تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 108 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السخرية في سورة ( المنافقون) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الأخلاق في حياتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 46 )           »          وقفة تربوية مع التقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          فتح مكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 1792 )           »          فتنة المسلمين في الغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          معركة مرج الصفر شرقي شقحب بحوران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أبو مسلم الخراساني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 37 )           »          ابن العديم .. مؤرخ يعشق حلب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1071  
قديم 25-06-2022, 01:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النحل - (11)
الحلقة (546)
تفسير سورة النحل مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 161الى صــــ 166)

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)
شرح الكلمات:

هاجروا: أي إلى المدينة.

من بعد ما فتنوا: أي فتنهم المشركون بمكة فعذبوهم حتى قالوا كلمة الكفر مكرهين.

إن ربك من بعدها: أي من بعد الهجرة والجهاد والصبر على الإِيمان والجهاد.

لغفورٌ رحيم: أي غفورٌ لهم رحيم بهم.

يوم تأتي: أي اذكر يا محمد يوم تأتي كل نفسٍ تجادل عن نفسها.

مثلاً قرية: هي مكة.

رزقها رغداً: أي واسعاً.

فكفرت بأنعم الله: أي بالرسول والقرآن والأمن ورغد العيش.

فأذاقها الله لباس الجوع: أي بسبب قحطٍ أصابهم حتى أكلوا العهن لمدة سبع سنين.

والخوف: حيث أصبحت سرايا الإِسلام تغزوهم وتقطع عنهم سبل تجارتهم.

معنى الآيات:

بعدما ذكر الله تعالى رخصة كلمة الكفر عند الإِكراه وبشرط عدم انشراح الصدر بالكفر ذكر مخبراً عن بعض المؤمنين، تخلفوا عن الهجرة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أرادوا الهجرة منعتهم قريش وعذبتهم حتى قالوا كلمة الكفر، ثم تمكنوا من الهجرة فهاجروا وجاهدوا وصبروا فأخبر الله تعالى عنهم بأنه لهم مغفرته ورحمته، فلا يخافون ولا يحزنون فقال تعالى { ثُمَّ إِنَّ 1 رَبَّكَ } أيها الرسول { لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ2 مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } أي عُذِّبوا { ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ3 مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي غفورٌ لهم رحيمٌ بهم.
وقوله تعالى: { يَوْمَ4 تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } أي اذكر ذلك واعظاً به المؤمنين أي تخاصم طالبةً النجاة لنفسها { وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } أي من خيرٍ أو شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } لأن الله عدلٌ لا يجوز في الحكم ولا يظلم، وقوله تعالى: { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً 5} ، أي مكة { كَانَتْ آمِنَةً } من غارات الأعداء { مُّطْمَئِنَّةً } لا ينتابها فزعٌ ولا خوف، لما جعل الله تعالى في قلوب العرب من تعظيم الحرم وسكانه، { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً } أي واسعاً { مِّن كُلِّ6 مَكَانٍ } حيث يأتيها من الشام واليمن في رحلتيهما في الصيف والشتاء { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } وهي تكذيبها برسول الله صلى الله عليه وسلم وإنكارها للتوحيد، وإصرارها على الشرك وحرب الإسلام { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ } فدعا عليهم الرسول اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف السبع الشداد، فأصابهم القحط سبع سنوات فجاعوا حتى أكلوا الجِيفْ والعهن، وأذاقها لباس الخوف إذ أصبحت سرايا الإِسلام تعترض طريق تجارتها بل تغزوها في عقر دارها، وقوله تعالى { بِمَا كَانُواْ 7يَصْنَعُونَ } أي جزاهم الله بالجوع والخوف بسبب صنيعهم الفاسد وهو اضطهاد المؤمنين بعد كفرهم وشركهم وإصرارهم على ذلك. وقوله تعالى: { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ } هو محمد صلى الله عليه وسلم { فَكَذَّبُوهُ } أي جحدوا رسالته وأنكروا نبوته وحاربوا دعوته { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } عذاب الجوع والخوف والحال أنهم { ظَالِمُونَ } أي مشركون وظالمون لأنفسهم حيث عرضوها بكفرهم إلى عذاب الجوع والخوف.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- فضل الهجرة والجهاد والصبر، وما تكفر هذه العبادات من الذنوب وما تمحو من خطايا.

2- وجوب التذكير باليوم الآخر وما يتم فيه من ثواب وعقاب للتجافي عن الدنيا والإِقبال على الآخرة.

3- استحسان ضرب الأمثال من أهل العلم.

4- كفر النعم بسبب زوالها والانتقام من أهلها.

5- تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم في ما جاء به، ولو بالإِعراض عنه وعدم العمل به يجر البلاء والعذاب.
________________

1 لمّا كانت الهجرة لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن الله تعالى اسمه مع اسم نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: { (ثم إن ربك} أي بمغفرته ورحمته للذين هاجروا.
2 هاجروا أولا إلى الحبشة ثم إلى المدينة النبوية.
3 أي: من بعد الحال التي كانت أيام تعذيبهم وفتنتهم على يد المشركين.
4 جائز أن يكون الظرف متعلقاً بقوله: {لغفور رحيم} وجائز أن يكون معمولاً لفعل محذوف تقديره: اذكر ومعنى تجادل: تخاصم وتحاج عن نفسها وفي الحديث: "أن كل نفس يوم القيامة تقول: نفسي نفسي" لشدة الهول.
5 هي مكة وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دعا على أهلها فقال: "اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام.
6 من البرّ والبحر، هذا كقوله تعالى: {يجبى إليه ثمرات كل شيء} .
7 وقيل: إنّ القرية هذه هي المدينة قالت هذا حفصة وعائشة زوجتا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك لما قتل عثمان واشتد البلاء بأهل المدينة وعموم الآية ظاهر، وكونها مكة أظهر.

******************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1072  
قديم 25-06-2022, 01:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)
شرح الكلمات:


فكلوا: أي أيها الناس.

حلالاً طيباً: أي غير حرام ولا مستقذر.

واشكروا نعمة الله عليكم: أي بعبادته وبالانتهاء إلى ما أحل لكم عما حرمه عليكم.

إن كنتم إياه تعبدون: أي إن كنتم تعبدونه وحده فامتثلوا أمره، فكلوا مما أحل لكم وذروا ما حرم عليكم.

الميتة: أي ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير تذكية شرعية.

والدم: أي الدم المسفوح السائل لا المختلط باللحم والعظم.

وما أهل لغير الله به: أي ما ذكر عليه غير اسم الله تعالى.

غير باغٍ ولا عاد: أي غير باغ على أحد، ولا عادٍ أي متجاوز حد الضرورة.

ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب: أي لا تحللوا ولا تحرموا بألسنتكم كذباً على الله فتقولوا هذا حلال وهذا حرام بدون تحليل ولا تحريم من الله تعالى.

وعلى الذين هادوا: أي اليهود.

حرمنا ما قصصنا عليك من قبل: أي في سورة الأنعام.

معنى الآيات:

امتن الله عز وجل على عباده، فأذن لهم أن يأكلوا مما رزقهم من الحلال الطيب ويشكروه على ذلك بعبادته وحده وهذا شأن من يعبد الله تعالى وحده، فإنه يشكره على ما أنعم به عليه، وقوله تعالى: { إِنَّمَا حَرَّمَ1 عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } فلا تحرموا ما لم يحرم عليكم كالسائبة والبحيرة والوصيلة التي حرمها المشركون افتراء على الله وكذبا. وقوله { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } منكم أي خاف على نفسه ضرر الهلاك بالموت لشدة الجوع وكان { غَيْرَ بَاغٍ } على أحد ولا معتدٍ ما أحل له إلى ما حرم عليه فليأكل ما يدفع به غائلة الجوع ولا إثم عليه { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فيغفر للمضطر كما يغفر للتائب ويرحم المضطر فيأذن له في الأكل دفعاً للضرر رحمة به كما يرحم من أناب إليه.

وقوله: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ 2هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } أي ينهاهم عن التحريم والتحليل من تلقاء أنفسهم بأن يصفوا الشيء بأنه حلالٌ أو حرامٌ لمجرد قولهم بألسنتهم الكذب: هذا حلال وهذا حرام كما يفعل المشركون فحللوا وحرموا بدون وحي إلهي ولا شرع سماوي. ليؤول قولهم وصنيعهم ذلك إلى الإِفتراء على الله والكذب عليه. مع أن الكاذب على الله لا يفلح أبداً لقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ }3 وإن تمتعوا قليلاً في الدنيا بمالٍ أو ولد أو عزةٍ وسلطان فإن ذلك متاع قليل جداً ولا يعتبر صاحبه مفلحاً ولا فائزاً. فإن وراء ذلك العذاب الآخروي الأليم الدائم الذي لا ينقطع. وقوله تعالى: { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ 4حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } يخاطب الله تعالى رسوله فيقول: كما حرمنا على هذه الأمة المسلمة الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، حرمنا على اليهود ما قصصنا عليك من قبل في سورة الأنعام.

إذ قال تعالى{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } [الآية: 146]. وحرم هذا الذي حرم عليهم بسبب ظلمٍ منهم فعاقبهم الله فحرم عليهم هذه الطيبات التي أحلها لعباده المؤمنين. ولذا قال تعالى { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- يجب مقابلة النعم بالشكر فمن غير العدل أن يكفر العبد نعم الله تعالى عليه فلا يشكره عليها بذكره وحمده وطاعته بفعل محابه وترك مساخطه.

2- بيان المحرمات من المطاعم وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله.

3- بيان الرخصة في الأكل من المحرمات المذكورة لدفع غائلة الموت.

4- حرمة التحريم والتحليل بغير دليل شرعي قطعي لا ظني إلا ما غلب على الظن تحريمه.

5- حرمة الكذب على الله وأن الكاذب على الله لا يفلح في الآخرة وفلاحه في الدنيا جزيء قليل لا قيمة له.. هذا إن أفلح.

6- قد يحرم العبد النعم بسبب ظلمه فكم حرمت أمة الإِسلام من نعم بسبب ظلمها في عصور انحطاطها.
___________________

1 هذه الجملة بيان لمضمون جملة: {فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً} لتمييز الطيبّ من الخبيث وذكر تعالى هنا أربع محرمات وهي عشر جاءت في سورة المائدة إلا أنّ هذه الأربعة هي الأصول وما دونها تابع لها: المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب فالخمسة الأولى تابعة للميتة والسادسة تابعة لما أهل به لغير الله.
2 {الكذب} منصوب على المفعولية المطلقة أي: مطلق الكذب.
3 جملة: {متاع قليل} جملة بيانية في جواب قول من قال: كيف لا يفلحون وهم يمتعون بالطعام والشراب والنساء والأموال؟ فأجيب بأن هذا متاع قليل جداً بالنظر إلى ما في الآخرة.
4 تقديم الجار والمجرور: {وعلى الذين هادوا حرمنا} للاهتمام وللإشارة إلى أنّ ذلك التحريم كان انتقاماً منهم ولم يكن شرعاً لإكمالهم وإسعادهم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1073  
قديم 25-06-2022, 01:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النحل - (12)
الحلقة (547)
تفسير سورة النحل مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 166الى صــــ 171)



{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } (119) { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } (120) { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (121) { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } (122) { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } (123) { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }(124)


شرح الكلمات:

ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة: أي ثم إن ربك غفورٌ رحيمٌ للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا.

من بعدها: أي من بعد الجهالة والتوبة.

إن إبراهيم كان أمة: أي إماماً جامعاً لخصال الخير كلها قدوة يقتدى به في ذلك.

قانتاً لله حنيفاً: أي مطيعاً لله حنيفاً: مائلاً إلى الدين القيم الذي هو الإسلام.

اجتباه: أي ربه اصطفاه للخلة بعد الرسالة والنبوة.

وآتيناه في الدنيا حسنة: هي الثناء الحسن من كل أهل الأديان السماوية.

إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه: أن اليهود أمروا بتعظيم الجمعة فرفضوا وأبوا إلا السبت ففرض الله عليهم ذلك وشدد لهم فيه عقوبة لهم.

معنى الآيات:

بعدما نددت الآيات في سياق طويل بالشرك وإنكار البعث والنبوة من قبل المشركين الجاحدين المعاندين، وقد أوشك سياق السورة على الانتهاء فتح الله تعالى باب التوبة لهم وقال: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ } أي بالمغفرة والرحمة { لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ1 } فأشركوا بالله غيره وأنكروا وحيه وكذبوا بلقائه { ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ } فوحدوه تعالى بعبادته وأقروا بنبوة رسوله وآمنوا بلقائه واستعدوا له بالصالحات { وَأَصْلَحُوۤاْ } ما كانوا قد أفسدوه من قلوبهم وأعمالهم وأحوالهم { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } من بعد هذه التوبة 2والأوبة الصحيحة { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } بهم.
فكانت بشرى لهم على لسان كتاب ربهم. وقوله تعالى: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ 3كَانَ أُمَّةً4 قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ 5 مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } إنه لما كان من شبه المشركين أنهم على دين أبيهم إبراهيم باني البيت وشارع المناسك ومحرم الحرم، واليهود والنصارى كذلك يدعون أنهم على ملة إبراهيم فأصر الجميع على أنه متبع لملة إبراهيم وأنه على دينه ورفضوا الإِسلام بدعوى ما هم عليه هو دين الله الذي جاء به إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام، ومن باب إبطال الباطل وإزاحة ستار الشبه وتنقية الحق لدعوة الحق والدين الحق ذكر تعالى جملةً من حياة إبراهيم الروحية والدينية كمثال حي ناطق لكل عاقل إذا نظر إليه عرف هل هو متبع لإبراهيم يعيش على ملته أو هو على غير ذلك.
فقال تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً6 } أي إماماً صالحاً جامعاً لخصال الخير، يقتدي به كل راغب في الخير.
هذا أولاً
وثانياً أنه كان قانتاً أي مطيعاً لربه فلا يعصي له أمراً ولا نهياً
ثالثاً لم يك من المشركين بحال من الأحوال بل هو بريء من الشرك وأهله،
ورابعاً كان شاكراً لأنعم الله تعالى عليه أي صارفاً نعم الله عليه فيما يرضي الله،
خامساً اجتباه ربه أي اصطفاه لرسالته وخلته لأنه أحب الله أكثر من كل شيء فتخلل حب الله قلبه فلم يبق لغيره في قلبه مكان.

فخالّه الله أي بادله خلة بخلّة فكان خليل الرحمن.
سادساً وهداه إلى صراط مستقيم الذي هو الإِسلام،
سابعاً وآتاه في الدنيا حسنة وهي الثناء الحسن والذكر الجميل من جميع أهل الأديان الإلهية الأصل.
ثامناً وإنه في الآخرة لمن الصالحين الذين قال الله تعالى فيهم: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهي منزلة من أشرف المنازل وأسماها.
تاسعاً مع جلالة قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته أمره الله تعالى أن يتبع ملة إبراهيم حنيفاً.

هذا هو إبراهيم فمن أحق بالنسبة إليه، المشركون؟ لا! اليهود؟ لا، النصارى؟ لا! المسلمون الموحدون؟ نعم نعم اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وأكرمنا يوم تكرمهم.

وقالى تعالى: { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ 7عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } فيه دليل على بطلان دعوى اليهود أنهم على ملة إبراهيم ودينه العظيم، إذ تعظيم السبت لم يكن من دين إبراهيم، وإنما سببه أن الله تعالى أوحى إلى أحد أنبيائهم أن يأمر بني إسرائيل بتعظيم الجمعة فاختلفوا في ذلك وآثروا السبت عناداً ومكابرة فكتب الله عليهم تعظيم السبت.
وقوله { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } فيه وعيد لهم وأنه سيجزيهم سوءاً على تمردهم على أنبيائهم واختلافهم عليهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- باب التوبة مفتوح لكل ذي ذنب عَظُم أو صغُر على شرط صدق التوبة بالإِقلاع الفوري والندم والاستغفار الدائم وإصلاح الفاسد.

2- تقرير التوحيد والإِعلان عن شأن إبراهيم عليه السلام وبيان كمالاته وإنعام الله عليه.

3- بيان أن سبت اليهود هو من نقم الله عليهم لا من نعمه وأفضاله عليهم.

_______________
1 الجهالة: انتفاء العلم بما يجب أن يعلم، والمراد بجهالتهم: جهالتهم بأدلة الشرع المحرّمة للشرك والكفر والفساد، والموجبة للتوحيد وطاعة الله ورسوله. والباء: في {بجهالة} : للملابسة وهي في موضع الحال من ضمير عملوا.
2 وجائز أن يعود الضمير على الجهالة أيضاً كما جائز أن يعود على التوبة.
3 {إنّ إبراهيم} ؛ هذه الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لغرض التنويه بدين الإسلام الذي هو دين إبراهيم من قبل.
4 الأمّة: الجامع للخير، والقانت: المطيع لله تعالى، والحنيف: المائل إلى الحق المجانب للباطل.
5 في الآية الدليل على جواز اتباع الأفضل للمفضول ولا تبعة على الفاضل أي: لا غضاضة عليه ولا مساس بمقامه.
6 قال مالك: بلغني أنّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: يرحم الله معاذً كان امّة قانتاً فقيل له: يا أبا عبد الرحمن إنّما ذكر الله عزّ وجلّ بهذا إبراهيم عليه السلام فقال عبد الله: "إن الأمة الذي يعلم الناس الخير وإن القانت: هو المطيع".
7 أي: لم يكن في شرع إبراهيم ولا من دينه، إذ كان. دين إبراهيم سمحاً لا تغليظ فيه والسبت تغليظ على اليهود في ترك الأعمال وترك التبسّط في المعاش بسبب اختلافهم فيه أي: اختلفوا في يوم الجمعة بعدما أمروا بتعظيمه فأبت اليهود إلا السبت بدعوى أن الله فرغ من الخلق فيه. واختار النصارى الأحد: لأن الله ابتدأ الخلق فيه، وهدى الله أمّة الإسلام ليوم الجمعة الذي اختلفوا فيه ففي البخاري يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة، ونحن أوّل من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فيه فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له (يوم الجمعة".



****************************** *****
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1074  
قديم 25-06-2022, 01:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



{ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِين َ } 125 { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } 126 { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } (127) { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }(128)


شرح الكلمات:

إلى سبيل ربك: أي إلى طاعته إذ طاعة الله موصلة إلى رضوانه وإنعامه فهي سبيل الله.

بالحكمة: أي بالقرآن والمقالة المحكمة الصحيحة ذات الدليل الموضح للحق.

والموعظة الحسنة: هي مواعظ القرآن، والقول الرقيق الحسن.

وجادلهم بالتي هي أحسن: أي بالمجادلة التي هي أحسن من غيرها.

لهو خيرٌ للصابرين: أي خيرٌ من الإِنتقام عاقبةٌ.

ولا تك في ضيقٍ مما يمكرون: أي لا تهتم بمكرهم، ولا يضيق صدرك به.

مع الذين اتقوا: أي اتقوا الشرك والمعاصي.

والذين هم محسنون: أي في طاعة الله، ومعيته تعالى هي نصره وتأييده لهم في الدنيا.

معنى الآيات:

يخاطب الرب تعالى رسوله تشريفاً وتكليفاً: { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ 1} أي إلى دينه وهو الإِسلام سائر الناس، وليكن دعاؤك { بِٱلْحِكْمَةِ } التي هي القرآن الكريم الحكيم { وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } وهي مواعظ القرآن وقصصه وأمثاله، وترغيبه وترهيبه، { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي خاصمهم بالمخاصمة التي هي أحسن وهي الخالية من السب والشتم والتعريض بالسوء، فإن ذلك أدعى لقبول الخصم الحق وما يدعي إليه، وقوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ } من الناس { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِين َ } وسيجزيهم المهتدي بهداه، والضال بضلاله، كما هو أعلم بمن ضل واهتدى أزلاً.
فهون على نفسك ولا تشطط في دعوتك فتضر بنفسك، والأمر ليس إليك. بل لربك يهدي من يشاء ويضل من يشاء وما عليك إلا الدعوة بالوصف الذي وصف لك، بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وقوله تعالى { وَإِنْ 2عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } لا أكثر، { وَلَئِن صَبَرْتُمْ } وتركتم المعاقبة { لَهُوَ } أي صبركم { خَيْرٌ } لكم من المعاقبة على الذنب والجناية، وقوله تعالى: { وَٱصْبِرْ } على ترك ما عزمت عليه أيها الرسول من التمثيل بالمشركين جزاء تمثيلهم بعمك حمزه، فأمره بالصبر ولازمه ترك المعاقبة والتمثيل معاً، وقوله: { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } أي إلا بتوفيقه وعونه، فكن مع ربك تستمد منه الصبر كما تستمد منه العون والنصر، وقوله تعالى: { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي على عدم اهتدائهم إلى الحق والأخذ به والسير في طريقه الذي هو الإسلام { وَلاَ تَكُ3 فِي ضَيْقٍ } نفسي يؤلمك { مِّمَّا يَمْكُرُونَ } بك فإن الله تعالى كافيك مكرهم وشرهم إنه معك فلا تخف ولا تحزن لأنه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأنت منهم. وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ4 مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } يخبر تعالى رسوله والمؤمنين أنه عز وجل بنصره وتأييده ومعونته وتوفيقه مع الذين اتقوا الشرك والمعاصي فلم يتركوا فرائض دينه، ولم يفشوا محارمه والذين هم محسنون في طاعة ربهم إخلاصاً في النية والقصد، وأداء على نحو ما شرع الله وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- وجوب الدعوة إلى الله تعالى أي إلى الإِسلام وهو واجب كفائي، إذا قامت به جماعة أجزأ ذلك عنهم.

2- بيان أسلوب الدعوة وهو أن يكون بالكتاب والسنة وأن يكون خالياً من العنف والغلظة والشدة، وأن تكون المجادلة بالتي هي أحسن من غيرها.

3- جواز المعاقبة بالأخذ بقدر ما أخذ من المرء، وتركها صبراً واحتساباً أفضل.

4- معية الله تعالى ثابتة لأهل التقوى والإِحسان، وهي معية نصرٍ وتأييد وتسديد.


___________________
1 قال القرطبي: هذه الآية نزلت بمكة في وقت مهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين لله وشرعه بتلّطف ولين دون مخاشنة وعنف، وهكذا ينبغي أن يدعو المسلمون إلى يوم القيامة.
2 جمهور المفسرين على أن هذه الآية: {وإن عاقبتم فعاقبوا ... } الخ نزلت بالمدينة في شأن قتل حمزة والتمثيل به رضي الله عنه وأرضاه يوم أحد ذكر ذلك البخاري وغيره وفي الآية دليل على وجوب المماثلة في القصاص ويحرم عدمها. وفي الآية دليل لمن قال بجواز أخذ مال من أخذ مال غيره إذا لم يتمكن منه بعلمه ورضاه على شرط أن لا يأخذ أكثر مما أخذ.
3 الضيق والضَيق: بالكسر والفتح، يقال: في صدره ضيق وضِيق بالكسر والفتح، وقيل: الضيق بالفتح في الصدر، والضيق بالكسر في الدار والثوب ونحوهما.
4 قيل: لهرم بن حبان عند موته: أوصنا فقال: أوصيكم بآيات الله وآخر سورة النحل: {ادع إلى سبيل ربك..} إلى {محسنون} .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1075  
قديم 25-06-2022, 01:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الإسراء - (1)
الحلقة (548)
تفسير سورة الإسراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 172الى صــــ 176)

الجزء الخامس عشر
سورة الإسراء
مكية
وآياتها عشر ومائة


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }(1)


شرح الكلمات:

سبحان: أي تنزه وتقدس عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله وهو الله جل جلاله.

بعبده: أي بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

من المسجد الحرام: أي الذي بمكة.

إلى المسجد الأقصى: أي الذي ببيت المقدس.

من آياتنا: أي من عجائب قدرتنا ومظاهرها في الملكوت الأعلى.

معنى الآية الكريمة:

نزه الرب تبارك وتعالى نفسه عما نسب إليه المشركون من الشركاء والبنات وصفات المحدثين، فقال: { سُبْحَانَ1 ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ 2} أي محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العدناني { لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي بالليل من المسجد الحرام بمكة إذ أخرج من بيت أم هانئ وغسل قلبه بماء زمزم وحشي إيماناً وحكمة، ثم أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بيت المقدس، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه جمع الله تعالى له الأنبياء في المسجد الأقصى وصلى بهم إماماً فكان بذلك إمام الأنبياء وخاتمهم ثم عرج به إلى السماء سماء بعد سماء يجد في كل سماء مقربيها إلى أن انتهى إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ثم عرج به إلى أن انتهى إلى مستوى سمع فيه صرير الأقلام وقوله تعالى: { ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } أي حول المسجد3 الأقصى معنى حوله خارجة وذلك بالأشجار والأنهار والثمار أما داخله فالبركة الدينية بمضاعفة الصلاة فيه أي أجرها إذ الصلاة فيه بخمسمائة صلاة أجراً ومثوبة وقوله تعالى { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } تعليل للاسراء والمعراج وهو أنه تعالى أسرى بعبده وعرج به ليريه من عجائب صنعه في مخلوقاته في الملكوت الأعلى، وليكون ما علمه من طريق الوحي قد علمه بالرؤية والمشاهدة.
وقوله تعالى { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } يعني تعالى نفسه بأنه هو السميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم فاقتضت حكمته هذا الاسراء العجيب ليزداد الذين آمنوا إيماناً وليرتاب المرتابون ويزدادون كفراً وعناداً.

هداية الآية الكريمة:

من هداية الآية الكريمة:


1- تقرير عقيدة الإِسراء والمعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم بالروح والجسد 4معاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم إلى السماوات العلى، إلى مستوى سمع فيه صرير الأقلام وأوحى إليه تعالى ما أوحى وفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس.

2- شرف المساجد الثلاثة: الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى أما المسجدان الحرام والأقصى فقد ذكرا بالنص وأما مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ذكر بالإِشارة والإِيماء إذ قول الأقصى يقتضي قصياً، فالقصي هو المسجد النبوي والأقصى هو مسجد بيت المقدس.

3- بيان الحكمة في الإِسراء والمعراج وهي أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه ما كان آمن به وعلمه من طريق الوحي فأصبح الغيب لدى رسول الله شهادة.
________________

1 روي أنّ طلحة بن عبيد الله الفيّاض أحد العشر المبشرين بالجنة سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن معنى سبحان الله فقال: "تنزيه الله عن كل سوء" وأسرى: فيها لغتان: أسرى وسرى فصيحتان، وجمع اللغتين في بيت واحد هو:
حيّ النضيرة ربُة الخدر
أسرت إليَّ ولم تكن تسري
وقيل: أسرى من أوّل الليل، وسرى من آخره، والإسراء، والسُّرى: سير الليل.
2 قالت العلماء: لو كان هناك اسم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشرف من اسم عبد لسمّاه به في هذه الحال العليّة، وفي معناه قال الشاعر:
يا قوم قلبي عند زهراء
يعرفه السامع والرائي
لا تدعُني إلاّ بياعبدها
فإنه أشرف أسمائي

3 المسجد الحرام: أول مسجد بني في الأرض، ويليه المسجد الأقصى والزمن بينهما أربعون سنة، والمسجد النبوي بني بعدهما بقرون طويلة، فهذه الثلاثة أشرف المساجد على الإطلاق وعليه فمن نذر صلاة فيها وجب عليه الوفاء بالصلاة فيها، ومن نذر الصلاة في مسجدٍ غيرها جاز أن يصلي في أي مسجد آخر.
4 لا قيمة للقول بأن الإسراء كان بالروح فقط إذ لو كان بالروح لكان من المنام، ولما قال تعالى: {أسرى بعده ليلاً} ولما قالت أم هانىء: لا تحدّث الناس فيكذبوك، ولا فضّل أبو بكر بقلب الصديق ولا ما أمكن قريشا التشنيع والتكذيب، ولما ارتد أفراد عن الإسلام بتشنيع قريش، وأما إطلاق لفظ الرؤيا على المنام خاصة فليس بذاك إذ قد يطلق لفظ الرؤيا على الرؤية في اليقظة، وأعظم دليل في قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المتهى} أي: رأي الرسول جبريل مرّة أخرى في الجنة في السماء ليلة الإسراء والمعراج كما رآه أول مرّة في جياد بمكة.
3 حدثنا شيخنا الطيب العقبى خريج المسجد النبوي الشريف: أنّه ألقى كلمة في الروضة بالمسجد النبوي ففتح الله تعالى عليه فذكر أنّ المسجد النبوي أشير إليه في آية الإسراء فهو إذاً مذكور في القرآن بالإيماء كما ذكرت في التفسير.

****************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1076  
قديم 25-06-2022, 01:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } (2) { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } (3){ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } (4) { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } (5) { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُ م بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }(6)


شرح الكلمات:

وآتينا موسى الكتاب: أي التوراة.

وجعلناه هدى: أي جعلنا الكتاب أو موسى هدى أي هادياً لبني إسرائيل.

وكيلاً: أي حفيظاً أو شريكاً.

من حملنا: أي في السفينة.

وقضينا: أي أعلمناهم قضاء نافيهم.

في الكتاب: أي التوراة.

علواً كبيراً: أي بغياً عظيماً.

أولاهما: أي أولى المرتين.

فجاسوا خلال: أي ترددوا جائين ذاهبين وسط الديار يقتلون ويفسدون.

وعداً مفعولا: أي منجزاً لم يتخلف.

معنى الآيات:

يخبر تعالى أنه هو الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وأنه هو الذي آتى موسى الكتاب أي التوراة فهو تعالى المتفضل على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته بالإِسراء به والمعراج وعلى موسى بإعطائه الكتاب ليكون هدى وبياناً لبني إسرائيل فهو متفضل أيضاً على بني إسرائيل فله الحمد وله المنة.

وقوله: { وَجَعَلْنَاهُ } أي الكتاب { هُدًى } أي بياناً لبني إسرائيل يهتدون إلى سُبُل الكمال والإِسعاد وقوله: { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } أي آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل من أجل ألا يتخذوا من غيري حفيظاً لهم يشركونه بي بالتوكل عليه وتفويض أمرهم إليه ناسين لي وأنا ربهم وولي نعمتهم.
وقوله تعالى: { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } أي يا ذرية1 من حملنا مع نوح اشكروني كما شكرني نوح على انجائي إياه في السفينة مع أصحابه فيها، إنه أي نوحاً { كَانَ عَبْداً2 شَكُوراً } فكونوا أنتم مثله فاشكروني بعبادتي ووحدوني ولا تتركوا طَاعَتِي ولا تشركوا بي سِوَايَ.

وقوله تعالى { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } يخبر تعالى بأنه أعلم بني إسرائيل بقضائه فيهم وذلك في كتابهم التوراة أنهم يفسدون في الأرض بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب، ويعلون في الأرض بالجراءة على الله وظلم الناس { عُلُوّاً كَبِيراً } أي عظيماً.
ولا بد أن ما قضاه واقع وقوله تعالى: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } أي وقت المرة الأولى { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ 3شَدِيدٍ } أي قوة وبطش في الحرب شديد، وتم هذا لما أفسدوا وظلموا بانتهاك حدود الشرع والإِعراض عن طاعة الله تعالى حتى قتلوا نبيهم " أرميا " عليه السلام وكان هذا على يد الطاغية جالوت فغزاهم من أرض الجزيرة ففعل بهم مع جيوشه ما أخبر تعالى به في قوله: { فَجَاسُواْ 4خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ } ذاهبين جائين قتلاً وفتكاً وإفساداً نقمة الله على بني إسرائيل لإفسادهم وبغيهم البغي العظيم.

ووقوله تعالى: { وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } أي ما حصل لهم في المرة الأولى 5من الخراب والدمار ومن أسبابه كان بوعد من الله تعالى منجزاً فوفاة لهم، لأنه قضاه وأعلمهم به في كتابهم. وقوله: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } أي بعد سنين طويلة وبنو إسرائيل مضطهدون مشردون نبتت منهم نابتة وطالبت بأن يعين لهم ملكاً يقودهم إلى الجهاد وكان ذلك كما تقدم في سورة البقرة جاهدوا وقتل داود جالوت وهذا معنى { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } وقوله: { وَأَمْدَدْنَاكُ م بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } أي رجالاً في الحروب وكثرت أموالهم وأولادهم وتكونت لهم دولة سادت العالم على عهد داود وسليمان عليهما السلام.
هداية الآيات:

1- بيان إفضال الله تعالى على الأمتين الإِسلامية والإِسرائيلية.

2- بيان سر إنزال الكتب وهو هداية الناس إلى عبادة الله تعالى وتوحيده فيها.

3- وجوب شكر الله تعالى على نعمه إذ كان نوح عليه السلام إذا أكل الأكلة قال الحمد لله، وإذا شرب الشربة قال الحمد لله، وإذا لبس حذاءه قال الحمد لله وإذا قضى حاجة قال الحمد لله فسمى عبداً شكوراً وكذا كان رسول الله والصالحون من أمته إلى اليوم.

4- ما قضاه الله تعالى كائن، وما وعد به ناجز، والإِيمان بذلك واجب.

5- التنديد بالإِفساد والظلم والعلو في الأرض، وبيان سوء عاقبتها.
____________________

1 قرىء ذَرية بفتح الذال، وقرىء ذرية بكسر الذال أيضاً فهي إذا مثلثة واللفظ مشتق من الذرء، الذي هو الخلق، فيقال: ذرأ يذرأ ذرأ: إذا خلق وفي الآية تذكير بني إسرائيل بواجب الشكر أي أشكروا كما شكر نوح، وفيها تعريض لهم بأنهم إذا لم يشكروا يؤخذوا كما أخذ قوم نوح.
2 أثنى تعالى على عبده نوح بكثرة الشكر لأنّ شكور: من صيغ المبالغة معناه كثيرالشكر روي أنه كان إذا أكل قال الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء لأجاعني، د إذا شرب قال: الحمد لله الذي أرواني ولوشاء لأظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني ولو شاء لأعراني.
3 قال: {عباداً لنا} ولم يقل: عبادي لأنهم أهل كفر وشرك وفسق فلم يشرفهم بالإضافة إليه ووصفهم بأنهم من ملكه فسخرّهم لتأديب عباده الذين فسقوا عن أمره وخرجوا عن طاعته.
4 الجوس: وهو مصدر جاس يجوس جوساً معناه: التخلل في البلاد وطرقها ذهاباً وإياباً لتتبع ما فيها، والمراد به تتبع المقاتلة لقتالهم.
5 في هذه الآيات ذكر مجمل لتاريخٍ بني إسرائيل بدءاً من دولة يوشع بن نون بعد فتحه لبلاد القدس، وطرد العمالقة منها، وإقامة دولة فيها لأوّل مرة وختاماً بطردهم على أيدي الرومان وذلك سنة مائة وخمس وثلاثين بعد ميلاد عيسى عليه السلام، وقسمت الآيات هذا التاريخ قسمين معبرة عنه بالمرتين: الأولى بدءاً من دولة يوشع بن نون واستمرت إلى أن عاثوا في الأرض وفسدوا فيها بالفسق والفجور فسلط عليه البابليين فأسقطوا دولتهم، ومزّقوا ملكهم واستمروا مشتتين إلى أن ملّكوا طالوت وقاتلوا معه على عهد نبي الله حزقيل فهزموا جالوت البابلي، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {ثم رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً} إذ تكونت لهم دولة عظيمة على عهد كل من طالوت وداود وسليمان واستمرّت حتي فسقوا وفجروا فاستحقوا العذاب فسلّط الله عليهم بختنصر البابلي أيضاً فأحرق هيكل سليمان، ودمّر أورشليم فتركها خراباً ودماراً، وهذه هي المرة الآخرة ثم أنجز لهم الله تعالى ما وعدهم بقوله: {عسى ربكم أن يرحمكم} فاجتمعوا وصلحوا وعاد لهم ملكهم فترة من الزمن، وعادوا إلى الفسق والعصيان فعاد الله تعالى عليهم فسلّط عليهم الرومان سنة 135 بعد الميلاد فاحتلوا بلادهم وشرّدوهم في الأرض.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1077  
قديم 25-06-2022, 01:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الإسراء - (2)
الحلقة (549)
تفسير سورة الإسراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 176الى صــــ 180)

{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

شرح الكلمات:

إن أحسنتم: أي طاعة الله وطاعة رسوله بالإِخلاص فيها وبأدائها على الوجه المشروع لها.

أحسنتم لأنفسكم: أي أن الأجر والمثوبة والجزاء الحسن يعود عليكم لا على غيركم.

وإن أسأتم: أي في الطاعة فإلى أنفسكم سوء عاقبة الإِساءة.

وعد الآخرة: أي المرة الآخرة المقابلة للأولى وقد تقدمت.

ليسوءوا وجوهكم: اي يقبحوها بالكرب واسوداد الحزن وهم الذل.

وليدخلوا المسجد: أي بيت المقدس.

وليتبروا ما علوا تتبيرا: أي وليدمروا ما غلبوا عليه من ديار بني إسرائيل تدميراً.

وإن عدتم عدنا: أي وإن رجعتم إلى الفساد والمعاصي عدنا بالتسليط عليكم.

حصيراً: أي محبساً وسجناً وفراشاً يجلسون عليها فهي من فوقهم ومن تحتهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن بني إسرائيل فبعد أن أخبرهم تعالى بما حكم به عليهم في كتابهم أنهم يفسدون في الأرض مرتين ويعلون علواً كبيراً.
وأنه إذا جاء مقيات أولى المرتين بعث عليهم عباداً أشداء أقوياء وهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوهم، أنه تعالى رد لهم الكرة عليهم فانتصروا عليهم وقتل داود جالوت وتكونت لهم دولة عظيمة كانت أكثر الدول رجالاً وأوسعها سلطاناً وذلك لرجوعهم إلى الله تعالى بتطبيق كتابه والتزام شرائعه وهناك قال تعالى لهم: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } أي إن أحسنتم باتباع الحق والتزام الطاعة لله ورسوله بفعل المأمورات واجتناب المنهيات والأخذ بسنن الله تعالى في الاصلاح البشري وإن أسأتم بتعطيل الشريعة والانغماس في الملاذ والشهوات فإن نتائج ذلك عائدة على أنفسكم حسب سنة الله تعالى:{ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [النساء: 123].
وقوله تعالى: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } أي وقتها المعين لها، وهي المرة الآخرة بعد الأولى بعث أيضاً عليهم عباداً له وهم بختنصّر وجنوده بعثهم عليهم ليسودوا وجوههم بما يصيبونهم به من الهم والحزن والمهانة والذل { وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ } أي بيت المقدس كما دخلوه أول مرة { وَلِيُتَبِّرُوا ْ } أي يدمروا ما علو أي ما غلبوا عليه من ديارهم { تَتْبِيراً } أي تدميراً كاملاً وتحطيما تاماً وحصل لهم هذا لما قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام وكثيراً من العلماء وبعد أن ظهر فيهم الفسق وفي نسائهم التبرج والفجور واتخاذ الكعب العالي. كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن1 يَرْحَمَكُمْ } فهذا خَيْر عظيم لهم لو طلبوه بصدق لفازوا به ولكنهم أعرضوا عنه وعاشوا على التمرد على الشرع والعصيان لله ورسله. وقوله وإن عدتم عدنا أي وإن عدتم إلى الفسق والفجور عدنا بتسليط من نشاء من عبادنا فانجزهم الله تعالى ما وعدهم فسلط عليهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فاجلى بني قينقاع وبني النضير من المدينة وقتل بني قريضة كما سلط عليهم ملوك أروبا فطاردوهم وساموهم الخسف وأذاقوهم سوء العذاب في قرون طويلة وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً 2} أي إن كان عذاب الدنيا بالتسلط على الظالمين وسلبهم حريتهم وإذاقتهم عذاب القتل والأسر والتشريد فإن عذاب الآخرة هو الحبس والسجن في جهنم تكون حصيراً للكافرين لا يخرجون منها للكافرين أي الذين يكفرون شرائع الله ونعمه عليهم بتعطيل الأحكام وتضييع الفرائض وإهمال السنن والانغماس في الملاذ والشهوات.
هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- صدق وعد الله تعالى.

2- تقرير نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إذ مثل هذه الأنباء لا يقصها إلا نبي يوحى إليه.

3- تقرير قاعدة{ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [فصلت: 46، الجاثية: 15].

4- وجوب الرجاء في الله وهو انتظار الفرج والخير منه وإن طال الزمن.

5- قد يجمع الله تعالى للكافرين بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وكذا الفاسقون من المؤمنين.
____________________

1 تقدم أن الله تعالى أنجز لهم وعده في قوله {عسى ربكم أن يرحمكم} وأنه رحمهم فصلحوا واستقاموا، وأعادوا بناء دولتهم وسعدوا فيها زمناً ثم عادوا إلى الفسق والفجور فعاد تعالى عليهم فسلط الرومان فتقلوهم وشردوهم وذلك سنة 135 بعد الميلاد، ومن يومئذ انتهى ملك اليهود، واستمرت أورشليم تحت يد الرومان إلى الفتح الإسلامي حيث فتحت على يد عمر رضي الله عنه سنة 16 صالحاً مع أهلها وهي تسمى يومئذ (إلياء) .
2 الحصير المكان الذي يحصر فيه فلا يستطاع الخروج منه ففعيل (حصير) إمَّا أن يكون بمعنى فاعل أي: حاصر أو بمعنى مفعول أي: محصور فيه، وفسّر في التفسير بالسجن وهو كذلك إذ السجن يحصر مَنْ فيه فلا يقدر على الخروج منه.

***********************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1078  
قديم 25-06-2022, 01:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{
إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } (9) { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } (10) { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } (11) { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }(12)
شرح الكلمات:

للتي هي أقوم: أي للطريقة التي هي أعدل وأصوب.

أن لهم أجراً كبيراً: إنه الجنة دار السلام.

أعتدنا لهم عذاباً أليماً: إنه عذاب النار يوم القيامة.

ويدع الإِنسان بالشر: أي على نفسه وأهله إذا هو ضجر وغضب.

وكان الإِنسان عجولا: أي سريع التأثر بما يخطر على باله فلا يتروى ولا يتأمل.

آيتين: أي علامتين دالتين على وجود الله وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته.

فمحونا آية الليل: أي طمسنا نورها بالظلام الذي يعقب غياب الشمس.

مبصرة: أي يبصر الإنسان بها أي بسبب ضوء النهار فيها.

عدد السنين والحساب: أي عدد السنين وانقضائها وابتداء دخولها وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها كالأيام والأسابيع والشهور.

معنى الآيات:

يخبر تعالى أن هذا القرآن الكريم1 الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي أسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يهدي بما فيه من الدلائل والحجج والشرائع والمواعظ للطريقة والسبيل التي هي أقوم 2أي أعدل واقصد من سائر الطرق والسبيل إنها الدين القيم الإسلام سبيل السعادة والكمال في الدارين، { وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ } أي ويبشر القرآن الذين آمنوا بالله ورسوله ولقاء الله ووعده ووعيده وعملوا الصالحات وهي الفرائض والنوافل بعد تركهم الكبائر والمعاصي بأن لهم أجراً كبيراً ألا وهو الجنة، كما يخبر الذين لا يؤمنون بالآخرة أن الله تعالى أعد أي هيأ لهم عذاباً أليماً في جهنم.

وقوله تعالى { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ 3} يخبر تعالى عن الإِنسان في ضعفه وقلة إدراكه لعواقب الأمور من أنه إذا ضجر أو غضب يدعو على نفسه وأهله بالشر غير مفكر في عاقبة دعائه لو استجاب الله تعالى له.
يدعو بالشر دعاءه بالخير أي كدعائه بالخير، وقوله: { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً4 } أي كثير العجلة يستعجل في الأمور كلها هذا طبعه ما لم يتأدب بآداب القرآن ويتخلق بأخلاقه فإن هو استقام على منهج القرآن تبدل طبعه وأصبح ذا توأدة وحلم وصبر وأناة. وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ } أي علامتين على وجودنا وقدرتنا وعلمنا وحكمتنا، وقوله { فَمَحَوْنَآ 5آيَةَ ٱلَّيلِ } أي بطمس نورها، وجعلنا آية النهار مبصرة أي مضيئة وبين علة ذلك بقوله: { لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } أي لتطلبوا رزقكم بالسعي والكسب في النهار، هذا من جهة ومن جهة أخرى { وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } أي عدد السنين وانقضائها وابتداء دخولها وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها كالأيام والأسابيع والشهور.
لتوقف مصالحكم الدينية6 والدنيوية على ذلك. وقوله تعالى: { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } أي وكل شيء يحتاج إليه في كمال الإِنسان وسعادته بيناه تبييناً أي في هذا الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان فضل القرآن الكريم، بهدايته إلى الإِسلام الذي هو سبيل السعادة للإِنسان.

2- الوعد والوعيد بشارة المؤمنين العاملين للصالحات، ونذارة الكافرين باليوم الآخر.

3- بيان طبع الإِنسان قبل تهذيبه بالآداب القرآنية والأخلاق النبوية.

4- كون الليل والنهار آيتين تدلان على الله تعالى وتقرران علمه وقدرته وتدبيره.

5- مشروعية علم الحساب وتعلمه.
__________________

1 قوله: {هذا القرآن} الإشارة بهذا إلى القرآن الحاضر بين أيدي الناس المحفوظ في الصدور المكتوب في السطور، وفي الإشارة إليه تنويه بشأنه وعلو مقامه بين الكتب الإلهية.
2 {أقوم} اسم تفضيل من القويم، وأقوم: صفة لمحذوف وهو الطريق أي: الطريق التي هي أقوم من هدي كتاب بني إسرائيل إذ قال فيه: {وجعلناه هدى لبني إسرائيل} فالقرآن أكثر هداية إلى السبيل الأقوم من التوراة.
3 قال ابن عباس وغيره: هو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما يحب ألا يستجاب له: اللهم أهلكهم ونحوه.
وحذفت الواو من {يدعُ} كما حذفت من {سندع الزبانية} و {يمح الله الباطل} : لأنه لا ينطق بها لأصلها الساكن.
4 روي أن آدم عليه السلام لما نفخ الله تعالى فيه الروح فانتهت الروح إلى سرّته نظر إلى جسده فذهب لينهض فلم يقدر فذلك قوله تعالى: {وكان الإنسان عجولا} قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومن مظاهر عجلة الإنسان انه يؤثر العاجل وإن قل على الآجل وإن كثر.
5 قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتادة رحمه الله: المراد بالمحو: اللطخة السوداء في القمر ليكون ضوء القمر أقلّ من ضوء الشمس فيتميّز الليل من النهار وما في التفسير أولى أي: جعل الله الليل مظلماً، والنهار مضيئاً لما يترتب على ذلك من مصالح العباد.
6 كمعرفة أوقات الصلاة، وشهر الصيام، والحج، وما إلى ذلك من آجال الديون ونحوها كالعِدد للنساء.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1079  
قديم 25-06-2022, 01:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الإسراء - (3)
الحلقة (550)
تفسير سورة الإسراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 180الى صــــ 186)



{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } (13) { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } (14) { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } (15) { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } (16) { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }(17)


شرح الكلمات:

طائره: أي عمله وما قدر له من سعادة وشقاء.

في عنقه: أي ملازم له لا يفارقه حتى يفرغ منه.

عليك حسيبا: أي كفى نفسك حاسباً عليك.

ولا تزر وازرة وزر أخرى: أي لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى.

مترفيها: منعميها من أغنياء ورؤساء.

فحق عليها القول: أي بالعذاب.

وكم أهلكنا: أي أهلكنا كثيراً.

من القرون: أي من أهل القرون السابقة.

خبيراً بصيراً: أي عليماً بصيراً بذنوب العباد.

معنى الآيات:

يخبر تعالى أنه عز وجل لعظيم قدرته، وسعة علمه، وحكمته في تدبيره ألزم كل إنسان ما قضى به له من عمل وما يترتب على العمل من سعادة أو شقاء في الدارين، الزمه ذلك بحيث لا يخالفه ولا يتأخر عنه بحال حتى كأنه مربوط بعنقه. هذا معنى قوله تعالى: { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ1 فِي عُنُقِهِ }. وقوله تعالى: { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ 2مَنْشُوراً } أي وفي يوم القيامة يخرج الله تعالى لكل إنسان كتاب عمله فيلقاه منشوراً أي مفتوحاً أمامه.
ويقال له: إقرأ كتابك الذي أحصى لك عملك كله فلم يغادر منه صغيرة ولا كبيرة. وقوله: { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } أي يكفيك نفسك حاسباً لأعمالك محصياً لها عليك أيها الإنسان. وقوله تعالى: { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ } ، أي بعد هذا الإعلام والبيان ينبغي أن يعلم أن من اهتدى اليوم فآمن بالله ورسوله، ولقاء الله، ووعده ووعيده وعمل صالحاً وتخلّى عن الشرك والمعاصي فإنما عائد ذلك له، هو الذي ينجو من العذاب، ويسعد في دار السعادة، وإن من ضل طريق الهدى فكذب ولم يؤمن، وأشرك ولم يوحِّد، وعصى ولم يطع فإن ذلك الضلال عائد عليه، هو الذي يشقى به ويعذب في جهنم دار العذاب والشقاء. وقوله { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ3 أُخْرَىٰ } الوزر الإثم والذنب والوازرة الحاملة له لتؤخذ به ومعنى الكلام ولا تحمل يوم القيامة نفس آثمة إثم نفس أخرى، بل كل نفس تتحمل مسئوليتها بنفسها4، والكلام تقرير لقوله: { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا }. وقوله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً 5} أي لم يكن من شأن الله تعالى وهو العدل الرحيم أن يهلك أمة بعذاب إبادة واستئصال قبل أن يبعث فيها رسولاً يعرفها بربها وبمحابه ومساخطه، ويأمرها بفعل المحارب وترك المساخط التي هي الشرك والمعاصي. وقوله تعالى: { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً } أي أهل قرية { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } أي أمرنا منعميها من أغنياء ورؤساء وأشراف من أهل الحل والعقد أمرناهم بطاعتنا بإقامة الشرع وأداء الفرائض والسنن واجتناب كبائر الإثم والفواحش فلم يستجيبوا للأمر ولا للنهي وهو معنى { فَفَسَقُواْ6 فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } أي وجب عليها العذاب { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } أي أهلكناها إهلاكاً كاملاً، وهذا الكلام بيان لقوله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } إذ الرسول يأمر وينهى بإذن الله تعالى فإن لم يُطَعْ استوجب الناس العذاب فعذبوا.

وقوله تعالى: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } هو تقرير لهذا الحكم أيضاً إذ علمنا تعالى أن ما أخبر به كان واقعاً بالفعل فكثيراً من الأمم أهلكها من بعد هلاك قوم نوح كعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وآل فرعون.. وقوله: { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }: فإن القول وإن تضمَّن علم الله تعالى بذنوب عباده فإن معناه الوعيد الشديد والتهديد الأكيد، فإنه تعالى لا يرضى باستمرار الجرائم والآثام إنه يمهل لعل القوم يستفيقون، لعل الفساق يكفون، ثم إذا استمروا بعد الإعلام إليهم والتنديد بذنوبهم والتخويف بظلمهم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. ألا فليحذر ذلك المصرون على الشرك والمعاصي!!

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير عقيدة القضاء والقدر.

2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

3- تقرير العدالة1 الإِلهية يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً.

4- بيان سنة الله تعالى في إهلاك الأمم غير أنها لا تهلك إلا بعد الإِنذار والإِعذار إليها.

5- التحذير من كثرة التنعم والترف فإنه يؤدي إلى الفسق بترك الطاعة ثم يؤدي الفسق إلى الهلاك والدمار.

______________
1 قال الزجّاج ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة للعنق، وقال ابن عباس طائره: عمله وما قدّر عليه من خير وشر وهو ملازمه أينما كان.
2 قالوا في علة: نشره أنه تعجيل للبشرى بالحسنات والتوبيخ بالسيئات.
3 قيل في هذه الآية {ولا تزر وازرة ... } نزلت في الوليد بن المغيرة إذ قال لأهل مكة اتبعوني واكفروا بمحمد وعليَّ أوزاركم. وإن لم تنزل فيه فهي شاملة لكل من يقول بقوله تضليلاً وباطلاً.
4 استدلت عائشة رضي الله عنها بهذه الآية على بطلان حديث ابن عمر إذ قال: إنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله، وردّ اعتراضها بأنّ الميت إذا أوصى بالبكاء كان ذلك من وزره لا من وزر غيره، وقد كانوا يوصون بذلك، قال طرفة بن العبد:
إذا مت فأتبعيني بما أنا أهله
وشُقّي عَلَيَّ الجيب يا بنت معبد
ومن الجائز أن يعذّب وإن لم يوص، إذا هو أهمل تأديب أهله.
5 أول المعتزلة الرسول (رسولا) بالعقل، وقالوا: العقل يحسن ويقبح ويبيح ويحظر، وهو تأويل باطل لا يتفق مع اللغة ولا مع الشرع.
6 شاهده حديث زينب في الصحيح: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث".
7 تجلّت عدالة الله تبارك وتعالى في أنه عز وجل لا يعذِّب أمة من الأمم عذاب إبادة واستئصال إلا بعد أن يبعث إليها رسوله ينذرها ويبشرها، فإذا أصرّت على الكفر والتكذيب عذّبها. ومنا يرد موضوع أهل الفترة بين الرسل فهل يعذبون ولم تبلغهم دعوة الله أولا يعذبون فيكون حالهم أحسن ممن جاءتهم الرسل؟ والجواب على هذا الإشكال هو: فيما ورد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصح: " أن أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصمّ لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة فأمّا الأصم فيقول يا رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأمّا الأحمق فيقول ربّ قد جاء الصبيان يقذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: ربّ قد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأمّا الذي مات في الفترة فيقول: ربّ ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن: ادخلوا النار فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً.
ومن لم يدخلها يسحب إليها" فظاهر الحديث أن من كان من أهل الجنة يطيع يوم القيامة ويدخل النار ثم لا يعذّب بها ويدخل الجنة، ومن كان من أهل النار يعصى يوم القيامة ويدخل النار يخلد فيها، والطاعة والعصيان في هذا الامتحان دالان على حال أهلهما في الدنيا لو توفرت لهم شروط التكليف التي هي: البلوغ، والعقل، والسمع، والبصر، وبلوغ الدعوة. فأولاد المشركين يدخلون ضمن هؤلاء الأربعة أيضاً.

***************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1080  
قديم 25-06-2022, 01:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } (18) { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } (19) { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } (20) { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } (21) { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }(22)


شرح الكلمات:

العاجلة: أي الدنيا لسرعة انقضائها.

يصلاها مذموماً مدحورا: أي يدخلها ملوماً مبعداً من الجنة.

وسعى لها سعيها: أي عمل لها العمل المطلوب لدخولها وهو الإِيمان والعمل الصالح.

كان سعيهم مشكوراً: أي عملهم مقبولاً مثاباً عليه من قبل الله تعالى.

كلا نمد هؤلاء وهؤلاء: أي كل فريق من الفريقين نعطي.

وما كان عطاء ربك محظورا: أي لم يكن عطاء الله في الدنيا محظوراً أي ممنوعاً عن أحد.

كيف فضلنا بعضهم على بعض: أي في الرزق والجاه.

لا تجعل مع الله إلهاً آخر: أي لا تعبد مع الله تعالى غيره من سائر المعبودات الباطلة.

فتقعد ملوماً مخذولاً: أي فتصير مذموماً من الملائكة والمؤمنين مخذولاً من الله تعالى.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في أخبار الله تعالى الصادقة والمتضمنة لأنواع من الهدايات الإلهية التي لا يحرمها إلا هالك، فقال تعالى في الآية الكريمة [18] { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ } أي الدنيا { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ } ، لا ما يشاؤه العبد، وقوله { لِمَن نُّرِيدُ } لا من يريد غيرنا فالأمر كله لنا، { ثُمَّ } بعد ذلك { جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً } أي ملوماً { مَّدْحُوراً1 } أي مطروداً من رحمتنا التي هي الجنة دار الأبرار أي المطيعين الصادقين.
وقوله تعالى في الآية الثانية [19] { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ } يخبر تعالى أن من أراد الآخرة أي سعادة الآخرة { وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } أي عمل لها عملها اللائق بها وهو الإِيمان الصحيح والعمل الصالح الموافق لما شرع الله في كتابه وعلى لسان رسوله، واجتنب الشرك والمعاصي وقوله { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } قيد في صحة العمل الصالح أي لا يقبل من العبد صلاة ولا جهاد إلا بعد إيمانه بالله وبرسوله وبكل ما جاء به رسوله وأخبر به من الغيب.

وقوله { فَأُولَئِكَ } أي المذكورون بالإِيمان والعمل الصالح { كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً 2} أي كان عملهم متقبلاً يثابون عليه بالجنة ورضوان الله تعالى.
وقوله تعالى: { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً 3} أي أن كلا من مريدي الدنيا ومريدي الآخرة يمد الله هؤلاء وهؤلاء من عطائه أي فضله الواسع فالكل يأكل ويشرب ويكتسي بحسب ما قدر له من الضيق والوسع ثم يموت وثَمَّ يقع التفاضل بحسب السعي الفاسد أو الصالح وقوله { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } يعني أن من أراد الله إعطاءه شيئاً لا يمكن لأحد أن يصرفه منه ويحرمه منه بحال من الأحوال وقوله تعالى: { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي انظر يا رسولنا ومن يفهم خطابنا كيف فضلنا بعض الناس على بعض في الرزق الذي شمل الصحة والعافية والمال والذرية والجاه، فإذا عرفت هذا فاعرف أن الآخرة أكبر درجات4 وأكبر تفضيلا وذلك عائد إلى فضل الله أولاً ثم إلى الكسب صلاحاً وفساداً وكثرة وقِلَّةً كما هي الحال أيضاً في الدنيا فبقدر كسب الإِنسان الصالح للدنيا يحصل عليها ولو كان كافراً لقوله تعالى من سورة هود5 { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } [هود: 15] أي لا ينقصون ثمرات عملهم لكونهم كفاراً مشركين.

وقوله تعالى: { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ 6إِلَـٰهاً آخَرَ } أي لا تجعل يا رسولنا مع الله إلهاً آخر تؤمن به وتعبده وتقرر إلهيته دوننا فإنك ان فعلت - وحاشاه أن يفعل لأن الله لا يريد له ذلك { فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } أي ملوماً يلومك المؤمنون والملائكة مخذولاً من قبل ربك لا ناصر لك والسياق وإن كان في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن المراد به كل إنسان فالله تعالى ينهى عبده أن يعبد معه غيره فيترتب على ذلك شقاؤة والعياذ بالله تعالى.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- كلا الدارين السعادة فيها أو الشقاء متوقف على الكسب والعمل هذه سنة الله تعالى في العباد.

2- سعي الدنيا التجارة والفلاحة والصناعة.

3- سعي الآخرة الإِيمان وصالح الأعمال والتخلية عن الشرك والمعاصي.

4- يعطي الله تعالى الدنيا من يحب ومن لا يحب وعطاؤه قائم على سنن له في الحياة يجب معرفتها والعمل بمقتضاها لمن أراد الدنيا والآخرة.

5- ما أعطاه الله لا يمنعه أحد فوجب التوكل على الله والإِعراض عما سواه.

6- تحريم الشرك والوعيد عليه بالخلود في نار جهنم.
__________________

1 قال القرطبي: {مذموماً مدحوراً} أي: مطروداً مبعداً من رحمة الله، وهذه صفة المنافقين الفاسقين والمرائين والمدّاحين يلبسون الإسلام والطاعة لينالوا عاجل الدنيا من الغنائم وغيرها، فلا يقبل ذلك العمل منهم في الآخرة ولا يعطون في الدنيا إلاّ ما قُسم لهم.
2 وجائز أن يكون مضاعفاً أي تضاعف لهم الحسنات إلى عشر إلى سبعين إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، فقد قيل لأبي هريرة، أسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألف ألف حسنة؟ قال: سمعته يقول: "إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة".
3 لفظ الحظر لغة: المنع، محظوراً أي ممنوعاً يقال: حظره كذا يحظره حظراً وحظاراً: إذا حبسه عنه ومنعه منه.
4 ورد أن أهل الجنة يتفاوتون في درجاتهم إذ الجنة مائة درجة، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض، وفي الصحيح: "أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء".
5 آية 15.
6 الخطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمراد به أمّته.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 221.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 215.20 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]