مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" - الصفحة 10 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أنواع الذهان: ماذا تعرف عنها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الوقاية من بلع اللسان: 5 نصائح ضرورية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          7 مشروبات لعلاج الإمساك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ما هي أسباب الإسهال المستمر بعد الأكل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          بخاخ النيكوتين: ما عليك معرفته للإقلاع عن التدخين! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أفضل وأسوأ الأطعمة للمرضعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          هل تظهر عليك علامات سوء التغذية؟ اكتشف الأعراض بسرعة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أعراض تليف الكبد: لا تتجاهل هذه العلامات! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          أخطر أنواع السرطان حول العالم، ولماذا يصعب علاجها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 95 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-03-2024, 10:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (90)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى : (وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ)[البقرة:109]
السؤال الأول:
قال هنا في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ) [البقرة:109] وقال في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ) [البقرة:56] بينما لم يذكر (من) في آية آل عمران (بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ) [آل عمران:100] فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
بشكل عام (مِن) للابتداء . تقول مثلاً : سافرت من مكة إلى المدينة , أي ابتداء السفر من مكة . وعندما تذكر ( من ) تكون للفترة أو للمسافة القصيرة لأنها ذكرت الابتداء , وبدون
( من ) يمكن أن تكون للفترة أو للمسافة القصيرة أو الطويلة . انظر إلى قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا ﴾ [فصلت:10] فذكرهنا ( من ) ليدل على أنّ الرواسي ملتصقة بالأرض ليس بينها وبينها فراغ , بينما قال تعالى : (أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ ﴾ [الملك:19] لم يذكرهنا ( من ) لأنّ بينهم وبين السماء مسافة طويلة .
1ـ في آيتي البقرة : (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦﴾[البقرة:55ـ56 ] معناها أنّ الله لم يتركهم مدة طويلة ميتين .
2ـ وفي آية البقرة : ﴿ وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ١٠٩﴾ [البقرة: 109] ذكر الله أنّ كثيراً من الكفار يتمنون لو أنهم ردوا المسلمين من بعد الإيمان كافرين أي بلا مهلة (حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) فهم يتمنون الإسراع في تكفيرهم، وأنْ ينقلوهم فوراً من حالة الإيمان إلى حالة الكفر.
بينما في آية آل عمران (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ) [آل عمران:100] ففيها تحذير للمسلمين من إطاعة الكافرين؛ لأنهم ينفثون فيهم أوهامهم وضلالهم شيئاً فشيئاً حتى يردوهم مع مرور الزمن كافرين, وليس معناه أنهم ينقلونهم فوراً من الإيمان إلى الكفر.
لذلك الأولى مقام تمنٍّ، والثانية مقام تحذير.
والله أعلم.
السؤال الثاني:
لم قال تعالى: (مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة:109] ولم يقل منهم؟
الجواب:
في قوله تعالى: (مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة:109] تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم.
السؤال الثالث:
ما أهم الوقفات والدروس في الآية ؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى : ﴿ وَدَّ كَثِيرٞ) هو تعليل لمعنى الكلام في الآية السابقة رقم 108 وهو : ألا تتبدلوا الكفر بالإيمان , بعد تعليله بالضلال . وكما قال تعالى أيضاً : (مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ) [البقرة:105].
2ـ قوله تعالى : ﴿ لَوۡ يَرُدُّونَكُم) أي : بأجمعكم , وليس قسماً منكم .
3ـ قوله تعالى : ﴿ مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ) جاء بـ ( من ) للتعبير أنّ تمنيهم يريدونه أن يتحقق في زمن يسير .
4ـ قوله تعالى : ﴿ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) ( حسداً ) مفعول لأجله , وسببه ما آتاكم الله من الخير الهادي إلى الجنة , والحسد قلق النفس من رؤية النعمة على الغير , وقوله تعالى : ﴿ مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم ) هو تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم.
5ـ قوله تعالى : ﴿ مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ ) أي من صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , وأنه خاتم النبيين المرسل إلى الناس جميعاً بشهادة ما طابقه من التوراة .
6 ـ قوله تعالى : ﴿ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ) الفاء في ( فاعفوا ) فاء الفصيحة .
وهنا في الآية بيّن الله للمؤمنين طريقة التعامل مع أهل الكتاب بأن لا يقابلوا الحقد بالحقد ولا السيئة بالسيئة , حتى يأتي الله بأمره , عندما أُمِرَ المسلمون بالقتال بعد أن اشتدت قوتهم وأجلي اليهود عن المدينة , ونُصروا عليهم , والله قدير لا يعجزه شيء .
وللعلم فإنّ ( العفو ) هو ترك العقوبة على الذنب , و( الصفح ) هو الإعراض عنه وعدم مواجهته باللوم ونحوه , لذا فالصفح أبلغ من العفو , ويكون معنى الآية : أيها المؤمنون اتركوا معاقبتهم وأعرضوا عنهم حتى يأذن الله لكم في الانتصار منهم بعد أن تتهيأ أسباب النصر .
والله أعلم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-04-2024, 05:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (92)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى : (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 111]
السؤال الأول:
في الآية طلب كشف مدى صدق دعواهم وهو نوع من طلب التحقيق، فما دلالة ذلك ؟ وما فرق التحقيق عن التبيين ؟
الجواب:
التحقيق هو كشف مدى صدق الدعوى، وهو يختلف عن التبيين الذي هو لمعرفة صدق الخبر، والفرق بين التبيين والتحقيق أنك في الأول تجعل صاحب الخبر يبيّن , أمّا في الآخر فإنك تجعل صاحب الدعوى يأتي بالبرهان على صحة دعواه كما في هذه الآية.
السؤال الثاني:
ما كلمات منظومة التحري والتحقيق في القرآن الكريم؟
الجواب:
كلمات منظومة التحري والإحاطة والتحقق هي:
التحري:
التحري هو أن تتناول الأمر من جانبه سراً بدون أنْ يشعر بك أحد للوصول إلى اليقين.
وهناك طريقتان للتحرّي، وهما:
أ- طريق التجارب تجربة بعد تجربة. قال تعالى:
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14]، فهم لم يعرفوا من مرة واحدة ولكنهم مروا بتجارب عديدة حتى وصلوا إلى الرشد.
وقال أيضاً: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51].
حيث تحرّى إبراهيم عليه السلام الكوكب والقمر والشمس فأدى به التحري إلى الرشد، وهو أرقى أنواع التفكير العقلي.
ب- استعمال الشك للوصول إلى اليقين، كما في قوله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260].
فالتحري يوصل إلى اليقين والذي يؤمن بالدين يتم بعد يقينه بهذا الدين وبأنه هو الدين الصحيح.
الاستخبار:
هو أنْ تكشف خطط العدو وتعرف تصرفاته من بعيد كما فعل الهدهد مع ملكة سبأ {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22] وقوله تعالى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 94]، والخبر يكون من قريب، أمّا الاستخبار والنبأ فيكون من بعيد.
التبيّن:
هو المراقبة من بعيد أو التغلغل في صفوف الآخرين لمعرفة صدق الخبر؛ لأنه لا بدّ من التيقن من صحة الخبر أو كذبه، كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، بمعنى اطلب البيان وهو التفصيل الكامل عمن الذي نقل الخبر.
التحقيق:
هو كشف مدى صدق الدعوى، وهو يختلف عن التبين الذي يكون هو كما أسلفنا لكشف صدق الخبر، والفرق بين التبيين والتحقيق أنك في الأول تجعل صاحب الخبر يبين، وأمّا في الآخر فأنت تجعل صاحب الدعوى يأتي ببرهان على صحة دعوته، قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، فقد طلب تعالى منهم أنْ يأتوه بالبرهان على صدق دعواهم تلك، وعلى صاحب الخبر أنْ يبين عمّا قال بالتفصيل، وعلى صاحب الدعوى أنْ يبرهن عن دعواه بالدليل.
التحسس:
هو معرفة مكان شيء أو شخص غائب أو مفقود، ولابدّ من الانطلاق بالحركة للسؤال عن هذا الغائب أو المفقود في محاولة لإيجاده، ولابدّ من استعمال كافة الحواس حتى تجعل المفقود أو الغائب مشاهداً، كما في قوله تعالى في سورة يوسف {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] .
والفرق بين التحسس والتجسس، أنّ التحسس يكون للصديق أو لمصلحتك، أمّا التجسس فهو محاولة اكتشاف غيب العدو وحركاته وخططه، ويكون ذلك عن طريق استراق السمع ونشر العيون، وهذا يكون لمصلحة الآخرين، وهو نوعان:
- إيجابي مع العدو: كما فعل الهدهد في قصة سبأ، لأنه قد يدفع شر العدو ويفشل خططه، أو قد يعين على مهاجمته.
ـ سلبي مذموم على المسلمين: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12] ونهى عنه الرسول ﷺ بقوله: «لا تحسسوا ولا تجسسوا» وهذا من خائنة الأعين، وقد تجسس عمربن الخطاب رضي الله عنه مرة على شاربي خمر فحاججوه فاعتذر منهم.
القصّ والقصص:
هذه كانت موهبة وأصبحت الآن علماً قائماً بذاته، وقد كان السابقون يقصون آثار الناس ويتعرفون على آثار شخص ما من بين آلاف الآثار، وكان هذا العلم يسمى (قصّ الأثر).
أمّا الآن فلدينا بصمة الأصابع، وبصمة الصوت، والشفرة الوراثية، وبصمة الشعر والعين وغيرها، وهذه كلها تطوير لعلم القصّ حتى إنّ الكلاب الآن تستخدم لتقصي الأثر. قال تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} القصص 11 وقال:{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64]، أي اتبعوا آثارهم حتى وصلوا إلى المكان المراد.
التوسم:
التوسم من الفراسة وهو من اللامعقول كالقص سابقاً، فالله يعطي من يشاء من عباده بصيرة عظيمة، وهو ناجم في الغالب عن طاعة، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [ الحجر: 75].
وكما في قصة الخضر حيث كشف الله تعالى له أنّ الغلام سيكون شقياً، وكذلك في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما نادى من فوق المنبر: (يا سارية الجبلَ الجبلَ)، ومن ضمنها أيضا الرؤيا الصالحة، وكمافي الحديث «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».
التنقيب:
هو البحث عن الشيء الثمين في موقع معين، قال تعالى : {وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} [ق: 36].
هذه جملة الأساليب التي يكتشف بها الإنسان بعض الغيب فيصبح مشاهداً، وهي أساس حركة الكون كله من البحث عن المعادن والخصب والمرض والمجرمين وكل الاكتشافات.
السؤال الثالث:
ما أهم الدلالات في هذه الآية؟
الجواب:
1ـ هذه الآية تبين زعم اليهود بأنّ الجنة خُلقت لهم وحدهم, والردُّ على ذلك .
2ـ الهود : جمع هائد , كعائذ وعُوذ , فإنْ قيل : كيف قيل : كان هوداً ؟ على توحيد الاسم وجمع الخبر ؟ والجواب : حمل الاسم على لفظ ( من ) والخبر على معناه .
3ـ إنْ قيل : قوله تعالى على لسان اليهود {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ} أمنية واحدة , وقوله تعالى :
{تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} جمع فما تفسير ذلك ؟ والجواب : أُشير إلى الأماني السابقة :أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خيرٌ من ربهم ـ أمنيتهم أن يردونهم كفاراً ـ أمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم . والمعنى : تلك الأماني الباطلة أمانيهم .
وقيل : إنّ شدة تمنيهم لهذه الأمنية بأن لا يدخل الجنّة غيرُهم وتأصلها في نفوسهم فجُمعت وتوزعت في قلوبهم فلم تترك فراغاً لغيرها .
4ـ قوله تعالى: {هَاتُوا} (هات) بمعنى أحضر . ودلتْ الآية على أنّ المدعي سواء ادعى نفياً أو إثباتاً , فلا بدّ له من الدليل والبرهان , وإلا تكون دعواه باطلة . قال الشاعر :
من ادعى شيئاً بلا شاهد =لا بدّ أن تبطل دعواه
5ـ قوله تعالى : {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} شرط وفعله , والجواب محذوف , والتقدير : فهاتوا برهانكم .
6ـ قرأ أبو جعفر ﮋ أَمَانِيُّهُمْ ﮊ بياء مدّية بعد النون ثم هاء مكسورة , وقرأ باقي القرّاء كقراءة حفص بياء مشددة بعدها هاء مضمومة .
والله أعلم .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-04-2024, 05:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (93)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى :(بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ١١٢) [البقرة: 112]

السؤال الأول:
قال تعالى في هذه الآية: (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] وورد الفعل (أَسۡلَمَ) فيها بالماضي , وفي آية لقمان ورد الفعل بالمضارع (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] فما الفرق بينهما؟
الجواب:
أولاً ـ استعراض الآيات :
آية البقرة (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:112] .
آية لقمان (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22].
ثانياً ـ اختلاف الصيغ بين الآيتين :
نوجز ذلك بالجدول التالي :



سياق الآيتين يوضح الاستعمال من الناحية اللغوية :
1ـ أسلم، أي: انقاد واستسلم وخضع واتبع وفوّض.
آ ـ معنى (أسلم إلى الله) أي:انقاد له وفوض أمره إليه وسلم نفسه إليه كما يُسلَّم المتاعُ إلى الرجل إذا دُفع إليه، والمراد التوكل عليه والتفويض إليه، و(إلى) هنا هي للغاية.
ب ـ ومعنى: (أسلم وجهه لله) أي: جعل نفسه لله خالصاً، أي: لله فقط ، والاختصاص والوجه بمعنى النفس والذات، فاللام للملك والاختصاص، أمّا (إلى) فهي للغاية؛ لذلك (أسلم له) أعلى من (أسلم إليه).
وقد وردت في عموم القرآن الكريم متصرفات الفعل (أسلم) متعدية باللام، ولم يرد ذلك الفعل متعدياً بإلى إلا في آية لقمان( 22).
2ـ أنه إذا وقع فعل الشرط مضارعاً بعد أداة الشرط فهذا يفيد التكرار غالباً، وإذا وقع بالماضي يفيد وقوع الحدث مرة في الغالب .
المعنى العام للتعبير:
استعمال (إلى) تدل على أنّ الله هو الغاية، والغاية لا بُدّ لها من طريق للهداية يوصّل إليها.
أمّا اللام، فتعني الوصول لله مباشرة دون قطع طريق، وهذا الوصول لا يكون إلا بدرجة عالية من الإخلاص لله.
فمعنى آية لقمان: أنك على الطريق الموصل إلى الله تعالى، وأنك تؤدي ما افترضه عليك.
ومن إسلام الوجه لله قول ملكة سبأ : (وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [النمل:44] فالكلام هنا على لسان ملكة، فلم تقل: أسلمت لسليمان، لكنْ قالت: (وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [النمل:44].
وإسلام الوجه لله أو إخلاص العمل لله عملية دقيقة تحتاج من العبد إلى كثيرٍ من المجاهدة لأنّ النفس لا تخلو من هفوة.
ما سبب اختيار الفعل (أسلم) ؟
1ـ ذكرنا أنّ أهم معاني (أسلم )هو الاتباع والتفويض.
آـ معنى الاتباع :
في آية لقمان [21] قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ) [لقمان:21] فذكر فيها الاتباع للآباء بمعنى أنهم أسلموا قيادة أمرهم إلى الشيطان، فناسب هنا ذكر اتباع الله فقال: (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] .
ب ـ معنى التفويض :
ذكر في آية لقمان [22] أنّ المرء يفوض أمره إلى الله وخاصة في حالة الشدائد، فقال تعالى: (فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ ) [لقمان:22] فكأنها تعصم من الشدائد؛ لأنّ حبل الله متين مأمون انقطاعه؛ ولأنّ النتيجة هي بيد الله وإلى الله عاقبة الأمور .
لذلك ناسب اختيار (يُسلم)
مقارنة بين آية البقرة (112 ) وآية لقمان (22) :
1ـ جاءت لفظة (أَسۡلَمَ) بالماضي في سورة البقرة، وجاءت بصيغة المضارع في آية لقمان ؛ وذلك بسبب :
آ ـ في البقرة جاءت رداً على اليهود والنصارى، كما جاء في قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ تِلۡكَ أَمَانِيُّهُمۡۗ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ) [البقرة:111] فجاء الرد (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] أي: دخل في الإسلام، وهذا يحدث مرة واحدة في العمر، والباقي أعمال فجاءت في صيغة الماضي.
ب ـ أمّا في آية لقمان فجاء بصيغة المضارع؛ لأنّ معاني الاتباع متعددة والتفويض يتكرر في كل أمر عند الشدائد فناسب فعل المضارع.
2ـ يقدّم القرآن الجار والمجرور على الفعل (أسلم) في مقام التوحيد ونفي الشرك، فيقول: (فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ) [الحج:34] وفي غيره لا يقدم.
شواهد قرآنية :
آـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ) [الحج:34] فقدّم الجار والمجرور (فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ) لأنه تقدمها (فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ) .
ب (وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [الزُّمَر:54] لم يقدّم الجار والمجرور؛ لأنها ليست في مقام التوحيد.
ج ـ آية لقمان [ 22] لم يقدم الجار والمجرور؛ لأنها ليست في مقام التوحيد.
د ـ وتقديم الجار والمجرور يفيد الحصر كما في قوله تعالى : (ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ) [المُلك:29].
وكذلك في آية الملك قدّم الجار والمجرور على الفعل (وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ ) [المُلك:29] وقدم الفعل (ءَامَنَّا) [المُلك:29] على الجار والمجرور (ءَامَنَّا بِهِۦ) [المُلك:29] وذلك لأنّ الإيمان ليس منحصراً في الإيمان بالله فقط, بل لا بدّ معه من الإيمان بالرسل والملائكة والكتب واليوم الآخر وغيره مما يتوقف عليه صحة الإيمان عليه، بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على الله وحده لتفرده بالقدرة والعلم القديمين، لذلك قدّم الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكل من العبد على الله دون غيره؛ لأنّ غيره لا يملك ضراً ولا نفعاً فيتوكل عليه .
لذلك لا يصح من الناحية البيانية أنْ تقول (به آمنا).
3ـ قال في لقمان: (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] بالتعدية بـ (إلى) وقال في البقرة: (أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ) [البقرة:112] والسبب كا ذُكر أعلاه؛ فمعنى (يسلم وجهه إلى الله) أي: يفوض أمره إلى الله ويتوكل عليه، ولذا كان جواب الشرط: (فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] .
بينما معنى (أسلم وجهه لله) أي: دخل في الإسلام واستسلم لوجه الله وانقاد له وجعل نفسه خالصاً له، ولذا كان الجواب: (فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:112].
4ـ قوله تعالى: (وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] أي: يسلم وجهه إلى الله في حالة اتصافه بالإحسان
5ـ قوله تعالى: (وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] :
آ ـ (وَإِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] قدّم الجار والمجرور لتفيد الحصر، وهي رد على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور، والآية تفيد أنّ الأمور جميعها هي صائرة إليه عزّ وجلّ لا إلى غيره، فيجازي الله سبحانه المتوكل عليه أحسن الجزاء، ويجازي ذلك المجادل بما يليق به بمقتضى الحكمة .
ب ـ وأل التعريف في قوله: (ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] هي للاستغراق.
وبشكل عام وفي كلا الآيتين (من أسلم لله) و(أسلم إلى الله) كلاهما محسن , ولذلك قال القدامى : (أسلم لله) أعلى من (أسلمت إلى الله) كما قال الرازي: واختلف الأجر وكل أجر مناسب لكل واحد، ذاك فوض أمره إلى الله فقد استمسك بالعروة الوثقى، وذاك جعل نفسه خالصاً لله فله أجره عند ربه، وكونه مسلماً دخل في الإسلام. والله أعلم.
السؤال الثاني:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
(بَلَىٰۚ) هو حرف جواب لإثبات ما نفوه من دخول غيرهم الجنة .
2ـ بيّن سبحانه أنّ الأمر ليس كما زعم كل فريق من اليهود والنصارى, من أنّ الجنة تختص بطائفة منهم دون غيرها , وإنما يدخل الجنة كلُ من أخلص دينه لله فأسلم وجهه له , وامتثل لأوامر الله ونواهيه في كل تصرفاته ,وعمل صالحاً , وتوجه خالصاً بقلبه لله تعالى .
3ـ قوله تعالى : (وَهُوَ مُحۡسِنٞ) دلالة الإخلاص لله في عمله الصالح .
4 ـ قوله تعالى : (وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ) أي مما يصيبهم في المستقبل , وقوله تعالى : (وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) أي :على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
5ـ الآية تشير إلى أنّ العمل المتقبّل له شرطان :
آ ـ أن يكون خالصاً لله من الرياء والشرك .
ب ـ أن يكون موافقاً للشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
6 ـ قرأ يعقوب : ( لا خوفَ عليهم) بفتح الفاء , على أنّ ( لا ) نافية للجنس تعمل عمل إنّ , وقرأ الباقون بتنوين الفاء المرفوعة (وَلَا خَوۡفٌ) على أنّ ( لا ) ملغاة نحوياً لا عمل لها , وقرأ حمزة ويعقوب بضم الهاء من ( عليهُم ) وكسرها الباقون (عَلَيۡهِمۡ) . والله أعلم .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-04-2024, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (94)
مثنى محمد هبيان



(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة: 113]
السؤال الأول:
متى يأتي الفعل(كانوا) أو (كنتم) مع كلمة (يختلفون) و(تختلفون)، كما في الآيات (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة:113] (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] ؟ ومتى لا يأتي الفعل ( كان ) كما في آية يونس 19 ؟ وما سبب ذلك ؟
الجواب:
عندما يقول القرآن: (كَانُوا) أو (كُنْتُمْ) فالكلام عن يوم القيامة، والاختلاف كان في الدنيا كما في قوله تعالى :( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة:113] فالاختلاف كان في الدنيا, علماً بأنّ (كان) هو فعل ماض ناقص، وأحياناً يأتي تاماً، وله استخدامات كثيرة.
وأمّا قوله تعالى: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] فهذه الآن، وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] لأنها تقصد الدنيا؛ فلا حاجة للفعل (كان) .
السؤال الثاني:
لماذا أنّث الفعل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) [البقرة:113] (وَقَالَتِ النَّصَارَى) [البقرة:113] في الآية ؟
الجواب:
القاعدة تقول :
1ـ يجوز تذكير وتأنيث جمع التكسير.
2ـ يونث الفعل مع الكثرة ويذكر مع القلة : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ) [الحُجُرات:14] (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) [البقرة:113] (وَقَالَتِ النَّصَارَى) [البقرة:113] ؛ لأنّ الأعراب كُثر واليهود كُثُر والنصارى كُثر كذلك فأنث , ويذّكر مع القلة كما في قوله تعالى : (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) [يوسف:30].
السؤال الثالث:
ما أهم دروس هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ هذه الآية تفصيلٌ لما ذُكر في الآية السابقة (111) .
2 ـ روي أنّ وفد نجران من النصارى لمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم , فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل , وقالت النصارى لهم نحوه وكفروا بموسى عليه السلام والتواراة .
3ـ الخلاف كان يخصّ الأمور العامة , وما يتصل بالنبوات .
4 ـ قوله تعالى : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) الواو للحال والكتاب للجنس , أي قالوا ذلك وهم أهل العلم والتلاوة للكتب , وحقّ لمن حمل التوراة والإنجيل أو غيرها من كتب الله أن لا يكفر بالباقي لأنّ كل واحد من الكتابين مصدّق للثاني وشاهد لصحته .
5 ـ قوله تعالى : (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) هم كفّار العرب الذين قالوا إنّ المسلمين ليسوا على شيء , فبيّن تعالى أنه إذا كان قولُ اليهود والنصارى وهم يقرأون الكتاب لا يقبل ولا يُلتفت إليه فقول كفارالعرب أولى ألا يلتفت إليه .
6 ـ هذه الآية رقم ( 113 ) ذكرت المخالفة الرابعة والعشرين (24 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : تكذيب كل من البهود والنصارى للآخر.والله أعلم .
السؤال الرابع:
وردت لفظة ( في ما ) في القرآن الكريم متصلة (فِيمَا) ووردت منفصلة (فِي مَا) فما تعليل ذلك ؟
الجواب:
1ـ وردت لفظة في ما ) في القرآن الكريم منفصلة (فِي مَا) في ( 11) موضعاً وهي : [ البقرة240 ـ المائدة 48 ـ الأنعام 145 ـ 165 الأنبياء102 ـ النور 14 ـ الشعراء 146 ـ الروم 28 ـ الزمر 3 ـ 46 الواقعة 61 ] .
كما وردت متصلة (فِيمَا) في ( 24) موضعاً في (23) آية وهي: [ البقرة 113 ـ 213ـ 229 ـ 234 ـ 235 ـ آل عمران 55 ـ 66ـ النساء 24 ـ 95ـ المائدة 93ـ الأعراف 190ـ الأنفال68 ـ يونس 19 ـ 93 ـ النحل124 ـ الحج 69ـ المؤمنون 100ـ القصص 77 ـ السجدة 25 ـ الأحزاب 5 ـ 38 ـ الجاثية 17ـ الأحقاف 26 ].
2ـ في آية البقرة : (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: 240] جاءت منفصلة (فِي مَا ) لأنّ لفظ ( ما ) يقع على فرد واحد من أنواع مختلفة من البدلية أو الجمع , يدل على ذلك تنكيره بالآية(مِنْ مَعْرُوفٍ ) ودخول حرف التبعيض عليه , فهو حسي يقسّم , بخلاف قوله تعالى : (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 234 ] فهذا موصول لأنّ ( ما ) واقعة على شيء واحد غير مفصّل , يدلك عليه وصفه(بِالْمَعْرُوفِ) .
3ـ وفي آية الأنبياء : ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 102]
هو مفصول , لأنّ شهوات النفس مختلفة أو مفصّلة في الوجود , وكذلك الأمر في باقي المواضع فتدبرها .
والله أعلم .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-04-2024, 06:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (97)

مثنى محمد هبيان


(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ١١٦ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ١١٧ ﱠ[البقرة: 116-117]
السؤال الأول:
ما دلالة ختام الآية (116 ) بالوصف بالقنوت فى هذه الآية؟
الجواب:
1ـ القنوت هو الخضوع والانقياد مع الخوف، وهذا الأمر لا يقوم به إلا كل عاقل مبصر؛ فلذلك جمع الله تعالى في هذه الآية كلمة (قانت) جمع مذكر سالم (قَانِتُونَ) وهو مختص بجمع الذكور العقلاء ليبيّن لنا سمة أهل الخشوع والقنوت إنهم أصحاب العقول الراجحة التي تخشى الله عن إرادة وبصيرة.
2ـ والقنوت أصله الدوام، ثم استعمل على أربعة وجوه:
آـ الطاعة: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) [آل عمران:43].
ب ـ طول القيام: لمّا سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت».
ج ـ السكون: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238].
د ـ الدوام.
السؤال الثاني:
ما الإضاءات الفكرية في هذه الآية؟
الجواب:
أراد الله سبحانه أنْ يرد على الذين حاولوا أنْ يجعلوا لله معيناً في ملكه الذين قالوا اتخذ الله ولداً، وجاء الرد في ثلاث نقاط:
آ ـ (سُبْحَانَهُ) أي: تنزه الله أنْ يكون له ولد.
ب ـ (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ).
ج ـ (وَالْأَرْضِ).
فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون كله من خلقه وخاضعاً له فما حاجته للولد؟
1ـ قضية (إنّ لله ولداً) جاءت في القرآن الكريم (19) مرة ومعها الرد عليها؛ لأنها قضية في قمة العقيدة، فقد تكررت وتكرر الرد عليها مرة بعد مرة.
2ـ الله سبحانه يريدنا أنْ نعرف أنّ هذا ادعاء خطير مستنكر، ولقد عالجت سورة مريم هذه المسألة علاجاً واسعاً اشترك فيه انفعال السماوات والأرض والجبال حتى كادت الجبال تخر وكادت الأرض تنشق من هذا الافتراء على الله.
3 ـ السؤال هنا: ما الشبهة التي جعلتهم يقولون: ولد الله؟ النصارى فُتِنُوا في ولادة عيسى عليه السلام؛ لأنّ عنصر الأبوة ممتنع، وكان الأولى أنْ يُفتنوا بولادة آدم؛ لأنه بدون أب ولا أم، ومن العجيب أنّ النصارى لم يذكروا الفتنة في آدم، وذكروا الفتنة فيما فيه عنصر غائب من عنصرين غائبين في آدم.
4ـ الملكية تنافي الولدية، لماذا؟ لأنّ الذي يخلق شيئاً يكون فاعلاً، والفاعل له مفعول، والمفعول لا يكون منه أبداً، هل رأيت واحداً صنع صنعة منه؟ الذي يصنع سيارة أو طائرة هل هي من لحمه ودمه؟ طبعاً لا.
إذن مادام ملكية فلا يقال: إنها من نفس جنس صاحبها، ولا يقال: إنّ الفاعل أوجد من جنسه، وكل فاعل يوجد شيئاً أقل منه.
وقول الله في الآية: سبحانه؛ أي تنزيه له، لماذا؟ لأنّ الولد يُتخذ لاستبقاء حياة والده، فهو يحمل اسمه بعد أنْ يموت ويرث أملاكه، إذن هو من أجل بقاء نوعه، والذي يريد بقاء نوعه لا يكفيه أنْ يكون له ولد واحد.
5ـ إذن فما سبب اتخاذ الولد؟ هل هو معونة؟ الله لا تضعف قوته.. هل هو ضمان للحياة؟ الله حياته أزلية.
إذن كل هذا الكون لم يضف صفة من صفات الكمال إلى الله، بل إنّ الله بكمال صفاته هو الذي أوجده.
6 ـ لو فرضنا جدلاً أنّ لله ولداً، فأين ذرية الولد؟ لم نر ولم نسمع أولاداً لمن زعموا أنه ابن لله.
وماذا استجد على الله وعلى كونه بعد اتخاذ الولد كما يزعمون؟ لم يتغير شيء في الوجود.
إذن فالولد لم يعط الإله أي مظهر من مظاهر القوة؛ لأنّ الكون قبل أنْ يوجد الولد وبعده لم يتغير فيه شيء.
7 ـ ثم إذا كان لله سبحانه زوجة وولد فمن الذي وجد أولاً؟ إذا كان الله وُجِدَ أولاً ثم بعد ذلك أوجد الزوجة والولد فهو خالق وهما مخلوقان.
وإذا كان كل واحد قد أوجد نفسه فهم ثلاثة آلهة!!!
إذن الكمال الأول لله لم يزده الولد شيئاً؛ ومن هنا يصبح وجوده لا قيمة له.
السؤال الثالث:
قوله تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ولم يكرر اسم الموصول (مَا) كما في آية طه: 6، وآية سبأ: 1، أو في آيات التسبيح؟
الجواب:
1ـ إذا قصد بالسياق قصد الجنس أو الاهتمام بما هو المقصود في الآية لم يكرر ذكر اسم الموصول إلا مرة واحدة، كما في هذه الآية وآية الرحمن: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29].
2ـ والقرآن يكرر اسم الموصول (ما) في مواطن الشمول والإحاطة والتفصيل، كما في آية طه: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى).
فقد كرّر اسم الموصول (ما) في سورة طه؛ لأنّ الموطنَ موطنُ شمولٍ وإحاطةٍ وتفصيل، فقد ذكر أنّ له (مَا فِي السَّمَاوَاتِ) و (وَمَا فِي الْأَرْضِ) و (وَمَا بَيْنَهُمَا) و (وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) بينما أجملَ في سورة النحل فلم يكرر.
3 ـ التفصيل في آيتي سبأ واضحٌ في قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ١ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ: 1 - 2] لذا كرّر اسم الموصول، بخلاف آية البقرة حيث لم يفصل فلم يكرر.
4ـ وأمّا تكرار اسم الموصول مع آيات التسبيح فسيتبين في حينه.
السؤال الرابع:
لماذا جاء بـ (ما) في الآية وهي لغير العاقل، ولم يأت بـ (من) وهي للعاقل؟
الجواب:
1ـ جاء بـ (ما) لتتناول جميع الأشياء؛ لأنّ (ما) تشمل صفات العقلاء وتشمل ذوات غير العاقل. بينما (مَن) مختصة بالعقلاء لذلك (ما) أوسع استعمالاً من (مَن).
2ـ يقال: كيف جاء بـ (ما) وهي لغير العاقل، مع قوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) [البقرة:116] والجواب: كأنه جاء بـ (ما) دون (مَن) تحقيراً لشأنهم.
السؤال الخامس:
قوله تعالى في الآية (اتَّخَذَ) ما الفرق اللغوي بين الفعلين أخذ واتخذ؟
الجواب:
1ـ ورد الفعل ( اتخذ ) في القرآن الكريم في عشرين موضعاً ووردت صيغ أخرى كثيرة مشتقة نحو: [ اتخذت ـ اتخذوا ـ تتخذوا ـ يتخذ ـ....]
وورد الفعل ( أخذ ) في أحد ( 11) موضعاً ووردت صيغ أخرى كثيرة مشتقة نحو:
[ أخذنا ـ أخذناهم ـ يأخذه ـ يأخذونها ـ....].
2ـ الفعل ( أخذ ) بمعنى تناول بيده والأمر منه ( خذ ) و( الأخذ ) المصدر ويستعارفيقال: أخذه بلسانه إذا تكلم فيه بمكروه وجاء بمعنى العذاب في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) [هود:102] وقوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) [الحجر:83] وأصله في العربية الجمع ومنه قيل للغدير: وِخْذ وإخْذ والجمع: وِخاذ وإخاذ.
والاتخاذ: أخذ الشيء لأمر يستمر فيه مثل الدار يتخذها مسكناً ويكون الاتخاذ التسمية والحكم ومنه قوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) [الفرقان:3] أي سموها بذلك وحكموا لها به.
والله أعلم.
السؤال السادس:
ما أهم دلالات الآية (117 )؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) البديع والمبدع بمعنى واحد وهو مثل: أليم بمعنى مؤلم وحكيم بمعنى مُحكم غير أنّ في ( بديع ) مبالغة على استحقاق الصفة في غير حال الفعل على تقدير أنّ من شأنه الإبداع والإبداع الإنشاء على غير مثال سبق ونقيض الإبداع الاختراع على مثال ولهذا السبب فإنّ الناس يسمون من قال أو عمل ما لم يكن قبله
( مبتدعاً ) وخصّ السموات والأرض بالإبداع لأنهماأعظم ما يُشاهد من المخلوقات.
2ـ قوله تعالى: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا) لفظ ( القضاء ) في القرآن يأتي على وجوه منها:
آ ـ بمعنى الخلق: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت:12] يعني خلقهنّ.
ب ـ بمعنى الأمر: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء: 23].
ج ـ بمعنى الحكم: ولهذا يُقال للحاكم: قاضياً.
د ـ بمعنى الإخبار: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ) [الإسراء:4].
هـ ـ بمعنى الفراغ من الشيء: (وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ) [هود:44]
3 ـ قوله تعالى: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا) أي إذا خلق شيئاً أو حكم بأن يفعل شيئاً.
4 ـ المُراد من قوله تعالى: (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) هو سرعة نفاذ قدرة الله في تكوين الأشياء أي يوجد وفق ما أراد الله من حال العدم إلى حال الوجود لا يستعصي عليه ولا يمتنع منه. قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82].
وللعلم فإنّ الفعل ( كن ) في هذه الآية فعل أمر من كان التامة بمعنى حدث وكذلك الفعل:
( فيكون ) تام بمعنى يحدث.
5 ـ الآية رقم ( 116 ) ذكرت المخالفة السادسة والعشرين (26 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: (قول اليهود: عزير ابن الله) والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-04-2024, 06:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (100)
مثنى محمد هبيان



(وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [ البقرة: 123 ]
السؤال الأول:
لماذا حذف الجار والمجرور المقدر( فيه ) مع الفعل (تَجْزِي) [البقرة:123] في الآية؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة [48 ] في الحلقة ( 55 ) على موقع رابطة العلماء السوريين المنشورة بتاريخ 28/ 05 / 2020 م.
السؤال الثاني:
قوله تعالى في الآية: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:123]، وقال في آية البقرة [48]:( وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) [البقرة:48] فما سبب هذا الاختلاف؟ ومتى تذكر الشفاعة أو تؤنث؟
الجواب:
1ـ في آية البقرة [48] قوله تعالى (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:48].
آ ـ ذكّر الفعل (يُقْبَلُ) مع الشفاعة؛ لأنّ الشفاعة هنا لمن سيشفع، أي: للشافع وهو مذكر.
ب ـ الشفاعة ليست مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة.
ج ـ إذا فصلت بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي يجوز التذكير والتأنيث، تقول: ذهب إلى الجامعة فاطمة وذهبت إلى الجامعة فاطمة، هكذا إذا كان هناك فصل، لكنْ: ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا: ذهبت فاطمة.
د ـ أمّا المؤنث المجازي، فتقول: طلعت الشمس، وطلع الشمس، ابتداء فهذا مؤنث مجازي.
2ـ في آية البقرة[ 123] أنّث الفعل، فقال: (وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:123] ؛لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها وليس الكلام عن الشفيع.
3ـ في آيات يس 23 قوله تعالى (لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) [يس:23] وآية النجم [26] قوله تعالى:( لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) [النجم:26] أنّث الفعل؛ لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها.
السؤال الثالث:
ما خصوصية استعمال القرآن لكلمتي: العدل والقسط؟
الجواب:
1ـ القسط: هو الحظ والنصيب، والقرآن لم يستعمله إلا مع الموازين، وهذا من خصوصية الاستعمال القرآني والقسط يستعمل مع غير الميزان، لكنّ القرآن يستعمله مع الميزان ولا يستعمل العدل مع الميزان، والقسط قد يكون في القسمة وفيه ارتباط بالآلة (قسطاس).
ولذلك في القرآن الكريم لم يستعمل مع الوزن إلا القسط، نحو قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) [الرحمن:9]، وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الإسراء:35] والقسطاس هو ميزان العدل، وأصل كلمة قسطاس عدل، فسموا الميزان قسطاساً؛ لأنه عدل.
2ـ العدل معناه المساواة في الأحكام، وعندنا عَدلٌ وعِدلٌ، فالعِدلُ ـ بكسر العين ـ فهو فيما يُبصر من الأشياء تقول: هذا عِدل هذا، مثل حِملَينِ متساويين.
أمّا العَدلُ ـ بفتح العين ـ فهو أحكام ومساواة في الحكم وفيما لا يُبصر من الأشياء، نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة:95] أي: ذوا قسط (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) [المائدة:95] والصيام لا يُبصر (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ) [الأنعام:70] لم يقل كل قسط، (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ) [البقرة:123]. والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08-04-2024, 06:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (103)

مثنى محمد هبيان


(وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ١٢٦)[ البقرة: 126 ]

السؤال الأول:

ما الفرق بين قوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] وقوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا) [إبراهيم:35]؟
الجواب:
الآية الأولى هي دعاء سيدنا إبراهيم قبل أنْ تكون مكة بلداً، فجاء بصيغة التنكير (بَلَدًا) [البقرة:126]، أمّا الآية الثانية فهي دعاء سيدنا إبراهيم بعد أنْ أصبحت مكة بلداً معروفاً فجاء بصيغة التعريف في قوله: (ٱلۡبَلَدَ) [إبراهيم:35].
في الآية الثانية المكان صار بلداً وصار فيه ناس، بل أكثر من ذلك جاء إليه من يعبد الأصنام، وقوله تعالى: (وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ) [إبراهيم:35] معناه: أنّ هناك في البلد من القبائل أو من الأعراب الذين سكنوا مع هاجر من كانوا يعبدون الأصنام، فلا يريد لذريته أنْ يتأثروا بهؤلاء فانصب الطلب على الأمن ودفع عبادة الأصنام.
السؤال الثاني:
قوله تعالى في البقرة قال: (ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] بضمير المفرد وفي آية لقمان: 24 بالجمع (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) [لقمان:24] فما الفرق بينهما؟
الجواب:
حتى نفهم المسألة نقرأ سياق آية البقرة؛ لأنّ السياق هو الذي يوضّح (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] إذن آية البقرة في مكة، وأمّا آية لقمان فهي عامة (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) [لقمان:24] كلام عام، وليس في بلد معين ولا لأناس معيَّنين.
1ـ آية البقرة هي دعاء على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام لأهل مكة قبل أنْ توجد حيث ذكر (بَلَدًا)، وأمّا آية لقمان فهي عامة و ليست في بلد معين أو أناس معينين، لذلك نجد أنَّ:
آ ـ في آية لقمان حيث توجد الكثرة النسبية جاء فيها بالجمع(نُمَتِّعُهُمۡ) [لقمان:24] (نَضۡطَرُّهُمۡ) [لقمان:24].
ب ـ وفي آية البقرة العدد أقل نسبياً، فجاء بضمير الإفراد (أَضۡطَرُّهُۥ) [البقرة:126] والله هو صاحب البيت (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ) [البقرة:125] وهو يتولى العذاب.
2ـ في آية البقرة جاء فيها قوله تعالى: (وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ) [البقرة:126] وهذا هوطلب الرزق كنوع من التمتيع، وهذا ليس في التبليغ؛ لذلك عندما قال: (وَمَن كَفَرَ) [البقرة:126] كان الجواب (فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا) [البقرة:126].
وأمّا في آية لقمان فقال: (وَمَن كَفَرَ) و(نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) و(نَضۡطَرُّهُمۡ) كلها بالجمع؛ لأنها تخص التبليغ والدعوة.
3ـ قال في آية لقمان: (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) وفي البقرة: (إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ ) [البقرة:126] والثانية فيها حرق فهي أشد من (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) فقد يكون بعصا غليظة مثلاً، والسبب في ذلك أنّ آية البقرة هي في أهل مكة، وفي مكة قد تتضاعف السيئات كما تتضاعف الحسنات، فالمعاصي فيها أكبر ذنباً والعذاب بسبب ذلك أشد؛ لأنّ من أساء في مكة ليس كمن أساء في غيرها، ولذلك شدّد العذاب فقال: (عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126]. والله أعلم.
4ـ وفي القرآن يراعي هذا الشيء، نحو قوله تعالى: (وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ) [يونس:42] الذين يستمعون أكثر من الذين ينظرون، فقال: يستمعون، هذه تسمى مناسبة، وهذا ما جعل المفعول في لقمان بالجمع، وفي البقرة بالمفرد.
السؤال الثالث:
جاء في الآية لفظة النداء (رَبِّ) [البقرة:126] وفي آيات كثيرة (رَبَّنَا) فهل من معانٍ لهذا النداء؟
الجواب:
1ـ كلمة (رَبَّنَا) هي منادى بإسقاط حرف النداء، والمنادى هو طلب الإقبال، وهو اسم يقع بعد أداة من أدوات النداء، وأدوات النداء تختلف باختلاف المسافة بينك وبين المنادى.
آ ـ فإذا كان المنادى بجوارك تقول: محمدٌ افعل كذا، أي:بدون أداة نداء.
ب ـ فإنْ كان بعيداً قليلاً تقول: أمحمدُ، أي: باستعمال الهمزة.
ج ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: يا محمد، أي: باستعمال الياء.
د ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: أيا محمد، أي: باستعمال الهمزة والياء.
2ـ إذا أضيف المنادى إلى ياء المتكلم، جاز حذف الياء والاستغناء عنها بالكسرة، نحو قوله تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا) [طه:114].
3ـ قد يأتي المنادى ويحذف حرف النداء، كقوله تعالى: (رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ) [الحشر:10].
وأنت أيها المؤمن حين تنادي ربك وإنْ لم تكن أنت قريباً من الله فالله قريب منك، ولذلك لا تستخدم أداة النداء لا للقريب ولا للبعيد، ويكفي في هذا القرب قول الله تعالى: (وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ) [ق:16].
وقد ورد في القرآن الكريم لفظ (رَبِّ) كمنادى في خمس وستين آية بدون أداة نداء، أولها في سورة البقرة في الآية [126] على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] إلى قول نوح عليه السلام في سورة نوح: (رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ) [نوح:28].
والله قريب منا بالفعل، وإنْ حدث بُعدٌ فمنك أنت أيها العبد، وأكثر ما يكون العبد قرباً من الله حين يكون مضطراً حتى إنْ كان بعيداً عن الله قبل الاضطرار.
وفي آيتين فقط من كتاب الله نودي الربُّ تبارك وتعالى بأداة النداء، وهذان الموضعان حكاية عن كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهما:
(وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا) [الفرقان:30].
(وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ) [الزُّخرُف:88] والسؤال لماذا لم تأتِ أداة النداء إلا من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في نداء ربه؟
والجواب: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد الحرص على هداية قومه ونصرة دعوته حتى خاطبه ربه بقوله: لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ [الشعراء:3].
وقد مرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمواقف صعبة لدرجة جعلته يستبطىء نصر الله، كما قال سبحانه في سورة البقرة الآية [214]: وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ٢١٤ [البقرة: ٢١٤] فخاف صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يكون بعُدَ عن ربه، وهذا البعد ما هو إلا مظنة من رسول الله أو اتهامٌ للنفس فلمّا ذهب صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ربه ويشتكي إليه أنّ قومه هجروا القرآن نادى ربه من منزلة البعيد، فقاليا رب)، وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم ظن في نفسه التقصير أو الفشل، ورأى أنّ ذلك يُبعده عن ربه، لكنّ الله تعالى أنصفه وأكد نداءه، بل وأقسم به فقال الحق عز وجل: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨ فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ) [الزُّخرُف:88-89].
أي: أقسم بقولك: (إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا٣٠) [الفرقان:30] والله تعالى يقسم بما يشاء على ما يشاء، ولم يقسم بأحد من الخلق إلا برسول الله، في قوله: (لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ) [الحِجر:72] وأقسم الله كذلك بقول رسوله فقال سبحانه: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨) [الزُّخرُف:88].
4ـ بشكل عام يجوز حذف حرف النداء نحو قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] و يلزم ذكر حرف النداء مع ( الله ) ومع اسم الجنس سواء كان نكرة مقصودة أم غير مقصودة واسم الإشارة فإذا ناديت ( الله ) قلت: يا الله وكذلك اسم الجنس نحو: ( يا رجل ) و ( يا هذا ) كما يلزم ذكر حرف النداء في الاستغاثة والتعجب والندبة نحو: يا لخالد ويا للهول.
5ـ من أغراض حذف حرف النداء:
آ ـ الحذف للعجلة بقصد الفراغ من الكلام بسرعة نحو قولك خالد احذر )
ب ـ الحذف للإيجاز والاختصار وذلك كما في قوله تعالى: (قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي) [الأعراف:150] فحذف حرف النداء ( يا ) من المنادى (ابن أم ) في حين ذكرها في سورة طه: (قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ) [طه:94] والسبب ـ والله أعلم ـ أنّ السياق في سورة الأعراف سياق إيجاز واختصار بخلاف آيات طه وإليك كلاً من السياقين:
قال الله في سورة الأعراف:
{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ١٥٠ قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ١٥١ } [الأعراف:150-151].
وقال في سورة طه:
{ فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي٨٦ قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ}[طه:86-87].
ثم ذكر موقف هارون عليه السلام: ( وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي) [طه:90] ثم توجه باللوم إلى هارون: { قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ٩٢ أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي٩٣ ) [طه:92-93] فأجابه هارون عليه السلام: { قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي٩٤) [طه:94] ويستمر الكلام.. ولذلك نجد أنّ الكلام في سورة الأعراف كان مختصراً موجزاً وكان الموقف موقف عجلة وإسراع فحذف ( يا) النداء تمشياً مع هذا الحذف والاختصار وأمّا في سورة طه فالسياق سياق إطالة وسؤال ورد ولوم فجاء بـ ( يا ).
ومن الحذف أيضاً قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] فقد أرادوا ستر الموضوع والكف عن الخوض فيه فقالوا ذلك بأخصر طريق فحذف حرف النداء تمشياً مع هذا الاختصار والتستر.
ج ـ قد يكون ذكر ( يا ) للزيادة في التنبيه والتقريع كما في قوله تعالى:{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ١ }[الحج:1]
د ـ قد يكون الحذف لقرب المنادى من المنادي سواء كان قرباً حقيقياً مادياً أم معنوياً فكأنّ المنادى لقربه لا يحتاج إلى واسطة لندائه كأنْ تقول لمن هو قريب جداً منك: ( خالد أتدري ما حلّ بفلان؟) ونحو قوله تعالى: { رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ) [هود:73] وقوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا٣٣ ) [الأحزاب:33]. والله أعلم.
السؤال الرابع:
ما أهم الدعوات التي جاءت على لسان إبراهيم عليه السلام في هذه الآية والآيات التي تليها وتتحدث عن البيت الحرام؟
الجواب:


آ ـ ساق القرآن الكريم في هذه الآية والآيات التي تليها سبع دعوات من جوامع كلم النبوة:
1ـ دعا إبراهيمُ عليه السلام أن يجعل البلد الحرام بلداً آمناً حتى يستطيع الناس أداء الحج والعمرة.
2ـ ودعاه أن يرزق أهل مكة أنواع الثمرات في وقت كانت فيه مكة صحراء قاحلة.
3 ـ ودعاه وهو يرفع قواعد البيت مع ابنه إسماعيل أن يتقبّل منهما عملهما.
4 ـ ودعا ربه أن يثبتهما على الإسلام وهو التوحيد الخالص وأن يُخرج من ذريتهما أمة مسلمة موحدة لربها.
5ـ وسأل ربه أن يبصّره وذريته بمعالم الدين وطرق العبادة ومنها مناسك الحج.
6 ـ وسأل ربه التوبة والتجاوز عن الذنوب.
7 ـ وسأل ربه أخيراً أن يبعث من أهل مكة رسولاً منهم تنطلق رسالته من مكة إلى العالم أجمع ليعلّمهم القرآن والسنة ويطهرهم من الشرك وسوء الأخلاق.
ب ـ قرأ ابن عامر ( فأُمْتِعه ) بسكون الميم وتخفيف التاء على أنه مضارع الفعل (أمتع ) المعدّى بالهمز وقرأ غيرُه(فَأُمَتِّعُهُۥ) بفتح الميم وتشديد التاء مضارع الفعل ( متّع ) المعدّى بالتضعيف.والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13-04-2024, 04:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (106)
مثنى محمد هبيان



(وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ١٣٠ إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٣١)[البقرة: 131]
السؤال الأول:
ورد الفعل (أَسۡلِمۡۖ) بالماضي في آية البقرة (131) وفي آية لقمان [22] ورد بالمضارع (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] فما الفرق بينهما؟
الجواب:
انظرالجواب في آية البقرة ( 112) أو انظر في الحلقة (93 ) على موقع رابطة العلماء السوريين.
السؤال الثاني:
قوله تعالى: (أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [البقرة:131] ما الفرق بين (عالم- عوالم- عالمين- علاّم) في الاستعمال؟
الجواب:
1ـ القاعدة اللغوية:
صيغة الجمع ( فواعل ) هي جمع تكسير، وهي إمّا أنْ تكون:
آ ـ جمعاً لمؤنث بصيغة فاعلة نحو: كافرة وكوافر ـ ساجدة وسواجد ـ نازلة ونوازل.
ب ـ أو جمعاً لغير العاقل بصيغة فاعل، نحو: قارض وقوارض ـ زاحف وزواحف ـ ناقص ونواقص.
2ـ (عالمين):
ومفردها (عالم) ولم تجمع على عوالم في القرآن الكريم حسب القاعدة اللغوية أعلاه والسبب في ذلك أنّ المقصود بها في السياقات القرآنية هو العاقلون، فأحياناً المقصود منها هو عالم الناس وأحياناً عالم الإنس والجن (الثقلان)، وأحياناً عالم الملائكة والشياطين، وأحياناً يتسع معناها فتشمل المخلوقات كافة العاقلين وغير العاقلين لذلك ينبغي أنْ تجمع كلمة (عالم) على (عالمين) إشارةً إلى العاقلين من الإنس والجن والملائكة والشياطين لتمييزها عن العوالم غير العاقلة.
قال الفرّاء وأبو عبيدة: العالم عبارةٌ عما يعقل من (الإنس والجن والملائكة والشياطين) ولا يقال للبهائم: عالم.
3ـ علاّم:
وردت في القرآن الكريم أربع مرات في آيات: ( المائدة 109و 116، التوبة 78، سبأ 48) وهي مبالغة من عالم وقد تكون علاّمة بزيادة تاء التأنيث للمبالغة لكنْ لا تستعمل مع الله تعالى ولم يقل القرآن: علاّمة، لأنّ علم الله لا يترقى بلاغة ولا كمية. والله أعلم.
السؤال الثالث:
ما أهم الدروس في هاتين الآيتين؟
الجواب:
1ـ الآية رقم ( 130 ) ذكرت المخالفة التاسعة والعشرين (29 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: عدول اليهود عن الإيمان بمحمد وهو ( دعوة إبراهيم).والله أعلم.
2 ـ لمّا ذكر الله تعالى في الآيات السابقة فضائل إبراهيم عليه السلام بيّن هنا أنه لا يَعدِلُ عن دين إبراهيم إلا من كان سفيه العقل خائر الرأي والسفاهة وخفة الرأي في مقابلة ما يُراد منه من المتانة والقوة.
3ـ لذلك يا أيها اليهود: إنْ كنتم تفتخرون بالانتساب إلى إبراهيم عليه السلام فإنه هو الذي دعا ربه أن يبعث في هذه الأمة رسولاً منهم فمن يكفر بمحمد فقد كفر بإبراهيم.
ثم بيّن الله منزلته في الدنيا والآخرة فقال: (وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ} وأنه استجاب مسرعاً لوحي ربه حين أمره بالتوحيد فقال: (إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٣١}[البقرة:131].
4ـ المذكور في الآية ( 131 ) هو المزية الخامسة المستحسنة التي حكاها الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام وأمّا المزايا الأربعة الأخرى فقد ذُكرت في الآيات السابقة.
والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14-04-2024, 02:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن(109)



مثنى محمد هبيان




(تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡ‍َٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٣٤)[البقرة: 134]
السؤال الأول:
ما الدروس المستفادة من الآية؟
الجواب:
1ـ المقصود بالآية الأمم التي ذكرهم الله في الآيات المتقدمة، والمعنى أنه ليس لكم نفع سيرتهم ولا أفعالهم.
2ـ الآية دالة على بطلان التقليد، ولو كان التقليد جائزاً لكان كسب المتبوع نافعاً للتابع.
3ـ الآية دالة على ترغيبهم في الإيمان واتباع الرسول محمد ﷺ.
4ـ الآية دالة على أنّ الأبناء لا يثابون على طاعة الآباء، بخلاف قول اليهود بأنّ صلاح آبائهم ينفعهم، قال تعالى: (وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ ) [الأنعام:164] وقوله: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ) [الأنعام:164] وفي الحديث: «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه».
5ـ الآية تدل على بطلان قول من يقول من اليهود: الأبناء يعذبون بكفر آبائهم.
6ـ الآية تدل على أنّ العبد مكتسِبٌ، وجعل كسبه شبيهاً بكسب الأموال.
السؤال الثاني:
لماذا كررت (تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ ) في الآيتين 134و 141، مع أنّ الآيتين متجاورتان؟
الجواب:
1ـ الآية الأولى وردت إثباتاً لما نفاه أهل الكتاب من دين الإسلام الذي وصّى به إبراهيم ويعقوب.
2ـ وأمّا الثانية فوردت نفياً لما ادَّعَوه من أنّ إبراهيم ومن ذُكر بعده كانوا هوداً أو نصارى.
والمعنى العام: أنّ أولئك فازوا بما تدينوا به من دين الإسلام وعليكم إثم مخالفتهم وما اقترفتم عليهم من التهود والتنصر الذي هم براء منه.
3ـ الآيتان [133 و 134] تقول لليهود: إنّ نسبكم إلى إبراهيم وإسحاق لن يشفع لكم عند الله بما حرفتموه وغيرتموه في التوراة وبما تفعلونه خلاف ما شرّع الله، فاعلموا أنّ عملكم هو الذي ستحاسبون عليه وليس نسبكم.
أما الآية: 141، فقد قالوا: إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق كانوا هوداً أو نصارى.
والله تبارك وتعالى لا يجادلهم وإنما يقول لهم: لنفرض، وهذا فرض غير صحيح، أنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق كانوا هوداً أو نصارى، فهذا لن يكون عذراً لكم؛ لأنّ لهم ما كسبوا ولكم أنتم ما كسبتم، فلا تأخذوا ذلك حجة على الله يوم القيامة.
لذلك فإنّ سياق الآية الأولى يقول: لا شفاعة لكم يوم القيامة في نسبكم إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، بينما سياق الآية الثانية يقول: لا حجة لكم يوم القيامة في قولكم: إنهم كانوا هوداً أو نصارى، فلن ينفعكم نسبكم إليهم ولن يقبل الله حجتكم.والله أعلم.
4 ـ جاء في كتاب كشف المعاني لابن جماعة: قوله تعالى: {تلكَ أمة قد خلت} [البقرة:134-141] كررها مع قرب العهد بالأولى فما فائدة ذلك؟
والجواب: أنّ الأولى: وردت تقريراً لإثبات ما نفوه من دين الإسلام الذي وصّى به إبراهيمُ ويعقوبُ، ومعناه أنّ أولئك أدوا ما عليهم من التبليغ والوصية فلهم أجر ذلك، ولكم من الوزر والإثم بما خالفتموهم ما يعود عليكم وباله.
وأمّا الثانية: فوردت نفياً لما ادعوه من أنّ إبراهيم ومن ذكر بعده كانوا هوداً أو نصارى. ومعناه: أنّ أولئك فازوا بما تدينوا به من دين الإسلام، وعليكم إثم مخالفتهم، وما اقترفتم عليهم من التهود والتنصر الذي هم براء منه. والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17-04-2024, 08:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن112
مثنى محمد هبيان



(فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ١٣٧ ) [البقرة: 137]
السؤال الأول:
قوله تعالى في الآية: (فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ ) [البقرة:137] لم اختص تعالى أداة الشرط (إن) وليس (إذا)؟
الجواب:
(إنْ) حرف شرط جازم، ولكنه يفيد الشك خلافاً لـ(إذا)، وقد جاء الشرط هنا في الآية بـ (إن) إيذاناً بأنّ إيمانهم غير مرجو وميؤوس منه.
السؤال الثاني:
ما إعراب الضمائر في قوله تعالى (فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ) [البقرة:137] ؟
الجواب:
فسيكفيكهم الله: الكاف مفعول أول؛ لأنّ (كفى) تأخذ مفعولين، (هم) مفعول ثانٍ، (الله) لفظ الجلالة فاعل، أي: فسيكفيك الله إياهم .
وفي قوله تعالى: ( فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ)وَعْدٌ منه سبحانه لعباده المؤمنين الصادقين بحفظهم من كيد أعدائهم ومكرهم .
السؤال الثالث:
لماذا قدّم الله السمع على العلم في الآية ؟
الجواب:
حيث وقع في القرآن تقدم السمع على العلم ؛ وذلك لأنّ السمع يتعلق بما يقرب كالأصوات وهمس الحركات، فإنّ من سمع حسك وخَفِيَّ صوتك أقرَبُ إليك في العادة ممن يقال لك عنه : إنه يعلم، وإنْ كان علم الله متعلقاً بما ظهر وبطن وواقعاً على ما قرب وبعُد، فكان ذكر السمع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم؛ فهو أولى بالتقديم .ويمكن أنْ يقال : إن السمع من وسائل العلم فهو يسبقه .
السؤال الرابع:
ما معنى (الشقاق) في الآية؟
الجواب:
(الشقاق) مأخوذ من الشق، كأنه صار في غير شقٍ صاحبه بسبب العداوة، وقد شقّ عصا المسلمين إذا فرّق جماعتهم وفارقها، ونظيره (المحادّة) وهي أن يكون هذا في حد وذاك في حد آخر، و(التعادي) مثله، لأن يكون هذا في عدوة وذاك في عدوة أخرى، و(المجانبة) أن يكون هذا في جانب وذاك في جانب آخر .
و(الشِقّ) بالكسر نصف الشيء وهو الناحية من الجبل، و(الشقيقة) وجعٌ يأخذ بنصف الرأس والوجه، والشِقّ أيضاً من المشقة ومنه قوله تعالى : (إلا بشق الأنفس)، والشقيق الأخ ،
و(الشِقاق) الخلاف والعداوة . و(الشَقّ) بفتح الشين واحد (الشُقوق) .والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 202.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 196.44 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]