى البيت العتيق: أي عند البيت العتيق وهو مكة والحرم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في مناسك الحج قوله تعالى { ذٰلِكَ } أي الأمر ذاك الذي علمتم من قضاء التفث أي إزالة شعر الرأس وقص الشارب وقلم الأظافر ولباس الثياب ونحر وذبح الهدايا والضحايا، { وَمَن يُعَظِّمْ } منكم { حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } فلا ينتهكها { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } أي ذلك التعظيم لها باحترامها وعدم انتهاكها خير له عند ربّه يوم يلقاه وقوله تعالى: { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ } أي الإِبل والبقر والغنم أحل الله تعالى لكم أكلها والانتفاع بها وقوله تعالى: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } تحريمه كما جاء في سورة البقرة والمائدة والأنعام، ومن ذلك قوله تعالى:{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [المائدة: 3] وقوله: { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ2 مِنَ ٱلأَوْثَانِ } أي اجتنبوا عبادة الأوثان فإنها رجس فلا تقربوها بالعبادة ولا بغيرها غضبا لله وعدم رضاً بها وبعبادتها، وقوله: { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } وهو الكذب مطلقاً وشهادة الزور وأعظم الكذب ما كان على الله بوصفه بما هو منزه عنه أو بنسبه شيء إليه كالولد والشريك وهو عنه منزه، أو وصفه بالعجز أو بأي نقص وقوله، { حُنَفَآءَ3 للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ } أي موحدين لله تعالى في ذاته وصفاته وعباداته مائلين عن كل الأديان إلى دينه الإِسلام، غير مشركين به أي شيء من الشرك أو الشركاء وقوله تعالى: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } إلهاً آخر فعبده أو صرف له بعض العبادات التي هي لله تعالى فحاله في خسرانه وهلاكه هلاك من خرَّ من السماء أي سقط منها بعدما رفع إليها فتخطفه الطير أي تأخذه بسرعة وتمزقه أشلاء كما تفعل البازات والعقبان بصغار الطيور، أو تهوي به الريح في مكان سحيق بعيد فلا يعثر عليه أبداً فهو بين أمرين إما اختطاف الطير له أو هوى الريح به فهو خاسر هالك هذا شأن من يشرك بالله تعالى فيعبد معه غيره بعد أن كان في سماء الطهر والصفاء الروحي بسلامة فطرته وطيب نفسه فانتكس في حمأة الشرك والعياذ بالله وقوله تعالى: { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ 4شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى5 ٱلْقُلُوبِ } أي الأمر ذلك من تعظيم حرمات الله واجتناب قول الزور والشرك وبيان خسران المشرك ومن يعظم شعائر الله وهي أعلام دينه من سائر المناسك وبخاصة البدن التي تهدى للحرم وتعظيمها باستحسانها واستسمانها ناشىء عن تقوى القلوب فمن عظمها طاعة لله تعالى وتقرباً إليه دل ذلك على تقوى قلبه لربه تعالى والرسول يشير إلى صدره ويقول التقوى ها هنا التقوى ها هنا ثلاث مرات وقوله تعالى: { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي أذن الله تعالى للمؤمنين أن ينتفعوا بالهدايا وهم سائقوها إلى الحرم بأن يركبوها 6ويحملوا عليها ما لا يضرها ويشربوا من ألبانها وقوله تعالى: { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ 7ٱلْعَتِيقِ } أي محلها عند البيت العتيق وهو الحرم حيث تنحر إن كان مما ينحر أو تذبح إن كان مما يذبح.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- وجوب تعظيم حرمات الله لما فيها من الخير العظيم.

2- تقرير حلِّيَّة بهيمة الأنعام بشرط ذكر اسم الله عند ذبحها أو نحرها.

3- حرمة قول الزور وشهادة الزور وفي الأثر عدلت8 شهادة الزور الشرك بالله.

4- وجوب ترك عبادة الأوثان ووجوب البعد عنها وترك كل ما يمت إليها بصلة.

5- بيان عقوبة الشرك وخسران المشرك.

6- تعظيم شعائر الله وخاصة البدن من تقوى قلوب أصحابها.

7- جواز الانتفاع بالبدن الهدايا بركوبها وشرب لبنها والحمل عليها إلى غاية نحرها بالحرم.
________________________________

1 وكذلك الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".
2 الرجس: الشيء القذر، والوثن: التمثال من خشب أو حديد وغيرهما ومن: كونها لابتداء الغاية أولى ليعم الأمر اجتناب كل رجس في اعتقاد أو قول أو عمل إذ كل الأنجاس محرَّمة.
3 لفظ: حنفاء: من الأضداد يقع على الاستقامة والميل معاً، ومعناها مائلين عن الشرك إلى التوحيد، وعن الأديان إلى الإسلام.
4 الشعائر: جمع شريعة. وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر عباده به وأعلمهم، والشعار: العلامة، ومنه شعار الحرب وإشعار: البدنة لتعلم أنها مهداة للحرم، فشعائر الله: أعلام دينه لاسيما المناسك وما يتعلّق بها.
5 أضيفت التقوى إلى القلوب لأنّ حقيقة التقوى في القلب، والتقوى من الخوف والخوف في القلب ويشهد لهذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التقوى ها هنا" وأشار إلى صدره ثلاث مرات.
6 في الصحيح أنّ رجلاً يسوق بدنه فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اركبها فقال الرجل إنها بدنة قال: اركبها قال: إنها بدنة، وفي الثالثة قال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اركبها ويلك"
7 إن كان الهدي في الحج فمحلّه بعد رمي جمرة العقبة ولا ينحر أو يذبح قبله، وإن كان في غير الحج، وإنما هدي مهدى إلى الحرم فمحلّه مكة حيث يطعمه فقراؤها وفقراء الحرم كله.
8 وفي الصحيح: "إن أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور.. " الحديث.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03-08-2022, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الحج - (5)
الحلقة (604)
تفسير سورة الحج مكية ومدنية
المجلد الثالث (صـــــــ 473الى صــــ 481)

{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } 34 { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ } 35 { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } 36 { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ }37


شرح الكلمات:

منسكاً: أي ذبائح من بهيمة الأنعام يتقربون بها إلى الله تعالى، ومكان الذبح يقال له منسك.

فله أسلموا: أي انقادوا ظاهراً وباطناً لأمره ونهيه.

وبشر المخبتين: أي المطيعين المتواضعين الخاشعين.

وجلت قلوبهم: أي خافت من الله تعالى أن تكون قصَّرتْ في طاعته.

والبدن : جمع بدنة وهي ما يساق للحرم من إبل وبقر ليذبح تقرباً إلى الله تعالى.

من شعائر الله: أي من أعلام دينه، ومظاهر عبادته.

صوآف: جمع صافَّة وهي القائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى.

فإذا وجبت جنوبها: أي بعد أن تسقط على جنوبها على الأرض لا روح فيها.

القانع والمعتر: القانع 1السائل والمعتر الذي يتعرض للرجل ولا يسأله حياء وعفة.

كذلك سخرناها: أي مثل هذا التسخير سخرناها لكم لتركبوا عليها وتحملوا وتحلبوا.

لعلكم تشكرون: أي لأجل أن تشكروا الله تعالى بحمده وطاعته.

لن ينال الله لحومها: أي لا يرفع إلى الله لحم ولا دم، ولكن تقواه بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه.

لتكبروا الله على ما هداكم: أي تقولون الله أكبر بعد الصلوات الخمس أيام التشريق شكراً له على هدايته إياكم.

وبشر المحسنين: أي الذين يريدون بالعبادة وجه الله تعالى وحده ويؤدونها على الوجه المشروع.

معنى الآيات:

ما زال السياق في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدارين فقوله تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي ولكل أمة من الأمم السابقة من أهل الإِيمان والإِسلام جعلنا لهم مكان نسك يتعبدوننا فيه ومنسكاً2 أي ذبح قربان ليتقربوا به إلينا، وقوله: { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } أي شرعنا لهم عبادة ذبح القربان لحكمة: وهو أن يذكروا اسمنا على ذبح ما يذبحون ونحر ما ينحرون بأن يقولوا بسم الله والله أكبر. وقوله تعالى: { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي فمعبودكم أيها الناس معبود واحد { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } وجوهكم وخصوه بعبادتكم ثم قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } برضواننا ودخول دار كرامتنا ووصف المخبتين معرفاً بهم الذين تنالهم البشرى على لسان رسول الله فقال { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ } لهم أو بينهم { وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي خافت شعوراً بالتقصير في طاعته وعدم أداء شكره والغفلة عن ذكره { وَٱلصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } من البلاء فلا يجزعون ولا يتسخطون ولكن يقولون إنا لله وإنا إليه راجعون، { وَٱلْمُقِيمِي } الصلاة 3أي بأدائها في أوقاتها في بيوت الله مع عباده المؤمنين ومع كامل شرائطها وأركانها وسننها { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } مما قل أو كثر ينفقون في مرضاة ربهم شكراً لله على ما آتاهم وتسليماً بما شرع لهم وفرض عليهم.

وقوله تعالى: { وَٱلْبُدْنَ 4جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } أي الإِبل والبقر مما يُهدى إلى الحرم جعلنا ذلكم من شعائر ديننا ومظاهر عبادتنا، { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } عظيم وأجر كبير عند ربكم يوم تلقوه إذ ما تقرب متقرب يوم عيد الأضحى بأفضل من دم يهرقه في سبيل الله وعليه { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } اي قولوا بسم الله والله أكبر عند نحرها، وقوله: { صَوَآفَّ 5} أي قائمة على ثلاثة معقولة اليد اليسرى، فإذا نحرتموها ووجبت أي سقطت على جنوبها فوق الأرض ميتة { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ 6} الذي يسألكم { وَٱلْمُعْتَرَّ } الذي يتعرض لكم ولا يسألكم حياءاً، وقوله تعالى: { سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } أي مثل ذلك التسخير الذي سخرناهم لكم فتركبوا وتحلبوا وتذبحوا وتأكلوا سخرناهم لكم من أجل أن تشكرونا بالطاعة والذكر.
وقوله تعالى في آخر آية في هذا السياق وهي [37] قوله: { لَن7 يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } أي لن يرفع إليه لحم ولا دم ولن يبلغ الرضا منه، ولكن التقوى بالإِخلاص وفعل الواجب والمندوب وترك الحرام والمكروه هذا الذي يرفع إليه ويبلغ مبلغ الرضا منه.

وقوله تعالى: { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } أي كذلك التسخير الذي سخرها لكم لعلَّة أن تكبروا الله على ما هداكم إليه من الإِيمان والإِسلام فتكبروا الله عند نحر البدن وذبح الذبائح وعند أداء المناسك وعقب الصلوات الخمس أيام التشريق. وقوله تعالى: { وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } أمر الله تعالى رسوله والمبلغ عنه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبشر باسمه المحسنين الذين أحسنوا الإِيمان والإِسلام فوحدوا الله وعبدوه بما شرع وعلى نحو ما شرع متبعين في ذلك هدى رسوله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

هداية الآيات

من هداية الآيات


1- ذبح القربان مشروع في سائر الأديان الإِلهية وهو دليل على أنه لا إله إلا الله إذ وحدة التشريع تدل على وحدة المشرع.

وسر مشروعية ذبح القربان هو أن يذكر الله تعالى، ولذا وجب ذكر اسم الله عند ذبح ما يذبح ونحر ما ينحر بلفظ بسم الله والله أكبر.

2- تعريف المخبتين أهل البشارة السارة برضوان الله وجواره الكريم.

3- وجوب ذكر اسم الله على بهيمة الأنعام.

4- بيان كيفية نحر البدن، وحرمة الأخذ منها قبل موتها وخروج روحها.

5- الندب إلى الأكل من الهدايا ووجوب إطعام الفقراء والمساكين منها.

6- وجوب شكر الله على كل إنعام.

7- مشروعية التكبير عند أداء المناسك كرمي الجمار وذبح ما يذبح وبعد الصلوات الخمس أيام التشريق.

8- فضيلة الإِحسان وفوز المحسنين ببشرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
______________________________

1 القانع: من الأضداد يطلق على ذي القناعة وعلى من لا قناعة له فهو يسأل، إلاّ أن الفعل الماضي لذي القناعة مكسور العين فعل كعلم، وفعل: من لا قناعة له فهو يسأل فعل: بفتح العين كنصح ينصح.
2 يقال: نسك ينسك نُسكاً: إذا ذبح ذبح تقرّب لله تعالى، والذبيحة تسمى نسيكة وجمعها: نسك، ومنها قوله تعالى: {أو صدقة أو نسك} والنسك: الطاعة لله، وهي عبادته، ومن ذلك قولهم: تنسّك فلان: أي تعبد فهو ناسك ومتنسك، والمنسك بفتح السين وكسرها موضع العبادة، ومنه مناسك الحج وهي الأماكن التي تؤدى فيها الشعائر كعرفات ومزدلفة ومنى ومكة.
3 قرأ الجمهور بكسر التاء من الصلاة على الإضافة، وقرأ أبو عمرو: (الصلاة) بفتحها على توهم النون، وأنّ حذفها كان للتخفيف لطول الاسم. وأنشد سيبويه:
الحافظو عورة العشيرة لا
يأتيهم من ورائنا نَطف
النطف: التلطخ بالعيب والاتهام بريبة أو فجور.
4 البدن: بضم الباء والدال، والبُدن: بضم الباء وإسكان الدال لغة فصيحة وقرأ الجمهور: (والبدن) بإسكان الدال واحدها بدنة كثمرة وثمر، وخشبة وخشب وسميت بدنة لأنها تبدن، والبدانة: السمن، وتطلق على البقر على الصحيح فمن نذرها أجزأته البقرة، وهي كالبعير تجزىء عن سبعة في هدي التمتع والقرآن.
5 أصل هذا اللفظ مأخوذ من صفن الفرس إذا وقف على ثلاثة أرجل، ورفع الرابعة ومنها: تنحر الإبل بعد أن توقف على ثلاثة وتعقد اليد اليسرى منها، وقرىء (صوافي) و (صوافٍ) من الصفاء الذي هو الخلوص لله تعالى أي: خالصة له عزّ وجلّ.
6 القانع: اسم فاعل من قنع يقنع فهو قانع: إذا سأل وتذلل في السؤال: أما القانع بمعنى: ذي القناعة ففعله قنع بكسر النون قناعة: إذا اكتفى بما عنده ولم يسأل قال مالك: أحسن ما سمعت أن القانع: الفقير، والمعتر، الزائر وهو موافق في المعنى لما تقدم، ويؤيد هذا قراءة الحسن: (والمعتري) وهو الذي يتعرض لك ويأتك بدون علم منك.
7 قال ابن عباس رضي الله عنهما: لن يصعد إليه. أي اللحم والدم، ولكن الذي يصل إليه التقوى منكم وما أريد به وجهه.

******************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 03-08-2022, 03:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } 38 { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } 39 { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } 40 { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ }41


شرح الكلمات

يدافع: قُرِىء يدفع أي غوائل المشركين وما يكيدون به المؤمنين.

خوان: كثير الخيانة لأمانته وعهوده.

كفور: أي جحود لربه وكتابه ورسوله ونعمه عليه.

بأنهم ظلموا: أي بسبب ظلم المشركين لهم.

بغير حق: أي استوجب إخراجهم من ديارهم.

إلا أن يقولوا ربنا الله: أي إلا قولهم: ربنا الله والله حق، وهل قول الحق يُسَوغ إخراج قائله؟

صوامع وبيع: معابد الرهبان وكنائس النصارى.

وصلوات: معابد اليهود، باللغة العبرية مفردها صلوثا.

ومساجد: أي بيوت الصلاة للمسلمين.

من ينصره: أي ينصر دينه وعباده المؤمنين.

قوي عزيز: قادر على ما يريد عزيز لا يمانع فيما يريد.

إن مكناهم في الأرض: أي نصرناهم على عدوهم ومكنا لهم في البلاد بأن جعلنا السلطة بأيديهم.

ولله عاقبة الأمور: أي آخر أمور الخلق مردها إلى الله تعالى الذي يثيب ويُعاقب.

معنى الآيات:

ما زال السياق في إرشاد المؤمنين وتعليمهم وهدايتهم قوله تعالى: { إِنَّ 1ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ2 ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } أي يدفع عنهم غوائل المشركين ويحميهم من كيدهم ومكرهم. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ 3} تعليل وهم المشركين الذين صدوا رسول الله والمؤمنين عن المسجد الحرام وهم الخائنون لأماناتهم وعهودهم الكافرون بربهم ورسوله وكتابه وبما جاء به، ولما كان لا يحبهم فهو عليهم، وليس لهم، ومقابلة أنه يحب كل مؤمن صادق في إيمانه محافظ على أماناته وعهوده مطيع لربه، ومن أحبَّهُ دافع عنه وحماه من أعدائه.

وقوله تعالى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } باسم للفاعل أي القادرين على القتال ويقاتلون باسم المفعول وهما قراءتان أي قاتلهم المشركون هؤلاء أذِن4 الله تعالى لهم في قتال أعدائهم المشركين بعدما كانوا ممنوعين من ذلك لحكمة يعلمها ربهم، وهذه أول آية في القرآن تحمل طابع الحرب بالإِذن فيه للمؤمنين، وقوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } طمأنهم على أنه معهم بتأييده ونصره وهو القدير على ذلك وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ } أي بدون موجب لإِخراجهم اللهم إلا قولهم5: ربنا الله وهذا حق وليس بموجب لإِخراجهم من ديارهم وطردهم من منازلهم وبلادهم هذه الجملة بيان لمقتضى الإِذن لهم بالقتال، ونصرة الله تعالى لهم. وقوله تعالى: { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ 6بِبَعْضٍ } أي يدفع بأهل الحق أهل الباطل لولا هذا لتغلب أهل الباطل و { لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ7 وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } وهذا تعليل أيضاً وبيان لحكمة الأمر بالقتال أي لولا أن الله تعالى يدفع بأهل الإِيمان أهل الكفر لتغلب أهل الكفر وهدموا المعابد ولم يسمحوا للمؤمنين أن يعبدوا الله - وفي شرح الكلمات بيان للمعابد المذكورة فليرجع إليها.

وقوله تعالى: { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ } أي قدير { عَزِيزٌ } غالب فمن أراد نصرته نَصَرهُ ولو اجتمع عليه من بأقطار الأرض، والذي يريد الله نصرته هو الذي يقاتل من أجل الله بأن يُعبد في الأرض ولا يُعبد معه سواه فذلك وجه نصر الله فليعلم وقوله { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ 8} أي وطأنا لهم في الأرض وملكناهم بعد قهر أعدائهم المشركين فحكموا وسادوا أقاموا الصلاة على الوجه المطلوب منهم، وآتوا الزكاة المفروضة في أموالهم، وأمروا بالمعروف أي بالإِسلام والدخول فيه وإقامته، ونهوا عن المنكر وهو الشرك والكفر ومعاصِي الله ورسوله هؤلاء الأحقون بنصر الله تعالى لهم لأنهم يقاتلون لنصرة الله عز وجل، وقوله تعالى: { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } يخبر تعالى بأن مرد كل أمر إليه تعالى يحكم فيه بما هو الحق والعدل فيثيب على العمل الصالح ويعاقب على العمل الفاسد، وذلك يوم القيامة، وعليه فليراقب الله وليُتق في السر والعلن وليُتوكل عليه، وليُنب إليه، فإن مرد كل أمر إليه.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- وعد الله الصادق بالدفاع عن المؤمنين الصادقين في إيمانهم.

2- كره الله تعالى لأهل الكفر والخيانة.

3- مشروعية القتال لإِعلاء كلمة الله بأن يعبد وحده ولا يضطهد أولياؤه.

4- بيان سر الإِذن بالجهاد ونصرة الله لأوليائه الذين يقاتلون من أجله.

5- بيان أسس الدولة التي ورثّ الله أهلها البلاد وملكهم فيها وهي:

إقام الصلاة - إيتاء الزكاة - الأمر بالمعروف - النهي عن المنكر.
______________________________

1 روي أن هذه الآية: {إن الله يدافع..} نزلت بسبب أن المؤمنين بمكة لما كثر اضطهاد المشركين لهم فكر بعضهم في اغتيال الكفار، والاحتيال عليهم والغدر بهم فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله: {كفور} .
2 قرأ الجمهور: {يدافع} وقرأ بعضهم: {يدفع} .
3 الخوّان: كثير الخيانة، وهي الغدر، والغدر من شر الصفات، فقد صحّ "أن الله تعالى ينصب يوم القيامة للغادر لواءً عند أسته بقدر غدرته: يقال هذه غدرة فلان بن فلان"!!
4 هذه الآية نزلت بالمدينة بعد هجرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين إليها وفيها إذن بقتال المشركين بعد المنع الأوّل فهي أول آية بالإذن بالقتال بعدما كان غير مأذون فيه كما تقدم.
5 قوله: {إلاّ أن قالوا ربنا الله.} . " الاستثناء منقطع أي: لكن لقولهم ربنا الله أي: وحده لا ربّ لنا سواه استمرّت مدة السلم ثلاث عشرة سنة، وفي السنة الأولى من الهجرة أذن الله تعالى للمؤمنين بقتال المشركين إذ قد أعذر الله تعالى إليهم.
6 في الآية دليل على أن أمر الجهاد متقدم في الأمم قبل هذه الأمّة وبه صلحت الرائع وعبد الناس ربّهم، واستقامت أمورهم وصلحت أحوالهم.
7 في الآية دليل على أنه لا يجوز لنا هدم معابد اليهود والنصارى، وإنما يمنعون من زيادة البناء حتى لا يكون ذلك إذناً بالبقاء على الكفر وهو حرام.
8 هذه عامة في هذه الأمة وليست خاصة بالخلفاء الراشدين الأربعة ولا بالصحابة والتابعين بل هي عامة فيمن مكن الله تعالى لهم في الأرض فسوّدهم وحكّمهم وجب عليهم أن يقوموا بفعل ما ذكر في هذه الآية من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 407.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 401.28 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]