|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1161
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ يس الحلقة (1161) صــ 481 لى صــ 490 وقوله (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا) وذلك قول بعضهم لبعض (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) خداعًا من بعضهم لبعض وغرورًا، وإنما تزلفهم آلهتهم من النار، وتقصيهم من الله ورحمته. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) } يقول تعالى ذكره: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ) لئلا تزولا من أماكنهما (وَلَئِنْ زَالَتَا) يقول: ولو زالتا (إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) يقول: ما أمسكهما أحد سواه. ووضعت "لئن" في قوله (وَلَئِنْ زَالَتَا) في موضع "لو" لأنهما يجابان بجواب واحد، فيتشابهان في المعنى، ونظير ذلك قوله (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) بمعنى: ولو أرسلنا ريحًا، وكما قال (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) بمعنى: لو أتيت. وقد بيَّنا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا) من مكانهما. حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن الأعمش عن أَبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: من أين جئت؟ قال: من الشأم. قال: من لَقيتَ؟ قال: لقيتُ كعبًا. فقال: ما حدثك كعب؟ قال: حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك. قال: فصدقته أو كذبته؟ قال: ما صدقته ولا كذبته. قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها، وكذب كعب، إن الله يقول (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) . حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: ذهب جُندَب البَجَلي إلى كعب الأحبار فقدم عليه ثم رجع فقال له عبد الله: حدثنا ما حدثك. فقال: حدثني أن السماء في قطب كقطب الرحا، والقطب عمود على منكب ملك. قال عبد الله: لوددت أنك افتديت رحلتك بمثل راحلتك، ثم قال: ما تنتكت اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه، ثم قال (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا) كفى بها زوالا أن تدور. وقوله (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) يقول تعالى ذكره: إن الله كان حليمًا عمن أشرك وكفر به من خلقه فى تركه تعجيل عذابه له، غفورًا لذنوب من تاب منهم، وأناب إلى الإيمان به، والعمل بما يرضيه. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا (43) } يقول تعالى ذكره: وأقسم هؤلاء المشركون بالله جهد أيمانهم، يقول: أشد الإيمان فبالغوا فيها، لئن جاءهم من الله منذر ينذرهم بأس الله (لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ) يقول: ليكونن أسلك لطريق الحق وأشد قبولا لما يأتيهم به النذير من عند الله، من إحدى الأمم التي خلت من قبلهم (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ) يعني بالنذير محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، يقول: فلما جاءهم محمد ينذرهم عقاب الله على كفرهم. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ) وهو محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. وقوله (مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا) يقول: ما زادهم مجيء النذير من الإيمان بالله واتباع الحق وسلوك هدى الطريق، إلا نفورًا وهربًا. وقوله (اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ) يقول: نفروا استكبارًا في الأرض وخدعة سيئة، وذلك أنهم صدوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به. والمكر هاهنا: هو الشرك. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) وهو الشرك. وأضيف المكر إلى السيىء، والسيىء من نعت المكر كما قيل (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) وقيل: إن ذلك في قراءة عبد الله (وَمَكْرًا سَيِّئًا) ، وفي ذلك تحقيق القول الذي قلناه من أن السيىء في المعنى من نعت المكر. وقرأ ذلك قراء الأمصار غير الأعمش وحمزة بهمزة محركة بالخفض. وقرأ ذلك الأعمش وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالا منهما بأن الحركات لما كثرت في ذلك ثقل، فسكَّنا الهمزة، كما قال الشاعر: إذَا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَوّمِ (1) فسكن الباء لكثرة الحركات. (1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 267) قال: وقوله (مكر السيئ) : أضيف المكر إلى إلى السيئ، وهو هو. كما قال: (إن هذا لهو حق اليقين) . وتصديق ذلك في رواية عبد الله: (ومكرًا سيئًا) . وقوله (مكر السيئ) الهمزة في السيئ مخفوضة، وقد جزمها الأعمش وحمزة، لكثرة الحركات، كما قال: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) ؛ قال الشاعر: إذَا اعْوَجَجْنَ قلْتُ صَاحبْ قَوّمِ يريد: يا صاحبُ قوم، فجزم الباء لكثرة الحركات قال الفراء: حدثني الرواسي، عن أَبي عمرو بن العلاء: (لا يحزنهم) جزم: ا. هـ. والصواب من القراءة ما عليه قراء الأمصار من تحريك الهمزة فيه إلى الخفض وغير جائز في القرآن أن يقرأ بكل ما جاز في العربية؛ لأن القراءة إنما هي ما قرأت به الأئمة الماضية، وجاء به السلف على النحو الذي أخذوا عمن قبلهم. وقوله (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) يقول: ولا ينزل المكر السيىء إلا بأهله، يعني بالذين يمكرونه، وإنما عنى أنه لا يحل مكروه ذلك المكر الذي مكره هؤلاء المشركون إلا بهم. وقال قتادة في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) وهو الشرك. وقوله (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ) يقول تعالى ذكره: فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليم العقاب، يقول: فهل ينتظر هؤلاء إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من أشكالهم من الأمم. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ) أي: عقوبة الأولين (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) يقول: فلن تجد يا محمد لسنة الله تغييرًا. وقوله (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا) يقول: ولن تجد لسنة الله في خلقه تبديلا يقول: لن يغير ذلك ولا يبدله؛ لأنه لا مرد لقضائه. القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) } يقول تعالى ذكره: أولم يَسِرْ يا محمد هؤلاء المشركون بالله في الأرض التي أهلكنا أهلها بكفرهم بنا وتكذيبهم رسلنا فإنهم تجار يسلكون طريق الشأم (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم التي كانوا يمرون بها ألم نهلكهم ونخرب مساكنهم ونجعلهم مثلا لمن بعدهم، فيتعظوا بهم وينزجروا عمَّا هم عليه من عبادة الآلهة بالشرك بالله، ويعلموا أن الذي فعل بأولئك ما فعل (وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) لن يتعذر عليه أن يفعل بهم مثل الذي فعل بأولئك من تعجيل النقمة والعذاب لهم. وبنحو الذي قلنا في قوله (وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) يخبركم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم. وقوله (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ) يقول تعالى ذكره: ولن يعجزنا هؤلاء المشركون بالله من عبدة الآلهة المكذبون محمدًا، فيسبقونا هربًا في الأرض إذا نحن أردنا هلاكهم؛ لأن الله لم يكن ليعجزه شيء يريده في السماوات ولا في الأرض، ولن يقدر هؤلاء المشركون أن ينفذوا من أقطار السماوات والأرض. وقوله (إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) يقول تعالى ذكره: إن الله كان عليمًا بخلقه، وما هو كائن، ومن هو المستحق منهم تعجيل العقوبة، ومن هو عن ضلالته منهم راجع إلى الهدى آيب، قديرا على الانتقام ممن شاء منهم، وتوفيق من أراد منهم للإيمان. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) } يقول تعالى ذكره: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ) يقول ولو يعاقب الله الناس ويكافئهم بما عملوا من الذنوب والمعاصي واجترحوا من الآثام ما ترك على ظهرها من دابة تدب عليها (وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) يقول: ولكن يؤخر عقابهم ومؤاخذتهم بما كسبوا إلى أجل معلوم عنده، محدود لا يقصرون دونه، ولا يجاوزونه إذا بلغوه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) إلا ما حمل نوح في السفينة. وقوله (فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) يقول تعالى ذكره: فإذا جاء أجل عقابهم فإن الله كان بعباده بصيرًا من الذي يستحق أن يعاقب منهم، ومن الذي يستوجب الكرامة ومن الذي كان منهم في الدنيا له مطيعًا، ومن كان فيها به مشركًا، لا يخفى عليه أحد منهم، ولا يعزب عنه علم شيء من أمرهم. آخر تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (يس) ؛ فقال بعضهم: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله. * ذكر من قال ذلك: حدثني علي قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله (يس) قال: فإنه قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله وقال آخرون: معناه: يا رجل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تُميلة، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله (يس) قال: يا إنسان بالحبشية. حدثنا ابن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن شرقي، قال: سمعت عكرمة يقول: تفسير) يس) : يا إنسان. وقال آخرون: هو مفتاح كلام افتتح الله به كلامه. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال (يس) مفتاح كلام افتتح الله به كلامه. وقال آخرون: بل هو اسم من أسماء القرآن. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (يس) قال: كل هجاء في القرآن اسم من أسماء القرآن. قال أبو جعفر، وقد بيَّنا القول فيما مضى في نظائر ذلك من حروف الهجاء بما أغنى عن إعادته وتكريره في هذا الموضع. وقوله (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) يقول: والقرآن المحكم بما فيه من أحكامه، وبيِّنات حججه (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يقول تعالى ذكره مقسمًا بوحيه وتنزيله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إنك يا محمد لمن المرسلين بوحي الله إلى عباده. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) قسم كما تسمعون (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) . وقوله (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يقول: على طريق لا اعوجاج فيه من الهدى وهو الإسلام. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) : أي على الإسلام. وفي قوله (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وجهان؛ أحدهما: أن يكون معناه: إنك لمن المرسلين على استقامة من الحق، فيكون حينئذٍ "على" من قوله (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) من صلة الإرسال. والآخر أن يكون خبرًا مبتدأ، كأنه قيل: إنك لمن المرسلين، إنك على صراط مستقيم. القول في تأويل قوله تعالى: {تَنزيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) } ![]()
__________________
|
#1162
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ يس الحلقة (1162) صــ 491 لى صــ 500 اختلف القراء في قراءة قوله (تَنزيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة (تَنزيلُ الْعَزِيزِ) برفع "تنزيل" ، والرفع في ذلك يتجه من وجهين؛ أحدهما بأن يجعل خبرًا، فيكون معنى الكلام: إنه تنزيل العزيز الرحيم. والآخر: بالابتداء، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: إنك لمن المرسلين، هذا تنزيل العزيز الرحيم. وقرأته عامة قراء الكوفة وبعض أهل الشام) تَنزيلَ) نصبًا على المصدر من قوله (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) لأن الإرسال إنما هو عن التنزيل، فكأنه قيل: لمنزل تنزيل العزيز الرحيم حقًّا. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. ومعنى الكلام: إنك لمن المرسلين يا محمد إرسال الرب العزيز في انتقامه من أهل الكفر به، الرحيم بمن تاب إليه، وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه على سالف جرمه بعد توبته له. القول في تأويل قوله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ) فقال بعضهم: معناه: لتنذر قومًا بما أنذر الله من قبلهم من آبائهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة في هذه الآية (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ) قال: قد أنذروا. وقال آخرون: بل معنى ذلك لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم (1) . * (1) أي لم ينذر آباؤهم ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ) قال بعضهم: لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم من إنذار الناس قبلهم. وقال بعضهم: لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم أي: هذه الأمة لم يأتهم نذير، حتى جاءهم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. واختلف أهل العربية في معنى "ما" التي في قوله (مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ) إذا وجِّهَ معنى الكلام إلى أن آباءهم قد كانوا أنذروا، ولم يُرد بها الجحد؛ فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: إذا أريد به غير الجحد لتنذرهم الذي أُنذِر آباؤهم (فَهُمْ غَافِلُونَ) وقال: فدخول الفاء في هذا المعنى لا يجوز، والله أعلم. قال: وهو على الجحد أحسن، فيكون معنى الكلام: إنك لمن المرسلين إلى قوم لم ينذر آباؤهم، لأنهم كانوا في الفترة. وقال بعض نحويي الكوفة: إذإ لم يُرد بما الجحد، فإن معنى الكلام: لتنذرهم بما أنذر آباؤهم، فتلقى الباء، فتكون "ما" في موضع نصب (فَهُمْ غَافِلُونَ) يقول: فهم غافلون عما الله فاعل: بأعدائه المشركين به، من إحلال نقمته، وسطوته بهم. وقوله (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يقول تعالى ذكره: لقد وجب العقاب على أكثرهم، لأن الله قد حتم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون رسوله. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) } يقول تعالى ذكره: إنا جعلنا أيمان هؤلاء الكفار مغلولة إلى أعناقهم بالأغلال، فلا تُبسط بشيء من الخيرات. وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ) وقوله (إِلَى الأذْقَانِ) يعني: فأيمانهم مجموعة بالأغلال في أعناقهم، فكُني عن الأيمان، ولم يجر لها ذكر لمعرفة السامعين بمعنى الكلام، وأن الأغلال إذا كانت في الأعناق لم تكن إلا وأيدي المغلولين مجموعة بها إليها، فاستغنى بذكر كون الأغلال في الأعناق من ذكر الأيمان، كما قال الشاعر: وَما أدْرِي إذا يَمَّمْتُ وَجْهًا ... أُرِيدُ الخَيْرَ أيُّهُما يَلِينِي أألخَيرُ الذي أنَا أبْتَغِيهِ ... أم الشَّرُّ الَّذي لا يَأتَلِيني (1) فكنى عن الشر، وإنما ذكر الخير وحده لعلم سامع ذلك بمعني قائله، إذ كان الشر مع الخير يذكر. والأذقان: جمع ذَقَن، والذَّقَنُ: مجمع اللَّحيين. وقوله (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) والمقمَح هو المقنع، وهو أن يحدر الذقن حتى يصير في الصدر، ثم يرفع رأسه في قول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة، وفي قول بعض الكوفيين: هو الغاض بصره بعد رفع رأسه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل (1) البيتان من الوافر، وهما لسحيم بن وثيل الرياحي. وقد سبق الاستشهاد بهما في (14: 157) عند قوله تعالى: (سرابيل تقيكم الحرب) في سورة النحل. واستشهد بهما هنا على أن قوله: "أريد الخير أيهما يليني" أي: أي الخير والشر يلني، فاكتفى بذكر الخير وكنى عن الشر، إذ كان معلوما من السياق كما في قوله تعالى: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) إذ لم يصر بذكر الأيمان لأن الأيمان إنما تكون في الأغلال مع الأعناق. فاكتفى بالأغلال عن ذكر الأيمان. قال الفراء في معاني القرآن (الورقة 267) وقوله: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان) فكنى عن هي، وهي للأيمان، ولم تذكر. وذلك أن الغل لا يكون إلا في اليمين والعنق جامعا لليمين والعنق، فيكفي ذكر أحدهما من صاحبه، ومثله قول الشاعر: "وما أدري...." البيتين. فكنى عن الشر، وإنما ذكر الخير وحده. وذلك أن الشر يذكر مع الخير. وهي في قراءة عبد الله: (إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا فهي إلى الأذقان) فكفت من ذكر (الأعناق) في حرف عبد الله، وكفت (الأعناق) من "الأيمان" في قراءة العامة. والذقن: أسفل اللحيين. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) قال: هو كقول الله (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ) يعني بذلك أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم، لا يستطيعون أن يبسطوها بخير. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) قال: رافعو رءوسهم، وأيديهم موضوعة على أفواههم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) : أي فهم مغلولون عن كل خير. وقوله (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) يقول تعالى ذكره: وجعلنا من بين أيدي هؤلاء المشركين سدًّا، وهو الحاجز بين الشيئين؛ إذا فتح كان من فعل بني آدم، وإذا كان من فعل الله كان بالضم. وبالضم قرأ ذلك قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين. وقرأه بعض المكيين وعامة قراء الكوفيين بفتح السين (سَدًّا) في الحرفين كلاهما؛ والضم أعجب القراءتين إليّ في ذلك، وإن كانت الأخرى جائزة صحيحة. وعنى بقوله (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) أنه زين لهم سوء أعمالهم فهم يَعْمَهُونَ، ولا يبصرون رشدًا، ولا يتنبهون حقًّا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) قال: عن الحق. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) عن الحق فهم يترددون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) قال: ضلالات. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) قال: جعل هذا سدًّا بينهم وبين الإسلام والإيمان، فهم لا يخلصون إليه، وقرأ (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وقرأ (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) ... الآية كلها، وقال: من منعه الله لا يستطيع. وقوله (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) يقول: فأغشينا أبصار هؤلاء أي: جعلنا عليها غشاوة؛ فهم لا يبصرون هدى ولا ينتفعون به. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) هدى، ولا ينتفعون به. وذُكر أن هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام حين حلف أن يقتله أو يشدخ رأسه بصخرة. * ذكر الرواية بذلك: حدثني عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا عُمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدًا لأفعلن ولأفعلن، فأنزلت (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا) .. إلى قوله (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) قال: فكانوا يقولون: هذا محمد، فيقول أين هو، أين هو؟ لا يبصره. وقد رُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: (فَأَعْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) بالعين بمعنى: أعشيناهم عنه، وذلك أن العَشَا هو أن يمشي بالليل ولا يبصر. القول في تأويل قوله تعالى: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) } يقول تعالى ذكره: وسواء يا محمد على هؤلاء الذين حق عليهم القول، أي الأمرين كان منك إليهم؛ الإنذار، أو ترك الإنذار، فإنهم لا يؤمنون؛ لأن الله قد حكم عليهم بذلك. وقوله (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) يقول تعالى ذكره: إنما ينفع إنذارك يا محمد من آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من أحكام الله (وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ) يقول: وخاف الله حين يغيب عن أبصار الناظرين، لا المنافق الذي يستخف بدين الله إذا خلا ويظهر الإيمان في الملأ ولا المشرك الذي قد طبع الله على قلبه. وقوله (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) يقول: فبشر يا محمد هذا الذي اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب بمغفرة من الله لذنوبه (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) يقول: وثواب منه له في الآخرة كريم، وذلك أن يعطيه على عمله ذلك الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) واتباع الذكر: اتباع القرآن. القول في تأويل قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يقول تعالى ذكره (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) من خلقنا (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا) في الدنيا من خير وشر، وصالح الأعمال وسيئها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا) من عمل. حدثني يونس، قال: أخبرنا إبن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا) قال: ما عملوا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (مَا قَدَّمُوا) قال: أعمالهم. وقوله (وَآثَارَهُمْ) يعني: وآثار خطاهم بأرجلهم، وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ليقرب عليهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد، فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد فنزلت (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) فقالوا: نثبت في مكاننا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت الأنصار بعيده منازلهم من المسجد، فأرادوا أن ينتقلوا، قال: فنزلت (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) فثبتوا. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا الجريري، عن أبي نضرة، عن جابر، قال: أراد بنو سَلِمة قرب المسجد، قال: فقال لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إنَّها تُكْتَبْ آثَارُكُمْ" . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر، قال: سمعت كهمسا يحدث، عن أبي نضرة، عن جابر، قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، قال: والبقاع خالية، فبلغ ذلك النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: "يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إنَّها تُكْتَبْ آثَارُكُمْ" قال: فأقاموا وقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا. حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن طريف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: شكت بنو سَلِمة بُعد منازلهم إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فنزلت (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) فقال: "عَلَيكُمْ مَنَازِلَكُم تُكْتَبُ آثارُكم" . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو نُمَيلة، قال: ثنا الحسين، عن ثابت، قال: مشيت مع أنس، فأسرعت المشي، فأخذ بيدي، فمشينا رُويدا، فلما قضينا الصلاة قال أنس: مشيت مع زيد بن ثابت، فأسرعت المشي، فقال: يا أنس أما شعرت أن الآثار تكتب؟ . حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن يونس، عن الحسن أن بني سَلِمة كانت دورهم قاصية عن المسجد، فهموا أن يتحولوا قرب المسجد، فيشهدون الصلاة مع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال لهم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "ألا تَحْتَسِبون آثارَكم يا بني سَلِمة؟" فمكثوا في ديارهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم ابن أبي بَزَّة، عن مجاهد، في قوله (مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) قال: خطاهم بأرجلهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَآثَارَهُمْ) قال: خطاهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَآثَارَهُمْ) قال: قال الحسن: وآثارهم قال: خطاهم. وقال قتادة: لو كان مُغْفِلا شيئًا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار. وقوله (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) يقول تعالى ذكره: وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه، فأثبتناه في أم الكتاب، وهو الإمام المبين. وقيل (مُبِينٌ) لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) قال: في أم الكتاب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) كل شيء محصًى عند الله في كتاب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) قال: أم الكتاب التي عند الله فيها الأشياء كلها هي الإمام المبين. القول في تأويل قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) } يقول تعالى ذكره: ومثل يا محمد لمشركي قومك مثلا أصحاب القرية، ذُكر أنها أنطاكية (إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) اختلف أهل العلم في هؤلاء الرسل، وفيمن كان أرسلهم إلى أصحاب القرية؛ فقال بعضهم: كانوا رسل عيسى ابن مريم، وعيسى الذي أرسلهم إليهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) قال: ذُكر لنا أن عيسى ابن مريم بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية -مدينة بالروم- فكذبوهما فأعزهما بثالث (فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، قال: ثني السدي، عن عكرمة (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ) قال: أنطاكية. وقال آخرون: بل كانوا رسلا أرسلهم الله إليهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سَلَمَة قال: ثنا ابن إسحاق، فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه، قال: كان بمدينة أنطاكية، فرعون من الفراعنة يقال له أبطيحس بن أبطيحس يعبد الأصنام، صاحب شرك، فبعث الله المرسلين، وهم ثلاثة: صادق، ومصدوق، وسلوم، فقدم إليه وإلى أهل مدينته منهم اثنان فكذبوهما، ثم عزز الله بثالث، فلما دعته الرسل ونادته بأمر الله، وصدعت بالذي أمرت به، وعابت دينه، وما هم عليه، قال لهم (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) وقوله (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) يقول تعالى ذكره: حين أرسلنا إليهم اثنين يدعوانهم إلى الله فكذبوهما فشددناهما بثالث، وقويناهما به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ![]()
__________________
|
#1163
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ يس الحلقة (1163) صــ 501 لى صــ 510 * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) قال: شددنا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد في قوله (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) قال: زدنا. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) قال: جعلناهم ثلاثة، قال: ذلك التعزز، قال: والتعزز: القوة. وقوله (فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) يقول: فقال المرسلون الثلاثة لأصحاب القرية: إنَّا إليكم أيها القوم مرسلون، بأن تُخْلِصوا العبادة لله وحده، لا شريك له، وتتبرءوا مما تعبدون من الآلهة والأصنام. وبالتشديد في قوله (فَعَزَّزْنَا) قرأت القراء سوى عاصم، فإنه قرأه بالتخفيف، والقراءة عندنا بالتشديد، لإجماع الحجة من القراء عليه، وأن معناه، إذا شُدد: فقوينا، وإذا خُفف: فغلبنا، وليس لغلبنا في هذا الموضع كثير معنى. القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) } يقول تعالى ذكره: قال أصحاب القرية للثلاثة الذين أرسلوا إليهم حين أخبروهم أنهم أرسلوا إليهم بما أرسلوا به: ما أنتم أيها القوم إلا أُناس مثلنا، ولو كنتم رسلا كما تقولون، لكنتم ملائكة (وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ) يقول: قالوا: وما أنزل الرحمن إليكم من رسالة ولا كتاب ولا أمركم فينا بشيء (إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ) في قيلكم إنكم إلينا مرسلون (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) يقول: قال الرسل: ربنا يعلم إنَّا إليكم لمرسلون فيما دعوناكم إليه، وإنَّا لصادقون (وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) يقول: وما علينا إلا أن نبلغكم رسالة الله التي أرسلنا بها إليكم بلاغًا يبين لكم أنَّا أبلغناكموها، فإن قبلتموها فحظ أنفسكم تصيبون، وإن لم تقبلوها فقد أدينا ما علينا، والله ولي الحكم فيه. القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) } يقول تعالى ذكره: قال أصحاب القرية للرسل (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ) يعنون: إنَّا تشاءمنا بكم، فإن أصابنا بلاء فمن أجلكم. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ) قالوا: إن أصابنا شر، فإنما هو من أجلكم. وقوله (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) يقول: لئن لم تنتهوا عمَّا ذكرتم من أنكم أرسلتم إلينا بالبراءة من آلهتنا، والنهي عن عبادتنا لنرجمنكم، قيل: عني بذلك لنرجمنكم بالحجارة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) بالحجارة (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) يقول: ولينالنكم منَّا عذاب موجع. القول في تأويل قوله تعالى: قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) يقول تعالى ذكره: قالت الرسل لأصحاب القرية (طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) يقولون: أعمالكم وأرزاقكم وحظكم من الخير والشر معكم، ذلك كله في أعناقكم، وما ذلك من شؤمنا إن أصابكم سوء فيما كتب عليكم، وسبق لكم من الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنايزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي: أعمالكم معكم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس، وعن كعب وعن وهب بن منبه، قالت لهم الرسل (طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي: أعمالكم معكم. وقوله (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) اختلفت القراءة في قراءة ذلك؛ فقرأته عامة قراء الأمصار (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) بكسر الألف من "إن" وفتح ألف الاستفهام: بمعنى إن ذكرناكم فمعكم طائركم، ثم أدخل على "إن" التي هي حرف جزاء ألف استفهام في قول بعض نحويي البصرة، وفي قول بعض الكوفيين منوي به التكرير، كأنه قيل: طائركم معكم إن ذكرتم فمعكم طائركم، فحذف الجواب اكتفاء بدلالة الكلام عليه. وإنما أنكر قائل هذا القول القول الأول، لأن ألف الاستفهام قد حالت بين الجزاء وبين الشرط، فلا تكون شرطا لما قبل حرف الاستفهام. وذُكر عن أَبي رزين أنه قرأ ذلك (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) بمعنى: ألأن ذكرتم طائركم معكم؟. وذُكر. نعم بعض قارئيه أنه قرأه (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكَمْ أَيْنَ ذُكِرْتُمْ) بمعنى: حيث ذُكِرْتُمْ بتخفيف الكاف من ذكرتم. والقراءة التي لا نجيز القراءة بغيرها القراءة التي عليها قراء الأمصار، وهي دخول ألف الاستفهام على حرف الجزاء، وتشديد الكاف على المعنى الذي ذكرناه عن قارئيه كذلك، لإجماع الحجة من القراء عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) أي: إن ذكرناكم الله تطيرتم بنا؟ (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) . وقوله (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) يقول: قالوا لهم: ما بكم التطير بنا، ولكنكم قوم أهل معاصٍ لله وآثامٍ، قد غلبت عليكم الذنوب والآثام. وقوله (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) يقول: وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الذين أرسلت إليهم هذه الرسل رجل يسعى إليهم؛ وذلك أن أهل المدينة هذه عزموا، واجتمعت آراؤهم على قتل هؤلاء الرسل الثلاثة فيما ذكر، فبلغ ذلك هذا الرجل، وكان منزله أقصى المدينة، وكان مؤمنًا، وكان اسمه فيما ذكر "حبيب بن مري" . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار. ذكر الأخبار الواردة بذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، عن عاصم الأحول، عن أبي مُجِلِّز، قال: كان صاحب يس "حبيب بن مري" . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: كان من حديث صاحب يس فيما حدثنا محمد بن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه اليماني أنه كان رجلا من أهل أنطاكية، وكان اسمه "حبيبًا" وكان يعمل الجَرير، وكان رجلا سقيمًا، قد أسرع فيه الجذام، وكان منزله عند باب من أبوب المدينة قاصيًا، وكان مؤمنًا ذا صدقة، يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون، فيقسمه نصفين، فيطعم نصفًا عياله، ويتصدق بنصف، فلم يهمَّه سقمه ولا عمله ولا ضعفه، عن عمل ربه، قال: فلما أجمع قومه على قتل الرسل، بلغ ذلك: "حبيبًا" وهو على باب المدينة الأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكرهم بالله، ويدعوهم إلى اتباع المرسلين، فقال (يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن عمرو بن حزم أنه حُدث عن كعب الأحبار قال: ذكر له حبيب بن زيد بن عاصم أخو بني مازن بن النجار الذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة حين جعل يسأله عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فجعل يقول: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ فيقول: نعم، ثم يقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول له: لا أسمع، فيقول مسيلمة: أتسمع هذا، ولا تسمع هذا؟ فيقول: نعم، فجعل يقطعه عضوًا عضوًا، كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه، قال كعب حين قيل له اسمه "حبيب" : وكان والله صاحب يس اسمه "حبيب" . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مِقْسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: كان اسم صاحب يس "حبيبًا" وكان الجذام قد أسرع فيه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) قال: ذُكر لنا أن اسمه "حبيب" ، وكان في غار يعبد ربه، فلما سمع بهم أقبل إليهم. وقوله (قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) يقول تعالى ذكره: قال الرجل الذي جاء من أقصى المدينة لقومه: يا قوم اتبعوا المرسلين الذين أرسلهم الله إليكم، واقبلوا منهم ما أتوكم به. وذُكر أنه لما أتى الرسل سألهم: هل يطلبون على ما جاءوا به أجرًا؟ فقالت الرسل: لا فقال لقومه حينئذٍ: اتبعوا من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجرًا * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما انتهى إليهم -يعني إلى الرسل- قال: هل تسألون على هذا من أجر؟ قالوا: لا فقال عند ذلك (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أي: لا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى، وهم لكم ناصحون، فاتبعوهم تهتدوا بهداهم. وقوله (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) يقول: وهم على استقامة من طريق الحق، فاهتدوا أيها القوم بهداهم. القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) } يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هذا الرجل المؤمن (وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) أي: وأي شيء لي لا أعبد الرب الذي خلقني (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يقول: وإليه تصيرون أنتم أيها القوم وتردون جميعًا، وهذا حين أبدى لقومه إيمانه بالله وتوحيده. كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه قال: ناداهم -يعني نادى قومه- بخلاف ما هم عليه من عبادة الأصنام، وأظهر لهم دينه وعبادة ربه، وأخبرهم أنه لا يملك نفعه ولا ضره غيره، فقال (وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ثم عابها، فقال (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ) وشدة (لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ) . وقوله (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) يقول: أأعبد من دون الله آلهة، يعني معبودًا سواه (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ) يقول: إذ مسني الرحمن بضر وشدة (لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) يقول: لا تغني عني شيئًا بكونها إليَّ شفعاء، ولا تقدر على رفع ذلك الضر عني (وَلا يُنْقِذُونِ) يقول: ولا يخلصوني من ذلك الضر إذا مسني. وقوله (إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يقول إني إن اتخذت من دون الله آلهة هذه صفتها (إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) لمن تأمله، جوره عن سبيل الحق. وقوله (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) فاختلف في معنى ذلك، فقال بعضهم: قال هذا القول هذا المؤمن لقومه يعلمهم إيمانه بالله. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب، وعن وهب بن منبه (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) إني آمنت بربكم الذي كفرتم به، فاسمعوا قولي. وقال آخرون: بل خاطب بذلك الرسل، وقال لهم: اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي، وأني قد آمنت بكم واتبعتكم؛ فذكر أنه لما قال هذا القول، ونصح لقومه النصيحة التي ذكرها الله في كتابه وثبوا به فقتلوه. ثم اختلف أهل التأويل في صفة قتلهم إياه، فقال بعضهم: رجموه بالحجارة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هذا رجل دعا قومه إلى الله، وأبدى لهم النصيحة فقتلوه على ذلك. وذُكر لنا أنهم كانوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول: اللهم اهد قومي، اللهم اهد قومي، اللهم اهد قومي، حتى أقْعَصوه وهو كذلك. وقال آخرون: بل وثبوا عليه، فوطئوه بأقدامهم حتى مات. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب، وعن وهب بن منبه قال لهم (وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) .. إلى قوله (فَاسْمَعُونِ) وثبوا وثبة رجل واحد فقتلوه واسضعفوه لضعفه وسقمه، ولم يكن أحد يدفع عنه حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أصحابه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: وطئوه بأرجلهم حتى خرج قُصْبه من دُبُره. القول في تأويل قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) } يقول تعالى ذكره: قال الله له إذ قتلوه كذلك فلقيه (ادْخُلِ الْجَنَّةَ) فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره فيه (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي) يقول: يا ليتهم يعلمون أن السبب الذي من أجله غفر لي ربي ذنوبي، وجعلني من الذين أكرمهم الله بإدخاله إياه جنته، كان إيماني بالله وصبري فيه، حتى قتلت، فيؤمنوا بالله ويستوجبوا الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: قال الله له: ادخل الجنة، فدخلها حيًّا يرزق فيها، قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها، فلما أفضى إلى رحمة الله وجنته وكرامته (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) فلما دخلها (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) قال: فلا تلقى المؤمن إلا ناصحًا، ولا تلقاه غاشًّا، فلما عاين من كرامة الله (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) تمنى على الله أن يعلم قومه ما عاين من كرامة الله، وما هجم عليه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قال: قيل: قد وجبت له الجنة؛ قال ذاك حين رأى الثواب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قال: وجبت لك الجنة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قال: وجبت له الجنة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصم الأحول، عن أبي مجلز، في قوله (بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي) قال إيماني بربي، وتصديقي رسله، والله أعلم. القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) } يقول تعالى ذكره: وما أنزلنا على قوم هذا المؤمن الذي قتله قومه لدعائه إياهم إلى الله ونصيحته لهم (مِنْ بَعْدِهِ) يعني: من بعد مهلكه (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ) . واختلف أهل التأويل في معنى الجند الذي أخبر الله أنه لم ينزل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه فقال بعضهم: عُنِي بذلك أنه لم ينزل الله بعد ذلك إليهم رسالة، ولا بعث إليهم نبيًّا. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ) قال: رسالة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حَكَّام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ) قال: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله (إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) . وقال آخرون: بل عني بذلك أن الله تعالى ذكره لم يبعث لهم جنودًا يقاتلهم بها، ولكنه أهلكهم بصيحة واحدة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، أن عبد الله بن مسعود، قال: غضب الله له، يعني لهذا المؤمن، ![]()
__________________
|
#1164
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ يس الحلقة (1164) صــ 511 لى صــ 520 لاستضعافهم إياه غضبةً لم تبق من القوم شيئًا، فعجَّل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال: (وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ) يقول: ما كاثرناهم بالجموع أي الأمر أيسر علينا من ذلك (إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) فأهلك الله ذلك الملك وأهل أنطاكية، فبادوا عن وجه الأرض، فلم تبق منهم باقية. وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية، وذلك أن الرسالة لا يقال لها جند إلا أن يكون أراد مجاهد بذلك الرُّسُل، فيكون وجهًا، وإن كان أيضًا من المفهوم بظاهر الآية بعيدًا، وذلك أن الرسل من بني آدم لا ينزلون من السماء والخبر في ظاهر هذه الآية عن أنه لم ينزل من السماء بعد مَهْلِك هذا المؤمن على قومه جندًا وذلك بالملائكة أشبه منه ببني آدم. وقوله (إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) يقول: ما كانت هَلَكتهم إلا صيحة واحدة أنزلها الله من السماء عليهم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار (إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً) نصبا على التأويل الذي ذكرت، وأنّ في كانت مضمرًا وذُكر عن أبي جعفر المدني أنه قرأه (إلا صيْحَةٌ وَاحِدَةٌ) رفعًا على أنها مرفوعة بكان، ولا مضمر في كان. والصواب من القراءة في ذلك عندي النصب لإجماع الحجة على ذلك، وعلى أن في كانت مضمرًا. وقوله (فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) يقول: فإذا هم هالكون. القول في تأويل قوله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) } يقول تعالى ذكره: يا حسرةً من العباد على أنفسها وتندّما وتلهفا في استهزائهم برسل الله (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ) من الله (إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) وذكر أن ذلك في بعض القراءات (يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) أي: يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضَيَّعت من أمر الله، وفرّطت في جنب الله. قال: وفي بعض القراءات: (يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا) . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن؛ قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) قال: كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) يقول: يا ويلا للعباد. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: يا لها حسرة على العباد. القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) } يقول تعالى ذكره: ألم ير هؤلاء المشركون بالله من قومك يا محمد كم أهلكنا قبلهم بتكذيبهم رسلنا، وكفرهم بآياتنا من القرون الخالية (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) يقول: ألم يَرَوا أنهم إليهم لا يرجعون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) قال: عاد وثمود، وقرون بين ذلك كثير. و "كَمْ" من قوله (كَمْ أَهْلَكْنَا) في موضع نصب إن شئت بوقوع يروا عليها. وقد ذَكر أن ذلك في قراءة عبد الله: (ألَمْ يَرَوْا مَنْ أهْلَكْنَا) وإن شئت بوقوع أهلكنا عليها؛ وأما "أنهم" ، فإن الألف منها فتحت بوقوع يروا عليها. وذُكر عن بعضهم أنه كسر الألف منها على وجه الاستئناف بها، وترك إعمال يروا فيها. وقوله (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) يقول تعالى ذكره: وإن كل هذه القرون التي أهلكناها والذين لم نهلكهم وغيرهم عندنا يوم القيامة جميعهم محضرون. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) أي هم يوم القيامة. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (وَإنْ كُلٌّ لَمَا) بالتخفيف توجيها منهم إلى أن ذلك "ما" أدخلت عليها اللام التي تدخل جوابًا لإنْ وأن معنى الكلام: وإن كلّ لجميع لدينا محضرون. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة (لَمَّا) بتشديد الميم. ولتشديدهم ذلك عندنا وجهان: أحدهما: أن يكون الكلام عندهم كان مرادًا به: وإن كلّ لمما جميع، ثم حذفت إحدى الميمات لما كثرت، كما قال الشاعر: غَدَاةَ طَفَتْ عَلْمَاءِ بَكْرُ بنُ وَائِلٍ ... وَعُجْنَا صُدُورَ الخَيْلِ نَحْوَ تَمِيمٍ (1) (1) هذا بيت من مقطوعة نسبها البلاذري في "أنساب الأشراف" إلى صالح بن عبد الله العبشمي الخارجي في محاربة حارثة بن بدر الغداني للأزارقة، قبل أن يحاربهم المهلب. ونسبها المبرد في الكامل إلى قطري بن الفجاءة الخارجي في يوم دولاب. ورواية البلاذري "طفت في الماء" ورواية المبرد: "طفت علماء" . وأصله على الماء، كما تقول في بني الحارث: بالحارث. والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 269) قال: وقوله: (وإن كل لما جميع) : شددها (لما) الأعمش وعاصم وقد خففها قوم كثير من قراء أهل المدينة. وبلغني أن عليا خففها، وهو الوجه؛ لأنها "ما" أدخلت عليها لام، تكون جوابا لإن، كأنك قلت وإن كل لما جميع لدينا محضرون؛ ولم ينقلها من ثقلها إلا عن صواب، فإن شئت أردت: وإن كل "لمن ما" جميع، ثم حذفت إحدى الميمات لكثرتهن كما قال "غداة طفت علماء.... البيت" . والوجه الآخر من التثقيل: أن يجعلوا "لما" بمنزلة "إلا" ، كأنها "لم" ضمت إليها "ما" فصار جميعًا حرفا واحدا، وخرجا من حد الجحد. وكان االكسائي ينفي هذا القول، يقول: لا أعرف جهة "لما" في التشديد في القراءة. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 204) : "وإن كل" : إذا خففت "إن" رفعتها بها، وإن ثقلت نصبت. "لما جميع" تفسيرها: وإن كل لجميع. و "ما" مجازها مجاز (مثلا ما بعوضة) ، و (عما قليل) . والآخر: أن يكونوا أرادوا أن تكون (لَمَّا) بمعنى إلا مع إنْ خاصة فتكون نظيرة إنما إذا وضعت موضع "إلا" . وقد كان بعض نحويِّي الكوفة يقول: كأنها "لَمْ" ضمت إليها "ما" ، فصارتا جميعا استثناء، وخرجتا من حد الجحد. وكان بعض أهل العربية يقول: لا أعرف وجه "لمَّا" بالتشديد. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) } يقول تعالى ذكره: ودلالة لهؤلاء المشركين على قُدرة الله على ما يشاء، وعلى إحيائه من مات من خلقه وإعادته بعد فنائه، كهيئته قبل مماته إحياؤه الأرض الميتة، التي لا نبت فيها ولا زرع بالغيث الذي ينزله من السماء حتى يخرج زرعها، ثم إخراجه منها الحب الذي هو قوت لهم وغذاء، فمنه يأكلون. وقوله (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) يقول تعالى ذكره: وجعلنا في هذه الأرض التي أحييناها بعد موتها بساتين من نخيل وأعناب (وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ) يقول: وأنبعنا فيها من عيون الماء. القول في تأويل قوله تعالى: {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) } يقول تعالى ذكره: أنشأنا هذه الجنات في هذه الأرض ليأكل عبادي من ثمره، وما عملت أيديهم يقول: ليأكلوا من ثمر الجنات التي أنشأنا لهم، وما عملت أيديهم مما غرسوا هم وزرعوا. و "ما" التي في قوله (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) في موضع خفض عطفًا على الثمر، بمعنى: ومن الذي عملت؛ وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر: (وَممَّا عَمِلَتْهُ) بالهاء على هذا المعنى، فالهاء في قراءتنا مضمرة، لأن العرب تضمرها أحيانًا، وتظهرها في صلات: من، وما، والذي. ولو قيل: "ما" بمعنى المصدر كان مذهبًا، فيكون معنى الكلام: ومن عمل أيديهم، ولو قيل: إنها بمعنى الجحد ولا موضع لها كان أيضًا مذهبا، فيكون معنى الكلام: ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم. وقوله (أَفَلا يَشْكُرُونَ) يقول: أفلا يشكر هؤلاء القوم الذين رزقناهم هذا الرزق من هذه الأرض الميتة التي أحييناها لهم مَنْ رزقهم ذلك وأنعم عليهم به؟ القول في تأويل قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) } يقول تعالى ذكره تنزيها وتبرئة للذي خلق الألوان المختلفة كلها من نبات الأرض، ومن أنفسهم، يقول: وخلق من أولادهم ذكورًا وإناثًا، ومما لا يعلمون أيضًا من الأشياء التي لم يطلعهم عليها، خلق كذلك أزواجًا مما يضيف إليه هؤلاء المشركون، ويصفونه به من الشركاء وغير ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) } يقول تعالى ذكره: ودليل لهم أيضًا على قدرة الله على فعل كل ما شاء (اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) يقول: ننزع عنه النهار. ومعنى "منه" في هذا الموضع: عنه، كأنه قيل: نسلخ عنه النهار، فنأتي بالظلمة ونذهب بالنهار. ومنه قوله (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا) أي: خرج منها وتركها، فكذلك انسلاخ الليل من النهار. وقوله (فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ) يقول: فإذا هم قد صاروا في ظلمة بمجيء الليل. وقال قتادة في ذلك ماحدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ) قال: يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، وهذا الذي قاله قتادة في ذلك عندي، من معنى سلخ النهار من الليل، بعيد، وذلك أن إيلاج الليل في النهار، إنما هو زيادة ما نقص من ساعات هذا في ساعات الآخر، وليس السلْخ من ذلك في شيء، لأن النهار يسلخ من الليل كله، وكذلك الليل من النهار كله، وليس يولج كلّ الليل في كلّ النهار، ولا كلّ النهار في كلّ الليل. وقوله (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) يقول تعالى ذكره: والشمس تجري لموضع قرارها، بمعنى: إلى موضع قرارها؛ وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. * ذكر الرواية بذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذرَ الغفاريّ، قال: كنت جالسا عند النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في المسجد، فلما غَرَبت الشمس، قال: يا أبا ذَرّ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ الشَّمْسُ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنها تذهب فتسجد بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ بالرُّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَكَانِهَا وَذَلِكَ مُسْتَقَرّها "." وقال بعضهم في ذلك بما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) قال: وقت واحد لا تعدوه. وقال آخرون: معنى ذلك: تجري لمجرى لها إلى مقادير مواضعها، بمعنى: أنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع ولا تجاوزه. قالوا: وذلك أنها لا تزال تتقدم كلّ ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع. وقوله (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) يقول: هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقر لها، تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه، العليم بمصالح خلقه، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يخفي عليه خافية. القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) } اختلفت القراء في قراءة قوله (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) فقرأه بعض المكيين وبعض المدنيين وبعض البصريين: (وَالقَمَرُ) رفعا عطفًا بها على الشمس، إذ كانت الشمس معطوفة على الليل، فأتبعوا القمر أيضًا الشمس في الإعراب، لأنه أيضًا من الآيات، كما الليل والنهار آيتان، فعلى هذه القراءة تأويل الكلام: وآية لهم القمرُ قدّرناه منازل. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض المدنيين وبعض البصريين، وعامة قرّاء الكوفة نصبا (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ) بمعنى: وقدّرنا القمر منازل، كما فعلنا ذلك بالشمس، فردّوه على الهاء من الشمس في المعنى، لأن الواو التي فيها للفعل المتأخر. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، فتأويل الكلام: وآية لهم، تقديرنا القمر منازل للنقصان بعد تناهيه وتمامه واستوائه، حتى عاد كالعرجون القديم؛ والعرجون: من العذق من الموضع النابت في النخلة إلى موضع الشماريخ؛ وإنما شبهه جل ثناوه بالعرجون القديم، والقديم هو اليابس، لأن ذلك من العِذْق، لا يكاد يوجد إلا متقوّسًا منحنيًا إذا قدم ويبس، ولا يكاد أن يُصاب مستويًا معتدلا كأغصان سائر الأشجار وفروعها، فكذلك القمرُ إذا كان في آخر الشهر قبل استسراره، صار في انحنائه وتقوّسه نظير ذلك العرجون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يقول: أصل العِذق العتيق. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يعني بالعُرجون: العذقَ اليابس. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: كعِذْق النخلة إذا قدُم فانحنى. حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقيّ، قال: ثنا أبو يزيد الخرّاز، يعني خالد بن حيان الرقيِّ، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصمّ في قوله (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: عذق النخلة إذا قدُم انحنى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عيسى بن عبيد، عن عكرمة، في قوله (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: النخلة القديمة. حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى عن مجاهد (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: العِذْق اليابس. حدثني محمد بن عمر بن عليّ المقدمي وابن سنان القزّاز، قالا ثنا أبو عاصم والمقدمي، قال: سمعت أبا عاصم يقول: سمعت سليمان التيمي في قوله (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: العذْق. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: قدّره الله منازل، فجعل ينقص حتى كان مثل عذق النخلة، شبهه بعذق النخلة. وقوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) يقول تعالى ذكره: لا الشمس يصلح لها إدراك القمر، فيذهب ضوؤها بضوئه، فتكون الأوقات كلها نهارًا لا ليل فيها (وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) يقول تعالى ذكره: ولا الليل بفائت النهار حتى تذهب ظلمته بضيائه، فتكون الأوقات كلها ليلا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في ألفاظهم في تأويل ذلك، إلا أن معاني عامتهم الذي قلناه. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد في قوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) قال: لا يشبه ضوءها ضوء الآخر، لا ينبغي لها ذلك. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) قال: لا يُشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر، ولا ينبغي ذلك لهما وفي قوله (وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) قال: يتطالبان حَثيثين ينسلخ أحدهما من الآخر. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) قال: لا يدرك هذا ضوءَ هذا ولا هذا ضوء هذا. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) وهذا في ضوء القمر وضوء الشمس، إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء، وإذا طلع القمر بضوئه لم يكن للشمس ضوء (وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) قال: في قضاء الله وعلمه أن لا يفوت الليل النهار حتى يدركه، فيذهب ظلمته، وفي قضاء الله أن لا يفوت النهار الليل حتى يدركه، فيذهب بضوئه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) ولكلٍّ حدٌّ وعلم لا يعدوه، ولا يقصر دونه؛ إذا جاء سلطان هذا، ذهب سلطان هذا، وإذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا. ورُوي عن ابن عباس في ذلك ما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) يقول: إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر، فإذا غابا غاب أحدهما بين يدي الآخر، وأنْ من قوله (أَنْ تُدْرِكَ) في موضع رفع بقوله: ينبغي. وقوله (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يقول: وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، قال: ثنا شعبة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ ![]()
__________________
|
#1165
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ يس الحلقة (1165) صــ 521 لى صــ 530 يَسْبَحُونَ) قال: في فلك كفلك المِغْزَل. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: مجرى كلّ واحد منهما، يعني الليل والنهار، في فَلَك يسبحون: يجرون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أي: في فلك السماء يسبحون. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) دورانا، يقول: دورانا يسبحون؛ يقول: يجرون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يعني: كلّ في فلك في السموات؟. القول في تأويل قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) } يقول تعالى ذكره: ودليل لهم أيضًا، وعلامة على قُدرتنا على كلّ ما نشاء، حملنا ذرّيتهم، يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح، وإياها عنى جلّ ثناؤه بالفُلك المشحون؛ والفلك: هي السفينة، والمشحون: المملوء الموقر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله (أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) يقول: الممتلئ. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) يعني المثقل. حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) قال: الموقَر. حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا يونس، عن الحسن، في قوله (الْمَشْحُونِ) قال: المحمول. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) يعني: سفينة نوح عليه السلام. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) الموقر، يعني سفينة نوح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) قال: الفلك المشحون: المَرْكَب الذي كان فيه نوح، والذرية التي كانت في ذلك المركب؛ قال: والمشحون: الذي قد شُحِن، الذي قد جعل فيه ليركبه أهله، جعلوا فيه ما يريدون، فربما امتلأ وربما لم يمتلىء. حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: أتدرون ما الفُلك المشحون؟ قلنا: لا قال: هو المُوقَر. حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآمُلِي، قال: ثنا هارون، عن جُوَيبر، عن الضحاك، في قوله (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) قال: المُوقَر. وقوله (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) يقول تعالى ذكره: وخلقنا لهؤلاء المشركين المكذّبيك يا محمد، تفضلا منا عليهم، من مثل ذلك الفلك الذي كنا حملنا من ذرية آدم مَنْ حملنا فيه الذي يركبونه من المراكب. ثم اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله (مَا يَرْكَبُونَ) فقال بعضهم: هي السفن. * ذكر من قال ذلك: حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: تدرون ما (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) ؟ قلنا: لا. قال: هي السفن جُعِلت من بعد سفينة نوح على مِثْلها. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك في قوله (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) قال: السفن الصغار. قال: ثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك، في قوله (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) قال: السفن الصغار، ألا ترى أنه قال (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) ؟ حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن في هذه الآية (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) قال: السفن الصغار. حدثنا حاتم بن بكر الضَّبي، قال: ثنا عثمان بن عمر، عن شعبة، عن إسماعيل، عن أبي صالح: (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) قال: السفن الصغار. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) يعني: السفن التي اتخذت بعدها، يعني بعد سفينة نوح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) قال: هي السفن التي ينتفع بها. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) قال: وهي هذه الفلك. حدثني يونس، قال: ثنا محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) قال: نعم من مثل سفينة. وقال آخرون: بل عني بذلك الإبل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) يعني: الإبل، خَلَقها الله كما رأيت، فهي سفن البر، يحملون عليها ويركبونها. حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثنا غندر، عن عثمان بن غياث، عن عكرمة (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) قال: الإبل. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، قال: قال عبد الله بن شداد (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) هي الإبل. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) قال: من الأنعام. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: هي الإبل. وأشبه القولين بتأويل ذلك قول من قال: عُنِي بذلك السفن، وذلك لدلالة قوله (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) على أن ذلك كذلك، وذلك أن الغرق معلوم أن لا يكون إلا في الماء، ولا غرق في البرّ. وقوله (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) يقول تعالى ذكره: وإن نشأ نغرق هؤلاء المشركين إذا ركبوا الفُلك في البحر (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) يقول: فلا مُغِيث لهم إذا نحن غرّقناهم يُغِيثهم، فينجيهم من الغرق. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) أي: لا مُغِيث وقوله (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) يقول: ولا هو ينقذهم من الغرق شيء إن نحن أغرقناهم في البحر، إلا أن ننقذهم نحن رحمة منا لهم، فننجيهم منه. وقوله (وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) يقول: ولنمتعهم إلى أجل هم بالغوه، فكأنه قال: ولا هم يُنْقذُونَ، إلا أن نرحمهم فنمتعهم إلى أجل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) أي: إلى الموت. القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) } يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله، المكذّبين رسوله محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: احذروا ما مضى بين أيديكم من نقم الله وَمثُلاته بمن حلّ ذلك به من الأمم قبلكم أن يحلّ مثله بكم بشرككم وتكذيبكم رسوله. (وَمَا خَلْفَكُمْ) يقول: وما بعد هلاككم مما أنتم لاقوه إن هلكتم على كفركم الذي أنتم عليه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) يقول: ليرحمكم ربكم إن أنتم حذرتم ذلك، واتقيتموه بالتوبة من شرككم والإيمان به، ولزوم طاعته فيما أوجب عليكم من فرائضه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) : وقائع الله فيمن خلا قبلهم من الأمم وما خلفهم من أمر الساعة. وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) قال: ما مضى من ذنوبهم، وهذا القول قريب المعنى من القول الذي قلنا، لأن معناه: اتقوا عقوبة ما بين أيديكم من ذنوبكم، وما خلفكم مما تعملون من الذنوب ولم تعملوه بعد، فذلك بعد تخويف لهم العقاب على كفرهم. وقوله (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) يقول تعالى ذكره: وما تجيء هؤلاء المشركين من قريش آية، يعني حجة من حُجَج الله، وعلامة من علاماته على حقيقة توحيده، وتصديق رَسُوله، إلا كانوا عنها معرضين، لا يتفكرون فيها، ولا يتدبرونها، فيعلموا بها ما احتجّ الله عليهم بها. فإن قال قائل: وأين جواب قوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ) ؟ قيل: جوابه وجواب قوله (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ) ... قوله (إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفي بالجواب عن قوله (اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) وعن قوله (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ) بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام: وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا، وإذا أتتهم آية أعرضوا. القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) } يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله: أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم، فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم، قال الذين أنكروا وحدانية الله، وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله: أنطعم أموالنا وطعامنا مَنْ لو يشاء الله أطعمه. وفي قوله (إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وجهان: أحدهما أن يكون من قيل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ: ما أنتم أيها القومُ في قيلكم لنا: أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم، إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد مُبين لمن تأمله وتدبره، أنه في ضلال، وهذا أولى وجهيه بتأويله. والوجه الآخر: أن يكون ذلك من قيل الله للمشركين، فيكون تأويله حينئذ: ما أنتم أيها الكافرون في قيلكم للمؤمنين: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، إلا في ضلال مبين، عن أن قيلكم ذلك لهم ضلال. القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) } يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون المكذبون وعيد الله، والبعثَ بعد الممات، يستعجلون ربهم بالعذاب (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ) أي: الوعد بقيام الساعة (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أيها القوم، وهذا قولهم لأهل الإيمان بالله ورسوله. القول في تأويل قوله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) } يقول تعالى ذكره: ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم، إلا صيحة واحدة تأخذهم، وذلك نفخة الفَزَع عند قيام الساعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الآثار. * ذكر من قال ذلك، وما فيه من الأثر: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر، قالا ثنا عوف بن أبي جميلة عن أبي المغيرة القواس، عن عبد الله بن عمرو، قال: ليُنْفَخَنّ في الصور، والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم، حتى إن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان، فما يُرسله أحدهما من يده حتى يُنفَخ في الصور، وحتى إن الرجل ليغدو من بيته فلا يرجع حتى ينفخ في الصُّور، وهي التي قال الله (مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) ... الآية "." حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) ذُكر لنا أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: "تَهِيجُ السَّاعَةُ بالنَّاسِ وَالرَّجُلُ يَسْقِي ماشِيَتَهُ، والرَّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضَهُ، والرَّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي سُوقِهِ والرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ، وَتَهِيجُ بِهِمْ وَهُمْ كَذلكَ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إلى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونِ" . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً) قال: النفخة نفخة واحدة. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع، عمن ذكره، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إِنَّ الله لمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فأعْطاهُ إسْرافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلى فِيهِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلى العَرْش يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ، قال أبو هريرة: يا رسول الله: وما الصور؟ قال: قَرْنٌ قال: وكَيْفَ هُوَ؟ قال: قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ، الأولى نَفْخَةُ الفَزَعِ، والثَّانِيِةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، والثَّالِثَةُ نَفْخَةُ القِيام لِرَب العالَمِينَ، يَأْمُرُ الله إسْرَافِيلَ بالنَّفْخَةِ الأولى فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللهُ، ويَأْمُرُهُ اللهُ فَيُدِيمُهَا ويُطَوِّلُها، فَلا يَفْتُرُ، وَهِيَ التي يَقُولُ اللهُ (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) ثُمَّ يَأْمُرُ الله إسْرَافِيلُ بنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقُ أهْلُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللهُ، فإذَا هُمْ خَامِدُونَ، ثُمَّ يُمِيتُ مَنْ بَقِيَ، فَإِذاَ لمَْ يَبْقَ إِلا اللَّه الْوَاحِدُ الصَّمَدُ، بَدَّلَ الأرْضَ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، فَيَبْسُطُهَا وَيَسْطَحُهَا، وَيَمُدُّهَا مَدَّ الأدِيمِ الْعُكَاظِي، لا تَرَى فِيهَا عِوَجا وَلا أَمْتا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأولى ما كانَ في بَطْنها كان في بَطْنِها، وَما كانَ على ظَهْرِها كانَ عَلى ظَهْرِها" . واختلفت القراء في قراءة قوله (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة: (وَهُمْ يَخْصّمُون) بسكون الخاء وتشديد الصاد، فجمع بين الساكنين، بمعنى: يختصمون، ثم أدغم التاء في الصاد فجعلها صادا مشددة، وترك الخاء على سكونها في الأصل. وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: (وَهُمْ يَخَصّمُون) بفتح الخاء وتشديد الصاد بمعنى: يختصمون، غير أنهم نقلوا حركة التاء وهي الفتحة التي في يفتعلون إلى الخاء منها، فحرّكوها بتحريكها، وأدغموا التاء في الصاد وشددوها. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة: (يَخِصِّمُونَ) بكسر الخاء وتشديد الصاد، فكسروا الخاء بكسر الصاد وأدغموا التاء في الصاد وشددوها. وقرأ ذلك آخرون منهم: (يَخْصِمُون) بسكون الخاء وتخفيف الصاد، بمعنى (يَفْعِلُون) من الخصومة، وكأن معنى قارئ ذلك كذلك: كأنهم يتكلمون، أو يكون معناه عنده: كان وهم عند أنفسهم يَخْصِمُون مَن وعدهم مجيء الساعة، وقيام القيامة، ويغلبونه بالجدل في ذلك. والصواب من القول في ذلك عندنا أن هذه قراءات مشهورات معروفات في قرّاء الأمصار، متقاربات المعاني، فبأيتهنّ قرأ القارئ فمصيب. وقوله (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) يقول تعالى ذكره: فلا يستطيع هؤلاء المشركون عند النفخ في الصُّور أن يوصوا في أموالهم أحدا (وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) يقول: ولا يستطيع من كان منهم خارجا عن أهله أن يرجع إليهم، لأنهم لا يُمْهَلون بذلك. ولكن يُعَجَّلون بالهلاك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) أي: فيما في أيديهم (وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) قال: أُعْجِلوا عن ذلك. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً) ... الآية، قال: هذا مبتدأ يوم القيامة، وقرأ (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) حتى بلغ (إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) . القول في تأويل قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) } يقول تعالى ذكره (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) وقد ذكرنا اختلاف المختلفين ![]()
__________________
|
#1166
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ يس الحلقة (1166) صــ 531 لى صــ 540 والصواب من القول فيه بشواهده فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، ويُعْنَى بهذه النفخة، نفخة البعث. وقوله (فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ) يعني من أجداثهم، وهي قبورهم، واحدها جدث، وفيها لغتان، فأما أهل العالية، فتقوله بالثاء: جَدَث، وأما أهل السافلة فتقوله بالفاء جَدَف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) يقول: من القبور. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ) أي: من القبور. وقوله (إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) يقول: إلى ربهم يخرجون سراعا، والنَّسَلان: الإسراع في المشي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (يَنْسِلُونَ) يقول: يخرجون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) أي: يخرجون. وقوله (قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المشركون لما نفخ في الصور نفخة البعث لموقف القيامة فردت أرواحهم إلى أجسامهم، وذلك بعد نومة ناموها (يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) وقد قيل: إن ذلك نومة بين النفختين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن خيثمة، عن الحسن، عن أُبي بن كعب، في قوله (يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) قال: ناموا نومة قبل البعث. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن رجل يقال له خيثمة في قوله (يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) قال: ينامون نومة قبل البعث. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) هذا قول أهل الضلالة. والرَّقدة: ما بين النفختين. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا) قال: الكافرون يقولونه. ويعني بقوله (مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا) من أيقظنا من منامنا، وهو من قولهم: بعث فلان ناقته فانبعثت، إذا أثارها فثارت. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: (مِنْ أّهَبَّنَاِ مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا) .. وفي قوله (هَذَا) وجهان: أحدهما: أن تكون إشارة إلى "ما" ، ويكون ذلك كلاما مبتدأ بعد تناهي الخبر الأول بقوله (مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) فتكون "ما" حينئذ مرفوعة بهذا، ويكون معنى الكلام: هذا وعد الرحمن وصدق المرسلون. والوجه الآخر: أن تكون من صفة المرقد، وتكون خفضا وردا على المرقد، وعند تمام الخبر عن الأول، فيكون معنى الكلام: من بعثنا من مرقدنا هذا، ثم يبتدىء الكلام فيقال: ما وعد الرحمن، بمعنى: بعثكم وعد الرحمن، فتكون "ما" حينئذ رفعا على هذا المعنى. وقد اختلف أهل التأويل في الذي يقول حينئذ: هذا ما وعد الرحمن، فقال بعضهم: يقول ذلك أهل الإيمان بالله. * ذكر من قال ذلك: حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) مما سر المؤمنون يقولون هذا حين البعث. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) قال: قال أهل الهدى: هذا ما وعد الرَّحْمَنُ وصدق المرسلون. وقال آخرون: بل كلا القولين، أعني (يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) : من قول الكفار. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) ثم قال بعضهم لبعض (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) كانوا أخبرونا أنا نبعث بعد الموت، ونُحاسب ونُجازَى. والقول الأول أشبه بظاهر التنزيل، وهو أن يكون من كلام المؤمنين، لأن الكفار في قيلهم (مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) دليل على أنهم كانوا بمن بعثهم من مَرْقَدهم جُهَّالا ولذلك من جهلهم استثبتوا، ومحال أن يكونوا استثبتوا ذلك إلا من غيرهم، ممن خالفت صفته صفتهم في ذلك. وقوله (إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) يقول تعالى ذكره: إن كانت إعادتهم أحياء بعد مماتهم إلا صيحة واحدة، وهي النفخة الثالثة في الصور (فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) يقول: فإذا هم مجتمعون لدينا قد أُحْضروا، فأشهدوا مَوْقفَ العرض والحساب، لم يتخلف عنه منهم أحد. وقد بينا اختلاف المختلفين في قراءتهم (إِلا صَيْحَةً) بالنصب والرفع فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) } القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) } يقول تعالى ذكره (فَالْيَوْمَ) يعني يوم القيامة (لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا) كذلك ربنا لا يظلم نفسا شيئا، فلا يوفيها جزاء عملها الصالح، ولا يحمل عليها وِزْر غيرها، ولكنه يوفي كلّ نفس أجر ما عملت من صالح، ولا يعاقبها إلا بما اجترمت واكتسبت من شيء (وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول: ولا تكافئون إلا مكافأة أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا. وقوله (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) اختلف أهل التأويل في معنى الشغل الذي وصف الله جلّ ثناؤه أصحاب الجنة أنهم فيه يوم القيامة، فقال بعضهم: ذلك افتضاض العذارَى. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شَمِر بن عطية، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود، في قوله (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) قال: شغلهم افتضاض العذارى. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) قال: افتضاض الأبكار. حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) قال: افتضاض الأبكار. حدثني الحسن بن زُرَيْق الطُّهَوِي، قال: ثنا أسباط بن محمد، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله. حدثني الحسين بن علي الصُّدائي، قال: ثنا أبو النضر، عن الأشجعي، عن وائل بن داود، عن سعيد بن المسيب، في قوله (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) قال: في افتضاض العذارى وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: أنهم في نعمة. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ) قال: في نعمة. حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان، عن جويبر، عن أبي سهل، عن الحسن، في قول الله (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) .. الآية، قال: شغلهم النعيم عما فيه أهل النار من العذاب. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم في شغل عما فيه أهل النار. * ذكر من قال ذلك: حدثنا نصر بن عليّ الجَهْضَمِيّ، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن أبان بن تغلب، عن إسماعيل بن أبي خالد (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) ... الآية، قال: في شغل عما يلقى أهلُ النار. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) وهم أهلها (فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) بنعم تأتيهم في شغل، وذلك الشغل الذي هم فيه نعمة، وافتضاض أبكار، ولهو ولذة، وشغل عما يلقى أهل النار. وقد اختلفت القراء في قراءة قوله (فِي شُغُلٍ) فقرأت ذلك عامة قراء المدينة وبعض البصريين على اختلاف عنه: (فِي شُغْلٍ) بضم الشين وتسكين الغين. وقد رُوي عن أبي عمرو الضم في الشين والتسكين في الغين، والفتح في الشين والغين جميعًا في شغل. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة وعامة قراء أهل الكوفة (فِي شُغُلٍ) بضم الشين والغين. والصواب في ذلك عندي قراءته بضم الشين والغين، أو بضم الشين وسكون الغين، بأي ذلك قرأه القارئ فهو مصيب، لأن ذلك هو القراءة المعروفة في قراء الأمصار مع تقارب معنييهما. وأما قراءته بفتع الشين والغين، فغير جائزة عندي، لإجماع الحجة من القراء على خلافها. واختلفوا أيضًا في قراءة قوله (فَاكِهُونَ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار (فَاكِهُونَ) بالألف. وذُكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤه: (فَكِهُونَ) بغير ألف. والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بالألف، لأن ذلك هو القراءة المعروفة. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: فَرِحون. * ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) يقول: فرحون. وقال آخرون: معناه: عجبون. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَاكِهُونَ) قال: عجبون. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَكِهُونَ) قال: عَجِبون. واختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك، فقال بعض البصريين: منهم الفكه الذي يتفكَّه. وقال: تقول العرب للرجل الذي يتفكَّه بالطعام أو بالفاكهة، أو بأعراض الناس: إن فلانا لفكِه بأعراض الناس، قال: ومن قرأها (فَاكِهُونَ) جعله كثير الفواكه صاحب فاكهة، واستشهد لقوله ذلك ببيت الحُطَيئة: وَدَعَوْتَنِي وَزَعَمْتَ أنَّكَ ... لابنٌ بالصَّيْفِ تامِرْ (1) أي عنده لبن كثير، وتمر كثير، وكذلك عاسل، ولاحم، وشاحم. وقال بعض الكوفيين: ذلك بمنزلة حاذرون وحذرون، وهذا القول الثاني أشبه بالكلمة. القول في تأويل قوله تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) } يعني تعالى بقوله (هُمْ) أصحاب الجنة (وَأَزْوَاجُهُمْ) من أهل الجنة في الجنة. (1) البيت للحطيئة، وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة ص 207 - 1) قال في تفسير قوله تعالى: (في شغل فاكهون) : الفكه الذي يتفكه، تقول العرب للرجل إذا كان يتفكه بالطعام أو الفاكهة أو بأعراض الناس: إن فلانا لفكه بأعراض الناس. ومن قرأها "فاكهون" : جعلها كثير الفواكه، صاحب فاكهة؛ قال الحطيئة: "ودعوتني ..." البيت، أي عنده لبن كثير، وتمر كثير. فكذلك عاسل، ولاحم، وشاحم. ا. هـ. وفي (اللسان: فكه) : رجل فكه: يأكل الفاكهة، وفاكه: عنده فاكهة. وكلاهما على النسب. أبو معاذ النحوي: الفاكه: الذي كثرت فاكهته. والفكه: الذي ينال من أعراض الناس. اهـ. وفي معاني القرآن للفراء (مصورة الجامعة ص 270) : وقوله "فاكهون" بالألف، وتقرأ "فكهون" . وهي بمنزلة "حذرون" "وحاذرون" . وهي في قراءة عبد الله: "فاكهين" بالألف. وقد نقله عنه المؤلف، ورجحه. كما حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ووقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ) قال: حلائلهم في ظلل. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: (فِي ظُلَلٍ) بمعنى: جمع ظلة، كما تُجمع الْحُلة حُلَلا. وقرأه آخرون (في ظِلالٍ) ؛ وإذا قرىء ذلك كذلك كان له وجهان: أحدهما أن يكون مُرادًا به جمع الظُّلَل الذي هو بمعنى الكِنّ، فيكون معنى الكلمة حينئذ: هم وأزواجهم في كِنّ لا يضْحَوْن لشمس كما يَضْحَى لها أهلُ الدنيا، لأنه لا شمس فيها. والآخر: أن يكون مرادا به جمع ظلة، فيكون وجه جمعها كذلك نظير جمعهم الخلة في الكثرة: الخلال، والقُلَّة: قِلال. وقوله (عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) والأرائك: هي الحِجال فيها السُرر والفُرُش: واحدتها أريكة، وكان بعضهم يزعم أن كل فِراش فأريكة، ويستشهد لقوله ذلك بقول ذي الرمة: . كأنَّما يُبَاشِرْنَ بالمَعزاءِ مَسَّ الأرَائِكِ (1) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حُصَيْن، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله (عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) قال: هي السُّرُر في الحِجال. (1) هذا جزء من بيت لذي الرمة (ديوانه 422) وصدره: "خدودا جفت في السير حتى كأنما" . وخدودا منصوب مفعول به لكسا في البيت الذي قبله. وقال شارح ديوانه: أرادوا كسوا حيث موتت الرياح خدودا.. إلخ. أي صيروا المكان الذي ناموا فيه كسوة الخدود. اهـ. والمعزاء: الأرض فيها الحجارة والحصى. والأرائك؛ واحدها أريكة وهي السرير في الحجلة. يقول: من شدة النوم يرون الأرض ذات الحجارة مثل الفرش على الأرائك. واستشهد أبو عبيدة بالبيت في مجاز القرآن (الورقة 207) عند قوله تعالى: (على الأرائك) وقال: واحدتها: أريكة، وهو الفرش في الحجال. قال ذو الرمة: "خدودا ..." البيت، جعلها فراشا. حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن مجاهد، في قول الله (عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) قال: الأرائك: السُّرر عليها الحِجال. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حصين، عن مجاهد، في قوله (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) قال: الأرائك: السُّرُر في الحِجال. حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا حُصَيْن، عن مجاهد، في قوله (عَلَى الأرَائِكِ) قال: سُرُر عليها الحِجال. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: زعم محمد أن عكرمة قال: الأرائك: السُّرُر في الحِجال. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن، وسأله رجل عن الأرائك قال: هي الحجال. أهل اليمن يقولون: أريكة فلان. وسمعت عكرمة وسئل عنها فقال: هي الحجال على السُّرر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) قال: هي الحِجال فيها السرر. وقوله (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ) يقول لهؤلاء الذين ذكرهم تبارك وتعالى من أهل الجنة في الجنة فاكهة (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) يقول: ولهم فيها ما يتَمنُّون. وذُكر عن العرب أنها تقول: دع عليّ ما شئت أي: تمنّ عليّ ما شئت. وقوله (سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) في رفع سلامٌ وجهان في قول بعض نحويّي الكوفة؛ أحدهما: أن يكون خبرا لما يدّعون، فيكون معنى الكلام: ولهم ما يدّعون مسلَّم لهم خالص. وإذا وُجِّه معنى الكلام إلى ذلك كان القول حينئذ منصوبا توكيدا خارجا من السلام، كأنه قيل: ولهم فيها ما يدّعون مسلَّم خالص حقا، كأنه قيل: قاله قولا. والوجه الثاني: أن يكون قوله (سَلامٌ) مرفوعا على المدح، بمعنى: هو سلام لهم قولا من الله. وقد ذُكر أنها في قراءة عبد الله: (سَلامًا قَوْلا) على أن الخبر متناه عند قوله (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) ثم نصب سلاما على التوكيد، بمعنى: مسلما قولا. وكان بعضُ نحويّي البصرة يقول: انتصب قولا على البدل من اللفظ بالفعل، كأنه قال: أقول ذلك قولا. قال: ومن نصبها نصبها على خبر المعرفة على قوله (وَلَهُمْ) فيها (مَا يَدَّعُونَ) . والذي هو أولى بالصواب على ما جاء به الخبر عن محمد بن كعب القُرَظِيّ، أن يكون (سَلامٌ) خبرا لقوله (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) فيكون معنى ذلك: ولهم فيها ما يدعون، وذلك هو سلام من الله عليهم، بمعنى: تسليم من الله، ويكون قَولا ترجمة ما يدعون، ويكون القول خارجا من قوله: سلام. وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لما حَدَّثنا به إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقري عن حرملة، عن سليمان بن حميد، قال: سمعت محمد بن كعب، يحدث عمر بن عبد العزيز، قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار، أقبل يمشي في ظُلَل من الغمام والملائكة، فيقف على أول أهل درجة، فيسلم عليهم، فيردون عليه السلام، وهو في القرآن (سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) فيقول: سَلُوا، فيقولون: ما نسألك وعزتك وجلالك، لو أنك قسمت بيننا أرزاق الثَّقَلين لأطعمناهم وسقيناهم وكسوناهم، فيقول: سَلُوا، فيقولون: نسألك رضاك، فيقول: رضائي أحلَّكم دار كرامتي، فيفعل ذلك بأهل كلّ درجة حتى ينتهي، قال: ولو أن امرأة من الحُور العِين طلعت لأطفأ ضوء سِوَارَيْها الشمس والقمر، فكيف بالمُسَوَّرة "." حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا حرملة، عن سليمان بن حميد، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز، قال: إذ فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار، أقبل في ظُلَل من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة، فيردون عليه السلام، قال القُرظي: وهذا في كتاب الله (سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) ؟ فيقول: سَلُوني، فيقولون: ماذا نسألك، أي رَبّ؟ قال: بل سلوني قالوا: نسألك أي ربّ رضاك، قال: رضائي أحلكم ![]()
__________________
|
#1167
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ يس الحلقة (1167) صــ 541 لى صــ 550 دار كرامتي، قالوا: يا رب وما الذي نسألك! فوعزتك وجلالك، وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم، ولأسقيناهم، ولألبسناهم ولأخدمناهم، لا يُنقصنا ذلك شيئا، قال: إن لدي مزيدا، قال: فيفعل الله ذلك بهم في درجهم حتى يستوي في مجلسه، قال: ثم تأتيهم التحف من الله تحملها إليهم الملائكة. ثم ذكر نحوه. حدثنا ابن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عبد الرحمن، قال: ثنا حرملة، قال: ثنا سليمان بن حميد، أنه سمع محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز، قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار، أقبل يمشي في ظُلل من الغمام ويقف، قال: ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال: فيقولون: فماذا نسألك يا رب، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو أنك قسمت علينا أرزاق الثقلين، الجن والإنس، لأطعمناهم، ولسقيناهم، ولأخدمناهم، من غير أن ينتقص ذلك شيئًا مما عندنا، قال: بلى فسلوفي، قالوا: نسألك رضاك، قال: رضائي أحلَّكم دار كرامتي، فيفعل هذا بأهل كلّ درجة، حتى ينتهي إلى مجلسه. وسائر الحديث مثله ". فهذا القول الذي قاله محمد بن كعب، ينبىء عن أنَّ" سلام "بيان عن قوله (مَا يَدَّعُونَ) ، وأن القول خارج من السلام. وقوله (مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يعني: رحيم بهم إذ لم يعاقبهم بما سلف لهم من جُرْم في الدنيا." القول في تأويل قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) } يعني بقوله (وَامْتَازُوا) : تَميزوا؛ وهي افتعلوا، من ماز يميز، فعل يفعل منه: امتاز يمتاز امتيازا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) قال: عُزِلوا عن كل خير. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع، عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أمَرَ اللهُ جَهَنَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْها عُنُقٌ ساطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ) .. الآية، إلى قوله (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) فيَتَمَيَّزُ النَّاسُ ويَجْثُونَ، وَهِيَ قَوْلُ اللهِ (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ) ... الآية" . فتأويل الكلام إذن: وتميزوا من المؤمنين اليوم أيها الكافرون بالله، فإنكم واردون غير موردهم، داخلون غير مدخلهم. وقول (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه منه، وهو: ثم يقال: ألم أعهد إليكم يا بني آدم، يقول: ألم أوصكم وآمركم في الدنيا أن لا تعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يقول: وأقول لكم: إن الشيطان لكم عدو مبين، قد أبان لكم عداوته بامتناعه من السجود، لأبيكم آدم، حسدًا منه له، على ما كان الله أعطاه من الكرامة، وغُروره إياه، حتى أخرجه وزوجته من الجنة. وقوله (وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) يقول: وألم أعهد إليكم أن اعبدوني دون كلّ ما سواي من الآلهة والأنداد، وإياي فأطيعوا، فإن إخلاص عبادتي، وإفراد طاعتي، ومعصية الشيطان، هو الدين الصحيح، والطريق المستقيم. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) } يعني تعالى ذكره بقوله (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا) : ولقد صد الشيطان منكم خلقًا كثيرا عن طاعتي، وإفرادي بالألوهة حتى عبدوه، واتخذوا من دوني آلهة يعبدونها. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا) قال: خلقا. واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين (جِبِلا) بكسر الجيم وتشديد اللام، وكان بعض المكِّيين وعامة قراء الكوفة يقرءونه (جُبُلا) بضم الجيم والباء وتخفيف اللام. وكان بعض قراء البصرة يقرؤه: (جُبْلا) بضم الجيم وتسكين الباء، وكل هذه لغات معروفات، غير أني لا أحب القراءة في ذلك إلا بإحدى القراءتين اللتين إحداهما بكسر الجيم وتشديد اللام، والأخرى: ضم الجيم والباء وتخفيف اللام، لأن ذلك هو القراءة التي عليها عامة قراء الأمصار. وقوله (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) يقول: أفلم تكونوا تعقلون أيها المشركون، إذ أطعتم الشيطان في عبادة غير الله، أنه لا ينبغي لكم أن تطيعوا عدوكم وعدو الله، وتعبدوا غير الله. وقوله (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) يقول: هذه جهنم التي كنتم توعدون بها في الدنيا على كفركم بالله، وتكذيبكم رسله، فكنتم بها تكذبون. وقيل: إن جهنم أول باب من أبواب النار. وقوله (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) يقول: احترقُوا بها اليوم ورِدُوها؛ يعني باليوم: يوم القيامة (بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) : يقول: بما كنتم تَجْحدونها في الدنيا، وتكذبون بها. القول في تأويل قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) } يعني تعالى ذكره بقوله (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ) : اليوم نطبع على أفواه المشركين، وذلك يوم القيامة (وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ) بما عملوا في الدنيا من معاصي الله (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) قيل: إن الذي ينطق من أرجلهم: أفخاذهم من الرجل اليُسرى (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) في الدنيا من الآثام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى: يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة، فيعرض عليه ربُّه عمله فيما بينه وبينه، فيعترف فيقول: نعم أي رب عملت عملت عملت، قال: فيغفر الله له ذنوبه، ويستره منها، فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذنوب شيئًا، وتبدو حسناته، فود أن الناس كلهم يرونها؛ ويدعى الكافر والمنافق للحساب، فيعرض عليه ربه عمله فيجحده، ويقول أي: رب، وعزتك لقد كتب عليّ هذا الملك ما لم أعمل، فيقول له الملك: أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا؟ فيقول: لا وعزتك أي رب، ما عملته، فإذا فعل ذلك ختم على فيه. قال الأشعري: فإني أحسب أول ما ينطق منه لفخذه اليمنى، ثم تلا (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) . حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنى يحيى، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن الشعبي، قال: يقال للرجل يوم القيامة: عملت كذا وكذا، فيقول: ما عملت، فيختم على فيه، وتنطق جوارحه، فيقول لجوارحه: أبعدكن الله، ما خاصمت إلا فيكن. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ) .... الآية، قال: قد كانت خصومات وكلام، فكان هذا آخره، (نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ) . حدثني محمد بن عوف الطائي، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن عقبة بن عامر، أنه سمع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: "أوَّلُ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ مِنَ الإنْسانِ، يَوْمَ يَخْتِمُ اللهُ على الأفْوَاهِ، فَخِذُهُ مِنْ رِجْلِهِ اليُسْرَى" . القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (67) } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ) فقال بعضهم: معنى ذلك: ولو نشاء لأعميناهم عن الهدى، وأضللناهم عن قصد المَحَجَّة. * ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ) يقول: أضللتهم وأعميتهم عن الهدى وقال آخرون: معنى ذلك: ولو نشاء لتركناهم عميا. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) قال: لو يشاء لطمس على أعينهم فتركهم عميًا يترددون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) يقول: لو شئنا لتركناهم عميا يترددون. وهذا القول الذي ذكرناه عن الحسن وقتادة أشبه بتأويل الكلام، لأن الله إنما تهدد به قومًا كفارا، فلا وجه لأن يقال: وهم كفار، لو نشاء لأضللناهم وقد أضلهم، ولكنه قال: لو نشاء لعاقبناهم على كفرهم، فطمسنا على أعينهم فصيرناهم عميا لا يبصرون طريقا، ولا يهتدون له؛ والطَّمْس على العين: هو أن لا يكون بين جفني العين غرٌّ، وذلك هو الشق الذي بين الجفنين (1) كما تطمس الريح الأثر، يقال: أعمى مطموس وطميس. وقوله (فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ) يقول: فابتدروا الطريق. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ) قال الطريق. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ) أي: الطريق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ) قال: الصراط، الطريق. وقوله (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) يقول: فأي وجه يبصرون أن يسلكوه من الطرق، وقد طمسنا على أعينهم. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) وقد طمسنا على أعينهم. وقال الذين وجهوا تأويل قوله (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ) إلى أنه معني به العمى عن الهدى، تأويل قوله (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) : فأنى يهتدون للحق (1) كذا في مجاز القرآن لأبي عبيدة (مصورة الجامعة، الورقة 207) . * ذكر من قال ذلك: - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) يقول: فكيف يهتدون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) يقول: لا يبصرون الحق. وقوله (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ) يقول تعالى ذكره: ولو نشاء لأقعدنا هؤلاء المشركين من أرجلهم في منازلهم (فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) يقول: فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم، ولا أن يرجعوا وراءهم. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ) قال: لو نشاء لأقعدناهُمْ. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد عن قتادة (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ) أي: لأقعدناهم على أرجلهم (فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) فلم يستطيعوا أن يتقدموا ولا يتأخروا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولو نشاء لأهلكناهم في منازلهم. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) يقول: ولو نشاء أهلكناهم في مساكنهم، والمكانة والمكان بمعنى واحد. وقد بيَّنا ذلك فيما مضى قبل. القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) } يقول تعالى ذكره (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) فنمُد له في العمر (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) نرده إلى مثل حاله في الصبا من الهرم والكبر، وذلك هو النكس في الخلق، فيصير لا يعلم شيئا بعد العلم الذي كان يعلمه. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) يقول: من نمد له في العمر ننكسه في الخلق، لكيلا يعلم بعد علم شيئا، يعني الهَرَم. واختلفت القراء في قراءة قوله (نُنَكِّسْهُ) فقرأه عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (نَنْكِسْهُ) بفتح النون الأولى وتسكين الثانية، وقرأته عامة قراء الكوفة (نُنَكِّسْهُ) بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الكاف. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن التي عليها عامة قراء الكوفيين أعجبُ إليّ، لأن التنكيس من الله في الخلق إنما هو حال بعد حال، وشيء بعد شيء، فذلك تأييد للتشديد. وكذلك اختلفوا في قراءة قوله (أَفَلا يَعْقِلُونَ) فقرأته قراء المدينة (أفَلا تَعْقِلُونَ) بالتاء على وجه الخطاب. وقرأته قراء الكوفة بالياء على الخبر، وقراءة ذلك بالياء أشبه بظاهر التنزيل، لأنه احتجاج من الله على المشركين الذين قال فيهم (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ) فإخراج ذلك خبرا على نحو ما خرج قوله (لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ) أعجب إلي، وإن كان الآخر غير مدفوع. ويعني تعالى ذكره بقوله (أَفَلا يَعْقِلُونَ) : أفلا يعقل هؤلاء المشركون قُدْرة الله على ما يشاء بمعاينتهم ما يعاينون من تصريفه خلقه فيما شاء وأحب من صغر إلى كبر، ومن تنكيس بعد كبر في هرم. وقوله (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ) يقول تعالى ذكره: وما علَّمنا محمدا الشعر، وما ينبغي له أن يكون شاعرا. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ) قال: قيل لعائشة: هل كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان أبغض الحديث إليه، غير أنه كان يتمثَّل ببيت أخي بني قيس، فيجعل آخره أوله، وأوله آخره، فقال له أبو بكر: إنه ليس هكذا، فقال نبي الله: "إني وَاللهِ ما أنا بِشاعِرٍ، وَلا يَنْبَغِي لي" . وقوله (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ) يقول تعالى ذكره: ما هو إلا ذكر، يعني بقوله) إنْ هُوَ) أي: محمد إلا ذكر لكم أيها الناس، ذكركم الله بإرساله إياه إليكم، ونبهكم به على حظكم (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) يقول: وهذا الذي جاءكم به محمد قرآن مبين، يقول: يَبِين لمن تدبَّره بعقل ولب، أنه تنزيل من الله أنزله إلى محمد، وأنه ليس بشعر ولا مع كاهن. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) قال: هذا القرآن. وقوله (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا) يقول: إن محمد إلا ذكر لكم لينذر منكم أيها الناس من كان حي القلب، يعقل ما يقال له، ويفهم ما يُبين له، غير ميت الفؤاد بليد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو معاوية، عن رجل، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، في قوله (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا) قال: من كان عاقلا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا) : حي القلب، حي البصر. قوله (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) يقول: ويحق العذاب على أهل الكفر بالله، المولِّين عن اتباعه، المعرضين عما أتاهم به من عند الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) بأعمالهم. القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) } يقول تعالى ذكره (أَوَلَمْ يَرَوْا) هؤلاء المشركون بالله الآلهة والأوثان (أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) يقول: مما خلقنا من الخلق (أَنْعَامًا) وهي المواشي التي خلقها الله لبني آدم، فسخَّرها لهم من الإبل والبقر والغنم (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) يقول: فهم لها مصرِّفون كيف شاءوا بالقهر منهم لها والضبط. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ![]()
__________________
|
#1168
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الصافات الحلقة (1168) صــ 1 لى صــ 10 قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) أي: ضابطون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) فقيل له: أهي الإبل؟ فقال: نعم، قال: والبقر من الأنعام، وليست بداخلة في هذه الآية، قال: والإبل والبقر والغنم من الأنعام، وقرأ (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) قال: والبقر والإبل هي النعم، وليست تدخل الشاء في النعم. وقوله (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ) يقول: وذللنا لهم هذه الأنعام (فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ) يقول: فمنها ما يركبون كالإبل يسافرون عليها؛ يقال: هذه دابة ركوب، والرُّكوب بالضم: هو الفعل (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) لحومها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ) : يركبونها يسافرون عليها (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) لحومها. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) } يقول تعالى ذكره: ولهم في هذه الأنعام منافع، وذلك منافع في أصوافها وأوبارها وأشعارها باتخاذهم من ذلك أثاثًا ومتاعًا، ومن جلودها أكنانا، ومشارب يشربون ألبانها. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ) يلبسون أصوافها (وَمَشَارِبُ) يشربون ألبانها. وقوله (أَفَلا يَشْكُرُونَ) يقول: أفلا يشكرون نعمتي هذه، وإحساني إليهم بطاعتي، وإفراد الألوهية والعبادة، وترك طاعة الشيطان وعبادة الأصنام. قوله (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً) يقول: واتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة يعبدونها (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) يقول: طمعا أن تنصرهم تلك الآلهة من عقاب الله وعذابه. القول في تأويل قوله تعالى: {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) } يقول تعالى ذكره: لا تستطيع هذه الآلهة نصرهم من الله إن أراد بهم سوءا، ولا تدفع عنهم ضرا. وقوله (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) يقول: وهؤلاء المشركون لآلهتهم جند محضَرون. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (مُحْضَرُونَ) وأين حضورهم إياهم، فقال بعضهم: عني بذلك: وهم لهم جند محضرون عند الحساب. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) قال: عند الحساب. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهم لهم جند محضَرون في الدنيا يغضبون لهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) الآلهة (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيرا، ولا تدفع عنهم سوءا، إنما هي أصنام. وهذا الذي قاله قتادة أولى القولين عندنا بالصواب في تأويل ذلك، لأن المشركين عند الحساب تتبرأ منهم الأصنام، وما كانوا يعبدونه، فكيف يكونون لها جندا حينئذ، ولكنهم في الدنيا لهم جند يغضبون لهم، ويقاتلون دونهم. وقوله تعالى (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فلا يحْزُنْك يا محمد قول هؤلاء المشركين بالله من قومك لك: إنك شاعر، وما جئتنا به شعر، ولا تكذيبهم بآيات الله وجحودهم نبوتك. وقوله (إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) يقول تعالى ذكره: إنا نعلم أن الذي يدعوهم إلى قيل ذلك الحسد، وهم يعلمون أن الذي جئتهم به ليس بشعر، ولا يشبه الشعر، وأنك لست بكذاب، فنعلم ما يسرون من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحودهم ذلك بألسنتهم علانية. القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) } يقول تعالى ذكره (أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ) واخُتلف في الإنسان الذي عُني بقوله (أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ) فقال بعضهم: عُني به أُبي بن خلف. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عُمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى عن مجاهد، في قوله (مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) قال: أُبي بن خَلَف أتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعَظْم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا) أبي بن خلف. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) : ذُكر لنا أن أُبيَّ بن خلف، أتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعظم حائل، ففتَّه، ثم ذراه في الريح، ثم قال: يا محمد من يحيي هذا وهو رميم؟ قال: "والله يحييه، ثم يميته، ثم يُدخلك النار؛ قال: فقتله رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يوم أُحد." وقال آخرون: بل عني به: العاص بن وائل السَّهمي. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، قال: جاء العاص بن وائل السهمي إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعظْم حائل، ففته بين يديه، فقال: يا محمد أيبعث الله هذا حيا بعد ما أرم؟ قال: نَعَمْ يَبْعَثُ اللهُ هَذَا، ثُمَّ يُمِيتُكَ ثُمَّ يُحْييكَ، ثُمَّ يُدْخِلُك نَار جَهَنَّم "قال: ونزلت الآيات (أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) .." وإلى آخر الآية. وقال آخرون: بل عُنِي به: عبد الله بن أُبي. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ) .. إلى قوله (وَهِيَ رَمِيمٌ) قال: جاء عبد الله بن أبي إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعظْم حائل فكسره بيده، ثم قال: يا محمد كيف يبعث الله هذا وهو رميم؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يَبْعَثُ اللهُ هَذَا، ويُمِيتُكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ جَهَنَّمَ، فقال الله (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) . فتأويل الكلام إذن: أو لم ير هذا الإنسان الذي يقول (مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) أنا خلقناه من نطفة فسويناه خلقا سَوِيًّا (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ) يقول: فإذا هو ذو خصومة لربه، يخاصمه فيما قال له ربه إني فاعل، وذلك إخبار لله إياه أنه مُحْيي خلقه بعد مماتهم، فيقول: مَنْ يحيي هذه العظام وهي رميم؟ إنكارا منه لقُدرة الله على إحيائها. وقوله (مُبِينٌ) يقول: يبين لمن سمع خُصومته وقيله ذلك أنه مخاصم ربه الذي خلقه. وقوله (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ) يقول: ومثَّل لنا شبها بقوله (مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد، يقول: فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) يقول: ونسي خَلْقَنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة، فجعلناها خلقا سَوِيًّا ناطقا، يقول: فلم يفكر في خلقناه، فيعلم أن من خلقه من نطفة حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا، لا يعْجِز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام الرَّميم بشَرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء، يقول الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (قُلْ) لهذا المشرك القائل لك: من يُحيي العظام وهي رميم (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) يقول: يحييها الذي ابتدع خلْقها أول مرة ولم تكن شيئا (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يقول: وهو بجميع خلقه ذو علم كيف يميت، وكيف يحيي، وكيف يبدىء، وكيف يعيد، لا يخفي عليه شيء من أمر خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ (81) } يقول تعالى ذكره: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا) يقول: الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر نارا تُحْرق الشجر، لا يمتنع عليه فعل ما أراد، ولا يعجز عن إحياء العظام التي قد رَمَّت، وإعادتها بشَرا سويا، وخلقا جديدا، كما بدأها أول مرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا) يقول: الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر أن يبعثه. قوله (فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) يقول: فإذا أنتم من هذا الشجر توقدون النار؛ وقال) مِنْهُ) والهاء من ذكر الشجر، ولم يقل: منها، والشجر جمع شجرة، لأنه خرج مخرج الثمر والحصَى، ولو قيل: منها كان صوابا أيضًا، لأن العرب تذكِّر مثل هذا وتؤنِّثه. (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) يقول تعالى ذكره منبها هذا الكافر الذي قال (مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) على خطأ قوله، وعظيم جهله (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ) السبع (وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ) مثلكم، فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس بأعظم من خلق السَّمَواتِ والأرض. يقول: فمن لم يتعذر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم، فكيف يتعذر عليه إحياء العظام بعد ما قد رمَّت وبلِيَت؟ وقوله (بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ) يقول: بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم وهو الخلاق لما يشاء، الفعَّال لما يريد، العليم بكل ما خلق ويخلق، لا يخفي عليه خافية. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) } يقول تعالى ذكره (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ) قال: هذا مثل إنما أمر. إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، قال: ليس من كلام العرب شيء هو أخف من ذلك، ولا أهون، فأمر الله كذلك. وقوله (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) يقول تعالى ذكره: فتنزيه الذي بيده ملك كل شيء وخزائنه. وقوله (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يقول: وإليه تردون وتصيرون بعد مماتكم. آخر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) } قال أبو جعفر: أقسم الله تعالى ذكره بالصافات، والزاجرات، والتاليات ذكرا; فأما الصافات: فإنها الملائكة الصافات لربها في السماء وهي جمع صافَّة، فالصافات: جَمْعُ جَمْعٍ، وبذلك جاء تأويل أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني سلْم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، قال: كان مسروق يقول في الصَّافَّات: هي الملائكة. حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شُعْبة، عن سليمان، قال: سمعت أبا الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، بمثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) قال: قسم أقسم الله بخلق، ثم خلق، ثم خلق، والصافات: الملائكة صُفوفا في السماء. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله (وَالصَّافَّاتِ) قال: هم الملائكة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) قال: هذا قسم أقسم الله به. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (فالزاجرات زجرا) فقال بعضهم: هي الملائكة تزجُر السحاب تسوقه. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: الملائكة. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: هم الملائكة. وقال آخرون: بل ذلك آي القرآن التي زجر الله بها عما زَجر بها عنه في القرآن. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: ما زَجَر الله عنه في القرآن. والذي هو أولى بتأويل الآية عندنا ما قال مجاهد، ومن قال هم الملائكة، لأن الله تعالى ذكره، ابتدأ القسم بنوع من الملائكة، وهم الصافون بإجماع من أهل التأويل، فلأن يكون الذي بعده قسما بسائر أصنافهم أشبه. وقوله (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) يقول: فالقارئات كتابا. واختلف أهل التأويل في المعني بذلك، فقال بعضهم: هم الملائكة. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فالتاليات ذكرا) قال: الملائكة. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي (فالتاليات ذكرا) قال: هم الملائكة. وقال آخرون: هو ما يُتلى في القرآن من أخبار الأمم قبلنا. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) قال: ما يُتلى عليكم في القرآن من أخبار الناس والأمم قبلكم. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) } يعني تعالى ذكره بقوله: (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ) والصافات صفا إن معبودكم الذي يستوجب عليكم أيها الناس العبادة، وإخلاص الطاعة منكم له لواحد لا ثاني له ولا شريك. يقول: فأخلصوا العبادة وإياه فأفردوا بالطاعة، ولا تجعلوا له في عبادتكم إياه شريكا. وقوله (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) يقول: هو واحد خالق السموات السبع وما بينهما من الخلق، ومالك ذلك كله، والقيِّم على جميع ذلك، يقول: فالعبادة لا تصلح إلا لمن هذه صفته، فلا تعبدوا غيره، ولا تشركوا معه في عبادتكم إياه من لا يضر ولا ينفع، ولا يخلق شيئا ولا يُفْنيه. واختلف أهل العربية في وجه رفع رب السموات، فقال بعض نحويي البصرة، رُفع على معنى: إن إلهكم لرب. وقال غيره: هو رَد على "إن إلهكم" لواحد "; ثم فَسَّر الواحد، فقال: رب السموات، وهو رد على واحد. وهذا القول عندي أشبه بالصواب في ذلك، لأن الخبر هو قوله (لَوَاحِدٌ) ، وقوله (رَبُّ السَّمَوَاتِ) ترجمة عنه، وبيان مردود على إعرابه." وقوله (وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) يقول: ومدبر مشارق الشمس في الشتاء والصيف ومغاربها، والقيِّم على ذلك ومصلحه، وترك ذكر المغارب لدلالة الكلام عليه، واستغني بذكر المشارق من ذكرها، إذ كان معلوما أن معها المغارب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ) وقع القسم على هذا إن إلهكم لواحد (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) قال: مشارق الشمس في الشتاء والصيف. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله (رَبُّ الْمَشَارِقِ) قال: المشارق ستون وثلاث مئة مَشْرِق، والمغارب مثلها، عدد أيام السنة وقوله (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) اختلفت القراء في قراءة قوله (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة بزينة الكواكب بإضافة الزينة إلى الكواكب، وخفض الكواكب (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا) التي تليكم أيها الناس وهي الدنيا إليكم بتزيينها الكواكب: أي بأن زينتها الكواكب. وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) بتنوين زينة، وخفض الكواكب ردا لها على الزينة، بمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بزينة هي الكواكب، كأنه قال: زيناها بالكواكب. ورُوِي عن بعض قراء الكوفة أنه كان ينون الزِّينة وينصب الكواكبَ، بمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بتزييننا الكواكبَ. ولو كانت القراءة في الكواكب جاءت رفعا إذ نونت الزينة، لم ![]()
__________________
|
#1169
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الصافات الحلقة (1169) صــ 11 لى صــ 20 يكن لحنا، وكان صوابا في العربية، وكان معناه: إنا زينا السماء الدنيا بتزيينها الكواكب: أي بأن زينتها الكواكب وذلك أن الزينة مصدر، فجائز توجيهها إلى أيِّ هذه الوجوه التي وُصِفت في العربية. وأما القراءة فأعجبها إلي بإضافة الزينة إلى الكواكب وخفض الكواكب لصحة معنى ذلك في التأول والعربية، وأنها قراءة أكثر قراء الأمصار وإن كان التنوين في الزينة وخفض الكواكب عندي صحيحا أيضا. فأما النصب في الكواكب والرفع، فلا أستجيز القراءة بهما، لإجماع الحجة من القراء على خلافهما، وإن كان لهما في الإعراب والمعنى وجه صحيح. وقد اختلف أهل العربية في تأويل ذلك إذا أضيفت الزينة إلى الكواكب، فكان بعض نحويي البصرة يقول: إذا قرئ ذلك كذلك فليس يعني بعضَها، ولكن زينتها حسنها، وكان غيره يقول: معنى ذلك: إذا قرئ كذلك: إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب. وقد بيَّنا الصواب في ذلك عندنا. وقوله (وَحِفْظا) يقول تعالى ذكره: (وحفظا) للسماء الدنيا زيناها بزينة الكواكب. وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب قوله (وحِفْظا) فقال بعض نحويي البصرة: قال وحفظا، لأنه بدل من اللفظ بالفعل، كأنه قال: وحفظناها حفظا. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هو من صلة التزيين أنا زينا السماء الدنيا حفظا لها، فأدخل الواو على التكرير: أي وزيناها حفظا لها، فجعله من التزيين، وقد بيّنا القول فيه عندنا. وتأويل الكلام: وحفظا لها من كل شيطان عات خبيث زيناها. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَحِفْظا) يقول: جعلتها حفظا من كل، شيطان مارد. وقوله (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى) اختلفت القراء في قراءة قوله (لا يَسَّمَّعُونَ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض الكوفيين: (لا يَسْمَعُونَ) بتخفيف السين من يسمعون، بمعنى أنهم يتسمَّعون ولا يسمعون. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين بعد لا يسمعون بمعنى: لا يتسمعون، ثم أدغموا التاء في السين فشددوها. وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف، لأن الأخبار الواردة عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعن أصحابه، أن الشياطين قد تتسمع الوحي، ولكنها ترمى بالشهب لئلا تسمع. * ذكر رواية بعض ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: كانت للشياطين مقاعد في السماء، قال: فكانوا يسمعون الوحي، قال: وكانت النجوم لا تجري، وكانت الشياطين لا ترمى، قال: فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض، فزادوا في الكلمة تسعا; قال: فلما بُعِثَ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جعل الشيطانُ إذا قعد مقعده جاء شهاب، فلم يُخْطِهِ حتى يحرقه، قال: فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هو إلا لأمر حدث ; قال: فبعث جنوده، فإذا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قائم يصلي بين جبلي نخلة; قال أبو كُرَيب: قال وكيع: يعني بطن نخلة، قال: فرجعوا إلى إبليس فأخبروه، قال: فقال هذا الذي حدث. حدثنا ابن وكيع وأحمد بن يحيى الصوفي قالا ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: كانت الجن يصعدون إلى السماء الدنيا يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زادوا فيكون باطلا فلما بُعث النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مُنِعوا مقاعدَهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يُرْمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا لأمر حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قائما يصلي، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: كانت الجن لهم مقاعد، ثم ذكر نحوه. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني الزهري، عن عليّ بن الحسين، عن أبي إسحاق، عن ابن عباس، قال: حدثني رهط من الأنصار، قالوا: "بينا نحن جلوس ذات ليلة مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، إذ رأى كوكبا رُمي به، فقال:" ما تقولون في هذا الكوكب الذي يرمي به؟ "فقلنا: يولد مولود، أو يهلك هالك، ويموت ملك ويملك ملك، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:" لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ كان إذا قَضَى أمْرًا فِي السَّمَاءِ سَبَّحَ لِذَلِكَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَيُسَبِّحُ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ تَحْتِهِمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَمَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ أهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِمَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ مِمَّ سَبَّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا نَدْرِي: سَمِعْنَا مَنْ فَوْقَنَا مِنَ الْمَلائِكَةِ سَبَّحُوا فَسَبَّحْنَا اللهَ لِتَسْبِيحِهِمْ وَلَكِنَّا سَنَسْأَلُ، فَيَسْأَلُونَ مَنْ فَوْقَهُمْ، فَمَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حتى يَنْتَهِيَ إلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَيَقُولُوَن: قَضَى اللهُ كَذَا وَكَذَا، فَيُخْبِرُونَ بِهِ مَنْ يَلِيهِمْ حتى يَنْتَهُوا إلى السَّمَاءِ الدُّنْيا، فَتَسْتَرِقُ الجِنُّ مَا يَقُولُونَ، فَيَنزلُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ مِنَ الإنْسِ فَيُلْقُونَهُ على ألْسِنَتِهِمْ بِتَوَهُّمٍ مِنْهُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُ حَقًّا وبَعْضُهُ كَذِبًا، فَلَمْ تَزَلِ الجِنّ كذلكَ حتى رُمُوا بِهذهِ الشُّهُبِ "" وحدثنا ابن وكيع وابن المثنى، قالا ثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن عليّ بن حسين، عن ابن عباس، قال بينما النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في نفر من الأنصار، إذ رمي بنجم فاستنار، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:ما كُنتم تقولون لِمثلِ هذا في الجاهليةِ إذا رأيتموهُ؟ قالوا: كنا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:فإنهُ لا يرمى به لموتِ أحد ولا لحياتهِ، ولكنَّ ربنا تباركَ اسمهُ إذا قضَى أمرًا سبحَ حملةُ العرشِ، ثمَّ سبحَ أهلُ السماءِ الذينَ يلونهمْ، ثمَّ الذينَ يلونهمْ حتى يبلغَ التسبيحُ أهلَ هذه السماءِ ثمَّ يسألُ أهلُ السماءِ السابعة حملة العرش: ماذا قال ربنا؟ فيخبرونهم، ثم يستخبر أهلُ كل سماء، حتى يبلع الخبر أهل السماءِ الدنيا، وتخطُف الشياطين السمع، فيرمونَ، فيقذفونهُ إلى أوليائهمْ، فما جاءُوا به على وجههِ فهوَ حق، ولكنهمْ يزيدونَ "." حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا معمر، قال: ثنا ابن شهاب، عن عليّ بن حسين، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جالسا في نفر من أصحابه، قال: فرمي بنجم، ثم ذكر نحوه، إلا أنه زاد فيه: قلت للزهري: أكان يُرْمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم، ولكنها غلظت حين بُعث النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عاصم بن عليّ، قال: ثنا أبي عليّ بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: "كان للجن مقاعد في السماء يسمعون الوحي، وكان الوحي إذا أُوحِي سمعت الملائكة كهيئة الحديدة يُرْمى بها على الصَّفْوان، فإذا سمعت الملائكة صلصلة الوحي خر لجباههم مَنْ في السماء من الملائكة، فإذا نزل عليهم أصحاب الوحي (قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) قال: فيتنادون، قال: ربكم الحق وهو العلي الكبير; قال: فإذا أنزل إلى السماء الدنيا، قالوا: يكون في الأرض كذا وكذا موتا، وكذا وكذا حياة. وكذا وكذا جدوبة، وكذا وكذا خِصْبا، وما يريد أن يصنع، وما يريد أن يبتدئ تبارك وتعالى، فنزلت الجن. فأوحوا إلى أوليائهم من الإنس، مما يكون في الأرض،فبيناهم كذلك، إذ بعث الله النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فزجرت الشياطين عن السماء ورَمَوْهم بكواكب، فجعل لا يصعد أحد منهم إلا احترق، وفزع أهل الأرض لِمَا رأوا في الكواكب، ولم يكن قبل ذلك، وقالوا: هلك مَنْ في السماء، وكان أهل" الطائف أول من فزع، فينطلق الرجل إلى إبله، فينحر كل يوم بعيرا لآلهتهم، وينطلق صاحب الغنم، فيذبح كل يوم شاة، وينطلق صاحب البقر. فيذبح كل يوم بقرة، فقال لهم رجل: ويلكم لا تهلكوا أموالكم، فإن معالمكم من الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء، فأقلعوا وقد أسرعوا في أموالهم. وقال إبليس: حدث في الأرض حدث، فأتي من كل أرض بتربة، فجعل لا يؤتى بتربة أرض إلا شمها، فلما أتي بتربة تهامة قال: ها هنا حدث الحدث، وصرف الله إليه نفرا من الجن وهو يقرأ القرآن، فقالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) حتى ختم الآية ... ، فولَّوا إلى قومهم منذرين. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: "إنَّ الملائكةَ تنزلُ في العنانِ- وهوَ السحابُ- فتذكرُ ما قضيَ في السماءِ، فتسترقُ الشياطينُ السمعَ، فتسمعهُ فتوحيهِ إلى الكهانِ، فيكذبونَ معها مئةَ كذبةٍ من عند أنفسهمْ." فهذه الأخبار تُنبئ عن أن الشياطين تسمع، ولكنها تُرْمى بالشهب لئلا تسمع. فإن ظن ظان أنه لما كان في الكلام "إلى" ، كان التسمع أولى بالكلام من السمع، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن العرب تقول: سمعت فلانا يقول كذا، وسمعت إلى فلان يقول كذا، وسمعت من فلان. وتأويل الكلام: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد أن لا يسمع إلى الملإ الأعلى، فحذفت "إن" اكتفاء بدلالة الكلام عليها، كما قيل: (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به) بمعنى: أن لا يؤمنوا به; ولو كان مكان "لا" أن، لكان فصيحا، كما قيل: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) بمعنى: أن لا تضلوا، وكما قال: (وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) بمعنى: أن لا تميد بكم. والعرب قد تجزم مع "لا" في مثل هذا الموضع من الكلام، فتقول: ربطت الفرس لا يَنْفَلِتْ، كما قال بعض بني عقيل: وحتى رأينا أحسن الود بيننا مُساكنةً لا يقرِف الشرَّ قارفُ (1) ويُروى: لا يقرف رفعا، والرفع لغة أهل الحجاز فيما قيل: وقال قتادة في ذلك ما: حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى) قال: منعوها. ويعني بقوله (إلَى المَلإ) : إلى جماعة الملائكة التي هم أعلى ممن هم دونهم. وقوله (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ويرمون من كل جانب من جوانب السماء دُحُورا والدحور: مصدر من قولك: دَحَرْته أدْحَرُه دَحْرا ودُحورا، والدَّحْر: الدفع والإبعاد، يقال منه: ادْحَرْ عنك الشيطان: أي ادفعه عنك وأبعده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا) قذفا بالشهب. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن (1) البيت من شواهد الفرّاء في معاني القرآن (مصورة الجامعة ص 271) قال في تفسير قوله تعالى: "لا يسمعون" قرأها عبد الله بالتشديد، على معنى "لا يتسمعون" وكذلك قرأها ابن عباس، وقال: يسمعون ولا يتسمعون قال الفرّاء: ومعنى "لا" كقوله "كذلك سلكناه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به" ، لو كان في موضع "لا" "أن" صلح ذلك، كما قال: "يبين الله لكم أن تضلوا" . وكما قال: "وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم" . ويصلح في "لا" على هذا المعنى الجزم. العرب تقول: ربطت الفرس لا ينفلت، وأوثقت عبدي لا يفرر. وأنشد بعض بني عقيل: "وحتى رأينا ... البيت" وبعضهم يقول: لا يقرف الشر (برفع الفعل) قال: والرفع لغة أهل الحجاز، وبذلك جاء القرآن. اهـ. مجاهد، قوله (وَيَقْذِفُونَ) يرمون (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) قال: من كل مكان. وقوله (دُحُورًا) قال: مطرودين. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا) قال: الشياطين يدحرون بها عن الاستماع، وقرأ وقال: (إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب) . وقوله (وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) يقول تعالى ذكره: ولهذه الشياطين المسترِقة السمع عذاب من الله واصب. واختلف أهل التأويل في معنى الواصب، فقال بعضهم: معناه: الموجع. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح (ولهم عذاب واصب) قال: موجع. وحدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله (عَذَابٌ وَاصِبٌ) قال: الموجع. وقال آخرون: بل معناه: الدائم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة (وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) : أي دائم. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (عَذَابٌ وَاصِبٌ) قال: دائم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) يقول: لهم عذاب دائم. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عمن ذكره، عن عكرمة (وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) قال: دائم. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) قال: الواصب: الدائب. وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من قال: معناه: دائم خالص، وذلك أن الله قال (وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا) فمعلوم أنه لم يصفه بالإيلام والإيجاع، وإنما وصفه بالثبات والخلوص; ومنه قول أبي الأسود الدؤلي: لا أشتري الحمد القليل بقاؤه ... يؤما بذم الدهر أجمع واصبا (1) أي دائما. وقوله (إلا من خطف الخطفة) يقول: إلا من استرق السمع منهم (فأتبعه شهاب ثاقب) يعني: مضيء متوقد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) من نار وثقوبه: ضوءه. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله (شِهَابٌ ثَاقِبٌ) قال: شهاب مضيء يحرقه حين يُرْمى به. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَأتْبَعَهُ شِهَابٌ) قال: كان ابن عباس يقول: لا يقتلون بالشهاب، ولا يموتون، ولكنها تحرقهم من غير قتل، وتُخَبِّل (1) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة الورقة ص 208 - 1) قال في تفسير قوله تعالى "عذاب واصب" : دائم قال أبو الأسود الدؤلي: "لا أشتري الحمد ..." البيت. اهـ. وفي معاني القرآن للفراء (مصورة الجامعة 271) : وقوله "عذاب واصب" "وله الدين واصبا" : دائم خالص. اهـ. وتُخْدِج من غير قتل. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَأتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) قال: والثاقب: المستوقد، قال: والرجل يقول: أَثقِب نارك، ويقول استثقِب نارك استوقد نارك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، قال: سُئل الضحاك هل للشياطين أجنحة؟ فقال: كيف يطيرون إلى السماء إلا ولهم أجنحة. القول في تأويل قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فاستفت يا محمد هؤلاء المشركين الذي يُنكرون البعث بعد الممات والنشور بعد البلاء: يقول: فسَلْهم: أهم أشد خلقا؟ يقول: أخلقُهم أشد أم خلق من عددنا خلقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض؟ وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود: "أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا" ؟. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ خَلَقْنَا) ؟ قال: السموات والأرض والجبال. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح،قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك أنه قرأ "أهُمْ أَشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا" ؟ وفي قراءة عبد الله بن مسعود "عَدَدْنَا" يقول: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المَشَارِقِ) يقول: أهم أشد خلقا، أم السموات والأرض؟ يقول: السموات والأرض أشد خلقا منهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أَشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا "من خلق السموات والأرض، قال اللهُ: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) ... الآية." حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي (فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَلْقَا) قال: يعني المشركين، سلهم أهم أشد خلقا (أمْ مَنْ خَلَقْنَا) وقوله (إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) يقول: إنا خلقناهم من طين لاصق. وإنما وصفه جل ثناؤه باللُّزوب، لأنه تراب مخلوط بماء، وكذلك خَلْق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء; والتراب إذا خُلط بماء صار طينا لازبا، والعرب تُبدل أحيانًا هذه الباء ميما، فتقول: طين لازم; ومنه قول النجاشي الحارثي: بنى اللؤم بيتا فاستقرت عماده ... عليكم بني النجار ضربة لازم (1) ومن اللازب قول نابغة بني ذُبيان: ولا يحسبون الخير لا شرَّ بعدهُ ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب (2) (1) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة الورقة ص 208 - 1) قال في قوله تعالى "من طين لازب" مجازه مجاز لازم. قال النجاشي: "بنى اللؤم ... البيت" .اهـ. (2) وهذا البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة ص 208 - 1) . وهو كالشاهد الذي قبله على أن معنى اللازب اللازم. قال نابغة بني ذبيان: "لا يحسبون الخير.... البيت" : اهـ. ![]()
__________________
|
#1170
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الصافات الحلقة (1170) صــ 21 لى صــ 30 وربما أبدلوا الزاي التي في اللازب تاء، فيقولون: طين لاتب، وذُكر أن ذلك في قَيس، زعم الفرّاء أن أبا الجراح أنشده: صداعٌ وتوصيمُ العظامِ وفترة ... وغثي مع الإشراق في الجوف لاتب (1) بمعنى: لازم، والفعل من لازب: لَزِبَ يَلْزُب، لزْبا ولُزوبا (2) وكذلك من لاتب: لَتَبَ يَلْتُب لُتُوبا. وبنحو الذي قلنا في معنى (لازِبٍ) قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عبيد الله بن يوسف الجُبَيري، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) قال: هو الطين الحر الجيد اللزج. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: اللازب: الجيد. (1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة ص 271) قال اللازب اللاصق. قال: وقيس تقول: "طين لاتب" أنشدني بعضهم: صداع وتوصيم ... البيت . قال والعرب تقول: ليس هذا بضربة لازب، ولازم؛ يبدلون الباء ميما، لتقارب المخرج. اه. (وفي اللسان: "لتب" اللاتب: الثابت؛ تقول منه لتب يلتب) . (بوزن يقتل) لتبا ولتوبا، وأنشد أبو الجراح: فإن يك هذا من نبيذ شربته ... فإني من شرب النبيذ لتائب صداع وتوصيم ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وفي اللسان عن الفرّاء في قوله تعالى "من طين لازب" : قال: اللازب واللاتب واحد. قال: وقيس تقول: طين لاتب. واللاتب: اللازق، مثل اللازب. وهذا الشيء ضربة لاتب كضربة لازم.اهـ. (2) في الأصل: ويلزب وهو تحريف عما أثبتناه؛ لتصريحهم بأن الفعل من باب نفد، وأن المصدر لزبا ولزوبا. (انظر اللسان والمصباح: لزب) وضبط في التاج ككرم. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: اللازب: اللَّزج الطيب. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) يقول: ملتصق. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) قال: من التراب والماء فيصير طينا يَلْزَق. حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) قال: اللازب: اللَّزِج. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) واللازب: الطين الجيد. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله (إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) واللازب: الذي يَلْزَق باليد. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) قال: لازم. حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآمُلي، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: ثنا جُوَيبر، عن الضحاك، في قوله (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) قال: هو اللازق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) قال: اللازب: الذي يلتصق كأنه غِراء، ذلك اللازب. قوله (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) اختلفت القرّاء فى قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة: (بلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) بضم التاء من عجبت، بمعنى: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا، وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة (بَلْ عَجِبْتَ) بفتح التاء بمعنى: بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فإن قال قائل: وكيف يكون مصيبا القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟ قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركون بما قالوه. فإن قال: أكان التنزيل بإحداهما أو بكلتيهما؟ قيل: التنزيل بكلتيهما. فإن قال: وكيف يكون تنزيل حرف مرتين؟ قيل: إنه لم ينزل مرتين، إنما أنزل مرة، ولكنه أمر صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقرأ بالقراءتين كلتيهما، ولهذا مَوضع سنستقصي إن شاء الله فيه البيان عنه بما فيه الكفاية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) قال: عجب محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أُعطيه، وسخر منه أهل الضلالة. القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) } يقول تعالى ذكره: وإذا ذُكِّر هؤلاء المشركون حُجَجَ الله عليهم ليعتبروا ويتفكروا، فينيبوا إلى طاعة الله (لا يَذْكرُون) : يقول: لا ينتفعون بالتذكير فيتذكروا. بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) : أي لا ينتفعون ولا يُبْصرون. وقوله (وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) يقول: وإذا رأوا حُجَّة من حجج الله عليهم، ودلالة على نبوة نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يستسخرون: يقول: يسخرون ويستهزءون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) : يسخرون منها ويستهزئون. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) قال: يستهزِئون، يَسْتَخْسرون. القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) } يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون من قُرَيش بالله لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحرٌ مبين. يقول: يبين لمن تأمله ورآه أنه سحر (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) يقولون، منكرين بعث الله إياهم بعد بلائهم: أئنا لمبعوثون أحياء من قبورنا بعد مماتنا، ومصيرنا ترابا وعظاما، قد ذهب عنها اللحوم (أوآباؤنا الأولون) الذين مضوا من قبلنا، فبادوا وهلكوا. يقول الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهؤلاء: نعم أنتم مبعوثون بعد مصيركم ترابا وعظاما أحياء كما كنتم قبل مماتكم، وأنتم داخرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون) تكذيبا بالبعث (قل نعم وأنتم داخرون) وقوله (وأنتم داخرون) يقول تعالى ذكره: وأنتم صاغرون أشد الصَّغَر; من قولهم: صاغر داخر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وأنتم داخرون) : أي صاغرون. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله (وأنْتُمْ دَاخِرُونَ) قال: صاغرون. وقوله (فإنَّما هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ) يقول تعالى ذكره: فإنما هي صيحة واحدة، وذلك هو النفخ في الصور (فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ) يقول: فإذا هم شاخصة أبصارهم ينظرون إلى ما كانوا يوعدونه من قيام الساعة ويعاينونه. كما حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله (زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) قال: هي النفخة القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) } يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون المكذبون إذا زجرت زجرة واحدة، ونُفخ في الصور نفخة واحدة: (يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) يقولون: هذا يوم الجزاء والمحاسبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) قال: يدين الله فيه العباد بأعمالهم. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله (هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) قال: يوم الحساب. وقوله (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) يقول تعالى ذكره: هذا يوم فصل الله بين خلقه بالعدل من قضائه الذي كنتم به تكذبون في الدنيا فتنكرونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) يعني: يوم القيامة. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله (هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ) قال: يوم يُقضى بين أهل الجنة وأهل النار. القول في تأويل قوله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وفي هذا الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر عما ترك، وهو: فيقال: احشروا الذين ظلموا، ومعنى ذلك اجمعوا الذين كفروا بالله في الدنيا وعصوه وأزواجهم وأشياعهم على ما كانوا عليه من الكفر بالله وما كانوا يعبدون من دون الله من الآلهة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) قال: ضرباءهم. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجهُمْ) يقول: نظراءهم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) يعني: أتباعهم، ومن أشبههم من الظلمة. حدثنا محمد بن المثني، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، قال: سألت أبا العالية، عن قول الله: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) قال: الذين ظلموا وأشياعهم. حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن أبي العالية، أنه قال في هذه الآية، (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) قال: وأشياعهم. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا داود، عن أبي العالية مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجهُمْ) : أي وأشياعهم الكفار مع الكفار. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجهُمْ) قال: وأشباههم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجهُمْ) قال: أزواجهم في الأعمال، وقرأ (وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فَأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشْأمةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) فالسابقون زوج وأصحاب الميمنة زوج، وأصحاب الشمال زوج، قال: كل من كان من هذا حشره الله معه. وقرأ: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) قال: زوجت على الأعمال، لكل واحد من هؤلاء زوج، زوج الله بعض هؤلاء بعضا، زوج أصحاب اليمين أصحاب اليمين، وأصحاب المشأمة أصحاب المشأمة، والسابقين السابقين، قال: فهذا قوله (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) قال: أزواج الأعمال التي زوجهن الله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَأَزْوَاجَهُمْ) قال: أمثالهم. وقوله (وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إلى صِراطِ الجَحِيمِ) يقول تعالى ذكره: احشروا هؤلاء المشركين وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، فوجهوهم إلى طريق الجحيم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الأصنام. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله (فَاهْدُوهُمْ إلى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) يقول: وجِّهوهم، وقيل: إن الجحيم الباب الرابع من أبواب النار. القول في تأويل قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) } القول في تأويل قوله تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) } يقول تعالى ذكره: (وَقِفُوهُمْ) : احبسوهم: أي احبسوا أيها الملائكة هؤلاء المشركين الذين ظلموا أنفسهم وأزواجهم، وما كانوا يعبدون من دون الله من الآلهة (إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) فاختلف أهل التأويل في المعنى الذي يأمر الله تعالى ذكره بوقفهم لمسألتهم عنه، فقال بعضهم: يسألهم هل يعجبهم ورود النار. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، قال: ثنا أبو الزعراء، قال: كنا عند عبد الله، فذكر قصة، ثم قال: يتمثل الله للخلق فيلقاهم، فليس أحد من الخلق كان يعبد من دون الله شيئا إلا وهو مرفوع له يتبعه قال: فيلقى اليهود فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد عزيرا، قال: فيقول: هل يسركم الماء؟ فيقولون: نعم، فيريهم جهنم وهي كهيئة السَّراب، ثم قرأ (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا) قال: ثم يلقى النصارى فيقول: من تعبدون؟ فيقول: المسيح، فيقول: هل يسركم الماء؟ فيقولون: نعم، فيريهم جهنم، وهي كهيئة السراب، ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئا، ثم قرأ عبد الله (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) وقال آخرون: بل ذلك للسؤال عن أعمالهم. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا معتمر، عن ليث، عن رجل، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أيمَا رَجُلٍ دَعَا رَجُلا إلى شَيْءٍ كَانَ مَوْقُوفًا لازِما بِهِ، لا يُغَادِرُهُ، وَلا يُفارِقُهُ" ثُمَّ قَرأ هَذِهِ الآيَةَ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقفوا هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وأزواجهم إنهم مسئولون عما كانوا يعبدون من دون الله. وقوله (مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ) يقول: ما لكم أيها المشركون بالله لا ينصر بعضكم بعضا (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) يقول: بل هم اليوم مستسلمون لأمر الله فيهم وقضائه، موقنون بعذابه. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ) لا والله لا يتناصرون، ولا يدفع بعضهم عن بعض (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) في عذاب الله. وقوله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) قيل: معنى ذلك: وأقبل الإنس على الجن، يتساءلون. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) الإنس على الجن. القول في تأويل قوله تعالى: ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |