الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4965 - عددالزوار : 2070295 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4542 - عددالزوار : 1340394 )           »          تعملها إزاي؟.. كيف تجهز iPhone الخاص بك لنظام التشغيل iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          ما الذي يساهم فى إطالة عمر الكمبيوتر المحمول؟.. تقرير يجيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          هكذا يمكنك الوصول إلى قائمة "البلوك" على حسابك بفيس بوك.. خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          كيفية توفير مساحة تخزين الهاتف الذكي دون حذف الصور؟.. تفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          كيفية قفل الخلايا فى Excel.. وما معناها فى خطوات؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          جوجل تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحويل ملاحظاتك النصية إلى بودكاست: وإليك الطريقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          تعرف على طرق استعادة جهات الاتصال المحذوفة على جهاز آيفون الخاص بك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          كيفية العثور على التكرارات فى Excel وإزالتها فى خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-01-2025, 02:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال



الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (141) بشرى الملائكة لإبراهيم بإسحاق -صلى الله عليهما وسلم- وبهلاك قوم لوط وجداله فيه (8)




كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (‌وَلَقَدْ ‌جَاءَتْ ‌رُسُلُنَا ‌إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود: 69-76).
الفائدة الحادية عشرة:
قوله -تعالى-: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) فيه: رد جميع الأمور إلى أمر الله، ومع وجود أمره -سبحانه- لا يكون هناك عجب؛ لأن أمره نافذ وقدرته شاملة، وهو على كل شيء قدير، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، (‌إِنَّمَا ‌أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس: 82).
الفائدة الثانية عشرة:
تضمنت الآية ذكر خمس صفات لله -سبحانه وتعالى-؛ استحضار معانيها ومشاهدة آثارها مِن أعظم ما يسعد القلب، ويفرحه به -سبحانه وتعالى-، وهي: وهي 1- أمر الله. 2- رحمته. 3- بركاته. 4- حمده. 5- مجده.
وكل منها من أدلة وحدانية الله -سبحانه- وآثارها ظاهرة في الكون، فأمره النافذ بخلق ما يشاء ممَّن يشاء بعد أن انقطعت الأسباب، كما في ولادة إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب بعد الكبر وعقم الزوجة وكبرها، تفيد للمؤمن عبودية التفويض والتوكل، وعدم الاعتماد على الأسباب، واليقين في إجابة وعد الله -سبحانه- ولو طال المدى، وإجابة الدعاء واستعمال الدعاء؛ لأن الأمر أمره -سبحانه وتعالى-، وأما رحمته -سبحانه- بعبده المؤمن التي هي مقتضى اسمه الرحمن برزقه للمؤمن ما يحب من الولد، والأهل والمال، والأمن، والرزق، والعافية، والسرور في الدنيا بأنواع العطايا المختلفة.
وأيضًا التي هي مقتضى اسمه الرحيم؛ بأن يجعل ذلك الولد صالحًا، ومِن ورائه ابنه نافلة أيضًا من الصالحين، وكلاهما من الأنبياء؛ هذه الرحمة الخاصة بالمؤمنين بالتوفيق لحسن عبادته -سبحانه- التي تقرِّب العبد من ربه، وهذا القرب هو أعظم نعيم الدنيا الذي يؤدي به إلى نعيم الآخرة بالله -عز وجل- بالنظر إلى وجهه، وسماع سلامه: (‌سَلَامٌ ‌قَوْلًا ‌مِنْ ‌رَبٍّ ‌رَحِيمٍ) (يس: 58)، وسماع كلامه وسماع أمانه -سبحانه-: (يَا عِبَادِ ‌لَا ‌خَوْفٌ ‌عَلَيْكُمُ ‌الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الزخرف: 68).
وهذا النعيم هو أعظم نعيم أهل الجنة، مع الفوز برضوانه -سبحانه وتعالى- والقرب منه، وأعظم القرب هي درجة الوسيلة؛ التي هي للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، يرجو أن تكون له، وهي له -إن شاء الله-.
وأما البركات فهي: عطاؤه -سبحانه- الخير الكثير لعبده المؤمن، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌الْبَرَكَةُ ‌مِنَ ‌اللهِ) (رواه البخاري)، وأنواع الخيرات على أهل بيت النبوة هي أعظم أنواع الخير الدنيوي والأخروي والديني، التي بها يكون العطاء الأخروي، والبركة في عطاء الله الديني والدنيوي أعظم من عمل العبد، وأعظم من رزقه وما عنده، ويكفي أنها من عند الله كما قالت مريم -عليها السلام- في الرزق الذي سألها عنه زكريا -عليه السلام-: (‌هُوَ ‌مِنْ ‌عِنْدِ ‌اللَّهِ ‌إِنَّ ‌اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران: 37).
وقالت آسية -رضي الله عنها-: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ ‌بَيْتًا ‌فِي الْجَنَّةِ) (التحريم: 11)، فبدأت بالجار قبل الدار، وكل ما كان من عند الله فهو مبارك عظيم؛ لأن الله -عز وجل- تبارك، كما قال -تعالى-: (‌تَبَارَكَ ‌الَّذِي ‌نَزَّلَ ‌الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان: 1)، وقال: (‌فَتَبَارَكَ ‌اللَّهُ ‌أَحْسَنُ ‌الْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 14).
وأما الحمد الذي دَلَّ عليه اسمه الحميد، فهو: الثناء على الله -عز وجل- بالحُسْن والإحسان؛ بالحُسْن بجمال وجلال الأسماء والصفات التي لا يشبهه فيها أحدٌ، وكلها تدل على الكمال المطلق. وأما الإحسان فهو: العطاء للعباد بالنعم كلها، كما قال -تعالى-: (‌وَمَا ‌بِكُمْ ‌مِنْ ‌نِعْمَةٍ ‌فَمِنَ ‌اللَّهِ) (النحل: 53)، وقال -عز وجل-: (‌وَإِنْ ‌تَعُدُّوا ‌نِعْمَةَ ‌اللَّهِ ‌لَا ‌تُحْصُوهَا) (النحل: 18).
وأما المجيد فهو: العظمة التي لا تُنَال، وهي صفة تجمع صفات الكمال، مثل اسمه: الصمد، واسمه: القدوس، واسمه: السلام، وان كان اسمُه السلام، واسمه القدوس، هي في نفي صفات النقص. وأما المجيد والصمد، ففي إثبات كل صفات الكمال والعظمة.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-02-2025, 08:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (146) اجتباء الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف صلى الله عليهم وسلم (2)




كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قوله -تعالى-: (‌وَكَذَلِكَ ‌يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف: 6).
الفائدة الثانية:
التأمل في ذكر اسم الرب مضافًا إلى ضمير المخاطب المفرد في قوله: (‌يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) نجد فيه التوجيه ولفت نظر القلب إلى هذه الخصوص في العلاقة؛ ربك أنت الذي يفعل بك كل جميل، ويمَنُّ عليك بكل نعمة، ويختصك أنت ويريدك أنت؛ فلتشهد أفعاله الجميلة بك، ولتحرص على أن تكون له وحده، وتشهد فضله وحده، لا تحقق هذا الشعور غير هذه الكلمة: (رَبُّكَ) في مثل هذا الموضع، وتأمل قول يوسف -صلى الله عليه وسلم- في نهاية القصة: (‌قَدْ ‌جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) (يوسف: 100)، وقوله: (إِنَّ رَبِّي ‌لَطِيفٌ ‌لِمَا يَشَاءُ) (يوسف: 100)، وقوله: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) (يوسف: 101).
تجد هذا التعلق الخاص بالربوبية الذي يشهد به العبد الصالح المِنَّة الخاصة، والنعمة الخاصة، مثل ما تجده في قول صالح -صلى الله عليه وسلم-: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ‌ثُمَّ ‌تُوبُوا ‌إِلَيْهِ ‌إِنَّ ‌رَبِّي ‌قَرِيبٌ ‌مُجِيبٌ) (هود: 61)، وقول شعيب -عليه السلام-: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ ‌رَبِّي ‌رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود: 90).
فحين أمرهم بالاستغفار ذكر اسم الربوبية مضافًا إلى ضمير المخاطبين، وهم هنا لم يُخصوا بعد بالفضل والتقريب، وحين ذكر تعلقه هو، بما وَجَد أثره من صفات ربه الرحيم الودود؛ ذَكَر اسم الربوبية مضافًا إلى ضمير المتكلِّم المفرد: (إِنَّ ‌رَبِّي ‌رَحِيمٌ وَدُودٌ)؛ ولأنه وجد من رحمته الخاصة، وأثر حبه ووده -عز وجل- ما لم يجدوه هم.
وتأمل قول السحرة: (رَبِّ ‌مُوسَى ‌وَهَارُونَ) (الأعراف: 122)؛ لتعرف قَدْر هذه الخصوصية بهذا الفضل؛ هذا الذي يأخذ القلب إلى الله -عز وجل-، ويكاد يذوب شوقًا وحبًّا لله، وتأمل قول داود وسليمان: (‌الْحَمْدُ ‌لِلَّهِ ‌الَّذِي ‌فَضَّلَنَا ‌عَلَى ‌كَثِيرٍ ‌مِنْ ‌عِبَادِهِ ‌الْمُؤْمِنِينَ) (النمل: 15)؛ هذا الذي يجب أن يُرَبَّى عليه الانسان، ويُنشَّأ عليه مِن شهود نعمته -سبحانه-، واختصاصه عبده بفضله ورحمته، فيحب ربَّه أعظم الحب، ويكون تعلقه به وحرصه على مرضاته مقدَّمًا على كلِّ ما سواه؛ اللهم ارزقنا حبك ومرضاتك، وحب مَن أحبك، والعمل الذي يبلغنا حبك.
وقد أكَّد يعقوب -عليه الصلاة والسلام- على شهود أثر الربوبية بذكر جميع الأمور منسوبة إلى فعله -عز وجل-؛ فلم يقل: ستكون يا يوسف عالمًا بتأويل الرؤى، وستنال المنازل العالية التي نالها آباؤك، وإنما كانت كل الأمور منسوبة إلى الله -عز وجل-، ومن أفعاله: (‌وَكَذَلِكَ ‌يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ)، (وَيُعَلِّمُكَ)، (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ).
وقد أثَّرت هذه الكلمات في يوسف -عليه الصلاة والسلام- أعظم الأثر، فظل مشاهدًا لفضل ربِّه -سبحانه- وفعله الجميل به في كلِّ مراحل حياته، فقال لصاحبيه في السجن: (ذَلِكُمَا مِمَّا ‌عَلَّمَنِي ‌رَبِّي) (يوسف: 37)، ويقول لهما: (ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ‌عَلَيْنَا ‌وَعَلَى النَّاسِ) (يوسف: 38)، ويقول لأبيه في خاتمة القصة: (يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ ‌قَدْ ‌جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) (يوسف: 100)؛ لم يقل: قد تحققت، وكذلك يقول: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) فنسب الإحسان إلى ربِّه، ولم يقل: خرجتُ من السجن، بل الله أخرجه.
وقال: (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) (يوسف: 100)، ولم يقل: جئتم. وقال: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فنسب الشر إلى الشيطان وفعله؛ فهذا هو الأدب، فالخير كله في يدي الرب -سبحانه-، والشر ليس إليه، وقال: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ) فذكر لطفه ومشيئته؛ كل هذا أثر التربية الإيمانية في الصغر، فالله الذي يفعل ويتفضَّل، ويمَنُّ ويحسن، ويلطف ويشاء، له الحمد -عز وجل-. وقال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) (يوسف: 101)؛ كل هذا فضل الله ومنته.
وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ)، نجد أن شهود النعمة منه -سبحانه- يأخذ قلب العبد؛ فكيف بإتمامها؟!
إن ابتداء النعمة فضل عظيم، وأعظم منه إتمامها: (‌الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ ‌دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3)، وقال -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ ‌فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (الفتح: 1-2).
وإذا شهد مع ذلك أنه إتمام النعمة على آله كلهم، وأنه سبق إتمامها على أبويه من قبل: إبراهيم وإسحاق، فهو إذًا مغمور بنعم الله التامة عليه وعلى آبائه؛ فكان هذا أعظم في شهود الرحمة والفضل، واستدعاء المحبة والشكر.
فاللهم أتمم نعمتك علينا، واجعلنا شاكرين لها مثنين بها عليك.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-02-2025, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (151) توريث الدين من أعظم مهمات الأنبياء والصالحين (3)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله -تعالى- عن يوسف -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَاتَّبَعْتُ ‌مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (يوسف: 38).
الفائدة الثانية:
لا بد أن نهتم في دعوتنا بأسس الإيمان، وهي الإيمان بالله واليوم الآخر، فهما أعظم القضايا التي رُكِز في فطرة البشر البحث عنها، وقبول الحق فيها، وفيها الإجابة عن الأسئلة التي تواجه كل إنسان مِن نفسه: مَن خلقنا؟ ولماذا خلقنا؟ وإلى أين المصير؟
الإيمان بالله يجيب على السؤالين الأولين، فالله الخالق وهو المعبود، وهو خلقنا لنعبده، (‌وَمَا ‌خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، والإيمان باليوم الآخر يجيب عن السؤال الثالث؛ المصير إلى الله والموت آتٍ لا محالة، وبعده البعث والنشور، والجزاء والثواب والعقاب، فالدنيا بأسرها يوم والآخرة اليوم الآخر، وهذه المسائل يشترك في البحث عنها الملوك والمماليك، والأغنياء والفقراء، والكبراء والفقراء؛ فلا بد أن تبدأ الدعوة بها.
والإيمان بالله -سبحانه وتعالى- يستلزم الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والقدر خيره وشره، وكذا الإيمان باليوم الآخر يستلزم الإيمان بالكتب والرسل؛ لأن الجزاء في اليوم الآخر يكون على الشرع التي أتت به الرسل، وتضمنته الكتب المنزلة عليهم، والإيمان بالقدر؛ لأنه في الحقيقة إيمان بقدرة الله وعلمه وكتابته -سبحانه وتعالى- المقادير، وخلقه لأفعال العباد ومشيئته النافذة في ذلك، وفي غيره من أمور الكون؛ فلذلك أصول الإيمان متضمنة في الإيمان باليوم الآخر؛ ولذلك كثر في كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليفعل كذا... أو يترك كذا...
ثم لا بد أن تتضمن الدعوة من البداية، التحذير من كل ملة ليس فيها الإيمان بالله واليوم الآخر، أو فيها اعتقاد فاسد بالله أو باليوم الآخر، كمَن يعتقدون الشرك وعبادة غير الله، أو ربوبية غيره -سبحانه وتعالى- خلقًا، أو رزقًا، أو تدبيرًا، أو ضرًّا أو نفعًا، أو مِلْكًا أو مُلْكًا، أو تشريعًا، وكذا من يعتقدون في اليوم الآخر بعدم بعث الأجساد أو بأن الجنة ليس فيها طعام ولا شراب، كما قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- في قول الله -عز وجل-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ‌بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) (الكهف: 103-105)، قال: "هم اليهود والنصارى؛ أما اليهود فكفروا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وأما النصارى فكفروا بالجنة، فقالوا: ليس فيها طعام ولا شراب!".
وتأمل في قوله: (‌مِلَّةَ ‌قَوْمٍ) (يوسف: 37)، منكَّرَة، ولم يقل: ملة قومكم في أول الأمر، من جنس قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما بال أقوام"، مع وضوح المقصد، ولكنها مراعاة للنفوس الجاهلة التي تعاند دفاعًا عن قومها، وتقليدًا لأشياخها مثل ما دلَّ عليه قول الله -عز وجل- عن بلقيس في أول شأنها من عدم الإيمان، أنها أول ما رأت ملك سليمان وقد بلغتها دعوة الحق، كانت كما قال -تعالى-: (‌وَصَدَّهَا ‌مَا ‌كَانَتْ ‌تَعْبُدُ ‌مِنْ ‌دُونِ ‌اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ) (النمل: 43).
الفائدة الثالثة:
ثم بعد بيان الإيمان بالله واليوم الآخر شرع يوسف صلى الله عليه وسلم في بيان النبوة ومتابعته لملة الأنبياء من آبائه، فهو ترك الباطل وتبع الحق؛ هزم الجاهلية وسلك سبيل المرسلين، فقال: (‌وَاتَّبَعْتُ ‌مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) كما سبق نقل كلام ابن كثير -رحمه الله-، يقول: "هجرت طريق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى واتبع طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الضالين، فإن الله يهدي قلبه ويعلمه ما لم يكن يعلم، ويجعله إمامًا يقتدَى به في الخير، وداعيًا إلى سبيل الرشاد" (تفسير ابن كثير).
وفي هذا بيان أنه لا تتحقق ملة الحق إلا بترك ملة الباطل، ففيه معنى النفي والإثبات الذي تضمنته لا إله إلا الله وقضية ترك ملة الباطل والتبرؤ منها، والتصريح ببطلانها وعدم إيمان أصحابها ضرورة لتحقيق الإيمان بالله، كما قال -تعالى-: (‌فَمَنْ ‌يَكْفُرْ ‌بِالطَّاغُوتِ ‌وَيُؤْمِنْ ‌بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 256)، فالذين يريدون في زماننا ترك قضية البراء من الشرك وأهله، وأن يتمسك الإنسان بما هو عليه دون أن يتعرض لملل الباطل لا يبين بطلانها ولا دخل له بها، فهم من أعظم الناس هدمًا لحقيقة لا إله إلا الله، فإنهم يرومون تصويب الملل كلها، وعلى الأقل تصويب اليهودية والنصرانية كما ادِّعاه المخترعون المبطلون للدين الإبراهيمي الجديد الذي يزعمون فيه مساواة الملل، وهم إنما يريدون هدم الإسلام؛ فليحذر كل مسلم من ذلك، فإن اتباع الحق لا يثبت إلا بترك ملل الباطل كلها، والإيمان بالله لا يحصل إلا بالكفر بالطاغوت.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 94.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 92.08 كيلو بايت... تم توفير 2.67 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]