|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#91
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثالث من سورة هود كاملا بأسلوب بسيط الآية 41: ﴿ وَقَالَ ﴾ نوحٌ لمن آمَنَ معه: ﴿ ارْكَبُوا فِيهَا ﴾ أي في السفينة، قائلين ﴿ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ أي: ببركة اسم اللهِ تعالى يكونُ جَرْيُها على الماء (حتى يَحفظها من الغَرَق)، وببركة اسمهِ تعالى تَرسو وتَقف (حتى يَحفظها من التَحَطُّم)، ﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ حيثُ غَفَرَ لنا ورَحِمَنا، فلم يُهلكنا بذنوبنا، ونَجّانا من القوم الظالمين. الآية 42: ﴿ وَهِيَ ﴾ - أي السفينة - ﴿ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ في عُلُوِّها، ﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ﴾ ﴿ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ ﴾ أي في مكانٍ بعيد عن المؤمنين حين ركبوا، فقال له نوح: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ حتى لا تغرق كما يَغرقون. الآية 43: ﴿ قَالَ ﴾ ابن نوح: ﴿ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي ﴾: أي سألجأ إلى جبلٍ أتحَصَّن به ﴿ مِنَ الْمَاءِ ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ له نوح: ﴿ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ أي مِن قضائه بالغرق والهلاك ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ﴾ يعني إلا مَن رحمه اللهُ ونَجّاه معنا في السفينة، فلم يَستجب ابنه له ﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ ﴾ أي منعه الموج المرتفع أن يَصل إلى ابنه أو يُكلمه ﴿ فَكَانَ ﴾ الابن ﴿ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾. الآية 44: ﴿ وَقِيلَ ﴾ أي: وقال اللهُ تعالى - بعد هلاك قوم نوح -: ﴿ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ ﴾ ﴿ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي ﴾ أي لا تُمطِري ﴿ وَغِيضَ الْمَاءُ ﴾ أي نَقص وجَفّ، ﴿ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ بهلاك المُكذبين ونجاة المؤمنين، ﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ﴾ أي: ورَسَت السفينة على جبل الجوديِّ، ﴿ وَقِيلَ بُعْدًا ﴾ أي هَلاكًا ﴿ لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين تجاوزوا حدود اللهِ ولم يُوَحِّدوه. ♦ واعلم أنّ اللهَ تعالى قد أمَرَ الأرض أن تَبلع ماءها أولاً، لأنها تحمل الماء الذي خرج منها، وكذلك تحمل الماء الذي نزل إليها (فكانَ عليها أكثر الماء)، وكذلك يَستشعر الإنسان عظمة ربه تعالى في نداءه للأرض والسماء، وكأنهما جُندِيَّان في معركة، ثم أُمِرا بالانسحاب بعد أن أَتَمَّ كُلٌّ منهما مُهِمَّته. الآية 45: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي ﴾ الذي غرق ﴿ مِنْ أَهْلِي ﴾ ﴿ وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ﴾ وقد وعَدْتني أن تُنجيني وأهلي من الغرق والهلاك، ﴿ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴾ وأعْدَلُهم. الآية 46، والآية 47: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ تعالى: ﴿ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ يعني إنّ ابنك - الذي هَلَكَ - ليس مِن أهلِك الذين وعدتُكَ أنْ أُنجيهم، فـ ﴿ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾ أي لأنه كافر، وعَمَلُهُ عملٌ غيرُ صالح، ففي قراءةٍ أخرى: ﴿ إنه عَمِلَ غيرَصالح ﴾، ﴿ فَلَا تَسْأَلْنِ ﴾ يانوح ﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾، وفوِّضْ الأمرَ إليَّ، ﴿ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾: يعني أعظك وَعْظاً تنجو به من صفات الجاهلين. ♦ فحينئذٍ نَدِمَ نوحٌ على ما صَدَرَ منه، و ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ﴾ أي أعتصم بك مِن ﴿ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ﴾ ﴿ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي ﴾ يعني: وإنْ لم تغفر لي ذنبي ﴿ وَتَرْحَمْنِي ﴾ برحمتك: ﴿ أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ أيالهالكين في الدنيا والآخرة. الآية 48: ﴿ قِيلَ ﴾ أي: قال اللهُ تعالى: ﴿ يَا نُوحُ اهْبِطْ ﴾ من السفينة إلى الأرض ﴿ بِسَلَامٍ مِنَّا ﴾ ﴿ وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ﴾ مِن الآدميين وغيرهم (من الأزواج التي حملتَها معك)، وبالفِعل، فقد بارَكَ اللهُ في الجميع، حتى ملأتْ ذرياتهم جميع أنحاء الأرض، ﴿ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ﴾ يعني: وهناك أُمَمٌ - مِن أهل الشَقاء - سنُمَتِّعهم في الدنيا إلى أن يَبلغوا آجالهم ﴿ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ يوم القيامة. الآية 49: ﴿ تِلْكَ ﴾ القصة التي قصصناها عليك - أيها الرسول - هي ﴿ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ﴾ ﴿ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ﴾ البَيان، ﴿ فَاصْبِرْ ﴾ على تكذيب قومك وإيذائهم لك، كما صَبَرَ نوح على أذى قومه فكانت العاقبة له، ﴿ إِنَّ الْعَاقِبَةَ ﴾ الطيبة في الدنيا والآخرة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الذين يَخشونَ اللهَ تعالى فيَجتنبوا مَعاصيه. الآية 50: ﴿ وَإِلَى عَادٍ ﴾ أي: ولقد أرسلنا إلى قبيلة عاد: ﴿ أَخَاهُمْ هُودًا ﴾ حينَ عبدوا الأصنام مِن دون اللهِ تعالى، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده، فـ ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ ﴾ يَستحق العبادة ﴿ غَيْرُهُ ﴾ فأخلِصوا له العبادة، ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ﴾ يعني: ما أنتم إلا كاذبونَ على اللهِ تعالى بزَعْمِكم أنّ له شُرَكاء. الآية 51: ﴿ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ أي لا أطلب منكم أجراً على ما أدعوكم إليه من التوحيد، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ﴾ يعني: ما أجري إلا على اللهِ الذي خلقني، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ فتُمَيِّزوا بين الحق والباطل؟! الآية 52: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾ نادمينَ على ما فعلتم، مُعترفينَ بخطئكم ﴿ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ مِن شِرككم وذنوبكم، فإنكم إنْ فعلتم ذلك ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾: أي يُرسل المطر عليكم متتابعًا كثيرًا فتَكثُر خيراتكم ﴿ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ (فإنهم كانوا مِن أقوى الناس)، ولهذا قالوا: (مَن أشَدّ مِنّا قوة)؟، فوعدهم هُود عليه السلام أنهم إن آمَنوا، زادهم اللهُ قوةً إلى قوتهم، ﴿ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ أي: ولا تُعرضوا عَمَّا دعوتُكم إليه، مُصِرِّينَ على إجرامكم. الآية 53، والآية 54، والآية 55: ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ﴾ أي ما جئتنا بحُجَّةٍ واضحةٍ على صحة ما تدعونا إليه، وقد كَذَبوا في ذلك، فإنه ما جاءَ نبيٌ لقومه، إلاَّ وبَعَثَ اللهُ على يديه مُعجِزَةً تَشهَد له بصِدق رسالته، وأمّا إنْ كانَ قَصْدهم بالبَيِّنة: المُعجزة التي يَقترحونها عليه، فهذه غير لازمة، بل اللازم أن يأتي النبي بآيةٍ تدل على صحة ما جاء به. ♦ ثم قالوا له: ﴿ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ ﴾ أي مِن أجْل قولك ﴿ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾ يعني: وما نقول إلا أنّ بعض آلهتنا قد أصابتك بجنون بسبب نَهْيِكَ عن عبادتها، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم هود: ﴿ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ ﴾ على ما أقول، ﴿ وَاشْهَدُوا ﴾ أنتم أيضاً على ﴿ أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ من الأصنام التي تعبدونها ﴿ مِنْ دُونِهِ ﴾ سبحانه، ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ﴾:أي فاجتمعوا - أنتم وآلهتكم - على إيذائي ﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾ أي: ثم لا تؤخروني، بل عَجِّلوا بذلك، فإني لا أهتم بآلهتكم لاعتمادي على حِفظ اللهِ وحده. الآية 56: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾ أي مالِكُ كُلِّ شيءٍ والمتصرف فيه، فلا يُصيبني شيءٌ إلا بأمْره، و ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ تدِبُّ على هذه الأرض ﴿ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ يعني إلا واللهُ مالكها، وهي في سلطانه وتصرفه ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ يعني: إنه سبحانه عَدلٌ في شَرعه وقضائه، فيُجازي المُحسِن بإحسانه والمُسِيء بإساءته. الآية 57: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: أي فإن تتولوا، والمعنى: (فإن تُعرضوا عمَّا أدعوكم إليه من توحيد اللهِ وإخلاص العبادة له) ﴿ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ﴾ من ربي، وأقمتُ عليكم الحُجَّة، فإن لم تؤمنوا: فستكونوا من الهالكين ﴿ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾ أي: وسيأتي ربي بقومٍ آخرينَ يَخلُفونكم، ويُخلصون له العبادة، ﴿ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ﴾ لأنّ إعراضكم يَضُرُّكم أنتم، أمّا اللهُ تعالى فهو غنيٌ عن عبادتكم، لا تضره مَعصية العاصين، ولا تنفعه طاعة الطائعين، وإنما مَن عمل صالحاً فلنفسه، ومَن أساءَ فعليها، ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ (فهو سبحانه الذي يَحفظني مِن أن تُصِيبوني بسوء). الآية 58: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ﴾ بعذابهم: ﴿ نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ﴾ ﴿ وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ أي: ونجَّيناهم مِن عذابٍ شديد أنزلناه بقوم عاد. الآية 59، والآية 60: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ - ولهذا قالوا لهود: (مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ)، فتَبَيَّنَ بهذا أنهم كانوا مُتَيَقنون بدعوته، وإنما عانَدوا ﴿ وَعَصَوْا رُسُلَهُ ﴾ (لأنّ مَن عَصَى رسولاً فقد عَصَى جميع الرسل، إذ دعوتهم واحدة وهي التوحيد)، ﴿ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾: أي: وأطاعت عادٌ أمْرَ كل متكبرٍ عنيد، لا يَقبل الحق ولا يَخضع له، ﴿ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ﴾ مِن اللهِ تعالى، فأخبارهم القبيحة قد وصلتْ إلى كل وقتٍ وجِيل، فيَلعنهمالمؤمنون ويَذمُّونهم، ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ لهم أيضاً لعنة، بطَردهم من الجنة وإدخالهم النار، ﴿ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ﴾ أي جحدوا ربهم الذي خَلقهم ورزقهم فعبدوا معه غيره، ﴿ أَلَا بُعْدًا ﴾ وهلاكًا ﴿ لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴾ بسبب شِركهم وكُفرهم بنعمة ربهم. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#92
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الرابع من سورة هود كاملا بأسلوب بسيط الآية 61: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ ﴾ أي: ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود: ﴿ أَخَاهُمْ صَالِحًا ﴾ حينَ عبدوا الأصنام مِن دون اللهِ تعالى، فـ (قَالَ) لهم: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده، فـ ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ ﴾ يَستحق العبادة ﴿ غَيْرُهُ ﴾ فأخلِصوا له العبادة، إذ (هُوَ) سبحانه الذي ﴿ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ أي بدأ خَلْقكم من الأرض (بخَلق أبيكم آدم منها)، ﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ أي جَعَلكم عُمَّارا لها، وجعلكم تنتفعون بما فيها، فكما أنه لا شريك له في ذلك، إذاً فلا تُشركوا به في عبادته، (واعلم أنّ في قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ دليلٌ على النَهي عن (تلوث البيئة) وأنه من المُحرَّمات). ♦ ثم قال لهم: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ أي فاطلبوا منه أن يَغفر لكم ما صَدَرَ منكم من الشرك والذنوب، ﴿ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ أي: ثم ارجعوا إليه بالإيمان والعمل الصالح، ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ ﴾ مِمَّن أخلصَ له العبادة، ورَغِبَ في التوبة إليه، ﴿ مُجِيبٌ ﴾ لمن دعاه وحده، ولم يَدعُ غيره. ♦ واعلم أنَّ القُربَ نوعان: قربٌ بعِلمِهِ - سبحانه - وإحاطته مِن جميع خَلقه، وقربٌ مِن عابدِيهِ وداعِيهِ (بالإجابة والمَعُونة والتوفيق والرحمة)، وهذا مِثلما يقول أحدهم: (هذا الرجل مِن المُقرَّبين لَدَيّ) - أي مُقّرَّبٌ منه في المَنزلة والعطاء وقريبٌ إلى رضاه عنه، وليس مُقّرَّباً منه بجسده. ♦ وهذا النوع من القُرب يَقتضي لُطفه تعالى بسائليه وإجابته لدعواتهم، ولهذا يَقرن سبحانه دائماً اسمه "القريب" باسمه "المُجيب". الآية 62: ﴿ قَالُوا ﴾ أي: قالت ثمود لنبيِّهم صالح: ﴿ يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا ﴾: أي: لقد كنا نرجو أن تكون فِينا سيدًا مُطاعًا ﴿ قَبْلَ هَذَا ﴾ أي قبل هذا القول الذي قلته لنا، (وهذه شهادة منهم لنبيِّهم صالح بأنه كانَ معروفاً بينهم بمَكارم الأخلاق ومَحاسن الصفات، وأنه مِن خِيار القوم)، ولكنه لَمَّا جاءهم بهذا الأمر - الذي لا يُوافق أهواءهم الفاسدة - قالوا له: ﴿ أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا ﴾؟ ﴿ وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ أي مُوقِع في الحيرة والقلق والتردد. الآية 63، والآية 64: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾ أي على عِلمٍ يَقيني أوحاه إليَّ ربي، وأمَرني أن أدعو الناس إليه، وهو عبادته وحده لا شريك له، لأنه الخالق الرازق المُستحق وحده للعبادة، ﴿ وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً ﴾ وهي النُبُوَّة والرسالة، ﴿ فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ﴾ أي: فمن الذي يَدفع عني عقابَ اللهِ إن عصيتُه ولم أُبَلِّغ رسالته لكم (بسبب توبيخكم لي)؟! ﴿ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ﴾: أي فما تَزيدونني - إن أطعتكم وعصيتُ الله - إلاّ الخُسران والعذاب. ﴿ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ ﴾ قد جعلها ﴿ لَكُمْ آَيَةً ﴾ تدلُّ على صِدقي فيما أدعوكم إليه (لأنها خرجتْ من الصخرة)، ﴿ فَذَرُوهَا ﴾ أي فاتركوها ﴿ تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ﴾ (فليس عليكم رِزقها)، ﴿ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ ﴾ أي: ولا تذبحوها ﴿ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴾ أي قريبٌ مِن وَقت ذَبْحها. الآية 65: ﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾: أي فكذَّبوه وذبَحوا الناقة، ﴿ فَقَالَ ﴾ لهم صالح: ﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ﴾: أي استمتعوا بحياتكم في بلدكم ﴿ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ﴾ فإنّ العذاب نازلٌ بكم بعدها، ﴿ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ أي لابد مِن وقوعه. الآية 66: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ﴾ بهلاك ثمود: ﴿ نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ﴾ ﴿ وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ﴾ أي: ونجيناهم مِن ذُلّ ذلك اليوم وإهانته ﴿ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ (ومِن قوته وعِزَّته أنْ أهلَكَ الأمم الطاغية، ونَجَّى الرُسُل وأتْباعهم). الآية 67، والآية 68: ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ﴾ يعني: وأخذت الصيحة القوية ثمود الظالمين ﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ أي مَوتى هامدين، ساقطينَ على وجوههم لا حِرَاك لهم ﴿ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ﴾: يعني كأنهم - في سُرعة زوالهم - لم يَعيشوا في هذه الديار الخاوية، ﴿ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ﴾ أي جحدوا ربهم الذي خَلقهم ورزقهم فعبدوا معه غيره،وكذلك جحدوا بآيته الواضحة (وهي الناقة)، ﴿ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ﴾ من رحمة اللهِ تعالى. الآية 69، والآية 70: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ﴾ يعني: ولقد جاءت الملائكة - في صورة بَشَر - إلى إبراهيم عليه السلام، لِيُبَشِّروه بإنجاب الولد - ولم يكن يعلم أنهم ملائكة -، فلَمَّا رأوه ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ سَلَامًا ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ إبراهيمُ رَدًّا على تحيتهم: ﴿ سَلَامٌ ﴾ ﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾: أي فذهب سريعًا وجاءهم بعِجلٍ سمين مَشويٍّ ليأكلوا منه، ﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ ﴾ أي لا تَصِل إلى العِجل الذي جاءهم به، ولا يأكلون منه: ﴿ نَكِرَهُمْ ﴾ أي أنكَرَ ذلك منهم، ﴿ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ يعني: وأحَسَّ في نفسه بخوفٍ منهم (لأنه ظن أنهم أرادوا به شراً عندما لم يأكلوا)، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ أي إننا ملائكة ربك، وقد أُرسلنا إلى قوم لوط لإهلاكهم. الآية 71: ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ ﴾ يعني: وامرأة إبراهيم - سارة - كانت قائمة مِن وراء الستر تَسمع الكلام، ﴿ فَضَحِكَتْ ﴾ تعجبًا مِمَّا سمعتْ، ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ ﴾: أي فبَشَّرَها اللهُ تعالى - على ألسِنة الملائكة - بأنها ستَلِد ولدًا يُسَمَّى "إسحاق" ﴿ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ أي: وسيكونُ لها حفيدٌ من إسحاق يُسَمَّى يعقوب. الآية 72: ﴿ قَالَتْ ﴾ سارة مُتعجبة: ﴿ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ ﴾ ﴿ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ﴾ يعني: وهذا زوجي في حال الشيخوخة والكِبَر؟ ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾. الآية 73، والآية 74، والآية 75: ﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ وقدرته؟، فما زالت ﴿ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ ﴾ يا ﴿ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ يعني يا أهل بيت النُبُوّة، ومعنى الآية: (لا تتعجبي مِن أمْر اللهِ تعالى، لأنّ إعطاءكم الولد هو رحمةٌ من الله وبَرَكة ، وأنتم أهلٌ لتلك الرحمة والبَرَكة، فلا عَجَبَ إذاً في وقوعها عندكم)، (واعلم أنّ البَرَكة هي الزيادة مِن الخير والإحسان) ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ حَمِيدٌ ﴾: أي مُستحق للثناء في كل حال، ﴿ مَجِيدٌ ﴾: أي ذو مَجْدٍ وعَظَمة. ♦ واعلم أنّ في قول الملائكة لامرأة ابراهيم: ﴿ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ دليلٌ على أنّ امرأة الرجل تُعتبَر مِن أهل بيته، وفي هذا رَدٌّ واضح على مَن يَزعمون أنهم يُحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يُعادونَ زوجاته. الآية 76: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ﴾ أي: فلمَّا زالَ عن إبراهيم الخوف الذي أصابه لعدم أكل الضيوف من الطعام ﴿ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى ﴾ بإسحاق ويعقوب: إذا به ﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾: أي يجادل رُسُلنا - فيما أرسلناهم به - من إهلاك قوم لوط، ثم ذَكَرَ تعالى سبب مجادلة إبراهيم عليه السلام للملائكة بشأن قوم لوط، فقال: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ ﴾ أي كثير العفو وتَحَمُّل الأذى، لا يُحب المُعاجَلة بالعقاب، ﴿ أَوَّاهٌ ﴾: أي كثير الدعاء والتضرع إلى اللهِ تعالى، ﴿ مُنِيبٌ ﴾: أي يُكثِرُ التوبةَ مِن التقصير، ويُحاسب نفسه على كل ما يَصدر منها. ♦ فبذلك وضَّحَ سبحانه أن إبراهيم عليه السلام كان حليماً رقيق القلب، وكان أوَّاهاً (أي يُكثر مِن قول كلمة (آه) إذا رأى أو سَمِعَ ما يَسُوءه)، وكانَ كثير التوبة والرجوع إلى اللهِ في أموره كلها، فلذلك أراد تأخير العذاب عنهم لعلهم يَتوبون، ولكنّ اللهَ عَلِمَ أنهم لن يَتوبوا، فلذلك قالت له الملائكة: ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ أي أعرِض عن هذا الجدال في أمْر قوم لوط وطلب الرحمة لهم، فـ ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ بهلاكهم، ﴿ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ أي غير مَدفوعٍ عنهم. الآية 77: ﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا ﴾ لإخباره بأمْر إهلاك قومه: إذا به قد ﴿ سِيءَ بِهِمْ ﴾: أي أصابه الغَمّ لمَجيئهم ﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ﴾ أي: وعَجَزَ عن تدبير خَلاصهم (لأنهم جاءوا له في صورة شباب في غاية الجمال، فخاف عليهم مِن قومه أن يُريدوا بهم الفاحشة، ولم يكن يعلم أنهم ملائكة)، ﴿ وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ أي: هذا يومُ بلاءٍ وشدة. الآية 78: ﴿ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ ﴾ أي: وجاء قومُ لوط يُسرعون إليه، ﴿ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ أي: وكانوا مِن قبل مَجيئهم يأتون الرجال شهوةً مِن دون النساء، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم لوط: ﴿ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ ﴾ - أي بنات القرية جميعاً - ﴿ بَنَاتِي ﴾، تَزَوَّجوهنَّ فـ ﴿ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ مِمّا تريدون (وسَمَّاهُنّ بناته، لأنّ نَبِيّ الأُمّة بمَنزلة الأب لهم، ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود - رضي اللهُ عنه - في سورة الأحزاب: (وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم)). ♦ ثم قال لهم لوط: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ واحذروا عقابه، ﴿ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ﴾ أي: ولا تفضحوني بالاعتداء على ضيفي، ﴿ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾: يعني أليس منكم رجل عاقلٌ حكيم، يَنهى مَن أرادَ الفاحشة، ويَمنعه عمَّا يريد؟! الآية 79، والآية 80: ﴿ قَالُوا ﴾ أي: قال قوم لوطٍ له: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ﴾: أي لقد علمتَ مِن قبلُ أنه ليس لنا رغبة في نكاح النساء، ﴿ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾ أي لا نريد إلا الرجال الذين عندك، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم حين رفضوا الاستجابة له: ﴿ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ﴾: يعني يا لْيْتَ لي قوة أدفعكم بها، ﴿ أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ يعني: ولو أني أركَن إلى عشيرةٍ قوية تمنعني منكم، لاستطعتُ أن أمنعكم عمّا تريدون، (وقد أرادَ بذلك أنه ليس له أنصارٌ، لأنّه كان غريباً بينهم) ، (ويُحتمَل أن يكون معنى هذه الجملة: ﴿ أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ أي: بل سَآوي إلى اللهِ سبحانه وتعالى ليَعصمني منكم). الآية 81: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قالت له الملائكة - لمَّا رأوا شدة خوفه ونَفاد حيلته -: ﴿ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ ﴾ وقد أرْسَلَنا سبحانه لإهلاك قومك، وإنهم ﴿ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ﴾ بسُوء بعد أن نَنصرف عنك، (كما قال تعالى في سورة القمر: (﴿ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ﴾ أي فأعميناهم حتى لا يَصلوا إلى الملائكة). ♦ ثم قالت له الملائكة: ﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ﴾: أي فاخرج مِن قريتك أنت وأهلك المؤمنون ﴿ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ﴾: أي بعد مرور جزء من الليل (يعني قبل الفجر بكثير)، لتتمكنوا من البُعد عن قريتكم، وأسرِعوا بالخروج، وليَكُن هَمُّكم النجاة، ﴿ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ﴾ وراءه، حتى لا يَرى العذاب فيُصيبه ﴿ إِلَّا امْرَأَتَكَ ﴾ فاتركها، فـ ﴿ إِنَّهُ مُصِيبُهَا ﴾ من العذاب (مَا أَصَابَهُمْ) (لأنها كانت تَدُلّ قومها على ضيوف لوط)، ثم قالت له الملائكة: ﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ﴾، فكأنّ لوطاً استعجل ذلك العذاب، فقالوا له: ﴿ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾؟، والجواب: بلى قريب. الآية 82، والآية 83: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ﴾ بنزول العذاب بهم: قلَبْنا قريتهم التي كانوا يَعيشون فيها، فـ ﴿ جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ﴾ ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ﴾) وهي حجارة صَلبة شديدة الحرارة، ﴿ مَنْضُودٍ ﴾ أي متتابعة في نزولها،وتَتْبَعُ مَن يُحاول الهرب منها، ﴿ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ ﴾: أي مُعَلَّمَة عند اللهِ تعالى بعلامةٍ معروفة لا تُشبه حجارة الأرض، ﴿ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ أي: وما هذه الحجارة التي أمطرها اللهُ على قوم لوط ببعيدةٍ مِن كفار قريش أن يُمْطَروا بمِثلها (وفي هذا تهديدٌ لكل عاصٍ متمرِّد على الله). * وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#93
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الخامس من سورة هود كاملا بأسلوب بسيط • الآية 84: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ﴾ أي: ولقد أرسلنا إلى قبيلة مَدْيَن: ﴿أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾، فـ﴿قَالَ﴾لهم: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وحده، فـ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ﴾ يَستحق العبادة ﴿غَيْرُهُ﴾ فأخلِصوا له العبادة،﴿وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾ أي: ولا تنقصوا الناسَ حقوقهم في مَكاييلهم ومَوازينهم، ﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾: يعني إني أراكم في سَعَةٍ من العيش، لا تحتاجون معها إلى هذا الغش في الميزان، ﴿وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ - بسبب إنقاص الكَيل والميزان - ﴿عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ أي يُحِيطُ بكم، ولا يُبقِي منكم أحداً. ♦ واعلم أنّ هذا مِن آداب النصيحة: أن تبدأ بالثناء على مَن تنصحه - فإنّ الناسَ قد فَطَرَهم اللهُ على حُبّ مَن يَمدحهم -، وذلك بأنْ تَذكُر له أيَّ صفةٍ جيدة فيه، كأنْ تقول له: (واللهِ أنا سعيد جداً لأنك حريص على صلاة الجماعة، ولكني - واللهِ - أخافُ عليك مِن فِعل كذا، لأني أحبك)، فبهذا يَقبل منك النصيحة. • الآية 85، والآية 86: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ يعني أتِمُّوا الكَيل والميزان بالعدل، ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ أي: ولا تُنْقِصوا الناس حقهم في عموم أشيائهم. ♦ واعلم أنه قد أعاد النداء عليهم في قوله: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾ بعد أن نَهاهم عن ذلك في قوله: ﴿وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾، وذلك لزيادة التأكيد والتنبيه على إيفاء الكَيل والميزان. ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ أي: ولا تسعوا في الأرض بأنواع الفساد، كالشرك والمعاصي (ومِن ذلك أكْلُكُم أموال الناس بالباطل)، فـ ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ﴾ يعني: ما يَتبقى لكم من الربح الحلال - بعد إتمام الكَيل والميزان - هو﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ممَّا تأخذونه بالغش وغير ذلك من الكسب الحرام، فإنّ اللهَ يُبارك لكم في الحلال - ولو كان قليلاً - بشرط: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (فإنّ البَقية لا تكونُ خيراً إلاّ للمؤمنين)، ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾:يعني وما أنا عليكم برقيب أحفظ عليكم أعمالكم وأحاسبكم عليها، وإنما أُبَلِّغكم ما أُرْسِلتُ به إليكم. • الآية 87: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ﴾ التي تُداوم عليها ﴿تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا﴾ من الأصنام، ﴿أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾: يعني وتأمرك أيضاً أن نَمتنع عن التصرف في كَسْب أموالنا بما نشاءُ مِن احتيالٍ ومكر؟!، ثم قالوا - استهزاءً به -: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ (ومعنى كلامهم: كيف تكون أنت الحليم الرشيد، ويكونُ آباؤنا هم السُفهاء الضالون؟!)، وهذا كقول الملائكة لأبي جهل - وهو في النار -: ﴿ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم﴾. ♦ واعلم أنهم قالوا له: ﴿أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ﴾، ولم يقولوا له: ﴿أدِينُكَ يَأْمُرُكَ﴾، لأنّ الصلاة كانت مِن عِماد الشرائع كلّها، وكان المُكذبون في كل أُمَّةٍ يُنكرونها ويَستهزئون بفاعلها، فلَمَّا كانت الصلاة هي الأمر الظاهر مِن دينه، ورأوه يُداوم على فِعلها، جعلوها هي التي تأمره بالإنكار عليهم. • الآية 88: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ أي على يَقينٍ وطُمأنينة مِمّا أوحاه إليَّ ربي وأمَرني أن أدعوكم إليه، وهو أن تعبدوه وحده لا شريك له - لأنه الخالق الرازق المُستحق وحده للعبادة - وأن تنتهوا عن الغش في الميزان، ﴿وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ أي رزقًاً حلالاً طيبًا، فأخبِروني إذاً: هل يَليقُ بي أنْ أُنكِر هذا الحق والخير وأتَّبعكم على باطلكم؟ لا يكونُ ذلك أبداً. ♦ وقد قيل: إنّ المُراد بالرزق الحَسَن هنا هو نعمة النُبُوّة والرسالة، وإنّما عَبّرَ عنها بالرزق ليُشابه قولهم: (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)، لأنّ الأموال رِزق، والنُبُوة والهداية أيضاً رِزق، واللهُ أعلم. ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ يعني: وما أريد أن أرتكب أمرًا نَهيتكم عنه، بل إنني سأكونُ أوّل مَن يَتركه، لأكون قدوةً لكم، ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ يعني: وما أريد بدعوتي لكم إلا إصلاحكم قَدْر استطاعتي، ﴿وَمَا تَوْفِيقِي﴾ - في محاولة إصلاحكم-﴿إِلَّا بِاللَّهِ﴾ (لا بِحَولي ولا بقوتي)، فإني ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ أي عليه وحده اعتمدتُ في الثبات على دينه الحق، وفي حمايتي مِن كَيدكم، ﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ يعني: وإليه أرجع في كل أموري. • الآية 89: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾: أي لا تَحمِلنَّكم عداوتكم لي على العناد والإصرار على ما أنتم عليه ﴿أَنْ يُصِيبَكُمْ﴾ أي حتى لا يُصيبكم﴿مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ﴾ من الهلاك، ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾: يعني وما قومُ لوطٍ - وما نَزَلَ بهم من العذاب - ببَعِيدِين عنكم لا في المكان ولا في الزمان. • الآية 90، والآية 91: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ نادمينَ على ما فعلتم، مُعترفين بخطئكم،﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ من الشرك والمعاصي وارجعوا إليه بالإيمان والطاعة، ﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ أيكثير المَوَدَّة والمَحبة لمن تاب إليه، فيَرحمه ويَقبل توبته (واعلم أنّ معنى الودود: أنه سبحانه يُحب عباده المؤمنين ويُحبونه). ♦ فلَمَّا تضايقوا من نصائحه ومَواعظه لهم ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ﴾ أي لا نفهم﴿كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾ (ذلك لبُغضهم لِمَا جاءهم به، لأنه يُخالف أهوائهم)، ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ أي لستَ من الكُبَراء ولا من الرؤساء، ﴿وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾: يعني ولولا مُراعاة عشيرتك لقتلناك رَجْماً بالحجارة - وكانت عشيرته مِن أهل مِلَّتِهم -، ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾: يعني وليس لك قَدْرٌ واحترامٌ في نفوسنا. • الآية 92: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي﴾ يعني أعَشيرتي﴿أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ﴾؟ ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ أي: وتركتم أمْرَ ربكم فجعلتموه خلف ظهوركم، ﴿إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ أي لا يَخفى عليه شيئٌ من أعمالكم، وسيُجازيكم عليها عاجلاً أو آجلاً. • الآية 93: ﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ أي اعملوا على طريقتكم - التي أنتم عليها من مُخالفتي وعداوتي -، فـ ﴿إِنِّي عَامِلٌ﴾ على طريقتي التي شرعها لي ربي، ولن أتركها مهما فعلتم، ثم هَدَّدَهُم بقوله: ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ - عند حلول العذاب بكم - ﴿مَنْ﴾ مِنّا الذي﴿يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ أي يُذِلُّه، ﴿وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ﴾ في قوله، أنا أم أنتم؟ ﴿وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ أي: وانتظروا ما سيَحِلّ بكم، فإني معكم من المنتظرين (وفي هذا تهديدٌ شديدٌ لهم). • الآية 94، والآية 95: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ بإهلاك قوم شعيب ﴿نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا﴾ ﴿وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ من السماء فأهلكتهم، ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ أي باركينَ على رُكَبهم، مَيّتينَ لا حِرَاك لهم ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾: يعني كأنهم لم يُقيموا في ديارهم وقتًا من الأوقات،﴿أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ﴾ إذ أهلكها اللهُ وأذَلَّها﴿كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ (وَوَجْه الشَبَه بين هاتين القبيلتين (مَدين وثمود) هو نوع العقاب المُشترَك بينهما، وهو عذاب الصيحة، واللهُ أعلم﴾. ♦ ويُلاحَظ أنّ اللهَ تعالى قال في قصة صالح: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾، وقال في قصة شعيب: ﴿وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾، فجاء الفعل: ﴿أخَذَ﴾ مَرّة مُذكراً ومَرّة مُؤنثاً، فما السبب؟ • والجواب: أنّ كلمة ﴿الصيحة﴾ ليست مُؤنّثاً حقيقياً، بمعنى أنه يجوز أن تأتي مع الفِعل المُذَكَّر: ﴿أخذ﴾، كما يجوز أن تأتي مع الفِعل المُؤنَّث: ﴿أخذتْ﴾. ♦ والفرق بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المَجازي: أنّ المؤنث الحقيقي هو كل ما يَلد أو يَبيض، وأما المؤنث المَجازي فهي كلمات استُعمِلتْ بصيغة المؤنث، مع أنها مما لا يَبيض ولا يَلد, مثل: (شجرة, كلمة, يد, شمس, طريق, تفاحة, صيحة، وغير ذلك). ♦ ففي قصة قوم صالح جاء الفعل ﴿أخذ﴾ مُذكراً، لأنه تعالى ذَكَرَ قبلها كلمة ﴿الخزي﴾ وهي كلمة مُذكَّرة، وذلك في قوله: ﴿وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ﴾، ثم قال بعدها: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ فكان هذا أنسب لتذكير الفعل ﴿أخذ﴾. • وأما في قصة قوم شعيب فلم يَذكر اللهُ كلمة ﴿الخزي﴾، ولكنه ذكَرَ - في سور أخرى - عذاب قوم شعيب بلفظ: (الرجفة والظلة)، فكان هذا أنسب لتأنيث الفعل ﴿أخذتْ﴾، والله أعلم. • الآية 96، والآية 97، والآية 98: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا﴾ الدالّة على أنه رسولٌ من عند اللهِ تعالى، وهي الآيات التسع التي أعطاها اللهُ له فهَزَمَ بها فرعون، (وهي العصا واليد والطوفان، والجَراد والقُمَّل والضفادع، والدم ونقص من الثمرات والأنفس)، ﴿وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾أي: وأرسلناه بحُجَّةٍ قوية واضحة، تُبَيِّن لمن تأمَّلها وجوب توحيد اللهِ تعالى وبُطلان ألوهية مَن سواه. ♦ واعلم أنه يُحتمَل أن يكون المراد بالسُلطان المُبِين: ﴿العصا﴾، وإنما أعاد ذِكرها بعد أن ذَكَرَ الآيات عموماً، لأنّ العصا أشهر الآيات وأقواها، وبها هُزِمَ السَحَرة، واللهُ أعلم. ♦ فأرسلناه بهذه الآيات ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ وهم أكابر أتْباعه وأشراف قومه، فكفر فرعون وأمَرَ قومه أن يَتَّبعوه على الكفر ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ﴾ وأطاعوه، وخالفوا أمْرَ موسى، ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾أي:وليس في أمْر فرعون رُشْدٌ ولا هُدى، وإنما هو جَهْلٌ وضَلال وكُفرٌ وعِناد، وإنه ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ أي يَتقدم قومه حتى يُدخلهم النار يوم القيامة، ﴿وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾أي: وقبُح هذا المُدخَل الذي يَدخلونه، وهو جهنم. • الآية 99: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً﴾ أي: وأتْبعهم اللهُ في هذه الدنيا لعنةً، فأخبارهم القبيحة قد وصلتْ إلى كل وقتٍ وجيل، فيَلعنهمالمؤمنون ويَذمُّونهم، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لهم أيضاً لعنة، بطَردهم من الجنة وإدخالهم النار، ﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾:أي قَبُحَ العطاءَ المُعطَى (وهو الغرق في الدنيا، مع لعنة الدنيا والآخرة). • الآية 100، والآية 101: ﴿ذَلِكَ﴾ القصص الذي ذكرناه لك - أيها الرسول - هو﴿مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى﴾ التي أهلكنا أهلها﴿نَقُصُّهُ عَلَيْكَ﴾ أي نُخبرك به لتُنذر به قومك، ﴿مِنْهَا قَائِمٌ﴾ يعني: ومِن تلك القرى ما له آثارٌ باقية، ﴿وَحَصِيدٌ﴾ أي: ومنها ما قد مُحِيَتْ آثاره، فلم يَبْق منه شيء، ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ ﴿وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ بشِركهم وإفسادهم في الأرض، ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾: أي فما نَفعتهم آلهتهم التي كانوا يَدعونها ويَطلبون منها أن تدفع عنهم الضر﴿لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ بعذابهم، ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ أي: وما زادتهم آلهتهم إلا تدمير وإهلاك وخُسران. • الآية 102: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾: يعني وكما أخَذَ ربك أهل هذه القرى الظالمة بالعذاب، فكذلك يأخذ غيرهم إذا ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، ﴿إِنَّ أَخْذَهُ﴾ بالعقوبة﴿أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ لا يُطاق ولا يُحتمَل. • الآية 103، والآية 104: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً﴾: يعني إنّ في أخْذِنا لأهل هذه القرى الظالمة لَعِبرةً وعِظة ﴿لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ﴾ ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ﴾ جميعًا للحساب والجزاء، ﴿وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ أي يَشهده الخلائق كلهم، ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ يعني إلا لانتهاء مُدَّة مَعدودة في عِلمنا، لا تزيد ولا تنقص. • الآية 105: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ يعني: يوم يأتي يوم القيامة، لا تتكلم نفسٌ إلا بإذن ربها، ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ﴾ مُستحِقّ للعذاب، ﴿وَسَعِيدٌ﴾ قد تفضَّلَ اللهُ عليه بالنعيم، بسبب ما قدَّمَ من الإيمان والعمل الصالح. • الآية 106، والآية 107: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾: أي فأمّا الذين أصابهم الشقاء - لفساد عقيدتهم وسُوء أعمالهم - فالنار مُستَقرُّهم، ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ فإذا رأوا أحد أصناف العذاب مُقبلٌ عليهم، شَهقوا من الخوف، فإذا أصاب أجسادهم، صرخوا من شدة الألم، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ فلا يَنقطع عذابهم ولا يَنتهي ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ مِن إخراج عُصاة المُوَحِّدين بعد مدَّة مِن بَقاءهم في النار﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾. • الآية 108: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾: يعني وأما الذين رزقهم اللهُ السعادة فيَدخلون الجنة ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾: يعني إلا الفريق الذي شاء اللهُ تأخيره، وهم عُصاة المُوَحِّدين، فإنهم يَبقون في النار فترة من الزمن حتى يُنَقّوا مِن ذنوبهم، ثم يُخرجهم اللهُ منها إلى الجنة، ويُعطيربك هؤلاء السُعداء في الجنةِ مِن أصناف النعيم ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ أي غيرَ مقطوعٍ عنهم. • الآية 109: ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ﴾: أي فلا تكن - أيها الرسول - في شَكٍّ مِن بُطلان هذه الأصنام التي يَعبدها مُشركوا قومك، فـ ﴿مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ يعني: فإنما هم مُقلدون لآبائهم بغير علمٍ أو دليل، ﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ أي: وإنَّا لَمُعطُوهم ما وعدناهم به من العذاب تامّاً﴿غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#94
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] رامي حنفي محمود تفسير الربع الاخير من سورة هود كاملا بأسلوب بسيط • الآية 110: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ - وهو التوراة - ﴿ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ﴾: أي فاختَلَفَ فيه قومه، فآمَنَ به جماعة وكَفَرَ به آخرون (كما فَعَلَ قومك بالقرآن أيها الرسول)، ﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ﴾ بأنه لا يُعَجِّل لخَلقه العذاب في الدنيا: ﴿ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾: أي لَنَزَلَ بهم قضاءُهُ في الدنيا بإهلاك المُكذِّبين ونجاة المؤمنين، ﴿ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ﴾ يعني: وإنّ الكفار لَفي شَكٍّ مِن هذا القرآن مُوقع في الحيرة والقلق (وذلك بسبب فساد قلوبهم واتِّباعهم لأهوائهم). • الآية 111: ﴿ وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ يعني: وإنّ كل العباد - مُؤمنهم وكافرهم - لَيُعطِيَنَّهم ربك جزاءَ عملهم كاملاً يوم القيامة، ﴿ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالهم، فلذلك لن يكونَ جزاءه إلا عادلاً. • الآية 112: ﴿ فَاسْتَقِمْ ﴾ - أيها النبي - ﴿ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ أي كما أمَرَك ربك، ﴿ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾: أي استقم أنت ومَن تابَ مِن المؤمنين الذين معك (لأنّ الإيمان توبة من الشّرك)، ﴿ وَلَا تَطْغَوْا ﴾ أي: ولا تتجاوزوا حدود اللهِ تعالى، ﴿ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ وسيُجازيكم على أعمالكم. ♦ وقد قال عبد الله ابن عبّاس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾: (ما نَزَلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشَدّ ولا أشَقّ مِن هذه الآية عليه)، ولذلك حين قال له أبو بكر رضي الله عنه: (يا رسول الله، قد شِبتَ)، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شَيَّبَتني هود والواقعة والمُرسَلات وعَمّ يَتساءلون وإذا الشمس كُوِّرَت) (انظر السلسلة الصحيحة ج:2/639)، وقد سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عمّا شَيَّبَه في هود فقال: (قوله: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)). ♦ فعليك أخي الحبيب أن تُسارع بالتوبة، فالموتُ يأتي فجأة، فلا يَخدعك طُول الأمل، وذلك بأن تقول في نفسك: (أنا أعلم أني سأموت، ولكنْ ليس الآن)، فلعل آخر فرصة للتوبة هي التي أنت فيها الآن، ثم تجد نفسك بين يَدَي المَلك الجبار، في لحظةٍ خاطفةٍ مِن ليلٍ أو نهار، وحينها لن يَنفعك الندم، ولن يَرحم بكائك أحد، فأسرِع ولا تتردد، وقِف مع نفسك وقفة العُمر، اللهم إنا نعوذ بك من طُول الأمل وتأخير التوبة. • الآية 113: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ أي لا تَميلوا إليهم بمَحبتهم أو بالرضا عن أعمالهم ﴿ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾: أي حتى لا تصيبكم النار (لأنكم إذا رضيتم عن أعمالهم، أصبحتم مِثلهم، ودخلتم النار معهم)، ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ﴾ يَنفعونكم ويَتولون أموركم في الدنيا، ﴿ ثُمَّ ﴾ إذا مَسَّتكم النار في الآخرة ﴿ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ أي لا تجدون مَن يَنصركم ليُخفّف عنكم عذاب النّار أو يُخرجكم منها. • الآية 114، والآية 115: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ يعني: وأَدِّ الصلاةَ على أتمِّ وجه، ﴿ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ أي في الصباح والمساء، ﴿ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ﴾ يعني: وفي ساعاتٍ من الليل، ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي الأمر بإقامة الصلاة وبيان أنّ الحسنات تمحو السيئات، هو ﴿ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾: أي موعظة لمن اتعظ بها وتذكر. ﴿ وَاصْبِرْ ﴾ - أيها النبي - على الصلاة، وعلى ما تَلْقاه مِن أذى المشركين، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ أي لا يُضيع جزاءهم يوم القيامة) والمُحسنون هم الذين يُخلصون أعمالهم للهِ تعالى ويؤدونها على الوجه الأكمل، فتَنتج لهم الحسنات التي يُذهِب اللهُ بها السيئات). • الآية 116: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: أي فهَلاَّ وُجِدَ من القرون الماضية ﴿ أُولُو بَقِيَّةٍ ﴾ أي أصحابُ بقيّة (يعني أصحاب دين وفَهم وعقل) ﴿ يَنْهَوْنَ ﴾ المشركين الظالمين ﴿ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ﴾؟، والجواب: لم يكن بينهم أحدٌ من أهل الخير والصلاح ﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾: يعني إلا قليلاً مِمَّن آمَن، فنَجَّاهم اللهُ مِن عذابه، ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ ﴾ (والتَرَف هو النعيم والسعة في العَيش)، ومعنى أنهم اتَّبعوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ: أي أقبلوا على متاع الدنيا الفاني - إقبال المُتّبِع على مَتبوعه - ورفضوا الانقياد لدين اللهِ تعالى واتِّباع رُسُله ﴿ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ لأنّ اللهَ هو الذي أعطاهم هذا النعيم فلم يَشكروه، ولم يَمتثلوا أوامره، فأهلكهم اللهُ تعالى. • الآية 117: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾، وإنما يُهلكهم بسبب ظُلمهم وفسادهم. • الآية 118، والآية 119: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي لَجَعَلَ الناس كلهم جماعةً واحدة على دينٍ واحد وهو الإسلام، ولكنه سبحانه لم يَشأ ذلك لحكمةٍ يَعلمها، ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ في أديانهم ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ فآمَنوا به واتَّبعوا رسله (فهؤلاء لا يَختلفون في توحيد الله تعالى)، ﴿ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ أي: وقد شاء سبحانه أن يَخلقهم مُختلفين، ليظهر للخلق قدرته ورحمته وعدله ومغفرته، ولكنه أيضاً أرسل لهم الرسل، وأوضح لهم طريق الخير وطريق الشر. ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ أي: وبهذا يَتحقق وَعْد ربك في قضائه بأنه سيَملأ جهنم من الجن والإنس الذين اتَّبعوا إبليس وجنوده ولم يَهتدوا للإيمان كِبراً وعِناداً. • الآية 120: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ - أيها النبي - ﴿ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ (والمعنى: ونَقص عليك كل ما تحتاج إليه من أخبار الرسل مع أقوامها، مما يكونُ فيه تثبيتاً لقلبك وقوةً لعزيمتك، حتى تُواصِل دعوتك وتُبَلِّغ رسالتك). ﴿ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ ﴾ أي: وقد جاءك في هذه السورة - وما اشتملت عليه من أخبار - بيان الحق الذي أنت عليه، ﴿ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي: وجاءك فيها موعظةً يَرتدع بها الكافرون، وذِكرى يَتذكر بها المؤمنون. • الآية 121، والآية 122: ﴿ وَقُلْ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ من قومك: ﴿ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾: أي اعملوا على طريقتكم - التي أنتم عليها - في مقاومة الدعوة وإيذاء الرسول والمُستجيبين له، فـ ﴿ إِنَّا عَامِلُونَ ﴾ على طريقتنا من الثبات على ديننا وتنفيذ أوامر الله، ﴿ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ أي: وانتظروا ما سيَحِلّ بكم، فإننا معكم مُنتظرون (وفي هذا تهديدٌ شديدٌ لهم). • الآية 123: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ يعني: وللهِ سبحانه وتعالى عِلمُ كل ما غابَ في السماوات والأرض ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾ يوم القيامة، ﴿ فَاعْبُدْهُ ﴾ - أيها النبي - ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ من الخير والشر، وسيجُازي كلاًّ بعمله. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#95
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأول من سورة يوسف كاملا بأسلوب بسيط • الآية 1: ﴿الر﴾ سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة. ﴿تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ أي: هذه هي آياتُ الكتاب الواضح في مَعانيهِ وهُداه، وحلاله وحرامه. • الآية 2: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ﴾ - أيها العَرَب - ﴿تَعْقِلُونَ﴾ أي تَعقلونَ مَعانيه وتَفهمونها، وتَعملونَ بهَدْيِه. • الآية 3: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ - أيها الرسول - ﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ يعني أصَحّ القصص وأصْدَقه، وأنْفَعَهُ وأجْمَلَه، وذلك﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ أي بواسطة وَحْيِنا إليك ﴿هَذَا الْقُرْآَنَ﴾-لأنّ هذه القصص تكونُ عن طريق الوحي - ﴿وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ يعني:وقد كنتَ - قبلَ إنزال القرآن عليك - من الغافلين عن هذه الأخبار، لا تَدري عنها شيئًا. • الآية 4: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ﴾ أي اذكر - أيها الرسول - لقومك قَوْلَ يوسف لأبيه يعقوب: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ﴾ في المنام ﴿أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (فكانت هذه الرؤيا بُشرَى لِمَا وَصَلَ إليه يوسف عليه السلام مِن عُلُوِّ المَنزلة في الدنيا والآخرة). • الآية 5: ﴿قَالَ﴾ يَعقوب لابنه يوسف: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ - وقد كانوا إخوته مِن أبيه، ولَيسوا أشِقَّاء له - ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ أي فيَحسدوك ويُعادوك، ويَسعوا في إهلاكك، ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ أي عداوته ظاهرة للإنسان. • الآية 6: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ يعني: وكما أراكَ ربك هذه الرؤيا، فكذلك يَصطفيك ويَختارك﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ أي يُعَلِّمك تفسير ما يَراهُ الناسُ في مَنامهم، ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ﴾ بالنُبُوَّة والرسالة ﴿كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾ ﴿إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ﴾ بمَن يَستحق الاصطفاء والاختيار من عباده، ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبير أمور خَلقه. • الآية 7: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ﴾أي في قصة يوسف﴿وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ﴾ أي أدلة تدل على قدرة اللهِ وحِكمته، وفيها عِبَرٌ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾ الذين يَسألون عن أخبارهم، ويَرغبون في مَعرفتها. • الآية 8، والآية 9: ﴿إِذْ قَالُوا﴾ أي اذكُر حين قال إخوة يوسف فيما بينهم: ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ﴾:يعني إنّ يوسف وأخاه الشقيق "بِنيامين"﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾، لأنه يُفضِّلهما علينا ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾: أي ونحن جماعة (وكان عددهم تسعة) فكيف يُفَضِّل الاثنين على التسعة؟! ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾: يعني إنّ أبانا لَفي خطأٍ واضح، حيثُ فضَّلهما علينا من غير سبب، إذاً فـ ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ ﴿أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا﴾ يعني أو ألقوا به في أرض مجهولة بعيدة عن العُمران، وبذلك ﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾: أي يَخلُص لكم حُبّ أبيكم وإقباله عليكم، ولا يَلتفت عنكم إلى غيركم ﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ﴾ - أي مِنْ بعد قَتْل يوسف أو إبعاده - ﴿قَوْمًا صَالِحِينَ﴾ تائبينَ إلى الله، مُستغفرينَ له مِن ذنبكم، (وفي هذا دليل على أنّ إظهار المَيل إلى أحد الأبناء بالحب، يُورثُ العداوة بين الإِخوة). • الآية 10: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ - لأنّ القتل جريمة فظيعة - ﴿وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ يعني: وألقوه في جَوف البئر:﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ أي يَلتقطه بعض المارَّة مِن المُسافرين فتستريحوا منه، هذا ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾: يعني إن كنتم فاعلينَ شيئاً تجاه أخيكم، فهذا أفضل الطرق لذلك. • الآية 11، والآية 12: ﴿قَالُوا﴾ لأبيهم - بعد اتفاقهم على إبعاد يوسف -: ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾ مع أنه أخونا، ونحن نريد له الخير، ونخاف عليه ونَرعاه، ﴿وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ يعني: ونحن نَخُصُّهُ بخالص النصيحة؟، ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا﴾ عندما نخرج إلى مَراعِينا﴿يَرْتَعْ﴾: أي يَنشط ويفرح، ﴿وَيَلْعَبْ﴾ بالتسابق وغير ذلك من اللعب المُباح، ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ مِن كل ما تخافُ عليه. • الآية 13: ﴿قَالَ﴾ لهم يعقوب عليه السلام: ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾: يعني إني لَيُؤلم نفسي مُفارقته إذا ذهبتم به إلى المراعي، ﴿وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ يعني وأنتم مُنشغلون عنه في مَراعيكم. • الآية 14، والآية 15: ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أي ونحن جماعة قوية:﴿إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ أي لا خيرَ فينا. ♦ فأرْسَلَهُ أبوهم معهم ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ﴾ ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ يعني: وأجمَعوا على إلقائه في جَوف البئر، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾ أي: وأعْلَمَ اللهُ يوسفَ بطريقٍ خَفِيٍّ سريع: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا﴾: أي سوف تُخبر إخوتك مُستقبَلاً بما فعلوه بك، ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أننا أوحينا إليه بذلك (وفي هذا بِشارةٌ له بأنه سيَنجو مِمّا وقع فيه). ♦ وقد قال بعض المُفسرين في قوله تعالى: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أي لن يَعرفوا - حينما تُعاتبهم - أنك أخوهم، وذلك إخبارٌ بما وقع بعد سنين، مِمّا حَكاهُ اللهُ في هذه السورة بقوله: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾. • الآية 16: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً﴾ أي في وقت العِشاء - مِن أول الليل - ﴿يَبْكُونَ﴾ ويُظهِرون الأسف والخوف. • الآية 17: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ أي نَتسابق في الجَرْي والرمْي بالسهام، ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا﴾ أي عند طعامنا وثيابنا، وما فارقناه إلا وقتًا قليلاً ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ يعني: وما أنت بمُصَدِّقٍ لنا﴿وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ أي: ولو كنا مَوصوفين بالصدق، وذلك لشدة حُبِّك ليوسف. • الآية 18: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أي: وجاؤوا بقميصه مُلَطَّخًا بِدَمٍ غير دَم يوسف، (وقد قيل إنهم - بعد أنْ ألقوا يوسف في البئر - ذبحوا حيواناً صغيراً يُشبه الماعز ولَطَّخُوا بِدَمِه قميص يوسف، واللهُ أعلم)، فـ﴿قَالَ﴾ لهم يعقوب عليه السلام: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ أي: ليس الأمر كما تقولون، ولكنْ زيَّنت لكم أنفسكم الأمَّارة بالسُوء أمرًا قبيحًا في يوسف، فرأيتموه حَسَنًا وفعلتموه، ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أي: فصَبْري صَبْرٌ جميل، لا تَسَخُّطَ فيه، ولا شكوى معه لأحدٍ من الخَلق ﴿وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ أي: وأستعينُ باللهِ لِيُصَبِّرَني على تَحَمُّل هذا الوصف الكاذب الذي تَحكونه لي. ♦ وإنما فَوَّضَ يعقوب عليه السّلام الأمْرَ إلى اللهِ تعالى، ولم يَسْعَ للكشف عن مَصير يوسف، لأنه عَلِمَ بصعوبة ذلك لِكِبَر سِنِّه، ولأنه لم يكن له أحد يَستعين به على أبنائه، وقد صاروا هم الساعينَ في البُعد بينه وبين يوسف، فيَئِسَ مِن ذلك، وفَضَّلَ الصبر الجميل. ♦ الآية 19، والآية 20، والآية 21: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ يعني: وجاءت جماعة من المسافرين (وكانوا ذاهبين إلى مصر)، ﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾: أي فأرسلوا مَن يأتي إليهم ببعض الماء، ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾: أي فلمَّا أرسلَ الوارد دَلْوَهُ في البئر: تَعَلَّقَ بها يوسف، فـ﴿قَالَ﴾ الوارد: ﴿يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾ يعني: يا بُشرايَ هذا غلامٌ عظيمُ القيمة، ﴿وَأَسَرُّوهُ﴾ يعني: وأخفى الواردُ - وأصحابه - يوسفَ مِن بقية المسافرين فلم يُظهِروهُ لهم، حتى لا يُطالبوهم بالاشتراك معهم في ثَمَنه(بعد أن يَبيعوه)، وأمَّا قوله تعالى: ﴿بِضَاعَةً﴾ يعني إنهم قالوا لهم: (هذه بضاعة، وقد طلب مِنَّا أصحاب الماء أن نوصلها إلى صاحبها بمصر)، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ يعني: واللهُ عليمٌ بما يَعملونه بيوسف. ♦ وقد كان إخوة يوسف يَترددون على البئر ليَعرفوا مَصير أخيهم، فلمَّا رأوه بأيدي الوارد ورِفاقه، قالوا لهم: (هذا عَبدٌ لنا كثير الهرب، وإن أردتم شراءَهُ بِعْنَاه لكم)، فقالوا لهم: (ذاكَ الذي نريد)، فبَاعوه لهم بثَمَنٍ قليل، ولهذا قال تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ أي: وباعه إخوته لهؤلاء المسافرين بثَمَنٍ قليل: ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾،﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ أي: وكان إخوته زاهدينَ فيه، راغبينَ في التخلص منه، لأنهم لا يَعلمون مَنزلته عند اللهِ تعالى. ♦ ولمَّا ذهب المسافرون بيوسف إلى "مصر" اشتراه منهم أحد وزرائها، ﴿وَقَالَ﴾ هذا الوزير﴿الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ أي أحسِني معاملته، وأكرِمي إقامته عندنا، ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾: أي لعلنا نستفيدُ مِن خِدمته، ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾: يعني أو نُقيمه عندنا مقام الولد (وقد قال ذلك لأنه لم يكن له ولد). ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ يعني: وكما أنجينا يوسف من البئر، وكما يَسَّرْنا له أن يَشتريه عزيز "مصر" - وهو الوزير - وجعلناهُ يَعْطِف عليه، فكذلك جعلنا هذا مُقدِّمَةً لتمكينه في أرض "مصر" مِن هذا الطريق، ليَكون على خزائنها - فيما بعد - يَحكمها بالعدل والرحمة، ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ أي: وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تفسير الرؤى فيَعرف ما سيَقع منها مُستقبَلاً (ولعل اللهَ تعالى رَبَطَ عِلم التأويل ببيت العزيز، لأنّ يوسف عليه السلام سيَبقى في هذا المكان مُتَفرغاً للتفكر والتعمق في هذا العِلم - الذي وهبه اللهُ له - ليَزداد بذلك عِلماً، مِمّا سيَكونُ سبباً لتمكينه في الأرض عندما يُفَسِّر رؤيا المَلِك)، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ (فإذا أرادَ سبحانه شيئاً، قال له كُن فيكون، ولا أحد يَستطيع أن يَمنع حدوث ما يُريده اللهُ تعالى)، فإنّ الإنسانَ لو تأمَّلَ الأمرَ لَتَعَجَّب: كيف لِغُلامٍ صغير مُلقَى في بئر، أن يَجعله اللهُ فيما بعد على خزائن الأرض؟!، ولكنّ اللهَ تعالى يَفعل ما يريد ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أنّ الأمرَ كله بيد اللهِ. ♦ وفي هذا تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم على ما يَجد مِن أذَى أقربائه له، إذ يوسف عليه السلام قد أصابه الأذى من أخوته الذين هم أقرب الناس إليه بعد والديه. ♦ الآية 22: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ يعني: ولمَّا وَصَلَ يوسف إلى مُنتهى قوته في شبابه: ﴿آَتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾ أي عَلَّمناهُ كيف يَحكم بين الناس، ﴿وَعِلْمًا﴾ وهو الفقه في الدين، ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾يعني: ومِثل هذا العطاء الذي جَزَينا به يوسف على إحسانه، نُعطي المحسنين عِلماً نافعاً جزاءً على إحسانهم، كما قال تعالى: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ أي عِلماً ونوراً تُفرِّقون بهِ بين الحق والباطل، والهُدى والضلال، والسُنَّة والبِدعة، والحلال والحرام. ♦ الآية 23: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ يعني: وحاولت امرأة العزيز فتنة يوسف، لِحُبِّها الشديد له وحُسن بَهائه، ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ - يعني إنها دَعَتهُ إلى فاحشة الزنا والعِياذُ بالله -،فـ ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ﴾ أي أعتصم باللهِ تعالى مِن فِعل الفاحشة، وأستجيرُ به مِن خيانة سيدي ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾: يعني إنه سيدي الذي أحْسَنَ إقامتي في بيته، فلا أخونه في أهله، (وفي نفس الوقت فإنَّ سيده الحق (اللهُ جَلَّ جلاله) قد أكرمه بما سَخّر له من الأمور، فكيف يَخونه فيما حَرَّمَ عليه؟﴾، (واعلم أنهم كانوا يقولون للسيد المالك لفظ: (الرب)، كما نقول: رب البيت﴾، ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾: يعني إنّ مَن تجاوز حدَّهُ لا يُفلِحُ أبداً. ♦ الآية 24: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ أي: ولقد مالت نفسها لفِعل الفاحشة، ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ يعني: وحدَّثتْ يوسفَ نفسُه للاستجابة (لأنه بَشَرٌ وليس مَلَكاً)، واعلم أنّ الهَمّ هو خَطرات النفس وليس العمل، والدليل على ذلك قول اللهِ تعالى في الحديث القدسي - كما في الصحيحين -: (مَن هَمَّ بحَسنةٍ فلم يَعملها، كُتِبَتْ له حَسنة). ♦ وقوله تعالى: ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾: يعني لولا أنه رأى آية من آيات ربه تنهاه عمَّا حَدَّثَتْهُ به نفسه (وذلك لأنه اعتصم بربه - في بداية الأمر - قائلاً: مَعاذَ الله، فنَجَّاه الله)، ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ﴾ يعني: وإنما أريناه ذلك البرهان لنصرف عنه ﴿السُّوءَ﴾ وهو كل ما يَسُوء الإنسان، ﴿وَالْفَحْشَاءَ﴾ وهي الوقوع في جريمة الزنا ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ أي المُختارينَ للرسالة، الذين استخلصناهم لطاعتنا ومَحبتنا، فلا نَرضى لهم أن يَتلوثوا بالذنوب والمعاصي، (واعلم أنّ ذلك يَتضمن أيضاً أنّ يوسف عليه السلام كان يُخلِص عمله لله، فلذلك خَلَّصَهُ اللهُ من السُوء والفحشاء). ♦ وقد قال بعض المُفسرين في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ أي أرادت أن تضربه عندما امتنع، ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ ليُدافع عن نفسه ويَضربها، ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ أي لولا أنّ اللهَ ألْهَمَهُ أنّ الخير في عدم ضَرْبها، ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ﴾ وهو ضَرْبها، ﴿وَالْفَحْشَاءَ﴾ وهي الزنا. - الآية 25:﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ يعني: وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج، وأسرعتْ ورائه تحاول الإمساك به، ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ﴾ أي: وجَذبتْ قميصه مِن خلفه - لتمنعه عن الخروج - فقطعتْ القميص. ♦ وفتح يوسف الباب ليَهرب منها، ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ أي: ووجدا زوجها عند الباب (وكانوا يُطلِقون على الزوج لفظ (السيد) لأنه يَملك المرأة﴾، فـ﴿قَالَتْ﴾ لزوجها:﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ يعني: ما جزاء مَن أرادَ بامرأتك فاحشة﴿إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ﴾﴿أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يعني أو يُعَذَّب عذاباً شديداً. ♦ الآية 26، والآية 27: ﴿قَالَ﴾ يوسف: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾: يعني هي التي طلبتْ مِنِّي ذلك. ♦ والظاهر أنه كان مع العزيز رجل من أهل امرأته، أو أنه استدعاه ليَحكم بينهما، قال تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾ فقال: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾: يعني إن كان قميصه قُطِعَ من الأمام: ﴿فَصَدَقَتْ﴾ في اتِّهامها له ﴿وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فيما دافَعَ به عن نفسه،﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ﴾: يعني وإن كان قميصه قُطِعَ من الخلف:﴿فَكَذَبَتْ﴾ في قولها ﴿وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾. ♦ الآية 28، والآية 29: ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ﴾: أي فلمَّا رأى الزوجُ قميصَ يوسف قد قُطِعَ من خلفه: عَلِمَ براءة يوسف، و ﴿قَالَ﴾ لزوجته: ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ﴾: يعني إنّ هذا الكذب الذي اتَّهمتي به هذا الشاب هو مِن جُملة مَكْرِكُنَّ - أيتها النساء - ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾، ثم قال ليوسف: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ أي اترك ذِكْرَ ما كان منها فلا تَذكره لأحد، ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ﴾: أي اطلبي - أيتها المرأة - مِن زوجك العفو عن ذنبك؛ حتى لا يُؤاخِذَكِ به ﴿إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ فيما فَعَلتي، وفي افترائك على يوسف. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#96
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثانى من سورة يوسف كاملا بأسلوب بسيط الآية 30: ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ - بعد أن وصل إليهنَّ خبر امرأة العزيز ويوسف - فتحدثنَ به وقلنَ: ﴿ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ﴾ أي تحاول فِتنة خادمها، إنه ﴿ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ﴾: أي قد وصل حُبّها لَهُ إلى شَغَافِ قلبها (أي غِلافه)، ﴿ إِنَّا لَنَرَاهَا ﴾ - بهذا الفعل - ﴿ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي في ضلالٍ واضح، إذ كيف تُحِبُّ عبدًا لها، على الرغم مِن شَرَفِها وعُلُوّ مَكانتها؟! الآية 31: ﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ ﴾: أي فلَمّا بَلَغَ امرأةَ العزيز ذمُّ هؤلاء النسوة لها: ﴿ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ﴾ تدعوهنّ لزيارتها ﴿ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ﴾: أي وأعَدَّتْ لهنّ ما يَتَّكِئنَ عليه من الوسائد، وما يأكُلْنَهُ من الطعام، ﴿ وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا ﴾ لأنها أعطتهنّ طعامًا يَحتاج إلى تقطيع، ﴿ وَقَالَتِ ﴾ ليوسف: ﴿ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ﴾ ﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ﴾ أي أعظَمْنَهُ في نفوسهنّ، وشَغَلَهُنّ حُسنه وجماله ﴿ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾: أي جَرَحْنَ أيديهنّ وهُنَّ يُقَطِّعنَ الطعام (بسبب الدهشة والذهول الذي أصابهنّ ﴾، ﴿ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ ﴾ أي تنزيهًا للهِ تعالى عن العَجز بأنْ يَخلق مِثل هذا الجمال، ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا ﴾ لأنّ جماله غير مَعهود في البشر، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ أي: ما هذا إلا مَلَك كريم من الملائكة (وظاهر هذه الجملة أنّ المَصريين حِينئذٍ كانوا يَعتقدون في وجود الملائكة). ♦ وقد قال بعض المُفسرين في وصف اللهِ تعالى لكلامهنّ بالمَكر - وذلك في قوله: ﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ ﴾ - أنَّهُنَّ أرَدْنَ بإنكارهنّ على امرأة العزيز أن يَصل قولهنّ إليها، فيكون ذلك سببًا في أن تدعوهنَّ لرؤية جمال يوسف عليه السّلام، وهذا هو ما فعلتْه. الآية 32: ﴿ قَالَتْ ﴾ امرأة العزيز للنسوة: ﴿ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ﴾: أي فهذا هو الفتى الذي لُمتُنَّني في الافتتان به، ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ أي حاولتُ فِتنته ﴿فَاسْتَعْصَمَ﴾: أي فامتنع (وهذه شهادةٌ منها ليوسف عليه السلام، في صِدق اعتصامه باللهِ تعالى)، ﴿ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ ﴾ به مُستقبَلًا: ﴿ لَيُسْجَنَنَّ ﴾ ﴿ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ أي الذليلين المُهانين. الآية 33: ﴿ قَالَ ﴾ يوسف عليه السلام - مُستعيذًا باللهِ مِن شَرِّهِنَّ ومَكرِهِنَّ -: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ من الوقوع في الفاحشة، ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾ يعني: وإنْ لم تَصرف عني مَكرهنّ أَمِلْ إليهنّ، (فإنني ضعيفٌ عاجز إن لم تَدفع عني السُوء )، ﴿ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ الذين يَرتكبون الذنوبَ لِجَهلهم بقدرة اللهِ تعالى وعَظَمته واطِّلاعِهِ عليهم (فالجاهلُ حقًا هو الذي يُفَضِّلُ لَذّة رخيصة عاجلة، على لَذّات مُتتابعات وشهوات مُتنوعات في جنات النعيم ﴾. الآية 34: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ﴾ لأنّ امرأة العزيز ظَلَّت تُحاولُ فِتنته وهو يَمتنع، حتى يَئِسَتْ مِن ذلك، وصَرَفَ اللهُ عنه كَيدها ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ لدعاء يوسف، ودعاء كل مَن دَعاه، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بحاجة يوسف إليه، ونِيَّته الصادقة. الآية 35: ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ ﴾ أي: ثم ظَهَرَ للعزيز وأصحابه ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ ﴾ أي مِن بعد ما رأوا الأدلة على براءة يوسف وعِفَّته: ﴿ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾: يعني إنهم عَزَموا على أن يَسجنوه فترة من الزمن، حتى يَنسى الناس الحادثة ولا يَبقى لها ذِكرٌ بينهم، وذلك مَنعًا للفضيحة. الآية 36: ﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ﴾ أي خادمان كانا يَخدمان المَلك، وقد حُبِسُوا بسبب تهمةٍ وُجِّهَتْ إليهما، فـ ﴿ قَالَ أَحَدُهُمَا ﴾: ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾: يعني إنني رأيتُ في المنام أني أعصر عنبًا ليَكونَ خَمرًا، ﴿ وَقَالَ الْآَخَرُ ﴾: ﴿ إِنِّي أَرَانِي ﴾: يعني إنني رأيتُ في المنام أني ﴿ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ﴾، ثم قالا ليوسف عليه السلام: ﴿ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾: أي أخبِرنا بتفسير ما رأيناه، فـ ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ الذين يُحسنون عبادتهم، ويُحسنون مُعاملة الناس. الآية 37، والآية 38: ﴿ قَالَ ﴾ لهما يوسف عليه السلام: ﴿ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾ يعني إلاَّ أخبرتُكما بخَبره (أو بِوَصْفِهِ) ﴿ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ﴾ (فلم يُفَسِّر لهما رؤيتهما إلا بعد أن أثبتَ لهما كفائته أولًا، وذلك حتى يَثقا فيه، فبالتالي يُصَدِّقا كلامه عندما يُحَدِّثهما عن التوحيد). ﴿ ذَلِكُمَا ﴾ أي التفسير الذي سأقوله لكما هو ﴿ مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ﴾، وليس مِن عند نفسي (وذلك حتى يَربط قلوبهما باللهِ تعالى وليس بالبشر)، ثم قال لهما: ﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ ﴾ أي ابتعدتُ عن دين قومٍ ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ إذ كانوا مُشركينَ يَعبدونَ مع اللهِ غيره، ﴿ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ لا يُؤمنونَ ببَعثٍ ولا حساب، ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي﴾: أي واتَّبعتُ دين آبائي ﴿ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ فعَبَدْنا اللهَ وحده، و﴿ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ في عبادته. ♦ واعلم أنه يُستفاد من هذه الجملة: ﴿ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾، أنّ الإنسان يَجب أن يَترفع عن فِعل الشرك والمعاصي، فيقول: (ما كان لنا أن نَعصي اللهَ تعالى وهو مُطَّلِعٌ علينا)، وكذلك يُرَبِّي أولاده على ذلك، فيقول لهم: (لَسْنا نحنُ الذين نَفعل الخطأ، مِن المُمكن أن يَفعله غيرنا، أمّا نحن فلا يُمكن أن نَفعله أبدًا)، فبهذا يَنشأ الأولاد في بيئةٍ تَكره المعاصي وتحتقرها، فإذا راودَتْ أحدهم نفسه على فِعل شيءٍ خطأ، قال لها: (إن ديني وأخلاقي لا يَسمحان لي أن أفعل ذلك). ﴿ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ أي ذلك التوحيد - بإفراد اللهِ تعالى بالعبادة - هو مِمّا تَفَضَّلَ اللهُ به ﴿ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ ﴾ ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ إذ أرسلَ اللهُ إليهم الرسل لهدايتهم، ولكنهم لم يَشكروهُ على نعمته، ورفضوا اتِّباع الرُسُل. الآية 39، والآية 40: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ﴾: يعني يا صاحبيَّ في السجن: ﴿ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ ﴾: يعني أعِبادةُ آلهةٍ مخلوقة، مُتفرقة هنا وهناك (هذا صنم وهذا كوكب، هذا إنسان وهذا حيوان، هذا شَكله كذا وهذا صِفَته كذا) هل هذا ﴿ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ ﴾ في ذاته وصفاته، ﴿ الْقَهَّارُ ﴾ لجميع المخلوقات؟ (إذ الكُل خَلقه وعَبيده، وهم تحت قَهْره وسلطانه، لا يَتحركون إلا بمشيئته وإرادته). ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً ﴾ لا مَعاني لها (وهي الأصنام) التي ﴿ سَمَّيْتُمُوهَا ﴾ آلهةً ﴿ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ ﴾ جَهلًا منكم وضَلالًا، إذ إطلاقكم لفظ (إله) على صنم - أو على صورة مَرسومة لكوكب - لا يَجعلها آلهة، و ﴿ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ﴾:أي ما أنزل اللهُ بها مِن حُجَّةٍ تدل على أنها تستحق العبادة، أو أنها تقربكم إلى ربكم كما تزعمون، فهي مصنوعة بأيديكم لا تَسمع ولا تُبصِر، ولا تنفع ولا تضر، ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾: يعني ما الحُكم الحق إلا للهِ تعالى وحده، وقد ﴿ أَمَرَ ﴾ أي حَكَمَ ﴿ أَلَّاتَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾، ﴿ ذَلِكَ ﴾ هو ﴿ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ أي الدين المستقيم الذي لا عِوَجَ فيه ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ إذ جَهلهم بمَعرفة ربهم الحق - الذي خَلَقهم ورَزَقهم ويُدَبِّر حياتهم - هو الذي جعلهم يَعبدونَ ما يَصنعون. الآية 41: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ﴾ إليكما تفسير رؤياكما: ﴿ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ﴾: يعني أمَّا الذي رأى أنه يَعصر العنب، فإنه سيَخرج من السجن ويكون ساقي الخمر للمَلك، ﴿ وَأَمَّا الْآَخَرُ ﴾ الذي رأى أنه يَحمل على رأسه خبزًا: ﴿ فَيُصْلَبُ ﴾ أي سيُقتَل وهو مَصلوبٌ على خشبة، ثم يُتْرك ﴿ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ﴾ ﴿ قُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ أي حُكِمَ في الأمر ﴿ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾. ♦ ويُستفاد من الآيات السابقة أنّ يوسف عليه السلام قد اغتنم فرصة سؤال الفَتَيان له، في أن يَدعوهما أولًا إلى اللهِ تعالى، ثم بعد ذلك أجابَ طلبهما، ولهذا يَنبغي للإنسان أن يَغتنم هذه الفرص، بحيثُ إذا جاءه شخصٌ ما، وحكى له مُشكِلة تُواجهه، فعليه أن يسأله أولًا: (هل أنت تصلي أو لا؟)، فإذا كان لا يصلي، فعليه أن يقول له: (إذًا هذا هو سبب المشكلة، لأنك لو كنتَ قريبًا من اللهِ تعالى، ما خَذَلَكَ أبدًا، فعليك أن تُصلِح حالك مع اللهِ أولًا)، ثم بعد ذلك يُعِينه على حل مشكلته، فبذلك يَستجيب. ♦ وكذلك يُستفاد من قولهما له: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ أنه يَنبغي أن يكون الإنسان قدوةً للناس قبل أن يَدعوهم إلى الله. الآية 42: ﴿ وَقَالَ ﴾ يوسف ﴿ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا ﴾ - وهو الفتى الذي عَلِمَ يوسفُ أنه سيَخرج من السجن -: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾: أي اذكرني عند سيدك المَلك وأخبِره بأنني مَظلوم، ﴿ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾: أي فأنسى الشيطانُ ذلك الرجل أن يَذكر للمَلك حالَ يوسف، ﴿ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾:أي فمَكَثَ يوسف في السجن عدة سنوات (واعلم أنّ البِِضْع: مِن ثَلاث إلى تِسع، وقيل: مِن ثَلاث إلى عَشْر، واللهُ أعلم). ♦ وقد قال بعض المُفسرين في قوله تعالى: ﴿ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾ يعني (إنّ الشيطان أَنسَى يوسفَ عليه السلام ذِكْرَ ربّه تعالى، حيث التفتَ بقلبه إلى الخادم والمَلَك، فعاقبه اللهُ بالبقاء في السجن بضع سنين)، ثم استدَلُّوا بهذا الحديث: (لو لم يقل - يعني يوسف - الكلمة التي قال، ما لَبِثَ في السجن طول ما لَبِث، حيثُ يَبتغي الفرج مِن عند غير الله)، واعلم أنني قد ذكرتُ هذا القول مِن باب الأمانة العلمية فقط، وإلاَّ، فإنّ الحديث المذكور ضعيف جدًّا، وكذلك فإنّ يوسف عليه السلام لم يَرتكب خطأً، ولكنه أخَذَ بأسباب النجاة، وهذا لا يَتعارض أبدًا مع التوكل على اللهِ تعالى، ولا يَتعارض مع أنّ يوسف عليه السلام كان يدعو ربه قبل أن يقول هذه الجملة، ولكنه اغتنم فرصةً قد لا تتكرر، واللهُ أعلم. الآية 43: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى ﴾ أي رأيتُ في منامي ﴿ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ﴾ أي سَمينات ﴿ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ﴾ أي يأكلهنّ سبع بقرات نَحيلات هَزيلات (وهذا مِن العَجَب: أنّ الضعيف يأكل القوي ﴾، ﴿ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾: يعني ورأيتُ سبع سُنبلات خُضر يأكلهنّ سبع سُنبلات يابسات، ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ ﴾: يعني يا أيها السادة والكُبَراء ﴿ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ ﴾ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾: يعني إن كنتم للرؤيا تُفَسِّرون. الآية 44: ﴿ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ﴾ يعني إنّ رؤياكَ هذه أحلامٌ مُختلَطة لا تفسيرَ لها، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ﴾ أي لا عِلمَ لنا بتفسير الأحلام. الآية 45، والآية 46: ﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ﴾ أي الذي نَجا من السجن - مِن صاحبَي يوسف - وعاد إلى خدمة المَلك، ﴿ وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾: أي وتذكَّر بعد مُدّة - وهي البِضع سنين التي مَكَثها يوسف في السجن - فتذكّر أنّ يوسف يُفَسِّر الرؤى، فقال لهم: ﴿ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾: يعني أنا أخبركم بتفسير هذه الرؤيا، فابعثوني إلى يوسف لآتيكم بتفسيرها. ♦ واعلم أنّ لفظ "أمَّة" يأتي أحيانًا بمعنى: (جماعة من الناس)، ويأتي أحيانًا بمعنى: (فترة من الزمن)، واعلم أيضًا أنّ كلمة (ادّكَر) أصلها: (تذكَّر) ولكنْ أُدغِمَت التاء في الذال فصارت: (ادّكَر). ♦ وعندما وصل الرجل إلى يوسف قال له: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ﴾ أي كثير الصِدق - وقد رأى ذلك منه في السجن - فقال له: ﴿ أَفْتِنَا فِي ﴾ تفسير رؤيا لـ﴿ سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ﴾ أي يأكلهنّ سبع بقرات نَحيلات هَزيلات، ﴿ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾ ﴿ لَعَلِّي أَرْجِعُ ﴾ يعني لِكَي أرجع ﴿ إِلَى النَّاسِ ﴾ أي إلى المَلك وأصحابه فأُخبرهم ﴿ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ أي ليَعلموا تفسير ما سألتُكَ عنه، فيَنتفعوا به ويَعلموا مَكانتك وفضلك. الآية 47، والآية 48: ﴿ قَالَ ﴾ له يوسف: تفسير هذه الرؤيا أنكم ﴿ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ﴾: أي تزرعون سبع سنين مُتتابعة جادِّينَ ليَكْثُر العطاء، ﴿ فَمَا حَصَدْتُمْ ﴾ من تلك الزروع في كل سَنة: ﴿ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ ﴾: أي فاتركوه في سنابله (في الصوامع) ليَتمَّ حِفظه من التسوُّس، حتى تدَّخِروه للسنين القادمة ﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ﴾: يعني إلا قليلاً مِمّا تأكلونه من الحبوب في كل حَصاد، فهذه لا تَدَّخروها، بل أعطوها للناس حتى يأكلوها (ولتكن قليلة، ليَكثُر ما تَدَّخرونه ويَعظُم نَفعه)، ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾: أي سيأتي مِن بعد هذه السنين ﴿ سَبْعٌ شِدَادٌ ﴾: أي سبع سنين شديدة الجفاف ﴿ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ﴾: أي يأكل أهلها كل ما ادَّخَرتموه لهم، ﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ﴾:يعني إلا قليلًا مما تحفظونه وتَدَّخِرونه ليَكون بذورًا للزراعة فيما بعد، فهذه لا تُعطوها للناس ليأكلوها، بل ادَّخِروها للبَذر والحاجة. الآية 49، والآية 50: ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ﴾ أي: ثم يأتي من بعد سنوات الجفاف: عامٌ يُغيثهما للهُ فيه بالمطر والسيول وجَرَيان النيل، فيَرفع عنهم تلك الشدة، ﴿ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ يعني: وفي هذا العام يَعصرون الثمار التي يُمكِن عصرها - كالزيتون والعنب وقصب السكر - وذلك مِن كثرة الثمار والحبوب، وزيادتها على أكْلهم. ♦ فبذلك عَبَّر يوسف عليه السلام عن البقرات السَمينات والسُنبلات الخُضر (بأنهنّ سنواتٌ خِصبة)، وعَبَّرَ عن البقرات الهَزيلات والسُنبلات اليابسات (بأنهنّ سنين قحطٍ وجفاف). ♦ فلَمَّا ذهب الرجل إلى المَلك: أعجبه تفسير الرؤيا، وعرف ما تدل عليه، فأرادَ إكرام يوسف عليه السلام، لِمَا ظَهَرَ له من العلم والكمال والفضل على أهل مصر (في سنوات المجاعة التي ستأتي عليهم)، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ﴾ لأعوانه: ﴿ ائْتُونِي بِهِ ﴾: أي أخرِجوا الرجل الذي فسَّرَ الرؤيا من السجن وأحضِروهُ لي، ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ ﴾ أي فلمَّا جاءه رسولُ المَلك يدعوه: ﴿ قَالَ ﴾ له يوسف: ﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾: أي ارجع إلى سيدك المَلك ﴿ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾: أي اطلب منه أن يَسأل النسوة اللاتي جَرَحْنَ أيديهنّ عن حقيقة أمْرِهِنّ معي، حتى تَظهر الحقيقة للجميع، وتتضح براءتي، ﴿ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾: يعني إنّ ربي - سبحانه وتعالى - عليمٌ بصَنيعهنّ وأفعالهنّ لا يَخفى عليه شيءٌ من ذلك. الآية 51، والآية 52، والآية 53: ﴿ قَالَ ﴾ المَلك للنسوة اللاتي جَرَحْنَ أيديهنّ: ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ﴾: يعني ما شأنكنّ حين حاولتنّ فتنة يوسف؟ هل رأيتنّ منه سُوءًا؟ ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ ﴾: أي تنزيهًا للهِ تعالى عن العجز بأن يَخلق بشرًا عفيفًا مِثل هذا، ﴿ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ﴾، فعندئذٍ ﴿ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ﴾: ﴿ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ أي ظهر الحق بعد خَفائه، فـ ﴿ أَنَا ﴾ التي ﴿ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾: أي حاولتُ فِتنته فامتنع، ﴿ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ في كل ما قاله، ﴿ ذَلِكَ ﴾: أي ذلك القول الذي قلتُهُ في براءة يوسف والإقرار على نفسي ﴿ لِيَعْلَمَ ﴾ زوجي ﴿ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾: أي لم أخُنه بالكذب عليه، ولم تقع مِنِّي الفاحشة أثناء غيابه، واعترفتُ بذلك لإظهار براءة يوسف وبراءتي، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ ﴾ أي: ولِيَعلم زوجي أنّ اللهَ ﴿ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾: أي لا يُوَفِّق أهل الخيانة لِمَا فيه الرُّشد والصواب، فإنّ كُلَّ خائنٍ لا بد أن يَفضح اللهُ أمْره، فلو كنتُ خائنةً لزوجي، ما هداني اللهُ لِمِثل هذا المَوقف المُشَّرِف، الذي أصبحتُ بِهِ مُبَرَّأةً طاهرة. ♦ ولمَّا كان هذا الكلام فيه نوع من تزكية النفس، فإنها عادت تقول: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾: يعني وما أُزَكِّي نفسي ولا أُبَرِّئها من المُحاولة والكَيد، ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾: يعني إنّ النفس لَكثيرة الأمر لصاحبها بعمل المعاصي، ﴿ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾: يعني إلا مَن عصمه الله، فأعانه على مُخالفة نفسه ﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ ﴾ لذنوب مَن تاب مِن عباده، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري؛ (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#97
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#98
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] رامي حنفي محمود تفسير الربع الرابع من سورة يوسف كاملا بأسلوب بسيط الآية77: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال إخوة يوسف: ﴿ إِنْ يَسْرِقْ ﴾: يعني إنْ كانَ "بنيامين" قد سرق مكيال المَلك، فلا عَجَبَ في ذلك ﴿ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ (يَقصدون بذلك يوسف عليه السلام أيامَ صِغَرِه، فقد قيل - واللهُ أعلم - إنه سَرَقَ صنماً لأبي أُمِّه فكسره حتى لا يَعبده)، فإنْ كانَ ذلك قد حدث، فهذه ليست سرقة، بل هو نهيٌ عن شِركٍ باللهِ تعالى، ﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ﴾: أي فكتم يوسف في نفسه هذه التهمة وكظم غيظه، و﴿ قَالَ ﴾ في نفسه: ﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ﴾: يعني أنتم أسوأُ مَنزلةً مِمّن اتهمتموه - كذباً -بالسرقة، حيثُ دَبَّرتم لي ما كانَ منكم ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ أي بحقيقة ما تَذكرون. الآية 78:﴿ قَالُوا ﴾ - مُستعطِفينَ يوسف لِيُوفوا بعهد أبيهم -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ﴾: يعني إنّ له والدًا كبيرًا في السن يُحبه ولا يطيق بُعده ﴿ فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ﴾ ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ في معاملتك لنا ولغيرنا. الآية 79: ﴿ قَالَ ﴾ لهم يوسف: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ﴾: أي نعوذ باللهِ أن نأخذ أحدًا غير الذي وجدنا المكيال عنده، ﴿ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ﴾ إنْ فَعَلنا لكم ما تطلبون. الآية 80:﴿ فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ ﴾: أي فلَمَّا يَئِسوا من إجابة يوسف لِطَلبهم: ﴿ خَلَصُوا نَجِيًّا ﴾: أي انفرَدوا عن الناس، وأخذوا يَتشاورونَ فيما بينهم، فـ ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ ﴾ في السن: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ ﴾ أي أخذ عليكم العهد المؤكد بأنكم لَتَرُدُّنَّ إليه أخاكم إلا أن تَهلكوا جميعاً، ﴿ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ﴾ يعني: ومِن قبل هذا كان تقصيركم في يوسف وغَدْركم به; لذلك ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ ﴾: أي لن أفارق أرض "مصر" ﴿ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي ﴾ في مُفارقتها، ﴿ أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ﴾: يعني أو يَقضي لي ربي بالخروج منها، وأتمَكَّن مِن أَخْذِ أخي، ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾: أي واللهُ تعالى هو أعدل مَن حَكَمَ بين الناس. الآية 81، والآية 82، والآية 83:﴿ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا ﴾ له: ﴿ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ ﴾ "بنيامين" قد ﴿ سَرَقَ ﴾ ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ أي: وما شَهِدْنا بذلك إلا بَعد أن تأكدنا، فقد رأينا المكيال في مَتاعه، ﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ أي: وما كانَ عندنا عِلمٌ مِن الغيب بأنه سيَسرق حينَ عاهدناكَ على رَدِّهِ إليك، ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ﴾ أي اسأل أهل "مصر" ﴿ وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ﴾: أي واسأل أيضاً مَن كان معنا في القافلة التي كنا فيها ﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ فيما أخبرناك به. ♦ ولمّا رجعوا إلى بلدهم، وأخبروا أباهم بما حدث: ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾ يعني: بل زَيَّنَت لكم أنفسكم الأمَّارة بالسوء مَكِيدة دَبَّرتموها، كما فعلتم مِن قبل مع يوسف، ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ أي: فصَبْري صَبْرٌ جميل لا تَسَخُّطَ فيه ولا شكوى معه لأحدٍ من الخَلق، ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾: أي عسى اللهُ أن يَرُدَّ إليَّ أبنائي الثلاثة - يوسف وبنيامين وأخوهم الكبير (المتخلف من أجل أخيه) - ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ﴾ بحالي، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبيره وقضائه. الآية 84: ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ ﴾: أي وأعرض يعقوب عنهم، وقد ضاقَ صَدْرُهُ بما قالوه، ﴿ وَقَالَ يَا أَسَفَى ﴾ أي ياحزني ﴿ عَلَى يُوسُفَ ﴾ ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ ﴾ أي ذَهَبَ سَوادهما، (وهو دليلٌ على ذهاب بَصَرِهِ بما أصابَ عينيه من البياض) ﴿ مِنَ ﴾ شدة ﴿ الْحُزْنِ ﴾ ﴿ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ أي مملوء بالغَمّ والكَرب، ولكنه لا يُظهر كَربه لأحدٍ إلا لله. الآية 85: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال له أبناؤه: ﴿ تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ ﴾ أي: واللهِ ما تزال تتذكر يوسف، ويَشتدُّ حزنك عليه ﴿ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ﴾: أي حتى تُشْرِف على الهلاك ﴿ أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾: يعني أو تَهلَكَ فِعلاً، فخَفِف عن نفسك. الآية 86، والآية 87:﴿ قَالَ ﴾ يعقوب مُجيبًا لهم: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي ﴾ أي هَمِّي ﴿ وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ وحده، فهو كاشف الضرِّ والبلاء، ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ أي: وأعلم مِن رحمة اللهِ وفرجه ما لا تعلمونه. ♦ واعلم أنّ الشكوى إلى اللهِ تعالى لا تُعارِض الصبر الجميل (الذي وَعَدَ به يعقوب عليه السلام)، وذلك لأنه لم يَشتكِ لأحدٍ من الخَلق. ♦ ثم قال يعقوب لأبنائه: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا ﴾ أي عودوا إلى "مصر" ﴿ فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾: أي التمسوا وتَتَبّعوا أخبار يوسف وأخيه، ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ﴾: أي ولا تَقطعوا رجاءكم مِن رحمة الله، ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾: يعني إنه لا يَقطع الرجاء من رحمة اللهِ إلا الجاحدونَ لقدرته وسعة رحمته. الآية 88، والآية 89:﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ ﴾ أي على يوسف، ﴿ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾ أي أصابنا وأهلنا القحط والجفاف، ﴿ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ﴾: أي جئناك بثَمَنٍ قليل (وهي دراهم معدودة)، ﴿ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ ﴾: أي فأعطِنا بها ما كنتَ تعطينا مِن قبل بالثمن الجيد، ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ بالتغاضي عن قلة هذه الدراهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ أي يُثيب المتفضِّلين بأموالهم على أهل الفقر والحاجة. ♦ فلمَّا سمع قولهم، رَقَّ لهم، وعَرَّفهم بنفسه، فـ ﴿ قَالَ ﴾: ﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ﴾: يعني هل تَذكرون الذي فعلتموه بيوسف وأخيه من الأذى، في حال جَهْلكم بعاقبة ما تفعلون؟ الآية 90: ﴿ قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ﴾؟ ﴿ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي ﴾ بنيامين، ﴿ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾: أي قد تفضَّل اللهُ علينا، فجَمَعَ بيننا بعد الفُرقة، ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ ﴾ اللهَ تعالى، ﴿ وَيَصْبِرْ ﴾ على المِحَن: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾: أي فإنّ اللهَ لا يُذهِب ثوابَ إحسانه وصَبره، وإنما يَجزيه أحسن الجزاء. الآية 91: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ أي: واللهِ لقد فَضَّلك اللهُ علينا وأعزَّك بالعِلم والحِلم والفضل، ﴿ وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾: أي ولقد كنا خاطئينَ بما فعلناه - عَمدًا - بك وبأخيك. الآية 92، والآية 93:﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ أي لا تأنيبَ عليكم اليوم ولا لَومَ ولا عتاب، ﴿يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ لمن تابَ مِن ذنبه ورجع إلى طاعته. ♦ وهذا يُعَلِّمُنا العفو عَمّن أساءَ إلينا بمجرد أن يَعتذر، فعلى الرغم مِمّا فَعَله إخوته به إلا إنهم بمجرد أن اعتذروا إليه - واعترفوا بخطئهم، وكَسَروا كبريائهم - عَفا عنهم ولم يُعاتبهم، (فالسعيدُ حقاً هو مَن يُسامح عن كل ما كانَ في حَقِّهِ من أجل الجنة). ♦ ولمّا سألهم عن أبيه، أخبروه بذهاب بصره من البكاء عليه، فقال لهم: ﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا ﴾: أي عودوا إلى أبيكم ومعكم قميصي هذا ﴿ فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ﴾ أي يَعُدْ إليه بصره، ﴿ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ أي: ثم أحضِروا إليَّ جميع أهلكم. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#99
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] رامي حنفي محمود تفسير الربع الاخير من سورة يوسف كاملا بأسلوب بسيط الآية 94: ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ﴾: أي ولمَّا خرجتْ القافلة من أرض "مصر"، ومعهم قميص يوسف عليه السلام: ﴿ قَالَ أَبُوهُمْ ﴾ للحاضرينَ عنده: ﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ﴾ أي أشم رائحته (لأنّ الريح حَمَلَتها إليه بأمر اللهِ تعالى)، ﴿ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾ أي: ولولا أنكم ستَسخرون مِنِّي وتزعمون أنّ هذا الكلام قد صَدَرَ مِنِّي مِن غير شعور، لَصَدَّقتموني فيما أقول، فإني أَجِدُ رائحته. الآية 95: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال الحاضرونَ عنده: ﴿ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾ يعني إنك لا تزال في خطئك القديم مِن الإفراط في حُبّ يوسف، وعدم نسيانه. الآية 96: ﴿ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ ﴾: أي فلَمَّا جاءَ مَن يُبشِّره بأنّ يوسف حيٌّ، ﴿ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ ﴾ أي ألقى قميص يوسف على وجه يعقوب ﴿ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ﴾ أي فعادَ مُبصرًا، وعَمَّهُ السرور فـ ﴿ قَالَ ﴾ لمن عنده: ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ أي أعلم مِن لُطف اللهِ وحُسن تدبيره ورحمته وكرمه مالا تعلمونه أنتم؟ الآية 97: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال أبناؤه: ﴿ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾ أي اسأل اللهَ أن يعفو عنا ويَستر علينا ذنوبنا، ﴿ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ فيما فعلناه بيوسف وشقيقه بنيامين، وفي الضرر والحُزن الذي حدث لك طوال هذه المدة. الآية 98، والآية 99: ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾: أي سوف أسأل ربي أن يَغفر لكم ذنوبكم ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ ﴾ لذنوب عباده التائبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بهم. ♦ وقد قيلَ إنّ يعقوب عليه السلام قد أجَّلَ الاستغفار لأبنائه - عندما قال لهم: (سوف أستغفر لكم ربي) - إلى ساعةٍ من ساعات إجابة الدعاء، كآخر الليل (وهو وقت السَحَر) أو يوم الجمعة، واللهُ أعلم. ♦ ثم خرج يعقوب وأهله إلى "مصر" ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ﴾ أي ضَمَّ يوسف إليه أباه وأُمَّه، ﴿ وَقَالَ ﴾ لهم: ﴿ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ أي بمشيئة اللهِ وتقديره وإذنه، ﴿ آَمِنِينَ ﴾ من التعب والجوع، ومِن كل مكروه. الآية 100، والآية 101: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ﴾: أي أجْلَسَ أباه وأُمَّه على عرش مُلكه بجانبه (إكرامًا لهما)، ﴿ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ﴾: أي حَيَّاهُ أبواه وإخوته - الأحد عشر - بالسجود له (سجود تحيةٍ وتكريم، وليس سجود عبادةٍ وخضوع)، وقد كان ذلك جائزًا في شريعتهم، ولكنه حُرِّمَ في شريعتنا؛ إغلاقاً لباب الشرك باللهِ تعالى. ﴿ وَقَالَ ﴾ يوسف لأبيه: ﴿ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي: هذا السجود هو تفسير رؤياي التي قَصَصْتُها عليك مِن قبل في صِغَري، ﴿ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ أي صِدقًا، ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾: أي وقد تفضَّلَ اللهُ عليَّ حين أخرجني من السجن ﴿ وَجَاءَ بِكُمْ ﴾ إليَّ ﴿ مِنَ الْبَدْوِ ﴾ أي من البادية (وهي هنا: صحراء الشام)، وذلك ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾: أي مِن بعد أن أفسد الشيطان رابطة الأخُوّة بيني وبين إخوتي، ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ ﴾ في تدبيره ﴿ لِمَا يَشَاءُ ﴾ أي لمن يشاءُ من عباده (كما لَطَفَ بي)، ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ﴾) بمصالح عباده، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في أقواله وأفعاله. ♦ ويُلاحَظ أنّ يوسف عليه السلام قد جعل نفسه طَرَفاً في القضية عندما قال: (نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي)، وذلك حتى لا يُحرج إخوته أمام الناس، فما أروع هذا الأدب الراقي! ♦ ثم دعا يوسف ربه قائلاً: ﴿ رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾: أي لقد أعطيتَني مِن مُلك مصر ﴿ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾: أي وعلَّمتني من تفسير الرؤى وغير ذلك من العلم، ﴿ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ ﴾ أي يا خالق السماوات ﴿ وَالْأَرْضِ ﴾ ومُبدعهما، ﴿ أَنْتَ وَلِيِّي ﴾: يعني أنت مُتولي جميع شؤوني ﴿ فِي الدُّنْيَا ﴾ ﴿ وَالْآَخِرَةِ ﴾ أي: فكذلك كُن مُتولي أمْري في الآخرة بإنجائي من النار وإدخالي الجنة، ﴿ تَوَفَّنِي ﴾ إليك ﴿ مُسْلِمًا ﴾ (وفي هذا دليل على أنّ دينَ اللهِ واحد - في كل زمان - وهو الإسلام، الذي هو الاستسلام والانقياد والخضوع التام لأوامر اللهِ تعالى، ولكنّ الشرائع هي التي تختلف)، ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ - من الأنبياء والأبرار - في أعلى درجات الجنة. الآية 102: ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي المذكور من قصة يوسف عليه السلام هو ﴿ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾: أي وما كنتَ حاضرًا مع إخوة يوسف حين دَبَّروا أمْرَ إلقاءه في البئر، وحينَ كذبوا على أبيهم (وهذا يَدُلّ على صِدقك، وعلى أنّ اللهَ يُوحِي إليك). الآية 103، والآية 104: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ أي: وما أكثرُ الناس بمُصدِّقيك - أيها الرسول - ولو حَرَصْتَ على إيمانهم، وذلك لأنّ الانقياد للحق يَتعارض مع انقيادهم لشهواتهم وأغراضهم الدنيوية الرخيصة (إذاً فلا تَحزن عليهم، لأنه ما عليك إلا البلاغ)، ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ أي: وإنك لم تَطلب منهم أجْراً على إرشادهم للإيمان - حتى لا يكون ذلك سبباً في إعراضهم عن دَعْوَتِك - ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ يعني: وما الذي أُرسِلتَ به - مِن القرآن والهُدى - إلا مَوعظة وذِكرَى للناس أجمعين، فبالتفكر فيه يَهتدون إلى الحق، وباتِّباعه يَسعدون في الدنيا والآخرة. الآية 105: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ ﴾ يعني: وكثير من الدلائل - على وحدانية اللهِ وقدرته - مُنتشرة ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ كالشمس والقمر والجبال والأشجار، ﴿ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا ﴾ أي يُشاهدها المشركون ﴿ وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ لا يَتفكرون فيها، ولا يَعتبرون بأنّ المُتفرِّد بالخَلق - سبحانه وتعالى - يَجب إفرادُهُ أيضاً بالعبادة. الآية 106، والآية 107: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ ﴾ أي: وما يُقِرُّ هؤلاء المشركون بأنّ اللهَ تعالى هو خالقهم ورازقهم وخالق كل شيء ﴿ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ به في عبادتهم للأصنام وغيرها، وكذلك يُشركون به في ذَبْحهم ونَذْرهم وغير ذلك من أنواع العبادات، ﴿ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ﴾ يعني: فهل عند هؤلاء المشركين ما يَجعلهم مطمئنين مِن أنّ اللهَ تعالى لن يُنزِّل عليهم عذاباً مِن عنده يُهلكهم جميعاً؟، ﴿ أَوْ ﴾ هل أمِنُوا - أيضاً - أن ﴿ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ﴾: يعني أن تأتيهم القيامة فجأة ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾؟ الآية 108: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين -: ﴿ هَذِهِ سَبِيلِي ﴾: أي هذه طريقتي، وهي أنني ﴿ أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ﴾: أي أدعو إلى عبادة اللهِ وحده ﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾: أي على حُجَّةٍ واضحةٍ من اللهِ تعالى - وهو هذا القرآن الذي أنزل الله فيه الأدلة والبراهين وتحدَّى به المشركين - وعلى عِلمٍ ويقين من شريعة ربي ﴿ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ من المؤمنين، كُلُّنا ندعو إلى اللهِ على بصيرة، ﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ ﴾ أي: وأُنَزِّهُ اللهَ تعالى عن الشركاء، وأقول لكم - مُعلِناً براءتي من الشِرك -: ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾. الآية 109، والآية 110: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ﴾ - إلى الناس - ﴿ إِلَّا رِجَالًا ﴾ أي بَشراً مِن جِنسهم (وهذا إبطالٌ لإِنكارهم أن يكون الرسول رجلاً من الناس)، وهؤلاء الرُسُل ﴿ نُوحِي إِلَيْهِمْ ﴾: أي نُنَزِّل عليهم وَحْيَنا، ونَختارهم ﴿ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾: أي مِن أهل المُدُن - وليس من أهل البادية (الصحراء) - وذلك لأنّ أهل المُدُن هم أقدَرُ الناس على فَهم الرسالة وتبليغها، ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا ﴾ - أي هؤلاء المُكذبون بالعذاب -، ألم يَمشوا ﴿ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ من المُكذبين وما نَزَلَ بهم من الهلاك؟، ﴿ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ ﴾ أي: ولَنعيم الدار الآخرة ﴿ خَيْرٌ ﴾ من الدنيا وما فيها ﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ ربهم، ففعلوا أوامره واجتنبوا معاصيه، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾: يعني أفلا تتفكرون بعقولكم - أيها المشركون - في هذا القرآن الذي يُتلى عليكم - وفيما تشاهدونه من الآيات الكونية - فتؤمنوا بقدرة اللهِ على البعث وتُوَحِّدُوه في عبادته؟ ♦ ولا تستعجل أيها الرسول النصر على المُكذبين، فإنّ الرُسُل الذين مِن قبلك كان يَتأخر عليهم النصر - اختباراً لإيمان أتْباعهم وتَخليصاً لهم من المنافقين - ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ ﴾: أي حتى إذا يَئِسَ الرُسُل من إجابة قومهم ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ﴾: أي وأيقنوا أنّ قومهم قد كَذَّبوهم وأنه لا أمَلَ في إيمانهم: ﴿ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ عند شدة الكَرب، ﴿ فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ﴾: أي فنُنجي الرُسُل وأتْباعهم - كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ - ﴿ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا ﴾ أي عذابنا الشديد ﴿ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ الذين تجرَّأوا على اللهِ تعالى وكذَّبوا رسله (وفي هذا تصبير للنبي صلى الله عليه وسلم على إيذاء قومه له). الآية 111: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ﴾: أي لقد كان في قصص المُرسَلين - والعذاب الذي نزل بالمُكذبين - ﴿ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ أي لأهل العقول السليمة، ﴿ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ﴾: أي ما كان هذا القرآن حديثًا مَكذوبًا (لأنه لا يَقدِرُ أحدٌ من الخَلق أن يأتي بمِثله، فهو الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، ﴿ وَلَكِنْ ﴾ اللهُ تعالى أنزله رحمةً للعالمين، وحُجَّةَ على العباد أجمعين، وجَعَله ﴿ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾: أي جَعَله مُوافقاً للكتب التي أنزلها على أنبيائه (مُصَدِّقًا لِمَا فيها مِن صِحَّة، ومُبَيِّنًا لِمَا فيها من تحريف) ﴿ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾: أي وبَيانًا لكل ما يَحتاج إليه العباد مِن تحليلٍ وتحريم، وغير ذلك من الإخبارات الصادقة، ﴿ وَهُدًى ﴾: أي إرشادًا من الضلال ﴿ وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾: أي ورحمة لأهل الإيمان به، فتَهتدي به قلوبهم، ويَسعدون - بتلاوته والعمل به - في الدنيا والآخرة. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
#100
|
||||
|
||||
![]() سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] رامي حنفي محمود تفسير الربع الاول من سورة الرعد كاملا بأسلوب بسيط 1- الربع الأول من سورة الرعد الآية 1: ﴿ المر ﴾: سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة. ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ ﴾ يعني: تلك الآيات - التي نتلوها عليك يا محمد في هذه السورة - هي آيات الكتاب العظيم، ﴿ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ - أي القرآن والسُنَّة - هو ﴿ الْحَقُّ ﴾ الواضح ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾. الآية 2: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ ﴾ ﴿ تَرَوْنَهَا ﴾ أي ترون السماء مرفوعةً بقدرتِهِ تعالى مِن غير أعمدة، ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى ﴾ أي عَلا وارتفعَ سبحانهُ ﴿ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ استواءً يَليقُ بجلاله وعَظَمته، ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ أي ذَلَّلَهما لمنافع العباد، ﴿ كُلٌّ ﴾ مِن الشمس والقمر ﴿ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾: أي يَدورُ في فَلَكِهِ إلى يوم القيامة، ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾: أي يُدَبِّر سبحانه أمورَ خَلقه، ﴿ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ ﴾: أي يوضّح لكم الآيات الدالة على استحقاقه وحده للعبادة، وعلى قدرته تعالى على بَعْث الخلائق بعد موتها - إذ هو سبحانه الذي ابتدأ خَلْقها من العدم - ﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾: أي لتكونوا على يَقين بلقاء ربكم يوم القيامة للحساب والجزاء، فحينئذٍ تُخْلِصوا عبادتكم له وحده. الآية 3: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ﴾ أي جَعَلها مُمتدة (فبَسَطَها سبحانه للحياةِ فوقها)، وهَيَّأها لمعاشكم، ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾ أي جبالاً تُثبِّتُها ﴿ وَأَنْهَارًا ﴾ لِشُربكم ومَنافعكم، ﴿ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾: أي جعل سبحانه في الأرض - من كل أنواع الثمرات - صِنفين اثنين، فجعل منها الأبيض والأسود والحلو والحامض، وغير ذلك، ﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ﴾: أي يُدخِلُ سبحانهُ الليلَ على النهار حتى يُذهِبَ نُوره، ويُدخِل النهار على الليل حتى يُذهِب ظلامه، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ أي يَتفكرونَ بعقولهم، فيَتَّعظوا ويَجتهدوا في فِعل ما يَنفعهم في الدنيا والآخرة. ♦ واعلم أنّ قوله تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ﴾ لا يُفهَم منه أنّ الأرض مُسَطَّحة، بل إنه يَدُلّ على أنك أينما ذهبتَ فوق الأرض، تراها مَمدودة أمامك، وهذا لا يُمكِن هَندسيّاً إلا إذا كانَ الشكلُ دائريّاً (إمّا كُرة أو بيضة أو دائرة)، إذ إنها لو كانت مُسَطَّحة: لاَختفى هذا المَدّ عند الوصول لحدودها، فسُبحانَ مَن عَلَّمَ محمداً صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة. الآية 4: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ ﴾ يعني: ومِن آياته سبحانه أن جَعَلَ في الأرض قِطَعاً - من الأراضي الزراعية - يَلتصق بعضها ببعض، فمنها ما يُخْرِجُ نباتًا طيبًا يَنفعُ الناس، ومنها ما لا يُخرِجُ النباتَ إلا رَديئاً قليلاً لا نَفْعَ فيه (مع أنها نفس الأرض)، ﴿ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ ﴾: أي وجعل سبحانه - في الأرض الواحدة - بساتينَ من أعناب، وكذلك جعل فيها أنواعاً مختلفة من الخُضروات والحبوب والفاكهة، ﴿ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ ﴾ أي عدة نَخلات مُشترِكة في مَنبت واحد (يعني يَجمعها أصلٌ واحد) ﴿ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ ﴾ أي: وهناك نَخلات غير مُجتمِعة في نفس المَنبت، وإنما كل نخلة قائمة على أصلها. ♦ كُلُّ ذلك في تربة واحدة، و﴿ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ﴾ ولكنه يَختلف في شكله وحجمه وطعمه، ﴿ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ﴾ أي: وبَعضها أفضل من بعض في الأكل (فسبحانَ مَن خَلَقَ الثمرات، وخلق لكل ثمرةٍ مَذاقاً وطَعماً) ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ كله ﴿ لَآَيَاتٍ ﴾ أي علاماتٍ على قدرته تعالى، وقد جعل سبحانه هذه الآيات ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ أي يَتفكرون بعقولهم، فيَعلموا أنه سبحانه الخالق الرازق المُستحِق وحده للعبادة، إذ لا يُعقَلُ أبدًا أن يَخلُقَ ويُعبَد غيرُه، وأن يَرزُقَ ويُشكَر غيرُه! الآية 5: ﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ ﴾ - أيها الرسول - من عدم إيمان قومك بعد هذه الأدلة: ﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾ أي فالعَجَب الأشدُّ مِن قول الكفار: ﴿ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾: يعني أَئِذا مِتنا وكنا تراباً، نُبعَثُ أحياءً من جديد؟، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ﴾ الذي أَوْجَدَهم من العدم ﴿ وَأُولَئِكَ ﴾ تكون ﴿ الْأَغْلَالُ ﴾ - وهي سلاسل من نار - تُوضَعُ ﴿ فِي أَعْنَاقِهِمْ ﴾ يوم القيامة ﴿ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾. ♦ ويُحتمَل أن يكون المقصود بالأغلال التي في أعناقهم: أنها مَوانع الهداية في الدنيا، كالتقليد الأعمى، والكِبر والعناد، واتِّباع الهوى، والانقياد وراء الشهوات، وغير ذلك. الآية 6: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ﴾ أي يَستعجلك المشركون بإنزال العذاب - الذي أنذرتَهم به - ليكون دليلاً لهم على نُبُوَّتك، بدلأ مِن أن يَطلبوا إنزال الرحمات والبركات وسعة الرزق والرخاء (وذلك لِجَهلهم وعِنادهم)، لأنّ إنزال الرخاء والبركات - بعد أن تطلبها لهم مِن اللهِ تعالى - سيكونُ دليلاً أيضاً على نُبُوَّتك، وأفضل لهم مِن طلب العذاب والهلاك. ﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ﴾: أي وقد مَضَتْ عقوبات المُكذبين أمثالهم (كعادٍ وثمود)، ورأوا ديارهم، فكيف لا يَعتبرون بهم؟! ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ ﴾ يعني: إنه سبحانه لَغفورٌ لِمَن تابَ إليه من الناس، فيَفتح لهم باب المغفرة ويَدعوهم إليها ﴿ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ أي على الرغم مِن ظُلمهم لأنفسهم بالمعاصي، إذ لو كانَ سبحانه يؤاخذ بالذنب لمجرد وقوعه: ما تَرَكَ على الأرض من دابة، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ لمَن أصَرَّ على الشِرك والمعاصي ولم يَتُب. الآية 7: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ﴾ يعني: هَلاَّ جاءته مُعجزة مَحسوسة مِن عند ربه (كَعَصا موسى وناقة صالح)، وليس ذلك بِيَدِك أيها الرسول، فـ ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ﴾ أي مُبَلِّغٌ لهم، ومُخَوِّفهم مِن عذاب اللهِ تعالى، ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ يعني: ولكل أُمَّةٍ رسولٌ يُرشدهم إلى التوحيد. الآية 8، والآية 9: ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ﴾ في بطنها (ذكرٌ هو أم أنثى؟ أبيض أم أسمر؟ كم سَيَعيش؟ وغير ذلك)، ﴿ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ ﴾: أي ويَعلم سبحانه ما تُنقِصه الأرحام فيَسقط (أو يُولَد قبل تسعة أشهر)، ﴿ وَمَا تَزْدَادُ ﴾: أي وكذلك يَعلم سبحانه ما يَزيد حَمْله على التسعة أشهر، ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ ﴾ تعالى مُقَدَّرٌ ﴿ بِمِقْدَارٍ ﴾ مُحَدّد لا يَتجاوزه، وهو سبحانه ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي يَعلمُ ما غابَ عن حَواسِّكم - أيها الناس - ويَعلم ما تشاهدونه، وهو ﴿ الْكَبِيرُ ﴾ في ذاته وأسمائه وصفاته، ﴿ الْمُتَعَالِ ﴾ الذي يَعلو جميعَ خَلْقه بذاته وقَهْره، الذي ليسَ له شَريكٌ ولا شَبِيهٌ ولا زوجة ولا ولد.. الآية 10: ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ ﴾: يعني يَتساوَى - في عِلمه تعالى - مَن أخفى القولَ منكم ﴿ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ﴾ أي وَمَن تَكَلَّمَ به بصوت مُرتفع، ﴿ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ يعني: ويتساوَى عنده أيضاً مَن استَتَر (أي تخَفّى) بأعماله في ظُلمة الليل، ومَن جَهَرَ بها في وَضَح النهار. الآية 11: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ﴾ أي: للهِ تعالى ملائكةٌ يَتعاقبون ويَتوالون على الإنسان بالليل والنهار ﴿ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ﴾ أي مِن أمامه ﴿ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ ﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾: أي يَحفظونه بأمْر الله تعالى مِن شر الجن وغير ذلك، (ويُلاحَظ أنّ اللهَ تعالى لم يقل: (يَحفظونه بأمْر الله) وإنما قال: ﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾، لأنّ ذلك الحِفظ هو مِن قَدَر اللهِ تعالى، إذ إنه سبحانه يُقَدِّرُ البلاء ويُقَدِّر أيضاً ما يَمنع البلاء). ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ أي لا يُغيِّرُ سبحانه نعمةً أنعَمَها على قومٍ إلا إذا غَيَّروا ما أمَرَهم به فعَصوه، ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا ﴾ أي بَلاءً أو عذاباً: ﴿ فَلَا مَرَدَّ لَهُ ﴾: أي فلا مَفرَّ منه ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾: أي وليس لهم مِن دون اللهِ وَلِيٌّ يَتولى أمورهم، فيَجلب لهم المحبوب، أو يَدفع عنهم المكروه. الآية 12: ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا ﴾ أي تخافون أن تَنزل عليكم الصواعق المُحرِقة من البرق، ﴿ وَطَمَعًا ﴾: أي وتَرجون أن يَنزل معه المطر، ﴿ وَيُنْشِئُ ﴾ سبحانه ﴿ السَّحَابَ الثِّقَالَ ﴾ أي السحاب المُحَمَّل بالماء الكثير لمنافعكم، فيكونُ مَرفوعاً بقدرته تعالى، رغم ما فيه مِن ماءٍ كثير. الآية 13: ﴿ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ﴾ (والرعد هو الصوت الذي يُسمَع من السحاب ويُزعِج العباد، فهو خاضعٌ لربه، مُسَبِّحٌ بحمده) ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ﴾: أي وتُسَبِّحه الملائكة مِن أجْل خوفها منه سبحانه، ومِن هَيْبته وجلاله، ﴿ وَيُرْسِلُ ﴾ سبحانه ﴿ الصَّوَاعِقَ ﴾ المُهلِكة ﴿ فَيُصِيبُ بِهَا ﴾ أي فيُهلِكُ بها ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾ من الظالمين والكافرين ﴿ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ ﴾ أي: والكفار يُجادلون في وحدانية اللهِ وقدرته على البعث ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ أي شديد الحَوْل والقوة، وشديدُ البطش بمن عصاه وجَحَدَ قدرته. ♦ واعلم أنّ عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان يقول - إذا سمع صوت الرعد - ![]() الآية 14: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ﴾ أي: للهِ تعالى دعوة التوحيد (لا إله إلا الله) التي يَدعو إليها جميع الرسل، فهو الإله الحق الذي يَستجيبُ لمن دَعاه، ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ﴾ - من الآلهة المزعومة - ﴿ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ﴾ مِن دعائهم ﴿ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ ﴾ يعني إلا كَحَالِ رجلٍ عطشان، يَمُدّ يَديه إلى الماء ليَشرب منه ﴿ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ﴾: أي وهو لا يستطيع أن يَصل إلى الماء، ويَظل هكذا حتى يَهلك عطشاً، (فهذا مَثَلُ مَن يَعبد غيرَ اللهِ تعالى بدعاءٍ أو ذبحٍ أو نذرٍ أو غير ذلك، فهو مَحرومٌ من الإجابة، خائبٌ في مَسعاه، عاقبته النار والخُسران)، ﴿ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ لآلهتهم ﴿ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ أي في ضَياع، لأنها لا تَسمع دعائهم، ولا تَعلم شيئاً عن حالهم. الآية 15: ﴿ وَلِلَّهِ ﴾ وحده ﴿ يَسْجُدُ ﴾ جميع ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ خاضعًا مُنقادًا ﴿ طَوْعًا ﴾ أي طاعةً لأمْره (كالمؤمنين) ﴿ وَكَرْهًا ﴾ أي رغمًا عنهم (كالمنافقين)، وكالكُفار عند الشدائد (حِينَ لا يَنفعهم ذلك)، (واعلم أنّ الكافر - وإن لم يَسجد للهِ تعالى عبادةً - فإنه يَسجد له بخضوعه لأحكامه الجارية عليه - مِن غِنىً وفقر، وصحةٍ ومرض، وسعادةٍ وشقاء - ولا يَقدر أن يَرُدّها)، ﴿ وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ﴾ أي: وتَنقادُ لعَظَمته ظلال المخلوقات، فتتحرك بإرادته أول النهار وآخره. الآية 16، والآية 17: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: ﴿ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾؟ ﴿ قُلِ ﴾: ﴿ اللَّهُ ﴾ هو الخالق المُدَبِّر لهما، وأنتم تُقِرُّونَ بذلك، ثم ﴿ قُلْ ﴾ - مُلزِمًا لهم بالحُجَّة -: ﴿ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ أي مَعبودينَ ﴿ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ﴾؟! فكيف لها أن تَنفع عابِدِيها أو تَضُرّ مَن لم يَعبدها؟! ♦ ثم ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي ﴾ يعني هل يَتساوَى عندكم ﴿ الْأَعْمَى ﴾ وهو الكافر الذي عَمِيَ عن آيات اللهِ تعالى رغم وضوحها - ﴿ وَالْبَصِيرُ ﴾ الذي أبْصَرَ آيات اللهِ فآمَنَ بها، ولم يَتكبر عن الانقياد للحق؟! لا يَستويانِ أبداً، ﴿ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ ﴾ وهي ظُلُمات الجهل - والتقليد الأعمى بغير دليل - والكفر والمعاصي (وما يَنتج عن ذلك من القلق والحيرة واضطراب النفس) - فهل يَتساوى ذلك ﴿ وَالنُّورُ ﴾ أي نور العلم والإيمان والاطمئنان بذِكر الله تعالى وتوحيده؟! ﴿ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ ﴾سبحانه ﴿ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ﴾؟! تعالى اللهُ عن ذلك عُلوّاً كبيراً، ﴿ قُلِ ﴾ لهم: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ وأنتم تعترفون بذلك - أيها المشركون - إذاً فهو وحده المُستحِق للعبادة ﴿ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾. ♦ ثم ضَرَبَ سبحانه مَثَلا للحق والباطل بماءٍ أنزَلَهُ من السماء، فقال: ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ أي مَطَراً كثيراً، حتى أصبح سَيلاً من الماء، ﴿ فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾: أي فجَرَى سَيْلُ الماء في أَوْدِية الأرض (بقدْرِ صِغَرها وكِبَرها)، ﴿ فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ﴾ يعني: فحَمَلَ السَيلُ غُثاءً (أي رَغوةً طافية فوقه) لا نَفْعَ فيها. ♦ وضَرَبَ سبحانه مَثَلاآخر، فقال: ﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ﴾ وهي المعادن التي تُوقَدُ عليها النار لِصَهرها، وذلك ﴿ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ ﴾ أي طلبًا للزينة (كما في الذهب والفضة)، ﴿ أَوْ مَتَاعٍ ﴾: يعني أو طلبًا لمنافع يَنتفعونَ بها (كما في النحاس)، فيَخرج من هذه المعادن: ﴿ زَبَدٌ مِثْلُهُ ﴾: أي خَبَثٌ لا فائدةَ فيه (كالذي كانَ مع الماء)، ﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ﴾: أي بمِثل هذا يَضرب اللهُ الأمثالَ للحق والباطل: ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ﴾ يعني: فأمّا الباطل فهو كَغُثاء الماء (وهي الرَغوة التي تتلاشى أو تُرْمَى)، ﴿ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ يعني: وأمّا الحق فهو كالماء الصافي والمعادن النقية (إذ تَبقى في الأرض للانتفاع بها) ﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ للناسِ لِيَتَّضِح الحق من الباطل والهدى من الضلال. الآية 18: ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ ﴾ يعني: إنّ للمؤمنين الذين أطاعوا اللهَ ورسوله: ﴿ الْحُسْنَى ﴾ أي لهم الجنة، ﴿ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ ﴾ وكفروا برسوله: أولئك لهم النار، و ﴿ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ ﴾: يعني لو أنهم كانوا يَملكون كل ما في الأرض وضِعْفه معه: ﴿ لَافْتَدَوْا بِهِ ﴾: أي لَجَعَلوه فِداءً لأنفسهم من عذاب اللهِ يوم القيامة (ولن يُقبَلَ منهم)، ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ ﴾ أي يُحاسبهم اللهُ على كل ما قدّموُه مِن عَمَلٍ سيِّئ، فلا يَغفِرُ لهم منه شيئاً، ﴿ وَمَأْوَاهُمْ ﴾ أي ومَصيرهم ﴿ جَهَنَّمُ ﴾ لتكونَ فِراشاً لهم ﴿ وَبِئْسَ الْمِهَاد ﴾: أي وهي بِئسَ الفِراش والمُستقرُّ. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |