|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 23 ) وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة اعداد الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 279- عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، كَبَّرَ - وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَالَ أُذُنَيْهِ - ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ، سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ».الشرح: قال المنذري: باب: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/301) وبوب عليه النووي (4/114): باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام تحت صدره فوق سرته، ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه. قوله: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، كَبَّر» أي: عند تكبيرة الإحرام. - قوله: «وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَالَ أُذُنَيْهِ» حيال أذنيه، أي قبالتهما، وقد سبق بيانه. قوله: «ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ» فيه: أن العمل القليل في الصلاة لا يبطلها، خاصة إن كان لحاجة . - قوله: «ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» فيه الدليل على وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام، وبه قال عامة أهل العلم. وعن مالك روايتان: إحداهما: يضعهما تحت صدره، والثانية: يرسلهما ولا يضع إحداهما على الأخرى. أما القول بإرسال اليدين في الصلاة فقولٌ ضعيف، تردّه الأدلة الكثيرة من السنة النبوية، وهاهي باختصار: 1- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ: أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاة. رواه البخاري في بَاب: وضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلاة، ورواه مالك في الموطأ (426)، ورواه أحمد في مسنده. ورواية مالك رحمه الله له في الموطأ، تدل على اختياره له وأخذه به؛ لأنه كتابه الذي يتضمن اختياراته وفقهه ومذهبه. قال الإمام مالك في الموطأ: في كتاب الصلاة: (49) - باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة: عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال: من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة...(وقد جاء مرفوعا صحيحا). ثم روى عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أنه قال: «كان الناس يُؤمرون أنْ يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة». قال أبو حازم: لا أعلمه إلا أنه يُنمي ذلك (أي يرفعه) إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. فوضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، هو مذهب الإمام مالك الصحيح عنه، وما شاع عند كثير من الناس أن مذهب مالك هو السدل! فليس بصحيح، بل لا أصل له في السنة النبوية، ولا عن الإمام مالك، وقد تفرد بهذا القول عنه فقط ابن القاسم من تلاميذه في المدونة، والحقيقة أنه سوء فهم لكلام الإمام مالك. ومن المعروف في علم الحديث: أنه إذا تفرد راو واحد برواية وخالف من هو أوثق منه وأكثر، فإنّ هذه الرواية تكون شاذة وضعيفة، وبالتالي يؤخذ برواية الأكثر؛ لأنهم أحفظ من الواحد، فكيف لو اجتمع هذا مع مخالفة السنة الصحيحة؟! - قال ابن عبد البر: «وروى ابن نافع وعبد الملك ومطرف عن مالك أنه قال: «توضع اليمنى على اليسرى في الصلاة في الفريضة والنافلة، قال: لا بأس بذلك» قال أبو عمر: هو قول المدنيين من أصحابه. (الاستذكار2/291). وقال أشهب:سألت مالك عن وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة المكتوبة ؟ فقال: «لا أرى بذلك بأسا في المكتوبة والنافلة». البيان والتحصيل (1/394). فهذا قول المشاهير من أصحاب الإمام مالك رحم الله الجميع. وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في «نيل الأوطار»: والحديث يصلح للاستدلال به على وجوب وضع اليد على اليد؛ للتصريح من سهل بن سعد بأن الناس كانوا «يؤمرون...». - وقال: ومع هذا، فطول ملازمته صلى الله عليه وآله وسلم لهذه السنة، معلوم لكل ناقل، وهو بمجرده كاف في إثبات الوجوب عند بعض أهل الأصول، فالقول بالوجوب هو المتعين. اهـ باختصار. 2- وعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى. - رواه أبو داود في سننه: باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، ورواه النسائي في سننه: باب في الإمام إذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه، ورواه ابن ماجة في سننه: باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة، والحديث حسنه العلامة الألباني. 3- وعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَمَ يَؤُمُّنَا، فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ. - رواه الترمذي في باب: ما جاء في وضع اليمين على الشمال في الصلاة، وقَالَ: حَدِيثُ هُلْبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، يَرَوْنَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَهُمَا فَوْقَ السُّرَّةِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَكُلُّ ذَلكَ وَاسِعٌ عِنْدَهُمْ. ورواه ابن ماجة وأحمد في مسنده، وقال العلامة الألباني: حسن صحيح. 4- وعنِ ابْنِ عَباسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا بِتَعْجِيلِ فِطْرنَا، وَتَأْخِيرِ سحورِنَا، وَأَنْ نَضَعَ أَيمَانَنا عَلَى شَمَائِلِنَا فِى الصَّلاَةِ». رواه الطيالسي في مسنده وعبد بن حميد والطبراني في الكبير، وصححه ابن حبان والعلامة الألباني في (صفة الصلاة ص 87). ولم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه أرسل يديه في الصلاة قط، لا في الفرض ولا في النفل، على كثرة من روى عنه صفة صلاته من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ومن ادّعى غير ذلك فعليه البرهان والدليل، ولن يجد إلى ذلك سبيلا! وعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل في دينه وعبادته، ويتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأعماله في صلاته وغيرها من عباداته. ولا يحل للمؤمن الحق أن يقدم أقوال الرجال واجتهاداتهم وآراءهم، على قول وهدي محمد صلى الله عليه وسلم، بل ليكن كما قال القائل: دَعُوا كلَّ قولٍ عند قول محمد فما آمنٌ في دينه كمُخاطر - أما موضع اليدين: فالصحيح أنه يضعهما على الصدر، فقد روى الصحابي وائل بن حجر رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. رواه ابن خزيمة في صحيحة (479) ورواه أحمد وغيره، وهو صحيح بطرقه.وذكره النووي في شرحه (4/115) وقال: وأما حديث علي رضي الله عنه أنه قال: من السُنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السُّرَّة، فضعيف متفق على تضعيفه، رواه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي شيبة عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف باتفاق العلماء , قال: قال العلماء: والحكمة في وضع إحداهما على الأخرى، أنه أقرب إلى الخشوع، ومنعهما من العبث، والله أعلم. - قوله: «فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ» وفيه: استحباب كشف اليدين عند الرفع. - قوله «فَلَمَّا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ، سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ» فيه: رفع اليدين عند الرفع من الركوع، وقول: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» عند الرفع منه، وقد سبق. - وفيه: وضع اليدين في السجود على الأرض حذو منكبيه. والله أعلم.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 24 ) باب: ما يقال بين التكبير والقراءة اعداد الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 280- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: « وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَه وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا منْ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ « وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: « اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَك أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي « وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: « اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ « وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: « اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ « ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» . وفي رواية: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَى آخِره «. الشرح :قال المنذري باب: ما يقال بين التكبير والقراءة . الحديث رواه مسلم في صلاة المسافرين ( 1/534 – 536 ) وبوب عليه النووي ( 6/ 57 -60 ) باب :» صلاة النبي صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم ودعائه بالليل . قوله « كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ « أي من الليل، وهو من أدعية الاستفتاح فيها. قوله « قَالَ: « وَجَّهْتُ وَجْهِيَ « أي: قصدت بعبادتي « لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» فطرها: أي ابتدأ خلقها . قوله « حَنِيفًا « معناه: مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام، وأصل الحنف الميل. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب منْ كان على دين إبراهيم صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم، ونصب « حنيفا « على الحال . قوله « وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ « هو بيان للحنيف وإيضاح لمعناه، والمشرك: يطلق على كل كافر، من عابد وثن وصنم، ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم، قاله النووي . وفيه تفصيل: فإن لفظ الكافر مشتق من الكفر، وهو الجحود لبعض ما يجب الإيمان به من أركان الإيمان وغيرها، وأما المشرك فمأخوذ من الشرك، وهو جعل شريك مع الله تعالى، وقد يطلقان بمعنى واحد، وقد يفرق بينهما، فيختص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات، مع اعترافهم بالله تعالى، ككفار قريش فيكون الكفر أعم من الشرك . قوله « إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي « النسك هو العبادة، والنسيكة كل ما يتقرب به إلى الله تعالى، وتطلق على الذبيحة التي يتقرب بها لله تعالى . قوله « وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي « أي: حياتي وموتي « لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَه وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ « أي: خاصة لله تعالى، أو ملكا له سبحانه، فاللام لام الإضافة . قوله « رَبِّ الْعَالَمِينَ « الرب فيه أربعة معان: المالك والسيد والمدبر والمربي، ولا يطلق على غير الله تعالى إلا بالإضافة، فيقال: رب المال ورب الدار ونحو ذلك. والعالمون جمع عالم، وهم كل ما سوى الله تعالى، من عالم الملائكة والجن والإنس وغيرهم من المخلوقات. قيل: مشتق من العلامة فهم علامة على وجود الخالق، وقيل: من العلم فيختص بالعقلاء, قوله «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ» الملك الحقيقي لجميع المخلوقات لله سبحانه . قوله « لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ «أي: أنا مقرٌ ومعترف بأنك مالكي وسيدي، ومدبر أمري، وحكمك نافذٌ فيّ . قوله «ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنتَ» فيه: اعتراف بالتقصير، وقدمه على طلب المغفرة تأدبا، كما قال آدم وحواء عليها السلام ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإنْ لم تغفرْ لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) قوله « واهدني لأحسن الأخلاق « أي أرشدني لأحسنها وأفضلها، ووفقني للتخلق بها . قوله « واصرف عني سيئها « أي: ابعد عني قبيحها . قوله « لبيك وسعديك « لبيك من لب بالمكان لبا وألب، أي: أقام به، فمعناه: أنا مقيم على طاعتك، إقامة بعد إقامة . « وسعديك « من المساعدة، قال الأزهري: معناه: مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة . قوله « وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ « كقول الله تعالى ( بيدك الخير ) آل عمران: 26 . قوله « وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ « أي: لا ينسب الشر إليك، قال الخطابي: فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى، ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب، كما قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام ( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين ) فأضاف الخير إلى ربه ثم قال ( وإذا مرضت فهو يشفين ) الشعراء. فأضاف المرض إلى نفسه، مع أنه بتقدير الله. وفالت الجن ( وأنّا لا ندري أشرٌ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) الجن. وقال النووي: وأما قوله « والشر ليس إليك « فمما يجب تأويله، لأن مذهب أهل الحق: أنّ كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها، وحينئذ يجب تأويله، وفيه خمسة أقوال : - أحدها: معناه لا يتقرّب به إليك، قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وابن راهويه وابن معين وابن خزيمة والأزهري وغيرهم . - الثاني: لا يضاف إليك على انفراده، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير، ويا رب الشر ونحو هذا، وإن كان هو خالق كل شيء، ورب كل شيء، بل يدخل الشر في العموم، قاله المزني وغيره . - الثالث: معناه الشر لا يصعد إليك، إنما يصعد إليه الكلم الطيب والعمل الصالح، كما قال سبحانه . - الرابع: معناه: والشر ليس شرا بالنسبة إليك، فإنك خلقته بحكمة بالغة، وإنما هو شر بالنسبة للمخلوقين . - الخامس: أنه كقولك: فلان إلى بني فلان، إذا كان عداده فيهم، أو صفوه إليهم. (انتهى مختصرا ) قوله: أنَا بِكَ وَإِلَيْكَ «أي: التجائي وانتمائي إليك، وتوفيقي بك. وهو تبرأٌ من الحول والقوة» . قوله « تَبَارَكْتَ « من البركة وهي ثبوت الخير، أو استحقاق الثناء. قوله « وَتَعَالَيْتَ» من العلو، وكل أنواع العلو ثابتة له: علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر للعباد . - قوله: وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَك أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي» فهو من أذكار الركوع في صلاة الليل . - قوله: لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ « ملء بكسر الميم ونصب الهمزة بعد اللام، ومعناه: حمدا لو كان أجساما لملأ السموات والأرض لعظمته. - قوله: « وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: « اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» فهو من أذكار السجود في صلاة الليل . قوله « ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» يقول هذا الدعاء بعد التشهد وقبل التسليم. - وفيه: أن المقدم والمؤخر من أسماء الله تعالى، قال الخطابي: المقدم هو المنزل للأشياء منازلها، يقدم ما شاء منها، ويؤخر ما شاء، قدم المقادير، وقدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيدة. ورفع الخلق بعضهم فوق بعض درجات، وقدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين، وأخّر من شاء عن مراتبهم وثبطهم عنها . وأخر الشيء عن حين توقعه، لعلمه بما في عواقبه من الحكمة . لا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم . قال: والجمع بين هذين الاسمين أحسن من التفرقة. ( الأسماء للبيهقي ص 86).
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 27 ) باب: القراءة مما تيسر ااعداد الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 284. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ السَّلَامُ» ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، عَلِّمْنِي، قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِن الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا». الشرح: قال المنذري: باب: القراءة مما تيسر. والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 298) وبوب عليه النووي الباب السابق. قال النووي: هذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة وليعلم أولا: أنه محمول على بيان الواجبات دون السنن. فإنْ قيل: لم يذكر فيه كل الواجبات، فقد بقي واجبات مجمع عليها ومختلف فيها، فمن المجمع عليه: النية، والقعود في التشهد الأخير، وترتيب أركان الصلاة. ومن المختلف فيه: التشهد الأخير، والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، والسلام، وهذه الثلاثة واجبة عند الشافعي رحمه الله. وقال بوجوب السلام الجمهور، وأوجب التشهد كثيرون، وأوجب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الشافعي: الشعبي وأحمد وأصحابهما. وأوجب جماعة من أصحاب الشافعي: نية الحروج من الصلاة! وأوجب أحمد رحمه الله تعالى التشهد الأول. وكذلك التسبيح وتكبيرات الانتقالات. قال: فالجواب: أن الواجبات الثلاثة المجمع عليها، كانت معلومةً عند السائل، فلم يحتج إلى بيانها، وكذا المختلف فيه عند من يوجبه، يحمله على أنه كان معلوما عنده. وأيضا: فإن الحديث روي من طرق وبألفاظ كثيرة جمعت جملة الواجبات. وهذا الحديث: حجة في وجوب الطهارة، واستقبال القبلة، وتكبيرة الإحرام، والقراءة، ووجوب الاعتدال من الركوع، والجلوس بين السجدتين، ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، والجلوس بين السجدتين. وخالف الحنفية في كثير من هذه الأركان، والحديث حجة عليهم. وفيه: وجوب القراءة للقرآن في الركعات كلها، والمقصود بالقراءة للقرآن هاهنا: الفاتحة، كما دلّت عليه الأحاديث في الباب السابق. وفيه: أن التعوذ ودعاء الاستفتاح، ليسا بواجبين. وفيه: دليل على أن إقامة الصلاة ليست واجبة. وفيه: أنّ من أخل ببعض أركان الصلاة لم تصح صلاته، بل تبطل، ولا يُسمى مصلياً، بل يقال له: إنك لم تصل، كما في نص الحديث. وهذا من أخطر ما يكون على المسلم! وقد صح في الحديث قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُجزئُ صلاةٌ لا يُقيم الرجل فيها صلبهُ في الركوع والسجود» رواه أحمد والنسائي وابن ماجة من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه. وفي لفظ: «حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود». وهو من أسوأ الناس سرقة، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أسوأُ الناس سرقة، الذي يسرق من صلاته» قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق من صلاته ؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها، أو قال: لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» رواه أحمد والطبراني وصححه ابن خزيمة والألباني في الترغيب (524). وعن أبي عبد الله الأشعري: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلا لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده، وهو يصلي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو ماتَ هذا على حاله هذه، مات على غير ملة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». ثم قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مثَلُ الذي لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده، مثل الجائع، يأكل التمرة والتمرتين، لا يغنيان عنه شيئا» رواه الطبراني وأبو يعلى وصححه ابن خزيمة. والله تعالى يعرض عن أمثال هذا، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ينظر الله إلى عبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده» رواه أحمد. وفي الحديث: «إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» رواه أبوداود (796) في الصلاة، باب ما جاء في نقصان الصلاة، وأحمد (4/321) . قال الشوكاني في السيل الجرار (1/ 216): ولأهل الرأي في عدم إيجاب الطمأنينة، كلامٌ يَعرف فساده من يعرف الاستدلال ويدري بكيفيته، وقد أفضى ذلك إلى أنْ يصلي غالب عامتهم، وبعض خاصتهم، صلاة لا ينظر الله إلى صاحبها، ولا تجزئه، كما نطق بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فكانت هذه الرزية النازلة بهم، هي ثمرتهم المستفادة من تقليدهم. انتهى. وفي الحديث: أن المفتي إذا سئل عن شيء، وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل ولم يسأله عنه، يستحب له أن يذكره له، ويكون هذا من النصيحة لا من الكلام فيما لا يعني، وذلك أن الرجل قال: «علمني يا رسول الله» أي: علّمني الصلاة، فعلّمه الصلاة واستقبال القبلة والوضوء، وليسا من الصلاة، لكنهما شرطان لها. وفيه: الرفق بالمتعلم والجاهل، وملاطفته، وإيضاح المسألة له، وتلخيص المقاصد له، والاقتصار في حقه على المهم من المسائل، دون الأمور التي لا يحتملها حفظه وفهمه. وفي الحديث: استحباب السلام عند اللقاء، ووجوب ردّه، وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء وإنْ قرُب العهد. وأنه يجب ردّه في كل مرة. وأن صيغة رد السلام تكون بـ: وعليكم، أو: وعليك، كما في هذا الحديث، ويجوز بحذف الواو، كما قال تعالى: {قالوا سلاما قال سلام} (هود: 69). وقد استدرك الدارقطني على إسناد حديث الباب. وتعقبه النووي وقال: فحصل أن الحديث صحيح، لا علة فيه، ولو كان الصحيح ما رواه الأكثرون لم يضر في صحة المتن، وقد سبق بيان مثل هذا مرات في أول الكتاب، ومقصودي بذكر هذا ألا يغتر بذكر الدارقطني أو غيره له في الاستدراكات، والله عز وجل أعلم.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 29 ) باب: في القراءة في الظهر والعصر ااعداد الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 288. عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». الشرح: قال المنذري: باب في القراءة في الظهر والعصر، وأورد فيه حديثين: الأول حديث أبي قتادة رضي الله عنه، والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 333) وبوب عليه النووي (4 / 171) تبويب المنذري نفسه. ورواه البخاري في الأذان (762) فهو من المتفق عليه. قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ» وهذا ثابتٌ عنه، لا يكاد يختلف فيه أحد، أنه كان يقرأ في كل ركعة من الركعتين الأوليين الفاتحة وسورة، وذكر الشوكاني فيه الإجماع. وفي حديث سعد رضي الله عنه في هذا الباب لمسلم قال: «إني لأركدُ بهم في الأوليين، وأحذف في الأخريين». وفي لفظ «فأمدّ في الأوليين». وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه الآخر في الباب نفسه قال: «لقد كانت صلاة الظهر تقام، فيذهبُ الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى، مما يُطوّلها». قوله: «بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ»، وفي الرواية الأخرى: «بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتين» قال النووي: فيه دليلٌ لما قاله أصحابنا: أن قراءة سورة قصيرة بكمالها، أفضل من قراءة قدرها من طويلة: لأن المستحب للقارئ أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط، ويقف عند انتهاء المرتبط، وقد يخفى الارتباط على أكثر الناس أو كثير، فندب منهم إلى إكمال السورة، ليحترز عن الوقوف دون الارتباط. انتهى. وسيأتي بيان السور التي كان يقرأ بها صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر. قوله: «وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» فيه جواز إسماع الآية أحيانا، برفع الصوت بها في الصلاة السرية. قال النووي: هذا محمولٌ على أنه أراد به بيان جواز الجهر بالقراءة السرية ! وأن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة، بل هو سُنة. قال: ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل بسبق اللسان؛ للاستغراق في التدبر، والله أعلم. قلت: أما الجهر بالسرية فلم يعرف عنه قط، والله أعلم. قوله: «وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وهذا يدل على تخفيف الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر. وورد أنه كان يقرأ فيهما بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب وسورة أحيانا، وهو يدل على مشروعية ذلك وسنيّته، بحسب الأحوال من التخفيف والتطويل. قال العلماء: السنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل، وتكون الصبح أطول، وفي العشاء والعصر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره. قالوا: والحكمة في إطالة الصبح والظهر: أنهما في وقت غفلة بالنوم آخر الليل وفي القائلة، فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، والعصر ليست كذلك، بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك، والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى تخفيفها لذلك، ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم، والعشاء في وقت غلبة النوم والنعاس، ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر، والله أعلم، نقله النووي. والحديث الثاني: 289. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، أَوْ قَالَ: نِصْفَ ذَلِكَ، وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ. الشرح: والحديث في الموضع السابق من صحيح مسلم، وفي الباب نفسه. قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً »، وهذا بالتقدير، كما في الرواية الأخرى عنه: «كنا نَحْزُرُ قيام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظهر والعصر، فحَزَرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر، قدر قراءة (آلم) تنزيل السجدة، وحَزَرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر، على قدر قيامه في الأُخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر، على النصف من ذلك» فقوله «نحزر» أي: نخمن ونقدر. وهذا فيه أيضا: أن القراءة في الأوليين، أطول منها في الأخريين. وقال بعض الفقهاء: إنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يطول الأولى، وأن السبب في الطول: وجود دعاء الافتتاح والتعوذ، أو لسماع دخول داخل إلى الصلاة ونحوه، لا في القراءة! وهو قولٌ ضعيفٌ، يرده ظاهر السنة النبوية. والحديث فيه: أن صلاة العصر أخف من صلاة الظهر. وروى مسلم أيضا: عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الظهر بـ (سبّح اسم ربك الأعلى) وفي الصبح بأطول من ذلك. وروى أيضا عنه قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الظهر بـ (الليل إذا يغشى) وفي العصر نحو ذلك، وفي الصُبْح أطول من ذلك. 91- باب: في القراءة في صلاة المغرب 290.عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ. الشرح: قال المنذري: باب في القراءة في صلاة المغرب. والحديث رواه مسلم في الصلاة، وبوب عليه النووي (4/180): باب القراءة في الصبح. والحديث رواه البخاري في الأذان (763). قولها: «يا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي» أي: إنها كانت قد نسيت ذلك. قولها: «إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ» وفي رواية البخاري أنها آخر صلوات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فروى في باب وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: «ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله». والحديث يدل على جواز القراءة في المغرب بغير قصار المفصل. ويدل عليه أيضا: حديث جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في المغرب بالطور. رواه البخاري (765) ومسلم. وكذا حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنه قال لمروان بن الحكم: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصّل، وقد سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بطُولى الطوليين». رواه البخاري (764). وطولى الطوليين: أي بأطول السورتين، وهي الأعراف. لكن ثبت أن تقصير المغرب هو الأكثر؛ لحديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فلان» قال سليمان: فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بأواسط المفصل» رواه النسائي وصححه ابن خزيمة وغيره. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 308): وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك. وكذا حديث أبي رافع رضي الله عنه: أنهم كانوا ينتضلون – أي يرمون بالسهام – بعد صلاة المغرب. رواه البخاري. وقال الحافظ: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطيل القراءة أحيانا في المغرب إما لبيان الجواز، وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين، وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه، وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعارٌ بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل. انتهى باختصار يسير. فائدة: المفصّل من القرآن: أوله سورة (ق) على الصحيح وآخره آخر القرآن، كما في حديث أوس بن حذيفة رضي الله عنه في تحزيب الصحابة للقرآن، أخرجه أحمد وأبو داود. والله أعلم.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 30 ) باب: القراءة في العشاء الآخرة اعداد الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 291. عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟! اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا. قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «اقْرَأْ (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) و(َالضُّحَى) و(اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) وَ(سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)». فَقَالَ عَمْرٌو: نَحْوَ هَذَا. الشرح: قال المنذري: باب القراءة في العشاء الآخرة. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/ 339) وبوب عليه النووي: باب القراءة في العشاء. وأخرجه البخاري في الأذان (700 – 701) باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى. قوله «كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ» فيه جواز صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن معاذا كان يصلي الفربضة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم العشاء مرة ثانية متنفلا، فهي له تطوع ولهم فريضة، وقد جاء هكذا مصرحا به في رواية غير مسلم. قال النووي: وهذا جائز عند الشافعي رحمه الله تعالى، ولم يجزه ربيعة ومالك وأبو حنيفة رضي الله عنهم، وتأولوا حديث معاذ رضي الله عنه على أنه كان يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنفلا! ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ومنهم من قال: حديث معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ! ثم قال: وكل هذه التأويلات دعاوى لا أصل لها، فلا يترك ظاهر الحديث بها. انتهى. وقال صديق حسن: تصريحه هو وغيره أن التي صلاها مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي الفريضة، والتي صلاها بقومه نافلة له، دليل واضح، وحجة نيرة في هذا الباب، يدفع كل برهان داحض، ويقطع عرق كل تعليلٍ عليل، ويدفع كل خيال مختل، وما أجيب به عن ذلك، من أنه قول صحابي لا حجة فيه، فتعسف شديد؛ فإن الصحابي أخبرنا بذلك، وهو أجل قدرا من أن يروي بمجرد الظن والتخمين، وقد وقع هذا في عصره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن ينزل، فلو كان غير جائز، لما وقع التقرير عليه. وأيضا الأصل صحة ذلك، والدليل على من منع منه، وأما الاستدلال بحديث «تختلفوا على أئمتكم» فوضع الدليل في غير موضعه؛ فإن النهي على فرض شموله لغير ما هو مذكور بعده من التفصيل، لا يتناول إلا ما كان له ظاهر في المخالفة من الأركان والأذكار، وفعل القلب لا يدخل في ذلك؛ لعدم ظهور أثر المخالفة فيه. ولو قدرنا دخوله، لكان مخصوصا بدليل الجواز. انتهى. قوله «فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ» فيه: جواز قول «سورة البقرة» و«سورة آل عمران» و«سورة النساء» وهكذا، ومن منع منه، فهذا الحديث وغيره حجة عليه. قوله «فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ» استدل به على أنه يجوز للمأموم أن يقطع صلاته مع الإمام، ويصلي منفردا، للعذر والحاجة الطارئة، على أصح الأقوال. والعذر: هو ما تسقط به الجماعة ابتداء، ويعذر في التخلف عنها بسببه. وقال الحافظ: وأما قوله في الترجمة «فخرج» فيحتمل أنه خرج من القدوة، أو من الصلاة رأسا، أو من المسجد. قال ابن رشيد: الظاهر أن المراد: خرج إلى منزله فصلى فيه، وهو ظاهر قوله في الحديث «فانصرف الرجل». فتعقبه الحافظ بقوله: قلت: وليس الواقع كذلك؛ فإن في رواية النسائي «فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد». وأعلّ البيهقي قوله «ثم سلم» وقال الحافظ: وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط، ولم يخرج من الصلاة، بل استمر فيها منفردا (الفتح: 2/194). قوله «فقالوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟» فيه: الإنكار من أهل المسجد على من ارتكب منكرا وخطأ من المصلين. وفيه: أن التخلف عن الجماعة، من صفة المنافق عند الصحابة ر ضي الله عنهم. قوله «قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ» أي: ما نافقت، ولكن فعلت ذلك بسبب التعب الشديد، كما سيأتي. قوله «فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ» النواضح هي الإبل التي يسقى عليها، جمع ناضح، ومعنى قوله: أننا أصحاب عمل وتعب؛ فلا نستطيع تطويل الصلاة. قوله «وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ» فيه: علم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصلاة معاذ رضي الله عنه معه، ثم ذهابه لقومه للصلاة بهم بعده. قوله «فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟! اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا» فأنكر عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله هذا، وهو التطويل في الصلاة بهم، وقوله «أفتان» وفي رواية البخاري «فتانٌ فتان فتان» أي: منفرٌ عن الدين وصادٌ عنه، والتكرار للتأكيد؛ لأن التطويل قد يكون سببا لكراهة الصلاة جماعة. ففيه: الحث على التخفيف مراعاة لحال المأمومين، إذا كانوا لا يطيقون التطويل، أو لا يرضون بالتطويل. وروى البيهقي في «الشعب» بإسناد صحيح: عن عمر قال: «لا تبغّضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إماما فيطوّل على القوم حتى يبغّض إليهم ما هم فيه». وقال الداودي: يحتمل أن يريد بقوله «فتان» أي: معذبٌ؛ لأنه عذبهم بالتطويل، ومنه قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين} قيل: معناه عذبوهم (الفتح 2/195). وفيه: التعزير بالقول والاكتفاء به. قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «اقْرَأْ (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) و(َالضُّحَى) و(اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) وَ(سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)». فَقَالَ عَمْرٌو: نَحْوَ هَذَا. ظاهر هذا أنه موقوف على جابر رضي الله عنه، لكن هو قد ثبت مرفوعا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي الحديث: جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلى فيه بالجماعة إذا كان لعذر.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر مسلم للمنذري (15) باب تحويل القبلة عن الشام إلى الكعبة اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 261- عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلا دخل المسجد فصلى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية، وفيه: إذا قُمتَ إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر». الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب تحويل القبلة عن الشام إلى الكعبة. والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 298) وهو في آخر ما بوب عليه النووي: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. قال النووي: هذا الحديث مشتملٌ على فوائد كثيرة، وليعلم أولا أنه محمول على بيان الواجبات دون السنن، فإنْ قيل: لم يذكر فيه كل الواجبات، فقد بقي واجبات مجمع عليها ومختلف فيها، فمن المجمع عليه النية والقعود في التشهد الأخير، وترتيب أركان الصلاة. ومن المختلف فيه: التشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والسلام، وهذه الثلاثة واجبة عند الشافعي رحمه الله تعالى. قال: وفي هذا الحديث دليل على أن إقامة الصلاة ليست واجبة، وفيه وجوب الطهارة واستقبال القبلة وتكبيرة الإحرام والقراءة...إلى آخر ما قال (4 / 107 – 108). قوله: «إذا قمت إلى الصلاة» أي: أردت القيام إلى الصلاة، كقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم...} الآية، أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا. قوله: «فأسبغ الوضوء» الإسباغ في اللغة الإتمام، أي توضأ وضوءا تاما لا تنقص منه شيئا. قوله: «ثم استقبل القبلة» فيه وجوب استقبال القبلة عند الصلاة، فالأمر منه عليه الصلاة والسلام يقتضي الوجوب. والحديث صريح في وجوب الطهارة، واستقبال القبلة، وتكبيرة الإحرام، وموضع الدلالة هنا: الأمر باستقبال القبلة فقط. وفي القرآن الكريم وجوب استقبال البيت الحرام، قال سبحانه: {ومنْ حيثُ خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وُجوهكم شَطره} (البقرة: 150)، وشطر المسجد أي: جهته أو نحوه أو تلقاءه أو قبله، على اختلاف تفاسير السلف للشطر، فالآية تدل على أن استقبال الكعبة واجب عموما على الحاضر والبادي والمسافر، ولا تصح الصلاة بدونه، وعليه إجماع المسلمين، إلا لعاجز عنه، كالمريض والمقاتل حال القتال، والمسافر المتنفل على الدابة ونحوهم. ومنْ كان في حال قيامه إلى الصلاة، معاينا للبيت الحرام، ولم يحل بينه وبينه حائل، فإن فرضه استقبال عين الكعبة لأنه يراها. وأما إذا كان في بعض بيوت مكة، أو شعابها، وكان بينه وبين البيت حال القيام إلى الصلاة حائل؛ فإنه لا يجب عليه أن يصعد إلى مكان آخر يشاهد فيه البيت، بل فرضه التوجه لجهة الكعبة. وهكذا الحال فيما يقرب منها أو ما يبعد من المصلين، ففرضه استقبال جهة الكعبة، وعليه أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام، وليس عليه غير ذلك، ولم يأت دليل يدل على غير هذا. وفي الحديث: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه، وأخرجه ابن ماجة، والحاكم، من حديث ابن عمر رضي الله عنه. فالمراد من قوله: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» أي: ما بينهما القبلة لمن كان بالمدينة النبوية وما حاذاها، فإذا توجه إلى الجهة التي بينهما، فقد فعل ما عليه من وجوب التوجه للكعبة. وأما غيره فيمكن أن يستدل المصلي على القبلة بواسطة جهات الشمس والقمر، وكذا بعض النجوم المعروفة كالقطب، أو بسؤال من يثق به، أو بالمحاريب المنصوبة في المساجد، أو بالآلات والأجهزة الحديثة. والله أعلم. باب: في تحويل القِبلة عن الشّام إلى الكعبة 262 – عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، حتى نزلت الآية التي في البقرة: {وحيثُما كُنْتم فولوا وجوهكم شَطره} (البقرة: 150) فنزلت بعد ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق رجلٌ من القوم، فمرّ بناسٍ من الأنصار وهم يُصلون، فحدّثهم، فولوا وجوههم قبل البيت. الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب: في تحويل القِبلة عن الشّام إلى الكعبة. والحديث رواه مسلم في الصلاة، وقال النووي: باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة. ورواه البخاري في الصلاة (399) بنحوه، باب التوجه للقبلة حيث كان. قوله عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس» أصل المقدس والتقديس من التطهير، وفيه لغتان مشهورتان: فتح الميم وسكون القاف، وضم الميم وفتح القاف، ويقال فيه أيضا: إيلياء، وإلياء ، وقد أوضحه النووي مع بيان لغاته، وتصريفه، واشتقاقه، في كتابه «تهذيب الأسماء». قوله: «ستة عشر شهرا» أي: بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. قوله «حتى نزلت الآية التي في البقرة {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} (البقرة: 150). وقد جاء في الرواية الأخرى وفت نزولها عن ابن عمر قال: «بينما الناس في صلاة الصبح بقباء، إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه الليلة، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة». ووفي رواية البخاري «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة»، وفي رواية ابن عباس عند الطبري: لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزلت. وقد روى الإمام أحمد عنه أيضا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه». أي: كان يستقبل بيت المقدس في مكة، لكنه يجعل الكعبة بينه وبينه. قوله: «فنزلت بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار، وهم يصلون، فحدثهم» أي أبلغهم بتحول القبلة. قوله «فولوا وجوههم قبل البيت». والحديث فيه: جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين، وهذا الصحيح؛ لأن أهل هذا المسجد استداروا في صلاتهم، واستقبلوا الكعبة، ولم يستأنفوها. قال الشافعية: لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة، فصلى كل ركعة منها إلى جهة، صحت صلاته على الأصح. والحديث فيه دليل على جواز النسخ ووقوعه، وجواز نسخ السنة النبوية بالقرآن. قال النووي (5/9): واختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى في أن استقبال بيت المقدس هل كان ثابتا بالقرآن أم باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال القاضي عياض: الذي ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن، فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال إن: القرآن ينسخ السنة، وهو قول أكثر الأصوليين المتأخرين، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى. قال: واختلفوا أيضا في عكسه وهو نسخ السنة للقرآن: فجوزه الأكثرون، ومنعه الشافعي وطائفة. وفيه: أن النسخ لا يثبت في حق المكلف، حتى يبلغه. انتهى. والحديث فيه قبول خبر الواحد؛ لأن الصحابة الذين كانوا يصلون تجاه المسجد الأقصى بأمر منه صلى الله عليه وسلم، ثم قبلوا خبر من أخبرهم من الصحابة - وهو واحد - بتحول القبلة، وتحولوا جميعا إلى البيت الحرام. وبقبول خبر الواحد وحجيته في الاعتقاد والعمل، قال أهل السنة والجماعة، وخالف فيه المعتزلة. وفي رواية البخاري: «فأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك في السماء} فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس – وهم اليهود – {ما وَلاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قُل لله المشرقُ والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقبم}». أي: إذا كان المشرق والمغرب وغيرها من الجهات لله تعالى، ملكا له وخلقا، فلماذا يعترض المعترضون على أمره سبحانه وتعالى ؟! بل الواجب التسليم لأمره سبحانه والانقياد له، وهو يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم. وقوله في حديث ابن عمر: «بينما الناس في صلاة الصبح بقباء، إذ جاءهم آت» قال الشافعي: سماها الله تعالى الفجر، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصبح، فلا أحب أن تسمى بغير هذين الاسمين. قلت: وفيه المحافظة على الأسماء الشرعية فلا تغير، ولكن ورد في حديث ابن عمر: «صلاة الغداة» أيضا. والله تعالى أعلم.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر مسلم للمنذري (19) باب فضل الذكر عند دخول الصلاة اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 271 - عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً جاء فدخل الصف، وقد حَفَزه النَّفس، فقال: «الحمدُ لله، حَمداً كثيراً طَيباً مُباركا فيه»، فلما قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاته ، قال: «أيُّكم المتكلّم بالكلماتِ؟» فأرَمَّ القوم، فقال: «أيكم المتكلّم بها؟» فإنه لم يقلْ بأسا فقال رجلٌ: «جئتُ وقدْ حَفَزني النفس فقلتها»، فقال: «لقد رأيتُ اثنَي عشرَ مَلَكاً يَبْتدرونها، أيهم يَرفعها».الشرح : قال المنذري: باب فضل الذكر عند دخول الصلاة . والحديث رواه مسلم في المساجد (1/ 419 – 420)، وبوب عليه النووي (5/ 96 ): باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة. - أي: هو من أذكار الاستفتاح في الصلاة، وهو مستحب عند الجمهور، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أكثر من طريق وأكثر من صيغة للاستفتاح. - فروى الشيخان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيّة قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: «أقول: اللهم باعدْ بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقّني من خطاياي كما يُنقى الثوبُ الأبيض من الدّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد». - وحديث عمر رضي الله عنه: «سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جَدُك، ولا إله غيرك». وغيرها من الاستفتاحات. - قوله: «وقد حفزه النفس» بفتح حروفه وتخفيفها، أي: ضغطه لسرعته في سعيه للصلاة. - قوله: «أيُّكم المتكلّم بالكلماتِ؟ «أي: التي سمعها منه النبي صلى الله عليه وسلم أثناء دخوله للصلاة. - قوله: «فأرمّ القوم» أرم بفتح وتشديد الميم ، أي : سكتوا ولم يُجيبوا. - قال عياض: ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم: بالزاي وتخفيف الميم، من الأزم، وهو الإمساك، وهو صحيح المعنى. - قوله: «فإنه لم يقلْ بأسا» طمأنه بذلك ليتكلم؛ لأنه لم يُجب خوفا أو حياء منه صلى الله عليه وسلم، ظنّا منه أنه قد أخطأ بما قال. - قوله: «فقال رجلٌ: جئتُ وقدْ حَفَزني النفس فقلتها» لم ُيذكر في الحديث اسمه. - قوله: «لقد رأيتُ اثنَي عشرَ مَلَكاً يَبْتدرونها ، أيهم يَرفعها» أي: لفضل هذه الكلمات وشرفها وبركتها عند الله تعالى. وفيه دليل على أنَّ بعض الطاعات قد يَكتبها غيرُ الحفظة أيضا، قاله النووي. باب رفعُ اليدين في الصلاة 272 – عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسولُ اللهصلى الله عليه وسلم إذا قامَ للصلاة، رفعَ يديه حتى تًَكونا حَذْوَ مَنْكبيه، ثم كبّر، فإذا أرادَ أنْ يَركع فعلَ مثل ذلك، ولا يَفعله حين يَرفع رأسه منْ السجود». الشرح: - قال المنذري: باب رفع اليدين في الصلاة. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة، وبوب عليه النووي (4/ 93): باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام، والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إلا إذا رفع من السجود. والحديث في أفعال الصلاة، وهو رفع اليدين في هذه المواضع، وإثبات تكبيرة الإحرام. قال النووي: أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، واختلفوا فيما سواها. فقال أحمد والشافعي وجمهور العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم يستحب رفعهما أيضا عند الركوع وعند الرفع منه، وهو رواية عن مالك. قال: وللشافعي قول أنه يستحب رفعهما في موضع رابع، وهو: إذا قام من التشهد الأول، وهذا القول هو الصواب، فقد صحّ فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه كان يفعله، رواه البخاري (وهو حديثنا هذا) . قال: وصح أيضا من حديث أبي حُميد الساعدي، رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة. وقال أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة: لا يستحب الرفع في غير تكبيرة الإحرام؟ وهو أشهر الروايات عن مالك؟! قلت: والحديث حجةٌ عليهم. قوله: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلمإذا قام للصلاة رفعَ يديه حتى تكونا حَذْوَ مَنْكبيه»، وفي الرواية الأخرى «حتى يحاذي بهما أذنيه»، وفي ثالثة «فروع أذنيه». فصفة الرفع لليدين: إما أن يرفع يديه حذو منكبيه، أي: تحاذي أطراف أصابعه فروع أذنيه، أي: أعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه. وأما وقت الرفع، فقال النووي: ففي الرواية الأولى «رفع يديه ثم كبر». وفي الثانية « كبر ثم رفع»، وفي الثالثة «إذا كبر رفع يديه» أي: مع التكبير. وأن يكون باطن كفيه للقبلة عند الرفع، ممدودة الأصابع، مفرقة الأصابع تفريقا وسطا. وإذا فرغ من التكبير حطّ يديه ولم يستدم الرفع ، ووضعهما على صدره. وقوله: «إذا قام للصلاة، رفعَ يديه حتى تكونا حَذْوَ مَنْكبيه، ثم كبّر» فيه إثبات تكبيرة الإحرام، وهي ركنٌ من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها، عند كافة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مفتاحُ الصلاة الطهور، وتحريمها التّكبير، وتحليلها التسليم» رواه أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجة . وقال: «صلّوا كما رأيتموني أُصلي» متفق عليه، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه. ولفظة التكبير هي قول: الله أكبر، وهو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه كان يقوله. والتكبير تنزيه لله تعالى وتعظيم، وأجاز أبو حنيفة كل قول فيه تعظيم الله تعالى؟! كقوله: الرحمن أكبر، أو الله أجل، أو أعظم! وخالفه جمهور العلماء من السلف والخلف فقالوا: لا يجزيء إلا: الله أكبر، أما الحكمة من رفع اليدين، ففيه أقوال. وقال النووي جامعا ذلك: واختلفت عبارات العلماء في الحكمة في رفع اليدين، فقال الشافعي رضي الله عنه: فعلته إعظاما لله تعالى واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال غيره: هو استكانة واستسلام وانقياد، وكان الأسير إذا غلب مد يديه علامة للاستسلام، وقيل: هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل: إشارة إلى طرح أمور الدنيا، والإقبال بكليته على الصلاة، ومناجاة ربه سبحانه وتعالى، كما تضمن ذلك قوله: «الله أكبر» فيطابق فعله قوله.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 25 ) باب: ترك الجهر بـ{بسم الله الرحمن الرحيم} اعداد الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 281- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). الشرح: قال المنذري: باب: ترك الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/299) وبوب عليه النووي (4/110) باب: حُجة من قال: لا يجهر بالبسملة. - قوله: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أي: كانوا لا يجهرون بالبسملة في القراءة في الصلاة الجهرية. - وفي الرواية الأخرى قال: «صَلَّيْتُ خلف رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فكانوا يستفتحون بـ(الحمد رب العالمين)، لا يذكرون (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في أول قراءةٍ ولا في آخرها». وأخرجه البخاري في الأذان (743). أي: في الصلوات الجهرية؛ لأن السرية لا يجهر فيها لا بالبسملة ولا غيرها. وقد استدل بهذا منْ لا يرى البسملة من الفاتحة، ومن يراها منها ويقول: لا يجهر، وهو الأصح. قال النووي: ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى وطوائف من السلف والخلف: أن البسملة آيةٌ من الفاتحة، وأنها يُجهر بها بالفاتحة حيث يجهر بالفاتحة ! - قال: واعتمد أصحابنا ومن قال إنها آية من الفاتحة: أنها كتبت في المصحف بخط المصحف، وكان هذا باتفاق الصحابة وإجماعهم على ألا يثبتوا فيه بخط القرآن غير القرآن، وأجمع بعدهم المسلمون كلهم في كل الأعصار إلى يومنا أنها ليست في أول (براءة)، وأنها لا تكتب فيها وهذا يؤكد ما قلناه. انتهى. - وقد استدل من قال: إنها ليست من الفاتحة، بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي...» الحديث، أخرجه مسلم في الصلاة (395) فلم يذكر البسملة. أما معنى قولنا: باسم الله، أي: باسم الله أقرأ، أو ابتدأ قراءتي باسم الله. والله: عَلَمٌ على الرب عز وجل، وأصله: إله بمعنى مألوه، والمألوه هو المعبود. والرحمن الرحيم: اسمان دالان على الرحمة الواسعة للخلائق، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم، وهو خاص بالله تعالى فلا يطلق على غير الله سبحانه. باب: في بسم الله الرحمن الرحيم 282- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟» فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي؟! فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ؟!». الشرح: قال المنذري: باب: في بسم الله الرحمن الرحيم. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/ 300) وبوب عليه النووي: باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة. قوله «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا» أي: بيننا «إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً» أغفى إغفاءه، أي: نام. قوله «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ» آنفا، أي: قريبا. قوله: فَقَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فيه: أن البسملة في أوائل السور من القرآن، وهو مقصود الإمام مسلم بذكر الحديث هاهنا. ولا منافاة بين هذا الحديث وبين الحديث السابق، فالقراءة للسورة من أولها خارج الصلاة، يجهر فيها بـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وأما في الصلاة فلا يجهر؛ اتباعا لهدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته، وهدي الخلفاء الراشدين من بعده. قوله {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} الكوثر هو الخير الكثير، وقد فسره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ» وهو حوض عظيم، طوله شهر، وعرضه شهر، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، تشرب منه أمته في عرصات القيامة قبل دخولهم الجنة، والإيمان به واجب، وهو من معتقدات أهل السنة والجماعة الثابتة. قوله «فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ» يختلج أي: يقتطع ويؤخذ، فيمنع من الشرب من الحوض والورود عليه، والذي يفعل به ذلك هم الملائكة كما ثبت. قوله «فَأَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي؟! فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ؟!» وفيه: وقوع إحداث الأمة بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو علامة من علامات النبوة. الإحداث يكون في الدين، بالبدع والزيادات التي لم يشرعها الله تعالى على لسان رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهؤلاء يطردون عن الحوض يوم القيامة. قال العلامة صديق حسن: وقد أحدثت أمته بعد نبيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أحدثت مما يطول ذكره ويعسر ضبطه، حتى أفضى بهم ذلك الإحداث إلى الإشراك بالله، وعبادة الأولياء، وفساد العقائد والأعمال والنيات. وأخرجهم عدوهم إبليس إلى أنواع من الضلالة والبدعة، ورفض الكتاب والسنة، وتقديم أقوال الأحبار والرهبان على محكمات الحديث والقرآن، وتأثيرها على واضحات الإيمان، وظاهرات الإحسان، وبينات الإسلام {وكان أمر الله قدرا مقدورا} (الأحزاب: 38). انتهى. ومن الإحداث أيضا: الجرائم من الزنى والسرقة وشرب الخمر ونحوها. قوله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} خصّ هاتين العبادتين بالذكر؛ لأنهما أشرف وأفضل العبادات، فالصلاة تتضمن الخضوع والخشوع في القلب واللسان والجوارح. والذبح والنحر لله تعالى من أفضل العبادات المالية التي يتقرب بها إليه. قوله {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} الشانئ هو المبغض والذام والمنتقص، والأبتر: هو المقطوع من كل خير. وكان المشركون يقولون: إن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس له عقب فهو منقطع الذكر؟! فرد الله عز وجل عليهم بأن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي له الكمال الممكن للمخلوق، وهو الذي جعل الله تعالى له رفع الذكر، ولسان الصدق والثناء الحسن، على مر الزمان، مع كثرة الأتباع والأنصار الذين يحبونه ويتابعونه وينصرونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. والله تعالى أعلم
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 26 ) باب: وجوب القراءة بأم القرآن في الصلاة ااعداد الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 283.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ» فَقِيلَ: لِأَبِي هُرَيْرَةَ، إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْد:ُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ». الشرح: قال المنذري: باب: وجوب القراءة بأم القرآن في الصلاة. والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 296) وبوب عليه النووي: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وأنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها، قرأ ما تيسر له من غيرها. قوله «خداج» الخداج بكسر الخاء هو النقصان، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج (الولادة) وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقصا وإن كان لتمام الولادة، ومنه قيل لذي اليدية: مخدج اليد، أي ناقصها. فقوله صلى الله عليه وسلم : «خداج» أي: ذات خداج أي نقص. وقوله: «بأم القرآن» أي: الفاتحة، وهو من أسمائها، وسميت أم القرآن لأنها فاتحته، كما سميت «مكة» أم القرى لأنها أصلها. وفيه دليل على وجوب قراءة الفاتحة في كل صلاة، وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه (2/ 293) باب: «وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يُجهر فيها وما يُخافت». ولم يذكر المنفرد لأن حكمه حكم الإمام، وذكر السفر لئلا يتخيل أنه يترخص فيه بترك القراءة كما رخص فيه بحذف بعض الركعات، قاله الحافظ. وقوله: «وما يجهر فيها وما يخافت» أي أن الوجوب لا يختص بالسرية دون الجهرية، خلافا لمن فرّق في المأموم، ويشهد له قول أبي هريرة رضي الله عنه الآتي. ثم أورد الحديث (756): عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». وللإمام البخاري جزءٌ مفرد في هذه المسألة، باسم: جزء القراءة خلف الإمام، وهو مطبوع. قوله: «فَقِيلَ: لِأَبِي هُرَيْرَةَ، إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ». وهل المقصود بقوله «لا صلاة» نفي ذات الصلاة، أم نفي الكمال؟ والجواب: أن المراد نفي الذات والإجزاء، وهو عُرف الشرع، والسابق إلى الفهم. يؤيده ما رواه الإسماعلي في مستخرجه على البخاري بإسناده بلفظ: «لا تجزيء صلاةٌ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» (الفتح 2/299). وله شاهد عند ابن خزيمة وابن حبان. وقد قال بوجوب القراءة جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ومنهم ومالك والشافعي. وقال أبوحنيفة وطائفة قليلة: لا تجب؟! وأن الواجب آية من القرآن، لقوله صلى الله عليه وسلم : «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن». والصحيح: أنه محمول على الفاتحة، كما بينته الأحاديث الكثيرة. واستدل على وجوب القراءة في الركعات كلها، بقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» بعد أن أمره بالقراءة. واستدل من قال بسقوط الفاتحة عن المأموم مطلقا وهم الحنفية بحديث: «من كان له إمامٌ، فقراءة الإمام له قراءة» لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، كما قال الحافظ ابن حجر. واستدل من قال بسقوط الفاتحة عن المأموم في الجهرية كالمالكية، بحديث: «وإذا قرأ فأنصتوا» رواه مسلم. قال الحافظ: ولا دلالة فيه، لإمكان الجمع بين الأمرين: فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت. وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم، لئلا يوقعه في ارتكاب النهي، حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام. وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في «جزء القراءة» والترمذي وابن حبان: عن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: لعلكم تقرؤن خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: «فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها». وروى عبدالرزاق: عن سعيد بن جبير قال: لا بد من أم القرآن، ولكن من مضى كان الإمام يسكت ساعة، قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن. قوله «فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» أي هو حديث قدسي، من كلام الله عز وجل، والمراد بـ «الصلاة» الفاتحة، وهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء تعظيما. ولأنها لا تصح الصلاة إلا بها، كقوله صلى الله عليه وسلم : «الحج عرفة». والمراد بقسمتها: قسمتها من حيث المعنى؛ لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد، وثناء وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وافتقار. قوله: «فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَال:َ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي» فهذا كله ثناء بين يدي السؤال والطلب، وهو من تعليم الله لعباده، أن يقدموا ذلك بين يدي طلبهم وسؤالهم، وله أمثال في القرآن. فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، أي: نخصك بالعبادة والاستعانة، وتقديم المعمول يفيد الحصر، فكأنه يقول: لا أعبد إلا إياك، ولا أستعين إلا بك. فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} اهدنا أي أرشدنا ودلنا ووفقنا للصراط المستقيم، وثبتنا عليه. والصراط المستقيم هو لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان. قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، كما قال الله: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} (النساء: 69). قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وهم اليهود ومن شابههم {وَلَا الضَّالِّينَ} وهم النصارى ومن شابههم، كما صح به الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاليهود عرفوا الحق وتركوه وأعرضوا عنه، والنصارى تركوا الحق على جهل وضلال. قَالَ: «هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» وهو وعد من الله تعالى باستجابة دعاء من دعاه بها مخلصا صادقا، حاضر القلب، متضرعا مفتقرا إليه. وهذه السورة قد تضمنت ما لم تتضمنه أي سورة من القرآن من أنواع التوحيد الثلاثة، وإخلاص الدين، وإثبات النبوة، وإثبات الجزاء، والرد على جميع فرق البدع والأهواء. والله تعالى أعلم.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 31 ) باب: النهي عن سبق الإمام بالركوع والسجود اعداد الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 292.عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي» ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ». الشرح: قال المنذري: باب النهي عن سبق الإمام بالركوع والسجود. والحديث أحرجه مسلم في الصلاة (1/320) وبوب عليه النووي (4/150): باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما. قوله «فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ» فيه: أن من السنة الإقبال على المصلين، والالتفات إليهم بالوجه بعد انقضاء الصلاة، وقد ثبتت فيه أحاديث كثيرة. قوله «فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ » فيه تحريم هذه الأفعال، وما في معناها، فيحرم مسابقة الإمام فيها، وقد تقدم الكلام عليها. والانصراف: هو السلام. قوله «فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خلفي» وفي رواية له (1/319): «أَقيموا الركوعَ والسجودَ، فوالله إني لأراكم منْ بعدي – وربما قال: من بعد ظهري – إذا ركعتم وسجدتم». وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه (1/319) قال: «إني والله لأُبصرُ من ورائي، كما أبصرُ من بين يدي». قال الإمام أحمد وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤيةٌ بالعين حقيقية. وقال النووي (4/149): قال العلماء: معناه أن الله تعالى خلق له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إدراكاً في قفاه يُبصر من ورائه، وقد انخرقت العادة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقلٌ ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره، فوجب القول به. انتهى. وقال عياض: وحمله بعضهم على بعد الوفاة! وهو بعيد عن سياق الحديث. وقوله «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» فيه جواز الحلف بالله تعالى لتأكيد أمر وتفخيمه، والمبالغة في تحقيقه، وقد كثر في الأحاديث، «لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». وقوله «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ» فيه دليل أن الجنة والنار مخلوقتان، موجودتان الآن، وهو مذهب أهل السنة والجماعة ، والأدلة عليه كثيرة، كقوله تعالى عن الجنة {أعدت للمتقين} وقوله عن النار {أعدت للكافرين}. 94- باب: النهي عن رفع الرأس قبل الإمام 293.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ، أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ فِي صُورَةِ حِمَارٍ». الشرح: قال المنذري: باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/321) في الباب السابق. وأخرجه البخاري في الأذان (691) باب: إثم من رفع رأسه قبل الإمام. قوله «مَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ» أي: من السجود، ويلتحق به الركوع لأنه في معناه، قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية؛ لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه؛ لأنه في غاية الخضوع المطلوب، فلذلك خص بالتنصيص عليه، ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء، وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم، إذا كان للمذكور مزية. قال: وأما التقدم على الإمام في الخفض في الركوع والسجود، فقيل: يلتحق به من باب الأولى (انظر الفتح 2/183). قوله «أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ فِي صُورَةِ حِمَارٍ». وفي الرواية الأخرى له: «أما يَخشى الذي يَرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار». وفي رواية له ثالثة «أن يجعل الله وجهه وجه حمار»، قال عياض: هذه الروايات متفقة؛ لأن الوجه في الرأس، ومعظم الصورة فيه. والحديث فيه تحريم مسابقة الإمام، ووجوب متابعته. قال النووي: هذا كله بيان لغلظ تحريم ذلك، والله أعلم. وذلك لتهديده بالمسخ وهو من أشد العقوبات. واختلف في هذا المسخ: هل هو معنوي، أم حسي؟! فقيل: يحتمل أن يرجع لأمر معنوي، فإن الحمار موصوف بالبلادة، فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة، ومتابعة الإمام، ويرجح هذا: أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين. وأجيب عنه: بأن كون فاعله متعرضا لذلك، لا يلزم أن يقع ذلك الوعيد عليه، قاله ابن دقيق العيد. وحمله آخرون على ظاهره؛ إذْ لا مانع من جواز وقوع ذلك، كما جاء في حديث مستحلّي الزنى والحرير والخمر والمعازف في البخاري وغيره، وقوع مسخهم إلى قردة وخنازير. وقال ابن الجوزي في الرواية التي عبّر فيها بالصورة: هذه اللفظة تمنع تأويل من قال المراد: رأس حمار في البلادة. وقال الحافظ: ومما يبعده أيضا: إيراد الوعيد بالأمر المستقبل، وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة، لقال مثلا: فرأسه رأس حمار، وإنما قلت ذلك؛ لأن الصفة المذكورة – وهي البلادة – حاصلةٌ في فاعل ذلك عند فعله المذكور، فلا يحسن أن يقال له: يُخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدا، مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة. انتهى. ويمكن أن يراد به الأمران معا: الحسي والمعنوي، والله أعلم (انظر الفتح 2/183-184). وفي الحديث: كمال شفقة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورحمته بأمته، وبيانه لهم الأحكام، وما يترتّب عليها من الثواب والعقاب. لطيفة: قال صاحب «القبس في شرح موطأ مالك بن أنس» أبو بكر بن العربي رحمه الله: ليس للتقدم قبل الإمام سببٌ إلا طلب الاستعجال، ودواؤه أن يستحضر أنه لن يسلّم قبل الإمام، فلا يستعجل في هذه الأفعال.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |