|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#101
|
||||
|
||||
![]() الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله ، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد : فهذا ظل من ظلال حلقات هذا السلسلة المباركة ؛ لنتوقف قليلاً عند قاعدة من القواعد القرآنية التي حفل بها كتاب ربنا عز وجل ، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) ، العنكبوت : 69 وهذه الآية الكريمة جاءت في ختام سورة العنكبوت ، تلك السورة العظيمة التي اُفتتحت بقوله تعالى : (الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) ،، العنكبوت : 1 - 3.، وكأن ختام سورة العنكبوت بهذه القاعدة القرآنية ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) كأنه – و الله أعلم- جاء جواباعلى تساؤل قد يطرحه المؤمن ـ وهو يقرأ صدر سورة العنكبوت التي ذكرنا مطلعها آنفاً ـ ، ذلكم السؤال هو : ما المخرج من تلك الفتن التي حدثتنا عنها أول سورة العنكبوت ؟! فيأتي الجواب في آخر السورة ، في هذه القاعدة القرآنية المُحكمة : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) فلا بد من الجهاد ـ بمعناه العام ـ ولا بد من الإخلاص ، عندها تأتي الهداية ، ويتحقق التوفيق بإذن الله . ولا بد لكل من أراد أن يسلك طريقاً أن يتصور صعوباته ؛ ليكون على بينة من أمره ، وهكذا هو طريق الدعوة إلى الله ، فلم ولن يكون مفروشاً بالورود والرياحين ، بل هو طريق طويل "تعب فيه آدم , وناح لأجله نوح , ورمى في النار الخليل , وأُضجع للذبح إسماعيل , وبِيِع يوسف بثمن بخس , ولبث في السجن بضع سنين . أتدري لماذا أيها القارئ الكريم ؟ لأن "الإيمان ليس كلمة تُقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف ، وأمانة ذات أعباء ، وجهاد يحتاج إلى صبر ، وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس : آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى ، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم ، كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به ، وهذا هو أصل الكلمة اللغوي ( أي : الفتنة )، وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب "، في ظلال القرآن. "فيا من نصبت نفسك للدعوة ، وأقمت نفسك مقام الرسل الدعاة الهُداة تحمَّل كلَّ ما يلاقيك من المحن بقلب ثابت ، وجأش رابط ، ولا تُزعزعنَّك الكروب ؛ فإنها مُربِّية الرجال ، ومهذِّبة الأخلاق ، ومكوِّنة النفوس . وإن رجلاً لم تعركه الحوادث ، ولم تجرِّبه البلايا لا يكون رجل إصلاح ولا داعي خَلْقٍ إلى حقٍّ ؛ فوطِّن النفس على تحمُّل المكروه ، وابذل كل ما تستطيع من قوة ومال يهدك الله طريقاً رشداً ، ويصلح بك جماعات بل أمماً ؛ )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) . وإذا تبينت صلة هذه القاعدة القرآنية المذكورة في آخر سورة العنكبوت : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) بأول السورة ، فإن دلالات هذه القاعدة في ميدان الدعوة كبيرة ومتسعة جداً ، وهي تدل بوضوح على أن من رام الهداية والتوفيق ـ وهو يسير في طريق الدعوة ـ فليحقق ذينك الأصلين الكبيرين اللذين دلّت عليهما هذه القاعدة : 1) أما الأصل الأول : فهو الصبر و الجهاد والمُجاهدة في الوصول إلى الغرض الذي ينشده الإنسان في طريقه إلى الله تعالى . 2) والأصل الثاني هو: الإخلاص لله ، لقوله ـ: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) فليس جهادهم من أجل نُصرة ذات ، ولا نُصرة جماعة على حساب أخرى ، وليس من أجل لعاعة من الدنيا ، أو ركض وراء كرسي أو منصب ، أو بحث عن وجاهة إجتماعية ؛ بل هو جهادٌ في ذات الله تعالى و لله و في الله . وإنما نُبّه على هذا الأصل ـ وهو الإخلاص ـ مع كونه شرطاً في كل عمل ، فإن السر ـ والله أعلم ـ لأن من الدُعاة من قد يدفعه القيام بالدعوة ، أو بأي عمل نافع ، الرغبة في الشهرة التي نالها الداعية الفلاني ، أو يدفعه نيل ثراء ناله المتحدث الفلاني .. فجاء التنبيه على هذا الأصل الأصيل ؛ ألا و هو الإخلاص في هذا المقام خشية أن يلتفت الداعي أو الساعي في طريق الخير إلى شيء من حظوظ النفس ، أو مطامع الدنيا الفانية . وثمة سرٌّ آخر ـ والله أعلم ـ في التنبيه على هذا الأصل، وهو : أن الإنسان قد يبدأ مُخلصاً في أي عمل من الأعمال ، ثم لا يلبث أن تنطفئ حرارة الإخلاص في نفسه كلما لاح أمام ناظريه شيء من حظوظ النفس ، والأثرة ، أو التطلع إلى جاه ، والرغبة في العلو والافتخار ، أو الانتصار . "والعلل الناشئة عن فقدان الإخلاص كثيرة ، وهي إذا استفحلت استأصلت الإيمان ، وإذا قلّت تركت به ثُلماً شتى ، ينفذ منها الشيطان" ،، خلق المسلم للغزالي: (66) ، لذا ليس غريباً أن يأتي التوكيد على هذا الأصل الأصيل في هذا المقام العظيم : مقام الجهاد والمُجاهدة في خدمة الدين . وإذا تقرر أن السورة مكية ـ على القول الصحيح من أقوال المُفسرين ـ وهو الذي لم تجب فيه ( أي في العهد المكي ) بعدُ شعيرة الجهاد بمعناه الخاص ـ وهو قتال المشركين لإعلاء كلمة الله ـ فإن ثمة معنى كبيراً تشير إليه هذه القاعدة : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) ، وهو أن من أبلغ صور الجهاد : الصبر على الفتن بنوعيها : فتن السراء وفتن الضراء ، والتي أشارت أوائل سورة العنكبوت إلى شيءٍ منها . وهذه القاعدة القرآنية المُحكمة : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) دلت على شيء آخر كما يقول ابن القيم عن هذه القاعدة : أن أكمل الناس هداية أعظمهم جهادا , وأفرض الجهاد جهاد النفس , وجهاد الهوى , وجهاد الشيطان , وجهاد الدنيا فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه المُوصلة الى جنته , ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد . .. إلى أن قال رحمه الله : ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر الا من جاهد هذه الأعداء باطنا , فمن نُصر عليها نُصر على عدوه , ومن نُصرت عليه نُصر عليه عدوه .، الفوائد ( 59 ) وفي كلمات الأعلام من سلف هذه الأمة ، والتابعين لهم بإحسان ما يُوسع دلالة هذه القاعدة: - فهذا الجنيد ( رحمه الله ) يقول ( مُعلقا على هذه القاعدة القرآنية ) : و الذين جاهدوا اهوائهم فينا بالتوبة لنهدينّهم سُبل الإخلاص ,, - و يقول أحمد بن أبي الحواري : حدثني عباس بن أحمد ـ في قوله تعالى : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) قال : الذين يعملون بما يعلمون ، نهديهم إلى ما لا يعلمون . وهذا الذي ذكره هذا العالم الجليل هو معنى ما رُوي في الأثر : من علم بما عمل ، ورّثه الله علم ما لم يعمل ، وشاهد هذا في كتاب الله : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) ،، محمد: 17 - و كان عمر بن عبدالعزيز يقول : جهلنا بما علمنا ، تركنا العمل بما علمنا ، ولو عملنا بما علمنا لفتح الله على قلوبنا غلق ما لا تهتدي إليه آمالنا " ، درء التعارض 4/358. وفي واقع المسلمين أحوال تحتاج إلى استشعار معنى هذه القاعدة القرآنية : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) : - فمن له والدان كبيران مريضان ، بحاجة أن يستشعر هذه القاعدة .. -ومن سلك طريق طلب العلم ، فطال عليه بعض الشيء بحاجة إلى أن يتأمل معاني هذه القاعدة . - ومن فرّغ جزءًا من وقته لتربية النشء والشباب ، أو لتعليم أبناء وبنات المسلمين كتابَ الله عز وجل ـ وقد دبّ عليه الفتور ـ هو بحاجة ماسّة ليتدبر هذه القاعدة و ليُدرك بركتها و أثرها و عاقبتها الحميدة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) وبالجملة :: فكلُّ من نصب نفسه لعمل صالح ، سواء كان قاصراً أم مُتعدياً ، فعليه أن يتدبر هذه القاعدة كثيراً ، فإنها بلسمٍ شافٍ في طريق السائرين إلى ربهم ، ويُوشك المؤمن أن ينسى كلَّ ما واجهه من تعب ونصب ، إذا وضع قدمه على أول عتبة من عتابات الجنة ، جعلني الله وإياكم ـ ووالدينا وذرياتنا ـ من أهلها ، ومن الدعاة إلى دخولها .
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام. والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين. ![]() ![]() |
#102
|
|||
|
|||
![]() بارك الله بك عمي ابو الشيماء الله يجزيك الخير و يجعله بميزان حسناتك ... متابعين باذن الله ...
__________________
|
#103
|
||||
|
||||
![]() جزيت خيرا اخي ابو الشيماء..
|
#104
|
||||
|
||||
![]() جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل
__________________
![]() ![]() ![]() ![]() بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
![]() |
#105
|
||||
|
||||
![]() جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
__________________
![]() مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
|
#106
|
||||
|
||||
![]() نفع الله بك اخونا الفاضل
__________________
![]() ![]() ![]() ![]() بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
![]() |
#107
|
||||
|
||||
![]() الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا لقاء جديد من حلقات هذه السلسلة: قواعد قرآنية، نتأمل فيها شيئاً من معاني قاعدة قرآنية محكمة، نحن بأمس الحاجة إليها كل حين، وخاصة حين يبتلى الإنسان بمصيبة من المصائب المزعجة، وما أكثرها في هذا العصر، إنها القاعدة التي دل عليها قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]. وهذه القاعدة القرآنية جاء ذكرها ضمن آية كريمة في سورة التغابن يقول الله فيها: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التغابن: 11]. والآية ـ كما هو ظاهر وبيّن ـ تدل على أنه ما من مصيبة أيّاً كانت، سواء كانت في النفس أم في المال أم في الولد، أم الأقارب، ونحو ذلك، فكل ذلك بقضاء الله وقدره، وأن ذلك بعلمه وإذنه القدري سبحانه وتعالى، وجرى به القلم، ونفذت به المشيئة، واقتضته الحكمة، والشأن كل الشأن، هل يقوم العبد بما يجب عليه من عبودية الصبر والتسليم ـ الواجبين ـ، ثم الرضا عن الله تعالى؟! وإن كان الرضا ليس واجبا بل مستحباً. وتأمل ـ أيها المؤمن ـ أن الله تعالى علق هداية القلب على الإيمان؛ ذلك أن الأصل في المؤمن أن يروضه الإيمان على تلقي المصائب، واتباع ما يأمره الشرع به من البعد عن الجزع والهلع، متفكراً في أن هذه الحياة لا تخلوا من منغصات ومكدرات: جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأقذار! وهذا كما هو مقتضى الإيمان، فإن في هذه القاعدة: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} إيماءً إلى الأمر بالثبات والصبر عند حلول المصائب؛ لأنه يلزم من هَدْيِ الله قلبَ المؤمن عند المصيبة = ترغيبَ المؤمنين في الثبات والتصبر عند حلول المصائب، فلذلك جاء ختم هذه الآية بجملة: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(1). وهذا الختم البديع بهذه الجملة: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يزيد المؤمن طمأنينة وراحة من بيان سعة علم الله، وأنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء مما يقع، وأنه عز وجل الأعلم بما يصلح حال العبد وقلبه، وما هو خير له في العاجل والآجل، وفي الدنيا وفي الآخرة، يقرأ المؤمن هذا وهو يستشعر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"(2). ويقول عون بن عبدالله بن عتبة رحمه الله: "إن الله ليكره عبده على البلاء كما يكره أهل المريض مريضهم، وأهل الصبي صبيهم على الدواء، ويقولون: اشرب هذا، فإن لك في عاقبته خيرا" (3). أيها الإخوة المؤمنون: ولنعد إلى هذه القاعدة: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} التي هي موضع حديثنا في هذه الحلقة. وثمة كلماتٍ نورانية، قالها سلف هذه الأمة تعليقاً على معنى هذه القاعدة، ولنبدأ بحبر الأمة وترجمان القرآن حيث يقول رضي الله عنه ـ في قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه(4). ويقول علقمة بن قيس رحمه الله في هذه القاعدة: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضَى(5). وقال أبو عثمان الحيري: من صح إيمانه، يهد الله قلبه لاتباع السنة(6). ومن لطيف ما ذكر من القراءات المأثورة ـ وإن كانت ليست متواترة ولا مشهورة ـ: أن عكرمة قرأ: "ومن يؤمن بالله يهدأ قلبه" أي: يسكن ويطمئن(7). أيها الإخوة القراء: ومجيء هذه القاعدة في هذا السياق له دلالات مهمة، من أبرزها: 1 ـ تربية القلب على التسليم على أقدار الله المؤلمة ـ كما سبق ـ. 2 ـ أن من أعظم ما يعين على تلقي هذه المصائب بهدوء وطمأنينة: الإيمان القوي برب العالمين، والرضا عن الله تعالى، بحيث لا يتردد المؤمن ـ وهو يعيش المصيبة ـ بأن اختيار الله خير من اختياره لنفسه، وأن العاقبة الطيبة ستكون له ـ ما دام مؤمناً حقاً ـ فإن الله تعالى ليس له حاجة لا في طاعة العباد، ولا في ابتلائهم! بل من وراء الابتلاء حكمة بل حِكَمٌ وأسرار بالغة لا يحيط بها الإنسان، وإلا فما الذي يفهمه المؤمن حين يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل"(8)؟! وما الذي يوحيه للإنسان ما يقرأه في كتب السير والتواريخ من أنواع الابتلاء التي تعرض لها أئمة الدين؟! إن الجواب باختصار شديد: "أن أثقال الحياة لا يطيقها المهازيل، والمرء إذا كان لديه متاع ثقيل يريد نقله، لم يستأجر له أطفالا أو مرضى أو خوارين؛ إنما ينتقى له ذوى الكواهل الصلبة، والمناكب الشداد!! كذلك الحياة، لا ينهض برسالتها الكبرى، ولا ينقلها من طور إلى طور إلا رجال عمالقة وأبطال صابرون!"(9). أيها القراء الأفاضل: ليس بوسع الإنسان أن يسرد قائمة بأنواع المصائب التي تصيب الناس، وتكدر حياتهم، لكن بوسعه أن ينظر في هدي القرآن في هذا الباب، ذلك أن منهج القرآن الكريم في الحديث عن أنواع المصائب حديث مجمل، وتمثيل بأشهر أنواع المصائب، لكننا نجد تركيزاً ظاهراً على طرق علاج هذه المصائب، ومن ذلك: 1 ـ هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} فهي تنبه إلى ما سبق الحديث عنه من أهمية الصبر والتسليم، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز الإيمان الذي يصمد لهذه المصائب. 2 ـ ومن طرق معالجة القرآن لشأن المصائب: الإرشاد إلى ذلك الدعاء العظيم الذي جاء ذكره في سورة البقرة، يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة: 155، 156]. 3 ـ كثرة القصص عن الأنبياء وأتباعهم، الذين لقوا أنواعاً من المصائب والابتلاءات التي تجعل المؤمن يأخذ العبرة، ويتأسى بهم، ويهون عليه ما يصيبه إذا تذكر ما أصابهم، وعلى رأسهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ويتبع هذا العلاج القرآني: النظر في سير الصالحين من هذه الأمة وغيرهم، ممن ابتلوا فصبروا، ثم ظفروا، ووجدوا ـ حقاً ـ أثر الرضا والتسليم بهداية يقذفها الله في قلوبهم، وهم يتلقون أقدار الله المؤلمة، والموفق من تعامل البلاء بما أرشد الله إليه ورسولُه صلى الله عليه وسلم، وبما أرشد إليه العقلاء والحكماء، ففي كلام بعضهم عبر متينة، وتجارب ثرية، فاستمع ـ مثلاً ـ إلى مقولة الإمام الجليل أبي حازم: ـ والتي تزيح جبال الهمّ التي جثمت على صدور الكثيرين، يقول رحمه الله: الدنيا شيئان: فشيء لي، وشيء لغيري، فما كان لي لو طلبته بحيلة من في السموات والأرض لم يأتني قبل أجله، وما كان لغيري لم أرجه فيما مضى، ولا أرجوه فيما بقي، يمنع رزقي من غيري كما يمنع رزق غيري مني، ففي أي هذين أفني عمري؟!"(10). وبعد ـ أيها القراء الكرام ـ لماذا يتسخط بعضنا ويتوجع على حادثٍ حصل قبل سنوات؟! ولماذا يقلب أحدنا ملف زواجٍ فاشل؟! أو صفقةٍ تجارية خاسرة، أو أسهم بارت تجارتها؟! وكأنه بذلك يريد أن يجدد أحزانه!! فيا كل مبتلى: اصبر على القدر المجلوب وارض به... وإن أتاك بما لا تشتهي القدر فما صفا لامرئٍ عيشٌ يسرّ به... إلاّ سيتبع يوماً صفوة كدر (11) وأوصي في ختام هذه الحلقة بقراءة رسالة قيمة جداً، قليلة الكلمات، عظيمة المعاني؛ لشيخ شيوخنا: العلامة الجليل، الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: وعنوان رسالته: "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" جعل الله أيامنا جميعاً أيام أنس وسرورٍ بالله، وسرورٍ بما يقدره الله، ويقضيه الله، والحمد لله رب العالمين. _____________ (1) ينظر: التحرير والتنوير (28/251). (2) مسلم (2999). (3) حلية الأولياء (4/252). (4) تفسير الطبري (23/421). (5) تفسير الطبري (23/421). (6) تفسير القرطبي (18/139). (7) تفسير القرطبي (18/139). (8) الترمذي (2398) وابن ماجه (4023)، وابن حبان (699، 700)، وقد صححه الترمذي وابن حبان وغيرهما، ولعله لشواهده. (9) خلق المسلم، باختصار (133- 134). (10) حلية الأولياء (10/104). (11) الكامل في اللغة (2/ 33).
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام. والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين. ![]() ![]() |
#108
|
||||
|
||||
![]() ![]()
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام. والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين. ![]() ![]() |
#109
|
||||
|
||||
![]() جزاكم الله خيرا وليتكم تثبتون الموضوع فهو يستحق التثبيت بجدارة
__________________
![]() مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
|
#110
|
||||
|
||||
![]() احسن الله إليكَ وجزاكَ خيرا مراقبنا الفاضل ابو الشيماء ... اشتاق كثيرا للمتابعة اليومية دعواتكم
__________________
![]() ![]() ![]() ![]() بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مع القرآن |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |